الفصل التاسع

179 8 5
                                    

أمواج البحر العنيفة تضرب الشاطئ بقسوة وترجع على مهل ساحبة معها الرمال الذهبية وبقايا رغوة بيضاء... تلك الرياح الباردة حملت معها أطراف بلوزتها البيضاء ترفرف من حولها... رفعت نسرين من تنورتها وضربت بقدميها الحافيتين المياه فأمطرته بزخات متلألئة عكست أشعة الشمس الذهبية في مغيبها...
ضحك محمود وهو يتأمل نظراتها الطفولية للمكان... وكأنها رجعت عشرين سنة للوراء. طفلة تبصر البحر لأول مرة وتلعب بمياهه كما تمنت في قلبها سرا أن تفعل ذات يوم.
اقترب منها واحتضن كتفيها إليه فابتسمت وبقيا يراقبان الغروب.
سألها بحب: أعجبك المكان؟
ردت بسعادة: رائع...
شدها من كفها وسارا معا على الشاطئ بأقدام حافية، وهما يستمعان لهدير أمواجه. كان المكان شبه خاليا من الناس عدا بعض الصيادين على أحد المرتفعات الصخرية البعيدة. سألها: تشعرين بالبرد؟
أجابته: كلا...
واستمرا يتمشيان في صمت فالتفتت إليه: هل سنرجع للشاليه؟
أجابها: ليس الآن... سنتعشى أولا...
جلست على الرمال وبقيت تراقب المغيب، فجلس بقربها وساد الصمت الأجواء حتى همس باسمها: نسرين...
نظرت إليه وانتظرت ما يريد قوله وبقيت تراقب عيونه التي تحدق فيها بحب لم تر له في حياتها مثيل، ثم قال: أنا لا أستطيع النوم... لم أتوقع أن تكون حياتك مهددة بالخطر من طرف أهلك...
بدى الامتعاض على وجهها لفتحه هذا الموضوع من جديد، لكنه لم يرد أن يقفل عليه دون أن يقول ما كان يجول بذهنه: لقد أمضيت أياما بلياليها وأنا أفكر في كل الغموض الذي يلفك... حتى أنني أردت أن أدفع مقابل أي معلومة بخصوصك، اليوم وبعد أن صارحتني بحكايتك أجد أنه من العجز أن أقف مكتوف اليدين في انتظار ضربتهم الثالثة.
لم تجد الكلمات المناسبة لتقفل على الموضوع فاكتفت بهز رأسها نفيا: دعنا من كل هذا الحديث...
لفها إليه واضعا كلتا يديه على ذراعيها: يجب أن أنهي هذا الموضوع بالطريقة المناسبة... لا أريد لأي كان أن يتسبب في إيذائك.... إن كانوا يرون أنه في هروبك من الزواج و تركك للمنزل إهانة لشرفهم، فعليهم أن يعرفوا أن الحكاية برمتها قد انتهت وأنك متزوجة الآن ولديك من يحميك وليس عليهم التدخل في حياتك مجددا، يكفي كل هذه السنوات التي قضيتها في الهروب والاختباء...
نظرت إليه بعيون تمكن منها الخوف فزفر وتابع: إلى متى الخوف يا نسرين... لقد تمكنوا من زرع الرعب في كل ذرة فيك !
ردت بألم: محمود... قد يؤذونك فلا تُقحم نفسك في هذا الموضوع...
لم يتمالك نفسه فخرج صوته غاضبا: أقحم نفسي !!! أترينني غريبا يا نسرين ! الآن وبعد أن تزوجنا تقولين لا تقحم نفسك !
ردت بضيق: لا ليس هذا ولكنني أخشى من أن يتسببوا في إيذائك...
لم يقتنع بكلامها فاستطرد قائلا: إن أرادوا إيذائك فسيبدؤون بي لأنني سأكون حجر العثرة في طريقهم.. لا تأخذي الأمور باستهتار فلولا ستر الله المرة الماضية لكنت في عداد الموتى... لا أعتقد أنهم يمزحون معك !!!
وقفت بضيق فوقف أيضا وانتظر ما ستقول، لكنها سارت بضع خطوات في صمت فلم يشأ اللحاق بها والضغط عليها أكثر، لأنه يعرف جيدا أنه سيتهور في الكلام إن تمسكت برأيها وأصرت على ألا يتدخل بالموضوع. فعاد لجلوسه وبقي يراقبها وهي تسير على مهل مبتعدة والبراكين تغلي بداخله.

أنثى بحروف شرقيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن