سُبلٌ ضَائِقَة 3

206 17 2
                                    

وَ أَقِيّمُوا الرّثَاءَ عَلى رُوحِي فَلاَ عَزاءَ هُنَا سِوى عَزَاءَ رُوحِي ..

يُجَرجُرُ خُطَاه مُترنحًا عَلى حَوافِ الطرِيق ، يَمشِي بِلاَ هَوادَة .. حُشرِت الكَلِمَات وأُطمِستْ فِي مُنتَصِف كَبِده ، فَكُل شَيءٍ بَاتَ صَعب الإِستيِعَاب ، كَان صَباحًا معهَا لاَ بَل قَبلَ سُويَعات ! فُراقُهَا كَان القّشَة التِي قَصَمتْ ظَهرَ تَعَبِه ، مَن سُيناجِي رُوحَه المُلتعَاة حِينَ يُنادِي ؟ حِينَ يُرَدد إِسمك مَن ذَا الذّي سَيُجِب عليّه ؟ ذَاقَ المَرِير مِن رُبوعِ طُفولتِه ..

وفِراقهَا مَازادَه مُرّ عَلى مَرارة العَيّش وإستِثقَالِهَا عَلى فُؤادِه المَجرُوح ..

مَن الذّي سَيُناجِيّك يَا صَبيّ التَعب ؟

يَمشِي بِترنّح و هَزَل ، يُجَرجِرُ مِعطفَه خلفَه وسُترتَه مُلطخَة بِألوانِ الحُب الحَمراء الدَامِي ، فَبعدَ نقلّهَا للمَشفى أزالوا الرُصاصَة مِن أيسرِهَا وخُيّط الجَرح وشُرحَت الهَيئَة لإِعلاَن سَبب الوَفَاة لِتُطرق أَجَراس الحِداد
وُترفَع رَاياتِ  ' الحُزنِ الصَامِت ' عَلى رُوحِه المُتعَبَة العَلِيلَة..

دَخَل لِقَاعَة القَصر بَعدمَا عَاد مِن المَشفى بِصُحبَة الحُراس فالنَاس قَد عَلِمَت بِموضوع العَاشِق المُراهِق والمرأة العِشرِينِيّة ، فأرسَل والدَه رِجاله للبحث عَن صبيّ العَار كمَا قَال فوجدوه وأحضروه معهم ، كَان فِي عَالم يُنافِي أحداثَ هذَا العَالَم وهذَا الزَمن ، عَقلّه تَوقفَ عِند تِلَك النُقطَة ..
النُقطة التِي يَتوقف عِندهَا كُلَ شَيء .. الزَمن ، الشَباب ، الحَيَاة ، الحُب ، العَاطِفَة والأَمل .. 

نُقطَة أخِيرَة تَكسِر إِستِمرَارِيَة كَلَ شَيء ..

كَان وَالدُه يَجلِس فِي مُنتصَف الأرِيكَة الجِلدية ذَات اللون البُنيّ القَاتِم ، وآنامِله تَقبَض علَى طَرف السِيجَارة السَمِيّك ، واليَد الأُخرى تُمسِكُ بِكأسَ الخَمر الذّي يَرتَشِف مِنه ، نَفث دُخَان السِيجارَة مِن بينِ شَفَتاه الحمراء القَاتِمَة ، إِستقَام مِن مَكانِه بِهدوء وقَام بِإطفاء اللُفَافَة فِي مطفأتِهَا مَع بَقايَا الغَيرمِن قَبلِهَا ، ووضعَ الكَأس عَلى الطَاوِلَة الُزجَاجِيّة المُتوسّدة وَسط المَكان ..

أشَار لِحُراسِه بالرَحِيل وإتجَه نَاحِيَة تِلكَ الهَيئَة الصَامِتَة ، مَحاجُره .. أفكَارُه .. كُلَ شَيءٌ فِيه كَان سَاهِي فِي بُقعَة مُجهُولَة فِي الأسفَل ..

وقَف مَاكسِمليَان أمَام تَايهيونغ ونظَر إِليّه بِهدوء مُستَمِيت وثَوانٍ فَقط حَتى تَهوى جَسَده عَلى الأرضِيَة الرُخَامِيَة بِقُوَة وَصوتُ الصَفعَة يَتخبّط بينَ زوايَا جُدرانِ هذَا القَصر العَرِيق الشَامِخ ..
" لَقد وَثِقتُ بِك .. وَ إِستَغفَلتَنِي تَايهيونغ "
أنبَس الوالِد بِحدّة وصوتٍ هَادِئ بَارِد كَالصَقِيع يَحكِي عَن مَدى الفُتور والغَضب الذّي لاَ يُمكن وصفُه مِن صبيّه البِكر ..

سُبلٌ ضَائِقَة .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن