الفصل الرابع والعشرون

198 6 1
                                    

كانت جالسة تحرك الملعقة بداخل كوب قهوتها بحركة رتيبة بدون توقف وكأنها بهذه الطريقة تلهي نفسها بعمل اي شيء يجلي انتباهها بعيدا عن كل ما يدور من حولها ، وخاصة عندما تجلس الطبيبة النفسية بجوارها والتي تأخذ عدة ادوار تتمحور كلها حولها وكأنه ليس لديها سوى هذه الدمية لتلعب معها وتجرب عليها كل ما يحلو لها من جرعات التفاؤل والبهجة والموصوفة من قبلها ، بدون ان تعلم بأنه لن يجدي معها شيء سوى بإضاعة وقت كليهما وإرهاق نفسها بدون اي نتيجة ترجى وترضيها !
تأففت بنفاذ صبر وهي تتنقل بنظراتها بالقاعة الفارغة قبل ان يحين موعد العشاء بدقائق ، ولم تحضر المائدة سوى رغبة بالهروب من ذلك المزعج والذي لا تستطيع التكهن بطبيعة تصرفاته وهي تتوقع بأي لحظة ظهوره المفاجئ امامها ليرخي دفاعاتها كما حدث بمساء الأمس ! لذا تحتاج لتحصين نفسها اكثر بحواجز منيعة استعدادا لأي مراوغة قد تصدر منه ستأثر على كيانها بأكمله وتدك حصونها الهشة من جديد ، على الأقل حتى تصل للحقيقة الكاملة والتي تريح صراعاتها الداخلية بالحياة والتي انشبت بساحة عقلها منذ سنوات !
تجمدت اصابعها على طرف الملعقة ما ان عادت من شرودها لصاحبة الصوت الصارم الحزين
"ماسة هل تسمعينني ؟ ام انني كنت اتكلم مع نفسي فقط !"
زمت شفتيها وهي تعود بنظرها لكوب قهوتها البارد هامسة بوجوم
"نعم يا روميساء ، سأحاول المشي على نصيحتك بحذافيرها واكون مبتهجة وسعيدة على الدوام ولا افكر بشيء يعكر عليّ سعادتي بهذا الزواج والذي انتهى بهروب زوجي لخارج البلاد"
عقدت (روميساء) حاجبيها بيأس وهي تزفر انفاسها هامسة باستياء حانق
"حقا حالتكِ ميؤوس منها ! بعد كل هذا الكلام المطول ما تزالين على نفس كآبتك والغير مجدية معها شيء ! ماذا افعل من اجلكِ اكثر من هذا ؟"
حركت رأسها ببرود وهي تهمس بشبح ابتسامة ساخرة
"ربما لأنني كائن كئيب بطبيعتي !"
تنفست بهدوء لوهلة وهي تريح خدها على راحة كفها لتهمس بلحظة بهدوء
"كيف كانت جامعتك اليوم ؟"
تجمدت ملامحها بلحظة وهي تتابع الدوائر الصغيرة والتي تشكلت على سطح القهوة بثواني ، لتعض بعدها على طرف شفتيها بقوة محاولة تهدئة الفوران بخفقات قلبها على طيف ذكريات الصباح والتي اسرت عقلها بأسوارها ، لتهمس من فورها بجمود بدون ان تبدي اي اهتمام بما تقوله
"لم اذهب لها اليوم"
اخفضت يدها بسرعة وهي تلتفت ناحيتها بذات اللحظة قبل ان تهمس بخفوت مستنكر
"ولماذا لم تذهبي اليوم ؟ لم اعرفكِ مستهترة هكذا بخصوص الدوام على جامعتك !"
ادارت حدقتيها الزرقاوين بملل وهي تتمتم باستهزاء عابس
"يبدو بأنني قد اصبحت مستهترة كثيرا بالآونة الاخيرة !"
ضربت على طرف الطاولة بقبضتها بجمود وهي تقول بغضب معاتب
"ماسة ألن نتوقف عن هذه الاجابات الساخرة ! تكلمي معي قليلا واخبريني بكل ما يعتمل بدواخلك ، فأنا قد تعبت من مهمة مساعدتك وانتِ لا تساعديني !"
حركت كتفيها ببرود وهي تهمس بخفوت باهت
"وها انا اتكلم معكِ كالمعتاد مثل كل يوم ! ماذا اقدم لكِ اكثر من هذا ؟"
زمت شفتيها بغضب وهي تمسك بكتفها بقوة هامسة بابتسامة انحنت بحزن
"انتِ لستِ صادقة مع نفسكِ يا ماسة ، فرغم كل الوقت والذي نقضيه معا وليس الآن فقط بل منذ وفاة والدتنا وانتِ دائما تصنعين الحواجز بيننا وتكذبين كل شعور وكل كلام كان يجتاح مجال حياتك ! وكل ما اتمناه ان تكوني صادقة معي ولو لمرة واحدة !"
شحبت ملامحها بخطوط دقيقة نحتت ببشرتها الرخامية وهي تخفض يديها هامسة بهدوء
"هل هذا كل ما لاحظته ؟"
ارتفع حاجبيها بدهشة وهي تهمس بعبوس
"ماسة انتِ......"
قاطعتها وهي تلتفت نحوها بلحظة هامسة ببسمة طفيفة
"هل تريدين شرب كوب قهوتي ؟ فقد اصبحت باردة ولم تعد تنفعني بعد الآن !"
رمشت بعينيها الخضراوين بصدمة وهي تخفضهما لكوب القهوة الخاص بها والذي فرغت من تحريكه بدون ان تقربه من فمها ! لتعود بسرعة للنظر لها هامسة بوجوم
"انا حامل لا استطيع شرب المنبهات ! هل نسيتِ ؟"
اخفضت نظراتها لكوب قهوتها لثواني وهي تهمس بابتسامة مرتخية بالتواء
"صحيح عليكِ الحفاظ على وريث المستقبل"
امتعضت ملامحها وهي تلوح بذراعها بقوة هامسة بغضب مغتاظ
"فقط اريد ان افهم لما تحضرين القهوة دائما بما انكِ لا تحبين شرب القهوة ؟ متى ستتوقفين عن هذه العادة !"
ردت من فورها بشرود خافت
"يبدو بأنني سأحتاج لوقت اطول حتى اتوقف عن هذه العادة !"
حكت جبينها بغضب وهي تهمس من بين اسنانها بحنق
"يا إلهي ! حقا انتِ غير معقولة ؟"
حادت بحدقتيها الزرقاوين نحوها لوهلة قبل ان تهمس بخفوت غابت معه كل ملامح السخرية
"اهدئي يا روميساء فأنتِ تؤذين نفسكِ بكل هذه العصبية ، واساسا كل هذا لم يعد له داعي ! فقد عاد بالفعل"
صمتت للحظات وهي تحدق بها بذهول لتهمس بعدها باستغراب حائر
"من هو الذي عاد !"
قبضت على يديها بحجرها اسفل الطاولة بدون ان تظهر اي انفعال سكن بدواخلها وتفاصيلها بلحظة ، لتهمس بعدها بمنتهى البساطة بدون اي تعبير يعلو محياها
"اقصد زوجي الذي عاد من السفر بمساء الأمس ، وايضا نام ليلته بغرفتي"
اتسعت مقلتيها الخضراوين بانشداه لبرهة وهي تحاول النطق بتشتت افكارها هامسة باستياء خافت
"ماذا ؟ متى حدث هذا ؟ ولماذا لم تخبريني ؟"
نظرت امامها بدون اي حياة وهي تهمس بابتسامة غامضة معيدة نفس العبارة والتي مرت على ذهنها بلحظة
"لم اجد هناك داعي لأخبارك ! فقد كنت اعلم بأنكِ ستكتشفين الأمر بنفسكِ فور رؤيته بالمنزل ! أليس هذا منطقي ؟"
عبست ملامحها بجمود وهي تنظر بعيدا عنها هامسة ببؤس
"لا فائدة ترجى منكِ !"
وجهت كليهما نظراتهما لأول الداخلين للقاعة من صوت حذائيها المزعجين والذين كانا يقرعان على الأرض بفجور يكادان يخترقانها ، يتبعها (احمد) الذي ما ان لمح وجودهما وحيدتين بالقاعة حتى قال بترحاب بشوش
"مساء الخير يا بنات مايرين ، ارى بأنكما مبكرتين جدا بالحضور على غير العادة !"
ابتسمت (روميساء) بحياء وهي تدس خصلات شعرها الطويلة لخلف اذنها لتلهي نفسها عن فورة مشاعرها المضطربة بعلاقتهما الوليدة والتي ازدهرت من جديد ، لتقول بعدها بلحظات بابتسامة متسعة بسعادة غامرة
"مساء النور يا احمد ، لقد كنا انا وماسة نفكر بقضاء الوقت بالكلام مع بعضنا حتى يحين موعد العشاء مع العائلة"
اومأ برأسه بابتسامة قوية بنفس سعادتها الغامرة وهو يتواصل معها بأسلوبهما الخاص بالحديث العاطفي الصامت بدون ان يشعر احد بما يدور بدواخلهما ، لتتدخل التي وقفت بجواره وهي تكتف ذراعيها هامسة بسخرية عابسة وكأنها تحاول ضبط نفسها بشق الأنفس عن تشويه تفاصيل علاقتهما والتي تبعث المرارة بداخلها دائما
"ولم يحلو لكما الحديث سوى بقاعة الطعام المخصصة لتناول الوجبات مع العائلة ؟ ام ان هذا هو مكانكم الحقيقي بالمنزل !"
غيم الصمت بينهم للحظات طويلة قبل ان يتكلم الذي كان يبتسم باتزان وهو يحيد بنظراته نحوها بقوة
"لا تهتمي لكلامها يا روميساء ، فأنتما افراد مميزين ومدللين بهذه العائلة وتستطيعون الحلول بأي مكان يعجبكم ويروق لكم بالمنزل ، فهذا منزلكما كذلك"
اومأت برأسها بابتسامة بهتت قليلا بدون اي شعور ، لتقول من فورها وهي توجه كلامها لصاحبة التعابير العابسة بسخط
"كيف حالكِ يا سلوى ؟ وكيف حالة والدتك الآن ؟"
ردت من فورها باشتعال محتقن
"هذا ليس من شأنك !"
تدخل مجددا وهو يقول بابتسامة هادئة بجدية
"اجل بخير يا روميساء ، فقد رأيتها بنفسي واطمأننت عليها وهي بصحة جيدة الآن"
ابتسمت (روميساء) بشحوب وهي تتنهد براحة بدون كلام آخر ، بينما كان (احمد) ينظر لها بغضب مستعر يحمل تهديد خفي بينهما وصلها جيدا فقد نطق به على اسماعها عشرات المرات طول طريق عودتهما للمنزل
(احذري فقد اصبح سركِ معي)
لكنها مع ذلك تجاهلته كما تفعل عادةً وهي تتقدم لتجلس على اقرب كرسي بغرور متعالي ، لتوجه نظراتها لفريستها الجديدة والتي كانت ساكنة بدون ان تبادر بالمشاركة مع حديثهم ، وهي تقول لها بابتسامة متمايلة بخبث مزجته مع حقدها لكي تداري به كسورها
"انا ارى عروس عائلتنا هنا ! كيف حالكِ يا ماسة لم اركِ منذ فترة طويلة بعد الزفاف ؟ اتمنى ألا تكونين ما تزالين تعانين من جروح ترك زوجكِ لكِ بعد عودتكما من شهر عسلكما ، ولم يكد يمر الكثير على زواجكما الذي حدث بسرعة بدون ان تأخذ فترة التعارف بينكما وقتها ! ولكن هذا متوقع عندما لا يكون هناك توافق بين الشريكين والذين يكونان النقيض عن بعضهما بكل شيء ليؤدي بالنهاية لدمارها بسبب اساسياتها الخاطئة ومن ضمنها امور التنشئة وطبيعة المعيشة والتفكير ، لذا لا تحبطي فهذا هو قدرك المحتوم يا عزيزتي !"
احتلت الصدمة وجوه ثلاثتهم وهم ينظرون لها باستنكار وبمشاعر متداخلة تشابكت معهم وتنافرت بلحظة خاطفة ، ليخرج عن صمته الذي كان يحك جبينه بغضب وهو يهمس بخشونة خافتة
"سحقا لكِ يا سلوى !"
توجهت العيون المتسعة ناحية التي تحركت بهدوء متوجس وهي تنهض عن مقعدها بسكون تام مثل هدوء العاصفة ، وبدون اي كلمة غادرت لخارج القاعة بخطوات ثابتة وهي تعبث الهدوء المريب بالأجواء من حولهم بعد ان انسحبت بدون كلام يتناقض عن شخصيتها العنيفة والتي لا تمرر اي كلام مهين نحوها مرور عابر وخاصة مع تلك الحاقدة والتي دائما ما ترد لها الإهانة بأضعافها ! لتتركهم بصدمة اكبر عن سابقتها وكأنها بالصمت توجز كل الكلام والذي كانت تريد قوله لها بسلاح جديد لم تستخدمه من قبل !
______________________________
سارت بخطوات هادئة بالرواق الطويل وبملامح متلبدة بسحب الغيوم الداكنة التي اعتلت محياها البارد بثواني...وهي تفكر فقط بكلام تلك الفاجرة والتي اصابت هدفها لأول مرة بعثت الشك واليقين بروحها الهادرة....فقد كانت تلاحظ دائما الاختلاف الكبير حول طبيعة علاقتهما والذي ينشب عنها كل خلاف يحدث بينهما والذي يدل على استحالة نجاح العلاقة بينهما...فقد نسيت تماما مع مرور السنوات السبب وراء كل دمار حالّ بالعلاقة بين والديها والذين لم يتوافقا بحياتهما يوما حتى افسدا كل شيء جميل كان من الممكن ان يبقى ذكرى جميلة بعد رحيلهما !...ولكن قدر هذه العائلة ان تتحسر على ذكرياتها البائسة والتي صنعوها لهما قبل فراقهما بأوقات زمنية متباعدة....وهو ما اعطاها فكرة عن سوء العلاقة التي تجمع قطبين متنافرين عن بعضهما ستؤدي بهما لفشل العلاقة بينهما مهما وصلت قوة متانة العلاقة بين الشريكين ستنتهي بالدمار مع سلسلة آلام لا تنتهي بمحور طبيعة تلك العلاقة المؤلمة .
وصلت امام غرفتها وهي تتنفس بوجوم وقبل ان تكمل تجمدت بمكانها لوهلة وهي تلمح الخادمة التي كانت تفرغ الخزانة من ملابسها لتدسهم بحقيبتها بحركات آلية ، ليرتسم العبوس على ملامحها بثانية انبثقت منها كل النيران المحبوسة بجوف روحها وهي تهمس بثورة بداية العاصفة
"عفوا ! ما لذي تفعلينه بغرفتي وامام خزانة ملابسي ؟"
انتصبت الخادمة بمكانها وهي تستدير نحوها بتوتر هامسة بابتسامة حاولت الحفاظ على تهذيبها
"اعتذر على اقتحام غرفتكِ يا آنستي ، ولكن هذه أوامر سيدك وهو الذي طلب مني جلب ملابسك...."
قاطعتها بغضب وهي تلوح بذراعها باستنكار
"تقولين سيدي !"
تلجلجت الخادمة بمكانها وهي تصحح كلامها قائلة بارتباك
"اقصد زوجك ، السيد شادي هو الذي طلب مني فعل هذا"
زفرت انفاسها بضيق واضح وهي تحاول الهمس بفحيح خافت شرس
"وما لذي طلبه منكِ السيد ؟"
اجابت من فورها بابتسامة مهذبة بلطف
"لقد طلب مني جلب ملابسك من غرفتك ونقلها لجناحك الجديد بالمنزل بأقصى سرعة ، ولم اقصد حقا إزعاجك باقتحام غرفتك !"
افترت عن شفتيها ابتسامة ساخرة بحقد ارتسمت على تقاسيم ملامحها بمهارة ، لتكتف بعدها ذراعيها بقوة وهي تهمس من بين اسنانها بقسوة باردة
"إذا كنتِ قد انتهيت هلا تكرمتِ واعدتي ملابسي لخزانتي بنفس الترتيب التي كانت عليه ؟ قد استطيع عندها التغاضي عن وقاحتك الاخيرة باقتحام غرفتي !"
اتسعت عينيها بوجل وهي تحاول التشبث بالحقيبة هامسة بعبوس متوجس
"اعتذر يا آنستي ، ولكن هذه هي الأوامر ، ارجو منكِ ان تتفهمي موقفي !"
احتدت ملامحها لوهلة بالغضب الكاسر والذي تحرر من قضبانه المسورة بثواني ، وبلحظة كانت تنقض عليها وهي تتمسك بحقيبتها بقوة صارخة بعنف
"اتركي الحقيبة من يدكِ حالاً ! اتركيها الآن"
تمسكت الخادمة بالحقيبة بكل استماته وهي تحاول الابتعاد عنها هامسة برجاء مرتجف
"ارجوكِ يا آنسة اتركيني اذهب ، فأنا موجودة هنا لأنفذ الأوامر ، ولا استطيع عصيان اسيادي"
ردت عليها بحزم غاضب وهي تزيد من سحب حقيبتها
"انا ايضا واحدة من اسيادك ، وعليكِ بإطاعة اوامري وترك ملابسي مكانها"
زمت شفتيها بارتعاش وهي تهمس بخفوت جاد
"ولكنكِ قد اصبحت الآن تابعة لسيدك والاكبر منكِ مرتبة ، يعني لديه حقوق اعلى منكِ تحتم علينا السير عليها كما تسير عليكِ كذلك"
تشنجت ملامحها لوهلة جمدتها عن الحركة تماما لتستغل الخادمة الفرصة وهي تسحب نفسها بعيدا عنها لتغادر الغرفة بأكملها ، افاقت من صدمتها بلحظات وهي تخرج بسرعة خلف الخادمة تنوي اللحاق بها ، قبل ان تصطدم بقوة بالكائن الذي ظهر امامها فجأة عند باب غرفتها بدون ان تشعر بوجوده .
تراجعت للخلف بسرعة وهي تحك انفها المحمر بألم من الاصطدام القوي الذي حدث من لحظة ، لتتنفس بعدها بغضب وهي تهمس بسخط خافت
"اللعنة عليكم"
انتفضت بمكانها ما ان وصلها صوت المقابل لها بتسلية واضحة
"هل تقصدينني بكلامكِ ؟"
رفعت وجهها بارتجاف طفيف وهي ما تزال تشدد على انفها بأصابعها بقوة ، ليبتسم بعدها بالتواء ساحر وهو يهمس باهتمام
"يبدو بأنكِ قد اصبتِ انفك بالأذى بفورة غضبك العارمة !"
