الفصل الحادي عشر

153 10 0
                                    

مضى أسبوع كامل بعد الفضيحة التي أثارتها سهام في العمارة، ويبدو أن الأخبار سرت بين الجيران سريعا ووصلت فادي ما جعله يتصل بها مرتين ليتهمها بالجنون و يهددها ، وكان مطلبه واضحا إما أن ترجع للمنزل أو يأخذ منها الطفل إن هي استمرت في هجرانه. تعلم أنه وغد يلعب على وترها الحساس، لأنه يعرف حق المعرفة أنها لا يمكن أن تتخلى عن ابنها تحت أي وطأة ظروف...
أثناء حديثها إليه حاولت جاهدة أن تجره في الكلام لعله يفقد أعصابه ويصرح لها بأي كلمة تصدق ما روته عنه وما شاهدته تلك الليلة المشؤومة، ولكنه أبدا لم يعترف بحقيقة ما تتهمه به. أمن المعقول أن كل ما عاشته يومها هو محض هلوسات !!!
أصبحت الآن تشكك في حقيقة الأمر بعد أن انسدت كل السبل في وجهها وبات الجميع يتهمها، وبدل أن تكون ضحية أصبحت هي الجاني !
لكن رغم هذه الشكوك التي تساورها ما عادت تطيق العودة لفادي مهما حصل... فحتى لو تبين أن الحقيقة عكس ما تظنها، ما كانت لترجع له، لأنها وببساطة اكتفت من الذل والمهانة التي كانت تعيشها في كنفه...
عليها أن تسعى جاهدة للحفاظ  على ابنها بقربها وهذا كل ما يهمها...
ابنها !
أين هو؟
التفتت مذعورة تبحث عنه من حولها وهي تصارع الزحام في السوق: أنس !  أنس !
تضاربت دقات قلبها بعنف وهي تدور بالمكان منادية دون أن تجد له أثرا: أنس أين أنت !
صرخت بها مرعوبة فبدأ الناس ينتبهون إلى علامات الذعر على وجهها واقترب منها أحدهم: مابك سيدتي؟
صرخت بجزع: فقدت ابني... لقد كان متعلقا بيدي قبل قليل... أظنه تاه مني بين الزحام...
بدأ القريبون منها بالثرثرة وهم ينشرون خبر ضياع طفل من أمه في ما هدأها الرجل وقال: لا تقلقي سيدتي، سنجده بكل تأكيد...
ارتجفت خوفا وهي تحاول البحث عنه في المكان هاتفة باسمه، في حين علت الضوضاء من حولها بين متضامن وبين متهم لها بالاهمال...
مضت ساعات وهي تذرف دموعها وقد فتشت الطريق الذي سارت به قبل أن تفقد أنس عدة مرات وسألت عنه في كل متجر دخلته دون أن تجد له أثرا أو حتى تسمع عنه خبرا. بلغ بها الأسى حد الجنون ففي غمرة مشاكلها نسيت حتى أنها قد أحضرت معها ابنها الصغير، وهاهي كالبلهاء تضيعه في مكان مزدحم بالناس أين يمكن لأي كان أن يأخذه دون حرج ولن تراه في حياتها أبدا...
أشار لها بعض من أهمه الأمر وساعدها أثناء بحثها أن تذهب لمركز الشرطة فلا بد وأنه وقع بأيد أناس اصطحبوه إلى هناك مثلما جرت العادة في مثل هذه المواقف.
سارت باتجاه المخرج وقد أصبحت الرؤية أمامها ضبابية وبدأت تصاب بالدوار.
عندما تركت زحام السوق خلفها وقفت عند احدى الشجيرات على الرصيف وأخذت تحاول الاتصال بوالدتها علها تسرع في الحضور لمواساتها لأنها ماعادت تقوى على الوقوف.
ما إن رفعت سامية الهاتف لأذنها وكانت قد علمت من الرقم أنها ابنتها حتى صاحت فيها معنفة: أين أنت حتى هذا الوقت يا سهام؟ والدك لم يكف عن تأنيبي لأنني تركتك تخرجين وحدك وأنت في هذه الحالة ! إنها الثالثة عصرا يا فتاة !
انفجرت الأخرى بالبكاء وهي تخبرها أنها فقدت أنس وهي لا تدري ما تفعل، وأنها ليست بخير وما عادت تقوى على الوقوف.
دب الرعب في قلب سامية وراحت تنادي على مصطفى تارة وتارة أخرى تطلب من ابنتها أن تخبرها أين هي بالضبط...
وبعد طريق أمضاه مصطفي في اللوم والعتاب وتأنيب سامية والسخط من الوضع الذي هم فيه برمته، وصلا إلى المكان الذي أخبرتهما عنه سهام، وهناك وجدا سيارة إسعاف والممرضون يرفعون السرير لداخلها وهي ممددة عليه دون وعي. أقبلا نحوها على عجل، وبالكاد استطاعا اجتياز الجمع هناك. ثم ركبت رفقتها والدتها وهي تنتحب بعويل فيما كاد مصطفى يقذف بها خارجا وهو يطلب منها الهدوء والصبر ليفهم ما حصل من فريق الاسعاف، وبعد أخذ ورد تبين أنه محض إغماء وحمد الله أنها لم تتعرض لحادث سيارة أو نوبة قلبية...
ترك سامية ترافق ابنتهما فيما نزل هو للبحث عن أنس وتبليغ مركز الشرطة لتعميم الخبر.

أنثى بحروف شرقيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن