- ثَورَة وَ هَيَاجْ -

87 10 1
                                    


أَتَعرِف مَعنَى أنْ تَكونَ غَاضِب .. تَلفَح الأَرجَاء بِزَئِيرٍ مَدوِي يُسَبِبُ الصَمّمْ ..؟

ثَورَة تُقِيمُهَا السمَاء عَلى حُزنِك بِإنزِال مَطَرٍ غَاضِب يُطفِي نِيرَانُ الصَمت وَالأَلم ، ..  يُخبِرُ العَالم بأنّ السَعَادة لَيستْ لِلكُل ..

أُرَاقِبُ كَيَانِي المُشتَعِل كَيفَ يَنطَفِئ وَيمُوت ، أُراقِبُه يَنزِف أَمامِ ، يَخَتنِق ، يَحتَرِق وَيَزُول .. نِيرانُ حَسَراتٍ لاَ يُطفِئهَا إِلاَ شُعورُ الإِنتِقَام ..

ذِكرَيَاتٌ .. مَشاعِر عَسِيرَة عَلى طِفل تَمّ التَخلِّ عَنه أمَامَ متجَر مَخبوزَات ..
وَيَا وَيَلِي عّلى ذَاكَ الإِدرَاك الذّي بِلاَ دَلِيل .. أن تُدرِك أنّك لَمْ تّكُن شَيئًا يَعنِي لِأمك ، أَخبرتِنِي أن أُعُدْ حَتى المِئَة وَ أفتَح عَينَاي وَسَأراكِ .. لَنْ تَتَأخرِي .. عِشتُ دَهرًا أَعُد الليّالِي وَ الأَرقَام .. وَلازَِال قَلبِي يَنبِض بِأَلم وَخَوف مُعلّقًا بِالأَمل حِينمَا أنطُق بِالمِئة التِي كَانتْ سَتُحِقق البَغِيّة .. رَاجِيًا فتَح مِحجَرَيّ وَ ألقَاكِ أَمامِي ، أَلتَقِي بِك وَ أُعَانِقك .. كَيّف عَلى بَالِغ أنّ يُصدِق وَيَقتنِع بِأنّه مَنسِي !؟

مَنسِيّ حَتى فِي لَحظَات الوُجُود ...

تَركتِنِي أَتَشَرّد فِي مَأوَى قَذِر .. دُفنِتْ أرواحُنَا الطَاهِرة بينّ جُدرانِه الرَطُبَة ..
أَحلامنَا ، رَغَباتنَا التِي شَاركنَاهَا أسفَل سَقفٍ هَرِم سَهرنَا نَحكيّهَا فِي الخَفاءِ ليلاً بَاتَتْ رَمادًا مَحروقَا ، لَكنّنَا كُنَا نَستَمِر فِي خَلق الأَحلام حَتى ولو كَانتْ الأَحلاَم مُجرّد هَذَيانَات عَابِرَة .. حَتى لَم نَعُد أَطفَالاً .. قُتِلنَا وَ صَنعُوا مِنّا جُثَثًا تَسِير فِي هذَا الكَون بِلاَ شَغف أو حَياة ..

لَم نَعُد نُدرِك السَبب لِبَقاء مَعِيشّتِنَا وَنحنُ مُجرّد أوعِية فَارِغَة !

" مَاذَا عَنّكَ يَا جِينْ .. ألاَ تَشتَاق إِلى عَائلتك ؟؟"
سؤالاً بِأنيَابٍ بَرِيئة حَطّ عّلى عُنقِي .. بَقِيتُ صَامِتًا ..
" لاَ أملِك عَائِلة .."
قُلتهَا بِلا نَدَم .. أَسمَع قِصص الأَطفَال المُشَرّدِين أمثَالِي عن وَلهَانهم لِأعَوالِهُم بينمَا أنَا لا أملِك ، لِمَاذا !؟

لِأنّي كُنتُ فِي عمرٍ يَسمَح أن أُدرِك بِأنّه قَد تَمَ فِيه التَخلّي عَنّي ، هُنَا أَدركَتْ بِأنّي أَصبَحتُ .. يَتِيمًا .

