كانت الشوارع خالية ،وغير مزدحمة فلم تمض ثلث الساعة عليهم إلا وكانوا أمام باب الكلية .. اتجهوا مباشرة إلى المشرحة ،وهناك أدركوا أنهم نسوا شيئاً مهماً ..كان الباب الخارجي لها مغلقاً بقفل كبير وليس معهم مفتاحه..فكيف يدخلون؟
وقال الدكتور محمود بضيق، وقد أدرك تسرعهم:
- يبدو أننا تسرعنا حين جئنا إلى هنا دون أن نفكر جيداً ..كان علينا أن نتوقع أنها مغلقة الآن مادام لا أحد يبيت بها.
لم يُعقب الدكتور مصطفى، وعقله يفكر في حل، أما الدكتور محمد فقد قال بدهشة:
-ولكن منذ متى تغلقون باب المشرحة .. فيما مضى لم يكن هذا يحدث كما أتذكر.. فما الذي تحويه المشرحة غير الجثث كي تخشوا عليه ..لا أظن الجثث المحنطة قد تغري أحدا بسرقتها.
أجابه الدكتور مصطفى مبتسماً :
- للأسف إن هذا ما حدث بالفعل ،فمنذ أعوام تكررت سرقة بعض أجزاء الجثث ،والعظام من المشرحة..إنني أعتقد أن الأمر لا يعدو بعض الطلاب المتحمسين للعلم ، ولهذا صار إغلاق الباب فرضاً علينا ،بل وحتى الفترة الماضية كان يجب على أحد عمال المشرحة أن يبيت بها.
ابتسم الدكتور محمد لطرافة الأمر ..طالب يسرق جثة من مشرحة الكلية ليتعلم عليها .. فقال ساخراً :
- يبدو أن طلبة الطب هذه الأيام صاروا أكثر حماساً مما كنّا .. ففي أيامنا كنا نتحاشى المشرحة.
ابتسم الجميع، قبل أن يقول الدكتور محمود :
-المهم الآن كيف سنفتح هذا الباب ..سيكون سخيفاً أن نصل المشرحة الآن، ولاندخل بسبب هذا الباب السخيف!
لاحَ حَلٌّ ما لعقل الدكتور مصطفى ؛فقال وعيناه تلمعان:
- أظن أنني أعلم أين سأجد نسخة من مفتاح هذا الباب ، انتظراني للحظة واحدة.
كان يدرك بحكم منصبه السابق كرئيس للقسم أن نسخة من مفتاح باب المشرحة يكون دوماً بحوزة رئيس القسم تحسباً لطارئ ما .. وقد اعتاد هو ومن سبقوه من رؤساء القسم على الاحتفاظ بتلك النسخة الاحتياطة في مسمار بالحائط خلف باب حجرة رئيس القسم.. لهذا صعد إلى غرفة الدكتور نعيم بحثاً عنه.
وجده بالفعل في مكانه ،فعاد إليهم باسماً ،وهو يفتح باب المشرحة به ،ثم دخلوا على الفور ..أضاء المصابيح البيضاء للمشرحة، ثم ساروا نحو قاعة التشريح ..أنارها هي الأخرى ..وتسمروا حينئذٍ بفزع لمارأوه بها.
فأمام أعينهم سبحت في الفراغ أربع جثث عارية معلقة من أرجلها لأعلى ورؤسها لأسفل ،وقد تقاطعت أذرعها على صدورها في وضع المومياءت الفرعونيه المميز .. صنعت الجثث نفس الوضع التي رآه عبد الدايم من قبل.
أنت تقرأ
ألجثة ألخامسة
Mystery / Thrillerعم منصور بصفتين رئيسيتين .. أن الرجل هو أهم شخص طوال العامين الأولين الطب إن لم يكن جميعهم.. وما وهو خازن الأسرار ..