كانت تسير بخطوات جامدة وهي تصطدم بأكتاف كل من يسير بمحاذاتها بلا مبالاة وعينيها المتسعة تنظر فقط للطرقات القذرة والممهدة امامها بحيّ فقير يضم اسوء انواع البشر والتي لا يود المرء مقابلتهم وكل من وصل حاله للحضيض واقل ينضم لهذا الحيّ القذر بسبب انخفاض اسعار المعيشة فيه والسكن بهذا الحيّ بدون الاضطرار لتبذير الكثير من الاموال بهذا المكان ، استمرت بالسير بالطرقات الضيقة والتي اعتادت عليها منذ عشر سنوات وتحديدا منذ وفاة والدتها ، ليصبح هذا المكان منزلها الدائم بعد ان انتقلت من منزلها المتواضع والذي كانت تعيش فيه فيما مضى مع عائلتها الصغيرة .
توقفت عن السير ما ان وصلت لنهاية الطريق وتحديدا لموقع منزلها الصغير والذي يضم فوقه عدة طوابق كثيرة بينما منزلها يأتي بالطابق الأول الأرضي ، تنهدت بعدها بجمود وهي ترفع احداقها بلون زرقة شديدة القتامة باتجاه بناء منزلها قبل ان تخطو باتجاه الباب بهدوء ، وما ان وصلت امام الباب تماما حتى عقدت حاجبيها باستغراب وهي تنظر لباب المنزل المفتوح والموارب امامها ، دفعت بعدها الباب بحذر حتى انفتح على اتساعه لتخطو للداخل وهي تسير ببطء شديد قبل ان تخلع حقيبتها عن كتفها برفق .
ألقت بالحقيبة على الكرسي المتهالك بجانب المدخل قبل ان تسير وهي تنظر للأجواء الساكنة والتي تحوم بالمنزل لأول مرة ، صرخت بعدها وهي تنادي بارتفاع وضيق
"لقد عدتُ للمنزل ، اين انت يا عم قيس ؟!"
توقفت ببهو المنزل الصغير وهي تعض على طرف شفتيها بغيظ لتتمتم بعدها بعصبية بالغة
"اين ذهب ذلك المخبول ؟"
زفرت انفاسها باضطراب وهي تشعر بشيء مسنن يجثم فوق صدرها يعيق عليها التنفس بطبيعية وهي تشعر بشيء غير طبيعي يحوم من حولها وهذا هو ما يحدث مع غريزتها الفطرية والتي تشعر دائما بالخطر المحدق بها والقريب منها ، قبضت بعدها على يديها بجمود وهي تقول بخفوت جاف مرتعش
"اين انتِ يا روميساء الآن ؟ يا ألهي ساعدني !"
تحاملت على نفسها واتجهت بسرعة نحو الغرف وهي تتجه بالبداية لغرفتها والتي تضمها مع شقيقتها ، وعندما لم تجد احدا بها سارت للغرفة الأخرى والمجاورة لها من فورها والتي كانت تخص زوج والدتها او بالأحرى مربيها والتي كانت للصدفة مفتوحة لأول مرة ! وهو الذي يصر دائما على إغلاقها بالمفتاح بعيدا عن كل الأعين المتربصة لها وعن اي مخلوق يحاول الوصول لها وهو يخفي من خلفها اسرار خطيرة تخص اعماله المشبوهة والغير قانونية وخفايا لا يعلم عنها احد سواه وقد عرفت عنها بالصدفة عندما نسي باب غرفته مفتوحا وقد دفعت ثمن فعلتها هذه سابقا كثيرا .
دفعت باب الغرفة بكفها بحذر وهي تتوقع بأي لحظة هجوم زوج والدتها عليها بسبب تعديها على غرفته السرية واسراره الخاصة كالمرة السابقة ، ولكنها لم تهتم لكل هذه الرهبة وللخطر والذي يحيط بها بكل مكان ، فهو بحياته لم يستطع إخافتها او إرهابها بتهديداته وقسوته بالتعامل معها والمعتادة عليها منذ سنوات طويلة حتى اصبحت جزء لا يتجزأ من حياتها اليومية الكئيبة وهي التي اعتادت على رؤيته كل يوم والتشاجر معه بكل شيء يحدث معهم .
تجمدت بمكانها وهي تبتلع ريقها بتصلب ما ان وقعت نظراتها على الخزائن المفتوحة والمقلوبة رأساً على عقب وكأن اعصار ضخم اجتاح المكان ليثير الفوضى من حوله وهذا الأمر ليس بالشيء الجيد ابدا ، اتسعت عينيها الزرقاوين الداكنتين ما ان لمحت الصندوق المذهب وهو ملقى على الأرض والذي كانت قد وجدت به من قبل كل الأوراق والتي تخص اعماله الغير قانونية ، لتسير بعدها بسرعة للصندوق لتجثو على ركبتيها امامه وهي تدس كفيها بداخل الصندوق لتكتشف عندها بأنه فارغ تماما وهي تديره بين يديها على كل الزوايا بهلع وبارتباك احتل كل جسدها .
اوقعت الصندوق من بين يديها ليتردد صداه بأنحاء الغرفة الموحشة وهي تنظر للفراغ بعيدا بصدمة ، فهذا لا يثبت سوى شيء واحد وهو بأن (قيس) قد انكشفت كل اسراره وخباياه والتي كان يخفيها عن العالم وخرجت للنور ، وسيكون الآن يتلقى ثمن أفعاله وكل شيء غير قانوني فعله بحياته الرخيصة الطويلة ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف استطاعوا معرفة كل اسراره والوصول لها بهذه السهولة بعد سنوات من عمله بهذا المجال ليكون السجن هو مصيره الحالي ؟ فهذه الأسرار خطيرة وما ان تصل لقبضة الشرطة او لقبضة أي مخلوق ستكون عندها نهايته الحتمية بين قضبان السجن !
تنهدت بارتجاف وابتسامة شاحبة ضعيفة بدأت تحفر على شفتيها بذبول فالذي لم تستطع فعله بحياتها ولم تتجرأ على فعله لكي لا تخسر حياتها هي وشقيقتها استطاعوا آخرون فعله ليحققوا لها انتقامها والذي تاقت إليه كثيرا ! لتزحف بعدها بركبتيها للخلف حتى استندت للجدار من خلفها قبل ان ترفع ساقيها لمستوى وجهها لتعانقهما بذراعيها بجمود وعينيها ما تزال تحدق بالصندوق الملقى امامها والذي لم يعد له قيمة بعد ان خرجت كل الأسرار من داخله ، دفنت وجهها بين ساقيها وهي تهتز بنحيب صامت بدون دموع وهذه عادتها الدائمة لتحمي نفسها من الظلام الموحش من حولها والسكون يلفها بكل مكان معلنة عن نهاية العذاب المسمى (قيس) ، وهي تفكر بالذي ينتظرها بالأيام القادمة بعد ان اختفى زوج والدتها والمربي والذي عاشت معه هي وشقيقتها لمدة لا تقل عن ستة عشرة عاما كاملة ، وهذا حدث بعد وفاة والدها وهي ما تزال بعمر الرابعة حتى اصبحت عبارة عن سلسلة من حياة طويلة لا مفر منها او مهرب .
______________________________
كان يصوب السهم بأصبعيه السبابة والإبهام بتحديد وبعين ثاقبة لا تخطئ هدفها ، ليعض بعدها على طرف شفتيه بعبث كما يفعل دائما عندما يخطط لفعل شيء مهم وقيّم ، بالرغم من ان لا شيء يستحق اهتمامه وتقييمه بحياته الفارغة ولكن لا بأس من المحاولة وتضييع الوقت بتفاهات الحياة والتي تعتبر تسليته الوحيدة بهذا العالم الممل ، وما هي ألا لحظات حتى انطلق السهم بمسار أعوج بسبب انفتاح باب الغرفة بشكل مفاجئ ليفسد عليه متعة اللحظة وهو يخطأ هدفه المرسوم لأول مرة .
التفت برأسه بضجر للخلف وعينيه السوداوين الواسعتين تنظران بضيق بدون الاعتدال باستلقائه على الأريكة وهو ينظر لشقيقه الأكبر بملل ، ليقول بعدها بلحظات بغيظ واضح
"يا رجل من سلطك عليّ الآن لتفسد لحظات متعتي الخاصة بغرفتي الشخصية ! ام لم يعد هناك احترام لخصوصيات الآخرين ؟"
حرك شقيقه رأسه بيأس منه ليقترب نحوه عدة خطوات واسعة ، قبل ان يقف بجانبه وفوق رأسه تماما وهو يقول بجدية صارمة معتاد عليها بسبب حضوره الدائم باجتماعات دائرة أعمال العائلة
"وهل ألقاء السهام وتضييع وقتك بلا شيء يعتبر خصوصيات ام انها مجرد هدر للوقت القيّم ؟...."
قاطعه الجالس على الأريكة وهو يقول بملل مستفز
"لا تبدأ بالمواعظ الآن يا احمد ، واخبرني ما لذي جاء بك لغرفتي يا ابن والدك ؟"
تنهد (احمد) بهدوء وهو يدير وجهه بعيدا عن شقيقه المستهتر بضيق والذي لا يهتم لكل ما يحدث من حوله بالعائلة ، قال بعدها بهدوء وهو يعود بوجهه للأمام بنفس جديته الصارمة
"اسمع يا شادي ، ابي يريد منّا ان نجتمع عنده بغرفة المكتب بعد عشر دقائق من الآن ، فهناك ما يريد ان يطلعنا عليه ومهم جدا"
اعتدل (شادي) بجلوسه على طرف الأريكة وهو يلتقط سهم آخر من على الطاولة امامه ، ليتمتم بعدها بلا مبالاة
"وعلى ماذا يريد ان يطلعنا يا ترى ؟"
ردّ عليه (احمد) ببرود جليدي
"وما يدريني انا ! لقد اخبرني فقط ان اعلمك بهذا الأمر علماً بأنه لا يراك بالجوار ابدا ليخبرك ، فأنت دائما اما غائب عن المنزل بدون ان نعرف وجهتك او ملازم لغرفتك بدون ان تخرج منها"
عقد حاجبيه بتركيز وهو ينظر مرة أخرى للهدف المعلق على الجدار امامه بتحديد ليهمس بعدها بسخرية
"وكيف لا تعرف وهو يخبرك بكل اسرار الدولة بدون ان يخفي عنك اي شيء ؟ فأنت مساعده الأيمن وشريكه المخلص والوفي بكل شيء والذي لا يستطيع الاستغناء عنه مهما حدث !"
تجهمت ملامح (احمد) بحنق فهو يعرف جيدا إلى ماذا يرمي إليه شقيقه والذي يصغره بسنتين فقط ، وبالرغم من هذا يشعره دائما بأنه يصغره بالكثير من السنوات من تصرفاته العابثة ورعونته والتي لن تنضج ابدا ! تنهد بعدها بهدوء قبل ان يجلس بجانبه على الأريكة وهو يقول بجدية
"اسمعني جيدا يا شادي ، اعتقد بأن افضل حل لترضي والدي وترضي نفسك هو العمل معه وبالمجال الذي يختاره لك ، فالحياة هكذا لم تعد تطاق ابدا"
نقل (شادي) نظراته السوداء الباردة باتجاه شقيقه وهو يهمس بجمود متصلب
"ومن قال لك بأن هذا العمل سيرضيني ! اخبرتكم مئة مرة بأني سعيد بالعمل والذي اعمل به حالياً ويرضيني كثيرا ، ولا اريد اكثر من هذا ، واخبر والدي بأن يفعل ما يشاء فأنا لن ارضخ لطلباته وسعيد جدا بحياتي المملة كما يطلق عليها هكذا"
ادار (احمد) وجهه جانبا وهو يسند قبضتيه على ركبتيه ليهمس بعدها بحزم
"يعني تعجبك حياتك هكذا منبوذ من والدك ومستقل عن الجميع بغرفتك وكأنك تعيش بعالم آخر ولا تعطي اعتبارا لأحد ! صدقني هذا ليس لصالحك ابدا بالمستقبل يا شادي"
عبست ملامح (احمد) وهو ينظر له يعطي كل انتباهه للسهم بأصبعيه قبل ان يطلقه بعيدا ليصيب هذه المرة الهدف والذي يتمحور حول النقطة الحمراء بمنتصف اللوحة بنجاح ، تأفف بعدها بنفاذ صبر من لا مبالاته وكأنه كان طوال الوقت يكلم نفسه وليس مع البارد بجانبه ليتمتم عندها بشرود
"لو كانت والدتك ما تزال على قيد الحياة لما قبلت بهذه الحياة المستهترة والتي تعيشها بعيدا عن العائلة والتي تضيع مستقبلك بها"
حاد (شادي) بنظراته لشقيقه وهو يعقد حاجبيه بآن واحد ليتذكر عندها والدته الراحلة والتي تركتهم ببساطة بعد إنجابها للطفل الثالث والذي كان السبب بموتها ، لتترك ذكرة حزينة بقلوبهم عن المرأة المضحية لعائلتها والتي كانت افضل مثال حي عن الجهاد والمحاربة لتستطيع الحفاظ على كمال عائلتها بكل معنى الكلمة ، ولكن حملها المتأخر بالطفل الثالث مع امراضها العصيبة والتي كانت تعاني منها هو ما جعلها تفقد حياتها ليعيش الطفل بعد موتها بثواني من ولادتها .
قال (شادي) فجأة باستياء وهو يلتقط سهم آخر من على الطاولة بهدوء
"ولولا إصرار والدي لتنجب له طفل آخر وولد جديد يحمل اسمه لكي لا يضطر للزواج من غيرها لما كانت تركتنا ببساطة ، لنضيع من بعدها بدونها بطرقات الحياة وكله من اجل طفل سيعيش المتبقي من حياته يحمل ذنب موتها !"
التفت (احمد) نحوه بعنف وهو يتمتم بتصلب
"شقيقك الصغير ليس له علاقة بموتها فهذا قدرها ولا نستطيع الوقوف امام القدر فقد حدث بأن عمرها قد انتهى ، وتوقف عن لوم والدك والطفل بموتها فقد اصبح كل هذا من الماضي البعيد وعلينا نحن فقط ان نفكر بالحاضر وبالمستقبل القادم امامنا"
حرك (شادي) عينيه بعيدا عنه بضجر ليعود للتركيز على الهدف امامه وهو يقول ببرود
"يمكنك انت تطبيق هذا الكلام على نفسك بعيدا عني ، واما انا فلن اتوقف عن لومهما فكلما نظرت لوجه ذلك الطفل اتذكر كل ما حدث بسببه وما نتج عن مجيئه لهذه الحياة"
زفر (احمد) انفاسه بيأس منه فهو لا يفهم كيف يفكر شقيقه الصغير والذي لم يستطع يوما سبر اغواره فقط والدته هي الوحيدة والتي كانت تستطيع التحكم بتصرفاته العابثة منذ طفولته وقلب مزاجه رأساً على عقب ، وخاصة بأنه مدللها والذي كانت دائما تغدقه بالحنان الخالص بينما كانت تعامله هو بحنان محدود وببعض الحزم بسبب نضجه المبكر والتصاقه الدائم بوالده ، ولكنها كانت دائما تستطيع السيطرة على الأجواء والتي تحوم بالعائلة وهي تعطي كل فرد فيها اهتمام ومعاملة خاصة به ، وبعد رحيلها اصبحت الحياة بالمنزل مشحونة بمشاعر متناقضة وقاتمة على الجميع وكأن وجودها هو الذي كان يتحكم بمصير تلك المشاعر والتي تحوم بهذا المنزل الكبير والموحش ، ليضيع عندها الجميع بعيدا عنها بعد ان كانت تمثل اساس هذا المنزل ، وخاصة (شادي) والذي كان اكثرهم تعلقا بها وتشبثا بعاطفتها ليسير بعدها بحياة الاستهتار وهدر الوقت الثمين بلا شيء وهو يبحث عن هدف بعيد بدون ان يجده للآن .
وقف (احمد) عن الأريكة بصمت وهو يتمتم بغموض
"لا تنسى المجيئ لغرفة مكتب والدي وألا سحبتك بنفسي إلى هناك ، فلا نريد المزيد من المشاكل بالعائلة والتي تفتعلها على الدوام"
حرك (شادي) رأسه بلا مبالاة وتركيزه منصب نحو الهدف والذي لا يخيب ابدا ، ليغادر بعدها شقيقه بصمت لخارج الغرفة بأكملها ، بينما شدد (شادي) على السهم بأصبعيه بقوة قبل ان يطلقه بأقصى ذراعه ليصطدم باللوحة تماما بدون ان تصيب مقدمته المسننة بنقطة الهدف قبل ان يقع ارضا بإحباط ، ليبتسم بعدها ببرود وهو ينظر عاليا ليعود لاستلقائه على الأريكة وهو يفكر بمخططات جديدة ليفعلها لتسلية وحدته الدائمة بعيدا عن العائلة ، ولكن قبل كل هذا عليه اولاً الذهاب لمكتب والده فلن يتحمل المزيد من التوبيخ والكلام والذي لا طعمة له وهو ينخر اذنه بألم ليخرج من الأذن الأخرى .
_____________________________
دخل لغرفة المكتب بعد ان طرق على بابه بهدوء وهو يسير للداخل بلا مبالاة وبدون ألقاء تحية السلام على افراد عائلته وجميع الانظار تتابعه بتركيز حاد ، ليجلس بعدها على الأريكة المقابلة لأريكة شقيقه الكبير وزوجته بأريحية ، قطع الصمت القاتم صوت (احمد) وهو يقول باتزان مبتسم
"تفضل يا ابي واخبرنا بما لديك ، فقد اصبح جميع افراد العائلة موجودين امامك كما طلبت"
ابعد الرجل الكبير نظره الثابت عن ابنه ليوزعها على ابناءه بهدوء بداية بابنه الكبير (احمد) والذي يتحمل كل اعباء العمل عنه منذ سنوات والابن المطيع والذي يتمناه كل والد ليسير معه بمشوار الحياة ويكمل عنه الطريق بعدها ، حتى انه قد تزوج بالفتاة والتي اختارها له بسبب شراكة العمل القوية والتي تجمعه بعائلتها وهو بالمقابل قد نفذ طلبه بدون اي اعتراض فهو بحياته لم يحاول يوما الاعتراض على قراراته او مناقشتها معه وكأن كل قراراته مسلم بها وكل ما عليه فعله هو تنفيذها بطاعة تامة بدون اي كلام ، وصل بنظره لابنه الاصغر والفرد الأخير بالعائلة والذي لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره ، وقد جاء بعمر متأخر جدا ولكن ما تزال الخيبة تحوم بالمنزل بعد مجيئه وهم يخسرون سيدة هذا المنزل بعد خروجه للحياة لتموت روح أخرى هي التي انجبته لتوهبه حياتها وترحل هي ، وبالرغم من صغر سنه يستطيع اي احد ملاحظة علامات البلوغ والذكاء والحنكة الواضحة عليه بتصرفاته المدروسة وملامحه الحادة ، فهو عكس شقيقيه الأكبر سنا منه فقد تربى رعاية خاصة بمحيط مجتمع من رجال الاعمال وقد اصر والده على إدخاله لتلك الحياة وبعيدا عن حنان والدته وعن حنان الأخوة والذي لم يعرف عنهم شيئاً ولم يحاول زراعته بداخله لكي لا يتحول لنسخة اخرى عن شقيقه الأهوج .
تجهمت ملامح الأب ما ان وقعت نظراته على ابنه الثاني والأهوج والذي لا يصدق بأنه من ضلعه ومن عائلتهم فهو دائما يثبت له وللعائلة بأكملها بأنه كارثة حقيقية تهدد سمعة العائلة ومركزهم الاجتماعي ! وهو يتصرف على الدوام تصرفات غير عقلانية وبدون ان يحسب اي حساب لأحد وكأنه لا يعيش بالمنزل معهم وبهذه العائلة ، واغلب الظن بأن السبب هو دلال والدته المفرط له وهي تميزه دائما وتغدقه بحنان خالص افسده تماما ليضيع مستقبله بعد وفاتها ويتمرد اكثر على الجميع ، وحتى الآن لم يستطع يوما السيطرة على اندفاعه او ايقافه عند حده وهو يضيع حياته ومكانته بالعائلة كفرد بها بتصرفاته الهوجاء والغير مسؤولة .
تنهد الاب بهدوء وهو يبعد نظراته عنهم بتصلب ليقول بعدها بصوت جهوري قوي معتاد عليه وهو يردد صداه بالغرفة الواسعة
"اسمعوني جيدا لقد طلبتُ منكم الاجتماع اليوم لأن هناك نبأ عليكم ان تعرفوا عنه ، وهو يخص امر هام يعود للعائلة ، الحقيقة لقد تم القبض على قيس زوج مايرين بتهمة الاعمال الغير مشروعة وهو الآن متواجد بالسجن ، وانتم تعلمون بأن بنات مايرين كانوا وما يزالون يعيشون معه للآن ، وبما انه لم يبقى لديهم احد فنحن إذاً علينا إحضارهم ليعيشوا معنا بالمنزل وضمهم للعائلة قبل ان تأكلهم الناس بألسنتهم ، فبالنهاية هؤلاء بنات مايرين الفكهاني وهذا يعني بأنهم من العائلة !"
عمّ الصمت بأنحاء الغرفة الواسعة بسكون ما ان انهى كلامه والذي كان يملئ المكان بصدى صوته وهو يشدد على كلماته الأخيرة بعصبية وكأنه مرغم على قولها ، ليصدر صوت آخر من الذي وقف عن الأريكة بعنف ليتبعها بصوته وهو يقول باستنكار واضح
"أتريد منّا ان نستقبل بنات مجرم بمنزلنا فقط لأنك اكتشفت للتو بأنهم من افراد عائلتك ولكي لا تتأثر مكانتك اكثر بين الناس ؟! وتتوقع منّا ان نكون سعيدين بضمهم لعائلتنا بعد ان تخلى عنهم والدهم المجرم !...."
قاطعه والده بصوت صارم حاد وهو يضرب على سطح المكتب بقوة
"اخرس يا شادي ولا كلمة ، لا تنسى بأنهما يكونان بنات عمتك مهما كانت الاحقاد بيننا ! وايضا لقد كانوا يعيشون مع زوج والدتهما فوالدهما قد توفي منذ سنوات طويلة ، لذا لا تنطق بكلمة قبل ان تفكر بعواقبها"
تجهمت ملامح (شادي) اكثر بعدم اقتناع وهو يشيح بوجهه جانبا ليتمتم بعدها بحنق
"غير مهم إذا كان والدهما ام لا ، فقد كانوا يعيشون معه لسنوات يعني ليس بعيدا عنهم ان يكونوا اشباه مجرمين مثله"
ردّ عليه والده بحدة اشد رجت سطح المكتب امامه
"لقد سمعتك يا شادي ، وعليك ان تعلم بأن كلامك هذا لن يغير من قراري شيئاً فعيشهم معنا هنا اصبح امرا مسلما منه"
ادار (شادي) رأسه باتجاه والده بقوة وهو يقول باستهزاء واضح
"ولما الآن اصبحت تهتم ببنات شقيقتك بعد ان اهملتهما لسنوات بعد وفاة والدتهما ؟ وفضلت ان تتركهما مع زوج والدتهما والذي تبين بأنه مجرم على ان تضمهما لعائلتك ، هل لديك جواب على هذا السؤال يا ابي ؟"
عمّ صمت ثقيل واعمق من الذي قبله عليهم وكل العيون قد اتجهت للوالد الكبير ليحاولوا قراءة الاجابة بملامحه المتصلبة والساكنة تماما وكأنها تحولت لرخام بارد ، ليقول بعدها بلحظات بصوت مشتد تهابه كل انواع البشر والذين عمل معهم طيلة مسيرة حياته مع اكبر المدراء بمجال الأعمال
"هذا ليس من شأنك يا ولد ، وإياك وقول هذا الكلام امامي مرة أخرى لأني عندها لن اكتفي بطردك من المنزل يا عاق ، فهمت ما أقول والآن اغرب عن وجهي !"
حرك (شادي) عينيه بعيدا عن والده بملل ليلمح نظرات (احمد) وهو يشير له بعينيه بتحذير ليخرج من الغرفة فورا فقد تسبب بمشاكل بما فيه الكفاية وكله بسبب لسانه الاهوج والذي لا يفكر بالعواقب ابدا ، وقف بعدها (احمد) عن الأريكة وهو يقول بهدوء ثابت يحسد عليه
"لا تهتم لكلام شادي يا ابي لأننا اكيد سنكون اكثر من سعيدين باستقبال بنات عمتي بمنزلنا وبالعائلة ، فهما الآن ليس لديهما غيرنا....."
قاطعه صوت (شادي) وهو يقول ببرود جليدي
"انا لن استقبل احدا ولستُ راضياً عن هذا القرار ، وعن اذنكم سأرحل الآن لأنه لدي امور اهم من هذه التفاهات والتي اضعتُ وقتي بها هباءً"
غادر (شادي) لخارج غرفة المكتب بهدوء ضاربا بكل كلام والده عرض الحائط وهو يتجاهل النظرات المستنكرة بتجهم والتي كانت تلاحقه من الخلف وصاحبه يتوعد له بالويل ، بينما كان (احمد) ينظر بأثره بوجوم وهو يفكر بطريقة ليستطيع معرفة ما لذي يدور برأس شقيقه الاهوج الآن ، واما زوجته الجالسة بجانبه فقد كانت تتمتم بامتعاض متذمر
"هذا ما كان ينقصنا ان نستقبل بنات مجرم بمنزلنا ونتقبل عيشهم معنا ووجودهم بيننا كأنهم افراد من العائلة !"
حاد (احمد) بنظراته بعبوس نحو زوجته وهو يهمس باقتضاب
"اخرسي يا سلوى قبل أن يسمعكِ احد ويحدث ما لا يحمد عقباه !"
ادارت (سلوى) وجهها بعيدا عنه بعدم رضا وإيباء ، ليوجه بعدها كلامه لوالده والذي ما يزال ساكنا بمكانه بجمود وهو يقول له باحترام
"لا تقلق يا ابي فأنا متأكد بأن شادي سيتقبل وجود بنات عمتي بيننا عاجلا ام آجلا ، المهم ان تخبرنا متى يمكننا استقبالهما بالمنزل لنبدأ بتحضيرات تجهيز مجيئهما ؟"
كان الوالد شارد بأفكاره بعيدا عنهم ليتمتم بعدها بجدية حادة
"لا داعي لفعل شيء يا احمد ، فقط كونوا موجودين على الموعد فهناك سيارة ستحضرهما بغضون نصف ساعة بسبب طول المسافة بين منزلنا ومنطقتهم والتي يعيشون فيها"
حرك (احمد) رأسه بالإيجاب بدون كلام وهو يفكر بما ينتظرهم من مجيئ بنات عمته المتوفاة لمنزلهم بعد سنوات طويلة من الغربة ، وهل سيؤثر هذا على حياة شقيقه (شادي) للأسوء ام للأفضل ؟ ولم ينتبه احد للوالد وهو يفكر بعيدا بفتاة جميلة زرقاء العينين كانت تتميز بالشراسة والتهور وعلى جميع من بالعائلة ولم يستطع اي احد ان يسلم من شرها ومكائدها والتي كانت دائما تصيبها بالجميع ، حتى وصل بها التهور والجنون لترحل بعيدا عنهم وتُفضل شخصا آخر عليهم جميعا وهي تبيعهم بالنهاية لمن لا يسوى ، وها هي قد تلقت نتائج افعالها المتهورة ولعب القدر لعبته معها لتترك من خلفها جيل من نسبها ومن نسب زوجها المدنس .
______________________________
كانت تتنهد بهدوء بين الحين والآخر لتحين منها التفاتة نحو شقيقتها الساكنة بمكانها وهي تريح جانب رأسها على زجاج النافذة منذ بدء رحلة ذهابهما لمنزل خالهما ، والذي اكتشفوا وجوده حديثا بعد دخول زوج والدتهما للسجن ليتبين عندها بأن هناك احد من افراد العائلة ما يزال موجودا بعالمهما المظلم بعد ان انقطعت كل السبل للوصول لأحد منهم منذ سنوات ، ولكن هذه بحد ذاتها تعد فرصة ذهبية ليستطيعوا البدء بحياة جديدة نظيفة بعيدا عن قذارة ودناءة زوج والدتهما والتي تحملاها كثيرا على مدار سنوات .
عادت للنظر لشقيقتها والتي تصغرها بخمس سنوات كاملة ولكنها دائما ما تكون النقيض عنها تماما فبالرغم من التقارب الكبير بينهما ألا ان الحواجز دائما ما تبعدها عنها والتي تصر على بناءها من حولها بقوة ، ما تزال تذكر قوة علاقتهما بالماضي وتحديدا عندما كانت والدتهما ماتزال على قيد الحياة لتبدأ العلاقة بعدها بالتضاؤل رويدا رويدا حتى اختفت نهائيا ولم يبقى منها سوى السراب .
رفعت يدها ببطء لتمسك بها كتف الجالسة بجانبها برفق وهي تهمس بحنان
"ماذا هناك يا ماسة ؟ بماذا انتِ شاردة ؟!"
ردت عليها (ماسة) ببرود بدون ان تستدير لها
"لا شيء مهم يستحق الذكر"
عضت على طرف شفتيها بكبت وهي تمسد على كتفها بهدوء ، لتقول بعدها بحزن عميق لمع بمقلتيها الخضراوين وهي ما تزال تحدق بجانب وجهها
"اخبريني يا ماسة واصدقيني بالقول ، أما زلتِ متضايقة من قرار الذهاب لمنزل خالنا محراب ؟"
مرت لحظات صامتة مشحونة بالتوتر على كليهما قبل ان تستدير (ماسة) نحوها بعنف وهي تقول بخفوت حاد زاد من قتامة زرقة عينيها
"وهل ترينني سعيدة بهذا القرار ؟ انتِ من ارغمتني على الذهاب لمن يسمى خال والذي اعترف بوجودنا الآن بعد ان تدمرت حياتنا وانتهى كل شيء ! حتى لم يعد لدينا لا سمعة ولا كرامة نحتفظ بها امام الناس...."
قاطعتها (روميساء) ببعض الحدة وهي تلتفت نحو السائق بحذر والذي يعطي كل تركيزه للطريق امامه
"اخفضي صوتكِ يا ماسة فلا تنسي بأننا لسنا وحدنا هنا ! وقد اخبرتكِ من قبل بأنه ليس لدينا خيار آخر فالعيش بشقة العم قيس اصبح مستحيلا بعد ان تلطخت سمعتنا بين الناس وبالحيّ بأكمله ، فمن الذي سيقبل بأن يؤجرنا شقته بعد ما فعله العم قيس والجميع اصبح يطلق علينا لقب بنات المجرم ؟!"
تجهمت ملامحها وهي تتمتم بسخرية واشمئزاز
"وكأن باقي الناس بالحيّ يتحلون بالشرف والنخوة حتى يحكموا علينا من افعال قيس ! وليسوا مجرد فاجرين ماكرين مثل قيس واسوء فهذا الحيّ لا يضم سوى ابشع المخلوقات على وجه الأرض ، واستطيع ان افضح اقبح اعمالهم واحدا واحدا وبالحرف والاسم !"
امسكت (روميساء) بكتفي شقيقتها بقوة وهي تهمس بحزم قاطع
"اسمعي يا ماسة نحن لا نريد مشاكل مع اي احد منهم ، لذا لا تحاولي اللعب بالنار فهؤلاء الاشخاص خطيرين واكثر مما تتوقعين وقد يؤذونكِ إذا حاولتِ التعرض لهم بشيء ! لذا ارجوكِ افعلي ما اقوله وكفى تهورا فقد وصلنا لطريق مسدود الآن وكل ما علينا فعله هو اختيار مسلك آخر بحياتنا لنستطيع الاستمرار والسير قدمٌ بهذه الحياة"
اشاحت (ماسة) بوجهها بعيدا عن نظرات شقيقتها وهي تهمس بشرود بارد
"انا التي اعرفهم ، لذا لا تقلقي لن اتهور وسأسير معكِ لأرى إلى اين ينتهي هذا الطريق الطويل"
تنهدت براحة وهي تبتسم بهدوء وتدير رأسها بعيدا عنها ، لتعود (ماسة) للنظر لشقيقتها بغموض وابتسامة ساخرة بدأت تحفر على شفتيها الحمراوين كلون الدم وهي تفكر بعيدا عنها ، فما لا تعرفه بأن شقيقتها الصغرى تعايشت مع هؤلاء الناس واصبحت تعرف كل صغيرة وكبيرة تخصهم بعد ان اعتادت على زيارات شركاء (قيس) والذين ادخلهم لعالمها رغما عنها لتصبح فرد منهم وجزء من زمرتهم اللعينة بينما كانت (روميساء) خارج نطاقهم بسبب انشغالها الدائم بالعمل خارج المنزل ليل نهار .
همست بعدها بلحظات بخفوت مشتد وهي ما تزال تبتسم لها بسخرية
"ولكن بشرط بأن تعديني الآن بأن هذه الإقامة ستكون مؤقتة حتى تجدي لنا مسكنا آخر نعيش فيه ، فأنا لن ابقى بضيافة احد او ان اكون ضيفة عند احد بمكان رفضنا منذ سنوات ولم يكن له وجود من قبل بعالمنا !"
اخفضت (روميساء) يديها عن كتفيها لتميل بعينيها الخضراوين الحزينتين ببهوت وهي تفهم جيدا إلى ماذا تلمح شقيقتها ، لتتذكر بعدها كلام قاله (قيس) لهما منذ سنوات وهو ما يزال مطبوع بذاكرتهما كذكرة ضربتهما بالصميم
(لا احد من اقاربكما وافق على استقبالكما او رحب بكما وهذا يعني بأنه لم يتبقى لكما سواي ، فأما ان تعملا عندي وتحت رحمتي لأضمكما تحت جناحيّ ، واما ان ألقي بكما بالملاجئ فهو المكان الوحيد والمناسب لحالتكما هذه !)
نفضت الذكرة من رأسها وهي ترفع كفها لتربت على رأس شقيقتها الناعم قائلة بلطف ومودة
"انا اعدكِ ، وكل شيء تريدينه سيحدث يا ماسة فقط اريدكِ ان تكوني سعيدة"
ابتعدت (ماسة) عن مرمى كفها لتعود لشرودها بالنافذة وهي تريح جانب رأسها على زجاجه بجمود ، بينما قبضت (روميساء) على كفها وهي ترفعها لصدرها بهدوء لتدعوّ عندها بقلبها المفطور بأن يسير كل شيء على ما يرام بعائلة خالها وللحياة المقبلين عليها الآن .
وقفت السيارة امام المنزل الكبير والمسيج بسور عريض من النباتات والازهار حول الحديقة والتي اقل ما يقال عنها بأنها الجنة بعينها ، خرجت بعدها (روميساء) من السيارة قبل ان تتبعها (ماسة) وهي تخرج بهدوء ناظرة لكل الاجواء التي تحيط من حولها والتي تختلف تماما عن قذارة الحيّ والذي كانوا يعيشون فيه ، وهي تتنقل بنظرها بين النافورة الحجرية والتي تخرج منها المياه بصفاء عذب بدون اي شوائب وللأضواء الخافتة والمنتشرة بكل مكان وبزوايا الحديقة لتصل للطريق الطويل والممهد امامها بالأحجار الصغيرة الملونة والمرصوصة بجانب بعضها البعض والتي تصل لباب المنزل الكبير بفخامة ورقي .
اخفضت نظرها للأسفل وتحديدا لموضع قدميها ولحذائها الرياضي البسيط وهي تبتسم بشحوب واجم ، فبالوقت والذي كانوا يعيشون فيه اتعس لحظاتهما بعد ان تخلى عنهم الجميع كان هناك منزل كبير يملك رفاهية بلا حدود رفض ان يستقبلهما به صاحبه وقد اغلق عليهم كل سبل الحياة الهانئة والتي كانت اقصى احلامهما بالماضي ، شعرت بعدها بدفعة طفيفة من خلفها قاطعة افكارها من شقيقتها وهي تربت على كتفها بخفة قبل ان تتقدمها بهدوء .
زفرت انفاسها بحشرجة وهي تبتلع غصة قديمة عالقة بصدرها منذ زمن حتى شطرته لنصفين ، قبل ان تتابع سيرها خلف شقيقتها بثبات وهي تعدل من حزام حقيبتها على كتفها ، وما ان دخلت الفتاتين من باب المنزل المفتوح المذهب حتى اصطدمت نظراتهما بتجمد على لقاء افراد العائلة والمنتظرين ببهو المنزل الواسع .
قطع الصمت المحدق من حولهم والذي طال لثواني صوت (محراب) وهو يتقدم بخطوات ثابتة قوية قبل ان يقف امامهما قائلا بكل هيبة ووقار
"مرحبا ببنات مايرين ، شرفتما منزلكما الجديد وعائلتنا"
ابتسم (محراب) باتساع متصلب حتى تغضنت زوايا شفتيه وهو يتابع كلامه بانبهار وتركيز حاد
"سبحان مغير الأحوال ! لا اصدق كيف كبرتما هكذا وتحولتما على هذه الصورة الساحرة لشابتين بغاية الجمال وهذا ليس بعيدا عن بنات شعلة الفتنة مايرين !"
تصلبت ملامحها الرخامية عند هذه الكلمات لتتمتم عندها بدون ان تستطيع منع نفسها
"أليس هذا الكلام فائت لأوانه ؟ ام ان السنوات كانت بالنسبة لكم مجرد ايام فاصلة بحياتكم المرفهة !"
ساد صمت طويل بكل ارجاء بهو المنزل ولم ينتبه احد لنظرات (محراب) الحادة والتي تحولت للفتاة زرقاء العينين والتي تبدو نسخة مصغرة عن والدتها فلم تأخذ شراستها وجرأتها فقط بل اخذت زرقة عيناها القاتمة والتي تستطيع اصابة هدفها بنجاح فقط الفرق بينهما هو سواد شعرها الفاحم والذي يختلف تماما عن شعر والدتها الفاتح والذي يميل للبني الذهبي ، بينما كان (احمد) ينظر بوجوم لوقاحتها وهو يرى الفرق الشاسع بين الفتاتين فقط تتشابهان بسواد الشعر الفاحم والعينان الملونتان ، واما زوجته بجواره فقد كانت تشتعل بكل معنى الكلمة بجانبه بدون ان يشعر بها احد وهي تنظر لقنبلتيّ الفتنة واللتين اجتاحتا منزلهم الآن ليقلبوه رأساً على عقب وقد بدأت تشعر بسحر وجودهما يسيطر على عقول ساكني المنزل .
كانت (روميساء) تتنحنح قاطعة الوجوم والذي لفهم جميعا معا لتقول بعدها باحترام وإحراج شديدين
"نحن سعداء حقا باستقبالك لنا بمنزلك وشاكرات جدا على ترحيبك الكريم بنا يا سيد محراب ، واتمنى ألا نخيب ظنك بنا....."
قاطعها (محراب) بحزم صارم
"لا تناديني هكذا يا ابنتي فأنا اكون خالكِ شقيق والدتك ، وهذا المنزل قد اصبح منزلكما من الآن لذا لا داعي لكل هذا الكلام الرسمي معي ، واخبروني فورا بأسمائكما فذاكرتي تخونني وبعض التفاصيل تضيع مني"
كانت (ماسة) على وشك الكلام بفظاظة لولا سبقتها شقيقتها وهي تقول بابتسامة جادة
"انا اسمي روميساء وبالخامسة والعشرين من عمري ، وهذه شقيقتي الصغرى ماسة وهي الآن بالعشرين من عمرها"
حركت (ماسة) عينيها بعيدا عنهم ببرود وهي تتأفف بنفاذ صبر ، ليقول بعدها (محراب) بابتسامة متزنة
"عاشت الاسامي واتمنى لكما العمر المديد ، إذاً دعوني اعرفكم انا على افراد عائلتي"
استدار (محراب) نحو افراد عائلته ليشير لهم بكفه واحدا واحدا وهو يقول بهدوء بالغ
"هذا ابني الاكبر احمد ، وهذه الفتاة الجميلة بجانبه فهي زوجته سلوى ، واما هذا الصغير فهو الفرد الاخير بالعائلة واسمه زين"
قبض على كفه الممدودة ما ان تذكر ابنه الغائب والذي لم يعد للمنزل بعد خروجه من غرفة المكتب غاضبا متجهما وهو يعصي اوامره بكل وقاحة ، قالت (ماسة) فجأة ببرود جليدي
"هل انتهينا من هذا ؟"
امسكت (روميساء) بذراع شقيقتها بقوة وهي تعض على طرف شفتيها ناظرة لها بتحذير غاضب ، لتقول بعدها باتزان خافت وهي تبتسم بتوتر
"ان شقيقتي تقصد بكلامها بأنها متعبة من الطريق الطويل بسبب طول المسافة بين منزلنا وهنا ، لذا هل تسمح لنا بالذهاب للغرفة والتي سنقيم بها يا خال محراب ؟"
التفت (محراب) باتجاههما بغموض قبل ان يتمتم بابتسامة متصلبة
"اجل لا بأس خذا راحتكما فهذا منزلكما بالنهاية"
رفع بعدها رأسه عاليا وهو يقول بصوت جهوري مهيب
"اسماء ، سندس ، تعاليا لمساعدة بنات شقيقتي للوصول لغرفتهما الجديدة والتي جهزت من اجلهما ، هيا بسرعة"
خرجت الخادمتين لتجريا بسرعة باتجاه بهو المنزل بمكان تجمع افراد العائلة قبل ان تقفا امام سيدهما باحترام ، بينما سارت (ماسة) بعيدا عنهما ببرود لتسبق الخادمتين بدون ان تعيرهما اي اهتمام او وجود لتلحقا بها بعدها من الخلف بطاعة تامة ، واما (روميساء) فقد كانت تتنهد بيأس منها قبل ان تلتقط حقيبة ملابسهما من على الأرض والتي ادخلها السائق معه لتسير من فورها باتجاه الطريق والتي اتخذوها وهي تبتسم لأفراد العائلة بحرج صامت حتى اختفت عنهم مع الباقين ، ولم ترى نظرات (احمد) العالقة بمكان اختفائهم وهو يفكر ببريق الحزن والذي لمحه بعينيها الخضراوين وهي تبتسم لهم باعتذار حزين كغابة عشبية باهتة بعد يوم طويل من هطول المطر فيها لتصبح شاحبة بدون اي لون او نكهة .
_____________________________
كان يقف مستندا بالجدار من خلفه وهو يدس يديه بجيبي بنطاله بشرود ونظراته ساهمة بالبعيد وتحديدا بالحفل الرخيص امامه والمبتذل اكثر من الازم وهو يضم اناس من جميع طبقات المجتمع العريقة ، ولكن لا حل امامه الآن لإضاعة الوقت بمكان يستقبل زبائنه بأي وقت وهذا الخيار الوحيد والذي طرأ على ذهنه المشتت منذ الخبر والذي اعلن عنه والده اليوم وهو يتوقع قبول وترحيب بطلبه المستحيل ! شدد بعدها من قبض يديه بجيبي بنطاله بغضب وهو يفكر بالأفراد الجدد والذين سيجتاحون حياته ومنزله وهو عليه تقبل كل هذا مرغما وكأنه لا يكفي وجود عائلته المشؤومة من حوله ليزيد على افرادها اثنين ومن عائلة المجرمين ! ولا يعرف حتى الآن ماذا ينتظره من اوامر عليه تحمل تبعاتها ؟
تصلبت ملامحه ببرود ما ان شعر بملمس كف ناعمة على كتفه وصوت انثوي رقيق يرن بأذنيه وهي تقرب شفتيها من جانب اذنه
"بماذا يفكر حبيب القلب ؟ ولما كل هذا التجهم والعبوس والذي لا يناسبك ابدا ؟ يبدو بأن مشكلتك كبيرة هذه المرة"
ابتسم (شادي) باستهزاء وهو يتمتم بغموض
"ليس هناك من جديد نفس الروتين الممل"
عبست زاوية من شفتيها المائلتين لترفع بعدها كفها اكثر وهي تمسد على جانب رأسه قائلة بتباطء وسلاسة
"فقط اخبرني بما تعاني وانا اعدك بأن ابعد عنك كل هذا الألم ! ام تشك بمهاراتي بتهدئة نمر مدلل مثلك !"
حرك رأسه قليلا وهو يبتعد عن مرمى كفها قبل ان يلتفت نحوها ليلتقط كأس العصير من كفها بلحظة وهو يهمس بسعادة مصطنعة
"واخيرا اتى العصير ، لقد كنتُ بانتظاره بفارغ الصبر"
رفع (شادي) كأس العصير بسرعة لشفتيه ليرتشف منه بهدوء وببطء متسلي وهو ينظر بعيدا عنها بتركيز شارد ، بينما امتعضت ملامح الفتاة الفاتنة بجواره وهي تنظر له بعينين خضراوين حانقتين لترجع بعدها خصلات من شعرها الاشقر القصير لخلف اذنيها بصمت وانسيابية ، تجمدت بعدها بمكانها بلحظات وهي تفغر شفتيها بصدمة ما ان ألقى (شادي) بكأس العصير بعيدا مثل الرصاصة التي سرعان ما تحطمت لشظايا بعد ان اصابت زاوية رأس الرجل والذي يبعد عنهما بمسافة قصيرة ليسبب له خدش عند زاوية جبينه .
توقف الجميع عن الرقص والاحتفال والعيون مصوبة نحو الرجل المصاب وشظايا الحطام متجمعة امام قدميه ، لتشهق بعدها الفتاة بهلع ما ان اقترب الرجل بسرعة باتجاه (شادي) والذي سبب له الجرح المتقصد ، امسك بياقة قميصه بلحظة وهو يهزه بها هامسا امام وجهه بشراسة متوحشة
"كيف تتجرأ على فعل مثل هذا التصرف المجنون معي ؟ من تظن نفسك يا هذا ؟!"
ردّ عليه بلا مبالاة وكأنه لم يفعل شيئاً للتو
"اترك قميصي لو سمحت فهو ثمين وغالي جدا بالنسبة لي"
ازدادت شراسة الرجل بقتامة وكأنه قد فتح على نفسه ابواب الجحيم وهذا ما جعله يرفع قبضته عاليا ليلكمه بقوة على وجهه جعل الدم يسيل من انفه بعنف ، وما هي ألا ثواني حتى تماسك (شادي) امامه ليرد له الضربة وهو يدفع رأسه امامه بقوة ليصدمه بوجهه حتى تراجع للخلف بعيدا عنه باهتزاز وهو يترنح عدة خطوات من تأثير الضربة ، تدخلت بعدها الفتاة وهي تقف امام الرجل قائلة بانفعال حاد حازم لا يخلو من الإيباء
"هذا يكفي لا تنسوا بأننا الآن بحفلة ولسنا بحلبة مصارعة لتتصرفوا على هذا النحو ! وارجوك يا سيد ان تقبل اعتذاري على ما سببه حبيبي لك فهو اكيد لم يكن يتقصد فعلها"
تصلبت ملامح الرجل بغيظ وهو يتمتم بحقد
"ولكنه لم يعتذر مني على ما فعله معي من وقاحة ! وانا حتى الآن لا اعرف بماذا اخطئتُ معه ليقذفني بالكأس هكذا والتي كادت ان تهشم رأسي وعلى العلن ؟!"
ردّ عليه (شادي) ببساطة وهو يمسح انفه بكفه بهدوء
"لن اعتذر فأنا لم اخطئ بشيء"
ما ان كان الرجل سيعاود الهجوم عليه بوحشية حتى اوقفته الفتاة وهي تدفعه بعيدا بصدره بقوة لا تناسب مظهرها قائلة بتهديد واضح بنبرة متعالية
"لقد اعتذرتُ منك وانتهينا من الأمر ، لذا من فضلك انهي هذا الموضوع رجاءً وألا سيحدث عندها ما لا يحمد عقباه ، وهذا الكلام خارج من ابنة الوزير شخصياً لينا رواشدة ! وها أنا قد حذرتك والباقي عليك"
ابتلع الرجل ريقه بتشنج ما ان عرف بهوية الفتاة الواقفة امامه ومن تكون حقا ، بينما كانت العيون ما تزال تراقب برهبة الحدث المهم امامهم والذي اخرجهم من جو الحفلة الصاخبة والذي كانوا يعيشونه قبل دقائق ، لتمسك بعدها بذراع (شادي) وهي تسحبه بقوة لخارج قاعة الحفلة لتسير بإيباء وغرور يناسبها تماما وخاصة مع مكانة عائلتها المرموقة بين الناس والتي انكشفت الآن .
كان (شادي) يسير معها بهدوء بدون اي اعتراض وهو يرفع عينيه بعيدا للسماء المظلمة والمتلألئة بالنجوم من فوقه ، وقفت (لينا) ما ان وصلت لسيارتهما المصفوفة بمرآب القاعة ، لتلتفت بعدها نحوه وهي تقول بوجوم حزين
"هل انت بخير ؟ هل تألمت من الضربة او تعاني من شيء ؟....."
ردّ عليها (شادي) بصوت قاطع وهو يفلت ذراعه بعيدا عن كفها
"لا داعي لكل هذا القلق الغير مبرر فأنا بخير ، ومن المستحيل ان يصيبني مكروه من نكرة غير مهمة بالمقارنة مع قوة نمر مثلي !"
تنهدت (لينا) بارتياح وهي تبتسم بحالمية شاردة بتفاصيل وجهه الواثقة بوسامة محببة والتي لا تتأثر من شيء من حولها فقط هو الذي يؤثر بالآخرين بدون ان يتأثر منهم وهذه طبيعته والتي تعشقها منذ الأزل ، وهذا حالها منذ اول يوم رأته بها ووقعت عينيها عليه بحفلة من تلك الحفلات والتي كانوا يحضرونها الآن ، فقد كان بالنسبة لها الاستثنائي الوحيد بتلك الحفلة الصاخبة وهي تكتشف بأنه لا يشبه اي احد من جميع من قابلتهم من قبله وتعايشت معهم بمجتمعها المرفه العريق .
ضربت (لينا) على صدره بقبضتها بخفة وهي تقول بعبوس صارم
"لما فعلت هذا بالرجل ؟ بماذا كنت تفكر يا مجنون من تلك الحركة والتي كانت ستنشب عنها معركة ضارية لن تخرج منها حيا ؟"
عبست ملامحه بجمود وهو يتمتم باقتضاب ناظرا بعيدا عنها
"لقد كان يستهزئ بي وقد كان هذا واضحا من نظراته وابتساماته المسلطة نحوي ، لذا قررت ان اريه القليل من حجمه لكي لا يتجرأ على فعلها معي مرة أخرى لأني بالمرة القادمة لن اخطئ هدفي وسأهشم وجهه نهائياً !"
زفرت انفاسها بضيق قبل ان تمسك بذراعيه برفق وهي تنظر له بحدقتيها الخضراوين الحادتين هامسة بعتاب رقيق
"اسمع ما سأقوله جيدا يا شادي ، لقد اخبرتك من قبل بأن ليس كل من يبتسم بوجهك او ينظر لك بريبة سيكون عدوك اللدود والذي ينوي لك على الشر ، ودائما قبل ان تُقدم على فعل أي خطوة متهورة فكر بها مئة مرة وتذكر العواقب والتي ستنشب عنها ، لأنه ليس من العدل ان تفتعل نفس المشاكل بكل مرة ومع اشخاص مختلفين ومن طبقات اجتماعية عريقة ! هذا ليس من صالحك ابدا !"
ابتسم (شادي) بسخرية مريرة ليتمتم بعدها بغموض وهو يربت على كتفها بخفة
"تتكلمين مثل شقيقي احمد تماما ، يبدو بأن مهنة المرشد النفسي معي تعجبكم كثيرا !"
اخفضت كفيها عن ذراعيه بعبوس واجم وهي تتنهد بحنق منه ، لتُخرج بعدها منديل من جيب ثوبها القصير الاحمر قبل ان تقربه من وجهه قائلة بهيام
"انا لستُ فقط مرشدة نفسية بالنسبة لك بل انا مستعدة ان اكون حبيبتك ورفيقتك ومسعفك الخاص ومنقذك بوقت الأزمات ، وخاصة مع شخص مشاكس مثلك كثير المشاكل ويسبب الشقاء للجميع !"
كانت (لينا) تمسح انفه من الدماء المتجمدة عليه برفق شديد وبنعومة فائقة ، بينما كان (شادي) ساكن بمكانه وهو يتركها تكمل عملها المعتاد عليه والذي يحدث معه كلما تشابك مع احدهم بالأيدي وتطاول معه بالكلام حتى اعتاد على هذا الروتين اليومي والذي يحدث معه بكل يوم ، فمنذ تعرفه بابنة وزير الثقافة (لينا) وقد اصبحت تحتل مكان ممرضته الخاصة ورفيقته الوحيدة بهذا العالم بدون ان تتجاوز حدود صداقتهما المرسومة وهو يجد بها حنان والدته والذي كانت تغدقه عليه منذ صغره حتى اختفت من حياته نهائيا مخلفة من وراءها فجوة كبيرة وخواء بداخله لم يستطيع اي احد ان يملئه او يرممه بوجوده ، ولكن وجود (لينا) بجانبه دائما يواسي القليل من وحدته ويملئ فراغ وقته الطويل ، بالرغم من انه يشعر بالذنب اتجاهها من استغلالها ناحيته بهذه الطريقة واستخدامها لتسلية وقته واقحامها بمشاكله الخاصة كما حدث قبل قليل ، ولكن بما انها لا تمانع كل هذا فلن يجدي التفكير بهذا الأمر فكل ما يهمه بالوقت الراهن هو ان يبتعد بتفكيره عن العائلة المملة وعن كل شيء يخصها .
قطع عليه شروده صوتها الرقيق الخافت وهي ما تزال مستمرة بمسح انفه ببطء شديد
"لم تخبرني بعد عن السبب والذي يجعلك متضايق هكذا ويعكر عليك مزاجك ! هل هي مشاكل مع والدك مجددا ؟"
تجهمت ملامحه بامتقاع وهو يقول بجمود بعد ان تذكر الخبر والذي قاله والده ضاربا عقله عن التفكير
"هذه المرة مختلفة فقد قرر والدي ان يقحم بعائلتنا بنات عمتي المتوفاة وزوجها المجرم بعد ان نبذهم لسنوات ! وليس محبة فيهم بل من اجل سمعة العائلة عندما يلطخونها بالعار بعد ان تخلى عنهم الجميع ولم يعد هناك شيء يمنعهم عن فعلها !"
عقدت حاجبيها الاشقرين بتفكير لتقول بعدها بحيرة خافتة
"وما لمانع من سكنهما بمنزلك ؟ أليسوا من العائلة وهذا حقهم منذ سنوات وانتم من رفضتم عليهم هذا الحق ؟"
ردّ عليها (شادي) بشرود واجم
"لستُ انا المخطئ فلم يكن بيدي شيء افعله حينها وابي يقرر عدم استقبال اي احد من عائلة عمتي مايرين بالعائلة ، وحتى اكد هذا على كل اقارب العائلة وعلى شقيقاته بالخارج بصرامة وهو يهددهم ان يحرمهم من ميراثهم وحقوقهم إذا حاولوا عصيان اوامره ، والآن بعد كل شيء حدث قرر إدخالهم لحياتنا رغما عنا من اجل السمعة فقط !"
عضت (لينا) على طرف شفتيها بعبوس وهي تقول بعدم مبالاة
"ارى بأنك تحمل هذا الموضوع اكثر من حجمه ، فليس هناك فرق إذا استقبل والدك بنات شقيقته او رفضهم فأنت بالنهاية لا علاقة لك بما يحدث معهم فهذه الأمور وقصص الحقد تبقى عائلية بينهم ! وانت ترهق تفكيرك بأمور تافهة كهذه"
امسك (شادي) مرفقها فجأة ليبعده عن وجهه بهدوء وهو يقول بصرامة خافتة
"يكفي كلام عن هذا الموضوع فهي أمور تخصني وحدي ، ولا احبذ التكلم عنها امام احد او التعمق بها كثيرا"
افلت مرفقها ليستدير بعيدا عنها بصمت وهو ينظر بعيدا بتصلب بارد ، بينما اخفضت (لينا) يدها وهي تلقي بالمنديل بعيدا قبل ان تدس خصلات شعرها القصيرة خلف اذنها بنعومة وهي تتمتم بندم شديد
"اعتذر يا شادي إذا كنتُ قد ضايقتك بكلامي فأنا لم اكن اريد إغضابك ابدا ، وصدقني لن اعيدها مجددا فأهم شيء عندي هي راحتك وهذا ما اسعى إليه دوما"
ابتلع (شادي) ريقه بتصلب وهو يشعر بالذنب يعود ليعتصر فؤاده وينهشه بقوة من الذي يفعله معها الآن ، ليلتفت نحوها بسرعة وهو يتمتم بابتسامة جانبية بدون اي مرح
"لا داعي للاعتذار يا لينا فأنتِ لم تخطئي معي بشيء ، فقط اشعر بالضيق لذا انفث غضبي بكل من حولي بدون اي تفكير بأحد ، لذا اعذري غبائي وتهوري"
اتسعت ابتسامتها بسعادة قبل ان تقترب منه بنعومة لتعانق ذراعه وهي تتشبث بها بكفيها بقوة هامسة بخفوت رقيق
"ولهذا انا موجودة بجانبك لأخفف عنك الضيق واخرجه من داخلك نهائيا وبعدها ستتحسن وستنسى كل ما كان يضايقك سابقا ، ما رأيك الآن ان نذهب لملعب البولنج لنستمتع قليلا بوقتنا وننسى ما حدث معنا قبل قليل ؟ ولكن ارجوك حاول ضبط اعصابك هذه المرة لكي لا نضطر لمغادرة المكان مرة أخرى !"