اخفضت يدها بقوة وهي تهمس بشراسة عادت لاجتياح كيانها بجنون
"اتعلم بأنني اكرهك بشدة لدرجة تشعرني بالرغبة في قتلك !"
ارتفع حاجب واحد بدهشة وهو يميل بوجهه قريبا منها هامسا بإعجاب ساخر
"لا بأس بذلك ، فقد اعتدت على نواياكِ الاجرامية حتى تأقلمت معها ، وهذا اجمل ما فيكِ يا زوجتي المجرمة !"
زفرت انفاسها بتأفف غاضب لتلوح بلحظة بذراعها جانبا هامسة باستياء حانق
"هل انت من ارسل تلك الخادمة الغبية لتقتحم غرفتي بدون إذني وتعبث بأشيائي الخاصة وتسرق كل ملابسي ؟"
حرك رأسه بضحكة صغيرة مذهولة وهو يهمس بتأنيب خافت
"اعتقد بأنكِ تبالغين بنعت الخادمة بالغبية والسارقة ! فهي لم تفعل شيء سوى تنفيذ الأوامر المعطاة لها وما ينطوي عليه دورها بهذا المنزل ، وانتِ بتصرفاتك هذه كنتِ تعيقين سير عملها !"
عضت على طرف شفتيها بغيظ وهي ترفع رأسها بإيباء هامسة بعبوس ممتعض
"اعتذر يا سيدي إذا كنت قد ازعجت خادمتك الغبية بمهمة سرقة ملابسي ، ولكني لا اتسامح ابدا مع الذي يقلل من احترامي ويعبث بممتلكاتي الخاصة مهما كانت مرتبة هذا الشخص بحياتي ، فكل شيء اتهاون معه ألا الذي يخالف توقعاتي !"
عقد حاجبيه بجمود وهو ينظر لوجهها القريب منه بلمحة خاطفة ليهمس بلحظة بغموض
"وهل انا من ضمن تلك القائمة يا ألماستي ؟"
اتسعت حدقتيها الزرقاوين بتموج غائم وهي تهمس بلحظة بوجوم
"بالطبع انت كذلك فقد خالفت توقعاتي اكثر من مرة !"
تشنجت زاوية ابتسامته ببرود قلبت تعابير ملامحه للسكون التام وهو يهمس باستهزاء خافت
"ربما لأنني بلا رحمة كما اشرتِ واخبرتني سابقا !"
اخفضت نظراتها بارتجاف لحظي وهي تتنفس باشتعال ما يزال يثور بروحها الهائجة بتقلب مستعر ، ليعود للكلام مجددا وهو يبتسم بجدية هادئة
"يبدو بأن لديكِ الكثير من الكلام تودين قوله لي بهذه اللحظة ، وليس من اللائق التكلم هنا على مسمع من الجميع وامام ساكني المنزل ، لذا ما رأيكِ بالتوجه مباشرة لجناحنا الخاص بنا وحدنا والذي كان ينتظر قدومنا بفارغ الصبر ؟"
قبضت على يديها بغضب وهي ترفع رأسها بقوة لتنظر له بعينين واسعتين بتحدي هامسة بغيظ
"وإذا رفضت ماذا ستفعل ؟ هل ستدخلني بالحقيبة وتأخذني عنوة لجناحك كما فعلت بملابسي بدون الاخذ بإذني ؟"
اتسعت ابتسامته مع بريق احتل عينيه السوداوين بلمعة خطيرة وهو يقبل تحديها السافر بمتعة جديدة ، ليقترب اكثر من وجهها حتى اصبح لا شيء يفصل بينهما وهو يهمس امام بشرتها بصوت اجش خافت
"ولماذا اتعب نفسي بنقلك للحقيبة بينما استطيع حملكِ بنفسي بسهولة اكبر بدون اي عناء ؟ أليس كذلك !"
انفرجت شفتيها بذهول لثواني جعلتها تغفل عن قبلته السريعة والتي طبعت على طرف انفها المحمر بقوة ، لترمش بعينيها بصدمة بسرعة عشرة بالثانية هزت كيانها وهي تحاول العودة لتقييد فورة المشاعر التي خرجت عن السيطرة ، وقبل ان تدرك وضعها كان يحملها عاليا حتى قلبت العالم امامها رأساً على عقب ليحط نصف جسدها العلوي متدلى على ظهره وساقيها تتأرجحان امام صدره وذراعيه تحاوطان خصرها بقوة وكأنه يحمل على كتفه شوال من الطحين وليس جسد بشري !
شهقت بعنف وهي تضرب ظهره بقبضتيها بعشوائية وشعرها المشعث الطويل يتراقص امام وجهها بغجرية مترافق مع حالتها ، وهي تصرخ بغضب احمر معها وجهها باحتقان هبوط دمائها لرأسها
"انزلني يا مجنون ! ماذا تظن نفسك فاعلا يا كتلة العظام الخرقاء ؟"
كان يسير بها بالفعل باتجاه الممر المؤدي لجناحهما وهو يربت على خصرها بذراعيه المعانقين لها هامسا بابتسامة متسعة بشقاوة
"اهدئي يا ايتها الفرسة الجامحة ، من اجل ألا اضربكِ على مؤخرتك حتى تحمر من الألم عقابا لكِ على تمردك على رئيسك !"
احمرت ملامحها بإحراج اكبر ممزوج بالقهر الشديد تكاد تنفجر من غيظها بهذه اللحظة بالذات ، لتنتفض بارتجاف الغضب الهستيري مكورة قبضتيها فوق ظهره قبل ان تصرخ بلحظة بعصبية افلتت زمامها وهي تنفخ على خصلاتها بثورة
"اللعنة عليك يا شادي الفكهاني ، اللعنة عليك وعلى امثالك !"
وقفت ببداية الممر التي كانت تشاهد الوضع بعيون متسعة بوجل وبشفتين منفرجتين بصدمة وهي تهمس بابتسامة مرتجفة بسعادة خفية
"يبدو بأن علاقتهما لا تسير بالطريق الصحيح ، ولكن بما انهما ما يزالان متوافقان معا ولم يصل الامر للانفصال بينهما فلا بأس بذلك ! كل ما اتمناه ألا تسوء الاوضاع بينهما اكثر من هذا ، فقط لو تفتح ماسة قلبها له فستتغير امور كثيرة بحياتها وقد تكون عندها بداية قصة حبها !"
______________________________
وصل بها للجناح الخاص بهما وهو يدفع الباب بقدمه ليدخل بخطوات واثقة بأريحية قبل ان يغلق الباب من خلفه بنفس الطريقة وهو ما يزال يحمل فوق كتفه الجسد المتدلي والذي سكن عن الحركة تماما ، وما ان وقف بمنتصف بهو الجناح حتى انزلها عن كتفه برفق وهو يثبت قدميها على الأرض وكأنه يتعامل مع طفلته الشقية صعبة المراس !
رفع كفه وهو يبعد خصلات شعرها الطويلة عن وجهها المحمر بفرط غضبها برفق ، لتمسك بلحظة معصمه بقوة بدون ان تسمح له بالاستمرار اكثر وهي تخرج عن صمتها هامسة بغضب متهدج ما يزال يسيطر على انفاسها المستعرة
"هل انتهيت من هذه المهزلة ؟"
قطب جبينه بصمت لبرهة وهو يقترب اكثر من وجهها لينفخ على خصلات غرتها الطويلة التي تعلو عينيها هامسا بصوت اجش متسلي
"نحن لم نبدأ بعد يا عزيزتي !"
عبست ملامحها بارتجاف وهي تفلت معصمه بسرعة لتتراجع للخلف عدة خطوات قبل ان تهمس بخفوت حاد
"هلا توقفت عن هذه التصرفات ؟"
تنفس بهدوء وهو يكتف ذراعيه بتصلب قائلا بابتسامة مائلة بمغزى
"وإذا لم افعل ! فماذا ستفعلين يا ألماستي ؟ ماذا بمقدورك ان تفعلي ؟"
اطبقت على اسنانها بغضب شرس احتل كيانها وهي ترفع يدها لتلوح بأصبعها السبابة امامه هامسة بانفعال مهدد
"إياك واللعب بالنار يا شادي ! لأني لن اقبل بتجاوزاتك معي بعد الآن ! وقد اعذر من انذر !"
ارتفع حاجبيه بدهشة وهو يصفر بإشارة الإعجاب الساخر ليهمس بعدها بخفوت عابس بمتعة
"حسنا يا عزيزتي المجرمة ، وانا مستعد لقبول هذا التحدي ، بشرط ان احصل بالمقابل على ليلة كاملة معكِ وعيش تجربة شهر العسل من جديد ! فأنتِ لا تعلمين إلى اي مدى وصل بها توقي لتلك الليالي الحميمية الدافئة بأيام شهر عسلنا !"
عضت على طرف شفتيها بامتقاع لون وجنتيها باحمرار دموي وهي تتنفس بارتعاش متخبط على ذكرى كلامه ، لتتمالك نفسها بلحظة وهي تهمس من بين شفتيها المرتجفتين بغضب مستعر طغت عليها بحة مجنونة
"توقف عن تحويل كل شيء يحدث بيننا لتحدي ساخر بسبيل متعتك الخاصة !"
ضحك بهدوء اقرب للسخرية وهو يتمتم بجفاء بارد
"انا الذي احول كل شيء لتحدي ام انتِ يا صاحبة الكبرياء العالي ؟"
اشاحت بوجهها جانبا بغضب وهي تقبض على يديها بلحظة لتهمس بعدها بهدوء ظاهري بحزم
"كل ما تقوله لن يغير رأيي بأمر منتهي الجدال به ! لذا ارحنا من هذا العناء واتركني ارحل بحال سبيلي ، أليس افضل من كل هذه العراكات الفارغة ؟"
تجمدت ملامحه بعيدا عن الهزل وهو يحرك رأسه بتلك الطريقة المتحدية قائلا بجمود
"حاولي الرحيل عن مجال حياتي وسترين ما سيحدث ! هل انتِ حقا بقدر هذا التحدي ؟"
زمت شفتيها بغيظ وهي تتحرك من امامه هامسة ببرود
"افعل ما شئت ، فأنا خارجة من هنا"
ولكن ما ان حاولت فتح باب الجناح حتى وجدت اليد التي اغلقته بعنف وهي تستند عليه بقوة الصقتها بسطح الباب بلحظة ، تنفست بارتعاش سرى على طول ظهرها لوهلة ما ان اسند يديه فوق سطح الباب الخشبي بقوة وجسده يحاصرها من جميع الجهات بتقييد محكم تكاد تغوص بالباب امامها بدون سبيل للإفلات .
حركت وجهها جانبا بصعوبة وهي تهمس بشهيق خافت
"ابتعد عني يا مجنون ! هل تفكر بخنقي ؟"
ابتسم بهدوء غامض وهو يقترب من قمة رأسها ليريح ذقنه عليه هامسا ببرود
"وماذا تظنين مثلا ؟ هذا افضل عقاب عادل ناحية زوجة متمردة مثلك ، من اجل ان تتعلمي ألا تتهاوني بأوامر زوجك مرة اخرى والاستخفاف بصدق تحدياته والتي لا تخيب !"
زفرت انفاسها بهياج وهي تحاول اشاحة وجهها بعيدا عن الباب هامسة بغيظ اكبر
"اشك بأن يكون هناك ذرة عقل برأسك ! فليس هناك رجل يفعل كل هذا بزوجته ألا إذا كان هناك شيطان قد تلبسه !"
حبست (ماسة) انفاسها باهتزاز سكن دواخلها ما ان اخترقت ضحكته الرجولية كيانها وهو ملتصق بها بكل هذا القرب ، لتغمض بعدها عينيها بشدة ما ان وصلت انفاسه لأذنها وهو يهمس بتجويفها بأثارة خافتة
"تعجبني كثيرا تعبيراتك الساخرة وتحليلك للموقف بكل مرة بهذه الطريقة الخرقاء ! فهي تضحكني كثيرا وتثير متعتي بشكل غير متوقع !"
غرزت اسنانها بطرف شفتيها لا شعوريا وهي تهمس بحقد
"سحقا لك من متلاعب !"
تنفس فوق رأسها وهو يطير خصلات شعرها بأنفاسه للحظات قبل ان يقول بابتسامة هادئة برفق
"انا ارى بأن الاستسلام هو افضل حل بحالتكِ هذه بدل القتال هكذا بحرب خاسرة ! ولا تنسي يا ماسة انتِ ما تزالين زوجتي لهذه اللحظة والعصيان والتعنت بالرأي لن يفيدك بشيء امام الرضوخ للوضع الراهن وموقعك الحالي ! لذا اختصري علينا الطريق ودعينا نعيش الحياة الجميلة بين اي زوجين خلقا ليكونا معا بلحظات السعادة والحزن"
ضمت شفتيها بوجوم لوهلة وهي تستمع لصوت ضربات قلبه على ظهرها مثل انفاسه التي تلفح رأسها وعنقها ببردة قاسية ، قالت بعدها بابتسامة باهتة شقت طرف شفتيها بمرارة
"ألم تفهم بعد يا شادي ! نحن النقيض عن بعضنا تماما فرق الأرض عن السماء واختلاف الشمس عن القمر ، إذا ظهر احدهما يتحتم على الآخر الاختفاء ليطغى وجود واحد منهما على وجود الآخر ، ومهما حاولنا فلن يجتمعا سويا لأنهما غير مقدرين لبعضهما ولم يخلقا ليكونا معا ، وإذا حدث واجتمع كليهما معا فستكون هناك كوارث طبيعية وحوادث ستؤدي عن علاقتهما الكثير من الآلام واوجاع ستبقى وصمة بحياتهما مدى الحياة"
غيم الصمت القاتم بينهما بشحنات متنافرة بعثت البرود بالأجواء من حولهما ، لتشعر بعدها بالحصار ينزاح من حولها بدون ان يبتعد عنها وهو يتبعها بهمس خافت بجفاء
"هل هذا هو تحليلك لعلاقتنا الاستثنائية ؟ يبدو بأن امركِ ميؤوس منه حقا !"
تصلبت بمكانها لوهلة وهي تستدير للخلف ببطء شديد ارتجفت معها اطرافها قبل ان تستقر واقفة امامه وهي تهمس امام عينيه بعزم خافت
"هذه الحقيقة والتي لا تدركها يا شادي ! وانا لا امزح هنا ! لو كنا حقا مقدرين لبعضنا لما وجدنا كل هذه الاختلافات بيننا والتي ستودي بعلاقتنا للنهاية"
عقد حاجبيه بتصلب غزى محياه بلحظة وهو يحاول الابتسام بجمود قبل ان يمسك بذقنها بلمح البصر بقوة وهو يواجه نظراتها الغائمة ، ليقول بلحظات بهدوء جاد متسلط
"حسنا سأخبركِ الآن بنظرتي لعلاقتنا الفريدة ، انا ارى بأن اجمل ما بها هو الاختلاف والذي يكمن نقطة النجاح بها ، فقد نسيتِ معلومة مهمة بأن القطبين عندما يتشابهان يتنافران وعندما يختلفان يتجاذبان ، ونحن مثل هذين القطبين تماما فقد خلقنا لنكون مختلفين وبذات اللحظة اصبحنا متجاذبين ، لذا مهما حاولنا الابتعاد عن بعضنا هناك قوة خفية ستعيدنا لما كنا عليه لأنها من تجذبنا هنا ومن تتحكم بطبيعة علاقتنا !"
انفرجت شفتيها بأنفاس مضطربة لثواني وهي تنظر له باتساع احداقها بآن واحد ، لتهمس ببهوت سيطر على نبرة صوتها الخافتة
"ولكنهما لن يستطيعا التفاهم ابدا وسيبقيان مختلفين بكل شيء !"
ابتسم بهدوء وهو يتلمس على ذقنها بأصبعه الإبهام بإثارة هامسا امام شفتيها باستمتاع
"وهنا تكمن المتعة الحقيقية كلما زاد الاختلاف بينهما اصبحت علاقتهما اكثر متعة وإثارة ، وايضا اختبار جيد لمعرفة قوة العلاقة كم ستدوم بينهما !"
ابتسمت بارتجاف وهي تتنفس بتخبط واضح لتهمس بعدها بضيق
"ماهر انت بالتلاعب بالكلام !"
ردّ عليها وهو يتنفس بصوت اجش ثائر
"وماهرة انتِ بالعبث بمشاعر صاحب الكلام !"
رمشت بعينيها الزرقاوين بلحظة قبل ان تشعر بمذاق قبلته الصامتة على شفتيها بشغف توقت مشاعرها وبعثت الخدر بجموح كيانها ، ابتعد عنها قليلا وهو يحاول السيطرة على مشاعره الهادرة والتي افلتت من قضبانها ، ليهمس من فوره بخفوت متهدج وهو يعانق خصرها بذراعه بقوة ساحقة
"ما رأيكِ ان نكمل هذا الكلام بوقت آخر ؟ فقد حان الوقت لنعبر عن قوة علاقتنا بطريقتنا الخاصة !"
امسكت بياقة قميصه بقوة وهي ترفع نفسها على اطراف قدميها لتصل لأذنه هامسة بها بانفعال مكبوت
"ارجوك لا تجعلني اندم على هذا !"
اتسعت ابتسامته بنشوة مع بريق منتصر سكن عينيه السوداوين وهو يحملها بين ذراعيه بخفة تختلف عن طريقة حمله السابقة لها ، وهو يحملها برقة بالغة اشعلت تخبطات القلوب بينهما من جديد وببداية ليلتهما الطويلة والتي تاقا إليها كثيرا ، ليتجه بها مباشرة ناحية غرفتهما ومكانهما الجديد والذي سيشهد على احياء علاقتهما بعد جفاء دام لأسبوع كامل بتشابكات حياتهما المتناقضة مثل قطبين متنافرين .
___________________________
كان يحدق بالأوراق بعيون تجردت من المشاعر وهو يقلب بين كل ورقة واخرى ببرود اكتسح ملامحه بطبقة صخرية تخفي كل انفعالات صراعاته الداخلية والتي ما تزال تطوف بداخل عقله لهذه اللحظة ، ليحاول كل جهده منذ ايام تلبس إمارات صرامته المعتادة بحكم عمله الذي لا يقبل التهاون او الكسل بطريقته التي لا تسمح للزلات بتغيير نمط حياته ، وهذا ما اصبح يشعر به بالآونة الاخيرة وعبث بأوتار حياته وهو يتهاون ويتراخى بطريقة لم تسبق ان حدثت معه من قبل طول مسيرته بالعمل بالتدريس ! وكله بسبب طالبة صغيرة اتعبت عقله وقلبه المتصارعين نحوها بآن واحد منذ ان اوقع نفسه اسير قضبان قصفها المثير !
تجمدت اصابعه على اطراف الورقة وتركيزه يتوجه مباشرة للباب الذي كان يخرج منه صوت الطرقات الخافتة التي تكاد تذوي بين ثنايا الباب الخشبي الاصم ، ليعود بسرعة بالنظر للورقة وهو يتلبس نفس الملامح الصارمة قائلا بصوت جهوري آمر مع علمه بهوية الطارق بالفعل
"ادخل"
سمع صوت انفتاح الباب ببطء شديد يكاد يشعر بلمسات اصابعها على المقبض المتحرك ليتبعها الصمت المرافق لها مثل هالة رقيقة تحوم من حولها ، حرك اصابعه على طرف الورقة بجمود وهو يكاد يفقد ما تبقى لديه من صبر حافظ عليه على مدار ساعات ، لتتوقف حركات اصابعه كما صراعات عقله بلحظة غادرة ما ان تهادى صوتها الهامس بنغمة الحزن الساكن بها برقة جديدة تكاد تودي به
"اعتذر على التأخر حقا ، اتمنى ألا تكون تحمل شيء اتجاهي !"
زفر انفاسه بكبت وهو يقول بجمود جاف بدون ان يبعد انظاره عن الورقة امامه
"لا بأس بذلك فقد اعتدت على إهمالك واستهتارك بمثل هذه الأمور !"
ردت بسرعة بارتباك واضح تبرر موقفها
"لا غير صحيح ، الحقيقة لقد واجهت حشد مروري بطريق مجيئي وهو السبب بتأخري بالوصول اليوم ، لذا ارجو منك ان تسامحني فلم يكن بمقدوري ان اصل بوقت ابكر من هذا !"
شدد على الاوراق بين يديه لوهلة وهو يضعهم فوق المكتب بسكون ، ليقول بعدها بهدوء جاد بدون اي تعبير
"حسنا ، هيا اجلسي مكانكِ لتستعدي للاختبار"
ارتفع حاجبيها الصغيرين بدهشة وهي تهمس بانشداه متوتر بتوجس
"هل هذا يعني بأنك قد سامحتني على التأخير ؟"
ردّ من فوره ببرود وهو يمسك بالقلم بجوار الأوراق
"لا بأس المهم بأنكِ قد وصلتِ قبل انتهاء الموعد ، لذا قدمي الاختبار بسرعة بغضون دقائق فلدي امور اخرى عليّ فعلها بعدها"
زمت شفتيها بارتباك وهي تشعر بنطق كلماته تتخلل بمفاصلها ببرودة غريبة لم تسمعها منه من قبل ! لتقول بعدها بعبوس مرتجف وهي تعقد حاجبيها بحزن
"ولكنك لم تجبني على سؤالي ! هل سامحتني حقا على تأخري ؟ فأنا لم اقصد التأخر اليوم صدقني"
قطب جبينه بتصلب وهو يعود للكلام بجمود اكبر
"اخبرتكِ بأنه ليس بالأمر المهم لتقلقي بشأنه ، وبدل هذه الثرثرة الفارغة قدمي الاختبار بسرعة فكل هذا سيضيع من وقتك !"
قبضت على يديها بقوة وهي تحاول ابعاد هالة الحزن من تطويق عينيها الغائمتين ، لتقول بعدها بلحظات بقوة وبإصرار اكبر
"لن افعل قبل ان تخبرني بأنك قد سامحتني حقا ! فليس من العدل ان تعاملني بهذه الطريقة القاسية وانا لم اقترف اي ذنب !"
شدد على القلم بين اصابعه للحظات وهو يشيح بوجهه جانبا بنفاذ صبر اوشك على النفاذ ، لتتسمر ملامحه بلحظة مع عضلة فكه بجمود ما ان اصبح الصوت قريبا منه وهي تهمس برقتها المنغمة ببحة حزينة
"ما بك اليوم يا هشام ؟ هل انت بخير ؟"
ادار وجهه بسرعة ناحيتها وهو يصطدم بلحظة بنظراتها لأول مرة بعد ان تعمد تحاشي النظر لها طول فترة وجودها امامه ومنذ لحظة دخولها للمكتب ، وها هي تصيب توقعاته مجددا بنظرة واحدة لتلك العينين العسليتين بلون غروب مزاجها بمزيج ألوانها الفاتنة والتي تتقلب حسب الهالة المحيطة بصاحبتها ، كما الآن وهي تنظر له بحزن بكل هذا القرب بان بعينيها الحائرتين بأجمل هالة قد تمر عليها امام عينيه المتربصتين لها بدون ان يفلت من فنون سحرهما واللتين اصابتا هذه المرة اعماق روحه المأسورة بها والمجروحة بذات الوقت !
تصلب فكه بلحظة وهو ينزع نظراته غصبا بعيدا عنها ليضرب بعدها على سطح المكتب بقوة وهو يهمس بقسوة صارمة
"احترمي نفسكِ يا غزل ! فأنتِ الآن متواجدة بمكتبي وتتكلمين مع استاذك ، لذا تكلمي معه باحترام قبل ان اغير اسلوبي معكِ"
اتسعت عينيها العسليتين بذهول وهي تبتعد عن مكتبه برجفة طفيفة هامسة بارتباك واضح
"ولكني لم افعل لك شيء ! كنت فقط اسألك إذا كنت بخير ، فأنت بدوت لي متعبا....."
قاطعها بتصلب اكبر وهو يوجه لها نظرات قاتمة لأول مرة تظهر بكل هذه القسوة
"وماذا عن مناداتي استاذكِ باسمه مجردا ؟ أليس هذا من قلة الحياء والادب ان تناديه باسمه وكأنه زميلك او قريبك بنفس الدفعة وليس استاذك والذي عليكِ ان تكني له كل الاحترام والتقدير ؟ ام ان هذا عليّ تعليمه لكِ ايضا بجانب مهام تدريسك الاخرى !"
انفرجت شفتيها بارتعاش وهي ترمش بعينيها بصدمة احتلت محياها بانذهال وهي تتلقى اوجع ضربة من بين مسيرة إهاناته السابقة لها ، لتخفض بعدها نظراتها بسرعة للأسفل بخمول سرى على طول اطرافها المنقبضة وهي تهمس بخفوت شديد
"ولكنني ظننت بأنك لا تمانع ذلك ، لأنك كنت سابقا....."
عاد لمقاطعتها وهو يضرب مجددا على سطح المكتب قائلا بجمود صخري
"ومن الذي اخبركِ بهذا الكلام ؟ ليس اني كنت اتغاضى عن اخطائك سابقا يعني عليّ ان اسامحك دائما واغفر لكِ زلاتك ! فكل شيء له حد بالنهاية ، وانتِ قد تجاوزت كل حدودك بوقاحتك الا متناهية بدون ان تأخذي مهنة التعليم والتي اقوم بها من اجلك على محمل الجد !"
شددت اكثر من القبض على يديها حتى لم تعد تشعر بمفاصلهما وهي تهمس بصوت باهت
"لقد فهمت يا استاذ هشام ، واعدك بعدم اعادتها مجددا ، ارجو منك السماح"
حرك رأسه بجمود بدون ان يتأثر بهالة حزنها والتي يستطيع لمسها بصوتها الذي اختفى منه كل لمحة حياة لتبقى فقط نبرة الحزن معلقة بثناياه ، قال بعدها بقوة وهو يقدم ورقة الاختبار امامها بعملية جادة
"هيا إذاً تعالي وقدمي الاختبار ، فقد اضعنا الكثير من الوقت بهذا !"
اومأت برأسها بطاعة وهي تتقدم ببطء لتتناول الورقة منه بدون كلام ، لتتوجه بلحظة جالسة على الاريكة امام المكتب بصمت بانصياع تام ، بينما الذي كان يراقب حركاتها وهو يحرك القلم بين اصابعه برتابة ليقول عندها بدون ان يمنع نفسه بكبت
"هل تحتاجين للقلم ام معكِ واحد ؟"
تغضن جبينه بوجوم وهو يلمح القلم الوردي والذي اخرجته من جيب سترتها بصمت لتبدأ بالكتابة به بدون ان تعير سؤاله انتباه ، تنهد بوجوم وهو يوجه نظراته من جديد للأوراق التي ما تزال قابعة امامه بانتظار ان يكمل عمله بها ، ليحاول بعدها التركيز بقراءتها وهو يجد صعوبة شديدة بالعمل بعد ان تشتت تفكيره وتبعثر كيانه وعلق بمكان آخر بعيد عن الاوراق تماما .
زفر انفاسه بضيق وهو يعود بنظره لنفس المكان والمسبب بضياع افكاره ، لتتسع عينيه بصدمة شلت حركة عضلات وجهه لثواني وهو يتتبع حركة التي كانت تكتب بأصابع مرتجفة نحيلة وجسدها يرتعش بنشيج صامت وهو يكاد يسمع شهيق انفاسها الخافتة تصله واضحة ! وكل هذا يدل فقط على شيء واحد ! يا إلهي هل يعقل بأنه قد دفعها للبكاء ؟
نهض بسرعة باستقامة وهو يدور حول المكتب بلمح البصر ، وما ان اصبح امامها على بعد خطوة حتى قال بجمود بدون ان يخفي نبرة الارتباك بصوته
"غزل ارفعي رأسكِ وانظري لي"
تسمرت بمكانها للحظات وهي تحاول خنق شهقاتها بصمت ارسلت الرعشة لكامل جسدها ، ليزفر بعدها انفاسه بضيق وهو يزيح الطاولة من امامها بقدمه ليجثو عندها على ركبتيه بلحظة وهو ينظر لوجهها المنحني بدون ان تسمح له برؤيته .
قال (هشام) بصرامة اكبر وهو ينظر لها بتركيز حاد
"غزل انظري لي وانا اتكلم"
حركت رأسها بهزة طفيفة بالنفي بدون كلام ، ليطبق على اسنانه بقسوة وهو يقول من بينهما بعبوس صارم
"غزل لا تعاندي وانظري لي"
رفعت وجهها امامه ببطء فصلته بعيدا عن عالمه لثواني ما ان وقع اسر احداقها الدامعة ببركة عسلية هائمة ببريق ألوان الطيف وهي تحوم فوق محياها الذابل والذي تناسب مع هيئتها الحزينة وكأنها خلقت لتكوّن تعبير عن كل حالة تمر بها !
قبض على يديه بقوة وهو يمنعها باستماته من الاقتراب من منطقة الخطر بعد ان بدأت من الافلات من قضبان حصونها العالية ، ليتنفس بعدها بهدوء ظاهري وهو يقول لها بابتسامة جادة برفق
"ماذا هناك ؟ لماذا تبكين ؟ هل ضايقتكِ بكلامي لهذه الدرجة ؟"
حركت رأسها باهتزاز وهي تمسح دموعها بكفها بارتعاش هامسة بعبوس
"هذا لأنك اصبحت تعاملني فجأة بقسوة وانا لم اخطئ معك بشيء ! لماذا تحب ان تقسو عليّ هكذا ؟"
تنفس بجمود اكبر وهو يحاول ان يهدأ انفعالات صدره والذنب بداخله يكاد يؤكله حيا بشعور بالألم لم يذقه بحياته ، ليتمالك نفسه مجددا وهو يقول بابتسامة هادئة حاول جعلها عاتبة
"كله بسببكِ يا غزل ، انتِ من تضطريني دائما للتصرف على هذا النحو باستهتارك الدائم بكل شيء ، بالرغم من اني انبهكِ دائما لتصرفاتك ولكنكِ لا تصغين !"
ارتفع حاجبيها ببهوت وهي تخفض يديها بلحظة هامسة بتبرم مستاء
"ولكنني اعتذرت منك اكثر من مرة ، ودائما اصغي إلى كلامك واسير على اوامرك بدون اي تذمر ، انت الذي تثور عليّ دائما وتغضب بدون اي سبب !"
نظر لها للحظات بغموض وهو يضيق عينيه بذكرى سريعة مرت على خاطره لوهلة ليقول لا شعوريا بجمود سيطر عليه
"بل انتِ السبب بكل ما يحدث لي يا غزل ! كيف تريدين مني ان اسامحك او ان اتعامل معك بطبيعية بعد ما سمعت من كلام دمر صورتك تماما بنظري ؟ انتِ....."
ابتلع ريقه بجمود وهو يحيد بنظراته جانبا بعد ان فقد السيطرة على زمام اموره بلحظة غادرة بدون وعي منه ، ليسمع بعدها بلحظات صوتها الحزين وهو يمزج مع بحة بكاء خافتة
"انا لا فهم اي كلمة تنطق بها ! لما تتكلم معي هكذا ؟ بماذا اخطئت معك ؟ اجبني ارجوك !"
تنهد بتعب يشعر به لأول مرة بكل هذا الحِمل يثقل على قلبه المنهك من كل هذه الاعباء بحياته الاجتماعية والشخصية والعاطفية ، ليخفض بعدها نظره للأسفل قليلا وهو يريح كفيه فوق ركبتيه هامسا بهدوء جاف
"لقد اخطئت مجددا واعدت نفس الخطأ السابق صحيح ! عندما جرحتكِ بأسلوبي بالكلام وكنت قاسيا معكِ كما فعلت الآن"
اتسعت مقلتيها الدامعة بتشنج واهي وهي تهمس بخفوت هادئ مالت معها ملامحها ببرود
"لا بأس يا استاذ هشام ، فقد تأقلمت بالفعل مع هذا النوع من القسوة ، فأنا بالنهاية فتاة متوحدة مثيرة للشفقة ولا استحق الحزن على الذات صحيح !"
انتصب رأسه عاليا وهو ينظر لها بذهول دام للحظة ، قبل ان تنقلب ملامحه بعزم طاف على محياه بإصرار وهو يقول باللحظة التالية بصوته الجاد العميق
"غزل اسمعي ، هل تقبلين الزواج بي ؟"
اخدت منها لحظتين قبل ان تتسع حدقتيها بأقصى اتساعهما وشفتيها تنفرجان ببطء مرتعش مكررة كلامه بهمس وجل خافت
"زواج ! ماذا ؟"
انتفض واقفا امامها بقوة ارهبتها ورجفت بدنها من رأسها حتى اخمص قدميها ، وهو يستدير بعيدا عنها امام مكتبه قائلا بهدوء جاد وبصوت حاسم كمن سلم امره للواقع
"لا بأس يا غزل ، انا سأعطيكِ وقتكِ بالتفكير على مهل بأمر عرضي المفاجئ لكِ ، وعندما تكونين مستعدة لا تنسي ان تخبريني بإجابتك ، سأكون عندها بانتظاركِ على احر من الجمر ، لا تتأخري"
تنفست بارتعاش وهي تراقبه بعينين مشدوهتين بصدمة اسرتها طويلا ، لتحاول بعدها النهوض بارتجاف وهي لا تقوى على الوقوف حتى كادت تقع اكثر من مرة على وجهها ، لتقف بالنهاية باتزان وهي تسرع بخطواتها باتجاه باب المكتب والذي لم تعد ترى غيره امامها وهي تهمس بآخر كلمة خرجت منها بشق الأنفس
"وداعا"
التفت (هشام) للخلف وهو ينظر للباب والذي تركته مواربا من خلفها ، لتحين منه التفاتة ناحية الطاولة وهو يلمح قلمها الوردي والذي يبدو قد نسيته بخضم الصدمات الاخيرة والتي تلقتها الواحدة تلو الاخرى !
تقدم نحو الطاولة بخطوتين وهو يلتقط قلمها الوردي بطرف اصابعه هامسا امامه بلحظة بابتسامة متسعة بانتشاء واضح
"ستعود على الاكيد ، تلك الشقية !"
______________________________
وزعت الملاعق فوق المائدة بترتيب مع الموائد والكؤوس الاخرى بطريقة توحي برقي وجمال صاحبته ، وما ان انتهت حتى تنهدت بشرود طاف على ملامحها لوهلة وهي تتأمل ترتيب السفرة بعين دقيقة وبتقييم سريع بعملها المنجز والتأكد بذات الوقت من عدم نسيان شيء ، لتتنفس بعدها براحة وهي تقف باستقامة عند رأس المائدة لتعتلي ابتسامة ناعمة محياها وهي تشرف على عملها بدون ان يغيب عن نظرها للحظة .
التفتت من فورها للخلف ما ان وصلها صوت التي تقدمت امامها وهي تهمس بانبهار مبتسم
"ما هذا الجمال الذي اراه ؟ ترتيب انيق وفخامة من اميرة جميلة صاحبة ذوق رفيع وايدي ساحرة بالعمل ! يبدو بأنني محظوظة حقا بالحصول على اميرة منزلية لا نراها كل يوم !"
اتسعت ابتسامتها بحياء وهي تتناول منها الطبق الاخير من السفرة هامسة برقة
"اعطيني هذا عنكِ يا عمتي"
وضعت الطبق بسرعة بمكانه المخصص له فوق المائدة لتكتمل صورة السفرة الحالمية امامها بدون ان تنقصها شيء ، لتربت (هيام) على كتفها برفق وهي تهمس لها بمحبة امومية
"احسنتِ عملاً يا عزيزتي ، بارك الله فيكِ"
اخفضت نظراتها قليلا وهي تهمس ببسمة خافتة
"شكرا لكِ ، هذا من لطفك"
اخفضت يدها عن كتفها بلحظة وهي توجه نظراتها بعيدا عنها هامسة بتفكير حائر
"ألم يخرج جواد من غرفته بعد عودته من العمل ؟"
غامت ملامحها لوهلة بحزن قيدها بهالته الساكنة وهي تقبض على يديها بصمت قاهر ، لتحرك بلحظة رأسها بالنفي بدون ان تنطق بحرف بعد ان التهمت المرارة لسانها الطويل المعتاد على الثرثرة والتي انعدمت من حياتها مؤخرا ، لتتابع (هيام) كلامها بحزن عميق تجلى بصوتها بعتاب موجوع
"ولكنه لم يعد يحضر مائدة الطعام معنا كما بالسابق ، حتى انه اصبح يتعمد دائما التأخر بالعمل وعدم رؤيتنا سوى نادرا ، وانا قلقة جدا على صحته بهذه الفترة ومن تصرفاته الغريبة والتي بدأت تخرج منه مؤخرا ، هل يعقل بأنه يخفي عنا سرا ما لا يريد البوح به ؟"
زمت شفتيها برجفة تخللت مفاصلها بقشعريرة على ذكر امر السر والذي يخفيه كليهما عنها بتلك الليلة الكارثية والتي انتهت بأبشع طريقة من الممكن ان تحصل بين زوجين ! لتنتفض لا شعوريا بوجل ما ان وجهت الحديث لها هامسة بلطف
"هل تعرفين سبب تغيره يا صفاء ؟"
نظرت لها بحدقتيها الواسعتين باهتزاز وهي تحرك رأسها مجددا بالنفي بقوة اكبر ، لتقول بعدها (هيام) بابتسامة هادئة بحنان تشربت بملامحها الشاحبة بلحظة
"حسنا يا صفاء ، انا سأذهب الآن لأطلب من جواد الحضور معنا على المائدة لنتناول العشاء سويا ، فأنا اعرف جواد جيدا بخصوص صحته فهو مهمل جدا بها بطريقة مستفزة تدعو للإحباط ، لذا يحتاج هنا لمن يهتم به ويقف فوق رأسه دائما ليعتني بصحته بدلا من ان يفعل ذلك بنفسه ! ولكنه سيبقى دائما شخص ميؤوس منه"
ارتفع حاجبيها بتوجس وهي تهمس بارتعاش لا إرادي
"تريدين منه ان يحضر معنا !"
عقدت حاجبيها ببطء وهي تهمس بابتسامة متسعة بعطف
"اجل هذا ما كنت اتحدث عنه"
تداركت نفسها وهي تلوح بيديها بتوتر هامسة بابتسامة ارتجفت على محياها
"اجل فكرة رائعة ! اتمنى ان يصغي إليكِ ويقدر قلقك عليه ، فنحن جميعنا نهتم بصحته هنا وخائفين من تدهورها ، والعمل لن يطير منه إذا تركه قليلا وحضر مائدة العشاء مع العائلة ، صحيح ؟"
اومأت برأسها وهي تربت على كتفها من جديد هامسة بحنان
"لا تقلقي يا عزيزتي ، فهو سيكون دائما بخير ما دمنا موجودين من حوله ونهتم به"
اومأت برأسها بشرود باهت بدون ان تعلق على كلامها ، لتغادر الاخرى بعيدا عنها لخارج قاعة الطعام بلحظات .
تنهدت بتعب تجلى على محياها بلحظة وهي تفكر بلحظة رؤيته امامها وهي لا تعلم بأي وجه ستنظر له وتواجهه بعد كل ما حدث ! فقد حاول كلاهما طول اليومين الماضيين تحاشي النظر كل منهما للآخر او مقابلته ولو بالصدفة ! فماذا ستفعل الآن بهذا الموقف العصيب والذي حوصرت به ؟
تأهبت حواسها وهي تستدير ناحية التي عادت بعد دقائق معدودة من مغادرتها ، لتتصلب بمكانها بأعصاب مشدودة ما ان وقفت الاخرى امامها بمعالم الحزن الظاهرة عليها ، لتحرك بعدها رأسها للأسفل بإشارة للخيبة وهي تهمس بأسى مضمور
"لم يوافق على الحضور ، وقد اصر على البقاء بمفرده بدون ان يتجاوب معي ، وكله بحجة العمل وكأنه لا احد يعمل بالعالم غيره !"
زفرت انفاسها ببعض الاسترخاء لوهلة وهي تحاول مواساة عمتها هامسة برقة وكفها تمسح على كتفها برفق
"لا داعي للحزن يا عمتي هيام ، فأنا متأكدة بأنه عندما يشعر بالجوع يمكنه تناول حصته من الطعام والتي ستكون جاهزة من اجله بالوقت الذي يرغب به بتناول الطعام ، فهو بالنهاية ليس طفلا حتى لا يعرف الوقت الذي يناسبه لتناول الطعام !"
عقدت حاجبيها بعزم وهي تمسك بذراعيها بحركة مفاجئة ارهبتها وهي تهمس لها بإصرار حازم
"صفاء ما رأيكِ ان تذهبي انتِ وتجربي اقناع زوجك بحضور المائدة وتناول الطعام معنا ؟ فقد يصغي إليكِ ويوافق إذا طلبت منه انتِ ذلك ! لذا ارجوكِ ان تذهبي وتحاولي معه فأنتِ املي الوحيد المتبقي بهذه المهمة"
انفرجت شفتيها بانذهال وهي تحاول التملص من يديها هامسة بتوتر مستاء
"ماذا ! لا اعتقد بأن هذا سيجدي ! إذا لم يصغي إليكِ انتِ لما قد يصغي لي انا ؟ هذا مستحيل....."
قاطعتها برجاء اكبر وبعيون سوداء مغمورة بالأمل وهي تشدد من القبض على ذراعيها بتمسك
"لا تقولي هذا الكلام يا صفاء ! فأنتِ تكونين زوجته واكيد مرتبتك تختلف عن مرتبتي بحياته ، وقد لا تدركين حقا مدى اهميتك بحياته والتي جعلتكِ تحصلين على لقب زوجته ، فأنا اعرف جواد اكثر من نفسي وهو ما يجعلني اثق واقول بأن هناك منزلة خاصة بكِ بحياته لم يصل لها احد من قبلك ولن يصل !"
كانت تحدق بها بانشداه اخذها على حين غفلة حتى كادت تصدق كلامها والذي لا ينطبق بأي شكل على ابنها الصخري ! لتهمس بعدها باضطراب مشتت معدوم المشاعر وكأنها تكلم نفسها
"اشك بأن يكون هناك شيء من هذا حقيقة !"
تغضن جبينها بوجوم وهي تشدد على ذراعيها هامسة بخفوت قلق
"صفاء ! هل تصغين لما اقول ؟......"
قاطعتها من فورها بابتسام طفيف بدون ان تصل لروحها
"حسنا ، اعتقد بأنني سأحاول ان اجرب !"
تهللت اسارير (هيام) بابتهاج وهي تفلت ذراعيها بلحظة لتمسح على شعرها هامسة بعطف وبرقة
"اجل هكذا اريدكِ يا عزيزتي ، وانا واثقة بأنكِ لن تخيبي ظني"
اومأت برأسها بابتسامة هاوية وهي تستدير بعيدا عنها لتسير من فورها باتجاه باب القاعة ، وبثواني كانت تجر قدميها بصعوبة ما ان اقتربت من اسوار باب الغرفة المقصودة والتي يقبع من خلفها الرجل الكاسر والذي لا يهاب شيء بجبروته العالي ، وتشك حقا بأن يكون يحتاج لمن يهتم بصحته ويعتني بغذائه وهو اقوى من ان يتأثر بمثل هذه الأمور !
تنفست بقوة عدة مرات وكأنها تجهز نفسها للمواجهة الحتمية والتي القت بها رغما عنها بساحة الحرب الطاحنة بين كبريائها وعاطفتها ، ابتسمت بخواء ساخر وهي لا تصدق لأي مرحلة وصلت بها حياتها الزوجية وكل هذا العناء والشقاء من اجل فقط مقابلة زوجها والذي لهذه اللحظة ما يزال يشكل خطر مهدد بحياتها العاطفية والمعنوية ؟!
زفرت انفاسها بتهدج وهي تمسك بمقبض الباب البارد بيد لترفع قبضة يدها المضمومة الاخرى وهي تطرق بها على سطح الباب بطرقات مترددة بخفوت غير مسموع ، وما ان نفذ صبرها من الانتظار بدون إجابة حتى ادارت المقبض وهي تفتح الباب ببطء شديد ، لتقول بعدها عند طرفه بدون ان تلقي نظرة للداخل وهي تحاول تمالك اعصابها المشدودة
"جواد هل تسمعني ؟ هل يمكنك المجيئ وحضور مائدة العشاء معنا ؟ فوالدتك مصرة على حضورك بشدة وتريد منك الاهتمام بصحتك وغذائك اكثر ! لذا......"
صمتت بوجل ما ان سمعت صوت ضجة طفيفة بالداخل بدون ان تحدد مصدرها ! لتدفع الباب بلحظة للداخل بدون ادنى تفكير وهي تنظر بصدمة شلت حركتها لثواني ما ان وقعت عينيها على الجالس خلف مكتبه بزاوية الغرفة ، وليس هذا ما سمرها عن الحركة تماما بل وضعية جلوسه الغريبة ورأسه مرتخية على ذراعه بدون اي حراك وصوت شخير خافت لا يترك مجال للشك بأن الجالس امامها نائم ! هل هو نائم بالفعل ام هي خيالات صحوتها ؟
غطت فمها بكفها بارتجاف منتفض عبث بنبضات صدرها المتخبط ببن لوعة ولهفة وخوف من اللحظة ، لتحاول بعدها الانسحاب ببطء شديد وهي تشكر ربها على الفرصة والتي اوهبها لها لينقذها من لحظة المواجهة ، قبل ان تتجمد بمكانها لبرهة وعينيها الواسعتين تتبع الملفات المتساقطة امام المكتب وسبب الضجة التي سمعتها عند باب الغرفة من لحظات !
ابتلعت ريقها بارتباك وهي تتقدم امامه بخطوات حذرة بذعر كان يزداد مع كل خطوة تقربها منه ، انحنت على ركبتيها ببطء وهي تلتقط الملفات من على الارض بحرص وبدون صوت ، لترتفع بعدها واقفة على قدميها وهي ترتب الملفات فوق سطح المكتب بأصابع خرقاء متعثرة .
حررت انفاسها براحة تسربت بعضلات اعصابها المشدودة لوهلة ، قبل ان تعلق عينيها على رأسه المستريح فوق ذراعه وهي تشرد بشعره الكثيف المبعثر بعض الشيء رغم نعومة خصلاته الواضحة ، لترفع بعدها كفها لا إراديا ما ان وصلت لنقطة لم تعد تستطيع التراجع بها ورغبتها بفعلها تفوقت على كل خوف كان يسيطر عليها فات الآوان على التفكير بعواقبها الوخيمة !
ابتسمت بلهفة غريبة وهي تمسح على شعره الناعم واصابعها الرقيقة تغوص بخصلاته بقوة لا شعوريا ، لتنزع يدها بعيدا بانتفاض استولى على كيانها بالكامل ما ان حدقت العيون السوداء بها بتركيز حاد شبيه بالصقور التي تستعد للانقضاض على فريستها بأي لحظة .
تشنجت بمكانها حتى كادت تغص بأنفاسها وهي تقبض على يديها خلف ظهرها بدون ان تستطيع ابعاد عينيها النديتين عن عينيه شبر واحد ، وما هي ألا لحظة حتى بدأت الرأس بالارتفاع بهدوء مهيب سلطها بمكانها للحظات وهو يلوي عنقه بيده بتأوه ليعدل من وضع جلوسه باستقامة ، وما ان انتهى من مهمة تصليب جسده المرتخي من النوم حتى عاد لجلسته المعتادة بشموخ وهو ما يزال يدلك على ذراعه التي كان ينام عليها ببعض الخدر .
عضت على طرف شفتيها بلوعة وهي تراقب كل حركات منحنيات جسده العضلي من تحت قميصه الداخلي باحمرار يكاد يودي بها بفرط شعورها ، لتتسع مقلتيها العسليتين بتوجس ما ان وصلها صوته الجليدي ببحة تعب اعطتها مهابة اكبر
"ماذا تريدين ؟ هل هناك من خطب ؟"
تعثرت بأنفاسها وهي تهمس بخفوت متخبط ما يزال يعلوها الاحمرار المفرط
"انا اتيت من اجلك ، اقصد من اجل ان اطلب منك ان تحضر مائدة العشاء معنا ، لأنك لم تعد تتناول طعامك معنا بانتظام وهذا قد يؤثر بصحتك !......"
قاطعها بنبرة صخرية ارتسمت بتقاسيم وجهه بلحظة
"لقد اخبرتكم من قبل بأني لا اريد تناول شيء ! لذا اخرجي من غرفتي حالاً واخبري التي ارسلتكِ ان تتوقف عن إلحاحها وتتركني وشأني"
ارتجفت بمكانها وهي تشدد من القبض على يديها خلف ظهرها هامسة بعبوس متشنج
"ولكن والدتك خائفة على صحتك ومن إهمالك بالاعتناء بنفسك ، لذا هي كل ما تريده منك ان تشاركنا بتناول الطعام معنا كما كنت تفعل بالسابق ، أليس هذا افضل من جعلها تقلق عليك وتفكر بك بكل وقت ودقيقة وانت غير مبالي بها ؟"
قطب جبينه بجمود وهو يخفض يده عن ذراعه قائلا بتصلب ساخر
"هل ترينني طفل امامكِ حتى لا استطيع رعاية نفسي والاهتمام بصحتي ؟ انا ما ازال بكامل قوتي وقادر على إدارة امور حياتي الصحية والمهنية بكل عقلانية ولم اصل للعجز بعد ليدفعكما لكل هذا الخوف عليّ !"
تبرمت شفتيها وهي تهمس بدون صوت ببعض الضيق
"لقد اخبرتها بذلك مسبقا !"
زمت شفتيها بارتجاف ما ان وجه نظرات حارقة نحوها تكاد تعريها بمكانها ، لتقول من فورها بعبوس محتقن بتلعثم واضح
"ولكنك كنت دائما تتناول الطعام معنا فيما مضى ! ما لذي غيرك هكذا حتى تتوقف عن حضور المائدة معنا ؟"
غيم الصمت الطويل بينهما بتنافر مشحون بالسلبية حتى اخرجت ذكريات تلك الليلة الكارثية بحياتهما الزوجية والعاطفية ، لتشيح (صفاء) بوجهها جانبا بارتعاش بعد ان تلاعبت الاجواء بمشاعرها بطريقة كتمت على انفاسها بصعوبة الصمت بينهما والذي تستطيع قراءة لغته .
نظرت امامها بسرعة باتجاه الذي اخفض رأسه بإنهاك واضح وهو يسعل بصوت مكتوم وكأن بلعوم قد علق بحلقه فجأة ، لتشتت انظارها من حولها بضياع وهي تقع بلحظة خاطفة على كأس الماء فوق المنضدة الجانبية ، اسرعت بخطواتها نحو المنضدة وهي تلتقط الكأس بلمح البصر وبلحظات كانت تقدمها للذي ما يزال يسعل بقوة ازدادت حدة .
ولكن ما ان حاول تناول الكأس منها حتى قبض تلقائيا على كفها بلسعة تخللت بين ايديهما مما ادى لدفع كفها بعيدا حتى اوقعت الكأس منها بلمح البصر ، اخفضت عينيها الواسعتين بحرقة الدموع للكأس المحطمة امام قدميها بذهول طاف على حياتها لوهلة ، ليرتجف بعدها بدنها برجفة انتفض كل جزء بها على مسمع صوت الذي وقف عن مقعده بقوة وهو يصرخ بأمر صارم جمد الدماء بعروقها
"ألم اطلب منكِ مغادرة الغرفة ! لما لا تفهمين الكلام هيا اخرجي من الغرفة حالاً ؟ وإياكِ ودخولها بهذه الطريقة مرة اخرى بدون إذن صاحبها ! فأنا اكثر شيء اكرهه بحياتي هو التسلل لغرفتي من وراء ظهري !"
زمت شفتيها بامتقاع الخزي وهي تحاول خنق شهقاتها بشق الأنفس لتذبح بها روحها والتي غارت بداخل هوة حياتها ، همست بعدها بقهر وبشفتين مرتجفتين ببحة صوتها الباكية
"لم اكن اعلم بأن دخول الزوجة لغرفة زوجها تعتبر متسللة ! ألم تقل بنفسك قبل يومين بأنك لا تطيق سماع كلمة بأنك محظور من حياتي ! إذاً ما هذا الذي فعلته الآن ؟ انت تحب ان تظلمني ولكنك لا تحب ان تنظلم !"
تغضن جبينه بوجوم غيم على محياه بلحظة صمتت معه كل الاصوات المحيطة بهما بعد ان وصل للمفترق بحياتهم ، وهو يراقب بعينين سوداوين ساكنتين التي غادرت لخارج الغرفة بأكملها بدون صوت بعكس الشحنات السالبة والتي انبثقت منها لتبثها بالأجواء من حوله رغما عن إرادته الحديدية بمنافسة امام طاقتها الخيالية والتي اطاحت به اكثر من مرة وما تزال تفعل...
_____________________________
دخلت لقاعة الطعام بخطوات متخاذلة وهي تجر اذيال الخيبة معها بجرح دائما ما يتفنن بغرس سكين قسوته به بدون ان يدع له الفرصة ليندمل من جروحه السابقة ، تصلبت بمكانها ما ان اوقفت طريقها التي اندفعت امامها بلحظة وهي تهمس لها بابتسامة حانية بلهفة
"ماذا حدث معكِ يا صفاء ؟ هل وافق جواد على حضور مائدة العشاء معنا ؟ اخبريني بأنه سيأتي الآن بأي لحظة وترككِ تسبقينه اولاً !"
تنهدت بإنهاك خرج من صميم قلبها المطعون وهي تحيد بنظراتها جانبا بدون كلام ، لتعود (هيام) للكلام بتوتر تشرب بملامحها بلحظة خاطفة
"ما بكِ يا صفاء ؟ كلميني يا عزيزتي ماذا حدث ؟ هل جرحكِ بكلامه كما يفعل دائما ؟"
حركت رأسها بسرعة ناحيتها وهي تتصنع ابتسامة زائفة هامسة برقة
"لا يا عمتي هيام لم يحدث شيء من هذا ! فقط عندما طرقت باب الغرفة وجدت......"
ابتلعت باقي كلامها بداخل حنجرتها ما ان لمحت الواقف عند باب القاعة والذي سمرها بمكانها بقوة نظراته المسلطة عليها ، بينما عقدت (هيام) حاجبيها بوجوم وهي تلتفت للخلف باتجاه ما تنظر له ، لتنقلب ملامحها بلحظة بسعادة غامرة اخترقت ظلال روحها وهي تهمس بمحبة
"وصلت اخيرا ، لقد اشتقنا كثيرا لإطلالتك معنا على مائدة الطعام بعد ان حرمتنا من وجودك بيننا يا قاسي !"