هَذَا السَقفْ الهَرِم وَالمَكان السَيء هُو عَائلتِي وَحيَاتِي .. كَيف أَقتُل هؤلاَء الأَبرِياء بِحَقِيقة سَودَاء كَهذِه !؟

كَيف أنطُق وَ أَقُول بِأنّه إِمَا قَد تَمّ خَطفهم أو .. التَخليّ عنُهم مِثلِي !؟

" مَا إِسمُك !؟ "
جَلستُ بِجَانِب طِفلٍ قَد بَدا فِي عُمر السَابعه ؟ أو الثَامِنة .. لطَالمَا كَان كَنَفق صَغير مِن الضَوء يَعكِس نُوره عَلى حُفرَة كَبيرَة مِن الظَلام .. ونحنُ الظَلام ..
كَان دَائِمًا وَحِيد وَهادِئ ، لاَيتَحدث أو يَضحك .. يَختَلِي بنفسِه وَيعمَل بِصمت .. عَلى عَكسِي أنَا .. كُنتُ أُعَاقَب بِالضَرب وَالحِرمَان مِن الطَعام وَالنُوم فِي غُرفة فَارغة بارِدة لِطول لِسانِي وَعَصَبِيّتِي ..

كُنتُ أَكبر الأطفَال عُمرًا بِهذِا المَكان مُنذ مَجِيئِي .. كُنتُ الطِفل الأَول الذّي وُضِع بِداخل ذَاك المَلجأ عكسَ البَقِيّة الذّينَ أتوا بَعدِي.. أعمَارهم تترواح مِن الخَامِسة وَالسَادسة حَتى العَاشِرَة .. وَبعد فَترات حتَى تَحولت إِلى أعوَام تَزايَد عَدد الأَطفَال .

" مُوِير يُونغِي .."
نَطَق بِصوتٍ هَادِئ وَ مَحاذِق لَيّنه ..
" وَ أنَا .. جِين .."
إِبتَسمت بِهدوء لِهذَا الصَغِير الضَائِع بَينَنَا ،

مُنذ تِلكَ الليّلَة .. مُوِير ‏يُونغِي بَاتَ شَقِيقًا لِقلبِي الَجَرِيح ، مُوِير الذّي بَاتَ قُنبلة مَوقوته تَنتَظِر الإِنفِجَار فِي اللحظَة المُنَاسِبة دُون الإِهتِمامَ للأَضرَار الكَبيرَة التِي سَتقتلنِي أنَا قَبل أيّ شَيء ..

صَنعتُم وُحُوش وَتنتَظِرونَ عَودَتنَا كَبَشر !؟

لاَ أَحد يَعلَم عَن غِيَابِنَا فِي هَذِه الحَيَاة وَنحنُ لاَنزَالُ عَلى قَيّدهَا .. جَسَديًا نُمضِي بِهَا وَلكِن .. لاَ نَعلَم أينَ نَحنْ !؟

عَلِمُونِي كَيَف أنسَى لِأعَيِش ..؟ عَلمُونَا كَيّف نَجعَل  النِسيَان يَأتِي كَامِلاً !!؟
إِلى أيّ مُنعَطَف عَلى عُقولنَا وَ أرواحنَا أنْ تَسلُكْ !؟

قَدَم النِسيَان العَرجَاء تَمشِي نَحونَا وَلا تَصِل ...

" نَحنُ ثَورَة مِن مشَاعِر غَاضِبَة وَهيَاجٌ دَمَوِي يَضرِبُ شَقّ القَلب فَينزُف بَحرَ الصَدرْ إِلى أنْ تَجُفّ عِروقَ الحَيَاة .. "


- رِينِيه جِين -
- فِي عمرٍ فُنِيّ خَلفَ السَرَاب -
- أَيَارْ ١٨٥٠ م -

سُبلٌ ضَائِقَة .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن