الفصل الثالث والعشرون

111 8 0
                                    

 

وصلوا إلى المدينة القريبة من البلدة مساءا ونزلوا بمطعم بسيط ليتناولوا بعض الطعام. كانت ياقوتة جائعة واشتغلت بما هو أمامها من أكل بينما بقيت نسرين صامتة كما كان حالها طوال الطريق. وتكتفي بإرسال نظرات تأملية حول المكان... لطالما كانت صديقاتها بالمدرسة تخبرنها أن المدينة كبيرة وتصفن لها محلاتها وسوقها العامر بالناس ويتباهين بما اشترينه رفقة أمهاتهن. إلا هي لم تزرها إلا مرة واحدة رفقة جدتها من أمها... وكانت تلك أول مرة تشتري فيها حذاءً تختاره بنفسها وعلى ذوقها... لم تكن يوما تتمتع بامتياز اختيار ملابسها ولا حتى التطلع لأشياء غالية تعجبها. والدها هو من كان يشتري لها ولأختها ملابسهما دون تكلف. و رغم بساطتها كانتا تفرحان بها وتجربانها مرة بعد أخرى... إنها براءة الطفولة وسذاجة الصغر... وكان الأمر كذلك حتى كبرتا وصارتا تميزان بين ما ترتديه الأخريات بالمدرسة وما كانتا تحصلان عليه كلتاهما. ورغم ذلك تقبلتا الأمر وقنعتا بالموجود.

لم يكن الأمر سيئا حتى انتهكت كرامتهما... في الدخول المدرسي، وعندما كانت نسرين تستعد لولوج الاعدادية لأول مرة جاء أسامة أكبر إخوتها بكيس كبير به كثير من الثياب. ناداهما معا: نسرين... منال... تعاليا لتشاهدا ما أحضرته لكما.

قفزتا معا ووقفتا بقربه في فضول ثم لحقت بهما أمهما. وراح هو يخرج من الكيس بعض الثياب الجميلة ويقدمها إليهما وهما تجربانها فوق جسديهما بإعجاب... كانتا سعيدتين بها ومنبهرتين من روعتها. وأسرعتا لتجريبها فورا امتثالا لطلبه.

وهما تلبسان أول ثوبين انتبهت نسرين أنه لا يحمل البطاقة التي ترافق عادة الأثواب الجديدة. ثم دققت النظر فيه بالمرآة بعد أن لبسته فوجدته باهتا في بعض أجزائه... وكانت فطنة لتدرك أنه ثوب قد لُبِس قبلاً وربما قد اشتراه أخوها من سوق الثياب المستعملة... لم تهتم للأمر كثيرا فلا أحد من أصدقائها سيعرف بالأمر.

لقد كانت لفتة طيبة منه رغم كل شيء، فوالدها لم يشتر لهم أي ملابس هذه السنة، ولن تلوم أخاها على ما فعل فهو يجمع نقوده ليجهز منزله الذي هو في طور البناء حتى يتزوج. وربما رق قلبه عليهما ولم يشأ أن تلجا المدرسة دون أن ترتديان ثيابا جديدة.

أنثى بحروف شرقيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن