لَطَالمَا كُنتُ الشَخص الذّي يَقِف بَعِيدًا فِي زَاويةٍ عَتمة تَتجلّى فِيهَا حقَائِق دُفِنتْ لِسَنَوات وَ آزُمنْ ! كُنتُ مِرآةً لِكُلِ شَيءٍ سَيء .. مِرآة تَشققت فِي كُلِ مرّة إتسَعت فيهَا بُؤرَة الإِدرَاك لَديّ ..أَقِفُ أمَامهَا وَأرى شُقوقٌ طُولِية وَ أُفُقِيّة .. بِمظَهرِي المُتعَب وعينَاي الشَاحِبة المُرهَقة أرمُق نفسِي بإزدرَاء ! صَرخُتُ بِصوتٍ عَالٍ لم أسَمعه حَتى إنكَسَرت مِن الوَسط بِقُوة وثنَاثَرت شَظايَاهَا .. آرى خُطوطُ حَمراء تَسِيلُ على جَبِينِي حَتى لطّخت جُزءًا مِن جَانِب وَجهِي .. أُحَاوِل لَمس تِلك الشُقوق حَتى تُزهِر الهَندبَاء لَكِني أتفَاجأ بِالخُذوش الدَامِيّة تَملأ أنَامِلِي !
كَيّف أزَرعُ زُهورًا فِي حَدَائِق لاَ تُزهِرْ ؟؟
أضَع أنَامِلي أتحسس مَكان الجِرح الذّي لطّخ جُزءًا مِن وجهِي ، لاَ أشعُر بِألَم ذَاكَ الجِرح ..
إِختَفَى إنعكَاس وَجهِي وَ بِتُ أَسمع أصوَاتهم وَ أرَى إنعِكَاسَات المَاضِي ، أصوات ضِحَكاتهم ، شِجاراتِهمْ .. مَن أنَا وَمن هُم فِي كُلِ هذَا !؟ومَع كُلِ ذِكرَى تَطُوف فِي ذَاك الإِنعِكَاس المُتَشّقق تَزدَاد الشُقوق أكثَر .. رَغِبتُ بِالصُرَاخ !
نَفضّت رَأسِي بِهُدوء وَأشَحتُ بِأنظَارِي عن النَافِذة التِي بِجَانِبِي ، أرمُق كُوَب القَهوة الذيّ بَات بَارِدًا فِي صَباحٍ رَبِيّعِي دَافِئ ، ذِكريَاتٌ مُرّه لَم تُفَارِقنِي بَقَايَاهَا ، أينَ رَحلُوا أصحَاب هَذِه الذِكريَات ؟؟
بَدأ الأمَر مِثلَ مِرآة تَعكِسُ الغَائِب لاَ الحَاضِر ، تُرِيكَ الفَرَاغ فِي روحِك .. ذَاكَ الفَرَاغ الذّي كُنتَ تُقَاوِم رُؤيته ..
" وَاو ! يَالُه مِن صبَاحٌ رَائع وَ مُشرِق بِرفقتك هُوسُوك !"
نَظرتُ إِلى القَابِع بِمكَانِه أمَامِي يتحدّث بِنبرَة مُترعّه بِالسُخرية ، كَان يُكتف يَداه إِلى صَدرِه وَيَرمُق إِلى مَا خَارج النَافِذة بقَرف ." لَو فَقط تُعطِي للأَمِر فُرصة لاَسَتمتَعت .. جُونغكوك !"
قُلت بِنَبرَة خَافِته رَامِقًا كُوبِي الذّي مَا زَال عَلى حَالِه بِلا مَلامِح .." لو أُعطِي للأَمر فُرَصة لارَمِيت نَفسِي عِندَ أقرَبِ نَهر !"
" خَلف المَقهى هُنَاك مَجرى أنهَار ليَست بَعِيدة إن أردَتْ فَـذْهَب ! أنَا لن أتوسّل لِتَعِيشْ عَلى كُلِ حَال "
قُلت بِنبَرة جَافَه وعينَاي تُحَاوِل الإِستِمتَاع بِالمَظهر الجَمِيل الذّي يَقبع خَلف هذَا الزُجَاج ..
" إِلهِي ! مَا كَانَ عَليّ أن أستَمع له مُنذُ البِدَاية وَآتِي .."
تَفوّه بإبتسِامة سَاخِر يَليهَا نَبرات غَاضِبَة وَإستَقام بِعُنفُوَان وَخرج .. فِي كُلِ مرّة يتَفوّه بِذَات الكَلِمة وَعلى ذَات الشَخص .. يَلُومه .لو كَان الأَمر بِيدِي كُنتُ قَد لَبيّت رَغبتك بِالموت وَ حققتهَا لَكِن فَقط إِحتِرامًا للعَاهر الذّي إبتَلانِي بِك ، عَلى كُلٍ ..
لم يَعُد يَفرُق شَيئًا مَعِي ..
غَيرتُ مَكان سَكنِي وَأتَيتُ إلى الرِيّف لِأني رُبمَا سَأنسى وَأرتَاح ، ظَننتْ بِأن قَضاء الفتَرة الصبَاحِية فِي مَقهى لَطِيف مُنعش كَهذَا والنَظر إِلى جَمَال الجِبَال الذّي يَقبع خَلف تِلكَ النَافِذة وَالإِستِمَاع إلى المُوسِيقى الهَادئة وَ شُرب القَهوة سَيُغير شَيئًا فِي مزَاجِي السَيء ..
لمْ يَنجح شَيء مِن كُلِ هذَا ،
رُبّما لِأنِي لمْ أتجوّل رُغم عَيشِي الطَوِيل هُنَا ؟ أو رُبّمَا لِأنِي لاَ أَشَرب مِن القَهُوة التِي أطلُبهَا فِي كُلِ صَباح ؟ أم رُبّمَا لِأنّي لاَ أَزُور سِوى لِهذَا المَقهَى مُنذُ إنتِقَالِي ؟؟
رَغَبتِي فِي العَيش وَ التجوّل وَالإِستِمتَاع قَد تَلاَشَتْ مُنذُ زَمَنْ .
دَفعتُ فَتورة الكُوب الذّي أطَلبُه دَائِمًا و لاَ أشرَبه وَدَفعتُ البَاب خَارِجًا مصدرًا صَوت صَلصَلة الجَرس ، وَضعتُ يَداي فِي جُيوب بِنطَالِي وَمَشِيت عَلى الطَرِيق بِهُدوء ، مَضت ثَلاث سَنوَات تَقريبًا وَأنَا هُنَا .. أوَاجه عَالَمٌ وَبَشر طَبِيعِي غَيّر مُتلوّن ،
فِي مَنامِي وَ صَحوتِي وحتّى هُدوئِي أرَاهم وَ أسمَعهم كَالشّظَايَا التِي تُمزّق القَلب ،
مَشِيتُ بِهُدوء حَتى تَوقفتُ أمَامَ أحد الأنهَار المَوجودة ..خَلعتُ حِذَائي وَ جَورابِي جَالِسًا عَلى رِمَاله الدَافِئة أُعنَاقُ سَاقَاي إلى صَدرِي .. أقدَامِي تتخلّلهَا نُعومة تِلكَ الرِمَال الصَافِية وعينَاي لاَتنزَاح عَن لَمعة تِلك المِيَاه ..
مِياهُه عَفِيفة نَقِيّة تَجعلنُي أرَغب بإِلقَاء رُوحِي المُلوّثة الغَير نَظِيفه دَاخِلَ عُمقه لِتَطهِيرهَا ..
أغمَضتُ مَحاجِرِي بِهُدوء ، رَائِحتُه تُدَاعِب أنفِي وَ تُسكِنُ حَواسِي .. زَمهَرِيره يُهَدِئ أعصَابِي وَ نَسِيّمه الطَيّب يُحركُ شعرِي للخَلف بِخفّه وَيلعَب بِملابِسِي الخَفِيفَة.. اليَوم وأسفَل هَذِه السمَاء .. أُخبركُم بِأنّي قَدْ بَلغتُ ثَلاثَة وثَلاثِين عامًا .. كُلَ عَام وأنَا أُحَاوِل الصُمود وَالبَقاء بِخير ..
أُخبِركم بِأنّي أشتَاق إِلى سِن العِشرِين الذّي أرهَقَنِي ..
أُخبِركم بِأن تتوَقفُوا عَن الظُهور فِي مَنامِي وَأفكَارِي لأنكُم قَدْ أرهقتُمونِي ..
أُخبِرُكم بِأنّ نَفسِي تَنزَاعْ وتَحِن إِليّكُم بِصَمت وَ هُدُوء ..
" أُخبِرُكمْ بِأنّي سَأُهَشّم مِرآتِي لِآرانُي فِي شَظَايَاهَا التِي أظهَرَتْ مَسَاوِئَكُمْ و أهَلكتنِي حَقَائِقُهَا .."
- مَاكَاي هُوسُوك -
- فِي عُمرٍ بينَ الزُهورْ و الذُبُول -
- كَانُون الثَانِي ١٨٦٤-
أنت تقرأ
سُبلٌ ضَائِقَة .
General Fiction- أينَ السَبيّل ؟ سَبيلٌ لِلمُناجَاة من آعطابِ دُنيايا ؟ ومَا نحنُ فِي دُنيانَا ؟ وَمَا السبيّل لِثلاشِي الأوزارَ و إلتئام شُروخِ أكبادنا ؟ لِتحُلّ أنوار كونّنا الشاسِع عَلى دَيُجورَ ليّلِنَا الظَلِيّمْ .. مَا سَبيّلك يا وَليدَ الشَجِنْ ؟ .. *خَا...