الفصل الرابع
يقفان أمام قبر والديهما بحزن دفين يمزع نياط القلب، ألم شديد ينخر فؤادهم من احتياجهم لحضن والدتهم الدافئ، وحنان والدهم الذي ينبض أمانا، ودعما، ودفئاً يغنيهم عن عوز الحياة الدنيا، كانت تقف ترفع يديها بالدعاء ودموعها تنهمر على صفحات وجهها كينبوع ماء سائل، في كثير من لحظات حياتها طالما تمنت أن ترتمى بأحضان والدتها وتشكى لها ما يؤلمها، تبوح لها بما يختلج قلبها من تساؤلات، وأحلام، وألام، لم تعي أن حجابها قد تبلل بدمعاتها المراقة، لم تكف عن قراءة آيات القرآن الكريم، كان أخيها يتابعها منذ البداية بغصة متراكمة في حلقه تكاد تخنقه من شدة أثرها عليه، لم يشأ أن تراه ضعيفا، إلا أن الدموع تغلبت على قوته وفرت هاربة من مقلتيه ليزيحها سريعا قبل أن تراه صغيرته يكفى ألمها التي تشعر به في الوقت الراهن، تركها تحدث والديها بكل ما تريد قوله لهما، وبعد قليل قرر تنبيها للذهاب يدرك أنها لو بقيت هنا فلن تبرح موضعها قط، تقدم نحوها وأخذ يضمها إليه من كتفيها حتى يجعلها تستكين قليلا قبل خروجهم،
رؤى: خلاص يا أبيه انا بقيت كويسة، كانت تقول هذا وهي تكفف دموعها، يلا نمشى عشان متتأخرش على خطيبتك
محمد: حبيبتي يا رؤى انتي أهم عندي من أي حاجة في الدنيا دي، كان يقول هذا وهو يحاوط وجهها بكفيه، وبعدين ايه المشكلة ان المعاد يتأجل شوية يا ستي فداكِ
تسللت شبح ابتسامة على شفتيها ليتأكد أنه استطاع إخراجها قليلا من حالتها تلك، لم تمر سوى دقائق قليلة وكانا يسيران بمحاذاة الطريق حتى لفت انتباهها فتاة صغيرة تقف خائفة وتبكى بشدة، تربت على يد أخيها بخفة جعلته يوجه نظره إلى ما تشير، فتاة بزي مدرسي تقف خائفة تبكى بشدة وجهها لا يبدوا كأطفال الشوارع مطلقا، وجهها ذوا بشرة بيضاء، وعيون بلون البحر، يتجهان إليها قلقا من أن يكون قد أصابها مكروه، تسألها رؤى بحنية وربتة على وجهها : مالك يا حبيبتي واقفة كدة ليه؟ طيب انتي بتعيطي عشان تائهة من بابا وماما؟
تومئ الفتاة برأسها بمعنى نعم، تنظر تجاه أخيها عله يستطيع معرفة اسمها أو أي معلومة تمكنهم من إيصالها لوالديها، ينخفض لمستواها وهو يحدثها
محمد: انتي جميلة أوي ممكن تقولي اسمك او اسم بابا عشان نعرف نوديكِ ليه، ومتخافيش مننا
.....:انا اسمى نور احمد الأسوانى
محمد بصدمة شديدة: انتي باباكِ اسمه احمد الأسوانى، مش معقول،
في هذه الأثناء أتت فتاة ترتدي مثل ثوبها تركض ناحيتها تفرد يديها أمامها بطريقة الدفاع: انتوا عوزين ايه من اختي
رؤى وهي تحاول تهدئتها : مفيش يا حبيبتي، احنا بس كنا بنساعدها
محمد: انتي باباكِ اسمه احمد الأسوانى
.....:أيوة، تتابع ببسمة أمل، حضرتك تعرف بابا يا عموا ممكن تخلينا بس نتصل بيه، ها قوله سما ونور موجودين هنا
رؤى: انت تعرف باباهم يا أبيه!
محمد: أيوة اعرفه، ده صاحب الشركة اللي انا شغال فيها
رؤى: طيب كلمه وعرفه انهم هنا زمان والدتهم قلقانة عليهم
يومئ برأسه وهو يخرج هاتفه في محاولة الاتصال
وعلى الجانب الآخر كانت الأجواء مشحونة بالقلق الشديد بفيلا عائلة الأسوانى، اختفاء الفتاتان كان وقعه شديد على الجميع، كانت تبكى بانهيار شديد على طفلتيها حاول الجميع تهدئتها من أجل حملها لكنها لم ولن تهدأ سوى برؤية طفلتيها، وكان هو لا يقل قلقا عنها إلا أنه يجب أن يتماسك أمامها حتى يتمكن من إرجاع طفلتيه بسلام أولا، وبعدها يتمكن من معاقبة الفاعل
مروان: قول لي يا سعيد ايه اللي حصل لما روحت تجيب البنات زي كل يوم؟
سعيد: انا روحت في ميعادي زي كل يوم عشان اجيب البنات، سألت الحارس على البوابة قالي ان مامتهم جت خدتهم، قولتله مامتهم مين هما فين ؟ شاور لي على مكانهم، بس لما سما ونور شافوني جم يجروا عليا، في ناس سحبتهم للعربية وجريت، لما جيت الحقهم تاهوا مني
مروان: طيب شوفت حد منهم؟ مفيش وش واحد منهم ظهر لك؟ نمرة العربية أي حاجة ؟
سعيد: لمحت واحد كان عنده وحمة سودة في وشه بس الثاني مشوفتوش، والعربية مكنش عليها أرقام
حسام: دول مش هبل يا مروان عشان يخطفوا بعربية عليها نمر، أكيد يا إما العربية مسروقة، او ملهاش ورق
مروان: للأسف كلامك صح
أحمد: انا مش هافضل قاعد واسيب بناتي كدة، اكيد في حل
في هذه الأثناء رن هاتفه برقم مجهول
أحمد: مروان!
ده رقم غريب أكيد هما
مروان: طب رد بسرعة يا أحمد
أحمد: ألو مين معايا
محمد :على الجانب الآخر، احمد بيه انا محمد الألفي، بشتغل عند حضرتك في قسم الحسابات، انا كنت مروح ومعايا اختي لقينا بنات حضرتك واقفين يعيطوا في الشارع جنب المقابر
أحمد وقد اتسعت مقلتيه: انت بتقول ايه! نور وسما معاك، طب هما فين أبوس ايدك قولي
محمد: متقلقش حضرتك هما معانا اهو، مش هنسيبهم لحد ما حضرتك توصل، العنوان /......
أحمد :تمام مسافة السكة ونكون عندك
وبعد غلق الهاتف: مروان يلا بينا البنات لقيتهم
.......:أحمد، رجعلي بناتي بخير
أحمد: وغلاوة دموعك عندي هرجعهم بخير يا حبيبتي
يغادر الشباب لمكان الفتيات،
ناهد: خلاص يا نجلاء الحمد لله عرفنا مكانهم، اهدى بقى
حياة: طنط عندها حق اهدى عشان اللي في بطنك التوتر وحش عليكى
تومئ برأسها حتى تريحهم، لكنها لن تهدأ حتى تعودا طفلتيها بسلام
كانت الصغيرات يجلسن مع رؤى على إحدى المقاعد الخشبية بجانب الطريق بانتظار قدوم والدهن، كانت الفتاتان قد تمكن الجوع منهما، لكنهما آثرا عدم الحديث إلى أن رأت رؤى أن ترسل أخيها ليجلب لها بعض الطعام من أحد المحال القريبة حتى تطعم الصغار لحين وصول والدهم،
رؤى: أبيه معلش ممكن بس تجيب أي حاجة مغلفة أكلها للبنات على باباهم ميوصل
محمد: حاضر خليكِ معاهم على ما اروح اجيب من المحل اللي جنبنا هناك ده
تومئ برأسها بمعنى نعم، يعود بعد دقائق معدودة وقد جلب لهم بعض علب العصير، مع بعض من الطعام، تأخذه وتحاول إطعام الصغار تأكل معهم حتى اطمئنا وأكلا معها، لم يمر وقت طويل حتى رن هاتف محمد برقم مديره ظل معه على الهاتف حتى وصلا للمكان الصحيح،
-هرع من السيارة ينادى على طفلتاه بلهفة وخوف شديدين، ومن خلفه حسام، ومروان، الذي يدرس المكان جيدا، ولم يغفل عن دراسة وجوه الأشخاص الموجودون في المكان بأكمله، أما والدهم ضمهم لأحضانه وهو يطمئن عليهم
أحمد: سما، نور، انتوا كويسين حصلكم حاجة؟
كانت نور تبكى بشدة وتتمسك بأحضان والدها، أما سما رغم تمسكها بحضن والدها إلا أنها كانت قوية قليلا حتى أخبرته أنهم بخير وعن مساعدة رؤى وأخيها لهما،
سما بشهقة وبكاء: الحمد لله يا بابا، عموا ورؤى ساعدونا
انتبه أحمد لهم عندما أخرج الصغيرتان من أحضانه وأودعهم لحسام، ومروان، حتى يتسنى له شكرهما
أحمد: شكرا يا محمد، انا مش عارف اشكرك ازاي على اللي انت عملته، بس بجد شكرا ليك
محمد: من غير شكر أستاذ أحمد، أي حد مكاني كان عمل كدة، وبعدين حضرتك مديري وانا بحترمك جدا فده شيء مش محتاج شكر
مروان: معلش أستاذ محمد ممكن تقولنا ايه اللي حصل بالضبط، ازاي لقيتو البنات؟
محمد: وقد بدأ في سرد ماحدث منذ رؤية رؤى للصغيرة نور....
حسام: مروان كفاية كدا ويلا نرجع لأم إيمان بتقولي نجلاء هتتجنن من القلق
مروان: خلاص يلا بينا، بس معلش أستاذ محمد لو احتجناك هنطلبك لأن اتعمل محضر باختفاء البنات، وسنحتاجك تقولنا اللي حصل رسمي
محمد: مفيش مشكلة يا فندم، رقمي مع احمد بيه، وانا بشتغل عنده في الشركة، وقت حضرتك تحتاجني تلاقيني موجود
يغادر الجميع كلا إلى وجهته،
وعند وصول محمد ورؤى لمنزلهم أخبرته انه قد تأخر على مخطوبته وعليه الذهاب
رؤى: روح انت يا أبيه عشان تأخرت أوي على جميلة وهتزعل
محمد: رايح اهو يا رؤى، بس لما ارجع عاوز اسمع تقرير مفصل عن يومك في الجامعة
رؤى: انا هستناك عشان احكيلك يا أبيه لأن في حاجة ضايقتني وعاوزة اقول لك عليها
محمد: تمام يا قمراية هروح ومش هتأخر، يلا سلام عليكم؛
رؤى: وعليكم السلام، في حفظ الله
كانت تسير ذهابا وإيابا والقلق ينهش قلبها، تريد الاطمئنان لكن هيهات
إيمان: نجلاء يا حبيبتي ممكن تهدي وتقعدي، انا كلمت حسام وقال انهم جايبين البنات في الطريق
نجلاء: مش قادرة يا إيمان، مش هرتاح غير لما اشوف ولادي واخدهم في حضني
حياة: احنا عارفين بس ممكن تقعدي عشان خاطر اللي في بطنك، يا بنتي ده مش كويس عشانك
ناهد: سيبوها يا بنات هيا مش هتقعد ولا هترتاح، انتوا تايهين عنها، وبعدين قلب الأم دي غريزة يا حبايبي، انا لو مطمنتش انهم مع ابوهم وأعمامهم مكنتش هرتاح، لكن دي أمهم
لم تمر ثوان معدودة إلا وكانت الفتيات يركضن لأحضان والدتهن، تجلس بهن أرضا محتضنة إياهم بشدة غير عابئة بحملها، ولا آلامها، كانت تحتضنهم وتقبلهم، تتفحص وجوههم وأجسادهم خوفا من أن قد يكون مصابا ألم بهن
نجلاء: حبايبي حد عمل لكم حاجة، في حاجة بتوجعكم، حد أذاكم؟
أحمد وهو ينزل لمستواها: اديهم فرصة يردوا عليكي يا حبيبتي عشان يطمنوكي
سما: احنا كويسين يا ماما، بس كنا خائفين
نور: انا كنت خائفة أكثر من سما يا ماما، كنت خائفة متلقنيش
نجلاء وقد سالت دمعاتها: حبايب قلبي الحمد لله اللي رجعكوا ليا سالمين
مروان: انا عاوز اتكلم مع البنات يا احمد، لازم اوصل للي عملوا كدة بأسرع وقت، الخطر لسة ما انتهاش
أحمد: حاضر يا مروان
نجلاء بمقاطعة: مروان ممكن تأجل الموضوع شوية، بس البنات يغسلوا ويغيروا هدومهم، وبعدين اسألهم
أحمد: استني شوية يا مروان
مروان: مفيش مشكلة، انا هنا اهو
تهم بالنهوض لكن لم تستطع بسبب جلوسها الخاطئ لتجد من يدعمها من الخلف ويساعدها بالنهوض، لم يكن سوى رفيق دربها، تنظر له نظرة مليئة بالحب، والتقدير،
أحمد: عارف انك مش هتقدرى تقومي
نجلاء: وانا متأكدة إنك مش هتسيبني لوحدي
يأخذا الصغار معا للغرفة الخاصة بهن، تركها تحمم الصغار ونزل للأسفل للحديث مع مروان وحسام في أمر هام، وها هي عقب انتهائها من تنظيف الصغار جلست لجوارهن وبداخلها عزم على معرفة ما حدث، ومن كان خلف خطف صغارها
نجلاء: نور، سما، حبايب ماما انا عاوزة اعرف كل اللي حصل بالضبط، وازاي خرجتوا من المدرسة؟ وازاي قدرتوا تهربوا؟
نور: انا كنت مع سما بنلعب في الحوش بتاع المدرسة مستنيين عموا سعيد، جه واحد وقال لنا ان ماما مستنيانا برة عشان نروح
سما: بعدها خرجنا معاه لقينا عربية سوداء كبيرة، وكان في واحدة لابسة لبس مش زي بتاعك ومعاها ناس كبار، بس لما جه عموا سعيد من بعيد نده علينا خوفنا من الناس دي
نور: انا سما جينا نجري منهم خدونا غصب عننا، وركبوا العربية، وكانوا هينيمونا يا ماما، وانا كنت خائفة، بس سما هي خلتنا نهرب
سما: أيوة انا كان معايا الدبوس الكبير بتاعك يا ماما، انتي حطتيه ليا الصبح مع الشنطة، بس انا قمت طلعته وعورت اللي كان ماسكني جامد، ولما وقفوا العربية أخذت نور وجربنا بعيد، لحد ما نور تعبت، قولت لها اقعدي في مكان واستخبي وانا هروح اكلم بابا من أي حد زي ما انتي قولتي لي قبل كدة يا ماما اني لو تهت اطلب مساعدة من حد كبير، وحفظت رقم بابا كمان، بس قبل ما اروح لقيت أبلة رؤى وأخوها جم عند نور، وهما اللي ساعدونا واتصلوا ببابا
نجلاء: مخفتيش يا سما انهم ممكن يعملوا فيكم حاجة، خصوصا انكم صغيرين!
سما: يا ماما انا كنت خائفة بس خوفت على نور كانت بتعيط، وبعدين بابا قال لي متخافيش خالص وعلمني إني لازم اكون قوية عشان احمي اخواتي
كانت تستمع لكلام صغيرتها لم تكن تصدق أن طفلة بعمرها واعية لما يحدث; بل وتسجل جميع النصائح وتطبقها، كيف تعاملت مع هذا الموقف الخطير بعقلية كبيرة وليست عقلية طفلة صغيرة، تأخذهم بأحضانها وهي تتحدث معهم
نجلاء: انا مبسوطة منكم وزعلانة كمان
نور: ازاي يا ماما!
نجلاء: شوفوا اول حاجة مبسوطة ان سما قوية وعاقلة وسمعت نصايح بابا أحمد ودافعت عن نفسها وحمت نور أختها، وزعلانة أنكم لما واحد مش عرفينه جه قال لكم كلموا ماما روحتوا معاه، وانتوا عارفين ان عموا سعيد هو اللي بيجي كل يوم يأخذكم من المدرسة صح، بعد كدة اوعوا تروحوا لحد غريب تانى اتفقنا
نور: حاضر يا ماما
سما: ...
نجلاء: سكتي ليه يا سما!
سما: ماما انا اسفة، مش هروح مع خد غريب تانى، وعد
نجلاء بابتسامة بسيطة، برافوا عليكوا، دلوقتى هننزل ناكل وعاوزاكوا تحكوا كل حاجة لعموا مروان بالتفصيل
نور، سما: حاضر يا ماما
تأخذ الفتاتين تنزلان للأسفل ويخبران الجميع ما حدث كما أخبرا والدتهن
الفصل ده اللي هيفهموا بجد اللي قرأ رواية أسيرة العادات والتقاليد 😘😘😘😘😘والجد هيبدأ. رأيكم بقي
![](https://img.wattpad.com/cover/262298440-288-k991227.jpg)