22

231 21 1
                                    

يعيش عم منصور في منشية الصدر .. منطقة فقيرة تنتشر فيها الأكواخ والعشش الخشبية والبيوت المصنوعة من الطمي كما ينتشر في أرجائها بعض محلات الأطعمة المتواضعة والقهاوي الرخيصة ..



اختارها عم منصور ؛لأنها كانت قريبة للغاية من الكلية ولايفصلها عنها إلا مسافة قصيرة.. يسيرها كل يوم ..



أحب المكان كثيراً ، فقد بدا ببيوته وسكانه مألوفاً له ،وذ كره بقريته بالمنيا حيث نشأ .. وَ لا عجب في هذا فأغلب القاطنين هنا ذوي أصول ريفية أو صعيدية بالفعل ..



كانت الساعة تقترب من منتصف الليل حين غادر القهوة الوحيدة بالمكان ،حيث اعتاد أن يقضي سهراته فيها ..يشرب الشيشة ..يلعب الطاولة ..يتكلم عن الحرب مع إسرائيل التي لايكف الجميع عن الجدال إن كانت مصر جادة في الدخول فيها أم أن إسرائيل قد فعلت فعلتها وظفرت بما اختطفته إلى الأبد ..



كانت القهوة وسيلة تساعده على إزاحة أوقات فراغه..حيث يظل بها حتى يشعر بالنعاس ؛فيغادرها متثاقلاً نحو داره ..



انتصف الليل؛ فقرر العودة إلى منزله الصغير الذي يستأجره .. منزل عتيق مكون من حجرة واحدة ومطبخ صغير وحمام صغير بلا باب يدخله بالكاد ..وبالرغم من ضيق المكان إلا أنه كان يشعر بالرضا عنه..على الأقل هناك مكان يستره آخر الليل ..وصل المنزل وفتح الباب ،وامتدت يده إلى جانب الحائط الأيمن المجاور للباب حيث مفتاح الإضاءة ..ضغط عليه فلم يضيء المصباح الكهربائي ..فتمتم بضيق:



-اللعنة ..هل أحترقت الأسلاك مرة أخرى؟



تطلع من النافذة إلى الخارج ليلاحظ أن المنازل المجاورة له مضاءة ..إذاً فالعطل في بيته فقط ..كان من المستحيل أن يحاول معرفة مكان العطل الآن في هذا الظلام ؛ لذا فقد قرر أن يبيت ليلته في الظلام ،ولينتظر العطل للصباح ..اتجه إلى الحمام بعدها محاولاً ألا يتعثر في أي شيء بطريقه ،ونجح في هذا لحد ما ..وبعد أن قضى حاجته أشعل عود ثقاب ليبحث عن المصباح الزيتي ..



وجده على أحد الأرفف بالحائط ..نزع غطاءه الزجاجي، وقرّب عود الثقاب من فتيله ليشعله ،لكنه لم يستجب ..تطلع على ضوء عود الثقاب الآخذ في الذبول إليه، فلاحظ أنه خالٍ تماما من الوقود..أعاده إلى مكانه، وقد تذكر أنه قد نسى جلب المزيد من الوقود ..



غمغم بموال شعبي صعيدي شهير، وهو يتجه الى فراشه حيث خلع عنه جلبابه، ورقد عليه .



كان من النوع الذي يرضى دائما عن نفسه ،ولايؤنب نفسه أبداً .. هل كان هذا تأثير الحشيش الذى يدمنه؟ ..ربما.. لذا كان من الصعب أن يعكر صفوه أي شيء حين يعود من المقهى، وقد شرب حجرين أو ثلاثة من المعسل المخلوط بالحشيش ..ولهذا لم يضايقه الظلام ،ولا أسلاك الكهرباء التالفة ،ولا المصباح الخالي من وقوده، ولا حتى القنبلة الذرية التي ألقتها أمريكا يوماً على اليابان أو مذابحها في فيتنام بعد ذلك،ولم يمضِ وقت طويل إلا وقد راح في نوم عميق و تعالى شخيره.

ألجثة ألخامسةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن