الفصل الثالث والأربعون
تقف أمام النافذة بهدوء تكتف يديها أنا صدرها ، تتذكر ماحدث بعد هروبها به من فؤاد، أخذت الطفلة وعادت لموطنها بعدما تزوجت أحد الرجال الأغنياء، كان كبيرا بالعمر لم يحتمل العيش طويلا، ليفارق الحياة بعد فترة قصيرة، كانت خلالها تمكنت من تسجيل الطفلة على اسمه، وظلت هكذا لفترة طويلة وعندما علمت بعودة محمود وحنين لبدتهم وتقبل أهلهم إليهم، اشتعلت النيران داخل قلبها، ولم تكتفي بما فعلته وأنها اختطفت طفلتهما، بل اتفقت مع رفيقها بتدبير حادثة حتى تتخلص منهما، عادت البقرية وقابلت أخيها وزعت الشك بقلبه، وغادرت كان في هذه الأثناء تلعب خطة من تدبير إبليس، تحدث أحدهم يخبر محمود بشيء سيء عن حسن وانه يخطط لقتل زوجته، وفعلت المثل مع حسن، اندف محمود غافلا عما يدبره شياطين الانس، لم يلحظ العربة التي ظهرت له من العدم، جعلت مسار سيارته تنحرف عن مسارها، مما أودى بحياتهم..... تفق من ذكرياتها التي تدينها ماحييت، تفق على خبطات شبه عنيفة على باب منزلها، أعقبها اندفاع شريكها اللدود عليها الغرفة كالإعصار; بعد أن قامت الخادمة بفتح الباب، نظرت له بتعجب شديد من طريقته تلك; لكن قبل أن تفتح فمها وتبادر بسؤاله، كان هو الأسبق،
إسلام: شمس ممكن تفهميني فين جنى يا مدام شمس، ولا بلاش شمس، جنى فين يا سلمى؟!
تنظر له بتعجب،
شمس: في ايه يا إسلام! جنى سافرت يومين مع صحابها تغير جو.. وبعدين انت بتسأل بالطريقة دي ليه! في ايه !
ينظر لها والشرر ينطق من عينيه، لايصدق الإهمال الذي تتحدث به وهم على مشارف كارثة ستودي بهم للهاوية،
إسلام: انتِ إيه يا شيخة، ده من يونين كنتِ لسة بتهدديني إن نادر لازم يتجوز جنى، جاية دلوقتي بتسألي وحضرتك بكل بساطة بعتيها لبؤرة الأحداث... تقدري تقولي لي جنى فين ومع مين!
تنظر له بصدمة: جنى مع.....
يقاطعها بنبرة حازمة...
إسلام : قبل متكملي... تعرفي مين صحابها؟! هند وماتت، معتز وادروش، ونادر ومبقتش تكلمه أصلا، عارفة بقى مين صحابها اللي هي معاهم...
تنظر له بصدمة بعدما أدركت سبب انفعاله; لكنها صمتت ولم تتحدث، ليكمل
إسلام: هو اللي جه في دماغك، بنتك ... ولا بلاش بنتك دي.. جنى دلوقتي مع صحابها اللي هما أختها وبنت عمها، اللي انتِ خايفة منه هيحصل يا هانم، ليه عشان حضرتك مستهترة; حتى في عز اللي احنا فيه لسة زي مانتي
تنظر له وهي تضع يدها على رأسها،
شمس: لا مستحيل اقبل بده مهما حصل، اهدى انت وانا هتصرف،
ترفع هاتفها محاولة الاتصال بابنتها، لكنها تجد هاتفها مغلقا، تكرر المحاولة مرارا ولكن يأتيها نفس الإجابة وهي أن الهاتف مغلق، لم تعلم أنها عند خروجها من المنزل قررت أن تفصل عن الأرق الذي يسيطر على حياتها، ترمي الهاتف بعنف وهي تضغط على أسنانها بشدة، أما هو كان ينظر لها بسخرية وهو يكتف يديه أمام صدره
إسلام: ايه اتصرفتي... بصي يا سلمى عندي ليكي صدمة كمان، بنت الدكتور فؤاد موجودة في الأقصر مع جوزها
تنظر له بصدمة: وهي بتعمل ايه مع جوزها في الأقصر؟!
إسلام: حوزها دكتور وبيحضر مؤتمر هناك، وهي موجودة معاه
سلمى: طب ده ميقلقش، هي مع جوزها وبيحضروا مؤتمر، وبعدين يستحيل فؤاد يكون قال لها حاحة عن اللي حصل زمان... تصمت قليلا وتتابع... بس حتى لو قال لها مش ممكن تروح تفضح ابوها... لأ يستحيل
ينفعل عليها: انت بتقولي ايه، احنا هنفضل نتكلم في يستحيل وميستحيلش، انا مش هقعد كدة واستنى القبض عليا
تنظر له بتوجس، وظهر التوتر على عينيها،
سلمى: هتعمل ايه!
إسلام: هحمي نفسي يا سلمى... لو طلت اقتل تاني هاعمل كدة
ينهي حديثه ويتركها ويغادر تتهبط بين أفكارها التي تكاد تهشم رأسها
✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻
مر الوقت سريعا وكانت الفتيات لازلن بالغرفة والأحاديث تدور بينهن، ليستمعن لطرق الباب بخبطات صغيرة أدركن حينها أنها الصغيرة حنين، اندفعت هنا تفتخ لها الباب بهدوء تشاكثها،
تفتح الباب وهي تضع يدها في خصرها،
هنا : اتفضلي يا أنسة حنين، عاوزة ايه
تنظر لها من أعلى لأسفل، وهي تكتم ضحكتها عليها،
حنين: مش عاوزة حاجة يا أبلة هنا، بس جدوا عاوزك تحت انت وأبلة رؤى
ينظرون لها بتعحب، وتبادر هنا بالحديث: عاوزنا دلوقتي يا حنين! مش لسة شوية على الغداء
تجيب الصغيرة بتلقائية،
حنين: لا مش الغدا، جدوا عاوزكم في حاجة تانية بس مش عارفة ليه، هما كلهم تحت
وتتركهم وتغادر والقلق بدأ يزداد في قلوبهم، تراهم جنى وهن على هذه الحال، فتبادر بالحديث لِلفت انتباههم،
جنى: ايه يا بنات مالكم.. قلقتوا ليه! أكيد حاجة عادية.. ليه قلقتوا كدة
كانت تتحدث وهي توزع نظراتها بينهم بهدوء، توجه رؤى نظرتها إليها
رؤى: ممكن .. بس جدوا أول مرة يطلبنا قبل الغداء، كل مرة بنروح نقعد معاه بعد الغدا، لكن ممكن فعلا يكون عادي
هنا بهدوء: عندك حق ممكن يكون الموضوع عادي، طب ماتيجي معانا يا جنى
تنهض وهي تقول: لا انا هقعد مع حنين برة شوية على متشوفوا في ايه، يلا انا هسبقكم تحت
تنهي حديثها وهي تتجه للأسفل، وخلفها القتيات بهدوء وقلق
ثوان قليلة وكنّ يقرعن الباب بهدوء، ليسمح لهم بالدخول، يتفاجأن بالجميع يجلسن بالداخل على مقاعد تسمى(كنبة)، كان الجد يجلس بالمنصف والمقعد خاصته فارغ بانتظارهما، ومحمد وسليم ورائف يجلسان معا على إحدى المقاعد المجاورة، وجوارهم والدهم ووالدتهم ورنا، أما الجدة وخالهم حسن كن يجلسن على المقعد المجاور للجد صالح، كانت الغرفة مستطيلة الشكل، نظرن بتعجب لهم جميعا، ليقع نظر هنا على أخيها، تؤشر له برأسها بمعنى ما الأمر، لكنه لم يجيبها، يطلب منه الجد الحلوس لجواره، فينفذن بهدوء، ولازالت نظراتهم تطوف على وجوه الجميع بقلق
ليقرر الجد قطع الصمت الدائر في المكان،
صالح: مالكم يا بنات قلقانين ليه ، متقلقوش مدة بس في موضوع يخصكم ولازم تعرفوه
ينظران بصمت ولكن لم يتحدث أحد.. ليكمل الجد حديثه قائلا: بصراحة كدة بصي يا هنا يا بنتي قبل أي حاجة لازم تعرفي ان القرار الأول والأخير لكِ، محمد طالب إيدك للجواز....
صدمة جعلت عينيها تتسع وهي تنظر لأخيها وفي ذات الوقت نظرت رؤى نحوها بفرحة، وعاودت النظر نحو أخيها بابتسامة وتعاود النظر نحو هنا التي لازالت عينيها مفتوحة على مصرعيها،
صالح: ايه ياهنا مالك يا بنتي! انتِ مش موافقة !
تنظر نحوه بصدمة، مالذي يقوله أبعد كل هذا يقرر أنها غير راضية عن طلب معشوقها، تقرر رنا مشاكستها عندما رأت نظراتها،
رنا: خلاص يا جدوا هنا شكلها مش موافقة على ال.....
