الفصل السابع
تهبط الدرج بخطوات متمهلة على غير عادتها من الصخب الذي كانت تملي به المكان ،
داخلها حزينة لفراق أخيها، قلقة من عالم جديد يجب عليها أن تتأقلم معه، كانت ترجوا أن يكون أخيها بجوارها
هذا اليوم ليدعمها ويشجعها على التقدم، والاجتهاد، وعدم الخوف من أي شخص طالما لم تخطأ،
كانت وصاياه دوما تعمل معها كالسحر الذي يجعل مسحوره يفعل ما أمر به، تصل للطاولة الجالس عليها والدها على رأس الطاولة، ووالدتها على الجانب الأيسر منه، تلقي التحية عليهم وتجلس في صمت، يتعجب والديها مما أصابها فهذه ليست عادتها، ينظران لبعضهما بنظرات متمهلة ليقرر والدها قطع هذا الصمت لمعرفة ما أصابها
ليتحدث بنبرة قلقة مطمئنة: مالك يا هنا ساكتة ليه يا حبيبتي مش طبعك الهدوء
يختم حديثه بنبرة مضحكة على أمل تغير تعابير الحزن التي تعتلي وجهها ولا يعلم سببها،
تربت والدتها على يدها بحنية قلقة على صغيرتها المرحة، تبدأ بسؤالها عن ما بها ،
فاطمة: مالك يا هنا يا حبيبتي ايه اللي مغيرك كدة، انتي تعبانة !
ترفع رأسها إلى والدتها بضحكة بسيطة : لأ يا ماما، بس دي أول مرة اروح الجامعة من غير ما يكون أبيه سليم معايا، اتعودت انه هو اللي يوصلني ويديني النصائح العشرة قبل ما ادخل من باب الجامعة، بس النهاردة غريب هروح من غيره
مصطفى : بنبرة حنونة يعلم تعلق هنا بأخيها الأكبر، معلش يا هنا هو هيخلص الشغل اللي هناك وهيجي،
وبعدين يا ستي إن كان على التوصيلة اوصلك انا، يعني انا عندي كام هنا
هنا : ربنا يخليك ليا يا بابا،
لتحاول أن تعود لمرحها، بس فطوم تزعل كده، وانا مرضاش خالص مالص،
لم تكد تنهى حديثها إلا وقد وجدت الهاتف يعلن عن اتصال من أخيها الحبيب،
تجيب سريعا: أبيه سليم وحشتني اوي
سليم : انتي كمان يا نونا وحشتيني، هااه رايحة الجامعة مستعدة ولا...
هنا : طبعا يا أبيه مستعدة متقلقش عليا، شوف هشرفك، لا وكمان هنقي لك عروسة على زوقي تكون عسل
على الجواز على طول، عشان متاخدش وقت
سليم : لا والله رايحة حضرتك الجامعة ولا رايحة مكتب جواز، خليكي في دراستك يا قردة على اما اجيلك
هنا : لا تقلق يا سيدي سيتم الأمر بنجاح
سليم : بت حد جنبك لعب في الإعدادات ولاايه
ليضحك والديهما على نقرهم المحبب إليهم وبعد دقائق اطمأنت فيها والدته على أحواله وتحدث معه والده بعدة أمور أغلق الهاتف، يعاود والدها الحديث معها
مصطفى : يلا يا هنا عشان اوصلك ومتتأخريش
هنا : حاضر يا بابا يلا
قبل خروجهم تتحدث والدتها بالنصيحة كجميع الأمهات
فاطمة : خلي بالك من نفسك يا هنا، واعقلي كدة متخليش الناس تقول عليكِ هبله
تؤشر على عينيها وهي تقول : من عنيا يا فطوم
تغادر هي ووالدها للجامعة ...*************************************
يجلس على مكتب صغير يوجد عليه عدة ملفات ذات حجم كبير، علبة صغيرة تضم بعض الأقلام، ولافتة تحمل اسمه، بجواره عدة مكاتب أخرى يبلغ عددها أربعة، بغرفة مستطيلة الشكل تتجاور المكاتب كتناسق الأصابع، كل فرد من أفراد المجموعة يجلس على إحداها، وعليه لافتة تحمل اسمه ،
كانت عينيه شاردة إلى الامكان، يلاحظ أحد أصدقائه شروده غير الطبيعي، ليقم بتنبيهه فيفق على صوته
.......: ايه يا محمد مالك متوه كدة ليه يا صاحبي، مش عادتك !
ظل ينظر تجاه صديقه لمدة دقائق أثارت العجب في نفس صديقه، يعلم جيدا أنه لا يحبذ أن يتحدث بأموره الخاصة مع أحد، لكنه في وضع يصعب عليه التعامل معه، ليقرر البوح بما يعتمل داخله علّه يستطيع إيجاد حل لمعضلته، يجيب عليه بتنهيدة عميقة تدل على صعوبة المصاب الذي يعانيه، يبدأ بسرد ما حدث معه منذ مغادرته مع مخطوبته وأخيها الأكبر من المنزل
( عقب خروجهم من المنزل اتجهوا لإحدى المطاعم التي تطل على النيل، كانوا يجلسون على طاولة واحدة وأخيها يجلس بعيدا عنهم بمقدار طاولتين حتى يتيح لهم حرية الحديث، كانت جميلة تجلس بوجه محتقن الدماء من الغضب، ليقرر التخفيف من حدة الأمر ويبادر بالحديث
محمد : هتفضلي مبوزة كدة كتير يا جميلة ولا ايه !
تنظر له بحدة : مبوزة شكرا، بس يعني انا عاوزة افهم في حصل يخليني مبسوطة!
لبسي وزعقتولي عليه ومرضيتوش تخلوني اخرج بيه، خروج مع خطيبي على حريتنا أصريت إن شريف اخويا يكون معانا، تعليق على شكلي وكل حاجة زي ما اكون مش عجباك.
ينظر إليها بنظرة لم تتبين حقيقتها أهي ندم أم تسرع
محمد: أولا، لبسك أنا منبه عليكي من أول خطوبتنا إن أنا مش بحب اللبس الضيق، ويستحيل اقبل حد يشوف خطيبتي اللي هتكون مراتي بالمنظر ده، ده غير طبعا إنه حرام، ثانيا، شرط خروج شريف أخوك معانا لأن مينفعش اختلي بيكي وانتي لسة مش مراتي، وده حفاظ عليكي، أما الشكل وعجباني أو لأ، مقدرش اقولها دلوقتي، وبعدين انتي لو مش عجباني كنت خطبتك من الأول
جميلة : أوقات بحس إنك مش عوزني، ولا عجباك
محمد : مين قال كدة ، انا عاوز كل حاجة تكون حلال عشان ربنا يبارك لنا بعد كدة
لتصدمه بقولها : خلاص نعجل جوازنا
صدمة شلت عقله لوهلة قبل أن يجيبها..: نعجل الجواز ازاي وانتي عارفة إني مش جاهز دلوقتي واتفاقنا قبل الخطوبة كان واضح، وكمان مقدرش اتجوز دلوقتي عشان رؤى
جميلة : بس انا كدة مش مرتاحة لازم تشوف حل ونعجل الجواز انا ميهمنيش كل الأسباب دي، انت تقدر تحلها
محمد : انتي واعية للي بتقوليه، احنا متفقين من الأول جاية دلوقتي تقولي كدة ...
في هذه اللحظة يقترب أخيها منهم بعدما شعر بحدة الحديث بينهما،
شريف : في إيه مالكم !
تنظر لأخيها وتقول بنبرة ظاهر الغضب فيها : مفيش حاجة يا شريف، موضوع كنت بكلم محمد فيه وهو وعدني يحله
شريف بنبرة تعجب : موضوع ايه يا محمد !
محمد : ولا حاجة يا صاحبي يلا بينا نمشي اختك تعبانة وعوزه تروح
تنقلت نظراته بينهما بشك ملأ قلبه، لكنه أذعن لحديثهم وغادروا حتى قبل تناولهم للعشاء
ليعود للمنزل بخطى ثقيلة لا يعلم ما يجب عليه فعله، يجد شقيقته بانتظاره لتخبره أحداث يومها، لم يشأ إخبارها بما حدث لولا إصرارها على معرفة سبب عودته باكراً، والحزن الظاهر على وجهه، ليستسلم ويخبرها ما حدث، وعقاب انتهائه من سرد ما حدث ينظر إليها يجدها تربت على يده بحنية
رؤى : عجل بالجواز يا أبيه، مفيش ...
يقاطعها محمد : انتي بتقولي ايه يا رؤى! مينفعش خالص دلوقتي الوضع مش مناسب، وانا مش جاهز نهائي، وانتي كمان وضعك ميسمحش بده دلوقتي !
رؤى : يا أبيه اسمعني بس، الشقة واسعة جهز أوضتك وخلاص وبعدين أنا ممكن أقعد في الأوضة اللي في السطوح
...
محمد بعصبية ظاهرة: انتي اتجننتي يا رؤى ده مستحيل، انا لا يمكن ارميكي على السطوح عشان اتجوز، ده بيتك هي إن كان عاجبها تستني عاجبها مش عاجبها خلاص...
شهقة فلتت من فمها دون قصد منها : خلاص ايه يا أبيه، هت....
محمد : متخفيش مش هسيبها لإني يستحيل اظلمها.
يتركها ويدخل غرفته يختلي بنفسه قليلا عله يجد حلا لمعضلته الشائكة، حتى أتى الصباح بنوره واستعد كلاهما للذهاب كلٌ إلى وجهته، لم يغادر إلا عندما اطمأن على صغيرته ليتجه بعدها إلى عمله)
بس ده كل اللي حصل، وانا دلوقتي تائه مش عارف اعمل ايه، أول مرة معرفش اتصرف
يشفق صديقه على وضعه فهو يعلم جيدا ما عاناه رفيقه لتربية أخته الصغيرة عقب وفاة والديهم،
.....: شوف يا صاحبي ادي لنفسك مهلة يومين تفكر كويس واتعامل عادي خالص، وبعدين روح لخطيبتك زيارة واتكلم معاها بالعقل، والهداوة، وحاول تقنعها
محمد : مش عارف ممكن ده يحصل ولا هضطر لخطوة انا مجبر عليها...
....: متتسرعش وإن شاء الله كل اللي ربنا كاتبه خير
ليأتي في هذه اللحظة شخص ما يخبره أن المدير قد طلب مقابلته، ليتجه إلى مكتب مديره وينظر صديقه في أثره بحزن واضح
**************************************************************************************************************
تقف أمام بوابة الجامعة بعد إيصال والدها لها بخطىً تائهة قليلا من وجودها في مكان جديد،
لمنها تدخل بثقة غير عابئة للمكان، تعلم جيدا أنها يجب أن تجتهد حتى تحقق هدفها الذي تسعى إليه، لذا يجب أن تكون قوية كما هو معهود عنها..
تصبح خطواتها واثقة، ثابتة، تحارب من أجل العلم، تقابل في طريقها مجموعة من الشباب يجلسون إلى جوارهم مجموعة من الفتيات المتبرجات، لمحة خاطفة ثم تخفض بصرها سريعا، فهي لا تحبذ رؤية هذه المشاهد، تتجه نحو لوحة الإعلانات التي كتب عليها جدول محاضراتها، تنقله وتتجه نحو المدرج الخاص بها، تبحث عن مكان فارغ، تجد فتاة بسيطة ترتدي حجاب واسع، ووجه مستدير بريء، خالي من الصبغات الصناعية، تجلس بمفردها لا تعلم لما انجذبت إليها كمن تفطن لملامحها قليلا، وكأنها تشبه شخصا قريبا إلى قلبها، تتجه نحوها بابتسامة فرحة لتجلس جوارها
هنا : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تسمحيلي اقعد جنبك، ولا هضايقك؟
رؤى : لا أبدا اتفضلي اقعدي
هنا وهي تمد يدها بالسلام : أنا اسمي هنا مصطفى
رؤى : وهي تصافحها رؤى محمود
هنا : الله اسمك جميل يا رؤى
رؤى : شكرا، انتي كمان اسمك حلو جدا
هنا : على فكرة انا مش من عادتي اتكلم مع حد كدة، خصوصا لو أول مرة اشوفه، بس مش عارفة حاسة إني اعرفك من زمان، حاجة جوايا كدة
رؤى : أنا كمان حاسة اني شوفتك قبل كدة، ملامحك جميلة جدا
هنا : بمزاح أخجلتني، ايه رأيك بمناسبة التعارف نكون صحاب
رؤى : بسعادة جلية على وجهها، أكيد طبعا
يقضيا اليوم بين المحاضرات وتعارفهم على بعضهم كعادة الرفاق، حتى أتى موعد مغادرتهم، أتي أخيها باكرا لأخذها لأمر هام، وقد حضر والد هنا ليقلها كما وعدها، تتجهان نجو البوابة الرئيسية لتجد أخيها بانتظارها، تؤشر له لتنتبه هنا لهذا الوسيم الذي يشع رجولة وهالة خاطفة حوله، قادم نحوهما، تجذب يدها وهي تهمس لها
هنا: مين ده يا بت يا رؤى، ده أخوكي ده ولا مِستوردينه!
رؤى: وقد اتسعت عينيها، اوعي تكوني بتعاكسي اخويا يا بت !
هنا : هو ده بالضبط، متجوزيه ليا
رؤى: بس يا هبله، ليصل إليهم ليتفاجأ من صاحبة عيون القطط، عيون يكاد يجزم أنه رآها من قبل
عيون ظلت تطارده في أحلامه لا يعلم ماهيتها،
محمد : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ها يا رؤى خلصتي!
رؤى : أيوة يا أبيه، دي هنا صحبتي يا أبيه
********************************
أنتهي الفصل انا عارفة اني بتأخر لكن غصب عني والله الظروف اللي انا فيها صعبة دعواتكم ليا ربنا يشفيلي بنتي 🤲🤲🤲🤲🤲🤲
وياريت اعرف رأيكم