حاد (شادي) بنظراته نحوها وهو ينظر لعينيها الخضراوين المشعتين حماس وتفاؤل دائما ما يلازمها معه ، ليبتسم بعدها بميلان وهو يرفع حاجبيه بآن واحد قائلا ببساطة
"موافق إذا كان سيخرجنا من هذا الملل والذي اشعر به سيفتك بي"
_____________________________
كان يسير بخطوات متمهلة قريبة من التسلل على اطراف اصابع قدميه بمنتصف الليل وهو يتجه بمساره لطريق المطبخ بنهاية البهو الواسع ، ليقف بعدها لبرهة وهو ينظر للظلام الحالك والذي يسود بالمطبخ الفارغ بسكون ، تحرك للداخل بدون ان يهتم بإشعال النور قبل ان يصل للثلاجة والتي كانت تحتل الجدار بأكمله ليُخرج منها زجاجة ماء معدنية وهو يتلفت من حوله برهبة ، اغلق بعدها الثلاجة بكفه الأخرى قبل ان يفتح غطاء الزجاجة وهو يقربها من شفتيه ليرتشف منها بنهم دفعة واحدة .
اخفض الزجاجة بعيدا عنه بهدوء وهو يمسح شفتيه بذراعه الأخرى قبل ان يتصلب بمكانه بلحظة وهو يشعر بشيء بارد يلمس جانب عنقه مثل نصل سكين حاد ، شدد بيده على الزجاجة البلاستيكية حتى تجعدت بقبضة كفه وهو يعقد حاجبيه بقتامة مظلمة وبتفكير بالذي سيملك تلك الجرأة على مهاجمته بمنتصف منزله ؟ ولكن ما هي ألا ثواني حتى كان يمسك بمعصم الغريب والمرفوعة بالسكين صوب عنقه قبل ان يلويها بقوة وهو يديرها نحوه ويسحبها امامه بعنف قاسي !
تجمدت ملامحه بين الدهشة والغضب الناري وهو ينظر للفتاة الواقفة امامه والممسك بمعصمها النحيل رغم مقاومتها الشرسة ، وهي منحنية الرأس امامه لا يظهر منها سوى شلال شعر شديد السواد منثور من حولها بهمجية منطلقة ، ابتلع بعدها ريقه بتشنج وهو يعود للتركيز على ما كانت تفعله بالمطبخ بل بالمنزل بأكمله وهي تفكر بمهاجمته بهذه الطريقة المجنونة !
زاد من تشديد اصابعه حول معصمها وهو يقربها امامه مانعا اي محاولة منها للهروب منه ، ليقول بعدها بتصلب جامد وهو يركز نظره على امواج شعرها المتساقطة من حولها كستار يغطيها عنه
"من انتِ ؟!"
توقفت (ماسة) عن الحركة المستميتة للتخلص منه وهو ما يزال يقيد معصمها الممسكة بالسكين بقسوة ، لتنظر بعدها للأسفل بوجوم وهي تفكر بطريقة لتتخلص مما اوقعت نفسها فيه بسبب غباءها واندفاعها المتسرع وهي تظنه شخص غريب عن المنزل ، وهي التي اعتادت على مهاجمة اي احد يحاول الدخول لشقتهم القديمة بسبب ابوابها المفتوحة على الدوام وقد نسيت بأن هذا المنزل مختلف تماما عن شقتهم ! وما اكتشفته بأن هذا الشخص اكيد سيكون فرد آخر من هذه العائلة الكئيبة ، ولكن ما يحيرها هو لما لم يتكلم عنه احد ولما لم يظهر بين افراد العائلة عند استقبالهم ؟
ارتفع حاجبيه بدهشة من استكانتها الغريبة وهو يفكر بتوجس من اين هبط هذا الكائن الانثوي الغريب امامه ؟ لا ويهاجمه بمنزله بكل وقاحة وكأنها قطة شوارع تسللت للداخل من نافذة المطبخ !
قال بعدها بحدة وهو يلقي بالزجاجة والتي ما تزال بقبضته بعيدا بقوة
"هيا تكلمي يا فتاة من تكونين ! وماذا تفعلين بهذا المنزل ؟ هل انتِ ابنة احد الخدم ؟"
تحركت فجأة بجسدها نحوه لتدفعه بعيدا عن طريقها بقبضتيها وهو يحرر معصمها من قيده اخيرا ، ولكن ما ان خطت خطوتين بعيدا عنه حتى عاد ليمسكها من ذراعها بقوة ليعيدها ويحتجزها امامه بعنف اشد وهو يدفعها لتستند على باب الثلاجة من خلفها ، امسك هذه المرة بمعصميها معا ليرفعهما عاليا لمستوى رأسها المنحني والذي تصر على احناءه امامه وهو يضغط على الكف الممسكة بالسكين بقوة حتى كاد يحطم مفاصل اصابعها بين خشونة كفه ، لتضطر عندها لفتح قبضتها برضوخ والتي افلتت السكين الصغيرة لتسقط على ارض المطبخ الرخامية مصدرة ضجة بسكون المكان المخيم من حولهما .
ابتسم (شادي) بتسلية وهو يلاحظ اضطراب انفاسها بتقطع ما ان سقطت السكين امام قدميها وكأنها قد خسرت سلاح القوة والذي كانت ستستخدمه للقضاء عليه ، لينظر بعدها لخصلاتها المتطايرة والتي كانت تتحرك مع انفاسها والتي ازدادت حدة وثورة بثواني .
عقد (شادي) حاجبيه بتجهم ما ان تذكر امرا مهما كان قد غفل عنه بخضم ما حدث معه اليوم ، فمن طول الوقت والذي اضاعه بالخارج نسي بأمر وجود بنات عمته (مايرين) واستقبالهم بمنزله اليوم وهذا يحتم عليه تقبلهم بحياته وبعالمه مرغما !
قال بعدها بلحظات قاتمة عليهما بعبوس مستنكر
"انتِ تكونين ابنة عمتي مايرين صحيح ! والتي لم استقبلها بمنزلي ولم ارحب بوجودها اصلا !"
تغضن جبينها باستهجان وهي تشعر بنبرة كراهية صادرة من صوته وهو يقول امرا واقعا غير قابل للنقاش ، ولكنها تحاملت على نفسها وابتلعت الاهانات بصبر والتي كانت تفكر بتوجيهها نحوه فهي المخطئة الوحيدة هنا بتسرعها الاحمق ومحاولتها لمهاجمته بطريقة لا تمت للتفكير بصلة ! لتعض بعدها على طرف شفتيها بغيظ وهي تلعن السبب والذي جعلها تخرج من الغرفة بعد ان شعرت بجدرانها العالية ستطبق على صدرها وهي المعتادة على السير الطويل قبل النوم والذي يأخذها لعالمها الموحش والمنعزل بعيدا عن الجميع .
تنهد (شادي) بملل وهو يزيد من التشديد على معصميها المستكينين معا ليتمتم بعدها بابتسامة غامضة باستهزاء
"كان عليّ توقع مثل هذا الاستقبال الرائع من الضيفة الجديدة بالعائلة والتي ادخلناها لمنزلنا بكل طيبة قلب ، ولكن ماذا كانوا يظنون من ابنة مجرم عاشت طيلة حياتها بعالم الإجرام والقذارة مع والدها ! ان تتغير بمهلة دقائق من ساقطة وضيعة ابنة مجرم لفتاة نبيلة تنتمي لهذه العائلة العريقة والتي تكون ابعد ما يكون عنها !"
تجمدت نظراته ما ان رفعت رأسها نحوه بعنف وكأنها قد تلقت للتو صفعة غير مباشرة موجهة نحوها خاصة ونحو شقيقتها ، بينما كان هو ينظر لوجهها والذي ظهر اخيرا من بين كومة شعرها السوداء وهو يكاد يقسم بأنه لمح بعض البريق والوميض يشع من حدقتيها اللتين لم يتبين له لونهما من الظلام الحالك والذي كان يسود بالأرجاء ، وبالرغم من ذلك فهو متأكد بأن ملامحها الآن ستكون تنطق بالشراسة والتحفز بدون ان يستطيع تحديدها وقد شعر بها من ذبذبات جسدها والتي يشعر بها تصله بوضوح عبر جسده مباشرة .
زمت (ماسة) شفتيها بقوة وهي ما تزال تشعر بكلماته تطعنها بعنف بالرغم من انها معتادة على مثل هذا النوع من الكلام والذي ينتج عنه بعض التشنجات بأمعائها وبأطراف من جسدها وكأنها قد شلت عن الحركة لثواني لتعود لاستعادة قوتها مرة أخرى ، عقدت بعدها حاجبيها بتمهل وهي تحبس انفاسها بترقب قبل ان ترفع ساقها بلمح البصر لتركل بمقدمة قدمها العارية ركبته بقوة بحركة مباغتة سمعت معها طرقعة عظام ركبته ، ليفلتها من معصميها بسرعة وهو ينحني جاثيا على الأرض بعد ان اصابت ركبته بشل مؤقت لترتخي للأسفل بتهدل وهو ينصب ساقه السليمة مستندا بكفيه على الأرض .
