دخلت للمنزل بروح مجهدة وبخطوات ثقيلة بكعبي حذائيها اللذان يكادان يخترقان قدميها المتقرحتين ، وما ان دخلت لغرفتها وملجئها حتى ارتمت جالسة على طرف السرير وهي تلقي بحقيبتها ارضا بدون ان تكلف نفسها برفعها ، لتتنفس بعدها بإرهاق مضني اصبح يضغط عليها بالفترة الاخيرة بعد ان تراكمت الاختبارات عليها .
انحنت على جذعها وهي تخلع فردة حذائها بصمت قبل ان تتبعها بالفردة الاخرى وهي تجمع حذائيها بزاوية السرير ، واثناء ذلك سمعت صوت دخول احدهم لغرفتها التي تركت بابها مفتوحا ، لترفع نفسها بسرعة وهي تعتدل بجلوسها ويظهر امامها مقتحم الغرفة والوحيد الذي يسمح له ، ليتنحنح بعدها بحرج وهو يشير بيده للباب قائلا بتبرير بديهي
"اعتذر على دخولي السريع بدون استئذان ، ولكني وجدت الباب مفتوحا ، لذا هذا ليس ذنبي"
حركت رأسها بعدم اهتمام وهي تهمس بخفوت مرهق
"لا بأس بذلك"
تغضن جبينه بارتياب وهو يقترب منها عدة خطوات قائلا بتصلب جاد
"ما بكِ يا غزل ؟ لماذا يبدو وجهكِ بكل هذا الذبول ؟ ألا تتناولين وجباتك بمواعيدها ؟ هل عاودك تعب القلب او ضيق بالنفس ؟"
لوحت بيدها بارتباك وهو يدخل معها لأول مرة بحديث خارج جلسات الطعام وهي تهمس له بابتسامة طفيفة برقة
"كلا انا لا اعاني شيء من هذا ، فقط مجرد تعب من الدراسة والسير الطويل تحت اشعة الشمس ، فأنا لا احبذ ابدا التعرض لأشعة الشمس لوقت طويل فهي تضاعف تعبي البدني وتشعرني بخمول شديد"
عقد حاجبيه بتركيز وهو يتمعن بوجهها المتوهج باحمرار اشعة الشمس التي ضربته بقوة حتى اصبح بكل هذا الاحمرار فوق بشرتها البيضاء الشفافة ، لينحني بعدها بالقرب منها وهو يقرص خدها المدور يتأكد من سخونة بشرتها قائلا بشبه ابتسامة
"وجهك يبدو مثل حبة طماطم طازجة"
زمت شفتيها بعبوس حتى كشرت ملامحها وهي تشيح بوجهها بعيدا بدون كلام ، ليترك بعدها خدها وهو يربت على خصلات شعرها القصيرة قائلا بابتسامة جانبية
"هيا انا امزح معكِ ، لا تكشري هكذا"
ارتجفت ملامحها بسخونة مختلفة عن سخونة ضربة الشمس وصلتها حد الصميم وهو يخرج عن الاحاديث الرسمية بينهما ، لتبعد رأسها بعيدا عن يده وهي تهمس بخفوت مشتد بوهن
"لقد عدت من الجامعة للتو ، واحتاج للاستحمام وتبديل ملابسي ، واخذ قسط من الراحة ، لذا إذا كنت لا تمانع"
استقام امامها بهدوء وهو يلاحظ تعب ملامحها الذابلة تحت طبقة من احمرار الشمس الساطعة ، ليقول بعدها بجدية وهو يتقمص الشخصية الحازمة
"سوف اترككِ بعد ان انتهي من الذي اتيت من اجله ، فهناك ما اريد التكلم معكِ عنه ، وهذا هو الوقت الافضل للكلام فيما بيننا"
رفعت حدقتيها الواسعتين نحوه وهي تقول بوجوم خافت
"ألا نستطيع الحديث بجلسة طعام الغداء كما نفعل بكل مرة ؟ فأنا متعبة جدا الآن"
حرك رأسه بقوة وهو يتخذ مكانه بالجلوس بجانبها قائلا بأمر
"بل سنتكلم الآن فما اريد التكلم عنه لا تأجيل له"
تبرمت شفتيها بصمت وهي تزيح نفسها سنتمترات بعيدا عنه ، ليتنفس بعدها بجمود وهو يخرج من جيب سترته بطاقتين مستطيلتين ليمد الاثنتين لها وهو يقول
"امسكي بهما"
تغضن جبينها بحيرة وهي تمسك البطاقتين بيديها هامسة بخفوت مستغرب
"ما هذا ؟"
اسند يديه فوق ركبتيه وهو ينظر للبطاقتين بين اصابعها الرقيقة قائلا بابتسامة جادة
"هاتين البطاقتين تذكرتين لرحلة سياحية على متن الطائرة بجزر الملديف لثلاث ليالي ، بالإضافة لإقامة الفندق وجولات سياحية حول المكان ، وكل شيء مضمون ومتوفر بهذه الرحلة من المواصلات ووجبات الطعام ووسائل الترفيه"
فغرت فاها الصغير بانشداه وهي تنظر للتذاكر بافتتان والتي سوف توصلها لجزيرة احلام المراهقين وعرسان شهر العسل ، لتهمس بعدها بخفوت مذهول تستوعب الشرح الوافي الذي قدمه لها
"هل انت حجزت كل هذا بنفسك ؟"
ارتسمت ابتسامة لطيفة شقت خشونة ملامحه وهو يراقب دهشة تفاصيلها ولمعان احداقها العسلية وحركة اصابعها الصغيرة على التذاكر ، ليدير بعدها وجهه يمنع نفسه من الانجراف اكثر قائلا بهدوء عملي
"لا لست انا من حجزت هذه التذاكر ، بل هو صديق لي بالعمل كان قد حجز هذه الرحلة له ولزوجته بعطلة نهاية الاسبوع ، ولكن حدث تغيير بالخطة ما ان حصل على عمل بجامعة العاصمة وسوف يحتاج للمباشرة بالتوقيع على العقد والدخول بإجراءات طويلة ، وبما ان سحب الرحلة والتراجع عنها قد انتهى وقتها فلم يجد حلا سوى تسليمها لأحد آخر يحل مكانه بالرحلة لكي لا تذهب هباءً ، وانا قد وافقت على عرضه واخذت التذاكر ليصبح الحجز باسمي انا"
اومأت برأسها بشرود وهي تفكر بكل ما قيل والفكرة التي وصلت لها ومضمونها بأن الرحلة قد اصبحت لهما ، لتخفض نظرها للتذاكر اللامعة بين يديها وهي تهمس بهدوء
"ومتى ستكون الرحلة ؟"
ردّ عليها من فوره ببساطة
"بعد يومين"
نظرت له بسرعة باتساع حدقتيها العسليتين وهي تهمس بخفوت وجل
"هذا قريب جدا ! متى سنستطيع تجهيز الحقائب ؟ ومتى سوف اخبر عائلتي واودعها ؟ وماذا عن دوامي بالجامعة والاستعداد للاختبارات ؟"
امسك بكتفيها بهدوء وهو يديرها نحوه قائلا بقوة يشدد على احرفه كي تدخل برأسها
"اهدئي يا غزل ولا تهلعي ، كل شيء يمكن حله وليس هناك مستحيل ، ما يزال لدينا يومين كاملين يمكننا تجهيز الحقائب بهما ، وغدا سوف احصل على إجازة من عملي بأيام الرحلة ثم نذهب كلينا لزيارة عائلتك واخبارهم عن غيابنا بالرحلة وتوديعهم ، وبالنسبة لدوامك بالجامعة فقد اخذت الإذن من الإدارة بإكمال تعليمك بنفسي بالمنزل والدوام بفترة الاختبارات ، ولم يعترض احد على ذلك بسبب حالتك المرضية التي يعرفها الجميع وتسمح لكِ بالتغيب عن الجامعة متى ما اردتِ ، فهذه الرحلة مهمة جدا بالنسبة لنا وستكون ترفيه عن النفس من اجل الخروج من كل هذه الضغوطات التي اصبحت تحاصرنا"
ابتلعت ريقها بارتعاش وهي لا تجد التعبير المناسب الذي يصف موقفها بعد ان حوصرت برحلة حتمية واختفت البدائل والموانع من طريقها ، لتنظر له بضعف بان على محياها وهي تهمس بخفوت باهت
"وهل تسمح لي حالتي الصحية بالذهاب ؟"
تغضنت ابتسامته بحنان وهو يقول بثقة عالية
"لقد سألت طبيبتك الخاصة وقالت بأنه لا مانع من الذهاب برحلة ولكن يشترط الالتزام بمواعيد الادوية بوقتها وعدم إجهاد نفسكِ فوق طاقتك"
اتسعت ابتسامتها بارتجاف وهي تهمس بشك غير واثق
"هل هذا ما قالته ؟ حقا !"
اومأ برأسه بتأكيد وهو يراقب سعادة وخوف ينبعثان من ملامحها الحزينة المعبرة ، ليرفع يديه وهو يحيط بوجهها المدور الصغير قائلا بخفوت عميق يأخذ الاجابة الاكيدة منها
"غزل هل تريدين الذهاب لهذه الرحلة ؟ انا لن ارغمك على الذهاب إذا كنتِ حقا لا تريدين او منزعجة من الامر ، لذا اخبريني بكل صراحة"
نظرت له بتيه وضياع بمقلتيها النديتين لبرهة قبل ان تهمس بخفوت متلهف
"اجل اريد الذهاب"
تنفس الصعداء حتى ضربت انفاسه سخونة ملامحها وهو ما يزال يحتضن وجهها بيديه...ليدنو بلحظة وهو يقبل خدها الحار بلهفة بدون ان يشعر بتدرج قبلته لشفتيها وهو يرتشف منهما بشغف رقيق اخذ منهما لحظات بعذوبة المياه الصافية....ليبتعد عنها بسرعة بدون ان يسمح لتيار مشاعره بسحبه اكثر وهو يخفض يديه ببطء ويقصي قلبه بعيدا عنها .
حررت (غزل) انفاسها بهدوء وهي تمسح شفتيها بظاهر يدها بصمت وكأنها تنفض تلك الحرارة والنكهة الجديدة التي اصبح قلبها يتغذى بها ، لتخفض بعدها كفها وهي تهمس بخفوت رقيق تخفف من وطأة مشاعرها
"وماذا ستكون مناسبة هذه الرحلة ؟"
رمقها بطرف عينيه وهو يقول بابتسامة جانبية بعطف
"رحلة شهر عسل ثاني"
ارتفع حاجبيها بدهشة وهي تنجذب لفكرة الرحلة قبل ان تهمس بابتسامة منبهرة
"رائع !"
غامت ملامحه بحزن عميق وهو يشرد بابتسامتها الجميلة فوق ملامحها المشبعة بحمرة الطماطم الشهية ، لينهض بعدها بهدوء وهو ينحني امامها ليلتقط البطاقتين اللتين اسقطتهما ارضا بدون وعي منها ، وما ان استقام بوقوفه من جديد وهو يتجنب النظر لها حتى قال باتزان مرح
"حسنا يمكنكِ فعل ما كنتِ ستفعلينه قبل مجيئي ، وحاولي غسل وجهكِ جيدا فهو يقارب لشكل الطماطم باحمراره ، ولا تنسي شراء واقي الشمس من اجل رحلتنا القادمة لكي لا يحترق وجهكِ اكثر من الآن ونندم على ذهابنا بالرحلة"
رفعت وجهها بعبوس وهي تراقب الذي غادر خارج الغرفة بعد ان انتهى من سخريته التي اصبحت عادة محببة بالنسبة لهما ، لتغطي بعدها خديها الحمراوين بيديها وهي تهمس بخفوت حانق تسترد كرامتها
"إذا كنت انا طماطم فأنت خيار ، يا سيد خيار البحر المالح"
_______________________________
امسكت بمقبض الباب وهي تفتحه بهدوء لتطل عليها صاحبة الابتسامة المشرقة شقت تقاطيع ملامحها الباكية واتصلت بحدقتيها المتقرحتين من البكاء السابق حتى جفت بينابيعها ، لتتنفس بعدها بيأس وهي تمسك خصرها بيدها الحرة هامسة بملل
"ماذا حدث هذه المرة ؟ لا تقولي بأنها خيبة امل جديدة ! وألا اقسم الآن بأن اتوقف عن اهداري وقتي بالاستماع إليكِ وللمآسي التي تجلبينها لنفسك......"
قاطعتها بسرعة وهي تحرك رأسها بالنفي وتضم يديها امام شفتيها
"غير صحيح ، لم يحدث اي شيء سيء بل كل شيء على افضل ما يرام"
ضيقت حدقتيها الزرقاوين بشك وهي تهمس بعدم ارتياح
"حقا ؟"
اومأت برأسها بثقة تكاد تشع بضياء مختلف وهي ترفع كفها هامسة برقة
"اقسم لكِ"
لانت تقاسيمها قليلا وهي تفسح لها المجال قائلة بابتسامة ودودة
"هيا ادخلي يا رأس المشاكل"
اتسعت ابتسامتها بشبه ضحكة لطيفة وهي تدخل بسرعة وتغلق الباب خلفها قبل ان تسحبها من ذراعها وهي تقول بحماس طفولي
"هناك الكثير اود محادثتك عنه واطلاعكِ عليه بنشرة آخر الاخبار والاحداث"
ابتسمت بهدوء تجاري حماسها وهي تجلسها على الاريكة وكأنها صاحبة المنزل التي استقبلتها ، لتجلس الاخرى على الاريكة المقابلة لها وهي تبتسم بنفس الاشراق ، كتفت ذراعيها فوق صدرها بهدوء وهي تباشر بالحديث قائلة بجدية
"اتمنى ان تكون اخبار سارة ، فأنا قلبي لم يعد يتحمل المزيد من الكآبة والحزن"
عضت على طرف ابتسامتها وهي تهمس من بينهما بخفوت رقيق وكأنها موسيقى غنائية
"لا تقلقي فأنا اعدكِ ان تكون اخبار سارة سوف تجعل قلبكِ يغرد من الفرح"
تقدمت بجلوسها بتحفز حتى اقتربت منها وهي تقول بخفوت متأهب
"هيا قولي ما لديكِ وبدون مقدمات او إسهاب بالكلام"
ضمت يديها فوق ساقيها وهي تتقدم كذلك بجلوسها هامسة بهدوء جاد
"لقد ذهبت بالصباح الباكر لمعرفة الحقيقة من مصدر الخبر مباشرة كما نصحتني"
اومأت (ماسة) برأسها تستمع لها بانتباه شديد وهي تهمس تكمل كلامها بفضول
"اجل وماذا حدث معكِ بعدها ؟ ماذا اكتشفتِ ؟"
اتسعت ابتسامتها بجمال وهي تهمس بخجل طفيف تلون بوجنتيها
"لقد تبين بأن الخبر كاذب ومجرد سوء فهم"
تنهدت براحة وهي ترجع بظهرها للخلف هامسة بنشوة كبيرة
"لقد كنت محقة بعد كل شيء ، فأنا قد اخبرتكِ بأن احتمال صدق الخبر هو صفر بالمئة"
عبست ملامحها وهي ترجع بظهرها للخلف هامسة بخفوت ممتعض
"لم تقولي هذا الكلام"
نظرت لها بتدقيق سريع وهي تحرك يدها ببرود قائلة بهدوء
"هذا ليس وقت التحدث عن ما كنت اقوله ، فأنتِ لم تخبريني كيف وصلتي للحقيقة ؟ هل تحدثتِ مع والدته كما اقترحت عليكِ ام سألتي احد آخر ؟"
تجمدت ملامحها بشحوب وهي تدير عينيها بعيدا هامسة بخفوت منفعل وكأنها تتلوى بشعلة داخلية
"كلا ليس والدته ، بل كان جواد هو من اخبرني بالحقيقة"
اتسعت مقلتيها الزرقاوين ببطء تدريجي وهي تهمس بتفكير مشدوه
"اتبعتِ خطتي الأولى وتكلمتِ مع جواد ، ألم تواجهي هذه الفكرة بالرفض والهجوم ورأيتِ بها موتكِ وحبل مشنقتك ؟ كيف خاطرتِ هكذا ونسيتِ كل مخاوفك ؟ هل يعقل بأن هناك روح شريرة قد تلبست جسدك وتحكمت بكِ ؟"
نظرت لها بسرعة بوجل تجلى على محياها من مدى خيالها وهي تصرخ من فورها بحنق متوتر
"هذا ليس مضحكا يا ماسة ، ليس مضحكا ابدا"
ضحكت بمرح بعد ان عبثت بنقاط ضعفها ضد هذا النوع من الافكار والتي يخيفها فقط الحديث عنها منذ طفولتها ، لتقول بعدها بهدوء وهي ترفع يديها باستسلام تهون عليها
"حسنا ، حسنا لن اتكلم معكِ بهذه الطريقة مرة اخرى ، ولكن ما لذي غير رأيكِ هكذا ؟"
اخفضت رأسها بإحراج وهي تهمس بخفوت مستاء
"لقد كنت بالفعل اهدف للحديث مع والدته وقد اخذتني من عند الباب وجلسنا على انفراد ، ولكن حدث شيء مغاير لتوقعاتي عندما ظهر جواد امامنا فجأة وقاطع سير خطتي حتى اصبحت اتبادل الحديث معه بدل والدته ، هكذا انتهى مصيري"
عقدت حاجبيها بجمود وهي تحرك كتفيها باستخفاف قائلة بمنطقية
"وهذا ما كنت اتوقعه ، فأنتِ لم تحسبي حساب ظهوره بالمكان الذي انتِ ذاهبة إليه !"
ردت عليها من فورها بعبوس بائس
"ولماذا تقولين هذا الكلام الآن ؟ ماذا سينفعني كلامكِ المتأخر هذا ؟"
رمقتها بطرف حدقتيها الزرقاوين وهي تهمس بابتسامة ساخرة
"لم اظن بأنكِ بذلك المستوى المحدود من الذكاء"
فغرت شفتيها بصدمة وهي تتلقى إهانة كبيرة اصابتها بالصميم قبل ان تقول بقنوط عابس
"قاسية القلب"
اعتلت ملامحها ابتسامة مائلة وهي تقترب منها هامسة بمغزى
"إذاً وماذا حدث ايضا بجانب الكلام ؟ هل هناك افعال مرفقة مع الكلام ؟ هل تطور الامر لأشياء اخرى مخجلة ؟"
تصاعدت الدماء على محياها حتى تفجرت وجنتيها باحتقان دامي تحت بشرتها وهي تهمس بخفوت مرتبك من فرط شعورها
"على ماذا تلمحين يا ماسة ؟ لم اكن اعرف بأنكِ تملكين تفكير منحرف كهذا !......."
قاطعتها بدفاع وهي ترفع كفها بتبرير سريع تبرئ نفسها من التهمة
"قفي عندكِ يا فتاة ! انا لم اقصد اي من ذلك الكلام المنحرف الذي ذهب له تفكيرك ، لقد كنت اتكلم إذا كان قد تصرف معكِ بهمجية او تعامل معكِ بقسوة ليجعلكِ ترضخين له ولو بالإجبار"
ادارت وجهها بعيدا بخجل ما يزال يتخلل بجزيئات جسدها وهي تهمس بخفوت مضطرب
"هكذا الامر إذاً"
ارتفع حاجب واحد بمكر وهي تسند ذقنها فوق قبضتها هامسة بعبوس متسلي
"يبدو بأنكِ انتِ التي تملكين تفكير منحرف بسبب انحدار افكاركِ لذلك المستوى"
نظرت لها بامتقاع عابس وهي تقول بغضب مكتوم
"ألا تلاحظين بأنكِ بالآونة الاخيرة قد اصبحت كتلة من الاستفزاز والازعاج ؟ لقد بدأت اشتاق لكِ عندما كنتِ كئيبة وسوداوية"
تأففت بأنفاس طويلة وهي تعتدل بجلوسها باستقامة قائلة بصلابة
"كفي عن التذمر والشكوى ، وقولي ماذا حدث ايضا بالكلام الذي دار بينكما ؟ هل هناك اي مواضيع اخرى تثير الاهتمام ؟"
زمت شفتيها بصمت وهي ترفع كفها وتريحها على بطنها هامسة بابتسامة شاردة
"لقد عرف بأمر الطفل"
ارتفع حاجبيها بدهشة لوهلة قبل ان تهمس بإيجاز
"بلا شك هي زلة لسان !"
اومأت برأسها بشرود اكبر بدون ان تنطق بحرف او تعلق على كلامها ، لتتنهد بعدها ببؤس وهي تكتف ذراعيها قائلة ببساطة
"كان سيعرف بالأمر عاجلا ام آجلا ، إلى متى كنتِ تفكرين بإخفاء هذا الامر عنه ؟ فلا تنسي بأن هذا الطفل يعود له ايضا ، وانتِ لا تتمنين ان يعيش ابنكِ بدون اب !"
نظرت لها بعيون حزينة وهي تحرك رأسها بالنفي بضعف وكأنها لم تعد تعرف ما هو الصواب بالنسبة لها ولطفلها الذي انكشف سره ، لتقاطع افكارها بلحظة قائلة بصوت جاد باهتمام
"وماذا كانت ردة فعله ؟"
غامت ملامحها بسراب افكارها وهي ما تزال تتحسس بطنها بكفها قبل ان تهمس بخفوت يحمل الحنين والحزن معا
"لقد غضب بالبداية بسبب اخفاء الامر عنه ثم قدمت له التبرير على موقفي ثم ارتضى بالأمر وبعدها....."
قطبت جبينها عندما توقفت عند كلمة بعدها بدون تكملة وهي تقول لها تستحثها بفضول اكبر زرعته بداخلها
"وماذا بعد كلمة بعدها ؟ أليس هناك تكملة !"
عضت على طرف شفتيها بغيظ وهي تهمس من بينهما بخجل تداري نفسها
"كلا لا يوجد بعدها ، لقد انتهى"
تقدمت (ماسة) بجلوسها وهي تراقبها عن كثب هامسة بجمود
"هل انتِ متأكدة ؟"
ردت عليها من فورها بحزم تخفي حريق بداخلها
"بلى متأكدة ، ولماذا قد اكذب ؟ لقد انتهى"
تقوست شفتيها بعبوس وهي تهمس بنبرة مغيظة
"لماذا اشعر بأنه لم ينتهي ؟"
تنفست (صفاء) بضيق حقيقي وهي تهمس بامتعاض
"انتِ حقا مستفزة"
ابتسمت لها ببرود بتعبير جليدي وهي تنظر لها عن قرب بدون ان تبعد ناظريها عنها ، لتزفر انفاسها باستسلام وهي تشيح بوجهها بعيدا قائلة بانفعال حارق
"لقد طلب مني اجراء لقاء بيننا بعد غد بالمقهى بقرب المدينة ، لكي يتحدث معي بأمورنا ونتفق"
اكتسحت ملامحها غيوم رعدية وهي تقول بابتسامة جامدة بقسوة
"وانتِ بالطبع وافقتي مثل البلهاء"
نظرت لها بسرعة وهي تقول بدفاع هجومي
"لا لم اوافق"
ارتفع حاجبيها بتلقائية وهي تهمس بشك اقرب للاستنكار
"هل رفضتي ؟"
عضت على طرف شفتيها بعصبية وهي تخفض نظرها هامسة بتشتت مرتبك
"لا لم ارفض ، ولم اوافق ايضا ، فقط صمت عن الاجابة"
رفعت رأسها بتفكير لوهلة قبل ان تهمس بخفوت ساخر
"الصمت علامة الرضا"
فركت قبضتيها بتوتر وهي تقول ببأس
"لم اصمت فقد قلت له بأني سوف اغادر وهربت"
لوت شفتيها بامتعاض وهي تلوح بذراعها جانبا قائلة بجموح
"وما لفرق بينهما ؟"
ادارت وجهها بعيدا بعبوس تلتزم الصمت المتعمد لكي لا تقهر عزيمتها اكثر ، لتتنفس بعدها الصعداء ما ان تدخلت الخطوات التي كانت تقترب منهما قبل ان يتبعها صوت صاحبتها قائلة بمحبة
"كيف احوالكما يا فتيات ؟ اراكما تعقدان اجتماعا هنا ! هل هو اجتماع خاص ؟"
رفعت (صفاء) رأسها عاليا وهي تنوي الكلام قبل ان تسبقها التي قالت باندفاع بدون مقدمات
"إلى اين تريدين الذهاب يا روميساء ؟"
اجابتها (روميساء) وهي تصبح بقرب مكان جلوسهما قائلة بنبرة صوتها المتزنة التي لا تخلو من الحزم
"سوف اذهب لإنجاز بعض المهام الخاصة بالعمل خارج المنزل ، لذا اعتني بالمنزل جيدا بغيابي ، وإياكِ والتصرف بأي حماقة من وراء ظهري ، حسنا !"
عبست ملامحها بوجوم وهي تقول بتذمر حانق
"اجل اعرف ذلك يا روميساء ، فأنتِ لا تتركين طفلة خلفكِ بالمنزل"
تحركت من مكانها تسير باتجاه باب المنزل وهي تقول ببرود
"بل اترك طفلة كبيرة تحتاج لمربية لتهذب سلوكها"
صرخت بغضب مرتفع وهي تسمع ضحكة الاخرى التي لم تتمالك نفسها على الموقف الطريف امامها
"روميساء !"
اغلقت (روميساء) الباب خلفها وهي تقول آخر كلماتها تودعها بها
"وداعا يا صغيرة"
زمت شفتيها بعبوس وهي تنظر بعيون تقدح نيرانا للتي كانت تحاول كتم ضحكاتها بطرف اسنانها الصغيرة ، لتحرر انفاسها بهدوء وهي تقول بلطف تغير الاجواء النارية المحيطة بهما
"تبدو روميساء مختلفة عن السابق شكليا وروحيا ، هل لاحظتِ ذلك ام هي مجرد اوهام ؟"
غامت ملامحها بأسى وهي تدير عينيها ناحية الباب المغلق قائلة بخفوت واجم
"هذه ليست اوهام فأنا قد لاحظت ذلك ايضا ، لقد باتت تصرفاتها غير طبيعية مؤخرا ، وتتعرض للتعب كثيرا وتجهد نفسها فوق طاقتها ، فهي هكذا منذ كنا اطفال تحمل كل شيء فوق عاتقها ولا تسمح لأحد مشاركتها بذلك الحِمل الذي كنت انا جزء كبير منه"
اختفت ابتسامتها فوق محياها وهي تهمس بخفوت حزين تشارك الألم معها
"وماذا حدث بقضية الطلاق ؟"
اعادت وجهها نحوها وهي تحرك كتفيها بعدم اهتمام هامسة ببساطة
"ما تزال واقفة بمحل المجهول فهي تحتاج لمن يحركها من مكانها ، ولا يبدو بأنه يوجد احد على استعداد لتحريكها"
اومأت برأسها بشرود استحضرت سحابة فوق عينيها العسليتين وهي تراقب التي تابعت كلامها بلحظات قائلة بمرح حولت له الموقف
"اسمعي هذا الكلام ، اكثر امرين محظورين عند روميساء ومن الاستحالة حدوث اي منهما ، الأول هي ترك وظيفة تعليم الصفوف الاساسية ، الثاني هو الطلاق من احمد ، وكل منهما يستحيل حدوثهما بحياة روميساء ، كوني واثقة من ذلك"
كورت شفتيها بوجوم وهي تهمس بسخرية
"لديكِ ثقة عالية بنفسكِ"
اتسعت ابتسامتها ببرود قبل ان تعبس بلحظة وهي تقول بتذكر تتقمص شخصيتها الجليدية بدون رحمة
"لقد نسيت نفسي تماما ، ألم نكن نتكلم قبل قليل عن موضوع لقاءك بجواد وقطعنا الحديث قبل انهاءه ؟ هل تظنين بأنني سأترك هذا الموضوع يمر مرور الكرام ؟"
عضت على طرف شفتيها بقهر وهي تشيح بوجهها بعيدا قبل ان تتمتم ببؤس على وشك دفن نفسها والقراءة على روحها السلام
"يا إلهي انجدني من هذه الورطة ! فأنا اكثر انسانة مظلومة بالعالم"
_______________________________
كانت جالسة بكرسي منفرد بغرفة مكتب العيادة وهي تستمع لصوت الطبيبة الخاصة التي اجرت الفحوصات المبدئية لها بغضون نصف ساعة وهي اطول مدة زمنية مرهقة تمر عليها ، وها هي تشرح الآن عن نتيجة الفحوصات الغير مبشرة واعراضها ومضاعفاتها بالتفصيل الممل حتى كادت تفقد وعيها بسبيل ان تصمت صوتها المحيط بعالمها يرافقها رنين غير محتمل شوش انظمة عقلها المتزن وضاعف ألمها الداخلي وكأنه يتضامن مع كلامها ، لترفع رأسها توقظ نفسها من تلك الدوامة وهي تقاطع خطابها لأول مرة قائلة باستفسار متزن
"وماذا سيحدث لو اجلت الامر بضعة ايام ؟ هل سوف تسوء حالتي اكثر ؟"
ضمت الطبيبة يديها فوق سطح المكتب وهي تقول بنبرة مهنية بصرامة كما يلزم عملها
"هذا الامر لا يجوز التساهل به يا روميساء ، كلما تأخرنا بإجراء العملية الجراحية لكِ باستئصال الزائدة كلما اقتربتِ من تعرضك لإصابة اخطر تهدد حياتك وقد تكون ليست لصالحك ابدا ، فإذا حدث وانفجرت الزائدة عندكِ فلن نستطيع احتواء الاضرار التي ستنتج عنها ، وحالتكِ بالفعل قد وصلت لمستويات عالية بسبب إهمالك لنفسك واستهتارك بالتعامل مع ألمك الذي انتشر وتشعب بداخلك ، وانتِ بالطبع لا تريدين حدوث هذا لكِ"
اخفضت رأسها بتعب وهي تشتت نظرها بضياع لوهلة بعد ان اكتشفت المصيبة التي تتعرض لها وتعيق عليها حياتها وقد تكون المحطة الاخيرة لها إذا لم تتعامل مع الوضع جيدا ، لتفرك بعدها قبضتيها فوق ساقيها بتوتر اكبر وهي تقول بصوت خفيض تحاول تقليل اضرار وضعها
"وما هي الاعراض التي قد تصيبني بالوقت الحالي ؟"
تنفست الطبيبة بهدوء وهي تعدل نظارتها الطبية فوق عينيها قائلة بتقرير مباشر بدون اي مواربة تشمل كل الجوانب بحالتها
"الاعراض التي قد تصيبك من التهاب الزائدة الاصابة بحمى منخفضة وارتفاع بدرجة حرارتك ، الغثيان والتقيؤ ، الألم المتفاقم من السعال او الضحك او العمل لساعات طويلة مرهقة مثل المشي او الحركة المفاجئة ، فقدان الشهية ، وقد تصابين بالإسهال او الإمساك ، ولن ننسى الألم من جانب بطنك الايمن والذي لن يفارقك إذا لم تتعاملي مع الأمر بسرعة ، وهذا كله سوف يحدث معكِ طول الفترة التي تسبق إجراء العملية الجراحية"
ابتلعت ريقها بوجع حقيقي وكأنها بدأت تشعر بوجود تلك الاعراض التي مرت بنصفها بحياتها اليومية والتي لم تكن تحدث من فراغ ، لترفع رأسها بملامح شاحبة فقدت الحياة وهي تقول بصوت باهت
"أليس هناك حلول اخرى بدون إجراء عملية جراحية ؟"
اعتلت ملامحها علامات الاسف وهي تقول بهدوء موجز
"بحالتكِ انتِ وما وصلت له من تطور وصعوبة فليس هناك بديل عن إجراء العملية الجراحية قبل انفجار زائدتك وانتشار العدوى ، وإجراء تلك العملية هي الخيار الصائب من اجل صحتك وحياتك"
زفرت انفاسها بنشيج وهي تحاول تمالك اعصابها برباطة جأش بعد كل ما تعرضت له للآن ، لتقول بعدها بهدوء متزن وهي تفكر بمنطقية
"وكم الوقت الذي سوف استغرقه بالبقاء بالمشفى بعد اجراء العملية ؟ ومتى يمكنني استئناف اعمالي ونشاطاتي اليومية ؟"
عقدت حاجبيها بتفكير لبرهة قبل ان تقول بصوت عملي جاد
"اقل مدة ستبقين بها بالمشفى من ثلاث لأربع ايام حتى تكونين تحت المراقبة ونطمئن من استقرار حالتك ، وبالنسبة للعودة لنشاطاتك الاعتيادية بالمنزل والعمل فقد تحتاجين اسبوعين لثلاث اسابيع حتى تستطيعين الخروج من اعراض العملية الجراحية وممارسة حياتك بشكل طبيعي ، وينصح بتجنب الاعمال الشاقة لمدة تتراوح بين اربع لست اسابيع بعد الجراحة"
شخصت عينيها الخضراوين بخوف تجلى على محياها بشحوب اكبر من المدة الطويلة التي سوف يأخذ منها انحلال هذا الامر ، لتضغط على صدغيها بأصابع يديها وهي تحرك رأسها بالنفي هامسة بهذيان خافت
"كلا هذا ليس وقته ، ليس وقته ابدا"
تغضن جبين الطبيبة بقلق وهي تقول بخفوت متوجس
"ماذا هناك يا روميساء ؟ هل كل شيء بخير ؟"
توقفت عن الهذيان بلحظة وهي تخفض يديها بصمت قبل ان تتلبس الشرود بملامحها الحزينة ، لتنهض بعدها عن الكرسي وهي تقول بخفوت حازم تتخذ قرارها
"متى سوف يكون موعد العملية الجراحية ؟"
ارتسمت ملامح الجدية على محياها وهي تنظر بجدول اعمالها قائلة ببساطة
"بعد يومين هو انسب موعد لإجراء العملية الجراحية ، وكلما قربنا الموعد يكون افضل لكِ......"
قاطعتها (روميساء) بقوة وهي تعزم امرها
"اعطيني ابعد موعد لإجراء العملية واُفضل ان يكون الاسبوع القادم"
ردت عليها من فورها بنبرة حازمة غير راضية
"ولكن يا سيدة روميساء هذا لن يكون لصالحك ابدا ، فإذا تطورت اصابتك قد تهدد حياتكِ وتصبح اخطر....."
قاطعتها مجددا بصوت اكثر حدة خرج عن اللباقة والذوق وهي تحسم الجدال
"انا اعرف مصلحتي وما يكون جيد لصحتي اكثر من الجميع ، لذا رجاءً افعلي ما طلبته منكِ واعطيني ابعد موعد لإجراء العملية الجراحية ، فهذا القرار يعود لي شخصياً ولا احد له الحق بالتدخل به"
زفرت انفاسها باستسلام امام عنادها وهي تعود بالنظر لجدول اعمالها لتقول بعدها بعملية جادة
"حسنا هذا قرارك انتِ ولن اتدخل به ، سوف اعطيكِ موعد ببداية الاسبوع القادم يعني بعد خمس ايام لأجراء العملية ، حاولي المجيئ على الموعد تماما ولا تتأخري عنه ، فنحن كل ما نريد الوصول له هي سلامة صحتك واحتواء كل الاضرار المحتملة التي قد تحدث لكِ"
اومأت برأسها للأسفل وهي تهمس بوهن خافت
"ألا استطيع تأجيل الموعد قليلا حتى نهاية الاسبوع القادم ؟"
ردت عليها من فورها بصوت جاد بدون اي تهاون
"لا ليس هناك تأجيل عن الموعد فهذا اقصى حد زمني استطيع تقديمه لكِ"
زمت شفتيها بامتقاع وهي تهمس بخفوت مستسلم
"حسنا فهمت ، شكرا لكِ على وقتكِ يا طبيبة فتون ، اقدر لكِ تعبك معي ومجهودك بالتفكير بسلامة صحتي ، جزاك الله خيرا"
ارتسمت ابتسامة متزنة على محياها وهي تكتب على ورقة بيضاء فارغة بعض اسماء الادوية الحيوية والمسكنات ، لتمد لها الورقة وهي تقول بخفوت لبق
"هذه بعض الادوية الضرورية التي ستساعدك على تجاوز الألم ومساندتك بحالتك ، وعليكِ شرائها من اقرب صيدلية لكي تبدأي بتناولها بمواعيد منتظمة ، وأي جديد قد يطرأ على حالتك يمكنكِ الاتصال بي واخباري عنه ، وانا سأحاول التواصل معكِ دائما حتى قدوم موعد العملية"
اخذت منها الورقة الصغيرة وهي تقول بابتسامة لطيفة
"شكرا لكِ"
ردت عليها بلحظة بمودة
"حمد لله على سلامتك"
اومأت برأسها بشرود وهي تدس الورقة بجيب سترتها الجلدية قبل ان تتحامل على نفسها وتغادر خارج الغرفة بدون اي كلام ، وما ان اصبحت برواق العيادة حتى اسندت ظهرها على الجدار بتعب نفسي اكثر منه جسدي بعد كل ما سمعته قهقر نظام حياتها ، لتضغط بعدها بكفها على جانب بطنها الايمن وهي تهمس بخفوت مجهد بتضرع
"يارب اعطيني العزيمة والقوة على الاستمرار ، فأنا احتاج كل طاقتي وقوتي للانتصار على معاناة هذه الايام ، لذا ارجوك ان تهبني القوة والصحة لإكمال جهادي مع الحياة"
اخذت لحظات وهي تتنفس بصدر تمزق بشروخ اتسعت وتفرعت مع الايام بقدر الهموم التي تحملها فوقها ، لتمسح بعدها على وجهها بدعاء خفيض وهي تصل بيديها لشعرها الناعم الذي سجنت خصلاته بأصابعها ، لتحررها بلحظة وهي تستقيم بعيدا عن الجدار قبل ان تكمل سيرها بخطوات ثابتة حفظت طريقها الطويلة منذ المهد .
