وقبل أن تبلغ عقارب الساعة الثالثة صباحا استيقظ فجأة ..
كانت هناك خطوات خافتة تتردد في الردهة بالخارج !!..
في المعتاد لم يكن مرور قطار بجوار رأسه ليوقظه .. لكنه وجد نفسه مرة واحدة مستيقظاً .. ومرة أخرى تواثب قلبه في قفصه الصدري مضطربا .. أرهف السمع .. كانت هناك بالفعل خطوات يسمعها تتردد بالخارج، فشعر بالهلع..
كان قد أغلق باب المشرحة من الداخل قبل أن ينام .. وقد فتش المشرحة جيداً قبلها .. فمن يتحرك بالخارج إذاً، وكيف دخل الى المشرحة ؟!..
أيكون جاناً أم عفريتاً لأحد الجثث ؟.. كان خاطراً مرعباً .. وتذكر أن المشرحة تحوي الآن جثتين لشخصين قد أعدما شنقاً، ورفضت أسرتاهما أن تتسلمهما .. هل يكون هذا أحد عفاريتهم ؟..
أراد أن يهتف من هناك ؟.. لكن صوتاً لم يخرج من حنجرته.. كان حلقه جافاً بشدة كرمال الصحراء في ظهيرة الصيف، فاكتفى بالنظر إلى الباب، دون أن يتحرك كاتماً أنفاسه بقوة، كأنما يخشى أن يدرك من بالخارج وجوده من صوت أنفاسه ..
استمرت الخطوات في التردد خارج الحجرة لفترة طالت، حتى ظنّ أنها لن تتوقف، قبل أن تتوقف فجأة .. راح يتنفس ببطء شديد مترقباً أن تعود الخطوات الثقيلة مرة أخرى .. ومضى الوقت بطيئاً دون أن يتناهى لمسامعه أي صوت ..
هل ابتعد هذا الشيء ؟.. تمنى هذا، وهو يرتل في سره ماتسعفه به ذاكرته من آيات القرآن الكريم .. ولما طال الصمت غادر الفراش ببطء، سائراً على أطراف أصابعه كي لا يحدث صوتاً ، واتجه ببطء نحو باب الحجرة، وانتظر لفترة متجمداً بجواره ،ولما اطمئن إلى استمرار الصمت اقترب من الباب بأذنه وألصقها به ..
حينئذ و في نفس اللحظة كان هناك صوت احتكاك بالباب من الخارج، كان الصوت يشبه صوت الخربشات التى تحدثها الأظافر على الخشب .. بعدها بدأت كف قوية تضرب الباب، كأنما هناك من يحاول أن يخترق الباب الخشبي، وتعالى في نفس الوقت صوت حلقي مفزع، في الردهة بالخارج، ذكره بالأصوات التي يصدرها الصم والبكم.
ارتد بعنف للخلف على الفور وعيناه لاتغادر الباب المغلق، وأطلق صرخة عالية دون أن يشعر .. هذه المرة أفلتت دموعه، وثارت هواجسه، وصاح بفزع :
-من هناك بالخارج ؟!. من هناك ؟.. تحدث أرجوك .. من الذى يتحرك؟..
زاده رعباً أن تحرك مقبض الباب ببطء، كأنما يريد الموجود بالخارج أن يفتحه ..
اندفع نحو المقبض النحاسي، وتصلبت أصابعه عليه محاولاً منعه من الدوران .. في الواقع لم يكن في حاجة لهذا،فـ الباب مغلق بإحكام بواسطة المقعد المثبت به .. لكن الرعب لم يترك في عقله أي منطق للتفكير .. وظل يصرخ بلهجة نوبية مذعوراً:
-ابتعد من هنا أرجوك .. بالله عليك ارحل .. ابتعد .. ابتعد.
ومرت اللحظات بطئية ثقيلة، حتى ظن أنها الدهر كله، ثم هدأ كل شيء فجاة .. لم يعد هناك صوت الخربشات على الباب، ولا الصوت الحلقي المخيف .. توقف صوت الخطوات،لكنه مع ذلك ظلّ ممسكاً بالمزلاج بكلتا يديه بإصرار وقوة، وهو يرفع صوته بآية الكرسي التي يتلوها ،ويكررها عسى أن تدفع عنه شر من بالخارج..
طال الصمت والسكون؛ فاطمئن قليلاً ، ولم يعد يسمع إلا صوت أنفاسه اللاهثة، ابتعد عن الباب بحذر، وعاد بخطوات مرتجفة إلى الفراش وألقى بجسده عليه باعياء ..
رنت عيناه الى ساعة الحائط .. كانت تعلن الثالثة والنصف صباحاً .. مضت نصف الساعة منذ بدأ الرعب، ومازال أمامه أربع ساعات أخرى، على الأقل قبل أن يأتي أحد زملائه في الصباح إليه .. وقرر أنه لن يغادر مكانه هذا حتى الصباح مهما حدث ..
شعر بحاجة ماسة للتبول لكنه كتمها بأقصى مايمكنه .. لن يخرج حتى لو بال على نفسه .. وببطء راح يراقب عقارب الساعة التي راحت تتحرك ببطء شديد أمام عينيه المكدودتين ..
أنت تقرأ
ألجثة ألخامسة
Mystery / Thrillerعم منصور بصفتين رئيسيتين .. أن الرجل هو أهم شخص طوال العامين الأولين الطب إن لم يكن جميعهم.. وما وهو خازن الأسرار ..