5.وحيد

212 17 36
                                    

بعد دقائق طويلة من السير وصلا الاحمقان الى المخيم وجسداهما ينتفض تعبا، رمى مارتن الحطب على الارض بمجرد وصوله وتنهد تنهيدة يفرغ فيها ما اكتسح جوفه من ارهاق، ثم قال بعدما استلقى على الارض (يااا الللهه، لا اصدق اننا هنا)

ركضت نحوهما مارينيت وقالت بقلق (لقد عدتما اخيرا، لماذا استغرقتما كل هذا الوقت، مالذي حصل لكما؟)
رمى جوش نفسه بجانب اخيه وقال بجمود وكأنه لا يأبى استذكار الأمر (اااه نحن بخير، وكأنني ارغب بالحديث عما حصل)
- (والان مالذي افعله بشأن ايان، لقد ارسلته ليبحث عنكما وهو الان لا يرد على الهاتف ايضا، لا تتواجد شبكه للاتصال في الغابه)

ابتسم مارتن وقال بعفوية متناسيا تهديدات ايان (اوووه لا تقلقي لقد رأينا...)
قاطعه جوش بقرصه على فخذه واكمل جملته نيابة عنه  (ا...اووه هل ارسلتيه حقا، ههه اامم لا اظن انه عليك القلق، لنشعل النار وعند رؤيته للدخان سيعلم اننا قد وصلنا وسنرشده لاتجاه العوده، تذكري ان ايان لا يضيع ابدا)
..
وفي الجهة الاخرى كان ايان يحرس جودي بينما تقضي بعضا من الوقت بمفردها، ويلقي عليها نظرة كل ثانية ليطمئن عليها، لا يعلم لماذا وكيف، ولكن كل نظرة ارسلتها اليه كانت تخبره فيها بأنها لا ترغب بالمسير معه، بل تمقت حقيقة انها هنا، كل حرف نطقت به جوارحها اوحى اليه ان روحها تتوق الى الهرب بعيدا، حيث لا احد، برفقة نجوم الليل، ان تتلاشى كما يتلاشى اثر الخطوات فوق الجليد من بعد عاصفة ثلجية، لذلك اختلق عذر الضياع محققا لتلك الرغبة التي بثتها فيه؛ واخذ يستفهم في داخله عن المدة التي ستستغرقها حتى تتوجس من العزلة والوحده، عندما تكون متواجدا في مكان لا تنتمي اليه، ستتمنى الهرب منه بكل الطرق الممكنه، لذلك الضياع في وسط غابة مظلمة كان وكأنه مهربا لها، وتواجدها في تلك الخلوة حيث لا احد في الكون يعلم بشأنها يمنحها الحرية المطلقة..

تأملها بعسليتيه الحادتين وهي تحرك ماء البركه بقدميها، ثم استغرب عندما اختفت ابتسامتها لثواني، وذبلت نظراتها كما تذبل الزهور عندما يقتحمها الخريف، امسكت ذيل ثوبها من الاسفل ورفعته فظهرت ساقيها النحيلتين وفخذيها، برق بياضها الناصع في ظلمة المكان، واخذت تلمس سطح بشرتها بطرف اصبعها لمسات خفيفه، تتفقد فيها شيئا ما لم يتمكن من رؤيته، ولكن شيئا في روحه كان يتحرك، يتمادى في النظر حتى كادت عيناه تلتهم ما تراه، فحبس ذلك الشعور الجارف في صدره و اتسعت عيناه التي اشاح بها الى مكان اخر لا يراها فيه، لا يشعر بهيئتها فيه، ولا يلمح ظلها فيه، ولكنه لم يتمكن من ان يوصد مسامعه عنها، فكان جل تركيزه هناك؛ يتسلل اليه صوت الماء، وصوت الرياح تصفع بشرتها، كان يخشى القاء نظرة فيجدها قد اقبلت للإستحمام بمياه البركه، وفي باطنه يخشى لعينيه ان تميل ميلا شديدا اليها، ورغم انه استطاع ترويض ذلك الجانب فيه لأكثر من عشرون سنة، غير ان هذا لا يؤكد له بأن نظرة اليها لن تنهي حربه مع نفسه بخسارة حتمية، فيجد نفسه قد خضع لقلبه، وفشل في مقاومة فتنة انثى اختلى معها في غابة لا تحتوي سواهما، تحت ظلمة الليل ولمعان النجوم
اغمض عينيه واسند رأسه نحو الخلف بينما يزدرد ريقه ويردد في داخله مواضيعا قام بقرائتها في الصباح لعله ينشغل عن فكرة بأن تلك الفتاة التي خلفه تكاد تتجرد من كل قطعة من ثيابها، ولكن صوت حركتها في الماء يخطف تركيزه، وينتشله من عالم افكاره الى حيث هي، حتى سمعها تتأوه بصوت مكبوت يحمل في طياته بعض الحزن
بقي على هذه الحال لثوان اخرى حتى سمع صوت شهقاتها الطفولية، فحملق في اصابعه بيأس شديد، ثم همس لنفسه (اقسم انني لن انظر نظرة سيئة، واقسم انني سأحمي هذه الفتاة من اي وحش هنا، حتى وان كان ذلك الوحش هو انا، وأقسم ايضا بأن قلبي لن يميل، وسيبقى شديدا كما عهدته، و أقسم ان نظرتي اليها نظرة اطمئنان لا نظرة هوس وشهوة، وان كان في طياتها غير ذلك فأرجو ان يلتهمني الليل في عتمة ابدية، لا اخرج فيها من هذه الغابة ولا ارى فيها احد ابدا)
ثم تنفس نفسا يستعيد فيه هدوءه ووضع راحة كفه على عينيه ليغطيهما، ثم ازدرد ريقه ونظر من بين اصبعيه باتجاهها، فوجدها لا زالت مرتدية ثوبها ذاك، فيبدو انه اخطأ في توقع انها تستحم، وكانت تغرف بعضا من ماء البركه وتغسل به ندبات ساقها وفخذها، انزل يده عن عينيه الضالتين بعدما رآى دموعها الباردة تتساقط شيئا فشيئا، وتشهق بأرهاق مع كل غرفة ماء تضعها على الندبات، بدت وكأنها تحاول اخفاء كل اثر عن جسدها، لعل اثره يختفي من روحها، ورغم ان الألم الجسدي قد توقف، الا ان الروح لازالت تعاني، اخذ يدور في داخله بفراغ، مستفهما عما جرى لها لتصبح بهذا الحزن، كم من الدموع قد قامت بحبسها في الايام التي فاتت لينتهي بها الامر بهذا الذبول، اكان يجب ان تشوه تلك الساق الناعمه بكدمات زرقاء؟ اكان يجب ان تغرق تلك العيون البريئة بدموع يائسه وباردة كهذه؟ ملأ الفراغ عقله فأبعد نظره عنها واخذ يعبث بشعره كمن لا يملك حيلة اخرى سوى مشاركتها البكاء..

كابيلّا | Capellaحيث تعيش القصص. اكتشف الآن