الفصل الرابع عشر
"اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني، وأنا عبدك، وعلى عهدك ووعدك ما استطعت، أعوز بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليا وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"
مانت تجلس بانتظار عودة أخيها، كان القلق ينهش قلبها كالنار تأكل ما فيها، ازداد قلقها وتفاقم عندما هاتفها أنه سيذهب لملاقاة صديقه " شريف" ، كانت تعلم أن الأمور لن تمر ببساطة هكذا، خاصة أنها لم تشعر بالراحة تجاه هذه الفتاة مطلقا، دوما كانت تشعر بالقلق تجاهها، لم ترتح لها مطلقا، لكنها لم تشأ أن تسبب القلق لأخيها، كانت تريد سعادته فقط، لكنها دوما لم ترتح لها مطلقا، دقائق مرت قبل أن يدخل أخيها قاطعا أفكارها وتأملها، لتهب راكضة لاستقباله تحتضنه، وتتحدث ببكاء
رؤى: أبيه محمد اتأخرت ليه كدة، قلقتني عليك
يربت على رأسها وكتفها بحنية شديدة، يعلم جيدا مدى قلقها، أراد أن يطمأنها ويبعث الراحة داخلها
محمد : حبيبتي ليه قلقانة كدة مفيش حاجة، وبعدين هو احنا كنا هنتخانق، اتكلمنا وحطينا النقط على الحروف،
وبعدين شريف صاحبي، وأنا واثق في عقليته، بس كدة خلاص انا فهمته اني انا مش هقدر اكمل الجواز دلوقاي، وربنا يوفقها مع اللي يناسبها
ترفع رأسها مبتعدة عن أحضانه
رؤى : ده بسبي يا أبيه، حضرتك سيبت خطيبتك بسبي، عشان....
محمد : اوعي تقوليها، انت سامعاني، أنا عمري ما اتخلى عنك مهما حصل، انتِ عزوتي وعيلتي الوحيدة اللي باقية ليا في الدنيا دي، لو طلت افضل من غير جواز العمر كله عشانك هفضل، لكن عمري ما اتخلى عنك أو اسيبك، سامعة حسك عينك تقولي حاجة زي كدو مرة تانية
تمكن الدمع من مقلتيها حتى أضحت الرؤية مشوشة أمامها، ترى ابتسامة أخيها المشجعة لها، التي تفيض بالحنان الذي لم تلقاه طوال سنوات عمرها عقب وفاة والديها، لا تريد أن تكون عبئاً يثقل كاهله، لكنها ما بيدها حيلة
رؤى : غصب عني يا أبيه، مش عاوزة اكون حمل عليك أكتر من كدة، انت من حقك تحب وتتجوز، من حقك يكون لك طفل تحبه ويرعاك بعدين، أنا مش هتحمل اشوفك كدة بتظلم نفسك عشاني، مش هقدر
يحدثها بهدوء عقب معرفة ما يدور بخلدها من شعور بالذنب تجاهه: رؤى حبيبتي، أنا مش عاوزك تفكري كدة نهائي، أنا لسة النصيب مأردش إني اتجوز، وبعدين الجواز محتاج مسؤولية، ومحتاج استطاعة عشان اقدر اتحمل مسؤولية بيت وزوجة، وأولاد، وانا دلوقتي المقومات دي مش موجودة عندي، فحرام عليا أظلم واحدة معايا لأي سبب، ثانيا بقى، غنا لسة ملقتش الإنسانة اللي اقدر احس اني مخطوف لما اشوفها، أو نظري يتثبت عليها لمجرد اني بس لمحتها، لسة الإنسانة دي ملقيتهاش، وبعدين دي مهمتك بقي طالما انتي حاسة بالذنب الكبير ده، مهمتك تلاقي إنسانة حلوة خَلقاً وخُلقا، عشان اطمن واتجوز، ينهي حديثه مبتسما بخبث
لكنه تفاجأ بها تضحك كمن أصابها مس ما، حالة من التعجب الشديد أصابته
محمد : مالك يا بت يا رؤى ! هو العفريت ركبك ولا إيه!
لكنها ازدادت ضحكا، لتتحدث من بين ضحكاتها: تعرف يا أبيه في واحدة طلبت إيدك مني النهاردة
ضيق عيناه متعجبا من حديثها، ومن الحالة التي وصلت إليها،
محمد : نعم واحدة طلبت ايدي ازاي مش فاهم!
تحاول التحكم في ضحكاتها قليلا، حتى تتمكن من الحديث،
رؤى: أصل بصراحة يا أبيه غنا كنت رايحة الكلية النهاردة زعلانة عشانك بسبب اللي حصل، فهنا جت وتكلمت معايا شوية لما لقتني يعني بعيط، ولما حكيت لها إحساسي وإنك ممكن تكون سيبت جميلة بسببي، قالت لي جوزيني أخوكي، وانا اجوزك اخويا
محمد : حاول التحكم في ابتسامته قدر المستطاع، ليواصل الحديث بجدية، اه وانتوا الاثنين طول الوقت قاعدين تتكلموا ومش بتحضروا المحاضرات يا رؤى هانم
توقفت عن الضحك وتوسعت عيناها من الصدمة، لتتحدث بصوت من بين أسنانها
رؤى : ايه ده هو الموضوع قلب عليا ولا إيه، ماشي يا هنا بس لما اشوفك هتوديني في داهية
بعدما انتبه لحديثها أمسك بها من تلابيبها، محمد : بتقولي ايه يا هانم سمعيني، هااه بتروحي تقعدوا انتي وصاحبتك ترغوا وتسيبوا اللي وراكم
رؤى: سريعا ، والله لأ يا أبيه في الفراغ اللي بين المحاضرات بس، وبعدين فكر كدة بهدوء، ده حتى هنا بيضة وملونة
صدمة أخرى، محمد : نعم بيضة وملونة ! بت انتِ بتجيبي الكلام ده منين!
تحيب سريعا : من هنا !
تدرك ما قالت، وتضع يدها سريعا على فمها، تنظر له بعيون متوسلة المغفرة
محمد : شكل هنا دي خطر عليكي ا.....
لكن قبل أن يتم حديثه قاطعته: لا يا أبيه والنبي متقول ليا ابعدي عنها، هنا صحبتي وأنا بحبها، هي بس كانت بتهزر معايا عشان ابطل عياط وزعل
محمد : مين قال لك إني هطلب منك تبعدي عنها، ده كويس انها خرجتك من حالة العزلة اللي كنتي فيها، وبعدين كويس انك ارتحت لها وحبيتيها، شكلها باين عليها مؤدبة
رؤى : أيوة والله يا أبيه، هنا طيبة، ومحترمة، وبتحبني، كمان عزمتني أنا وحضرتك عشان نحضر عيد ميلادها في بيتهم، قالت لي ان باباها ومامتها طلبوا منها تعزمنا
محمد : وهما يعرفونا منين !
رؤى : لأ يا أبيه هنا قالت لهم إني مش هروح من غير حضرتك متكون معايا، عشان كدة
محمد : خليها بظروفها، بس اشوف اللي حصل لأحمد بيه ومراته وبعدين نشوف
رؤى : إيه حضرتك قصدك أبلة نجلاء! ليه مالها ! ايه اللي حصل!
يجلس وهو يجيبها بتنهيدة : واحد صاخبي كلمني قال لي ان في ناس دخلوا البيت عليها وضربوها وهي دلوقتي في المستشفى بين الحياة والموت
شهقة قوية تدل على صدمتها : ايه ضربوها، بس دي حامل وتعبانة، طب هي حصلها ايه يا أبيه
محمد : مش عارف لسة عاوز اكلم احمد بيه بس مش عارف هقول ايه
رؤى : لأ يا أبيه لازم تكلمهم وتتطمن عليهم، دول دخلوا بيتنا وعرفناهم، وأبلة نجلاء حبتها جدا، عشان خاطري يا أبيه اتصل عشان اطمن عليها
محمد : حاضر هتصل عليهم
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️