تنتفض من موضعها: إيييه يا حاجة رنا مالك انتِ بس، مين قال اني مش موافقة أنا...
تدرك تسرعها وتنظر نحو الأسفل بإحراج وتندفع نحو الأعلى وقلبها يدق بقلق محبب لقلبها، حتى أنها لم تنتظر أن تستمع لباقي الحديث،
بالأسفل كان الجميع يهنئون محمد بموافقة هنا على الارتباط، وحان موعد رؤى
لينظر لها بابتسامة وهو يوجه حديثه لها بابتسامة تحت نظرات القلق التي تسيطر على سليم،
صالح : رؤى يا حبيبتي.. انتِ عارفة غلاوتك عندي، وانتِ بالذات رأيك عندي أهم من أي حاجة، سليم ابن عمك طلب ايدك انتِ كمان، ايه رأيك
صدمة لاتنكر أنها ليست سيئة، لكن دراستها وحياتها... لاتدري ما،
عندما رأى تخبطها وقلقها، قرر قطع الصمت،
سليم: بعد إذنك يا جدي مممن اقعد مع رؤى شوية قل متاخد قرارها، وبعد كدة هي تقرر، نظر للجميع برجاء، ليربت مخند على كتفه بموافقة، ويغادر الجميع تباعا ويتبقى هما الاثنان وباب الغرفة مفتوح على مصرعيه
✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻
كانا يجلسان معا بالغرفة والعائلة تجلس بالصالة الأمامية; حتى لايحدث خلوة بينهم جلس أمامه بعد أن سحب أحد المقاعد الصغيرة حتى يتمكن من الجلوس أمامها وفي ذات الوقت بعيدا مسافة تكفي، كانت هي قد بلغ بها الخجل مبلغه، فكانت تفرك يديها ببعضهم البعض، وتخفض رأسها للأسفل بحياء زين وجنتيها حتى أصبحت وجنتيها تضخ الدماء بشدة، ليبدأ حديثه بهدوء وروية
تحدث بهدوء شديد يحاول السيطرة على دقات قلبه المتنافرة، ينظر نحوها بعينين مليئتين بالرجاء،
سليم: رؤى ممكن اتكلم معاكي دلوقتي في كل حاجة تخص موضوع الخطوبة، وقبل أي كلام لازم تعرفي إني عمري مهغصب عليكي توافقي
ترفع رأسها قليل محاولة تدارك حالها، فهذا مستقبلها الذي ستبنى عليه حياتها للنهاية، لاتنكر أن بقلبها شيء نحوه، نظراته لها كان تخبرها أن لها مكانة داخله; لكنها قررت وأد إحساسها حتى لاتغضب ربها، وما أدهشها هو طلبه للزواج منها
رؤى: أنا كنت...
يقاطعها بهدوء متداركا إحساسها بالقلق
سليم: قبل متتكلمي خليني اتكلم معاكي شوية من البداية، رؤى أنا مش هقولك انا بحبك من أول مرة شفتك، رؤى.. أنا حبك اتزرع في قلبي من أول لحظة شفتك فيها وانت لسة عيلة صغيرة جاية مع عمي محمود وخالتوا حنين، من أول مشوفتك واتعلقت بيكي ومش عارف ازاي ده حصل، بس من يوم ماختفيتوا وانا قلبي غةعمره مدق غير لما رجع شافك تاني، كنت شاب زي أي شاب، والبنات دايما كانوا حواليا; لكن دايما كان جوايا إحساس إن قلبي ده مش ملكي، قلبي انتِ خدتيه معاكي واختفيتي، وغير كل ده أنا دايما كنت خايف على اخواتي البنات ان أي غلطة اعملها تترد ليا، كنت بتقى ربنا في كل خطوة بعملها عشان ربنا يحفظ ليا اخواتي، وكمان عشان يجمعني بيكي في الحلال
نظرت لعينيه والصدق الذي ينبع من عينيه وحديثه الذي لمس أوتار قلبها، كانت هذه المرة الأولى التي تتمكن من النظر لوجهه، وتلاحظ لون عينيه الصافية كلون عيني أخيها الحبيب،
رؤى: أنا مش عارفة بس انا يعني... أقصد إن أنا لسة عندي كلية والمشوار قدامي طويل.. وكمان مش عارفة ازاي هوفق بين حياتي بعد الجواز وبين دراستي، انا مشواري طويل لسة و...
يقاطعها سريعا مدركا الأفكار التي تتخبط فيها،
سليم: المشوار الطويل ده عاوز نكمله مع بعض يا رؤى، عاوز اعيشه معاكي بحلوه ومرُّه، وخطوة الجواز مش هتم غير لما تقولوا احنا مستعدين للجواز فده هيكون في إيدك انت وهنا، الخطوة اللي هتم... يعني بعد موافقتك هتم خطوبة وكتب كتاب
تتظر له بصدمة لكنها تتدارك صدمتها عندما أكمل حديثه...
سليم: احنا وضعنا مختلف يعني عايشين في بيت واحد، والخطوبة لها ضوابط، وعشان نتفادى الوقوع في الحرام هتم خطوة كتب الكتاب، بحيث لو قعدنا مع بعض ميكونش فيها حاجة حرام، طبعا الحدود هتفضل بينا.. بس عشان التقييد، ولو بصيت ليكي محسش اني عملت ذنب... فهمتيني
تومئ برأسها باقتناع لحديثه، لكنها تجيب بهدوء
رؤى: طب أنا هصلي استخارة واقول رأيي، عن إذنك
تتركه وتهم بالمغادرة; لكنه يستوقفها قائلا ببحة صوت راجية..
سليم: رؤى حياتي كلها معتمدة على قرارك
تغادر سريعا للأعلى متناسية الجميع الذين كانوا على مقربة منتظرين قرارها، بينما في الداخل كان يقف في منتصف الغرفة بنظرات راجية
✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻
تقف أمام الخزانة تستخرج منها حقيبة جلدية صغيرة، مستطيلة الشكل متوسطة الحجم، سوداء اللون، أخذتها ووضعتها على الفراش خلفها، وهمت بفتحها، أخذت تتفحص الأوراق بدقة شديدة، وترميز، تمرر عينيها على الأحرف بتركيز شديد، في هذه الأثناء خرج زوجها من المرحاض يضع منشفة على رأسه يجفف شعره من المياه، ينظر نحوها بشفقة لوضعها هذا، يقترب منها بهدوء محاولا التخفيف من حدة موقفها، فقد قررا الاستعداد للذهاب لمنزل عائلة "حنين" اليوم
إيهاب: هدى حبيبتي جهزتي الأوراق كلها
لم ترفع رأسها من الأوراق التي تمسك بها، لتجيبه بجبين منعقد
هدى: خلاص برتبهم وبتأكد من كل حاجة اهه عشان نتحرك يا إيهاب متقلقش
ينظر لها بعيون تفيض حبا مقتربا منها واضعا الأوراق على الفراش ممسكا بيديها،
إيهاب: هدى قلت لك عمري مهسيبك لوحدك يا حبيبتي، الموضوع ده بإذن الله ينتهي على خير متقلقيش أنا جنبك
ترتمي بأحضانه تريد التخلص من هذا الثقل الذي يجسم على قلبها، مر الوقت وكانا يستعدان للذهاب وفي طريقهم للوصول، لكنهم لم يلحظوا السيارة التي تراقبهم منذ لحظة خروجهم من الفندق
✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻
أمام منزل الحد كانت جنى لازالت تجلس تنظر للصغيرة حنين وهي تلهوا مع أصدقائها الأطفال أمام المنزل، تنظر لهم بنظرات متمنية، نظرات تود لو استطاعت الرجوع طفلة مرة أخرى حتى تتممن من اللعب ببراءة، لكنه تمني ولن يتحقق، نر الوقت ولم تشعر سوى بظل يقف أمامها، ترفع رأسها لترى من الذي أمامها، صدمة لكنها تداركتها لترى أن الواقف هذا لم يكن سوى "شريف" الذي حضر سريعا ولم يطق الانتظار،
شريف: السلام عليكم ورحمة الله وبرماته، ازيك يا أنسة جنى
تخفض رأسها وهي ترد السلام: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أنا الحمد لله كويسة
ينظر بإعجاب ظهر رغما عنه، لكنه تدارك الوضع مصححا،
شريف: أنا كنت جاي لمحمد وسليم هما اللي عزموني، هما هنا!
تنهض من مجلسها وهي تخبره: أيوة موجودين اتفضل حضرتك ثواني وانا هندهم من جوا، عن إذنك
تتركه في موضعه وتغادر تحد محمد أمامها تخبره بوجوده وتصعد للفتيات عقب معرفتها بوجودهم بالأعلى، أما هو اتجه للخارج للترحيب برفيقه واستقباله
✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻✍🏻