__________________________
كان يراجع الاوراق امامه بملامح جامدة بانت تجاعيد العمر عليها بترهل واضح وقد بدأت تتكاثر مع الإرهاق والعمل وكأنها تبرم اتفاق مع كل شيء يحدث وحدث بالآونة الاخيرة ، حتى اصبح يكبر ويتقدم بالعمر بسرعة قياسية اكثر عن السابق بأضعاف عمره الحقيقي ليتحول بالنهاية لمجرد مسن خمول وكتلة من العظام المتآكلة .
قطع افكاره صاحب الاقتحام المفاجئ وهو يمسك بمقبض الباب ويلهث بأنفاس سريعة ، وما ان كان على وشك الكلام حتى سبقه الذي خرج عن صمته وهو يضرب الاوراق على سطح المكتب
"ما هذا الدخول عديم الادب والانضباط ؟ هل هكذا تدخل لغرفة رئيسك مثل دخول الحيوانات على الغابة ؟"
ارتبكت ملامحه بخوف وهي يحني رأسه بأدب قائلا بندم شديد
"انا اعتذر يا سيادة الرئيس ، اقبل مني كامل اعتذاري وحماقتي بالتصرف"
لوح بيده اتجاه الباب بلا مبالاة وهو يقول بقسوة
"حسن سلوكك اولاً وبعدها اقبل اعتذارك"
اومأ برأسه وهو يخرج من الغرفة مباشرة قبل ان يعود مجددا وهو يطرق على الباب بأدب ، ليعطيه بعدها الإذن بالدخول وهو يلوج للغرفة بصمت محني الرأس باحترام ، ليقول باللحظة التالية بتهذيب
"هل استطيع الدخول يا سيدي ؟"
اومأ برأسه وهو يرجع ظهره للخلف قائلا بهدوء مهيب
"هيا ادخل وقل ما لديك بسرعة ، واتمنى ان تكون اخبار ذات قيمة تستحق هذا الدخول المجنون"
تقدم امامه عدة خطوات حتى اصبح بقرب مكتبه وهو يقول برأس محني بأدب
"اجل ذات قيمة واهمية كبيرة فهي تخص ابنك اوس"
حدق به بعينين ضيقتين تغضنت زواياهما وهو يجلب حديث عن ابنه الغائب عنه منذ اشهر بدون ان يظهر له اثر ولو سؤال عن والده الذي اهتم بتربيته سنوات طويلة ، ليتقدم بعدها بجلوسه وهو يريح مرفقيه فوق سطح المكتب قائلا بهدوء عميق يخفي جبل من المشاعر المطمورة بداخله
"ماذا به اوس ؟ هل هناك جديد عنه ؟"
رفع رأسه بتأهب وهو يقول بصوت عملي تقمصه بلحظة
"لقد وصلتنا اخبارية من جواسيسنا عن إصابة اوس بطلق ناري بعراك مع احدهم ، وشريكه بالعراك قد تلقى ايضا اصابة بنفس مسدس اوس ، وهو الآن نزيل بمشفى المدينة ويتم معالجته وقد قدم إفادة للشرطة يتهم بها اوس بجريمة اصابته حتى بدأت الشرطة التحقيق بمجريات الحادثة"
تجمدت ملامحه المترهلة بغضب قدح بعينيه وهو يضرب بكفه على سطح المكتب ارتعد الواقف لها قائلا بغضب اسود
"وماذا كانت المهمة التي اوكلتها لكم ايها الحمقى ؟ ألم اطلب منكم حراسته والبقاء على مقربة منه وعدم مبارحة مكانكم ؟ ماذا حدث الآن ؟ اين كنتم بوقت الحادثة ؟"
اخفض رأسه بسرعة وهو يقول بخزي شديد
"اعتذر مجددا يا سيدي ، ولكني لم اكن اعلم بكل ما حصل وجرى ألا عندما اخبروني اليوم ، اكرر اعتذاري....."
قاطعه بصرامة اكبر وهو يعيد ضرب الطاولة بكفه
"توقف عن الاعتذار بكل دقيقة فلن يفيدني اعتذارك بشيء ، اخبرني الآن ما مدى خطورة ما عرفته الشرطة ؟ وكيف حدث واطلق عليه اوس النار ؟ فأنا اعرف ابني جيدا ومدى جبنه باستخدام المسدس على من يسيء إليه ومن لا يسيء ، فهو احمق كبير بالفطرة"
رفع رأسه وهو يقول بنبرة عملية يسرد ما حدث
"لقد كان اوس يهدده كلاميا بالمسدس بدون إطلاق النار عليه ، ولكن حدث عراك بينهما جعلت الطلقة تصيب اوس بدلا عنه ، وحسب ما اخبرنا به جاسوس كان يراقب تلك الانحاء بأن الرجل الذي كان معه اطلق على نفسه بمسدسه عمدا وبعدها فر هاربا من المكان ، هذا موجز كل ما حدث"
امسك ذقنه بيده بتفكير عميق وهو يقول بابتسامة قاتمة بحقد دفين
"إذاً هذه مؤامرة تحاك حول اوس ! ويظنون انفسهم بهذا الذكاء حتى ينفذوا من فعلتهم ! يا لهم من مجموعة حثالة انذال"
احتدت ملامحه بلمحة خاطفة وهو يخفض يده قائلا بنبرة مختلفة بقسوة
"وما كان سبب العراك ؟ فأنا اعرف بأن اوس لا يتعارك مع اي احد بدون سبب قوي يدفعه لنزع رداء الشرف والنبل عنه"
ابتلع ريقه بوجل وهو يجيب بصوت انخفض بحذر
"لقد عرفنا بعد الاطلاع على سجل حياة الرجل الذي تعارك معه بأنه مخطوب ، وهو مخطوب بالفتاة التي كان اوس يلاحقها سابقا بإصرار وعناد كبيرين لدرجة كان يقضي ساعات الليل امام منزلها بدون ان يبارح مكانه"
ارتفع حاجبيه ببرود وهو يقول بسؤال جاف وكأنه يتوقع الاجابة سلفا
"ما اسم تلك الفتاة ؟"
ردّ عليه مباشرة وهو يسلم امره للانفجار القريب
"اسمها سيدرا عبدالسلام"
عبست ملامحه وهو يتنفس بيأس ما ان اكتشف فعلة ابنه الاهوج الذي ما يزال يطارد طيف الحب الملعون ، ليضرب بعدها على سطح المكتب بقبضته بقوة اكبر وهو يقول باستنكار حاد يكاد يخرج دخان من انفه
"ذلك الولد المعتوه ! ما يزال مسجون بقضبان ذلك الحب العابر الذي ما كدنا نتخلص منه حتى عاد لملاحقته ، ما لذي يفكر بفعله بهذه التصرفات الحمقاء والتي يخجل المراهقين من فعلها ؟ هل هو واقع بالحب لهذه الدرجة ؟"
صمت تماما يتأمل الفراغ امامه حتى لم يسمع نداء الواقف امام المكتب ، ليحول بعدها تركيزه نحوه ما ان قال بهدوء عملي يتابع تلخيص الاحداث
"ولكن ما لا يعرفه احد بأن تلك الفتاة قبلت الزواج من ذلك الرجل فقط للحفاظ على سر اوس والفضائح التي تخصهما ! فقد قال الجاسوس الذي استمع لشجارهما بأن ذلك الرجل قد اثار غضب اوس بسبب تلك القصة ، فتلك الفتاة التي تدعى سيدرا اصبحت لعبة بين يديّ ذلك الرجل المخادع بسبيل حماية اوس من مصير اسوء من السجن"
غامت ملامحه بقناع البرود الصلب وهو يقول بدائرة الشرود التي غلفت عقله بشبكة عنكبوت
"هل يعقل بأنها تحبه حقا بكل عيوبه وعقده ؟ هل هناك شيء كهذا ؟"
قطع غلاف صمته صوت الواقف امامه وهو يقول بهدوء شديد كي لا يغضب عليه
"سيدي هل تريدنا ان نتدخل بهذا الامر ؟ فقد اصبحت الفتاة ايضا مشتركة بالجريمة ، وليس بعيد ان يتم استدعائها لقسم الشرطة بأي لحظة لتقدم إفادتها بهذه القضية ، فقد وصلنا من رجالنا الموجودين بمغفر الشرطة بأن الفتاة ايضا قد اتهمت بمساعدة عشيقها اوس بالهروب من مسرح الجريمة على حسب اقوال الرجل المغدور الذي على ما يبدو يخطط للانتقام من كليهما"
تعقدت ملامحه بامتقاع وهو يقول بنبرة غامضة
"هل الامر وصل لهذا المنحى ؟ يا له من تطور سريع بمجرى الاحداث !"
ردّ عليه الرجل بكل تأهب واستعداد
"سيدي ماذا تطلب منا ان نفعل حيال هذا الامر ؟ وكلنا الآن رهن إشارتك"
زفر (متحت) انفاسه بهدوء وهي يضم قبضتيه فوق سطح المكتب قائلا بابتسامة متغضنة بثقة
"اخبر الجميع بأن هناك حالة طوارئ تسترعي منكم الاستعداد جيدا وتجهيز كل الإعدادات اللازمة للانطلاق بالمهمة التي سوف اوكلها لكم غدا صباحا ، فهذه المهمة لا تقارن بأي مهمة لأنها تخص انقاذ ابني الوحيد وزوجته المستقبلية والتي سوف تلد لي احفادي ، ولا اريد اي تهاون او تساهل بخطورة هذا الموضوع ، فهو سيضع حياتكم كلكم على المحك بحال خسارتكم او فشلكم بهذه المهمة"
اومأ برأسه باهتزاز وهو يهمس بطاعة تامة
"حاضر يا سيدي ، كون على ثقة بمؤهلات وقدرات رجالك"
رفع رأسه بشموخ وهو يريح نفسه على ظهر الكرسي باسترخاء ، ليقول بعدها الواقف امامه ببعض التردد
"سيدي انت لم تسألني عن وضع اوس الحالي بعد الإصابة التي تعرض لها ؟ واين يقطن الآن ؟"
نظر له ببرود وكأنه يتكلم عن ابن آخر لا يقرب له وهو يقول بجفاء قاسي
"هو لم يسأل عني طول المدة الفائتة وبوجودي بهذا العالم ! فلماذا اسأل عنه الآن بعد ان هجرني ونسيني ؟ وايضا لا تقلق بشأنه فأبني لن يموت من طلقة نارية عادية وسينجو منها مثل كل مرة فهو يملك تسع ارواح مثل القطط وقلب اسد لا يهاب احد ، وانا مدرك تماما بل واثق بأنه بخير الآن وبكامل صحته وعافيته ، فقط اتساءل عن مكان سكنه الحالي ومن الذي اسعفه بهذا الوضع ؟!"
اخفض عينيه بأدب وهو يجيب على السؤال بكل احترام
"انه مقيم الآن بمنزل جواد مصعب وهو الآن تحت رعاية زوجة مصعب"
صوب نظراته نحوه مثل الطلق وهو يغضن جبينه بألم غير مرئي اخترق صدره بشعلة متقدة عادت للثوران ، ليخفض بعدها عينيه نحو يديه المقبوضتين وهو يتمتم بصوت مشتد بنقمة
"هل سامحوه بهذه البساطة ؟"
قال الواقف امامه باستغراب وهو يحاول فهم ما يقوله
"هل قلت شيء يا سيدي ؟"
نظر له بجمود صخري وهو يقول بأمر صارم هز جدران الغرفة
"ما لذي تنتظره بوقوفك بمكانك ؟ ألم اعطيك الاوامر التي عليك تنفيذها ؟ هيا تحرك قبل ان اصب جام غضبي عليك"
ردّ عليه بوجل وهو يسرع بالخروج من الغرفة
"حاضر سيدي"
ما ان اختفى عن نظره حتى اراح رأسه على مسند الكرسي وهو يقول بقرار حاسم بطريق الوصول لأهدافه
"حسنا يا اوس سوف احقق امنيتك بالزواج من حبيبة قلبك ، وبالمقابل عليك بتحقيق امنيتي وجلب احفاد لي يحملون اسمي وكنيتي ويمجدون وجودي بالمستقبل وللأجيال القادمة"
_______________________________
سار نحو الباب وهو يفرك عينيه من النعاس بعد ان ايقظوه من نومه بالصباح الباكر ، وما ان وصل للباب وهو يقول بتكاسل حتى فتحه مباشرة بدون ادنى تفكير
"حاضر ، حاضر ها قد اتيت"
تسمر بمكانه وهو ينفض النعاس عنه ما ان قابل رجلين من الشرطة امام باب شقته ، ليغضن جبينه بجمود وهو يشدد على مقبض الباب قائلا بهدوء مرتاب
"خير إن شاء الله ! هل انتما مخطئين بعنوان المكان وتبحثان عن شقة معينة بهذه البناية ؟ يمكنني ان ارشدكما لوجهتكما الصحيحة إذا اردتما"
قال الرجل الاقرب له بصوت واثق مثل الروبوت المبرمج على كلام محدد
"بل نحن بالمكان الصحيح ، أليس هذا منزل سيدرا عبدالسلام ؟"
توترت ملامحه ما ان جاء على ذكر شقيقته وسبب حضورهم للمكان بموعد غير مبشر ، ليقول بعدها ما ان تمالك نفسه بتصلب
"من انتما يا سادة ؟ وماذا تريدون منا ؟"
اتسعت عينيه بتوجس ما ان اخرج بطاقته بوجهه والتي تبين مرتبته ومهنته وامتيازاته وهو يقول بعملية بنفس النبرة الآلية
"نحن من الشرطة الجنائية جئنا بأمر من النيابة العامة بتفتيش هذا المنزل بالكامل وساكنيه بعد ان وصلتنا شبهة باحتمال اختباء المجرم عندكم"
ارتفع حاجبيه بدهشة وهو يقول بعدم استيعاب
"ماذا ؟"
تقدم الرجل اكثر وهو يقول بجفاء يحاول اقتحام المنزل
"هلا تحركت من امامنا واخليت لنا الطريق ؟ فلدينا مهمة علينا المباشرة بتأديتها وانت تعرقل السير علينا"
امسك مقبض الباب وهو يسد الطريق امامه قائلا بغضب اندفع بداخله دفعه واحدة
"اين تظن نفسك داخل ؟ هل هذا منزل والدك تدخل إليه كما يحلو لك ؟"
رفع الشرطي اصبعه السبابة بعلامة التحذير قائلا بتهديد
"يا ولد احترم نفسك وابتعد عن طريقنا ، فأنت بهذه الطريقة تعرقل مجرى القانون وتدخل نفسك بالمشاكل"
رفع رأسه بشموخ بدون ان يرضخ له او يتزحزح من مكانه ، ليتدخل الصوت الذي جاء من الداخل وهي تقترب منهما
"ماذا يحدث معك يا معتز ؟"
تباطأت خطواتها بتوجس ما ان ظهر لها الرجلين الواقفين عند إطار الباب وشقيقها يبدو يقف لهما بالمرصاد ، وما ان وصلت له حتى وقفت خلف شقيقها بخوف خفق بنبضات قلبها الملتاع ، ليقول بعدها الذي ما يزال يقف امامهما بصوت قاتم
"هاذين الشرطيين يريدان اقتحام الشقة بدون اي احترام لحرمة المنزل ولخصوصيات افرادها ، هل يجوز لهما فعل هذا فقط لأنهما من الشرطة ؟"
تجمدت ملامح الشرطي وهو يحرك رأسه لشريكه من خلفه يعطيه الامر بالتدخل قبل ان يدفع الولد الواقف امامه بقبضته التي كانت مثل الخشبة على صدره قذفته بعيدا وهو يصطدم بالجدار المقابل ، لتتحرك بسرعة التي شهقت بجزع وهي تمسك بكتف شقيقها وتمسح على صدره بكفها ، لتنظر بعدها للرجلين اللذان اقتحما منزلهما ببساطة واكملا سطوهما بمهمة لا تقبل التراجع عنها او التردد بتأديتها بقلوب قاسية لا تعرف الرحمة .
استقام (معتز) بمكانه وهو على وشك التدخل لولا التي امسكت بذراعه تشده للخلف وهي تقول بخفوت حذر
"اتركهما يفعلان ما قدما من اجله ويرحلا بسلام ، فلا نريد ان نسبب لنا المزيد من المشاكل او نحدث ضجة تجذب سمع الجيران إلينا"
سحب ذراعه بعيدا بعنف وهو يستند بظهره على الجدار بملامح جامدة ونظره يتابع الرجلين اللذان كانا يقلبان الغرف رأساً على عقب ، لتستند بعدها الاخرى على الجدار كما يفعل وهي تمسك طرف الوشاح بجانب وجهها بصمت كئيب ، ليقطعه بعدها بلحظات صاحب الصوت البارد بمقت
"انهما يبحثان عنه ، ولن يتوقفا حتى يعثران عليه"
بهتت ملامحها وتسارعت انفاسها وهي تحيد بطرف حدقتيها الخاويتين نحوه ما ان ذكر الامر المحتوم بدون ذكر هوية الشخص المفقود الذي يتم البحث عنه الآن ، ولم يخيفها ويزيد خفقات قلبها بكل ما قال سوى المقطع الذي يذكر فيه بأنهما لن يتوقفا حتى يعثران عليه يعني إيجاده اصبح امر ملزم لا تراجع عنه ويبين خطورة ما ارتكبه بعيون القانون .
ابتلعت الكلام الذي كانت تنوي قوله ما ان تحرك شقيقها بلمح البصر باندفاع ، لتدير عينيها بسرعة مع حركته حتى وصل عند رجلين الشرطة وهو يمنعهما من دخول الغرفة التي وصلوا لها ، لتحرر انفاسها بهلع ما ان قال الذي فرد ذراعيه على جانبي الباب وهو يقول بشراسة هجومية
"غير مسموح لكما الدخول هنا ، فهذه الغرفة التي تقبع بها والدتي وهي نائمة الآن وليست غرفة فارغة يمكنكما الدخول لها كما يحلو لكما ، هل تظنان نفسكما تملكان الاحقية باقتحام غرف الناس ايضا ؟"
تنفس الشرطي بانزعاج وهو يضرب على كتفه بيده قائلا بجمود صخري
"إلى متى سوف تستمر بعرقلة عملنا يا ولد ؟ هل ستستمر طويلا بتمثيل دور البطل امامنا حتى تسقط بيدنا بالنهاية وتنتهي حياتك ؟"
شدد على اسنانه بهياج الغضب وهو يقول بازدراء واضح
"لست اخافك او اهابك ، فأنا ادافع عن شرفي واصلي لأنني رجل ولست مثلكم !"
تجهمت ملامحه بتغير واضح على لوح الجليد وهو يمسك بياقة قميصه بلمح البصر يكاد يرفعه عن الارض قائلا بنبرة جامدة بخطر
"لقد اكتفيت من عبثك يا طفل ، اما ان ترضخ لما نقوله بالحسنة واما ان نرميك خلف قضبان السجن وتتهم بالتطاول على شرطي جنائي"
تدخلت (سيدرا) بسرعة وهي تنقض على ذراع الشرطة قائلة بشراسة لبؤة مجروحة
"اتركه فهو لم يخطئ معك بشيء ، لقد كان يقول الحقيقة فهذه الغرفة لوالدتي وليس هناك احد غيرها ، وهي لا تستطيع النهوض من مكانها لأنها عاجزة ، ألا تقدرون ظروف الناس وتراعون مشاعرهم ؟ أليس لديكم امهات تخافون عليهن وتحمونهن من الغرباء ؟ من ماذا انتم مصنوعين ؟ ألا تملكون ذرة انسانية بقلوبكم ؟"
عبست ملامح الشرطي بتلبك وهو ما يزال يمسك بياقته بدون ان يتخلى عنها ، ليقول بعدها الشرطي الثاني وهو يمسك بكتفه يحاول تخفيف سوء الوضع
"يكفي يا يعقوب اتركه ، فهو ما يزال مراهق صغير يدفعه طيش الشباب ، وهو ليس ما نريد الوصول له"
لانت ملامحه قليلا وهو يدفعه من ياقته بقسوة قبل ان تترك الاخرى ذراعه وهي تمسك بشقيقها الصغير بخوف ، ليتنفس بعدها بهدوء يضبط اعصابه التي ثارت فجأة وهو يقول بلحظة بجمود صارم
"لا بأس نحن فقط سوف نلقي نظرة من الباب بدون الدخول للغرفة ، ويمكنكم تنبيه والدتكم بوجودنا وتغطية رأسها بالوشاح ، ولن نسبب اي ازعاج لها"
ما ان كان (معتز) سيتدخل حتى سبقته التي قالت بشجاعة مفاجئة
"حسنا انا سأدخل لوالدتي واجهز الوضع لكم ، انتظروني ثواني من فضلكم"
تجهمت ملامحه وهو يراقب شقيقته التي فتحت باب الغرفة بدون انتظار ودخلت لها مباشرة ، وبعدها بغضون ثواني كانت تفتح الباب لهما وهي تفرد ذراعها امامهما قائلة بعملية جافة
"ها هي الغرفة امامكما ، لا يوجد بها احد سوى والدتي ، ولا تتسع لنخبئ احد بها"
تصلبت ملامح الشرطي بخشونة وهو يحرك رأسه لشريكه بإشارة المغادرة قبل ان يقول بهدوء لا يحمل اي مودة
"شكرا لكم على حسن تعاونكم"
تنفست (سيدرا) الصعداء وهي تخرج من الغرفة وتغلق الباب خلفها برفق لكي لا تفيق والدتها ، لتلحق بعدها بالرجلين اللذان وصلا باب المنزل وهي تقف مقابلا لهما ، لتفاجئ بعدها بالشرطي الذي نظر لها بتركيز وهو يقول بخشونة
"هل انتِ المدعوة سيدرا ؟"
اومأت برأسها بحذر وهي تنتظر القادم والذي لم ينتهي عند هذا الحد ، ليقول الشرطي بنبرة عملية وهو ينقل ما يلزم عليه قوله
"هناك امر بأخذكِ لقسم الشرطة لإجراء التحقيقات معكِ ، وهذا الامر قادم من قسم الشرطة الجنائية ، لذا هلا تفضلتِ معنا رجاءً ؟"
ارتجفت ملامحها بشحوب غزى محياها من الطلب الغريب الذي اصدر بحقها وكأنها مجرمة هاربة من العدالة ، ليصرخ (معتز) من فوره باستنكار معترض
"ماذا تريدون من شقيقتي ؟ بماذا تريدون إدانتها هذه المرة ؟ هل تظنون هذه غابة تقتحمون المنازل وتأخذون اهلها ؟......"
قاطعته (سيدرا) بسرعة وهي ترفع رأسها قائلة بكل هدوء تحسد عليه
"سيدي هل يمكنني معرفة سبب جريمتي ؟ وبماذا انا مدانة الآن ؟"
نظر الشرطيين لبعضهما للحظات قبل ان يعود الشرطي المسالم للنظر لها وهو يجيبها بكل عملية
"لقد رفعت عليكِ شكوى بمحاولة تهريب المجرم اوس بعد ان اطلق النار على خطيبك عمير ، وهذه كانت الإفادة التي قدمها السيد عمير للشرطة"
فغرت شفتيها بصدمة فاقت كل الصدمات الاخرى وهي تحاول تركيب كل الاحداث التي تسلسلت بحياتها والتي لا تمت للمنطق والعقل بصلة ، ولم تصل سوى لتحليل واحد وهو بأن (اوس) و (عمير) قد دخلا بشجار بين بعضهما انتهى بإصابة كل منهما برصاصة نارية ، وهو السبب الرئيسي برفض (اوس) الذهاب للمشفى وإخبار الشرطة عنه لكي لا يتهم بالجريمة ، ولكن كيف حدث الشجار واسبابه ؟ هي نفسها لا تعلم ! ولكنها تعلم شيء واحد وهو بأن (اوس) واقع بمشكلة كبيرة بعد ان وقف القانون ضده واصبح بنظرهم المجرم الهارب ، وعلى ما يبدو بأن اصابته بطلق ناري لن تبرر له فعلته او تخرجه من هذا المأزق ! ولن يتراجع (عمير) عما ينوي فعله بعد ان اشركها بهذه الجريمة وجعلها طرف بها وهو يدخل زوجته الصورية بجرائم حبيبها السابق .
افاقت من البؤرة السوداء على صوت شقيقها وهو يتمتم بسخط وصلها وحدها
"اولاد الحرام"
ابتلعت ريقها بغصة قاتلة حرقت ما تبقى لديها من مشاعر دفنت تحت الرماد ، لتهز رأسها بموافقة وهي تقول ببهوت لا روح فيها
"حاضر ، سوف اذهب لتبديل ملابسي بسرعة واخرج لكما ، امنحوني بضعة ثواني"
تدخل (يعقوب) بسرعة وهو يقول بأمر جاف لا يقبل الانتظار او التأخير
"بل ستذهبين معنا الآن ، فماذا يضمن لنا بأنكِ لن تهربي او تحاولي فعل شيء خارج توقعاتنا ؟ فكل الاحتمالات واردة لدينا"
قال (معتز) بسرعة بغضب وهو يحاول تمالك اعصابه مما يحدث
"ما هذا الجنون ؟ هل سوف تذهب معكما بملابس المنزل ؟"
تنهدت بتعب بدأ يستنزف طاقتها وهي تقول بهدوء تجاري منطق كلامهما
"حسنا لا بأس ، كما تريدان سوف اذهب معكما الآن"
اومأ الشرطي برأسه برضا وهو يحرك رأسه خارج المنزل قائلا بمهنية
"هيا بنا إذاً فقد تأخرنا يما يكفي بهذا المكان"
استدار وهو يخرج مع شريكه من الباب بعد ان قام بتأدية عمله ، وما ان كانت ستتحرك خلفهم حتى اوقفها الذي شب يده بذراعها وهو يقول بخفوت مستهجن
"ماذا تفعلين يا سيدرا ؟ ماذا تفعلين بنفسك ؟ كيف ستذهبين معهم هكذا وامام الناس اجمع ؟ أين هو عقلك ؟"
امسكت بيد شقيقها على ذراعها وهي تنزعها عنها قائلة بخفوت ميت وكأن قلبها هو الذي يحكي
"لقد فقدت عقلي منذ وقعت بالحب"
شخصت عينيه بصدمة وهو ينظر ليده التي تركتها واستدارت تستكمل طريقها ، وما ان وصلت عند باب المنزل حتى قالت بخفوت حزين تتبعها بدمعة يتيمة سقطت على وجنتها
"انتظرك بمغفر الشرطة"
ادار رأسه نحو باب المنزل الذي غادرت منه بصحبة رجال الشرطة ، ليمسك رأسه بيديه يكاد يفقد عقله وهو يقول بلوعة
"يا إلهي ! يا إلهي ! ماذا ينتظرنا ايضا ياربي ؟"
دبت الحياة به بلحظة وهو يجري نحو الغرفة بسرعة البرق لكي يلحق بالمصيبة الجديدة التي اوقعته بها تلك المجنونة التي سيطر عليها الحب وعاث الدمار بحياتها مثل الثمرة الحلوة عندما ينتشر الفساد بها .
_______________________________
كانت تضم يديها بحجرها وتلصق ساقيها ببعضها وهي تجلس بكرسي الإدانة امام المفتش الذي يقارب اواخر العشرين من عمره والخاص بهذه القضية ، بينما يجلس رئيس القسم خلف المكتب العريض الذي كتب على لوحته الذهبية رئيس التحقيقات الجنائية وهو يأخذ دور الصامت المستمع لمجريات الجلسة الإجبارية التي سحبت إليها بالقوة بدون ان يمنحوها اقل حقوقها بتبديل ملابسها .
شدت بأصابعها على سترتها السوداء المنزلية وهي تقول نفس العبارة التي كررتها على لسانها طول الجلسة بدون ملل او كلل حتى جردتها من روحها
"انا لا اعرف شيء"
انتفض جسدها بلسعة خاطفة لم تظهر على شكلها الخارجي بل ظهرت على عروق بشرتها الباطنية التي نبضت بقوة وكل هذا بسبب ضربة قبضته التي هبطت على سطح المكتب بجوارها ، ليتبعها بعدها بالقول بنبرة هجومية بنفس الاسطوانة التالفة التي نخرت اذنيها بألم
"اين هو اوس متحت ؟ اين يختبئ الآن ؟ إذا لم تعترفي فلن تنتهي هذه الجلسة وستطول حتى تقري بالحقيقة"
تنفست بضيق اصبح يطبق عليها من تلك المدة الطويلة التي قضتها بهذه الجلسة التي لا تضغط على قلبها فقط بل تضغط على روحها بسكين تكاد تزهق نفسها ، لتأخذ بعدها نفس اطول وهي تقول بخفوت مجهد اصبح يغشي عقلها بدوامات مظلمة
"لقد قلت لك بأني لا اعلم شيئاً......"
كتمت شهقتها بطرف اسنانها ما ان صرخ يقاطع عبارتها المكررة بأسلوب المحققين المهلك نفسيا
"من سيعرف إذا كنتِ انتِ لا تعلمين ؟ إلا إذا كان مجرد ادعاء كاذب لتنويه عقول الشرطة عن معرفة مكان اختباء المجرم"
شدت اكثر على اصابعها السمراء التي اصبحت تقبض على قميص بيجامتها والتي تختبئ تحت السترة بحياء تتستر بها بعيدا عن عيونهم والتي تترصد لها ، لتقول بعدها بلحظات بخفوت مقيت تشدد على احرفها
"وانا لا اعرف اكثر مما انت تعرف ، ولا يهمني اين يختبئ ؟ وبأي بقعة هو الآن ؟ وإذا لا تريد ان تصدق فهذه مشكلتك ، فأنا لست مضطرة للتبرير لأحد او الكذب من اجل احد"
مال بجسده بالقرب منها بحركة سريعة وهو يريح يده على حافة المكتب ويقول بنبرة خفيضة بخطر
"بل تعرفين كل شيء وتهتمين بالمعرفة ، فهذا الذي نتكلم عنه يكون حبيبك السابق الذي اقدم على محاولة قتل زوجك ، وعلى ما يبدو بأنكما متفقين معا على خطوات ارتكاب الجريمة ومحو الادلة وهروب المجرم لتكون محاولة قتل مع سبق الإصرار ، أليس كذلك يا حبيبة اوس ؟"
رفعت رأسها نحوه تحدق بعينين فارغتين باردتين وهي تقول بجمود توضح الاخطاء بكلامه
"اولاً لا اسمح لك باتهامي بدون ادلة ، ثانيا هو لم يصبح زوجي بعد فنحن ما نزال مخطوبين ، ثالثاً لا يهمني كل ما يقال عني فأنا بريئة من كل هذا"
شدد بقبضته على حافة المكتب وهو يقول بتحقيق لم ينتهي
"وإذا كنتِ بريئة فعلا لماذا لم تظهري الاسى والحزن على ما اصاب خطيبك المغدور عليه ؟ لماذا لم تهرعي ركضا للذهاب له بالمشفى فور معرفتك بتلقيه طلق ناري ونزوله بالمشفى ؟ هل لديكِ اجوبة تقدمينها للنيابة العامة ؟"
اشاحت بوجهها بجمود وهي تملئ رئتيها بالهواء القليل قبل ان تقول بهدوء تحاربه بنفس السلاح
"لقد كنا نتشاجر كثيرا بالآونة الاخيرة حتى انقطعت الاتصالات بيننا ، ولم اعلم بأمر وجوده بالمشفى وتلقيه طلق ناري ألا عندما اقتحم رجالك منزلي واخبروني بالقصة ، ولم تسنح لي الفرصة للذهاب للمشفى بسبب اخذكم لي من منتصف منزلي"
تجمدت خطوط ملامحه وهو يستقيم فجأة قائلا باستنكار حاد
"كذب ! كل ما تقولينه كذب وتلفيق ألفه عقلكِ للهروب بنفسك من هذه التهمة وعدم الاقرار بالحقيقة"
زفرت انفاسها بإرهاق وهي تقر بداخلها بأن كل ما قالته هذه المرة هي الحقيقة البحتة بدون اي تأليف او كذب ، فهي حقا لم تكن تعلم عن قصة إصابته ودخوله للمشفى ألا عندما اخبروها بذلك ، وبعد الشجار الاخير الذي حدث بينهما فقد ادى لانقطاع التواصل بينهما ولم تسأل عنه منذ تلك الفترة .
شدها صوته من دوامة افكارها وهو يقول بتحقيق عنيد باستكمال الجلسة معها
"وماذا تفسرين كلام عمير الذي قاله عنكِ واتهامه لكِ ؟ ما لذي يدفعه لاتهامك كذب والافتراء عليكِ ؟"
اخفضت رأسها بصمت وهي تنظر ليديها المضمومتين قائلة بوجوم خافت
"لقد اخبرتك بأننا كنا نتشاجر كثيرا بالآونة الاخيرة ، لذا ربما كان يريد الانتقام مني باستخدام حبيبي السابق الذي انقطعت العلاقة بيننا منذ فترة طويلة ، فهو لم يتقبل للآن انتهاء علاقتي به منذ زمن"
ارتفع حاجبيه بتركيز وهو يقول بتفكير ساخر
"هل انتِ متعددة الرجال ؟"
رفعت رأسها بسرعة مثل السهم عندما ضربها بإهانة مباشرة تعدت كل الحدود والحياء وخطوطها الحمراء ، لتتنفس بعدها بموجة هياج غمرت كيانها وهي تقول من بين اسنانها بجموح
"لقد تماديت كثيرا ، انا لا اسمح لك بقول هذا الكلام عني !"
اسودت ملامحه بقتامة وهو يقول بنبرة جليدية قاسية
"انتِ مَن تماديتِ اولاً بالكذب والمراوغة بإخفاء الحقيقة وعدم الاقرار بها امام القانون بسبيل حماية احبائك"
تجمدت ملامحها ببهوت وهي تحدق به بجرح غير مرئي لمع بمقلتيها الزجاجيتين ، ليتدخل لأول مرة الجالس خلف المكتب وهو يقول بأمر حازم
"الفتاة على حق لقد تماديت كثيرا بهذا السياق يا مفتش نضال ، وانجرفت بالسير اكثر من المطلوب منك"
استدار بجسده نحو الرئيس وهو يقول بهدوء واثق
"هذه الفتاة تكذب بكل نفس تأخذه ، وتحاول اللعب علينا لإخفاء الحقيقة وتبرئة نفسها من التهمة ، وانا واثق بأنها تعرف بمكان اختباء المجرم وتتستر عليه لكي لا نستطيع الوصول إليه"
صمت ثلاثتهم عن الكلام بسبب الاصوات التي تداخلت خارج الغرفة عند الباب ، وبغضون لحظات كان يدخل رجلين للغرفة وهما يمسكان بمسبب الضجة الذي كان يحاول الدخول رغما عن إرادتهما ، لتنهض (سيدرا) من مكانها بسرعة وكأن الحياة قد دبت بها وهي تقول باستهجان غاضب
"ما لذي تفعلونه بإمساكه هكذا مثل المجرمين ؟ هذا يكون شقيقي الصغير اتركوه ، هو لم يفعل لكم شيء اتركوه"
سكنت حركاته وتوقف عن المقاومة وهو يوجه نظره نحوها قائلا بصرامة
"هيا يا سيدرا علينا المغادرة من هنا ، هيا تحركي"
ابتلعت ريقها بارتعاش وهي تحرك قدميها على وشك الذهاب إليه لولا الذراع التي امتدت امامها تعيق عليها الطريق وصاحبها يقول بخبث واضح
"هل ستذهبين قبل الاعتراف بالحقيقة ؟ إذا كانت حياة شقيقك تهمك ولا تودين توريطه بالمشاكل وجره مرة اخرى للمغافر ، فالأفضل لكِ هو الاعتراف بالحقيقة والاقرار بها ، هذا هو الخيار الصائب لكما وردعا للمشاكل"
التفتت بنصف وجهها نحوه وهي تهمس باستنكار خافت
"هل تحاول تهديدي بشقيقي للحصول على الحقيقة ؟"
حرك رأسه بعيدا وهو يقول بابتسامة جانبية بمغزى
"هذا ليس تهديد بل حافز نعطيه للمجرم ليعترف بالحقيقة كاملة"
زمت شفتيها بصمت وهي تنظر من فوق ذراعه نحو شقيقها المقيد من قبل الرجلين الواقفين من حوله مثل الحرسين ، ليقول بعدها الرئيس وهو يتدخل مرة اخرى بعدم رضا عما يجري
"مفتش نضال لقد اخبرتك ان تتوقف......."
قطع الكلام صوت الفرد الجديد الذي صدر من عند باب الغرفة خلف (معتز) تماما
"لو سمحتم اريد مقابلة الرئيس لأمر عاجل"
ابتعد الحرسين عن الباب وهما يسحبان المقيد معهما حتى دخل الرجل الذي اتجه مباشرة للرئيس ، ليدنو بعدها بالقرب من اذنه وهو ينقل له اخبار هامة جذبت انتباه الرئيس لبرهة ، وما ان انتهى حتى استقام بعيدا عنه وهو يأمره قائلا بحزم
"حسنا فهمت ، يمكنك المغادرة الآن"
احنى الرجل رأسه باحترام قبل ان يغادر من الغرفة بدون كلام ، لينهض بعدها الرئيس الذي جذب كل الانظار نحوه وهو يحدد عينيه على الرجلين الممسكين بالمتمرد وهو يشير لهما بذراعه قائلا بأمر
"اخلوا سبيل الفتى قبل ان تقعا بمشكلة ، فهو قد جاء لمقابلة شقيقته ولم يذنب بشيء"
تركوه بسرعة وهم يبتعدون عنه بامتثال والآخر يعدل من وضع قميصه بجمود ، بينما نقل الرئيس نظره نحو المفتش وهو يقول له بتصلب صارم
"اترك الفتاة وشأنها فهي بريئة ولا تملك شيء ضدها تدينها به ، فقد اثبتت برائتها الآن وبهذه اللحظة ، وبعد ان جاء الخبر على لسان عمير الذي سحب الشكوى عنها وعن اوس"
نظر كليهما بصدمة مختلفة عن الآخر وهما ينتظران انكشاف الخدعة بالأمر او المزحة بالقصة ، ليقول المفتش بارتباك وهو ينظر له بذهول بادي على ملامحه
"هل انت متأكد يا رئيس ؟ أليس من الممكن ان تكون مزحة او خدعة من احدهم ؟........"
قاطعه بملامح صارمة بدون اي مواربة
"وهل ترى الموضوع يتحمل المزاح او التهريج به ؟ هذه الاخبار موثوقة ولا يوجد تحريف بها"
امتقعت ملامحه بصمت وهو يوجه نظره نحو الذي وصل امام المكتب بلحظات ليقول بعدها بهدوء واثق
"لقد جئت لاسترداد شقيقتي بعد ان تم سحبها من منتصف منزلها ، وبما انه قد تم تبرئتها من هذه التهمة المزورة فيمكننا الآن الرحيل بسلام"
قال الرئيس بأسف شديد بعد انكشاف الحقيقة
"نحن نعتذر على كل الإزعاج الذي سببناه لكم ، ونتمنى منكم مسامحة رجالنا على سوء الفهم الذي حدث واوصلنا لهذا المنحى ، وسوف نعوضكم بتوصيلكم لمنزلكم بنفس السيارة التي احضرتكم آمنين مستقرين"
افاقت (سيدر) من شرودها الذي اخذها على حين غرة وهي تدفع ذراع الواقف امامها بقوة ، قبل ان تجتازه بخطوات واسعة وهي ترافق شقيقها خارج الغرفة ، بينما كان الذي ما يزال يراقب خروجهما يتمتم بخفوت ساخط
"لقد بذلت كل ما بوسعي بتأدية مهمتي ، وبالنهاية احصل على خيانة من الشخص الذي اوكلني بهذه المهمة ، يا لجنون وغرابة بعض الناس !"
__________________________
كانت تمسك بيدها بكل دقيقة والتي تسحبها عنها بعنف وهي ترجوها بتذلل طالبة منها الصفح والسماح على زلاتها وكلامها الاخير الذي دار بينهما ، بينما الجالسة على زاوية الاريكة تقصي نفسها بعيدا عنها وهي ترفع رأسها بإيباء وشموخ بدون ان تعطيها اعتبار او اهتمام وهي تتجاهل وجودها تماما ، لتحاول ابنتها مجددا بدون يأس وهي تمسك بيدها بين كفيها هامسة بخفوت مترجي تكاد تتوسل الصفح منها
"ارجوكِ يا امي سامحيني ولا تعامليني بكل هذه القسوة والإجحاف ، لقد كانت غلطة واحدة ولم اقصد حدوثها ، اقسم لكِ لم اقصد كل ما قلت وخرج مني بفورة غضبي وغيرتي من سلوى ! رجاءً سامحيني هذه المرة واعدكِ لن تتكرر مجددا ، فأنا احبكِ كثيرا يا امي ، احبكما انتِ وابي ، واحب شقيقتي سلوى رغم كرهي لتصرفاتها وطبيعة شخصيتها ، لا تتركيني اذهب بهذه الرحلة وانتِ غاضبة مني وبدون ان ترضي عني ، فأنا اريد الذهاب وقلبي مرتاح بأن الجميع راضي عني ولا يحمل احد ضغينة ضدي ، لذا رجاءً افعلي هذا من اجل ابنتكِ التي ستذهب برحلتها الاولى مع زوجها"
احنت حاجبيها بحزن مأسور ما ان سحبت يدها بعيدا عنها مجددا بصمت وهي تستمر بهالة الكبرياء والعزة بدون ان تتنازل عن موقفها ، فهذه هي عادة والدتها الشهيرة بالعتاب والخصام بطريقتها التي تتشبه بطريقة ابنتها الكبرى وكأنها اخذت منها التكبر والغرور واغلب صفاتها وميزاتها ، ولكنها بالطبع لم تأخذ اسلوبها بالتفكير وحنكتها وذكائها الحاد بالتصرف بالمواقف الصعبة .
عصرت جفنيها بدموع حبيسة وهي تخفض رأسها بحالة يأس تفاقمت بداخلها ، لتفيق بعدها على صوت والدتها الصارم وهي تنطق لأول مرة بجدية بدون ان تتنازل بالكامل
"هل سمحت لكِ الطبيبة بسفرك برغم حالتك الصحية ؟"
رفعت رأسها بسرعة وهي تتلقى استجابة من والدتها اخيرا بعد عناء طويل ، لتبتسم بعدها بسعادة غامرة وهي تسألها عن وضع حالتها الصحية وإذا كانت تسمح لها بالسفر قبل كل شيء ، وهذا يعني بأنها ما تزال تهتم بأمرها وتخاف عليها رغم تمثيلها الغضب والعتاب عليها والذي لم يمنع قلب الأم من السؤال عنها .
قالت (غزل) بعدها بلحظات بخفوت مبتسم برقة
"اجل لقد سأل هشام الطبيبة واجابته بأنه لا مانع من ذهابي بالرحلة وليس هناك خطر على حياتي"
اومأت برأسها بهدوء وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها قائلة بلين رغم تصلب صوتها
"خبر جيد ، إذاً استمتعي بالرحلة ولا تنسي الاتصال بي بين الحين والآخر وطمأنتِ على وضعك ، وتأكدي ان تكوني سعيدة بهذه الرحلة وتوثقي لحظاتها جيدا فلن تتكرر مرة اخرى وستكون رحلة العمر"
طافت ابتسامة لطيفة على محياها وهي تقترب منها وتعانق كتفيها وتنام برأسها على كتفها مثل طفلة صغيرة تفتقد الحنان بحياتها ، لتشعر بعدها بيدها تمسح على رأسها بهدوء وهي تقول بخفوت مجهد
"انا راضية عنكِ يا ابنتي ، فأنا كل ما يهمني بالحياة هي سعادتكما وراحتكما وتحقيق حلمي برؤيتكما تستقران بحياتكما ، فقط توقفا عن جلب المآسي والاحزان لوالدتكما فهي لن تحتمل المزيد من الانهيارات العصبية"
هزت رأسها بصمت وهي تهمس بأسى حزين
"اعدكِ يا امي"
ابعدت يدها عن رأسها وهي تقول بجدية هادئة تغير دفة الحديث
"حسنا يكفي مراسم توديع والدتك ، حان الوقت الآن للذهاب وتوديع شقيقتك سلوى فهي لا تعلم بموضوع سفرك ، وقد تحزن إذا سافرتي ولم تخبريها بشيء وبدون وداع حتى ، لذا اصعدي لها بغرفتها وتكلمي معها قليلا عن موضوع سفرك ، قد تعطيكِ بعض الاهتمام والاستجابة إذا تحدثتِ معها وتزيل عنها هالة الصمت والكآبة"
تجمدت بمكانها وهي تسحب ذراعيها من حولها لتستقيم بجلوسها قائلة بوجوم عابس
"هل هذا ضروري ؟ فهي بكل الاحوال لن تعطيني اعتبار ولن تراني سوى حشرة مزعجة"
ادارت وجهها نحوها وهي تربت على كتفها قائلة بابتسامة داعمة
"لا تكوني بكل هذا الحقد عليها يا ابنتي ، فهي تبقى شقيقتك الكبرى وعليكِ احترامها ، انها تحتاج فقط لمن يتكلم معها ويعطيها اهتماما ، وايضا لن تخسري شيء من هذه المحاولة وقد تكسبين ثقتها"
اشاحت بوجهها جانبا وهي تتمتم بخفوت مغتاظ
"بل سأخسر كرامتي وثقتي بنفسي"
انتفضت بمكانها ما ان ضربتها بقبضتها على ساقها وهي تعود لشخصيتها المتزمتة القاسية
"اخبرتكِ بأنني لا احب هذا النوع من الكلام السري مع نفسكِ ! وانا لم اربيكِ على مخالفة الاوامر والتصرف بتكبر وتغطرس مع عائلتك ، فلم اطلب منكِ سوى الذهاب وتوديع شقيقتك والتحدث معها حديث شقيقات وديّ قد تنفك عندها عقدتها النفسية ، هل اطلب منكِ الكثير ؟"
زمت شفتيها بامتعاض وهي تهمس بعبوس حانق
"وماذا قلت انا حتى تثور عليّ هكذا ؟"
تنهدت والدتها ببؤس وهي تحاول تمالك اعصابها لوهلة قبل ان تمسح على ذراعها ببعض الرأفة قائلة بحزم
"اسمعي انها شقيقتك الوحيدة وليس لها غيركِ تساعدها بمشاركة الهموم معها ومساندتها بهذه المحنة ، وكل ما اطلبه منكِ ان تكوني اكثر ألفة ورحمة معها لكي تشعر بوجودك وتعود إلينا ، فإذا لم تفعليها انتِ فمن هو الذي سيفعلها غيركِ ؟ اشعريها ولو لمرة واحدة بأنكِ شقيقتها التي تفهمها وتحبها !"
عبست ملامحها بجمود وهي تلوح بذراعها بعيدا قائلة بانفعال مكتوم
"عندما تعتبرني شقيقتها اولاً ، وعلاوة على ذلك انا التي سوف اسافر هنا وليس هي ، لذا عليها هي المجيئ لتوديعي وليس انا !"
عقدت حاجبيها بحدة وهي تدفع ذراعها قائلة بعصبية سيطرت عليها
"اذهبي إليها يا غزل ولا تجادلي اكثر ، وألا اقسم بأنني....."
قاطعتها بسرعة وهي تنهض عن الاريكة لتلوح بيديها بالهواء قائلة بانفعال
"لا تقسمي ! حسنا سوف اذهب لغرفة سلوى واخبرها عن الرحلة واودعها كما يجب بالأصول ، ولكن لا تتوقعي حدوث تغيير بحالة ابنتك المجنونة التي اخذت نفس طباعك الحادة حتى اصبحت انا ضحية بينكما يتم تعذيبي كل يوم على يديكما !"
غادرت بسرعة امام نظرات والدتها المصدومة باستنكار وهي تهرب من العاصفة التي شنتها ، لتصعد السلالم بسرعة وهي تحمل نفسها لغرفة العصبية الاخرى التي ستتفنن بطرق تعذيبها بإهانات كلامية بدون افعال ، وما ان وقفت امام بابها حتى اخذت انفاسها وهي تطرق على الباب بقبضتها عدة طرقات بقوة ، وعندما لم تسمع اي رد من الداخل وهذا المتوقع امسكت بالمقبض وهي تفتح الباب مباشرة بدون مقدمات .
توقفت بمكانها ما ان ظهر لها المشهد المعتاد رؤيته للفتاة الصامتة التي تعتكف غرفتها وتقصي نفسها بعيدا عن الجميع وعن كل انواع التواصل الاجتماعي ، وقد كانت تعيش هذا المكان يوما ما عندما حجرت نفسها بغرفتها مع الاجهزة الطبية وطاقم من الاطباء بدون اي احد بجانبها يشاركها وحدتها الموحشة ولكن الاختلاف بأنه كان امر خارج عن إرادتها عكس شقيقتها الذي كان بإرادتها .
تنفست بعدها بضيق وهي تغامر بنفسها وتتقدم داخل الغرفة تتسلح بالعزيمة المؤقتة حتى اوصلتها بالقرب من السرير ، لترفع بعدها يدها بتحية باردة وهي تقول بابتسامة متملقة
"صباح الخير يا سلوى ، لقد جئت اليوم لألقي عليكِ تحية الصباح ولآخر مرة ، لأنني بالواقع سوف اسافر مع زوجي غدا برحلة سياحية ستستغرق منا ايام ، لذا اردت ان اودع العائلة اليوم واقول لكم وداعا ، وانتِ من ضمن هذا الوداع لأنكِ فرد من العائلة بالطبع ، وهذا كل ما اردت قوله لكِ"
تبرمت شفتيها بعبوس عندما لم تجد منها رد فعل وهذا شيء آخر متوقع عدم الاستجابة للطرف الآخر ، لتحرك كتفيها ببرود بعد ان انجزت مهمتها المطلوبة وادت دورها بالوداع وإيصال الرسالة ، وما ان كانت على وشك الانسحاب حتى اوقفتها التي قالت بأول شيء تنطق به خالف توقعاتها
"إلى اين تريدين السفر ؟"
تسمرت بمكانها لبرهة وهي توجه نظراتها نحوها تحدق بجانب وجهها المتصلب ، لتقول بعدها ببرود فاتر
"إلى جزر الملديف"
صمتت بعدها تترقب ردها التالي والذي جاء بعد لحظات بخفوت شارد
"جزر الملديف ! يا للمصادفة لقد كان المكان الذي كنت احلم دائما بزيارته مع زوجي ، يا لسخرية الاقدار !"
امتقعت ملامحها بلحظة وهي تقول بخفوت عابس بعد ان فهمت كلامها بإهانة مستترة
"ماذا تقصدين بهذا الكلام ؟ هل تقولين بأنني لا استحق الذهاب بهذه الرحلة ؟ وبأنكِ احق مني بالذهاب لها !"
عادت للصمت البائس بدون ان تعلق على كلامها الاخير وكأنها اكتفت من الكلام ، وهو ما زاد الغضب بداخلها اضعاف لتنقل عينيها بعيدا حتى وقعتا على صينية الطعام الموجودة فوق المنضدة على نفس حالها ، لتتجمد ملامحها بلوح بارد وهي تكتف ذراعيها قائلة بضراوة تظهر منها لأول مرة
"لماذا تضربين عن الطعام والحياة ؟ لماذا تتصرفين بكل هذا الانهزام واليأس ؟ انتِ لستِ اول وآخر امرأة يتم طلاقها ! انتِ لست المرأة الوحيدة المطلقة بالعالم ، بل هناك نساء افضل منكِ يتجاوزن الكارثة ويمضين بحياتهن بكل عزيمة وقوة لبناء كيان جديد وحياة لأنفسهن ، وليس بحبس انفسهن ببؤرة فارغة وبين الجدران بدون فعل اي شيء وبدون طموح او هدف ! أليس لديكِ هدف بالحياة ؟ أليس لديكِ اشياء تريدين تحقيقها ؟ ألا تريدين اعطاء نفسكِ قيمة ووجود بهذه الحياة ؟"
تنفست بقوة بعد ان انهت كلامها الذي كان محبوس بخلدها اخرجته مرة واحدة ، لتسمع بعدها تعليقها البارد عديم الاحساس بدون اتعاب نفسها بالنظر لها
"لا تقولي شيء وانتِ لا تفهمين ما اعانيه ، فالكلام سهل عليكِ جدا ، وإذا لم يكن لديكِ كلام مفيد تقولينه فالصمت هو افضل حل"
زمت شفتيها بعبوس بدون ان ترضى بإجابتها الباردة والتي تكسر كبريائها اكثر حتى فاض محيط المشاعر بداخلها ، لتتقدم بعدها بخطوات مندفعة وهي تقف امامها مباشرة وتشير بذراعها نحو صينية الطعام قائلة بهياج تضخم بقلبها
"ماذا سوف تجنين من حرمان نفسكِ عن الطعام ؟ ماذا سوف تجنين من عزل نفسكِ بالغرفة ؟ هل تعرفين كم مقدار المعاناة التي يشعر بها والدينا بسببك وبسبب عنادك وعقدك ؟ هل تشعرين بالارتياح عندما تؤلمين غيركِ بمشاكلك التي تجلبينها لكِ ؟ عندما تنقلين ألمك بكل من حولك ! لماذا تريدين ان تشعري الجميع بأهميتك حتى بأسوء حالاتك ما تزالين تريدين الافضلية لكِ ؟ انتِ لا تستحقين كل هذا الخوف عليكِ والقلق من اجلك ، لا تستحقين كل هذا الذي تحصلين عليه دائما بدون اي شروط"
ردت عليها (سلوى) بحدة اكبر
"اخرسي يا غزل"
ضمت شفتيها بارتجاف وهي تكاد تنهار باكية من كبت شعورها الحالي ، لتضرب ذراعيها على جانبيها وهي تصرخ بكل حقد وغل تسرب بمقلتيها العسليتين بانصهار الدموع
"انتِ انسانة مغرورة ومتكبرة ومتعالية ، تظنين بأن كل الكون يدور من حولك وحدك ! تظنين بأن الجميع خدم عندكِ يعملون فقط على إرضائك وجبر كسورك ! ولكنك بالحقيقة لست سوى فتاة ضعيفة قليلة الحيلة لا تملك امر نفسها حتى جعلت والدتها تحركها مثل اللعبة بين يديها ، يحركها كل من يشاء وفق رغباته ويجعلونها الوسيلة لذلك الهدف ، انتِ بلا شخصية ، لا تملكين ضمير او مبدأ ، وهل اقول لكِ معلومة ؟ انتِ هي الاسوء ! وتستحقين كل ما آلت له حياتك ، واحمد لم يكن يستحق كل ما حدث له بسببك....."
قاطعتها (سلوى) وهي ترفع رأسها بأول مبادرة صارخة باستنكار حاد وكأنها ايقظتها من سباتها
"ماذا تقولين يا قبيحة ؟ كيف تتجرأين على مخاطبتي بهذه الطريقة والاسلوب ؟ مَن الذي ارسلكِ إلي ؟ مَن الذي ارسلكِ لتؤلميني وتجرحيني بهذه الطريقة ؟ لم يكن ينقصني سوى سماع كلامكِ واتباع نصائحك وإرشاداتك الغبية ! فقط اتركيني وشأني وارحلي ، ارحلي يا عديمة التهذيب والتربية ، ارحلي بعيدا ولا تريني وجهكِ ثانيةً"
كانت كلتاهما تتنفسان بهياج تضخم بصدريهما بثورة قامت بينهما ، لتبتلع (غزل) ريقها تكبح مشاعرها وهي تمسح خدها بظاهر يدها لتهمس بعدها بخفوت اقل انفعال
"انا كنت راحلة منذ البداية ، ولكن قبل رحيلي اريد ان اعرف جواب هذا السؤال ، لماذا تكرهيني ؟ ماذا فعلت لكِ حتى تكرهيني هكذا ؟ لماذا تعامليني بهذه الطريقة وكأنني عدوتك ؟"
سكنت ملامحها وهي تحدق بها بصمت لبرهة لتقول بعدها بابتسامة مائلة بسخرية
"لأنني اشعر بالغيرة منكِ"
اندهشت ملامحها بصدمة وهي تشير لنفسها بأصبعها السبابة هامسة ببهوت غير مستوعب
"تغارين ! مني انا ؟ وماذا املك حتى تغاري مني ؟"
اشاحت بوجهها جانبا بجمود وهي تضم ساقيها بذراعيها هامسة بخفوت مستاء
"انتِ تملكين الكثير يا غزل ، تملكين الكثير الذي يجعلني بمقارنة دائمة معكِ ، حتى النقاط التي ترينها عيوب بكِ كنت اراها مصدر قوة عندكِ اغار منها ! عندما اصبت بذلك المرض بطفولتك وحجرت بغرفتك كنتِ تحظين بكل انواع الاهتمام والمراقبة وكل العيون عليكِ انتِ ، كانوا يراعون مشاعرك ويحسبون مئة حساب لما يحزنك لما يؤذيكِ يبعدونك عن كل الاخطار التي تحدق بكِ ، حتى اصبحت بالنسبة لهم الطفلة المعجزة التي تتخطى الصعاب والمستحيل ، اما انا فقد كنت مجرد طفلة بكاءة مزعجة ، مثيرة للمشاكل ، مدمرة صغيرة ، فاشلة بكل شيء ، من ضمنها الدراسة التي تقدمتِ بها ورغم حالتك الصحية اصبحت من المتفوقين بوقتها ، وانا بالرغم من درجاتي المتوسطة بالدراسة لم يتم الاعتراف بي ، وايضا بالحب رغم انجذاب الجنس الآخر لي وابداء الإعجاب والتعلق بي لم يكن من بينهم من قدم حب حقيقي من اجلي ، وانتِ استطعتِ الوقوع بالحب ببداية عودتك للتأقلم بالحياة والاندماج مع البشر ، ولن اخفيكِ سرا بأنني كنت احسدك بوقتها لأنكِ وجدت من يحبك بكل صدق ومستعد للزواج منكِ ! حتى انني سعدت عندما دمر والدي فرصتك بالزواج منه ورفضه ، وآخر شيء هي الحياة الزوجية التي لم استطع الحفاظ عليها فقد كان زواج مصلحة وروابط عمل واصبحت انا ثمن تلك الصفقة ، فلم يحبني زوجي يوما ولم يكن يتقبلني سوى من اجل رابط العشرة بيننا وبعض العقود بين الشركتين ، وانتِ لم تجدي فقط زوج يرغب بكِ ويريدك بل وجدت زوج يحبك ويسعى جاهدا لإرضائك حتى لو كنتِ لم تتقبلي وجوده ، المهم هو بأنه يحبك ولن يترككِ تحت اي ظرف كان ، هذه الطلبات التي كنت اريدها بحياتي ، هذه الحياة التي كنت اتمناه ، ولكن لا احد يهتم ، ومن هو الذي قد يهتم بسلوى ؟ من قد يهتم إذا كانت سعيدة ام تعيسة ! إذا كانت تموت او تنزف ! لا احد يهتم !"
كانت تحدق بها بعينين مغرورقين بالدموع السخية وهي تستمع لتفاصيل حياة شقيقتها الكبرى التي لم تكن تعلم عنها ، فهذه اول مرة تروي لها احزانها ومشاكلها وحتى مخاوفها والسبب الرئيسي بكرهها نحوها ، بالرغم من انها تراها اسباب واهية غير واقعية ولكنها بالنسبة لها كانت شيء اكبر بكثير سببت لها ندوب وعقد بحياتها التي كانت تراها دائما مثالية .
مسحت خديها الحمراوين بقبضتها وهي تقول بخفوت مندهش ما تزال آثار الصدمة تأثر عليها
"لم اكن اعلم بكمية الحقد الذي تحملينه نحوي ! يبدو بأنني كنت اكبر من عدوة بالنسبة لكِ"
رفعت حدقتيها السوداوين السابحتين بدموعها وهي تقول بانهيار كسر تمردها وصمتها
"انتِ الآن ستقولين عني بأني تافهة وذات عقل صغير لأني استخدم مثل هذه الاسباب غطاء على فشلي وكرهي لكِ ! ولكن هذه هي حقيقتي التي لا مفر لي منها ، فأنا فاشلة بالفطرة ، حمقاء منذ ولادتي ، لا انفع بالزواج او الدراسة او العمل ، لقد انهارت حياتي بالكامل ، لم يعد لوجودي معنى الآن ، كيف سأعيش المتبقي من حياتي ؟ كيف سأستمر بالعيش بعد كل ما حدث ؟ انا حقا اتعس مخلوقة بالكون !"
دفنت وجهها بين ساقيها وهي تجهش ببكاء عالي اخترق جدران الغرفة والآذان البشرية وهي تدخل بنوبات بكائها القديمة ، لتتنفس بعدها بجهد وكأنها صخرة تقبع بقلبها وهي تقترب منها خطوات معدودة ، وما ان وقفت امامها حتى رفعت يدها بتردد وهي تحط بها على شعرها المجعد لتمسح عليه برفق قائلة بخفوت متعاطف بإيثار
"لم ينتهي كل شيء بعد ، تستطيعين تغيير نفسكِ للأفضل والعالم من حولك ايضا ، فقط تحلي ببعض القوة والصبر وابني شخصية وكيان لكِ ، فهذه النكسة الصغيرة لن تكون نهاية العالم او حياتك بل ستكون بداية جديدة لكِ تنطلقين بها من الصفر بطريق تحقيق كل ما كنتِ تحلمين به ، وإذا كنتِ لا تريدين فعلها من اجل والديّ او من اجلي...افعليها من اجلكِ انتِ ، فإذا لم تصلحي حالك فلن يصلحها احد غيركِ ، وإذا بقيتِ تعتمدين على الآخرين فلن تتقدمي بحياتك ، لذا اتركي الجميع وانطلقي بطريق اهدافك ولا تتوقفي حتى تبلغي مرادك"
زفرت انفاسها ببطء وهي تزيح يدها عن رأسها ما ان انتهت من الكلام الموجود بقلبها وفعلت كل ما بوسعها بتأدية دورها كشقيقتها كما طلبت منها والدتها ، وهذا يعني بأنه لم يعد هناك داعي لوجودها اكثر وخاصة بأن تلك قد دخلت بنوبتها التي لا تسمع بها كلام احد وتفضي بها كل ما يختلج بروحها ، لتتراجع بعدها بخطواتها وهي تشق طريقها خارج الغرفة ، وما ان مرت بجانب الباب حتى قالت بحزن تودعها لآخر مرة
"وداعا"
غادرت من فورها وهي تسير على طول ممر غرفتها ويرافقها صوت بكاء الاخرى الذي اخترق المدى البعيد بدون ان يضايقها بقدر ما اوجعها .
_______________________________
يشاهد العالم الخارجي بعيون سوداء شاردة تسبح باحمرار الشفق وهو يتكأ بكتفه على إطار النافذة وبصمت خاوي شبيه بفراغ المنزل الخاوي ، لا توجد حركات او اصوات بالمكان الذي يخيم عليه السكون ما عدا صوت الخاتم الفضي الذي يتحرك بين اصابعه يخرج من اصبع ويدخل بآخر وكأنه يحاول تحديد هدفه من بين عدة خيارات متاحة ، بينما حياته ما تزال بنفس التعقيد المزمن والتشابك القاتل وكأنها عقدة صعبة لا تريد ان تنفك او متاهة لا نهاية تؤدي لها ، وكل مناه من هذه الفوضى العارمة التي خلق بها هو الاستقرار والعيش بهدوء وراحة بال ، كان يظن بأن هذا الامر سوف يتحقق قريبا ولكن يبدو بأن هذا المشوار طويل الامد .
ارتسمت ابتسامة جانبية طافت على محياه وهو يستمتع بحلقات الصمت المغيمة من حوله بسحر اللحظات وكأنه يجسدها فقط من الصمت الذي تشتهر به وميزت نفسها به ، حتى اصبح مهووس آخر بذاك الصمت الذي لا يفلح سوى معها ليكونا كيان واحد لا ينفصلان وقلب واحد ينبض من اجلها ، فهل هناك جنون اكثر من ذلك ؟
تنهد بهدوء وهو يخاطب غروب الشمس من بعيد قائلا بابتسامة زينت ملامحه الهائمة
"ماذا تفعلين الآن يا مجنونة شادي ؟"
تجمدت ملامحه وهو يوقف حركات اصابعه ما ان تردد بالمكان صوت كعبي حذائين انثويين يطرقان الارض بتناغم ، ليتنفس بعدها بجمود ما ان وصله بلحظات الصوت الناعم وهي تقف بوسط المنزل
"اعتذر على هذا الاقتحام قليل الذوق ، ولكني قد طرقت الباب عدة مرات ولم يستجيب احد لي ، وعندها عرفت بأنك ستكون شارد او مشغول بشيء ، لذا اعطيت نفسي الاحقية بالدخول واستقبلت نفسي بمنزلك"
لم يعطي ردة فعل ولا ابعاد ناظريه عن النافذة وهو يقول بوجوم
"لا داعي للتبرير فقد دخلتي وانتهى الامر"
لوت شفتيها بشبه ابتسامة باردة وهي تتخذ خطواتها اتجاه الاريكة التي جلست عليها برشاقة وهي تضع ساق فوق الاخرى ، لتقول بعدها بتفكير عملي وهي تأخذ جولة بالمكان الفارغ
"يبدو بأنك ما تزال تعيش وحيدا كما عرفتك قبل سنوات ولأول مرة ، فلا جديد او تقدم يحدث بحياتك"
اومأ برأسه بشرود وهو يقول بابتسامة ساخرة
"وهذا الحكم ينطبق عليكِ كذلك يا ابنة الوزير"
حدقت به بعينين خضراوين ماكرتين وهي تهمس بخفوت تصطنع العفوية
"ألا تريد معرفة سبب مجيئي إليك بهذا الوقت ؟"
عقد حاجبيه بتصلب وهو يقول بهدوء جاف
"ينتابني الفضول حيال ذلك ، ولكني مع ذلك اتمنى ان يكون سبب القدوم هو الهدف الذي اطمح إليه"
اتسعت ابتسامتها بثقة عالية وهي تريح يدها فوق ركبتها هامسة بغرور
"وهل صادف ان خيبت املك يوما او رفضت لك طلباً ؟"
ازداد انعقاد حاجبيه بجمود ابعدت عنه كل فراشات الحب والشرود المحلقة من حوله ، ليقول بعدها بكلمات مختصرة بغموض
"هل وجدته"
ردت عليه من فورها بانتشاء واضح
"وهل هناك شيء يصعب عليّ إيجاده ؟"
غامت ملامحه بصمت وهو يبتعد عن زجاج النافذة قبل ان يستدير امامها وهو يسير بلحظة صوب الاريكة ، وما ان وصل لها حتى استقر جالسا فوق الاريكة المقابلة وهو يقول باتزان
"اعطيني الخبر الاكيد"
اومأت برأسها بابتسامة هادئة وهي تخفض ساقيها وتعتدل بجلوسها قائلة بجدية
"لقد عرفت عنوان سكن كمال والاماكن التي يرتادها والناس الذين يتعامل معهم ، وكل شيء اصبح موجود بحوزتي"
تقدم بجلوسه ببطء وهو يريح مرفقيه فوق ركبتيه قائلا بهدوء جاد
"وهل لديكِ دليل على كلامك ؟ اي إشارات او صور تثبت ذلك"
ارتفع حاجبها الاشقر الرقيق وهي تهمس بعبوس مصطنع
"لم احب هذا الكلام منكِ ! أليس لديك ثقة بصديقتك ؟"
تنفس (شادي) بضيق وهو يقول بهدوء اقوى نبرة
"لينا اظهري ما لديكِ ولا داعي للكلام الذي لا طائل له"
زمت شفتيها بامتعاض وهي تدس يدها بجيب تنورتها القصيرة لتخرج منها هاتفها المتطور ، لتضغط بعدها عدة ازرار بثواني قبل ان تمد له الهاتف قائلة
"تفضل يا سيد شادي ، شاهد الصور والادلة وتمعن بها لكي لا تترك مجال للشك برأسك"
اخذ منها الهاتف بصمت وهو يقربه من نظره لتظهر له صورة للرجل المقترن بالكوارث بحياته والذي اختفى قبل شهرين وتلاشى مثل السراب ، ضاقت حدقتيه بحدة وهو يتمعن بالنظر للصور التي تكررت لنفس الرجل وهو يقلب بينهم بأصبعه وبكل مرة يظهر بمكان مختلف غير مألوف له ، ولا يظهر منه سوى نصف وجهه ونصف جسده وبدون ان يكون منتبه .
حرك رأسه بهدوء وهو يدقق النظر بشاشة الهاتف يكاد يطلق شرار نحوها قائلا بتركيز
"متى التقطت هذه الصور ؟"
ردت عليه بلحظة بدون ادنى تردد
"آخر صورة التقطتها كاميرات المراقبة كانت اليوم صباحا ، ويمكنك رؤية تاريخ الصورة عليها"
ارتفع حاجبيه ببرود وهو يلمح تاريخ الصورة الموثقة عليها ليقول بعدها بابتسامة قاسية اظهرت نوايا الانتقام
"جيد ، احسنتِ صنعا ، هلا اعطيتني الآن عنوان إقامته لأقوم بعملي ؟"
مسحت الابتسامة عن محياها وهي تكتف ذراعيها فوق صدر قميصها المزركش وهي تهمس ببراءة
"هل هذا كل شيء ؟"
رفع عينيه عن الهاتف وهو يركز بها قائلا بهدوء
"هل هناك شيء غاب عني او فاتني ؟"
تنفست بقوة وهي تقول بثقة اكبر بدون اي مواربة
"انا اقصد بأنك لم توفي شروط العقد بيننا ، فأنا لم احصل على مقابل خدمتي بعد !"
تلبكت ملامحه قليلا وهو يضع الهاتف فوق سطح الطاولة ليضم بعدها يديه قائلا بجدية
"لا انا لست بكل هذه الانانية ، اطلبي خدمتك وانا سوف انفذها لكِ مهما كان مدى صعوبتها مقابل المساعدة الكبيرة التي قدمتها لي"
عادت ابتسامتها للبروز بأنوثة وهي تقدم رأسها للأمام قائلة بخفوت رقيق تشدد على الاحرف بأسنانها
"اريدك ان تصبح حبيبي"
اتسعت حدقتيه مع ارتفاع حاجبيه فوقهما بآن واحد وهو يهمس بخفوت مرتاب
"ما لذي تتفوهين به ؟"
ارجعت رأسها للخلف وهي تعيد خصلاتها القصيرة خلف اذنها بنعومة لتهمس بعدها بخفوت واثق لا يدعي الشك
"لا اعتقد بأنك بحاجة للإعادة !"
انعقد حاجبيه بوجوم عابس حتى افلتت منه ضحكة صغيرة من فرط ذهوله قبل ان يشير لنفسه بيده وهو يقول بجواب واضح
"انا متزوج"
ادارت رأسها يمينا ويسارا بهدف واضح وهي تهمس ما ان عادت بالنظر له بمغزى
"ولكني لا ارى زوجتك"
تصلبت ملامحه بلحظة وهو يدير عينيه جانبا قائلا بقسوة
"هذا ليس من شأنك"
ارتفع حاجبيها بتلقائية وهي تلوح بيديها بسرعة قائلة بتبرير عفوي
"حسنا لن اثير هذا الموضوع مجددا ، واعتذر على هذا النوع من التطفل ، ولكن ألا ترى بأن حياتك قد اصبحت روتينية ومملة جدا ! وانا اعلم جيدا اكثر من اي شخص بأنك لا تطيق الحياة الروتينية وتحب التغيير واضافة كل ما هو جديد"
نظر لها بسرعة وهو يأخذ وقته بتأملها بصمت قبل ان يقول بهدوء يواجهها مباشرة
"ما غايتك يا لينا ؟ قولي ما تريدين مباشرة وبدون مراوغة او لعب معي !"
