28

250 22 0
                                    

- لا بد أنكم تمزحون هاهنا مزحة سخيفة ..



قالها الدكتور نعيم بذهول..وأبعد عينيه عن الجثة متحاشياً النظر إليها ، والتفت إلى العمال الواجمين حوله ..وصاح فيهم بغضب وحنق:



-الآن أريد أن أعلم أي لعبة قذرة تمارسونها هنا؟..وماذا تهدفون من ورائها؟.. حدثوني ماذا يجرى هاهنا بالضبط.



لم يجبه أحد، واستمروا في صمتهم ؛فاندفع مرة أخرى صارخاً في وجوههم الممتقعة ،بصوت هادر:



-لماذا عدتم بها دون أن تدفنونها؟..ألم تذهبوا بها بالأمس إلى المقابر ؟.. لماذا لم تفعلوا إذا؟..



أجابه عبد الدايم بصوت خافت مرتجف:



-لقد دفناها بالفعل يادكتور ،كلنا فعل هذا بالأمس.



-إذن كيف عادت؟.. هل سارت على قدميها حتى جاءت إلى هنا ،أم تراها قد طارت ؟..



هنا فقد جمال تماسكه ،وهتف برعب :



-هذه الجثة ملعونة يادكتور ..هناك شيطان ما يلتصق بها ..لقد دفناها بالأمس..بل لقد أدخلتها القبر بنفسي،لكن هاهي تعود ثانية..ألايعنى هذا أنها ملعونة..إنها جثة شيطاينة بالفعل.



لكن الدكتور نعيم كان منزعجاً للغاية مما يحدث فصاح به:



-كف عن قول هذا الهراء حالاً ..إنكم تمارسون لعبة حقيرة هاهنا وسأكتشفها، وستحاسبون جميعاً عليها.. سوف أبلغ الشرطة عنكم ، وسأدعها تعلم منكم ما المؤامرة الخبيثة التي تدبرونها معا.



اندفع بعدها مغادرا المشرحة بسخط ،فتابعوه بأعينهم حتى خرج من المشرحة تماماً ..ثم قال عبد الدايم بقلق:



-و الآن ماذا سنفعل ؟..إنه يتهمنا بأننا من يفعل هذا ؟..لا أدرى كيف صور له عقله هذا؟..



أجابه عم منصور، وهو يهز رأسه بحيرة:



-لن نفعل شيئاً.. سننتظر حتى يقرر هو ماعلينا أن نفعله..لكن إياكم والاقتراب من تلك الجثة المعلونة ..اتركوها وشأنها حتى ينتهي هذا الجنون.



أما الدكتور نعيم فقد اندفع إلى مكتبه حانقاً ..قبل أن يغلقه بإحكام خلفه ؛ كأنما يرغب في ألا يراه أحد ..كان متوترا وكان خائفا يرتجف..كان يحاول ببؤس أن يداري ذعره كي لايشعر به أحد..كان يعلم أن هذه الجثة ملعونة، ولايشك في هذا الآن..لم يكن هذا رأيه أبداً حتى الأمس، بالرغم مما حكاه له الدكتور مصطفى عن الجثة ،وصاحبتها ،وماحدث مع العمال.. كان عقله على إصراره رافضاً ما يقال عنها، وإن سايرهم في تفكيرهم الذي يرفضه ، ووافق أن يقوموا بدفن الجثة، والتخلص منها..لكن ماحدث له بعد ذلك نسف قناعاته تلك تماماً.



اتجه بخطوات مثقلة الى مرآة صغيرة بأحد أركان الحجرة، وتأمل وجهه فيها ..كانت هناك هالات سوداء كثيفة تلتف وتتكاثف حول مقلتيه، وقد انتفخ جفناه، وصارت عيناه حمراوتين محتقنتين كالدم..كل هذا كان لأنه لم يحظَ بالنوم منذ ليلتين كاملتين ..لم يخبر أحد عن السبب في هذا ،ولا يريد أن يفعل.

ألجثة ألخامسةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن