19.بينوكيو

122 14 4
                                    

قلبت محتويات الدرج الاول على سريره ثم وضعته على الجانب كي تعيد ترتيب الاغراض شيئا فشيئا، ثم جلست على سريره واخذت تفتش بالاغراض باصابعها باستغراب، تنهد وجلس امامها ثم قال (انتي حتى لا تعلمين من اين تبدأين اليس كذلك)
اومأت برأسها ببلاهه (اجل، لم ارتب درج احدهم من قبل)
-(انها ليست ضرورية، كل هذه الاوراق التي امامك من ايام دراستي لقد عفى عليها الزمن واصبحت بلا فائدة الان)
ابتسمت وسحبت احدى الاوراق فشعرت بتشوش بعينيها من كمية الارقام والمعادلات، ولكن كل شيء كان مرتبا، بينما بدأ بجمع الاوراق المهمه في عمله ويفصلها عن اوراقه القديمه، اخذت تحدق بتحركاته بصمت، ثم قالت بعفوية (لماذا!، لا تسمح لوالدتك بترتيب اغراضك؟ اليست احدى واجباتها)
-(كلا، لا اظن ذلك، انا من يحمل مسؤوليتي لوحدي)
-(تبدو قاسيا على نفسك)
ضحك بخفوت وقال مغيرا مجرى الحديث عندما رآها تضع كفها على رأسها وكأنها تشعر بألم (اذن! من اين لك هذا الجرح في جبهتك؟)

وضعت اصابعها على جبهتها بتردد (ا...اوه، انه...)
-(انه بينوكيو)
نظرت نحوه بجمود فوجدته حاملا كتابا مهترئا ذو غلاف ازرق باهت (بينوكيو؟)
اومأ برأسه (انه الكتاب الاول الذي قرأته عندما كان عمري ثمانية سنوات)
لمعت عيناها واخذت تحدق بالكتاب بفضول (ما المميز فيه؟)
اجابها بتنهيده (الكثير، بينوكيو يشبهنا كثيرا ونحن اطفال)
امالت رأسها (كيف؟)
-(صنعه عجوز وحيد من شدة اشتياقه لولده المتوفي، ومن شدة وحدته كان يحدث الحيوانات ويرى طيف زوجته في اغراضه الخشبية التي كانت تحبها، ليتمنى في احدى الايام من النجوم ان يحصل على عائلة، ثم تحققت امنيته واصبح بينوكيو على قيد الحياة)
اتسعت عيناها (هيه!! اليس هذا مخيفا؟)

اجابها بابتسامه (ظننت ذلك ايضا، كان بينوكيو يكره حقيقة بأنه دمية ويعتقد انه ليس حقيقيا، لايمكنه الشعور بما يلمسه، ولا يمكنه التألم ايضا، لذلك كانت امنيته ان يصبح طفلا حقيقيا)
تنهد ووضع الكتاب في الدرج بجانبه فتسائلت جودي (وما القاسم المشترك بيننا وبينه)
اجابها بنفس النبرة (بينوكيو كان حقيقيا جدا، كان يتصرف على سجيته، ولكن اختلافه جعله يشعر بأنه ليس طبيعيا، ومع مرور الوقت اكتشف ان الغلطه الاولى والاخيرة التي يمكن ان يفتعلها الانسان هو التصرف بعفوية في عالم مليء بما هو مزيف، ثم بدأ بالانطواء والكذب شيئا فشيئا)

ذبلت عيناها واخذت تنظر نحو نقطه واحده (هذا صحيح، انه يشبهنا كثيرا)
وضع اخر ورقتين في الدرج واستدار نحو الجانب الاخر كي يبدأ بجمع الاوراق التي خلفه (اذن! من اين لك الندبة؟ هل يؤلمك رأسك؟)
ازدردت ريقها ومررت عينيها بتردد على الاوراق، لقد توقعت بانه نسي الامر وتخطت هذا السؤال، تود حقا ولو تزيف الحقيقه المثيرة للشفقه تلك وتكون كبينوكيو، وتلفق شيئا جديدا كليا، ولكن وبطريقه ما كل شيء يخرج من جوفها بسرعه امامه، تشعر بانه يعلم مسبقا اساسا، او يمكنه قراءتها بنظراته فلا جدوى من الكذب، تنهدت وقالت بابتسامه عفوية (انه ابي، انه يكره بعض الاشياء في شخصيتي، كأن اكون وقحه بعض الشيء، وانني منعزلة ايضا، واعصي بعضا من مايقوله، وايضا لقد اعتقد منذ وقت طويل بأنني فتاة متهورة واصنع علاقات مع الرجال، لقد كان هناك فتى اعرفه منذ الطفولة هناك ولكننا لم نكن مقربين حقا، كنت اطرده في كل مرة اراه فيها، انا فقط اعرفه لا شيء اخر، توقع والدي بأنني على علاقه معه ايضا، وحصل ذات الامر)

كابيلّا | Capellaحيث تعيش القصص. اكتشف الآن