في نفس الوقت كان متولي هو الآخر يمر بلحظات لاتقل إثارة عما يمر به زميلاه .. كان قد استلقى على فراشه في انتظار أن تأتيه زوجته التي كانت تحاول بشتى الطرق أن تجبر أبناءها الأربعة على النوم ..لعنت خلالها مراراً القاهرة أو مصر كما كانت تسميها ..
فحين عاشوا في قريتهم بمحافظة البحيرة كان يكفي أن تؤدي صلاة العشاء؛ ليخلد أبناؤها بصورة تلقائية للنوم بعدها..كانت أيام مبهجة وبسيطة ..وبالرغم من مرور فترة لابأس بها منذ انتقالها للحياة بالقاهرة، إلا أنها لم تعتدها بعد.
لم تعتد أن تعيش في المدينة الصاخبة التي لاتنام قبل الصباح ..المشكلة أن أبناءها تأقلموا بسرعة ،وبصورة مخيفة على الحياة هنا .. صاروا يستيقظون متأخرين بعد الظهر ،وينامون بعد منتصف الليل .. بل والأفدح أنهم قد امتلكوا جرأة الرد عليها أحياناً لو زجرتهم.. وتعلموا أن يرفضوا ماتصنعه من طعام لهم لو لم يروق لهم ..
بل وأخذوا يحدثونها الآن عن ملابسها التي عليها أن تغيرها ؛لأنها لاتليق بها الآن ..لقد غيرتهم تلك المدينة الوحشية حين أبهرتهم بأضوائها ..لكنها لن تنهزم أمام فتنها وإغرائها مهما حدث.
أخذ متولي يفكر وهو راقد على فراشه ..كان قلبه مشغولاً بصفقة جديدة من صفقاته التي لاتنتهي ..
هناك ستة طلاب من طب القاهرة جاءوا يسألونه أن يوفر لهم هياكل عظمية كاملة، وطالب سابع كان يبغي جثة سليمة على أن يحفظها هو بالفورمالين قبل أن يتسلمها الطالب منه..
كان هذا يعني مبلغا من المال لابأس به يضاف لجيبه ، ورحلة أخرى لقريته لجلب الهياكل .فراح يفكر إن كان يستطيع توفير تلك الصفقة كاملة ..
من حسن حظه أنه كان على علاقة جيدة بعم عبد الواحد .. حانوتي القرية ..لم يتعب كثيراً في إقناعه بنبش القبور ،وإخراح أحشائها من بقايا البشر القابعين بها ليوم الحشر ليسلبهم أجسادهم وعظامهم ..فالحي دائما أبقى من الميت، كما أن الموتى لم يعد هناك ماقد يضيرهم ..
لقد انتقلت أرواحهم الى بارئها أما أجسادهم؛ فهي جيفة يأكلها الدود والتراب ..أقنعه أنهم لايقومون في عملهم هذا بأمر يحرمه الله.. ألا تساعد هذه الهياكل والجثث الطلاب على معرفة تكوين الإنسان وتركيبه.. وكل هذا لإعدادهم لأن يصبحوا فيما بعد أطباء مهرة يعالجون المرضى ،ويحاربون الأسقام ويقاومونها..
إن مايقومون به هو من أجل العلم، و يخشى الله من عبادهِ العلماءُ ..
كان كلاماً بالطبع لايقنع أحداً ، لكن حين تضيف إليه سحر المال، فسيصير هذا الكلام من درر الحكمة وعجائب الدهر .. لذا لا تتعجب حين تجد عم عبد الواحد قد وفر الجثث من أجله، ثم يقبض في يديه ثمنها..ليتمتم بعدها بخشوع..جزاك الله خيراً.
أنت تقرأ
ألجثة ألخامسة
Mystery / Thrillerعم منصور بصفتين رئيسيتين .. أن الرجل هو أهم شخص طوال العامين الأولين الطب إن لم يكن جميعهم.. وما وهو خازن الأسرار ..