16.مصباح وأمنية

139 15 27
                                    

اخذ يحدق بكتل الثلج بعينان ذابلان، حيث بدأ الضباب يتكاتل شيئا فشيئا مخفيا حتى اضواء البيوت التي بالجانب
وكل شيء اصبح مظلما بسبب تكتل الغيوم، اغمض عينيه يستمع لطرقات الثلج على النافذه، ذلك اليوم كان يوما ثلجيا ايضا، ويكسوه الضباب..
قبل ثمانية عشر سنه من الآن في احدى ليالي ديسمبر، ديسمبر الذي تتبعثر فيه المشاعر الدافئة في كل مكان حيث يحتفل جميع اهل القرية بيوم الميلاد ويخرجون من سباتهم، تعم الفوضى الارجاء وتمتلأ الشوارع بضحكات الاطفال..
ديسمبر الذي تزينه اضواء يوم الميلاد على المداخن واسقف البيوت المتجاورة في القرية، ويتكدس عليها الثلج بطبقات كثيفه، كان يوم لمهرجان الاضواء حيث يرسل كل شخص في القرية امنيته نحو السماء بمصباح طائر، وتملأ الارجاء صوت الموسيقى والاغاني الصاخبه

كان يجلس لوحده على احدى المصاطب، يرتدي قبعة صوفية ولفافا لتدفئة نفسه ورغم ذلك كان يرتجف بردا، وتخرج انفاسه المتعبه من بين شفتيه على هيئة بخار، يضع كلتا يديه في جيبه وينظر بعينان فارغه الى الاطفال الذين يتراكضون من امامه بسعادة ويحملون البالونات الطائرة وحلوى القطن
يتقافزون مع بعضهم
*كريسس، هيا هيا اسرع، سيشعلون المصابيح، هيا هيا هيا..
-هيييه، سيلينا، ابطئي ارجوكييهه، لا يمكنني الركض بسرعه
-هيا سنتأخر*
مرا من امامه يمسكان بيد بعضهما، وكذلك يمرون العوائل يبتسمون لبعضهم بدفء ويشترون على طريقهم حلو القطن وضحكاتهم تتعالا بصخب
وكذلك الازواج يتهامسون مع بعضهم برومنسية، فانتبهت احداهن وهي تمسك بذراع زوجها واخذت تنظر الى ايان *هيه، انه طفل يجلس لوحده، هل هو تائه؟)
استغرب زوجها منها وتقدما قليلا، كانت تود سؤاله عن اهله ولكنه رمقها بنظرة فارغه فانتفضت مرتعبه من ذلك، ابتعدت خطوتين وقالت لزوجها (اظن انه من الافضل عدم التدخل، قد يكون مصابا بالتوحد)
اومأ لها برأسه واكملا طريقهما بنظرات مستغربة، تجاهل ايان ذلك ونظر نحو الارض بفراغ، واخذ يحرك قدميه ليبعثر الثلوج تحت قدمه
فسمع بعد ثواني اصوات انفاس خلفه، ليلتفت بسرعه
وجد رجلا يبدو في الستينات، يضع قبعه جلدية على رأسه، وابتسامته البشوشة تزين شفتيه، ليتسائل ايان في نفسه.. كيف يمكنه ان يبتسم بهذا الدفء لي؟*
اتكأ على عصاه وقال (هههه اسف اسف يا بني، هل اخفتك؟)
هز ايان رأسه رافضا بجمود وعاد الى وضعه الطبيعي، فسعل الرجل وتقدم نحو ايان وقال بدفء (هل يمكنني مشاركتك هذا المقعد؟ لقد تعبت من المسير يا بني)
اومأ بجمود وعاد يتأمل الاجواء الصاخبه بفراغ فجلس الرجل بجانبه واخذا يحدقان كلاهما بالمارة، سعل الرجل وتحدث بدفء (هيييه، انت لا زلت صغيرا ولكنك تبدو مثلي، لماذا تجلس وحيدا في هذا المكان؟ الا يجب ان تتسكع مع عائلتك؟ اين هما ابويك؟)

تجاهله ايان وتصرف وكأنه لم يسمعه فانتبه الرجل الى عيناه الفارغين، فتحدث بابتسامه دافئة (اليس لديك عائلة؟ لا يجب لطفل مثلك ان يكون وحيدا في وقت كهذا، عليك ان تشارك احدهم الضحك، اترى، الجميع هنا يشعر بالدفء، انه ديسمبر المثلج، ولكن وبشكل مفاحئ فهو الشهر الاكثر دفئا في السنه، الا توافقني الرأي؟)
تجاهله ايان وتنهد مبعدا نظره عنه، فقال الرجل بتعب (ههه. هل انت اخرس، اظنني يجب ان احدث الامن كي يرسلوك الى ابويك، ربما لم تستطع التحدث معهم)

كابيلّا | Capellaحيث تعيش القصص. اكتشف الآن