اتسعت حدقتيه السوداوين بعدم تصديق وألم لما وصل له حاله من حركتها السريعة والغير متوقعة والتي جعلته يركع على ساقيه امامها بقتامة وكأنه تحول لشخص عاجز بغمضة عين ! ليرفع نظره نحوها بتجهم قبل ان يعبس بغضب ما ان رأى نظراتها المتشفية نحوه بظلمة المكان من حولهما وابتسامة براقة استطاع لمحها بزاوية شفتيها ، ليختفي بعدها كل هذا ما ان تحركت ببطء بعيدا عنه وهي ترجع خصلاتها السوداء المجنونة خلف كتفيها بلا مبالاة وكأنها شارة انتهاء الحرب .
كان ما يزال يتتبع خطواتها وهي تنحني لتلتقط السكين الصغيرة والملقاة على الأرض قبل ان تستقيم بوقوفها لتسير باتجاه باب المطبخ بهدوء قاتل بعد ان اصابت غريمها ، سمع بعدها بلحظات صوت انثوي خافت يكاد لا يسمع يحمل من الاشمئزاز الكثير وبحة غريبة تطغى على نغمة صوتها
"فرصة سعيدة يا ابن الخال !"
اختفى بعدها كل شيء يخصها خلف باب المطبخ كالسراب ليتبقى فقط صوتها وهو يتردد بأعماق المكان وبأعماق روحه المظلمة وهو ما يزال يشعر بذبذبات جسدها ما تزال تسيطر على كل خلايا جسده كلعنة ألقتها عليه ورحلت ببساطة لتترك وصمتها على ركبته المتهدله امامه وآثار هجومها وهو يمسد عليها بوجوم قاتم...
_______________________________
كان يسند مرفقيه فوق الحاجز الرخامي للشرفة وهو يزفر انفاسه بضيق واضح وحدقتيه ثابتتين على السماء الشاحبة من فوقه وللغيوم الكثيفة والتي تضامنت معا لتحتل السماء بقوة مخفية الشمس من خلفها قبل موعد الشروق بساعات ، اخفض بعدها رأسه ليسند ذقنه لقبضته والتي يريح مرفقها على حاجز الشرفة وهو يفكر بأنه لم يستطع النوم جيدا بليلة امس بعد ما حدث معه على يديّ ابنة عمته المجنونة بأول مقابلة بينهما ، والتي كانت توشك على إنهاء حياته فيها بغمضة عين لتتركه بالنهاية جاثيا على الأرض وهو يغلي من الخزي والغضب ، بالرغم من انه معتاد على التعامل مع كل شيء يحدث معه ببساطة وسلاسة لتدمر هذه الفتاة مبدأه بالحياة بأول لقاء بينهما ! ولا يعلم ماذا ينتظره ايضا بالأيام المقبلة مع هذه الفتاة المختلة وكأنه ينقصه افراد يعكرون عليه صفو حياته الرتيبة ؟
مسح وجهه بكفه الأخرى وهو يستغفر ربه بصمت مكبوت ، ليخفض بعدها كفه بسرعة ما ان لمح الجسد الممشوق المتحرك بمدخل المنزل والقريب من الحديقة وهي تسير بخطوات متزنة قوية تكاد تخترق الأرض من قوتها ، لتتسع عينيه بتركيز وهو يحاول ان يتبين هوية الخارج من منزله والذي اكيد سيكون واحدة من بنات عمته فهو يعرف جيدا كيف تكون هيئة زوجة شقيقه (احمد) والبعيدة كل البعد عن هذا الجسد المتناسق والملفوف بسترة جلدية زرقاء مع بنطال اسود ضيق اظهر تفاصيل منحنيات جسدها المغرية وشعرها مرفوع فوق رأسها على هيئة كتلة مستديرة فوضوية بعفوية ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما لذي يخرج فتاة من منزلها قبل الشروق بساعات عندما يكون جميع من بالبشر ما يزالون نيام بمنازلهم للآن ؟! ومع ذلك كل شيء متوقع منهن فبالنهاية بنات مجرم حتى لو كان زوج والدتها فهي قد عاشت معه تحت سقف منزل واحد لسنوات طويلة ومن المرجح بأن طريقة حياته قد طبعت عليهما بقوة !
ارتفع حاجبيه بحيرة ما ان لاحظ توقف الجسد بمنتصف الطريق لوهلة لتحيد بعدها بخطواتها وهي تغير مسارها باتجاه الحديقة الواسعة من حول الطريق الحجري امامها ، تابع مراقبتها بانتباه شديد وهو الذي لم يعر بحياته انتباهه لأي احد لتجذب هذه الفتاة انتباهه ونظراته بفضول يشعر به لأول مرة وهي تشعل بداخله غريزة الحذر نحوها بقوة !
توقفت خطواتها امام النافورة الحجرية والتي كانت ما تزال تُخرج المياه بانسيابية ونعومة وصوت خريرها يملئ الأجواء الساكنة من حولهم بانبهار ، كان ما يزال يراقب حركاتها بتمعن حتى صدم بلحظة بانحناء ذلك الجسد امام النافورة لتضع رأسها تحت شلالات الماء المنسابة بتدفق وهي تنزل فوق رأسها وتغرقه بعذوبة مياهه وكأنها تغتسل من مياه النافورة بطريقتها الخاصة ! ليحرك رأسه بعدم استيعاب من حركتها الغريبة وهو ما يزال يعطي كل تركيزه على جسدها المهتز بارتجاف ورأسها ما يزال غارق بشلال المياه المتدفق بدون ان تخرجه من هناك وكأنها تستمتع بوضعها المريب هكذا !
تصلبت زوايا شفتيه بامتقاع وهي ما تزال على حالها منذ عشر دقائق كاملة وقد تختنق بالماء إذا بقيت على وضعها هكذا مع برودة الجو الآن ببداية الشروق ! استقام بعدها بمكانه وهو يبعد مرفقيه عن حاجز الشرفة ليرفع يده لشفتيه بلحظة قبل ان يطلق صوت تصفير مرتفع باستخدام السبابة والإبهام بمهارة معتاد على فعلها منذ شب عن الطوق ليخترق الأذن بإزعاج وسكون الأجواء من حولهم .
اخفض كفه ما ان وصل لمراده وهو ينظر لرأسها المتهدل وهو يبتعد عن مسار الشلال المتدفق بعد ان اغرق رأسها وكتلة شعرها المستديرة بالكامل وقد تساقطت عدة خصلات مبللة بفعل قوة المياه العذبة لتحولها لخصلات مجعدة ما تزال تقطر ماءً من حول رأسها...لتسقط بعدها ذراعه بجانبه بتجمد بعد ان رفعت رأسها نحوه بهدوء وببطء متعمد يشعر به ولكن ليس هذا ما جمده عن الحركة تماما وحبس انفاسه بصدره...بل منظر عينيها البحريتين وهو ينظر لأول مرة للون عينيها الغريب والذي يميل لزرقة قاتمة استطاع لمحها بليلة امس بدون ان يتمعن بها جيدا وها هو الآن ينظر لبحار غاص بها بدون إرادة منه مثل الوقوع بالفخ بمنتهى السهولة وهو يحاول إيجاد نقطة النجاة بتلك البحار المظلمة الحالكة .
ارتفع حاجبيه برهبة مشدوهة وهو يلمح دموع متدفقة بزوايا حدقتيها الزرقاوين ممزوجة مع مياه النافورة تأبى الخروج وتركها للحرية وكأنها تحتجزها بداخل ظلام احداقها رغما عنها....ليدور بعدها على باقي ملامحها الشاحبة والتي كانت تنضح منها قوة وشراسة صامتة...ولكنها لم تخفي جمالها الغريب والذي يأسر النظر ما ان يقع عليه لشيء نادر الوجود ولا تقع عليه العين دائما !
ابتلع (شادي) ريقه بتصلب وهو يرمش بعينيه عدة مرات بتركيز عندما انتبه بأنها لم تعد تنظر له وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه ببرود ، كانت (ماسة) بهذه الاثناء ترجع خصلات شعرها المبللة خلف اذنيها بهدوء قبل ان تعود للسير باتزان وهي تتمسك بحزام حقيبتها على كتفها بقوة ، لتعود لمسار سيرها بلحظات نحو بوابة المنزل الخارجية متجاهلة النظرات المشحونة بمشاعر متضاربة وهو يتتبع كل حركاتها بتمعن وببطء شديدين وشكل عينيها البحريتين لا يبارح ذهنه بتاتا ! وكل الذي يريد معرفته إذا كان ما رآه بعينيها دموع حقيقية ام تكون مجرد قطرات ماء عالقة من مياه النافورة وما زادها تأثير برودة الطقس عليها ؟يتبع.........
![](https://img.wattpad.com/cover/325623326-288-k203063.jpg)
أنت تقرأ
بحر من دموع
General Fiction"كل من ينظر إلى عينيها يلمح الجمود والقوة بهما لتضلله بنظراتها الثابتة وهي تنظر لكل من حولها بعدم مبالاة متعمدة لتدوس على كل ما يطأ قدميها بعنف قاسي مبالغ به ليتحول لرماد من تحت ضغط قدميها ، بينما هو من بين الجميع استطاع ان يلمح دموع متدفقة بعينيها...