مالت ابتسامتها بتحفز وهي تهمس بخفوت تمثل اللطافة
"انا احتاج إليك ، وانت تحتاج إلي ، ونحن سوف نساعد بعضنا البعض ونكمل الفراغ بداخل بعضنا حتى نحصل على تسلية وتغيير جديد ونمحي الفجوة بحياتنا"
تجمدت خطوط ملامحه وهو يخفض نظره يحجب كل تلك الافكار عنه والتي تسربت على مرآها ليقول بعدها بابتسامة قاتمة
"لست على استعداد لخيانة زوجتي من اجل الحصول على تسلية ! فهذا ينافي مبادئي التي تربيت عليها ، لذا انتبهي على نفسكِ وحافظي على مستواك ومكانتك يا ابنة الوزير"
حافظت على ابتسامتها ببريقها الخاص وهي تقول بضحكة صغيرة متعالية
"لقد فهمتني بشكل خاطئ ، فأنا لست من ذاك النوع المبتذل يا شادي ، لذا انتبه لكلماتك وانت تخاطبني فأنا ارفع من ذلك بكثير"
رفع نظره نحوها وهو يقول بعبوس مكبوت بعد ان ثارت فجوة مشاعره
"ماذا تعنين ؟"
تنحنحت قليلا وهي تضم يديها فوق ساقيها هامسة بهدوء عملي تحول له صوتها
"بالحقيقة بأنني احتاج إليك بتمثيلية صغيرة ، لقد احضر والدي عريس من اجلي يعيش خارج البلاد وهو يقرب لي ، ولا يتوقف عن الإلحاح عليّ بالقبول به زوجا والسفر معه خارج البلاد ، حتى انه حجز له تذكرة وسيكون قدومه قريبا جدا ومقتنع تماما بفكرة زواجنا ، لذا اريد منك ان تأخذ دور حبيبي المغرمة به منذ سنوات ونحن نتواعد بين بعضنا منذ ذاك الوقت والذي لن يسمح بإتمام هذا الزواج ، وسيكون رفض العريس سهلا وخروجه من رأس ابي للأبد ولن يفكر بعدها بإجباري على شيء"
كان يراقبها بملامح جامدة غير معبرة وكأنه يستمع لهذيان يفوق استيعاب العقل ، ليحرك رأسه بالنفي ببطء وهو يقول باستنكار
"لن اكون جزء من هذه اللعبة"
فغرت شفتيها بذهول وهي على وشك الكلام لولا الذي نهض من مكانه باندفاع وهو يدور حول الاريكة ، لتلحق به بسرعة وهي تصل له بلمح البصر قبل ان تتشبث بذراعه توقفه ، وما ان وقف بالفعل بدون النظر لها حتى قالت بعبوس حزين وكأنها تموء مثل القطة
"ارجوك لا تتركني بهذه المحنة ، فأنا ليس لي سواك ينقذني من هذه الكارثة ، فإذا لم تساعدني انت ماذا افعل عندها بنفسي ؟ ولا تنسى بأنك وعدتني بأن تنفذ لي اي خدمة مهما كانت مدى صعوبتها...."
التفت نحوها بسرعة وهو يلوح بذراعه بالهواء قائلا باستهجان غاضب
"بأي عقل تتكلمين ! بأي منطق ! تريدين مني خداع والدك بهذه التمثيلية ؟ تريدين مني خيانة زوجتي سرا ؟ وهل تظنين بأن هذه الخدعة سوف تنطلي على والدك الوزير بهذه السهولة او توقف الامر المحتوم ؟"
اعتلى العبوس ملامحها وهي تشدد اكثر على ذراعه تطلب عونه قائلة ببساطة
"على الاقل سوف اتخلص من عريس الغفلة وارتاح من عناد ابي ، فأنا لن اتحمل ان يتحكم احد بقراراتي الشخصية بكل هذا التجبر ، وعندما يكتشف الخدعة سيكون الأوان قد فات ورحل العريس وانتقمت لنفسي لكي لا يعيدها معي مجددا"
ارتفع حاجبيه بصدمة اكبر وهو يمسد على جبينه لوهلة قبل ان يقول بهدوء عميق
"انا ارى بأنه قد حان الوقت لتفكري بحياتك بجدية وببناء عائلة ومستقبل لكِ ، فهذه الألاعيب وعناد قرارات والدك لن تفيدك بشيء سوى اللعب بعداد عمرك الذي قارب على الانتهاء"
ردت عليه بسرعة وهي تلوح بيدها الحرة بانفعال
"وبناء مستقبلي يكون بتحكم الغير بمصيره واختيار المسلك الذي عليّ المشي به ! هذا منتهى التجبر والقسوة"
زفر انفاسه بصدر متعب وهو يتمالك نفسه بلحظة ليقول بعدها بجدية وهو يحاول ان يكون منطقي
"ليس هذا ما قصدته يا لينا ، لقد قصدت بأنكِ لن تخسري شيء إذا جربتي حظكِ وقابلته وجلستِ معه ، فقد يناسب ذوقك ، ويلائم تفكيرك وعقلك ، وتجدين به الزوج الذي كنتِ تحلمين به والشريك الانسب لكِ"
تجمدت ملامحها كما حدقتيها الخضراوين المضيئتين وهي تقول بأمر مسلم منه
"لن يحدث هذا ، فأنا اعرف جيدا بأن هذا لن يحدث معه او مع غيره"
شدد على اسنانه وهو يقول من بينهما باقتضاب
"ولماذا لن يحدث ؟"
هدئت ملامحها وهي تتمسك بذراعه تلتمس منه العون هامسة برجاء اكبر
"هيا يا شادي وافق على مساعدتي ، لقد قلت بأنك سوف تساعدني بأي ظرف كان ، لن يستغرق الامر وقتا طويلا ، فقط اسبوع حتى يحين موعد عودته للسفر ورحيله ، كون حبيبي وخطيبي المزيف لأسبوع امام والدي وعائلته ، فقط اسبوع واحد"
نفض ذراعه بعيدا عنها وهو يقول بغضب هادر بعد ان احرقت اعصابه
"كفى يا لينا ، كفى جنون ! ماذا تريدين ان افسر للعالم امر علاقتنا وانا متزوج بالفعل ؟ ماذا تريدين ان افسر لزوجتي ؟ انتِ تقحميني بمشاكل انا بغنى عنها ! وكل ما سأقوله لكِ ان تذهبي لوالدك الآن وتحلي مشاكلك معه مثل كل اب وابنته ، وانا خارج كل هذه المسائل العائلية"
ما ان كان سينسحب من امامها حتى قالت بسرعة بحزن مرير مغلف بمشاعر ضارية لا تعرف الانخماد
"يا لك من لئيم ، كيف تفعل هذا معي ؟ كيف ؟ هل نسيت بهذه السرعة ؟ هل نسيت الفتاة التي اعتنت بك ووقفت بجانبك بأسوء ايامك ؟ هل نسيت الفتاة التي كانت تقدم مصلحتك وراحتك على كل شيء ؟ هل نسيت الفتاة التي اخذت دور الممرضة والصديقة والمرشدة والمساندة بحياتك ؟ لقد كانت اقرب لك من عائلتك ومن زوجتك نفسها ! ماذا قدمت انت بالمقابل لها ! لا شيء ! بينما هي قدمت حياتها بأكملها لك وفضلتك على الجميع ، والآن تأبى تنفيذ تلك الخدمة الصغيرة لها التي لا تعادل الخدمات التي قدمتها لك طول تلك السنين ، ماذا تظن نفسك فاعل بكل هذا التحجر والانانية بقلبك نحو الفتاة الوحيدة التي تفكر بك قبل الجميع ؟ وحتى لو حاولت طول حياتك رد الجميل لن تستطيع ان توفي حقي بكل تلك الجمائل والديون التي تحملها لي !"
التفت نحوها بملامح مصدومة وهو يحاول ان يدرك كل ما قالته الآن عن اتهامات موجهة نحوه جعلته مذنب كبير بحق نفسه ، ليضرب بعدها ذراعه على جانبه وهو يقول بقسوة شديدة
"ليس ذنبي بأنني كنت استخدمكِ بكل هذه الادوار والمهام ، فقد كان كل هذا بإرادتك الحرة ، ولم يجبرك احد على ان تكوني هكذا ، تذكري كان من محض إرادتك وبدون ان اطالبك بشيء ، ولم اعدك يوما بأني سأرد لكِ كل ذلك !"
غامت ملامحها بسحابة سوداء وهي تحرك رأسها جانبا قائلة بانفعال شرس
"حسنا انت من اردت هذا يا شادي"
نظر لها باستغراب وهو يراها تتحرك باتجاه هاتفها لتمسك به بلحظة خاطفة وهي تلوح به بيدها قائلة بحقد دفين
"لن تحصل على اي معلومة توصلك لمكان كمال بدون العناوين التي املكها ، وشيء آخر هناك مخزون كامل من الصور التي تخصنا معا بحال رفضت انت سأنشر هذه الصور واجلب الفضائح لك ولزوجتك على كل مواقع التواصل ، ولن اترك موقع بدون ان انشر عليه هذه الصور العاطفية لتجلب الجدل والكلام عنا ، وخذ تهديدي بعين الاعتبار فهو ليس من فراغ....."
قاطعها (شادي) بقوة وهو يحافظ على ما تبقى لديه من هدوء
"لينا كفي عن هذه التصرفات الطفولية ، ألم تكتفي بعد ؟"
عضت على طرف شفتيها بعصبية وهي تنطلق هذه المرة نحو حقيبتها ، لتمسك بها من على الاريكة وهي تخرج منها ورقة بيضاء مطوية ، لتتجه بعدها صوب الساكن بمكانه يراقب حركاتها المجنونة وينتظر نهاية الامر ، وما ان وقفت امامه حتى مدت له الورقة وهي تقول بخفوت شرس
"انظر لهذا"
تغضن جبينه باستغراب وهو يتناول منها الورقة بصمت ، لينقل نظره لما بين يديه وهو يفتح الورقة كاملة ليكون اول ما تقع عليه عينيه هي العبارة التي خطت بالخط الاسود العريض برأس الورقة
(حياة ماسة ايمن الفاروق الحقيقية)
ارتفع حاجبيه بدهشة سرعان ما تحولت للبرود الصخري وهو يأخذ نظرة سريعة على كل ما هو وارد ومكتوب ، ليخفض بعدها الورقة وهو يلوح بها بوجهها قائلا بعبوس محتد
"ما هذا يا لينا ؟ هل تلعبين معي ؟"
حركت كتفيها بنعومة وهي تشير بأصبعها السبابة للورقة قائلة بدهاء
"هذا المقال جمعته عن حياة زوجتك المخفية خلف الستار ، منها دعاوي رفعت بالمحكمة ولم يتم قبولها بسبب عدم وجود ادلة تثبتها ، ونصفها الآخر شهادة الناس الذين تعاملوا معها وعاشوا ببيئتها ومحيطها ، ومنها شكاوي رفعت ضدها وتم اغلاقها اما بسبب صغر سنها ومسامحة القضاة على افعالها واما بسبب تلفيق الشكوى وخداع القضاة ، وهي بكل الاحوال ليست بريئة منذ ولادتها فقد كان كل هذا مخفي بحياتها ومطوي عن الناس ، وإذا رفعت هذه المقالة على العلن وعلى مواقع الاخبار الشهيرة فلن تتركها الناس وستحدث ضجة كبيرة بالبلد وتصبح حديث الساعة"
ابتلع ريقه بقوة يحجم المشاعر بداخله وهو يجعد الورقة بقبضته قائلا من بين اسنانه بتهديد
"إياكِ والجرأة على ارتكاب مثل هذه الفعلة ، فلا اريد ان اكون قاسي معكِ"
مالت ابتسامتها ببرود وهي تربت بكفها على ذراعه بحركة ماكرة قائلة بابتسامة زائفة بتملق
"سوف اعطيك وقتك بتقرير جوابك ، وعندما تتخذ قرارك تعال مساءً على الساعة التاسعة بمنزلي ، فهناك حفلة سوف تقام اليوم بالعائلة واريدك ان تحضر بها ، فقد حان الوقت المناسب الذي تكون به رجل حقيقي وتسدد ديونك لي"
قطب جبينه بجمود بدون ان يعلق على كلامها وهي تسير بعيدا عنه بلحظة ، لتلتقط بعدها حقيبتها مجددا وهي تلوح له بيدها هامسة بمودة
"وداعا ، اراك بالمساء يا شادي"
غادرت بعدها باتجاه باب المنزل وهو يسمع طرق حذائيها العاليين بصخب تردد بالمكان ، بينما الذي تركته خلفها كان يتمتم بخفوت واجم
"لقد جنت تلك الفتاة وفقدت الباقي من عقلها ، لم يكن ينقصني سواها حاليا !"
رفع قبضته بالورقة التي تجعدت زاويتها بقسوته وهو يعيد قراءة المكتوب بالمقال الذي لخص جزء من حياة زوجته الغامضة وكأنه الضربة القاضية لقلبه
(اصغر مجرمة عرفها المجتمع تستخدم ذكائها وسيلة بمساعدة اخطر المجرمين باختراق امن الشركات الكبيرة وهي ما تزال مراهقة بجسد طفلة وعقل خطير مدمر)
(متوحشة الصفوف الابتدائية التي لا تتجاوز العاشرة من عمرها ترتاد مدرسة الزهور للإناث تطاولت على عدد كبير من طلابها بالدخول بشجارات عنيفة سببت المشاكل مع اهالي الطلاب المغدورين حتى كادت تفصل عدة مرات وتحال للنقل التأديبي ، ولم تجدي معها اي جلسات إرشادية او عقوبات طلابية ، واجزم الجميع بعدها بأنها حالة نفسية معقدة سببها التفكك الاسري)
(التعرض لنوبتيّ صرع بعمر الخامسة عشر والسادسة عشر حتى احالت لقسم الاضطرابات العقلية وكتب سببها خلل بالجينات المسؤولة عن خلايا الدماغ اثناء النوم)
(محاولة انتحار بعمر السادسة عشر باستخدام اداة حادة بقطع الشريان احالت لقسم الطوارئ وكتب سببها خلافات اسرية)
(محاولتين قتل غير مكتملتين الأولى محاولة قتل جارها العجوز بعمر السادسة عشر بضرب رأسه بصخرة كادت تقضي على حياته ، والثانية محاولة قتل سائق الحافلة بعمر السابعة عشر بجرح غائر بصدره بأداة حادة ، والاسباب مجهولة)
اغمض عينيه يعصر الافكار عن ذهنه الذي تعب من التخيل والتفكير حد الهلاك حتى تجعدت الورقة بداخل قبضته المحكمة مثل جذوة نارية مصدرها قلبه ، ليوجه بعدها نظره للنافذة بشرود سبح بعقله وهو يتلاعب بالخاتم بأصابع يده بعصبية قبل ان يتمتم بكبت وكأنه بعالم متباعد عن عالمه
"الحب يحتاج احيانا تضحية كبيرة ومغامرة خطيرة"
_________________________
جلست على الاريكة بغرفة المعيشة وهي تضع طبق التفاح على الطاولة امامها ، لتفتح بعدها مجلة مصورة فوق ساقيها وهي تقلب صفحاتها بملل علها تجد ما يثير اهتماماتها وميولها ، وهي تتنهد بكل دقيقة بضيق اصبح يطبق على نفسها بعد ان حدث تغيير بمواعيد العمل لليوم بسبب الاعياد الوطنية بالبلاد ادت لتأخير دوام العمل وبالمقابل عليها ان تنتظر انقضاء فترة العقاب الاجبارية من اجل رضا سيادة الحكومة .
افاقت من صمتها على صوت رنين هاتفها بجيب بنطالها وهو يهتز بقوة يعلن على سطوته بالمكان ، لتغلق بعدها المجلة وهي تدس يدها بجيب بنطالها وتخرج هاتفها منها ومسبب تلك الضوضاء الصباحية ، وما ان ظهر لها الرقم مجهول حتى تسمرت اصابعها على ازرار الشاشة لبرهة وهي تشعر بخوف غريزي دائما ما ينتابها جراء هذه الاتصالات ، لتتخذ بعدها قرارها بعزيمة اكبر وهي تجيب على الهاتف قائلة بخفوت رسمي تغلفه ببرودها
"مرحبا ، من معي هذه المرة ؟ اتمنى ألا يكون اتصال سوء يريد ان يعكر مزاجي بالصباح !"
صمت من بالطرف الآخر للحظتين قبل ان يأتي الصوت بخفوت واثق باحتقار
"بل هو اكثر من اتصال سيء ، يمكنكِ القول بأنه اتصال انهيار حياتك ، فقط من اجل ان تعرفي من هي الفتاة التي تلعبين معها وتحديته بجرأة !"
اتسعت حدقتيها الزرقاوين بوميض ازرق داكن السطح بينما يخبئ بالباطن هياج ثائر وهي تهمس من بين اسنانها بخفوت شرس
"انتِ مجددا......"
قاطعتها (لينا) ببساطة بدون ادنى تردد
"اجل هذه انا كابوسك المريع الذي لن يهنئ له بال حتى ينسيكِ طعم النوم ، وقد اتصلت بكِ اليوم لنقل اخبار هامة لكِ سوف تسعد قلبك وتسر روحك وقد تفقدين عقلكِ بعد سماع تلك الاخبار"
تغضنت تقاسيمها بضيق وهي تستمع لصوت ضحكتها الساخرة بالطرف الآخر تزيد فجوة قلبها بدون شعور ، لتقول بعدها بحدة تقاطع سيل الضحكات القاتلة
"هذا يكفي ! إذا لم يكن لديكِ كلام مفيد تقولينه لي فالأفضل لكِ ان تقفلي الخط فأنا ليس لدي وقت لتحمل المختلين عقليا وعاطفيا امثالك......."
قاطعتها مجددا بسرعة وهي تقول بنعومة ماكرة وكأنها تستمتع بإغاظتها
"لا تسرعي على نصيبك هكذا ، عليكِ ان تتعلمي ان تكوني اكثر صبرا ، فالأخبار الجيدة قادمة على الطريق ولن تتأخر بالوصول"
ارتفع حاجب واحد ببرود جليدي وهي تقول بصوت مغتاظ
"هل افهم من هذا الكلام بأنه لم يكن ينبغي عليّ ان اصبر عليكِ كل هذا الوقت ؟ وكان عليّ ان اقفل الخط بأول لحظة عرفت بها هوية المتصل !"
عادت ضحكتها لتصدر صدى بأذنيها وهي تتبعها بالقول بمرح مزيف
"انتِ مضحكة جدا يا ماسة ، لم اكن اعرف هذا الجانب فيكِ ، فمن يراكِ ويتعامل معكِ يظن بأن ولادتك كانت اتعس لحظة بحياتك !"
عضت على طرف شفتيها بعصبية تكاد تستنزف صبرها بالكامل ، لتقول بعدها بصرامة وهي تشدد على احرفها
"اسمعي قولي ما تريدين قوله بسرعة فليس لدي الوقت الوفير للانشغال بتفاهاتك"
صمتت عن الضحك تماما وهي تقول من فورها بغموض جاد
"هل تتابعين الاخبار عادةً ؟"
ارتفع حاجبيها ببهوت من سؤالها الغير متوقع وهي تقول بوجوم عابس
"ولماذا قد اتابع الاخبار ؟ ما لذي سيجذب انتباهي لها ؟....."
