سُبلٌ ضَائِقَة 18

94 12 4
                                    




الجَو بَارِد وَأنَا بِالكَاد أرتَدِي مَا يَكسِي بَدَنِي ، أمسَح عَلى شَاِهِديّ القُبُور وَ أُقبل إِثنَيهم وَ أَستَقِيم .. نَظرتُ عَالِيًا إِلى بَدرِ السَمَاء الخَافِتْ الظَلِيمْ .. كُلُ شَيء رَمَادِيّ كَتِلكَ السُحب ..
سَحبتُ خَطوَاتِي وَخرجتُ مِن بينِ أَسوَار القُبُور مُتجهًا إِلى العَمّ أُسَامَة الذّي يَستَقبلنِي بدِفء نِيرانِ الحَطَب وَ خُبز الزَيَتون وَ الشَايّ الأَحمر السَاخِنْ ..
" إِذًا .. أَنتَ تَبقَى بِجوارِهّن أَكثَر مِن بَقاءِك بِجَوار هذَا الكَهّل الذّي يُعِد لَك الخُبز كُلَ يَوم فِي إنتِظَارك !"
تَحدّث بِإبتِسَامَة مُستَفزّة وَالتَجاعِيد تُغَطِي وَجهه لكنهَا لاَ تُخفِي أَبدًا حُسنَه !
" أُسرَارٌ عَائِلية لاَ تَخُصّك ! "
أَنبَستُ بِإبتِسَامَة مُستَفِزة بينمَا أرتَشِف مِن كُوبِ الشَاي الأَحمر ..
" أوه إِعذرنِي لم أَكُن عَالِم أنّك فِي مُنَاقشَة لِقَضايَا العَالم بينَ شَواهِد القُبُور فِي مُنتَصَف الليّل ! "

" إِنّه ممتِع حينمَا تَتحدّث فِي الظَلام دُونَ يَأسرِك شَيء ، تُركِز على مَا تَقُول وتذهَب بِهُدوء مِثلمَا أَتَيّتْ ! "

" إِذًا .. كَيّف هِيَا أحوالُك الأَنْ !؟"
سَألنِي بِهُدوء .. أيّ حَالٍ أرجُوك !؟ الإِجَابَة هِيَا ذَاتُهَا مُنذُ زَمَنْ ! مِن سَيء إِلى أَسوَأ ..
" أَسأل عَن أحوَال دَواخِلك الحَقِيقية يَا فَتَى !"
أَشَار بِالسَبابَة إِلى إتِجَاه قَلبِي تَحدِيدًا .. آه كَم تَنهِيدَة أَسى عَليّكَ أنْ تَسمَع إذًا ؟ كَم مِنْ صَدَى كَلِمَات وَ صَرّخَات عَليّهَا أنْ تَعبُرْ !؟
" لاَ تَتخِذْ مِنَ الصَمتِ قُوّة بينَ هَزَائِم وَ إنكِسَارَاتْ رُوحك وَ صَلابتك ، الكَلاَمْ وَ التَنفِّيس أمرٌ يُنجِيكَ مِن عُمق الغَرَق فِي بَحرِ الهُموم الأَسوَد .."
أَطلقتُ تَنهِيدَة خَافِتة بينمَا مَحاجِرِي تُلاَحِق مَا يَفعَل بِيدَاه التِي تُقَطِع الخُبز بِكُلِ رَاحَة وَ هُدوء ..
" جَمِيعنَا نَملِك فِي أَفئِدَتنَا حُزنٌ جَبَانْ .. وَ حُزنٌ جَرِئ .. أنْ تَرفَعَ رَأسك شَامِخًا فِي كُلِ الظُروف حَتى وَ الرُوح تَنكَسِر ، وَالدَمع يَنهَمِر .. لِأنّك مُتأكد أنّك سَتعُود بِهزِيمةٍ أَكبَرْ ، هذَا هُو الحُزن الجَرِئ "

سُبلٌ ضَائِقَة .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن