وظل الأمر هكذا إلى يوم الأربعاء، ولم يعد متبقياً غير أيام ثلاث، قبل أن تبدأ الدراسة .. لم ينجحوا إلا في توفير جثة أخرى .. لكن بالرغم من هذا مازال عدد الجثث بالمشرحة غير كافٍ .. ومازال الدكتور نعيم في جنون.
وراح الدكتور نعيم يتجول بالمشرحة بعصيبة وحنق، ووجهه محتقن؛ حتى تخال أن الدماء المحتشدة في أوردتهِ سوف تنفجر منها في أي لحظة، كان بصحبته اثنان من أستاذة القسم الكبار، وعلى مقربة منهم بالخلف تبعهم عم منصور ..
كان الرجل كعادته يدخن بشراهة وحنق، وهو يتطلع الى الجثث الأربعة الراقدة أمامه على طاولاتها الرخامية، وعيناه لاتصدق أن يبدأ العام الدراسى بهذه الجثث الأربع فقط .. كانت الجثث مغطاة بغطاء بلاستيكى قاتم، ومازلت رائحة الفورماليين الطازجة تفوح منها بصورة خانقة أدمعت العيون كافة، وأشعلت نيرانها، وهيجت أغشية الأنوف فأسالتها .. وتوقف في منتصف القاعة، وصاح بعصبية وهو يضرب كفاً بكف:
-لا أدري كيف سنبدأ الدراسة بأربع جثث فقط .. هذا عبث !.. سوف يتكدس الطلاب حول الجثث، ونصفهم على الأقل لن يرى أي شيء .. إننا نرتكب جريمة حقيقة بحق الطلاب، لو قبلنا بهذا و لم نجد حلاً ما.
قال الدكتور مصطفى رئيس القسم السابق محاولاً تهدئته، وقد كان يسير إلى يمينه:
- إنها ورطة بالفعل .. لكنني أرى أن نلجأ لحلول مؤقتة حتى نحصل على باقي الجثث التى نحتاجها .. يمكننا مثلاً أن نقسم الطلاب إلى عدد أكبر من المجموعات .. هذا سيقلل عددهم في المجموعة الواحدة، مما يتيح لهم الفرصة لاستيعاب مايدرسونه.
صمت الدكتور نعيم مفكراً للحظة، وهو يطلق من أنفه وفمه سحباً رمادية كثيفة من دخان سيجارته، قبل أن يهز رأسه رافضاً الفكرة، ويقول:
-ومن أين سنجد الوقت الكافي لكل هذه المجموعات التي سوف نصنعها يا دكتور مصطفى ؟.. إن ساعات اليوم الدراسي محدودة للغاية كما تعلم .
هنا قال الطبيب الآخر ، وهو الدكتور فؤاد، مقترحاً حلا آخر:
-ما رأيكم لو قسمنا الطلاب إلى مجموعتين .. المجموعة الأولى تكتفي بالدراسة النظرية في أسبوع، والأخرى تقوم بالدراسة العملية بالمشرحة في هذا الأسبوع، وفي الأسبوع التالي نقوم بتبديل المجموعتين .. أظن أن هذا قد ينفع مؤقتاً.
لكن هذا الاقتراح هو الآخر لم يرق للدكتور نعيم ، فغمغم معترضاً :
- لكن هذا سيقلل من فترة احتكاك الطالب بالجثث في المشرحة، وهذا سيؤثر حتماً على استيعابهم .. على الطالب في البداية أن يمكث بالمشرحة حول الجثث أطول وقت ممكن، حتى يعتادها ويتعلم منها.
وافقه الدكتور مصطفى قائلاً :
-بالتاكيد يجب أن يفعل الطلاب هذا .. لكن الحلول التى نقترحها هى حلول مؤقتة، ريثما يتوافر العدد الكافي من الجثث .. لا أظن أن المشرحة ستعاني من نقص الجثث طوال الوقت .. لقد واجهنا نقصاً كهذا من قبل، ولم يدم الأمر لفترة طويلة .. هناك دوماً جثث جديدة .. فالناس لايكفون عن الموت أبداً .. وقال الدكتور نعيم، وهو يشعل سيجارة جديدة ، كانت الثالثة في أقل من عشر دقائق :
أنت تقرأ
ألجثة ألخامسة
Mystery / Thrillerعم منصور بصفتين رئيسيتين .. أن الرجل هو أهم شخص طوال العامين الأولين الطب إن لم يكن جميعهم.. وما وهو خازن الأسرار ..