بترت كلماتها الاخيرة وهي تفكر بعقلها وما غفلت عنه ولا يوجد احتمال غيره ، لتتنفس بعدها بهياج تضخم بقلبها المحصور بقفصها الصدري وهي تتمتم بارتياب
"ما لذي تريدين مني رؤيته بالأخبار ؟ هل هو خبر منكِ اوصلته للصحافة ؟"
كشرت عن انيابها ما ان سمعت صوت ضحكتها الساخرة التي زادت بشاعة عن السابق وترددت بقلبها الموصد ، لتقول بعدها بنعومة افعى خبيثة تلتف حول فريستها
"هذا هو ما قصدته تماما ، وسعيدة بوصول الفكرة لكِ بهذه السرعة ، فأنتِ بالنهاية لستِ بهذا السوء"
ردت عليها بسرعة بصراخ منفعل
"كفاكِ لعبا بذيلك يا فاجرة ، وقولي ما تريدين بسرعة"
تنفست بهدوء وهي تقول من الطرف الآخر بجدية واضحة
"افتحي التلفاز على اول قناة اخبار تصادفك ، وهناك سوف تجدين اجوبتك ، حظا موفقا يا جميلة !"
ردت عليها بحقد تسرب من قلبها المظلم للسانها
"موتي يا فاجرة !"
اخفضت الهاتف وهي تلقي به على الاريكة بجوارها بإهمال بدون النظر له فقد كانت تسرع بالنهوض وهي تلتقط جهاز التحكم بجانب طبق التفاح ، وما ان استقامت بمكانها حتى وجهت جهاز التحكم امام التلفاز وهي تعمل على تشغيله مباشرة ، وبلحظات كانت القنوات تظهر لها على الشاشة وهي تتنقل بينهم واحد تلو الآخر بحثا عن القناة المطلوبة .
ما ان وجدت هدفها المنشود حتى تجمدت يدها بالهواء وهي تحدق بالصورة المكبرة التي ملأت الشاشة بأكملها وانعكس ضوئها بعينيها الدائرتين باتساع ، كانت الصورة تشمل ثلاث افراد منها زوجها القريب بالقلب والبعيد بالواقع وتضم صديقته الفاجرة ورجل كبير بالسن على ما يبدو بأنه الوزير بحد ذاته ، ومن المكان الواضح بالصورة وهيئة الملابس التي يرتدونها يوضح طبيعة الحفلة التي يحضرونها والتي تخص الطبقات المخملية ومناسباتهم الاجتماعية المهمة .
ارتجفت عيناها بأعماق محيط قلبها ما ان حطت على الخبر المنتشر بالشريط الاحمر بالأسفل بصفحة اخبار المشاهير الذي تصدر قائمة الاخبار
(شادي محراب الفكهاني ابن صاحب اكبر شركات البلد حوت الفكهاني يصدم المشاهير والعالم بخبر ارتباطه بفتاة بحفلة اجتماعية رغم زواجه من اخرى ! ويكشف بالحفلة امام عائلة الفتاة سر علاقتهما التي ظنها العالم مجرد صداقة ليتبين بأنها قصة حب نشأت بينهما منذ سنوات بعيد عن العين ! وليس هذا وحسب بل يقر ايضا بأنهما كانا يواعدان بعضهما طول فترة زواجه بخيانة علنية واضحة ! وما منع قصة حبهما من الاكتمال هي تقاليد العائلة التي ارغمته على الزواج من قريبته لكي لا يشن حرب بالعائلة التي تربت على اتباع الاعراف لأجيال)
كانت تشاهد الخبر المتمحور امامها بعينين جامدتين خمدت العواصف والبراكين بهما وشنت الهجوم على قلبها الصخري بظلام المحيط الاسود ، لتحرك بعدها يدها بجهاز التحكم وهي ترفع صوت الصورة المتحركة امامها والتي استقرت على الرجل المتحدث والذي خفق لها فؤادها
"انا اعتذر على هذا الكلام المفاجئ ، ولكن يتوجب عليّ قولها لإنهاء كل هذه الحروب النفسية والمعنوية ، انا احب ابنتك منذ سنوات ونواعد بعضنا منذ ذاك الوقت وما زلنا على العهد"
رمشت بعينيها عدة مرات حتى تثاقلت الدمعة بوهن وهي تسقط بلحظة على بشرتها الشاحبة التي اصبحت ببرود الثلج ، لترفع بعدها جهاز التحكم عاليا وهي تهمس بمشاعر الكراهية التي طافت على السطح
"ايها الخائن !"
رمت بعدها جهاز التحكم على طول ذراعها بلمح البصر حتى ضرب بالنهاية شاشة التلفاز وكأنها تصيب الشخص الذي ما يزال يحتل خلفيتها ، لتتنفس بعدها بطوفان اكبر وهي تهمس بحقد غرقت به حد الصميم
"لا تقل كلام انت غير قادر على الإيفاء به"
جاءت بسرعة التي جلبها صوت الضوضاء لغرفة المعيشة وهي تتسمر بمكانها بقلب وجل ، لتشاهد بعدها الواقفة باستقامة مثل التمثال وعينيها تتابع مسار نظرها حتى وقعت على جهاز التحكم المرمي ارضا ، لتعود بنظرها تلقائيا لمسبب هذه الضجة الغريبة وهي ما تزال ساكنة بحالها قبل ان تقول بوجوم متوجس
"ماذا حدث لكِ يا ماسة ؟ لماذا رميتِ جهاز التحكم هكذا ؟"
عندما لم تستجيب لها تقدمت نحوها بخطوات سريعة وهي تقف بجانبها ، لتربت بعدها على كتفها وهي تقول بحزم اكبر
"ماسة ما بكِ ؟ لما لا تجيبين على سؤالي ؟"
ارتجفت بمكانها بلسعة خاطفة وهي ترفع يدها وتمسح خدها بصمت وكأنها تعيد نفسها من دوامتها السحيقة ، وباللحظة التالية كانت تلتفت نحوها بقوة وهي تنظر لها بتحجر قاسي فاجئها وكأن كل ظلام العالم مأسور بأحداقها وقلبها ، وبدون ان تنتظر كلام منها كانت تتجاوزها بسرعة الطلق وهي تخرج من المكان باتجاه غرفتها .
تنهدت (روميساء) بتعب وهي تتقدم عدة خطوات قبل ان تنحني امام جهاز التحكم وتلتقطه من على الارض ، لتقف بعدها باستقامة وهي تركب قطعه المفككة حتى لفت انتباهها صوت التلفاز العالي ، وما ان رفعت رأسها بشرود حتى اتسعت حدقتيها الخضراوين بصدمة وهي تتبع الشريط الاحمر اسفل الصورة والتي اجابت على كل الاسئلة برأسها ، لتهمس بعدها بخفوت ملتاع وهي تستوعب حجم الفاجعة
"يا لها من مصيبة !"
تركت قطع الجهاز على الطاولة وهي تسير بسرعة اتجاه المسلك الذي يؤدي لغرفة شقيقتها ، وما ان وصلت لها حتى تجمدت بمكانها امام الباب المفتوح وهي تشاهد المجنونة تعيث بالغرفة دمارا وهي ترمي كل ما تطاله يدها من اغطية فراش ووسائد وزينة وكأنها حالة فيضانات بعد هطول الامطار بغزارة ، وتعرف جيدا بأن شقيقتها لا تصل لتلك الحالة من الجنون ألا بسببين إخفاقها بجولات الحياة او التعرض للخيانة بشدة ، وبغض النظر عن سبب حالاتها فهي مجنونة بالفطرة وتؤذي اكثر مما تعمر حتى بإيذاء روحها فهي تتفنن بتعذيبها .
صرخت بعدها بقوة وهي تخترق نطاقها الكهربائي عله يصلها صوتها بعالمها
"ماسة !"
توقفت فجأة عن الحركة وهي تسكن بمكانها لبرهة ويديها تمسكان اطراف الوسادة ، لتلتفت بعدها نحوها بملامح باهتة مسحها الموج وجرف كل شيء فوقها حتى اصبحت حدقتيها عبارة عن حجرين قاتمين لا حياة بهما ، وما ان مرت لحظات صمت اطول حتى قطعته التي ألقت بالوسادة ارضا وهي تنطلق راكضة نحوها حتى هجمت عليها بعناق مفاجئ بدون سابق إنذار او تحذير .
زفرت انفاسها ببطء مهول وهي ترفع يديها بهدوء لتربت على ظهرها بيد وتمسح على شعرها الناعم بيدها الاخرى ، وهي تستشعر عدم انتظام انفاسها الباردة على عنقها وخفقات صدرها الصريعة وكأنها تعاني ألم داخلي اخترق قفصها الصدري ، ولم تملك لها بتلك الحالة سوى الدعاء والاستغاثة من الرب ان يخفف ألمها الحالي وكل ما سبق رافقها الدعاء بكل فاجعة تصيب طفلتها التي اكثر ما حصدته منذ ولادتها هو الألم وتعذيب النفس التي كادت تقتلها بليلة مظلمة استتر بها القمر خلف السحب السوداء والضباب .
_______________________________
كان يدور بالمكان بدون توقف وهو يضع الهاتف على اذنه ونظره لا يفارق شاشة التلفاز التي تبث الخبر مئة مرة بتكرار وكأنه خبر الموسم ، ليدير عينيه بعيدا عن التلفاز وهو يقف امام النافذة ويريح يده الحرة على إطارها بانتظار استجابة الطرف الآخر ، وما هي ألا لحظات حتى انفتح الخط اخيرا وصاحبة الصوت الانثوي تقول بنعومة آسرة
"صباح الخير شادي ، هل اشتقت لي ؟......"
قاطعها من فوره بصلابة وهو يحاول ان يضبط اعصابه الثائرة
"ما معنى هذا يا لينا ؟ هل تحاولين التلاعب بحياتي ؟"
كبحت ابتسامتها بطرف اسنانها وهي تهمس بعدم فهم تمثل العفوية
"عن ماذا تتكلم يا شادي ؟ وعن اي تلاعب تقول ؟....."
قاطعها مجددا بغضب اكبر وهو يطبق على اسنانه بتهديد
"لا تمثلي الغباء يا لينا ، فكل من بالبلاد يعرف بالقصة الآن والتي انتشرت بكل بقاع الارض ولا مجال للكذب امامي ! لذا قولي الآن لماذا خنتني بهذه الطريقة وطعنتني من ظهري ؟ ماذا استفدتِ بعد ان ارتكبتِ هذا التصرف الشنيع ونشرتِ فضيحتنا على العلن ؟"
صمتت لحظات قصيرة قبل ان تهمس ببراءة مندهشة بدون ان تتأثر باتهاماته
"اجل انت تتكلم عن الخبر الذي انتشر عن الحفلة ! لا اعرف حقا كيف اقولها لك ! ولكني بريئة من كل هذه التهم ولست المذنبة ، صدقني انا اقول الحقيقة"
انفجر بلحظة بغضب وهو يصرخ باستنكار
"كفى كذب وخداع ! إذا لم تكوني انتِ ولا انا ، فمن هو الذي سيفكر بفعلها ؟"
ردت عليه بعملية وببساطة بالغة
"ربما هو واحد من الصحفيين المنتشرين بالحفلات الاجتماعية الخاصة بأصحاب المراكز المرموقة ، فهمّ منتشرين بكثرة بهذه المناسبات العامة التي يجتمع بها رؤوس الاعمال واصحاب المواقع المهمة ، وهذا التحليل المنطقي لما حدث اليوم وسر انتشار الخبر بهذه السرعة"
رفع رأسه عاليا وهو يضرب بقبضته على إطار النافذة عدة مرات بقوة يحاول كبح جماح غضبه من السيطرة عليه ، ليقول بعدها بلحظات بحزم جاد
"هذا ليس ما يهمنا الآن ، المهم ان تتصلي بكل قنوات البث وتطلبي منهم ازالة ذاك الخبر بأي طريقة ، لا اريد رؤية ذاك الخبر على اي قناة ، سمعتني اريد ان يختفي هذا الخبر من عن وجه الكرة الارضية !"
عبست ملامحها ببؤس وهي تهمس بأسى خافت
"افهم كلامك ولن اكذبك بالقول بأنني قد تضايقت ايضا بعد سماع ذاك الخبر ، ولكن التكلم مع كل تلك القنوات وإيقاف الخبر الذي انتشر بنصف الكرة الارضية ستكون مهمة مستحيلة ولن نستطيع لحاق كل هذا بيوم ، بل سنحتاج ايام بفعلها وقد لا نستطيع السيطرة على الوضع لو انتشر ايضا على شبكات الانترنت ، وتعرف بأن إيقاف انتشار الخبر لن يوقف الشائعات عند حدها"
اخفض رأسه بلحظة وهو يقول بصرامة لا تقبل النقاش او الجدال
"انا لا افهم كل هذا ، بل الذي افهمه بأن هذا الامر عليه ان يتوقف عند حده وينتهي ، وألا اقسم بالله ان احرق كل مراكز بث القنوات بالبلد ولا ابقي على واحدة إذا لم يختفي ذاك الخبر ، وانا لا اهدد مجرد كلام بل سيتحول لأفعال إذا لم يتحقق ما قلته"
ابتلعت ريقها بارتباك لحظي جعلها تراجع حساباتها وهي تهمس بخفوت لطيف تحاول تحسين مزاجه بإغواء صوتها
"حسنا يا شادي لا داعي لكل هذا الانفعال والغضب عليّ فلست انا من نشر الخبر ، واعدك ان احاول بكل جهدي ان اوقف الامر برمته ولا ابقي على اثر منه ، وسوف احاسب كل قناة وارفع دعوى عليها إذا استمرت بنشر ذاك الخبر عنا بعد ان نوصل رسالة التحذير لهم وكل وسائل الإعلام ومواقع التواصل ، لذا لا تقلق بشأن هذه المسألة وتأكد بأن انحلال هذا الامر لن يأخذ اكثر من يومين"
تنفس ببعض الضيق وهو يقبض على يده فوق إطار النافذة قائلا ببرود قاتم
"المهم هو انحلال هذا الامر والباقي نفكر فيه فيما بعد"
ردت عليه بصوت باسم تتقمص شخصيتها المدللة
"يفترض بك قول شكرا لكِ على جهودك من باب الذوق ! أليس هكذا يكون الأصل ؟"
ضيق حدقتيه بجمود وهو يقول بجفاء يغير الموضوع مباشرة
"اتركينا من هذا الآن ، فأنا قد اردت التكلم معكِ بموضوع آخر ، بما ان التمثيلية امام والدك قد انتهت وانجزت المهمة المطلوبة فقد حان الوقت لتفي بالجزء الثاني من الاتفاق وتلغي تلك المقالة من عندك وكل الصور التي تخصنا معا ، وما ان تنتهي ارسلي لي مكان إقامة كمال وكل تلك العناوين ، فأنا لن استطيع ان اصبر عليكِ اكثر"
تنفست بهدوء وهي تقول من فورها بثقة عالية بدون ان تهاب شيء
"اعتذر يا صديقي العزيز ، ولكن خطة التمثيلية المزيفة لم تنتهي بعد ، ودورك بهذا الفيلم لم ينتهي كذلك ، فكما اخبرتك عليك ان تؤدي هذا الدور بكل اخلاص وتفاني مدة اسبوع كامل حتى يغادر العريس الموقر واتأكد من ألغاء هذا الزواج ، لذا انت مضطر لتتحمل اسبوع واحد بهذه الخطة والاستمرار بها للنهاية"
شدد على اسنانه بأنفاس اصدرت صرير حاد وهو يهمس من بينهما بكبت
"اعطيني الصبر يا الله"
ردت عليه بضحكة صغيرة وهي تتبعها بالقول بصوت متملق
"يبدو بأنه لديك ما يشغلك الآن ، ولا اريد ان اكون مصدر إزعاج عليك ، وشكرا لك على كل ما فعلته من اجلي بحفلة الامس ، لقد كانت بطولة وشهامة كبيرة منك....."
قاطعها بعدها بنفاذ صبر
"لينا !"
ردت عليه بسرعة وهي تقول بلطافة
"وداعا ، وإلى لقاء قريب يا حبيبي المزيف"
اغمض عينيه بهدوء على صوت اغلاق الخط وهو يخفض الهاتف عن اذنه ببطء حتى ارتمت على جانبه بسكون ، ليسند بعدها جبينه على قبضته المستقرة فوق إطار النافذة وهو يهمس بانفعال حانق
"لقد جنيت على نفسك يا شادي الفكهاني"
ضرب بعدها جبينه بقبضته عدة مرات وهو يردد بين كل واحدة واخرى بيأس
"احمق ، احمق ، احمق ، احمق ، احمق ، حقا احمق كما اطلقت عليك ماسة ! ألم تستطع اخبارها ؟ ألم تستطع التكلم معها قبل ان تتصرف بأي خطوة ؟ ألم تستطع الوصول لها قبل كل شيء ؟ كيف سوف اتصرف الآن معها ؟ كيف سوف اشرح وافسر موقفي امامها ؟"
تبعها بالنهاية بضربة اقوى بجبينه حتى هزت مصرعي النافذة للحظة ، ليزفر انفاسه بإجهاد مضني وهو يبعد جبينه وقبضته عن النافذة قبل ان يحيد بعينيه نحو شاشة التلفاز التي ما تزال تعرض الخبر نفسه مثل ترويج منتج لا يمل منه .
رفع الهاتف بهدوء وهو يتصل برقم آخر بأمل طفيف ان يخون توقعاته لمرة واحدة ، وما ان رفع الهاتف لأذنه حتى اصدر صوت طنين يثبت بأن الخط مفصول او حياته هي التي انفصلت ، لينفض بعدها ذراعه للأسفل وهو يتكأ بظهره على النافذة ويده الاخرى تمسد اصابعها على صدره مكان ضربات قلبه قائلا بجموح مكبوت وكأن احدهم يضيق عليه القضبان
"ماذا سوف تفعل بنفسك الآن ؟ وانت واقع بحب مجنونة اكبر جريمة ارتكبتها بحياتها هي ان تسرق قلبك من بين ضلوعك بكامل رضاك !"نهاية الفصل........
أنت تقرأ
بحر من دموع
Художественная проза"كل من ينظر إلى عينيها يلمح الجمود والقوة بهما لتضلله بنظراتها الثابتة وهي تنظر لكل من حولها بعدم مبالاة متعمدة لتدوس على كل ما يطأ قدميها بعنف قاسي مبالغ به ليتحول لرماد من تحت ضغط قدميها ، بينما هو من بين الجميع استطاع ان يلمح دموع متدفقة بعينيها...