1

3.2K 76 5
                                    

امتاز عم منصور بصفتين رئيسيتين .. الأولى أن الرجل هو أهم شخص طوال العامين الأولين في كلية الطب لغالبية الطلاب، إن لم يكن جميعهم.. ولما لا، وهو خازن قلعة الأسرار ..

المشرحة ..

الرعب والصدمة الأولى التي تنتظرها، وتتلقاها في أول عهدك بدراسة الطب .. اللحظة التي تتخيلها كثيراً قبل أن تلتحق بالكلية .. ربما لأن دراسة الطب تعني للكثيرين عالم من الجثث الممزقة والأشلاء الدامية..

يحدثك صديقك حين تعود من الكلية، بعد يوم واحد من التحاقك بها بانبهار عن عدد الجثث التي قمت بتشريحها .. وتنظر إليك أمك بتوجس فور أن تعود من الكلية، وعيناها لاتفارقان يديك بتأفف متسائلة :

- ألن تستحم أو تغتسل ؟.. ظناً منها أنك ربما تسبح في الكلية في بحر من الجثث والدماء والأشلاء .. وتتأفف أختك حين تجلس بجوارها الى المائدة، متسائلة باستنكار..

-هل تظن أنك ستأكل معنا؟.. طبعا ستجيب من بين أسنانك، وأنت تجاهد نفسك ألاتقضم رقبتها:

- بالطبع لا .. من قال هذا؟.. أنا فقط أجلس بجواركم كي أستمتع برؤيتكم، وأنتم تتناولون الطعام .. إن هذا هو مايشبعني.

لاتغضب ياصديقي لو حدث هذا لك، وغالباً سوف يحدث .. ستتحول في أعينهم الى كائن موبوء مصاب بالجرب، وسيستمر هذا بعض الوقت إلى أن يعتادوا عليك مرة أخرى، أو تعتاد أنت على اشمئزازهم منك، فلاتبالي بعد ذلك ..

لذا من الصعب أن تتخيل أن هناك أشياء كثيرة مهمة في دراسة الطب، بل وربما تستحق ذعراً أكبر بكثير مما تتنظره من المشرحة والجثث ..

كلمني عن عوالم علم دراسة الأنسجة (الهستولوجي) وشرائحها المتشابهة، وصبغياتها القاتمة اللعينة.. حدثني عن الكيمياء الحيوية بمعادلاتها الشيطانية التي لا تنتهي ..

حدثني عن الامتحانات الشفهية .. رعب قوطي يستحق الاهتمام والدراسة، ولايعلمه إلا من عايشه .. صدقني لو أدركت عوالم هذه الاشياء المخيفة، لما سببت لك المشرحة بجثثها كل هذا الرعب..

الشيء الآخر المميز في عم منصور، هو شراهته المتناهية في التدخين..

فلم أره أبداً إلا وكان يدخن .. سجائر .. شيشة .. وبالتأكيد ذلك الملك المتوج لأصحاب المزاج العالي، المدعو الحشيش ..كان الرجل يدخن كمرجل بخاري نهم ..

كان ابن مزاج حقيقي كما نقول..

اعتدنا حين كنا طلاباً في المرحلة الأولى من كلية الطب على هيئته التى لم تتغير أبداً ، دوماً كنا نراه أمام باب المشرحة الخشبي ذو الزجاج المدهون بطلاء أبيض باهت سقيم .. يجلس على كرسي خشبي عتيق متهالك، ويضع على مسنده الخلفي وسادة قطنية؛ لتريح ظهره من قسوة الخشب..

ألجثة ألخامسةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن