ألجثة ألخامسة

24

أي جنون اعترى الجميع هاهنا ..جثث تطير في المشرحة ..عن ماذا تتحدثون ؟..

قالها الدكتور نعيم بعصبية شديدة واستنكار ،وهو لايصدق مايلقيه عبد الدايم على أذنه.

كان عبد الدايم يقف أمامه بصحبة عم منصور وجمال ومتولي الذى بدا شاحبا للغاية ،وبصعوبة بالغة استطاعت قدماه أن تحمله..كان يرتدي ملابساً قديمة لعم منصور كان يحتفظ بها في المشرحة..قميص رمادي وبنطالون صوفي أسود واسع، وبدا جسده غارقاً في الملابس الواسعة للغاية فأضفى له هذا منظراً مضحكاً ..

وجم الجميع أمام استنكار الدكتور نعيم وثورته ،لكن عبد الدايم استمر في جداله قائلاً دون خوف:

-يا سيدي ما أقوله الآن هو ماقد حدث، ولست أختلق أو أتوهم شيئا مما ذكرته ..وهاهو متولي أمامك ليؤكد كلامي، وهناك أيضا جندي الأمن الذى كان شاهداً على ماحدث هو الآخر..

كاد الدكتور نعيم أن ينفجر في وجهه ،وخاصة حين لمح نظرة عبد الدايم المتحدية اللامبالية بغضبته،إلا أنه تمالك نفسه وقال من بين أسنانه ببطء :

-إذن فأنتم تريدون مني أن أصدق أن الجثث بالمشرحة كانت معلقة في الهواء ،ومتولي بينها كذلك ومعلق هو الاخر من قدميه في الهواء ..أليس هذا ماترغبون مني في تصديقه.؟

-إن هذا ماحدث بالفعل ..ولقد تركنا المشرحة ،وهي كذلك.

قالها عبد الدايم بشيء من التحدي ،فالتفت الدكتور نعيم إلى عم منصور وجمال، وقال لهما ،وهو يلوح بأصابعه في الهواء:

-وماذا عنكما ؟..هل رأيتم أيضا الجثث المعلقة؟.

أسرع عم منصور يجيب بتوتر:

-أنا لم أدخل المشرحة بعد ..فلم أرَ شيئا ..لقد صحبتهما إلى هنا مباشرة.

-هذا يعني أنه لا أحد قد دخل المشرحة مذ كانت الجثث معلقة أليس كذلك ؟..

هزّ بعضهم رأسه مؤكداً ..فاستطرد الدكتور نعيم بنفس الصوت الرتيب البطيء.

-إذا يمكننا أن نذهب إلى هناك لنرى تلك الجثث المعلقة بأعيننا.

قالها ،ثم نهض من مقعده، وانطلق بعصبية ،وخطوات سريعة نحو المشرحة ..كان حانقاً عليهم جميعاً ، وعقله يأبى أن يصدق حرفاً مما يدعونه ..

إنهم جميعا ثلة من الجهلة يهرتلون بلا شك..لكنه لن يسمح لهذا الهراء أن يستمر للأبد ..وسيثبت لهم الأن أنهم حمقى ويكذبون.

تبعوه مهرولين، وهو يتجه للمشرحة ..دفع بابها الخارجي بعنف واتجه مباشرة ،وبلا تردد نحو قاعة التشريح..دلفها، ثم توقف مباشرة بعد الباب ،وتطلع إليها للحظة قبل أن يلتفت إليهم قائلاً بلهجة ساخرة ،ويده تشير إلى الجثث الراقدة على مناضدها: