الفصل الثاني والأربعون 2
في اليوم التالي كان يوما يحمل الكثير والكثير من المفاجئات، كانت الشمس تحجبها الغيوم; لكنها ظهرت بشعاعها الدافئ تملأ الأجواء دفئا ونقاءاً، استيقظ الجميع في أجواء مليئة بالسعادة والحب النقي، تناول الرجال الإفطار معا كما العادة، وتجهوا جميعا نحو الأرض الزراعية الخاصة بهم، كان الشباب داخلهم الحماس والسعادة فهم لم يحضروا مثل هذه الأجواء من قبل، وكانت فرصة أكثر من رائعة حتى يتمكنوا من الحديث مع الجد في أمر الخطبة، كانوا يسيرون على الطرق الترابية التي على شطئَيها الأراضي الزراعية، الزرع الأخضر اليانع، والندى يقف على ورقاته يقابل الشمس، يطلب القوة والطاقة، والشمس تطل على المساحات الخضراء رويدا رويدا، كانوا يسيرون بانبهار من هذا المظهر الخلاب الذي يبث الراحة في القلوب،
تحدث سليم بسعادة وانبهار لهذا المظهر الرائع، المساحات الخضراء تنتشر بكثرة، والجو به نقاء مريح للنفس،
سليم : المنظر هنا تحفة، الهواء نقي والزرع منظره روعة، يوجه حديثه لجده.....عارف يا جدي انا عمري مشفت المنظر الجميل ده قبل كدة، حاسس إني في جزيرة ومكان سياحي
يبتسم الجد على حديثه، ليعقب..
صالح: عارف يا ولدي انك مبهور ببلدنا، بس لازم تعرف إن بلدنا فعلا سياحية، مش بس عشان المعالم والأثار اللي فيها، لا بلدنا احنا اللي بنخليها جنة لكل اللي يشوفها، برة فيه برده أماكن زي كدة بس كل واحد فينا بيتنفس تراب أرض بلده، بيغيب ويتغرب وفي النهاية مرساته وبر أمانه لبلده اللي اتولد واتربى فيها، راحته فيها وتعبه فيها
تحدث بتنهيدة حالمة من جراء حديث جده،
سليم: ياااه ياجدى فعلا عندك حق كل واحد مهما لف ودار واتغرب مبيرتحش غير في أرض بلده، بيحس بانتمائه لها، بيحس بترابها وريحته بتحسسه بالانتماء
مصطفى بتأكيد: فعلا يا سليم كلنا لو فقدنا الانتماء لأرض بلدنا مفيش مكان هيضمنا، بلدك هي مكانك وأصولك وجذورك فيها، مهما لفيت كل واحد لازم يرجع لأصله، كلنا بنشوف المعاملات بتكون ازاي مع أي مغترب، وخصوصا البلاد الغربية
ينبهر محمد مثيرا بكلام جده وعمه عن أصلهم وموطنهم، شعر أن هناك رسالة مبطنة داخل حديثهم ، لينظر حوله بانبهار فرغم وجوده بمصر إلا أنه لم تأتيه الفرصة لزيارة القرى الريفية، فكل مدينة بها بعض القرى التي تميزها
محمد : فعلا عندك حق يا جدي، بلدنا ملناش غيرها، وكمان رغم ان عمي مصطفى عاش سنين كتير برة إلا أنه حافظ على الأصول المصرية، وده واضح جدا
أكد خاله حسن على حديثه: صح يا محممد، عمك مصطفى راجل وعرف يحافظ على بيته وأخلاق دينه; رغم وجوده في مجتمع غربي، عشان كدة غلاوته عندنا كلنا بزيادة
ينظر لهم رائف بفرحة فهذه المرة الأولى الذي يستمع لهذا الحديث عن الوطن والانتماء،
رائف : رغم إن دي أول مرة اسمع فيها الكلام ده; لكن حاسس بحاجة جوايا ملهاش وصف، حاسس إني عاوز امسك التراب ده واشم ريحته، بس دلوقتي بقي عاوزة اكمل عشان اشوف مكنات المية دي عن قرب
يكملوا سيرهم حتى وصلوا للأرض الخاصة بهم، وجلسوا في إحدى الأمكن المعتدلة وتصلح للجلوس، مرت دقائق وكان سليم ومحمد يغمزون لوالدهم ببدأ الحديث، وكاد رائف أن ينفجر ضحكا عليهم، ليبدأ مصطفى الحديث بكلمات منمقة،
مصطفى: حاج صالح بعد إذنك عندي كلام مهم عاوز اتكلم معاك فيه
ينظر له بهدوء وحكمة.. صالح: قول يا مصطفى يا ابني كل اللي انت عاوز تقوله
تحدث باطمئنان: بصراحة سليم ومحمد كانوا عاوزين يفاتحوك في موضوع كدة، بس انت عارف بقى الشباب بيكونوا عاملين هيبة للأكبر منهم.. يعني بصراحة كدة هما طالبين منك .. سليم طالب ايد رؤى، ومحمد عاوز هنا
صمت عن الحديث ينتظر رده، كانا كلاهما ينظران لبعضهما البعض والقلق يسربل قلوبهم، فصمت جدهم هذا زاد القلق أضعافا داخلهما، نظرا رائف لهما وقد أقلقه الصمت الدائر، لتعود نظراته لهما في نظرة قلقة،
قطع الجد الصمت في أثناء عودة ولده حسن، لايدري لماذا فعل هذا! ربما لحاجة في نفس يعقوب!
صالح: يني يا مصطفى يا ابني انت جاي تطلب مني ايد رؤى لسليم، ومحمد لهنا؟!
ينظر له بقلق لكنه يجيب بثبات: أيوة طبعا يا عمى، حضرتك كبيرنا ولازم الطلب يكون منك
ينظر له بابتسامة وفخر، صالح: جاي تطلب بنتك لابن اخوك مني يا ولدي، أصيل يا ابن الأصول، تعالى يا حسن يا ولدي اخضر كلام جوز اختك
حسن بتعجب للحديث الذي استمع لآخره فقط عقب عودته من موضعه،
حسن: كلام ايه يا ابا: مش فاهم!
ينظر له نظرة ذات مغرى،
صالح: افهمك يا حسن يولدي.. مصطفى طالب مني ايد رؤى لابنه سليم، وطالب ايد بنته هنا لمحمد ابن اخوه، فهمت حاجة... كان ينظر له بعينين نصف مغمضة
ينظر لوالده بهدوء ثم ينفجر ضحكا على حديث والده
حسن: قصدك مصطفى جاي يجوز عياله الاتنين لولاد اخوه، وجاي يطلبهم منك يابا، بص هو بعيد عن ان مصطفى ابن أصول وبيعمل الأصول، كان مممن يجوزهم وخلاص، بس مصطفى بيخليني احس بالذنب كل مرة
ليخفض رأسه للأسفل يشعر بالألم داخل قلبه، يفهم الجميع المعاناة التي لازالت تضرب قلبه بقوة، ليقترب منه مصطفى محتضنا إياه رابتا على ظهره بأخوة
مصطفى: خلاص يا حسن اللي حصل حصل وربنا غفور رحيم، ننسى الي فات ونبدأ حياة جديدة، ولادنا بيحبو بعض وعاوزين يتجمعوا في الحلال، واحنا عاوزين نطبهم من جدهم، وانا جاي اطلب ولاد حنين لولادي، وهما لسة لحد دلوقت البنات ميعرفوش حاجة، أول كلامنا مع الحاح صالح، وانت خالهم والخال والد.. ولا ايه
ينظر له بمحبة لايستطيع الحديث ، ليتحكم في دمعاته متحدثا،
حسن: صح يا مصطفى، الخال والد وانا موافق ومش هلاقي نسب أحسن منك يا ابن الأصول، ولا ايه رأيك يا حاج صالح...
يومئ له والده برأسه برزانة دليلا على موافقته، كان رائف يراقبالوضع بهدوء، وعندما رأى الوضع مال للدراما قرر تغير مجرى الحديث; خاصة عندما رأى كلا من محمد وسليم طغى الصمت عليهم، فالموقف الراهن لم يمكنهم من الحديث،
رائف: ايه يا جماعة افقع لكم زغروطة، مدة نبل الشربات، إيه يا شباب نلغي فكرة الجواز ولا ايه
ينظران له بصدمة،
سليم: انت بتقول ايه يا رائف، اركن على جنب انت دلوقتي
محمد : رائف اسكت دلوقتي احنا مش عارفين ننطق دلوقتي
ينظر لهم بنزق، وبعاود الحديث للكبار ويتركهم لحالة التيه التي تسيطر عليهم
رائف: عمي مصطفى دلوقتي عندنا مشكلة، هنا ورؤى لسة ميعرفوش الموضوع، هنعمل ايه احنا كلنا موافقين بس لسة أصحاب الشأن
لينظر الجميع لبعضهم البعض بتوجس، وللمرة الأولى يتسرب القلق للجميع
✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻
مر الوقت سريعا وكانت الفتيات يساعدن في إعداد الطعام، يحاولن تعلم عادات الطبخ الغريبة عهنّ، كانت هنا وجنى يواجهن مشكلات في التعلم، فكلتاهما لم يجربا هذا الأمر من قبل، أما رؤى فكانت أكثرهم تعلما، ظلت تحاول التعلم حتى أصبحت على وشك الاتقان، لكن جنى عندما حاولت تعلم كيفية الخبز، في كل مرة كانت تسكب العجين على ثيابها، لينفجر الجميع ضحكا عليها، لتحاول الجدة تعليمها بهدوء، لا تعلم شعورها نحو هذه الفتاة، تشعر أنها في معزة كلا من هنا ورؤى; ليست مجرد ضيفة فقط،
حنان: تعالي يا بتي انا هعلمك، متزعليش، واناِ يا هنا تعلي انتِ كمان
اجتمعا حولها يحاولان مجارات حركاتها في فرد رغيف الخبز بطريقة صحيحة، كانت رؤى تضع رأسها على كتف خالتها تتباعهم بفرحة لا تدري سببها، لتحتضنها خالتها بحب أمومي، تربت على رأسها
فاطمة: مالك يا رؤى؟
رؤى: عارفة يا خالتوا عندي إحساس غريب اوي ناحية جنى، من أول مرة شفتها وانا خاسة إني عارفاها، مش عارفة...
فاطمة: هي طيبة وحاسة انها ناقصها حنان كتير اوي، شوفي يا رؤى حاساها طفلة صغيرة عاوزة تلعب وتفرح، جواها حاجة ناقصة
ترفع رأسها وهي تنظر نحوها،
رؤى: نفس إحساسي يا خالتوا،، حتى لما كانت بتحاول تعاملني بطريقة مش حلوة الأول، كنت بحس ان جواها حاجة ناقصة فعلا، ولما قربت لينا حسيت الفجوة اللي جواها قلت شوية
فاطمة : صح وده اللي بقوله عموما كل متقرب مننا هتحسيها بتتغير للأفضل، هي ناقصها الحب والاحتواء
مر الوقت وانتهوا من إعداد الطعام، طلبت منهم الجدة الصعود وتبديل ثيابهم التي اتسخت قبل عودة الجميع، ومر الوقت وهن يضحكن بسعادة
جنى: مش مصدقة والله انا مبسوطة جدا، دي أجمل أيام قضيتها في عمري كله يابنات
تنظر لها هنا بعادة: يا اختي عليكي مش كنتِ رافضة تيجي، دلوقتي قلبتي قطة، وبقت دي أحلى أجازة، قلنا كدة من الأول محدش سمع كلامنا
تنظر لها رؤى بضحكة بعدما رأت عبوس وجه جنى: خلاص يا هنا سيبيها بقي متأنبيهاش، هي كان شكلها مضايقة من حاجة، وكانت قلقانة سيبيها تفك شوية
تنظر لها جنى بوجه يوضح كيف تتعجب من أنها تفهم مايدور داخلها دون تصريح منها، لكنها اثرت تغيير الموضوع لاتريد تعكير الأجواء بقلقها من ناحية والدتها في هذا الوقت،
جنى: صح كنت قلقانة بس دلوقت خلااااص بجد مبسوووطة جدا
هنا : ماشي ياستي ربنا يبسطك وتفكك من جو الكئابة ده ده الجو هنا خياال
جنى: صح الجو هنا بيخليكي تحسي انك في حتة تانية خالص راحة عجيبة فعلا
رؤى: طب يلا انتوا الاتنين خلصوا عشان الغدا، وننزل نساعد تيتا وطنط منار
✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻
تقف أمام النافذة بهدوء تكتف يديها أنا صدرها ، تتذكر ماحدث بعد هروبها به من فؤاد، أخذت الطفلة وعادت لموطنها بعدما تزوجت أحد الرجال الأغنياء، كان كبيرا بالعمر لم يحتمل العيش طويلا، ليفارق الحياة بعد فترة قصيرة، كانت خلالها تمكنت من تسجيل الطفلة على اسمه، وظلت هكذا لفترة طويلة وعندما علمت بعودة محمود وحنين لبدتهم وتقبل أهلهم إليهم، اشتعلت النيران داخل قلبها، ولم تكتفي بما فعلته وأنها اختطفت طفلتهما، بل اتفقت مع رفيقها بتدبير حادثة حتى تتخلص منهما، عادت البقرية وقابلت أخيها وزعت الشك بقلبه، وغادرت كان في هذه الأثناء تلعب خطة من تدبير إبليس، تحدث أحدهم يخبر محمود بشيء سيء عن حسن وانه يخطط لقتل زوجته، وفعلت المثل مع حسن، اندف محمود غافلا عما يدبره شياطين الانس، لم يلحظ العربة التي ظهرت له من العدم، جعلت مسار سيارته تنحرف عن مسارها، مما أودى بحياتهم.....
انتهي الفصل ✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻
ده الجزء التاني من الفصل