حرك رأسه بعيدا عنهما بجمود بدون ان يعلق على كلامها الاخير وكأنه مجبر على مجاراة تصرفاتهما ليسير تماما على هواهما ، تسمرت (صفاء) بمكانها بصدمة وهي تلمح التي غمزت لها بعينها بمرح ويدها تمسح على ذراعها بحنان ، لتعض بعدها على طرف شفتيها بتوتر ممتعض بدون ان تستطيع مجاراتها اكثر وهي تظنها من احضره إلى هنا ! ولا تعلم بأنه قد اهانها وطردها من الغرفة قبل ان يسمعها جزء من سمومه المعتادة نحوها ! إذاً كيف تكون هي السبب بحضوره ؟ وكل ما هي متأكدة منه الآن وواثقة به بأنه لم يحضر المائدة اليوم سوى ليكمل تجريحها وإهانتها بقسوته التي لا تفارقه معها !
استدارت (هيام) بلحظات للجهة الاخرى وهي تتقدم باتجاه ابنها الذي ما يزال ساكن بمكانه بدون حراك ، لتقف بعدها امامه تماما وهي تهمس له بابتسامة عاتبة بمرح
"إذاً فقد اتيت بالنهاية ! كم كان علينا ان نرجوك ونتوسل إليك لتحضر المائدة معنا وكأننا نطلب من الملك الفرعوني ان ينزل عن عرشه ويشرفنا بحضور السفرة مع عبيده !"
ارتفع حاجبيها بدهشة وهي تعض على ابتسامتها البلهاء ما ان قالت تماما الذي كان يدور برأسها من لحظة ولم تستطع النطق به امامه ، لتموت الابتسامة بمحضرها ما ان امسكت بها النظرات الباردة والتي تكاد توديها قتيلا ، فيبدو بأنه قد قرأ افكارها بالفعل على سطح ملامحها والتي كشفت ما يعتمل برأسها !
اعاد نظراته لوالدته وهو يتمتم بجمود بارد
"لم يكن هناك داعي لفعل ذلك ، انتِ من اجبرني على كل هذا لأخضع فقط لرغبتك"
اتسعت ابتسامتها بحنان وهي تلوح بيدها هامسة بعبوس مزيف
"ولكنك لم تصغي لكل كلامي عندما طلبت منك ان تحضر المائدة معنا وتجاهلتني تماما ، وعندما طلبت منك صفاء وافقت بسرعة بدون اي مجهود يذكر ، يا لك من ظالم وغير منصف !"
اتسعت حدقتيها العسليتين بذهول وهي تحرك رأسها للأسفل بإحراج تتمنى معه ان تختفي من الكون بأكمله وليس من امامهم فقط ، بينما قال (جواد) بهدوء بابتسامة ملتوية بقسوة
"هل تعتقدين حقا بأني اميزها عنكِ ؟ يا لها من حجة مقنعة للفت الانتباه يا امي !"
ضحكت (هيام) بمرح خافت لم يدم سوى للحظتين برنة الحزن القابعة بروحها ، ليتحرك بعدها (جواد) وهو يتجاوزها بخطوات ثابتة وما ان وصل بطريقه للساكنة بمكانها حتى همس لها بكلمات موجزة ارسلت القشعريرة بمنحنيات جسدها بأكمله
"لن اسامحكِ على تلك الكلمات يا صفاء ، ولن امررها لكِ بدون عقاب"
انفرجت شفتيها بشهقة مكتومة وهي تحاول تهدئة فورات مشاعرها على مسمع تلك الكلمات التي تبين نيته المطمورة نحوها .
بلحظات اجتمعت العائلة حول المائدة وكل منهم يجهز طبقه من الطعام امامه ، بينما كانت (هيام) تجهز الطبق الخاص بابنها وهي تملئه من كل الاصناف الموجودة على الطاولة قائلة بمودة حانية
"عليك ان تأكل من كل شيء موجود على الطاولة ، وإياك وان تترك شيء بطبقك لأني عندها لن ارحمك ، فقد اصبحت نحيفا جدا بالآونة الاخيرة وتقضي وقتا طويلا بالعمل بدون ان تضع شيء بفمك ! وهذا ليس جيدا ابدا على صحتك"
ردّ عليها بجفاء وهو يحرك عينيه بملل
"هل عدنا لمحاضرة الصحة والتغذية ؟ فأنا لن اتأثر فقط من نقص طفيف بالطعام على جسدي والذي اعتاد على حرمان أيام من الطعام !"
وضعت الطبق امامه بقوة رجت محتويات الطاولة وهي تهمس بصرامة قاطعة
"ليس هناك داعي لذكر مثل هذه الأمور القديمة والتي ولى عليها الزمن ورحل ، فنحن الآن قد تحسن وضعنا المادي والمعنوي واصبح بإمكاننا العيش برفاهية وسعادة مثل كل العائلات بالعالم وافضل ! لذا اشكر النعم التي انت بها الآن وتوقف عن ذمها"
عبست ملامحه بتقاسيم طفيفة اعتلت محياه وهو يلتقط الملعقة ليتناول طعامه ببرود غير مبالي ، بينما كانت (صفاء) تشاهد المنظر امامها بهدوء بدون ان تشارك بالأجواء التي اختلقوها بينهما ، وهي تجلس بجوار عمتها لتحاول الابتعاد بقدر الإمكان عن مجال نظره وعن كل شيء يحيط به اصبح يرهقها ، بالرغم من إمارات الغضب التي ظهرت على وجه عمتها ورفضها لموقع جلوسها والذي اتخذته رغم ممانعتها الشديدة .
ارتفع نظرها قليلا ما ان علق ذهنها عند آخر حديثهم لتقول بلحظة بخفوت متردد
"هل كان الحصول على الغذاء صعبا جدا بالماضي ؟"
نظرت لها (هيام) وهي تبتسم بحزن تسلل لمحياها هامسة بأسى خافت
"لا يا عزيزتي ليس هذا ما حدث ! ولكن جواد اعتاد على العيش بعيدا عنا بسبب ظروف عمله ودراسته والتي تحتم عليه السكن بمنطقة اخرى وزيارتنا بفترات متقطعة ، لذا لم يكن بتلك الفترة يتناول طعامه بانتظام وكان يهمل صحته بأكثر الاحيان بسبيل الانفاق علينا وجلب المال لمنزلنا ، ولكن الحمد لله على كل حال فكل شيء قد سار للأفضل واصبح لجواد وظيفة مرموقة ومنزل جديد يؤوينا ، لذا لا داعي للحزن على الماضي فكل هذا من حكم ربنا ونعمه علينا"
ابتسمت بارتجاف بغلالة مظلمة تشعر بها اصبحت تحوم من حولها بكثرة ، وهي لا تجد ما تقوله سوى الهمس بخفوت باسم بثغرها الحزين
"الحمد لله على كل حال"
مرت لحظات قبل ان يخترق هالة الصمت المحيطة بهم الصوت الجليدي وهو يتمتم بهدوء
"من الذي اعد الطعام اليوم ؟"
اتسعت عينيها العسليتين بخوف خفي اصبح يحوم من حولها وهي تعلم جيدا مصير طعامها ما ان يعلم عن هوية الذي اعده ، لتجيبه (هيام) بلحظة بابتسامة متسعة بسعادة مفعمة بالحياة وكأنها تثني على عمل ابنتها
"ومن سيكون غير اميرة المنزل الطاهية ! فهي قد اصبحت تتولى اعداد الوجبات الثلاث بنفسها وبإتقان وحرفية لن تستطيع بها مقاومة التناول من تحت يديها الساحرتين ، حتى انها من جهز المائدة ايضا ورتبت الموائد عليها ببراعة ارقى المطاعم بالبلد ، انا اقول بأنك قد اصبت حقا باختيارها زوجة وابنة مطيعة لمنزلنا والذي كان يحتاج لوجودها بشدة ، ولو كنت اعلم بأن هذا سيحدث مسبقا لطلبت منك الزواج منها بسرعة واحضارها لمنزلنا منذ زمن بعيد ! فهي منذ حضورها لمنزلنا وقد جلبت معها البهجة والراحة وما كنا نفتقده بشدة منذ سنوات"
غيم الصمت للحظات فاصلة والمقصودة بكلامها تنظر ليديها بحجرها بحياء مفرط ومشاعر اخرى متداخلة تشابكت معها ، لتسمع من كانت تنتظر رأيه بأعصاب منهارة وهو يقول بغموض منخفض
"حسنا لقد توقعت هذا ، ولكن شكرا على التوضيح"
قالت (هيام) من فورها بابتسامة ما تزال تحتل محياها بمحبة غامرة
"إذاً ما هو رأيك بالطعام يا جواد ؟ فأنت لم تخبرنا للآن رأيك به !"
حرك رأسه بهدوء وهو يدس لقمة اخرى بداخل فمه ليهمس بعدها ببرود وهو يلوك اللقمة بين اسنانه
"لا بأس به جيد ويترك اثر بالفم مثل السم والذي يتخلل بجسد صاحبه ليترك جزء منه ساكن بداخله مثل وصمة لن تزول بسهولة !"
فغرت شفتيها لوهلة بدون اي شعور وكأنه يتكلم عن شيء آخر بعيد كلياً عن الطعام بتعبير عبث بخفقات قلبها بموجة مشاعر متناقضة ، لتتدخل بعدها التي ضربته على مرفقه بكفها بهدوء وهي تهمس بوجوم مستاء
"ما هذا الذي تتكلم عنه ؟ هل هكذا يعبر الزوج عن رأيه بطعام زوجته والذي تعبت وهي تحضره له ؟ حقا معشر الرجال عديمين المشاعر ولا يقدرون المجهود المبذول من اجلهم لأنهم كائنات متكبرة لا يرضيهم سوى القليل ! انا اقول بأن الله يكون بعون زوجتك المسكينة على زوج بتفكير منعدم مثلك !"
اكمل طعامه وهو يتجاهلها تماما ليحيد بعينيه ناحية التي ما تزال تحدق به بذهول اخذها بعيدا ، لتخفض بسرعة عينيها لأسفل الطاولة برجفة شعر بها بوجهها المحتقن باحمرار مفرط ، بدون ان يعلم ما هو مدى تأثيره عليها والذي اصبح يثير اهتمامه بالآونة الاخيرة ؟ مثل كل شيء تحتل مكانا به كما فعلت بالمنزل الذي يعيش به والذي استحوذت على مساحة كبيرة به حتى تحول لعالمها الخاص تلهو وتلعب به كما تشاء بدور الزوجة والطاهية والابنة وجميعها بشخص واحد !
_______________________________
كانت تطرق بطرف اصبعها الطويل على سطح الطاولة وهي تتنقل بعينيها الداكنتين برواد المكان بتركيز بارد بدون ان تعطي ايً منهم اهتمامها ، لتخفض بعدها مسار نظرها قليلا وهي تحدق بالهاتف بيدها الاخرى والمفتوح على الرقم والذي حفظته عن ظهر قلب بلمحة خاطفة للرقم ليخزن بذاكرتها الحديدية .
تنفست بجمود وهي تزيد من الضغط بالنقر على سطح الطاولة حتى اصبح ينقر برأسها مثل دقات نهاية صبرها الحتمي ، لتخفض بعدها جفنيها بلحظة وهي تعود بعقلها لما حدث قبل دقائق فقط من الآن ، عندما كانت تضع الهاتف على اذنها وهي تستمع لصوت رنين مكالمتها ، وبلحظات كانت تبادر بالكلام قائلة ببرود عملي
"هل هذا رقم الآنسة وفاء شديد ؟"
مرت لحظتين قبل ان يجيب الصوت من الطرف الآخر بارتعاش واضح
"نعم هنا ! ماذا تريدين منها ؟"
ابتسمت بهدوء جليدي وهي تهمس مجددا بصوت اكثر جمودا
"مرحبا بكِ ، انا ادعى ماسة الفاروق وقد سبق وتعرفنا على بعضنا ، هل تذكرين ؟"
ارتجفت انفاسها بتعثر وهي تهمس بخفوت متوجس
"نعم اتذكر ، مرحبا بكِ زوجة شادي الفكهاني ، هل استطيع مساعدتك بشيء ؟"
انحنت ابتسامتها بغموض وهي تقول بسعادة مزيفة
"نعم يا عزيزتي اريد مساعدتكِ بأمر ضروري جدا ! هل تستطيعين مقابلتي الآن بمقهى السعادة بمنتصف البلد ؟"
انتظرت عدة لحظات قبل ان يخرج صوتها بارتباك اكبر يتخلل بها الخوف
"تريدين مقابلتي الآن ! ولكن لماذا ؟ ماذا حدث ؟"
اجابتها بهدوء شديد بدون اي مقدمات
"اريد مقابلتك وإجراء حديث ودي بيننا ، هل تمانعين بذلك ؟"
ردت عليها بسرعة بخفوت مرتجف
"لا لا امانع ، ولكن من الغريب ان تطلبي مني مثل هذا الأمر بعد كل ما حدث بيننا بآخر مقابلة !"
تجمدت ملامحها بتعبير قاسي لوهلة وهي تخفي كل انفعالاتها التي راودتها بعقلها بلحظة ، لتهمس بعدها بابتسامة باردة بخفوت
"هل ما تزالين تحملين الضغينة اتجاهي بسبب آخر حوار حدث بيننا ؟ لا تقلقي يا عزيزتي فهذه المقابلة ستكون مختلفة عن سابقتها فهي مجرد نقاش بين اي صديقتين تودان التعارف على بعضهما من جديد وفتح صفحة جديدة خالية من اي عداوات او حروب قد تؤدي عن هذه المقابلة ، فما رأيكِ بهذا ؟"
صمتت للحظات اطول قبل ان تجيب بشك خافت
"لا بأس بذلك ، ولكن هل انتِ متأكدة من كلامك ؟ فهذا القرار قد يؤثر من عدة نواحي !"
اتسعت ابتسامتها بسخرية لا شعورية وهي تهمس بلا مبالاة متعمدة
"وماذا قد يحدث مثلا اكثر مما حدث ؟ لا تقلقي فأنا متأكدة من كل كلمة قلتها لكِ الآن ، إلا إذا كنتِ انتِ غير متأكدة من صحة قراري ؟"
ردت عليها بسرعة بتوتر مبرر
"لا ليس هكذا الأمر ! ولكني لا اعتقد بأن الوقت الآن مناسب للمقابلة ، اعتذر حقا......."
قاطعتها بملامح باردة وهي تهمس بجفاء
"تقصدين بأنكِ لا تستطيعين الخروج من المنزل !"
زمت شفتيها بارتجاف وهي تهمس بحزن كاذب
"اجل هذا ما قصدته ، لو كنت املك الوقت لما تأخرت بإجابة طلبك....."
عادت لمقاطعتها بتفكير بدون ان تهتم لكلامها الاخير
"إذاً هل استطيع المجيئ لمنزلك ومقابلتك هناك بما انكِ لا تستطيعين الخروج منه ؟ ما رأيكِ !"
شحبت ملامحها وهي تهمس باندفاع لا إرادي
"لا هذا غير جائز ! اعني لا استطيع ! اعتذر"
اعتلت إمارات الجمود محياها وهي تهمس بأمر لا جدال به
"إذاً الخيار بيدكِ ! اما ان نتقابل بالمقهى الذي اخبرتكِ عنه من لحظة ؟ واما ان تخبريني بموقع منزلك لأستطيع القدوم لكِ ، ماذا قررتِ ؟"
اخذت عدة لحظات قبل ان تقول بخنوع من استسلم للأمر الواقع
"حسنا لا بأس ، انا موافقة على ان نتقابل بالمقهى الذي اخترته ، فهو افضل من الخيار الثاني"
انقلبت ملامحها بسعادة لحظية وهي تهمس بلهفة بالغة
"جيد ، سأكون بانتظاركِ هناك فلا تتأخري بالقدوم ، وتذكري بأنه لدي طرق اخرى للوصول لكِ هذا إذا فكرتِ بالهروب !"
حركت رأسها بشرود وهي تخرج من موجة الذكريات التي اخذتها من لحظات ، لتتوقف لوهلة عن نقر الطاولة وهي تلتفت بوجهها ناحية صوت الاقدام المتجهة نحوها بتردد واضح تستطيع تمييز وقعها على الأرض الرخامية ، لتعتلي بلحظة نفس الابتسامة الساخرة محياها وهي تهمس بخفوت واثق
"واخيرا وصلتِ ! ظننت بأنكِ بلحظة غباء قد ترتكبين حماقة وتفكرين بالهروب من مقابلتي ؟"
توقفت الخطوات بالقرب منها وهي تهمس بهدوء محرج
"اعتذر لقد جعلتكِ تنتظرين طويلا !"
حركت رأسها بلا مبالاة وهي تهمس ببرود ساخر
"لا بأس يا عزيزتي ، المهم عندي بأنكِ كنتِ عند كلمتك ولم تخذليني كما فعلوا الآخرون ! وهذا تصرف بالغ الأهمية بالنسبة لثقتي والتي اصبحت بعيدة المنال على بشر اكثر ما يجيدونه هو خيانتها !"
ابتلعت (وفاء) ريقها بتلجلج وهي تهمس بنفس الخفوت النادم
"اعتذر مجددا على جعلكِ تظنين السوء بي !"
زفرت انفاسها بملل وهي تدير وجهها امامها هامسة بأمر
"لا بأس ، اجلسي امامي الآن"
تقدمت بسرعة وهي تجلس على الكرسي المقابل لها بهدوء ظاهري ، لتضم بعدها قبضتيها فوق سطح الطاولة بتوتر وهي تنظر بعيدا عنها بخوف مما اقدمت عليه بدخولها لقفص الأسد ، لتبدأ بالكلام التي اعتدلت بجلوسها وهي تكتف ذراعيها بقوة
"إذاً يا وفاء اريد ان اطرح عليكِ بعض الأسئلة البديهية وما يتعلق بالأمور الشخصية ، وانتِ ايضا يمكنكِ ان تطرحي عليّ ما تشائين من الأسئلة ، وهذا سيكون مسار نقاشنا الودي ، فهل تريدين ان ابدأ انا بالكلام ام انتِ ؟"
حركت رأسها بتشوش للحظات قبل ان تهمس من فورها بابتسامة شاحبة
"لا بأس ، يمكنكِ انتِ البدء بالكلام بيننا بما انها فكرتكِ انت !"
اومأت برأسها بجمود وهي تتقدم بجلوسها قليلا هامسة بهدوء
"انتِ اسمكِ وفاء شديد ، صحيح ؟"
ضمت شفتيها بارتعاش من معرفتها باسمها الكامل بهويتها المزورة ، لتهمس من فورها بتأكيد متخبط
"اجل نعم"
عادت للكلام بلحظات بحاجبين معقودين بتحفز
"كم هو عمركِ يا وفاء ؟"
ارتفع حاجبيها بدهشة وهي تهمس بخفوت باهت
"عمري الآن اربع وعشرون سنة"
اومأت برأسها بتفكير لثواني وهي تشيح بوجهها بعيدا عنها لوهلة ، لتسبقها الاخرى بالسؤال التالي قائلة مباشرة
"وانتِ كم هو عمرك ؟"
عادت بنظرها لها وهي تهمس بابتسامة هادئة
"انا ابلغ من العمر عشرون سنة"
ارتفع حاجبيها بدهشة اكبر وهي تحاول حسبان الفارق بينهما والذي يظهر بأن هناك اربع سنوات تفوقها بها ، وهي بالحقيقة تظهر دائما النقيض عن هذا وكأن تلك الفتاة هي التي تكبرها بأربع سنوات وليس العكس ! هل هذا يعني بأن العمر لا يتحدد بالسن الحقيقي للشخص بل بعمر العقل والذي يظهر من تصرفات هذه الفتاة والتي ما تزال بسن المراهقة ؟!
افاقت من افكارها ما ان تابعت المقابلة لها كلامها وهي تقول بحيرة جادة
"ولكن ما لذي دفعك يا ترى للحمل بطفل بدون زواج رسمي او هوية يثبتها ؟ هل هي ظروف قاهرة من دفعتك لفعل هذا !"
اخفضت رأسها بارتجاف احتل اطرافها وهي تهمس بوجوم خافت
"شيء من هذا القبيل !"
عقدت حاجبيها بضيق وهي تلوح بذراعها جانبا هامسة ببرود صخري
"حسنا سنتجاهل هذا السؤال وننتقل لغيره ، هل كنتِ تعيشين بالماضي خارج البلاد ؟ فلا يبدو عليكِ بأنكِ اجنبية !"
نظرت لها بسرعة بخوف تجلى على محياها بوضوح ، لتهمس من فورها بابتسامة هادئة باضطراب
"لا غير صحيح ! انا اقصد لست اجنبية بل عربية الاصل وقد كنت اعيش فيما مضى مع عائلتي بالخارج بسبب اعمال والدي ، ولكنهم قد ماتوا جميعا ولم يبقى لي احد الآن"
عبست ملامحها وهي تظهر امارات الاسى على وجهها هامسة بتعبير جاف بدون اي شعور
"هذا امر مؤسف حقا ! يا له من واقع قاسي ! ولكن يبقى افضل من ان يكونوا على قيد الحياة وتخلوا عنكِ ، أليس هذا صحيحا ؟"
شحبت ملامحها بصورة مخزية بدون ان تذكر امر وجود والدها وعائلته والذين ما يزالون يحملون نوايا القتل والموت نحوها ، ولو كانوا حقا قد تخلوا عنها لكان افضل بكثير مما تعاني به الآن !
انتفضت بمكانها ما ان تابعت كلامها بنبرة بعيدا عن الاسى والذي انقلب لشيء آخر
"ومتى توفيت عائلتك ؟ هل تستطيعين التذكر ؟"
عضت على طرف شفتيها اكثر من مرة وهي تهمس بعد عدة لحظات ببهوت خاوي
"توفيت امي وانا بعمر السادسة عشر ، وتوفي ابي وانا بعمر الحادية والعشرون"
عقدت حاجبيها بجمود وهي تتبع تعابير ملامحها والتي تدل على انعدام مشاعر الاسى والحزن عند ذكر امر وفاة والدها ! فهل تخفي شيء وراء وفاة والدها ؟
تغضن جبينها بهدوء ما ان طرحت عليها السؤال التالي بنفس النبرة الخاوية
"وماذا عنكِ ؟ متى توفيت عائلتك ؟"
ابتسمت بهدوء وهي تنظر بعيدا عنها هامسة ببرود بدون اي تعبير يعلو محياها
"توفي والدي عندما كنت بالرابعة ، وتوفيت والدتي عندما كنت بالعاشرة"
اتسعت عينيها بانشداه لوهلة وهي تهمس بحزن خافت
"يعني كنتِ صغيرة بوقت وفاتهما !"
نظرت لها للحظات وهي تهمس بابتسامة صغيرة بدون اي مرح
"اجل هذا ما حدث ، لقد كانت فترة وفاتهما بسنوات طفولتي ، لذا لا اذكر بأني قد شعرت بأي حنين لهما فقد فقدت هذه المشاعر منذ سنوات"
تلبدت ملامحها بالحزن وهي تشاركها بنفس المشاعر المجردة من العاطفة والحسرة على ذكريات واراها الزمن بدون ان تصنع اي شيء جميل معهما ، وخاصة بأنها قد عاشت بكنف عائلة صارمة ومتسلطة من طبقات المجتمع الثرية كل ما يفكرون به هو صناعة المجد لهم وسحق خصومهم ، وهذا هو ما انغرس بأفكار كلاً من والديها ليفكرا بالشهرة والمال على حساب التفكير بحياتهما الشخصية وإلى اين ادت بنهاية المطاف !
اتسعت عينيها بانتباه ما ان قطعت سير افكارها التي قالت بحدة جادة بسؤال غير محور الحديث
"لننتقل الآن للسؤال التالي والأهم بهذا النقاش ، اريد ان اعرف ما هو الرابط بين اسمكِ واسم عائلة مونتريال ؟ فقد لاحظت بأن اسمكِ لا يحمل بين مقاطعه كلمة مونتريال ! فبالأحرى السؤال سيكون ما هو اسمكِ الحقيقي يا وفاء ؟"
ابتلعت ريقها بانقباض مفاجئ احتل كيانها بلحظة وهي تنشج بمكانها بارتجاف مذعور ، فقد توقعت كل شيء من هذه الثعلبة الماكرة والذي لا يخفى عليها شيء كما يبدو ! ولكن ان تصل بسهولة لتخمين بأن لديها اسم حقيقي غير اسمها ؟ فهذا قد فاق قدراتها المحتملة بالتفكير وكأنها قد وقعت بقفصها بدون اي سبيل للفرار ! ولو استرسلت معها قليلا بالكلام فهي ستكتشف بلا شك كل ما هو مخفي بحياتها بدون ان تتكلف اي عناء !
رفعت عينيها فجأة باتساع للحظات قبل ان تهمس بابتسامة جافة شقت طريقها بشفتيها بذبول
"انا اعتذر على هذا ! سامحيني ارجوكِ !"
ارتفع حاجبيها بعدم استيعاب وهي تتمتم بعبوس حانق
"ماذا تقصدين يا وفاء ؟ ألن تجيبي على سؤالي ! ......."
تسمرت بمكانها ما ان اخترق حديثهما الصوت المألوف هامسا من خلفها بهدوء
"يمكنني ان اجيبكِ انا إذا اردتِ هذا !"
عقدت حاجبيها بارتجاف استبد بها برجفة خاطفة خدرت جسدها عن الحركة لثواني ، لتدير بعدها وجهها جانبا وهي تستشعر هالة وجوده تحيط بها بالقرب منها تماما ، عادت بسرعة بالنظر امامها وهي تحدق بالتي كانت تنظر للأسفل بسكون تام وهي تتحاشى النظر نحوها ، لتكتسح بلحظة ملامح الجليد محياها وهي تهمس ببرود خافت باحتقار
"يا للخيانة ! لقد فعلتها إذاً ؟"
نهضت عن الكرسي من فورها وهي تستدير بلحظة للخلف لتتقابل امام الذي اكتسح حياتها بوجوده المحيط بها على الدوام ، وبثواني كانت تلتقط حقيبتها لتسير امامه بدون ان تلقي نظرة اخرى نحوه وهي تتجاوزه بهدوء بعد ان شقت طريقها خارج هالته ورحلت عنها .
التفت (شادي) ناحية الساكنة بمكانها وهو يقول لها ببرود جليدي
"عودي للمنزل يا ميرا ، قبل ان يتأخر الوقت"
نظرت له بعيون متسعة وهو يغادر من خلفها لخارج المقهى ، لتتنفس بعدها الصعداء وهي تدعو ان لا تحقد عليها تلك الفتاة اكثر مما كانت عليه بالسابق ! فكل شيء قد فعلته حفاظا على حياة الجميع وأولهم حياتها هي والتي تملئها المخاطر من كل زاوية !
_____________________________
كانت تقف من خلفه تماما وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها بإمارات الغضب مع لمحة عتاب رقيق ، وهي تتابع الواقف امامها بحدقتيها الخضراوين المتسعتين بشحوب مثل غابة نخيل ذابلة جفت ارضها وسيقانها بحالة جفاف نادرة ، لتزفر بعدها بنفس الوجوم العابس وهي تهمس بنبرتها والتي لم تخفى العتاب بها
"يا لك من ظالم يا احمد ! كيف تريد تركي هكذا بهذا اليوم ؟ بعد ان اتفقنا سويا على قضاء ايام عطلتنا من العمل بالخروج للترفيه عن انفسنا والاستمتاع بعيدا عن العمل ! وها انت قد اخلفت بوعدك كالعادة بدون ان تفكر بشعوري وبأهمية هذه الأيام بالنسبة لي ولطفلنا !"
التفت الواقف امام المرآة بنصف وجهه وهو يبتسم لها باتزان شغوف بدون ان يتأثر بحزنها الرقيق والذي كان المتسبب به منذ وصول رسالة تخص العمل على هاتفه يطلبون بها حضوره بأمر طارئ اليوم من بين كل الأيام ، وها هي تتذمر وتشكو فوق رأسه منذ ما يقارب الساعة والتي قضاها بين استحمام وتهذيب وتنميق مظهره بدون ان يعطيها ما تريده وتسعى للحصول عليه برجائها وتذمرها الذي فاق عن حده ، ولو كان شخص آخر غيرها لما تحمل دقيقة اخرى مع تذمرها والذي ينخر الرأس بإصرار وعناد سميك !
ولكن بما انه من ظلمها بوعدها بالخروج اليوم ليخرق بعدها الاتفاق بينهما بسبب رسالة من العمل ، فهو يستحق إذاً كل شيء قد تفعله به ويخرج منها والذي يكون لا شيء امام ما فعله بها من ذنب لا يغتفر !
اعاد نظره للأمام وهو ينزل اكمام قميصه قائلا بجدية هادئة وهو يعود لشخصيته العملية
"كم مرة علينا ان نعيد الكلام يا روميساء ! تعلمين بأن الأمر ليس بيدي ولا املك الخيار به فقد طلبوني بالعمل من اجل امر طارئ بخصوص المشروع الذي اعمل عليه ولا استطيع تركهم بهذا الظرف العصيب ! وبما انني المسؤول والمشرف على هذا المشروع فمن واجبي اتمام مهامي وواجباتي على اكمل وجه بدون اي نقصان ، ألم يكن هذا كلامكِ سابقا ؟"
عبست ملامحها ببؤس وهي تهمس باستياء حانق
"ألا يستطيعون الاعتماد على انفسهم ! لما عليهم استدعائك بهذا الوقت واليوم تحديدا ؟ ألا يعلمون بأن اليوم عطلة وراحة للعمل ! هل عليهم افساد كل شيء بهذا اليوم ؟ يا للإزعاج !"
كان يعقد هذه المرة ربطة عنقه وهو يتمتم بجدية متزنة بدون ان يهتز لعتابها
"لا نستطيع فعل شيء حيال هذا يا عزيزتي ، فقد حدث وان يتم استدعائي بهذا اليوم تحديدا ، وعند العمل لا نستطيع التهاون به او الانسحاب عن اداء وظائفنا ، فأهم شيء عندنا بالشركة هو ان نرضي العميل ونريه عن مدى مثابرتنا بإنجاز المشروع الموكل لنا"
ردت عليه من فورها بتشنج لا إرادي
"اجل وستفعل هذا على حساب رضى زوجتك !"
عقد حاجبيه بجمود وهو ينظر لها بالمرآة قائلا ببعض القسوة
"روميساء ألن ننتهي من هذا ؟ لم اعهدك بكل هذا العناد الطفولي !"
انحنت حدقتيها بحزن عميق وهي تخفض ذراعيها هامسة بخفوت باهت بعد ان يأست من الرجاء
"كل هذا بسببك انت ! لو كنت اعلم بأنك ستخذلني هكذا لما املت نفسي واستعددت لهذا اليوم حتى انتظرت قدومه بلهفة وحماس لم اشعر بهما منذ فترة طويلة ! فأنا دائما انتظر قدوم ايام عطلتنا والوقت الوحيد بحياتنا والذي نقضيه سويا بعيدا عن كل صراعات العمل وكل ما قد يفصلنا عن بعضنا ، ولكن يبدو بأنك لا تهتم حقا بكل هذا !"
تغضن جبينه بوجوم وهو ينظر لها بالمرآة بعد ان تغيرت تعابير ملامحها العاتبة لشيء آخر اكثر حزنا لمس شيء بكيانه بمرارة اصابته بالصميم ، ليتنهد بعدها بيأس وهو يستدير امامها بلحظة ليمسك عندها بكتفيها بقوة وهو يقرب وجهه من رأسها هامسا بابتسامة حنونة يخصها لها وحدها
"حبيبتي لا تغضبي مني هكذا ، فأنا لا يهون عليّ حزنك ولن اتحمل ترككِ وانتِ بهذه الحالة ، وصدقيني لو كان الأمر بيدي لما تركتكِ لحظة واحدة قبل ان احقق لكِ كل امنياتك !"
رفعت رأسها بسرعة وهي تهمس بابتسامة متسعة بأمل
"إذاً حقق لي امنيتي ولا تذهب للعمل ، ارجوك فقط هذه المرة"
ارتفع حاجبيه بتجهم وهو يخفض يديه قائلا بجفاء
"لا تحلمي بها !"
زمت شفتيها بتبرم وهي تخفض وجهها من جديد هامسة ببرود بائس
"كنت اعلم ، فهذا هو حال امنياتي بالحياة ، تنتهي قبل ان تتحقق"
تنفس بجمود لوهلة وهو يحاوط جسدها بذراعيه بقوة ساحقة ليدس وجهها بداخل صدره وهو يقبل شعرها الناعم ليهمس فوقه بصوت اجش محب
"لا اريد سماع هذا الكلام مجددا تنطقين به امامي ، فأنتِ اكثر من تعلمين بما امر به الآن وجميع اعمال الشركة ملقاة على كاهلي بدون اي سبيل لي بالراحة ، لذا كل ما اتمناه منكِ الآن ان تبتهجي وتودعي زوجك بابتسامة جميلة فاتنة لكي تواسي بها قليلا هذا الرجل المسكين...وتخفف من خسارته الكبيرة بقضاء الوقت مع حبيبته والبقاء بجانبها طيلة اليوم"
عضت على طرف ابتسامتها بحياء وهي تتمسك بقماش قميصه هامسة بداخل طيات صدره بفرحة وليدة
"حسنا يا احمد ، ولكن بشرط ان تعدني بقضاء الوقت معي بيوم آخر لنعوض عن ذهاب اليوم ، وغير هذا لن اوافق"
ضحك بخفوت اجش هز خفقات صدره التي ضربت فوق وجهها الذي غاص بداخله ، لتشعر بقوة اكبر تحاوط جسدها تكاد تحطم عظامها وهو يهمس عند اذنها بخفوت يحمل الشغف والراحة معا
"هكذا اريدكِ دائما يا روميساء متفهمة لظروف زوجك ومحبة لكل ما يقدمه لكِ من عطايا ، فهذا اكثر ما يعجبني بكِ ويفرحني بشخصيتك المتفردة ، وايضا لا نريد ان يأخذ طفلنا وجهكِ العبوس ومزاجكِ العكر ، فلا ينقصنا ان نكون بواحد ونصبح باثنين......"
انفجر بالضحك بمرح وهو يتراجع بعيدا عنها ما ان ضربته على صدره بقبضتيها هامسة بعبوس محرج
"ليس هناك شيء يضحك !"
كتم ضحكته بأسنانه ليهمس بعدها بلحظات بإمارات صارمة عادت لتلبسه بقوة
"حسنا يا متذمرة ، احضري لي سترتي الآن فقد تأخرت كثيرا بسببك وبسبب عنادك"
تنفست بوجوم وهي تتجه مباشرة نحو السرير لتلتقط السترة من فوقها قبل ان تعود إليه بلحظات ، وما ان عادت للوقوف من خلفه مجددا حتى البسته السترة فوق كتفيه وهي تساعده على ادخال ذراعيه بها برفق بدون اي تعبير يسكن ملامحها الشاحبة ، ليرتدي بعدها الساعة حول معصمه وهو يدقق النظر بها بالمرآة ليقول عندها بتصلب
"اين هي الابتسامة ؟ انا لا راها !"
حررت ابتسامة مرتجفة بشحوب بدون اي مشاعر وهي تحاول العودة لربط زمام امورها بشخصيتها المعتادة ، ليستدير بعدها قليلا بدون ان ينظر لها وهو يسير مباشرة لخارج الغرفة قائلا بعجلة
"انا راحل ، انتبهي على نفسك"
عبست ملامحها اكثر بحزن عبث بجمال روحها ببرودة تخللت لتفاصيل حياتها لوهلة ، لتسمع بعدها نفس الخطوات الهادئة والتي كانت تسير نحوها مباشرة قبل ان تتبعها اليد الدافئة والتي امسكت بذقنها بلحظة ، لترفع وجهها برفق قبل ان تشعر بالقبلة الرقيقة والتي طبعت على شفتيها بهدوء شديد اعادت الحياة لروحها الباردة مثل تدفق الدماء بأوردتها بحرارة قبلته .
رمشت بعينيها بارتعاش وهي تحدق بوجهه القريب منها ما ان قال بصلابة قوية
"هل ظننتِ بأني سأرحل بدون ان اودعكِ ؟ سأشتاق لكِ كثيرا يا فاكهتي الحلوة"
اتسعت مقلتيها الخضراوين بألوان ازهرت واكتسحت تربتها الجافة بعد ان امتلأت بالعاطفة الجياشة ، وهي تهمس بابتسامة ناعمة افلتت على طرف شفتيها
"وانا ايضا سأشتاق لك"
تنهد بفورة ثائرة ضربت ملامحها بسخونة انفاسه وهو يقبل هذه المرة خدها لينتقل لا إراديا لجبينها ثم انفها وذقنها بنعومة رقيقة ساحرة اسرتهما معا ، وبلحظات كانت تدفعه بصدره بعيدا عنها هامسة بمرح حازم
"هذا يكفي ، ستتأخر هكذا عن العمل"
اطبق على اسنانه بقسوة وهو يتنفس بيأس ، ليستدير بلحظة بعيدا عنها وهو يتمتم بصوت مغتاظ بقوة
"لا تنسي استغلي هذا الوقت بالنوم باكرا ، فلن اسمح لكِ بالنوم بهذه الليلة ، سمعتي !"
انفرجت شفتيها بأنفاس ذاهلة بحياء لون وجهها باحمرار طفيف وهي تشاهد الذي رحل لخارج الغرفة ، لتعض بعدها على طرف شفتيها بوجوم لبرهة وهي تعزم امرها بلحظة ، لتلحق به من فورها وهي تخرج من الغرفة لتتجه بسرعة لحاجز السلم ، وما ان وصلت عند بداية السلم حتى صرخت بحماس وهي تلوح بيدها باتجاه الذي وصل لمنتصف السلم
"لا تتأخر بالعودة يا احمد ، فأنا سأكون بانتظارك بفارغ الصبر"
التفت بوجهه للخلف بدهشة قبل ان تعتلي ملامحه نفس الابتسامة الحانية بجاذبية ، ليرفع بعدها ذراعه عاليا وهو يلوح لها بنفس القوة قبل ان يكمل نزول السلالم بعيدا .
بينما التي كانت تراقب المشهد الحي امامها بالقرب من الممر بدون اي مشاعر او تعابير ، فقط ابتسامة شامتة بحقد هي ما اعتلت ملامحها لتهمس بعدها بكل ما تحمله من كره لهذا الكائن القابع بحياتها
"سنرى إلى اين ستصل هذه العلاقة المثالية الخالية من اي عراقيل قد تفسد عليها سير علاقتهما ؟"
_______________________________
وقفت عند باب المطبخ وهي تراقب الحركة المستمرة من الخدم المتواجدين بالمكان وهم يعملون على قدم وساق بدون اي توقف او ملل ، وبإشارة واحدة كانت خادمة محددة من ضمن الطاقم تهرول ناحيتها بلحظات ، لتقف بعدها امامها بطاعة وهي تهمس بتهذيب خافت
"نعم يا سيدتي ، هل تحتاجين للمساعدة ؟"
نظرت من حولها بريبة قبل ان تعود بنظرها لها هامسة بتصلب خافت
"ما هي قائمة المشروبات التي تحضر لروميساء بهذا الوقت عادةً ؟"
عقدت حاجبيها بتفكير لوهلة قبل ان تجيب من فورها بعملية
"كانت بالسابق تحب ان تشرب القهوة دائما بكل صباح ، ولكنها بعد الحمل اصبحت تكتفي بكأس من الحليب الدافئ عوضا عن المشروبات التي قد تؤثر بصحة الجنين او الحامل"
غامت ملامحها بعيدا عنها بدون ان تنتبه لسحابة الغيوم الداكنة والتي اسرت عقلها للحظة خاطفة ، لتفيق بعدها من دوامة افكارها على صوت الواقفة امامها وهي تقول بتفكير خافت
"هل تريديني بمهمة ما يا سيدتي ؟"
اومأت برأسها بهدوء وهي تكتف ذراعيها بقوة هامسة بابتسامة انحنت بجمود
"اجل احتاجكِ بهذه المهمة يا زهراء ، فأنتِ الوحيدة التي تستطيع مساعدتي هنا ، فهل انتِ مستعدة لتكوني عون لي بهذه المهمة ؟"
اتسعت عينيها بحماس وهي تبتسم بميلان خبيث تفهمه كليهما جيدا ، لتحرك يدها بجانب رأسها بإشارة الطاعة وهي تهمس بخفوت مستعد
"انا طوع امركِ يا سيدتي"
زحفت الابتسامة بانتصار على طرف شفتيها وهي تتلفت من حولها بعيون حادة بتأهب ، لتنظر بعدها للخادمة بقوة وهي تميل بوجهها امامها هامسة ببطء شديد بفحيح خطير
"اسمعي جيدا ما عليكِ فعله وطبقيه بالحرف ، اريد منكِ ان تحضري كأس الحليب الخاص بروميساء بدقائق قبل ان يصل لها ، ويمكنكِ اختلاق اي عذر بذكائكِ لتلهي به الخادمة التي ستهتم بتسليمها كأس الحليب ، وإياكِ وان يشعر اي احد بحركاتك او بما تفعلينه ! فإذا حدث شيء خارج هذه الخطة فأعدكِ بأن تكون العواقب وخيمة ، فهمتِ ؟"
اومأت برأسها بطاعة وهي تهمس بابتسامة ماكرة بنفس سموم سيدتها
"امركِ يا سيدتي ، اعتمدي عليّ وكوني على ثقة بنجاح خطتك"
رفعت رأسها بتعالي وهي تحرك عينيها بإشارة لتباشر بتنفيذ الخطة الآن ، لتنسحب الخادمة بسرعة من امامها وهي تعود لداخل المطبخ بلحظة وامام عينيها المحدقتين بها بتتبع حاد .
بعدها بدقائق كانت تحدق بكأس الحليب الممتلئ بتفحص وعناية وهو موضوع على الصينية امامها ، لتخرج بعدها الظرف الصغير من جيب بنطالها وهي تفتحه بحذر ورفق وكأنها تخشى من ان يفلت بعض من رذاذه من الثقوب الصغيرة به .
بدأت بتنزيل رذاذ المسحوق فوق سطح الحليب ببطء حتى لم تنتبه للكمية الكبيرة والتي سقطت منه ، لتعيد بسرعة الظرف لداخل نفس الجيب بحذر ، قبل ان تمسك بالملعقة الكبيرة بجانب الكأس وهي ترفعها ببطء لتحرك بها الخليط الخاص بالحليب بثواني ليتجانس معه ، وبعد ان فرغت منه استقامت بمكانها وهي تمسك بكأس الحليب بيديها الاثنتين بحرص ، لتناوله بعدها للواقفة بجوارها تنتظر طلبها التالي وهي تتلقفه من بين يديها بسرعة .
قالت (سلوى) وهي تتراجع بعيدا عنها بإمارات صارمة بحزم
"هيا ارجعي الكأس بسرعة كما احضرته ، فهمتي !"
اجابت من فورها وهي تومأ برأسها بالإيجاب
"حاضر"
غادرت مجددا باتجاه المطبخ لتعيد الكأس من المكان الذي احضرته منه ، وبلحظات كانت تشاهد بعيون حادة الخادمة المسؤولة عن إيصال كأس الحليب وهي تغادر باتجاه السلالم بثبات .
وصلت الخادمة عند باب الغرفة لتطرق على الباب بأدب وهي تنتظر الرد ، ليفتح بعدها الباب امامها بلحظات وهو يطل عليها الوجه الباسم بهدوء ، لتقول الخادمة بسرعة بتهذيب وهي تمد الكأس لها
"لقد احضرت لكِ كأس الحليب الصباحي يا سيدة روميساء كما تحبين"
اتسعت ابتسامتها بسعادة هادئة وهي تمسك الكأس منها هامسة بلطف ممتن
"شكرا لكِ يا عزيزتي ، هذا لطف منكِ"
احمرت ملامح الخادمة بحياء وهي تهمس بتهذيب خافت
"هل تريدين شيء آخر يا سيدة روميساء ؟"
هزت رأسها بالنفي وهي تهمس بمودة
"لا شكرا ، لا اريد ان اعطلك اكثر عن عملك ، يمكنكِ الذهاب الآن"
اومأت الخادمة برأسها بأدب وهي تغادر بعيدا عن غرفتها ، لتغلق بعدها الباب من خلفها بهدوء وهي تدلف للداخل بخطوات متأنية قبل ان تلتقط الورقة التي تخص وظائفها المدرسية من على المنضدة الجانبية ، وبلحظة كانت تجلس فوق طرف السرير باسترخاء وهي ترفع الورقة امام وجهها وبذات اللحظة كانت تضع حافة كأس الحليب عند شفتيها لترتشف منه على مهل شديد وباحتساء شحنها بكمية طاقة مملوءة بالحياة بمزيج من المشاعر الربيعية باختلاط نكهة الشتاء بها .
مرت الدقائق بسرعة خاطفة حتى لم تشعر بأنها قد شربت آخر رشفة من الكأس الفارغ ، لتضع بعدها الكأس جانبا فوق المنضدة بصمت بدون ان تبالي بالنظر لقاعدة الكأس والتي تظهر آثار مسحوق بقي مترسب بقاع الحليب المتكتل بوضوح !
شددت على طرف الورقة بتشنج ما ان شعرت بتموج الكلمات امامها بدوار طفيف جعل الرؤية تهتز امامها بلحظة ، لتضيق بعدها حدقتيها الخضراوين بشحوب غزى محياها وهي تزيد من غباش مجال نظرها ، لتخفض بالنهاية الورقة من امامها ما ان وجدت استحالة تركيز مدار نظرها بنقطة محددة ، بدأت بالضغط بأصبعيها السبابة والإبهام فوق مقدمة عظمة انفها بألم طاف على ملامحها بشحوب اكبر وهي تشعر بالدوار والحركة يزيدان من تشتت افكارها بتموج غائم قيد عقلها بسلاسله بدون ان تقدر على مقاومتها اكثر .
انتفضت واقفة باهتزاز كان يزيد من دوارها المؤلم والذي لف عقلها بلمح البصر ، لتصلب ساقيها بلحظة وهي تثبت قدميها بالأرض بمقاومة عنيفة للتشبث بالواقع ، وهي تتمسك بكل ما تصله يديها بمحتويات غرفتها حتى وصلت لهدفها وهي تمسك بهاتفها من على الطاولة بيدين مرتجفتين ، لتستند بعدها بحافة الطاولة بيد واحدة وهي تحاول الضغط بيدها الحرة بأصابع متعثرة على عدة ازرار بشاشة هاتفها ، وبثواني كانت تجري الاتصال مع اقرب شخص تذكرته بخضم تشتت افكارها العائمة بدوارها الذي اصبح يطرق على كل انحاء جسدها بدعوة قوية لسحبها لعالمه السحيق .
تنفست بارتعاش وهي تقابل الصمت التام من الطرف الآخر قبل ان يتوقف بعدها عن الرنين وهو يدل على انشغال صاحب الرقم ، لتشتم بداخلها بقوة وهي تعيد الاتصال بارتجاف متخبط بدون فائدة ترجى وهي تتلقى بكل مرة نفس النتيجة !
ابتلعت ريقها بتعب وهي تفلت الطاولة من خلفها لتمسح على خصلات شعرها بإنهاك الدوار الذي لا يريد ان يبارح رأسها بإصرار يكاد يقضي على مقاومتها الاخيرة ، لتمسك بعدها ببطنها بشدة بألم عاد ليراودها بذات المكان بقوة دفع اكبر قتلت بقايا الصبر بداخلها وهي تهمس له بأنفاس ذاهبة بنشيج
"ارجوك ، هذا ليس الوقت المناسب لتحمل ألمك ، يا إلهي ساعدني !"
تحاملت على نفسها بلحظات وهي تعزم امرها لتخرج من الغرفة بأكملها بخطوات مهتزة بتمايل طفيف ، علها تجد السبيل للراحة من كل هذا الألم ومن يساندها بهذه المحنة والتي تمر عليها لأول مرة بحياتها الشخصية والعملية ! فهي على يقين تماما بأن الاعراض التي تنتابها الآن ليست ضمن الاعراض الطبيعية التي تمر عليها عادةً من تأثير الحمل او ارهاق من العمل الطويل ؟ وهذا هو ما يبعث الشك بروحها ويؤكد الظنون برأسها ناحية ما تتعرض له من ظواهر غريبة غير اعتيادية بحياتها !
استندت بحاجز السلم بإرهاق شديد وبأنفاس لاهثة على وشك فقدانها ، لتعود للعبث بهاتفها من جديد وهي تطبق على شفتيها بهمس جاف مرهق حد الألم
"ارجوك يا احمد ، اجبني الآن ، انا احتاجك بشدة !"
لعقت طرف شفتيها بجفاف ما ان توقف الرنين مجددا بدون رد ، لتبحث بقائمة المتصلين عن احد تستنجد به وهي تكتشف لأول مرة خلو القائمة من المقربين منها بعد ان تجردت شجرة عائلتها والتي انقطعت منذ زمن حتى لم يتبقى لها منها سوى شقيقتها والتي تحتاج لمن يساندها اكثر منها ، بدون ان تعلم اصلا اين هي الآن ؟ ولماذا اختفت منذ الصباح بيوم العطلة ؟
شددت على الهاتف بقوة وهي تحاول الاتصال بها وكما توقعت لا يوجد رد بسبب وضعها للهاتف على الصامت مثل كل مرة تحتاجها بها وكأنها لا تملك هاتف ! وهي لا تعلم ما فائدة حقا وجود الهاتف بحوزتها إذا كانت لا تستخدمه بهذه الأوقات ؟
زفرت انفاسها بتعب اكبر وهي ما تزال تضغط على بطنها بألم مبرح زاد عن الحد المحتمل ، لتعود لنفس الرقم السابق بآخر ذرة امل وهي ترسل له كلمات مختصرة بعجز وتوسل عله يرحمها ويراها
(انا احتاجك بشدة ، ارجوك لا تتركني انت ايضا ! انا وحيدة !)
وهذه كانت آخر كلمات كتبتها على هاتفها الذي انزلق من يدها بلحظة وهي تتعثر جاثية على اول درجة من السلم بإنهاك خدر اطرافها عن الحركة ، لتتابع بحدقتيها الباهتتين الشبه مفتوحتين الهاتف الذي اكمل سقوطه لنهاية السلم بعد ان انقلب على رخام درجاته مئة مرة ، فقدت معه الحق بطلب المساعدة والنجدة من مقربين تخلوا عنها ورحلوا ليتركوها ملقاة بالزاوية مثل حالة هاتفها تماما .
هبطت تدريجيا على درجات السلم وهي تريح رأسها على عتبته الرخامية بدون ان تقدر على الاستمرار اكثر بحرب المقاومة التي اخذتها على مدار سنوات ، بدون ان يقدر احد المجهود الجبار والذي تبذله بهذه الحياة والتي تحكمها المصالح فقط ، لتغلق بعدها جفنيها المرهقين على احداقها الدامعة بعجز ويدها ما تزال تمسد على بطنها مثل تهويدة ما قبل النوم هامسة باطمئنان
"اعدك بأن احميك يا بني ، فقط ابقى معي ولا ترحل !"
هدئت انفاسها اخيرا براحة وهي تنسحب لذلك العالم البعيد والذي فصلها عن الواقع بثواني ، لتقف من خلفها التي كانت تشاهد كل ما حدث امامها بعيون تجردت من الرحمة ونفس دنيئة بمشاعر الحقد التي غذت روحها وهي تحكم تصرفاتها ، لتصل لمستوى من الحقد والغيرة المريضة بسبيل تحقيق الانتقام الذي يرضيها ويريح روحها السوداوية والتي اسرتها بهالة السلبية بحياتها ، همست بعدها بلحظات بخفوت مصقول بكمية المشاعر السلبية والتي تحملها نحوها وحُقنت بها
"والآن لن يكون بمقدورك إنجاب ثمرة ذلك الحب ، ولنرى كيف سيكون مسار علاقتكما بعد هذه الخسارة الذريعة !"
______________________________
تنفست بوجوم عابس تكاد تنفخ نيران من انفها وسحب ادخنة من اذنيها حبست الاجواء من حولهما وعبثت بهواء السيارة النقي ، وكأنها لا تتنفس غير ادخنة بقايا روحها المحترقة بداخلها بغضب اخرجت العنان له بأحشائها وكأن جمر ما يسكن بباطن خلجاتها ، وهي على هذه الحالة العابسة تكتف ذراعيها فوق صدرها منذ ما يقارب الساعة بل بالأحرى منذ ان ادخلها لسيارته رغما عنها وانطلق بها لوجهة غير معروفة بالنسبة لها بدون ان يدع لها السبيل بالفرار ، وقد اغلق كل ابواب السيارة بإحكام وحتى النوافذ ما ان حاولت رمي نفسها من باب سيارته وهو يزيد من حصاره الخانق وكأنها حيوان موبوء من الخطر ترك لها الحرية لتعيث بالعالم فسادا وبنفسها اذى اكبر ، وهذا لا شيء امام كلماته الاخيرة والتي نطق بها ما ان حاولت تحطيم النافذة بجوارها وما سبق محاولة رمي نفسها من باب السيارة ليقول لها بصرامة مهددة تخرج منه لأول مرة
(حركة مجنونة اخرى يا ماسة ، وسأغير اسلوبي المهذب معكِ ، ولن اعاملكِ على اساس بأنكِ زوجتي بل سوف اعاملك كما يفعلون مع المجرمين المدانون الخارجون عن القانون ، وتعلمين جيدا ما يحدث لهم فقد كنت منهم يوما ما !)
شددت اكثر على اسنانها بقسوة تحجرت معها ملامحها حتى ظهرت خطوط دقيقة بتقاسيم وجهها تظهر مدى الصراعات التي تعصف بدواخلها وهي اكثر ميزة قد ورثتها عن والدتها ذوات البشرة الرخامية ، لتقبض على يديها بحجرها بارتجاف طفيف على اثر تلك الكلمات البسيطة والتي كانت بمثابة ضربة خاطفة خدشت كبريائها العالي بدون ان تدرك مدى ألمها والذي لم تشعر به سوى مؤخرا مثل وضع الملح على الحرق بعد ان كان قد التأم ! فهل لهذه الدرجة كلماته عن ماضيها الملطخ شكلت كل هذا الألم بداخلها ؟ ام انها هي التي اصبحت بكل هذا الضعف ؟
حركت رأسها جانبا وهي تتنفس بهياج اكبر لفحت زجاج النافذة تكاد تصهر سطحها ، لينطق بعدها الكائن الساكن بجوارها وهو يقول بجمود باهت بنبرة اخفض عن كلامه السابق
"هلا توقفتِ عن سحب الاكسجين عنا وتحويله لنيران من ادخنة انفاسكِ الشبيهة بتنين خارج عن السيطرة ؟ فقد بدأت اجزم بشم رائحة حريق منبعث منكِ تكاد تخنقنا وتمنع عنا تنفس الهواء النقي !"
شددت من تكتيف ذراعيها فوق صدرها بحركة عصبية بدون كلام وهي تلصق جبينها بزجاج النافذة بدون ان تعطيه انتباه بعد إهانته الاخيرة لها ، ليقطب بعدها جبينه بتصلب وهو يعاود الكلام بنظرات جانبية ببرود
"ألن تتغير هذه الملامح عنكِ ؟ فهي لا تروقني ابدا ! انها تجعلني وكأنني قد قتلت والدكِ او عائلتكِ بمجزرة مأساوية !"
ولكنها آثرت الصمت مجددا بدون ان تعطيه الجواب او ان تتنازل عن الكلام ، لتحتد ملامحه اكثر وهو يشعر بصمتها البارد يكاد يقضي على ذرة الصبر الاخيرة بعقله بظاهرة لم تحدث معه من قبل ! ليقول مجددا بابتسامة خاوية شقت طرف شفتيه باستهزاء ساخر
"ماذا حدث يا ألماستي ؟ هل اكل القط لسانكِ ؟ لم اعتدكِ بكل هذا الضعف بالردّ على خصومكِ !"
تجهمت ملامحه عندما قابل صمتها بشكل اكثر وقعا على روحه وكأنها تهديه فن جديد بالرد عليه اقسى من كل ردودها السابقة ، ليشدد اكثر على عجلة القيادة حتى ابيضت مفاصل اصابعه بدون ان تترك عينيه رحلة التحديق بسكونها الذي يثير كل شد الاعصاب بداخله .
قال بعد عدة لحظات بتسلط قاسي بنبرة آمرة
"ماسة ابعدي رأسكِ عن زجاج النافذة"
عندما لم تصدر منها اي ردة فعل تدل على وجودها بهذا العالم ، ليقول عندها بأعصاب مشدودة اكثر بغضب متهدج
"ألم تسمعي ما اقول ؟ ام اصبتِ بالصمم كما اصبتِ بالخرس ! هل من المفروض ان القنكِ كل شيء بنفسي ؟"
حركت رأسها قليلا فقط انش بدون ان تبعد كامل وجهها عن النافذة ، ليلتفت من فوره نحوها وهو يلمح السيارة السريعة التي اقتربت من جانب سيارته ليصرخ بلحظة بصرامة مفاجئة
"ماسة ابعدي رأسكِ اللعين عن زجاج نافذة السيارة !"
وما ان مرت السيارة بسرعة الضوء حتى حاد هو عن طريقه وهو ينحرف بعيدا عنها بأعجوبة ، ليتنفس بعدها الصعداء لوهلة وهو يحدق بجواره بعد ان عادت لجلوسها المعتدل وهي تنظر امامها بدون اي حياة وكأن شيء لم يكن ، ليقود بعدها بيد واحدة وهو يرفع يده الاخرى عاليا ليحاوط بها كتفيها بقوة قبل ان يسحبها ناحيته بلمح البصر ليرتمي رأسها على صدره الصلب بلحظات اخذتها على حين غفلة .
افاقت على وضعها الجديد بداخل احضانه وهي تحاول التلوي بعيدا عن صدره وذراعه التي كانت تطوق كتفيها عن الحركة ، وما ان تعبت من القتال مع قيوده حتى همست بوجوم منقبض بخفوت
"اتركني يا شادي"
قال من فوره بابتسامة مندهشة بتعجب
"واخيرا نطقتِ ! لقد كدت اشك بأن تكوني خرساء !"
عضت على طرف شفتيها بغيظ اكبر وهي تخفض نظراتها هامسة باستياء
"واعاني من الصمم ايضا ، لا تنسى !"
ضحك بخفوت اجش لأول مرة خفف من وطأة الوجوم المسيطر على الاجواء بينهما منذ ساعة ، ليهمس بعدها بخفوت متسلي ارخت من التصلب الساكن بمحياه
"اعتذر يا عزيزتي ، ولكنكِ من تزرعين هذه الأفكار بعقول الناس المقربين منكِ"
حركت عينيها جانبا وهي تتمتم بجفاء
"لست مضطرة لأثبت لك شيء"
حرك رأسه بيأس بدون ان يجاريها بكلامها يكفي سكونها بداخل احضانه وصمتها والذي تخلت عنه اخيرا ، ليسمع صوتها مجددا وهي تهمس بخفوت حانق
"هلا تركتني الآن ؟ فأنت لن تستطيع القيادة جيدا ويدك الاخرى تقيدني هكذا !"
اجابها ببساطة وهو مستمر بقيادته بيد واحدة بسلاسة فائقة ويده الاخرى ملتصقة بكتفيها بدون ان تعطيها الحرية
"انا مستعد لأتحمل آلام يدي وتخدر ذراعي على ان اترك لكِ حرية التصرف ، فأنتِ عندما تتركين جماح غضبك ليسيطر على كيانك تنسين كيفية حماية نفسكِ والمحافظة عليها بدون ان تدركي بأنها ليست ملك لكِ وحدكِ بعد الآن !"
كورت شفتيها بوجوم وهي تهمس بضيق خافت
"لست عادل ابدا"
اعتلت ملامحه بسمة طفيفة بدون شعور وهو يكمل رحلته بطريق السيطرة عليها والوصول للمكان المتجهين له بأمان ، وبلحظات كان يقف بالسيارة امام بناية صغيرة الحجم تتكون تقريبا من طابقين ، وما ان افلت حصارها حتى انتفضت بعيدا عنه وهي تحاول فتح الباب المقفل بدون فائدة ، ليقول بعدها الذي خرج من الباب بجواره هامسا بتسلط
"انتظري حتى اخرج لكِ ، فأنتِ يا عزيزتي ما تزالين مدانة"
حدقت به بجمود جليدي يكاد يوديه قتيلا وهو يغلق الباب من خلفه بقوة ، ليدور امامها ببساطة حتى وقف بجوارها بلحظات ليفتح بعدها الباب الخاص بها وهو يمد ذراعه بدعوة للخروج قائلا بهدوء
"والآن يمكنكِ الخروج"
زفرت انفاسها بعبوس وهي تخرج من السيارة بالفعل ، وما ان وقفت على قدميها حتى اغلق الباب من خلفها بلحظة قبل ان يمسك بيدها بقوة ، ليسحبها بعدها بثواني باتجاه البناية بصمت بدون ان يضيف اي منهما كلام آخر .
وقف كليهما امام باب الشقة الصغيرة وهي تنظر له يفتح الباب بالمفتاح بحوزته ، لتقول عندها بخفوت حائر بدون ان تمنع نفسها
"ما هذا المكان الذي اخذتني إليه ؟ هل هو منزل غير منزلك الريفي ؟"
دفع الباب امامه وهو يقول بابتسامة جانبية بجدية
"هذه الشقة كنت استخدمها للازمات بحياتي بأيام مراهقتي الطائشة ، وهو ما استطعت ادخاره بتلك السنوات لأشتري شقة بعيدا عن الجميع وبحجم مصاريفي آن ذاك ، اما المنزل الريفي فقد صممته وبنيته بنفسي ببداية سنوات عملي بالتصميم"
ادارت عينيها الزرقاوين وهي تتأمل الشقة الصغيرة من الداخل بمحتويات بسيطة تختلف تماما عن فخامة ذاك المنزل الريفي بطابعه الانيق والمتناسق ، لتفيق من افكارها بلحظة على يده والتي سحبتها معها لداخل المنزل ، لتعود لعنادها الشرس وهي تتشبث بالأرض هامسة بعبوس
"لما احضرتني لهذا المكان ؟"
التفت نحوها بنصف وجهه وهو يهمس بشبح ابتسامة خافتة
"من اجل ان ادينك"
انفرجت شفتيها بانذهال لا شعوريا وهو يدفعها للداخل بقوة اكبر ، لتتصلب ملامحها بغضب مكبوت لوهلة وهي تفلت كفها من داخل قبضته بعنف اكبر ، قبل ان تتبعها بالهمس بضراوة مليئة بالمشاعر المتنافرة
"ما لذي تريد الوصول له بتلك التصرفات ؟ لما تتصرف دائما على هذا النحو ؟ كن واضحا معي !"
تنهد بهدوء وهو يستدير بكلتيه امامها ليدس بعدها يديه بجيبي بنطاله قائلا بجدية غامضة
"حسنا يا ماسة سنتكلم بوضوح ، انتِ الآن مدانة على تصرفكِ الاخير والذي عوض عن كل ايامكِ الخالية من الاخطاء لتكون وصمة عار وبقعة سوداء بسجلكِ عندي ، فأنتِ لم تقابلي تلك الفتاة بدون إذني وحسب بل ايضا عبثت بمعلومات مكتبي وبقائمة عملائي والعاملين عندي ! وهذا تجاوز توقعاتي حقا واذهلني بشكل لا يمكنكِ تصوره !"
زمت شفتيها بارتجاف وهي تهمس من بينهما بقنوط
"كنت تعلم بذلك !"
ارتفع حاجبيه ببرود محتد وهو يهمس باستهجان واضح
"لم يكن من الصعب عليّ معرفة ذلك بعد ما اخبرتني به يا مجرمة الحواسيب ، وايضا لقد شككت بالأمر بعد قدومكِ لمكتبي وقيامك بتلك التمثيلية هناك والتي لم تكن نابعة من قلبك !"
حركت كتفيها باستخفاف وهي تهمس ببساطة
"حسنا لقد حاولت كل جهدي ولكني لم انجح ، يبدو بأنني فاشلة بالأمور العاطفية وتمثيل مشاعر غير موجودة بداخلي ، لذا ارجو منك ان تعذر قلة خبرتي !"
عقد حاجبيه بضيق لا إرادي وهي تتكلم بكل هذه الاريحية بموضوع حقيقي لا يقبل السخرية ، ولو انها اجادت الكذب وتصنعت القليل من الكلام المزيف لكان افضل بكثير من سماع هذه الحقيقة والتي اثارت بداخله الكثير من البرود الجائح !
عادت للكلام عندما طال صمته وهي تهمس بنفاذ صبر
"هل انتهيت من تحقيقك الفارغ ؟ فأنا لن اجيبك بشيء ولن اعطيك ما تود سماعه !"
ردّ عليها من فوره بتهديد غاضب
"ماسة اخرسي"
ضمت شفتيها بامتعاض وهي تكتف ذراعيها هامسة بجمود
"انا لست الملامة"
ردّ بقوة اكبر بصراخ مرتفع
"قلت اخرسي"
عبست ملامحها برعشة احتلت كيانها وهي تهمس بحنق ثائر
"توقف عن اخراسي بهذه الطريقة بكل مرة ! فهذا يزعجني....."
تقدم خطوتين ناحيتها ارهبتها وهو يعود للهمس بجمود اكبر بفحيح خافت
"قلت لكِ اخرسي"
صمتت بالفعل بارتجاف لا إرادي وكأنه يبعث بطاقة من حولها تستطيع السيطرة عليها وتقييد جموح غضبها بكلمة واحدة منه غيرت مسار التحدي بينهما ، وبلحظات كان يتابع كلامه بهدوء ظاهري بدون ان يترك الجمود ملامحه
"انتِ على حق بكلامكِ انا الملام بكل هذا ، فقد اخطئت عندما ارخيت دفاعاتي نحوكِ واعطيتكِ اكثر من المفروض ان تحصلي عليه ، فأنتِ من النوع الذي يحتاج لصرامة وحزم اكبر يختلف عن الناس الآخرين والطبيعيين ، وليس من الجيد التهاون مع هذا النوع العنيد والذي سيجلب لنا الألم من مجرد اللعب معه ومراعاة مشاعره"
عضت على طرف شفتيها وهي تهمس من بين اسنانها بشراسة
"توقف عن التكلم وكأنني نوع من الحيوانات الموبوءة !"
اتسعت عينيه بذهول ساخر وهو يتمتم بتفكير مستنكر
"حيوانات موبوءة ! كان عليكِ القول بالأصح نوع من البشر يتطلب علينا اخذ الحيطة منهم"
زفرت انفاسها بقسوة وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه بغيظ يكاد يفتك بروحها الهائجة بحصاره المنيع ، تصلبت بمكانها بتسمر ما ان وصلها صوته بهدوء عميق وهو يغير مسار حديثهما
"اسمعي يا ماسة سوف اسامحكِ هذه المرة عن التصرف الاخير والذي بدر منكِ ، ولكن لا اعتقد بأني سأحمل كل هذا التعاطف والتسامح معكِ طويلا ! لذا افعلي شيء واحد لكلينا ولا تكوني عنيدة لكي لا نصل لمستويات لا اريد الوصول لها ، واقصد بكلامي إياكِ والاقتراب مجددا من تلك الفتاة بحياتك لا من قريب ولا من بعيد ، وإذا سمعت بأنكِ قد اقتربتِ منها او حاولت التحدث معها فلن امررها لكِ كما افعل دائما وقد حذرتك ! هل كلامي مفهوم ؟"
قبضت على يديها بقوة حتى آلمت مفاصلها وهي تشرد بنقطة بعيدة لم تبارح افكارها يوما واتعبت مخيلتها المرهقة
(لما كل هذه الحماية حول الفتاة ؟ من تكون بالنسبة له ؟)
اعادت حدقتيها الزرقاوين نحوه ببهوت لتتلونا بلحظة ببحار هائجة عادت لسطح سمائها وهي تصوب بأصبعها السبابة امام وجهه قائلة بتصميم شرس
"من قال بأني اريد سماحك ؟ انا لن اتوقف عن تحقيق هدفي بما انك مصر على عدم اعطائي ما اريد ، إذاً تحمل التبعات واتركني افعل ما اشاء !"
عبست ملامحه بتقاسيم وجهه الباردة للحظات اشتعلت بينهما بحرب المشاعر الطاحنة ، ليصلب فكه بقسوة وهو يحني ابتسامته بارتخاء طفيف هامسا ببرود
"إذاً لا املك سوى هذا الخيار ! استمتعي بفترة ادانتكِ يا عزيزتي الموبوءة"
اتسعت عينيها بصدمة اضطربت معها انفاسها وهي تشاهد الذي ابتعد عن مرمى اصبعها ليغادر خارج الشقة ببساطة ، لتنتفض بعدها بغريزتها وهي تخفض يدها بسرعة لتنطلق تلقائيا بذات اللحظة خلف الذي ما ان وصلت له حتى اغلق باب الشقة بوجهها وهي تسمع صوت غرز المفتاح بقفل الباب بثواني .
شهقت بادراك وهي تبتعد بسرعة عن الباب لتحاول تحريك مقبضه بعنف حتى كادت تخلعه من مكانه ، لتصرخ بآن واحد بصوت غاضب مهتاج وقبضتها الحرة تضرب على الباب بقوة
"افتح الباب يا شادي ، افتحه حالاً قبل ان اكسر مقبضه"
ردّ عليها بالطرف الآخر من الباب قائلا بهدوء بارد
"لن تخرجي من هنا يا ماسة مهما حاولتِ قبل ان تنتهي فترة ادانتكِ وتمسحي تلك الأفكار من عقلك الاحمق ، قد افكر عندها بإخلاء سبيلك"
ضربت على الباب بقوة اكبر وهي تصرخ بأعلى صوتها بعصبية افلتت زمامها
"لن اسامحك عليها يا شادي ، هيا افتح الباب يا متعجرف ، يا احمق ، يا مجنون ، يا مختل ، يا كتلة الغباء......"
استمرت بسيل الشتائم حتى تعبت حنجرتها وجفت ولم يعد بمقدورها نطق المزيد بدون ان تجد اي ردّ من الطرف الآخر والذي حل عليه الصمت فجأة ، لتشعر بخواء كبير بدأ يتوسع من حولها وداخلها بدون ان تمنع تخلل البرودة بمفاصلها بوحشة ظللت حياتها ، لتنزلق تلقائيا على سطح خشب الباب البارد ببطء حتى استقرت بالنهاية جالسة على الارض وجانب جسدها مستريح على الباب بخمول تسرب بداخلها بخدر .
همست بلحظات بصوت اجوف ببحة صوتها المتعبة
"اكرهك ، اكرهك يا شادي"
ارتجفت انفاسها بلحظة ما ان سمعت صوته يتهادى قرب اذنها الملتصقة بالباب
"اصمتِ ، فقط اصمتِ يا ماسة"
ابتسمت بارتعاش باهت ما ان اكتشفت قرب وجوده من حولها وهو يجلس على نفس وضعها بالطرف الآخر من الباب ليبقى على تواصل معها حتى وهي بوضع الادانة والذي قيدها به مثل سجين محبوس بقفصه حتى إشعار آخر ، لتهمس بعدها بلحظات قصيرة بسكون غيم على محياها
"انت تنزعج دائما من كلمة اكرهك ، ولكنك لا تمانع بأن تجعلني اكرهك ، ألا ترى نفسك ظالم !"
ساد الصمت بينهما طويلا حتى خرج صوته ببرود الباب المنبعث منه
"يبدو بأنني قد اصبحت مؤخرا بنظري الجميع ظالم ، وانتِ لن تختلفي عنهم بشيء"
اطبقت على شفتيها بوجوم وهي تهمس بقهر خافت
"ولكني زوجتك ! ألا يشكل هذا عندك فارق !"
ارتجفت اطرافها ما ان قال خلال الباب بدفء غريب تسرب لروحها الباردة بلحظة
"اجل يشكل فارق وهذا هو اكثر ما يؤلمني"
رفعت يدها بارتجاف وهي تدس خصلات غرتها الطويلة لخلف اذنها بحزن عميق اعتلى محياها لوهلة ، لتهمس بعدها بخفوت شديد بأسى
"يبدو بأنك تتحمل الكثير من الألم مع هذه المجرمة"
ردّ عليها بلحظتين بخفوت شديد بصوت اجش واثق
"لا بأس ، فقد تأقلمت مع الألم منذ زمن طويل ، وانتِ يا ماسة اجمل آلامي بالحياة"
اتسعت عينيها باهتزاز لحظي لون الاحمرار الطفيف محياها البارد وهو يتشرب بحمرة جديدة زاهية ، لتغطي وجهها بسرعة بذراعها بحياء استبد بها وهي تهمس بسعادة خفية تحررت مع دمعة صغيرة من بين ركام حاضرها
"إذا كان هكذا سيكون الحال ، فأتمنى ألا تنتهي مهلة هذه الادانة"
بينما كان الجالس بالطرف الآخر يستمع لكل كلمة تهمس بها تصله عبر ذبذبات الباب الذي كان يتلقف كل مشاعرهما المحصورة بينهما ، وهو يهمس كذلك بنفس سعادتها بشرود غائم
"اتمنى ذلك ايضا يا ماسة"

نهاية الفصل.........

بحر من دموع حيث تعيش القصص. اكتشف الآن