سُبلٌ ضَائِقَة 5

173 16 0
                                    

لَطَالَمَا قُلت وتمنيّت بأنّ أكُونَ حَجر ، بِلا حِس أو حَركة .. أعمى ، أصَمّ ، فرّبمَا نَجَحت فِي أنْ أتَطَابَق مَع نَفسِي ..

لَكِن الأَن .. أصبحتُ أتراجَع عن الكَثير مِن القَرَارات والأفكَار اليَائِسَة ، وُجود جِيمين حولِي ومعِي يُشعرنِي بأنّ هُنَاك فَائِدَة مِن وجودِي على سطح هذَا الكَوكَب ، لَم يُمضِي سِوى شَهر بالفِعل عَلى إِقَامتِي فِي بلدِي الجَديد وسكنِي الجَامعِي معه ،

لكنِي خَائِف .. مَاذا إن إتضَح بأنّه قَاسِي بعِيد عن العَاطِفَة !! لكِن .. لا .. كيّف لِصبيّ بِمثلِ نَقَاء ضِحكاتِه وصَفَاء عينَاه أن يكون هكذّا ؟
أصبحَ تفكيري مَريضًا ومليء بالشُكوك والعُقد بِسببهم ، كم أكرهُهم ،

" تَايهيونغ !! هُنَا !!! "
قَاطعنِي مِن صوتِ أفكَاري إِمسَاكه لِرُسغِ يدِي وركضّه عَلى طول المَمر ، تعَالت ضِحكاتنا العَالية فِي ممر الجَامعة الشَاهِق .. تباطأت خَطواتِي وإختفت ضحكتي تدريجيًا ، توقفت أنظر إِلى ظهره وشعره الأشقر العَسلِي المُبعثَر ، أنوار الغُروب التِي تخترِق نَوافذ الممر ، تعكس أنوارهَا بِشدّة عليه ، إِبتدَاءً بِلون بشرته المُسّمَر الصَافِي  مَع تفاصِيل شعره حتى أكتافه وظهره وأخيرًا نهاية جَسدِه ،

كَيّف لِشخصٍ أن يَكون وجهه أنوَارٌ تجلُوا كُلَ الخَيبَات ؟ هَل أكشِفُ مَعالِمُه الخَفيّة حَسب نظرتِي الخَاصة ؟ أم أنّ الكُل هُنَا مُتفِق على مَا أقول ؟

" تَايهيونغ أسرِع هيّا !! "
عُدتُ إِلى الوَاقِع بعدمَا توقف وإلتَفت ينده عليّ وتلكَ الإِبتِسَامة تَصل حتى عينَاه ، وَ فِي هذِه اللحظَة تحديدًا رفعتُ الكَاميرا التِي يَلُف خيطهَا العَريض حول رَقبتِي وإِلتقطتُ صورَة له ، أجَل .. كَانت لقطَة لا تُستَحق التَفويت بِحق أبعدتُ الكَاميرا ونظرت للصورة التِي خرجت وثوانٍ حتى ظهرت صورته بألوانٍ هَادئِةَ ، لَقد كَان لوحة خَطتهَا الشَمس ، كَان لِيكون لوحَة خُلدت فِي أذهَان الحُضور فِي مُنتَصف المُتحَف .

أخفيتُ الصُورة دَاخِل جيبي وركضت بِمحاذَاته ، بَادلتُه الإبتسَامة العَريضة ونظرت إليه ، لم أشعر يومًا بإِنشراح الصدر والمعنى الحقيقي للراحة سِوى الأن ، وأنَا بِجانبه ..

أتأمَل سَقف الغُرفَة المُظلِمَة ، عقلِي الذّي تَكاد تُبيدُه الأوجَاع والأفكَار ، إِلى أي مَدى سَيزدَاد عمقها و تدفقها داخِلِي ؟ متى سأستطيع أن أحدد قَرَاراتِي الصَحِيحَة بِلا تَراجُع ؟ مَضى شَهر بالفِعل على مُكوثِي هُنَا وقلبِي لا يَزال عالقًا هُنَاك فِي جوفِ المَكَان ، عَالقًا فِي قِصّة قَد إنتَهت بالفِعل ، وكأنِي أن أحرث بحرًا بِلا جَدوى مع هذِه الأفكَار ، لن أستطيع إحياء قصص ميّتة .

سُبلٌ ضَائِقَة .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن