كان يجلس على الأريكة وهو ينظر بعيون متسعة بصدمة لشقيقه الكبير والذي كان يسير جيئاً وذهاباً بدون توقف وهو يراه على هذه الحالة من التخبط بالمشاعر والأفكار لأول مرة وكأنه ليس نفسه المتزن الصارم بحياته والواثق من نفسه دوما بكل المواقف ، وهو الذي كان يراه دائما مثال للرجل الوقور والمتحكم بكل انفعالاته الخارجية والداخلية والقادر على فعل اي شيء بدون اي حواجز والمنزه من الاخطاء منذ صغره ليكون المرشح الأفضل ليدير اعمال العائلة منذ تسلمه اول منصب بالشركة بعمر الخامسة عشر ، والآن ماذا حدث له ليتحول لكل هذا وينقلب رأساً على عقب وكأنه يرى شخص آخر بعيد عن شخصية (احمد) المعروفة ؟
زفر (شادي) انفاسه بهدوء وهو يسند كفيه على ركبتيه بتحفز ، ليقول بعدها بتركيز حذر وهو يحاول استيعاب كم الحقائق والتي تلقاها للتو
"دعني اتذكر قليلا ! انت الآن متزوج من روميساء الفاروق بعد ان عقدت قرانك معها بظهر اليوم بدون علم احد ، وتفكر الآن كيف ستستطيع زف هذا الخبر لزوجتك ووالدك بدون ان يحدث اي مشاكل وتضطر عندها لخسارتها !"
توقف (احمد) عن السير قليلا وهو يلتفت نحوه بعبوس جامد ، ليقول بعدها وهو يزفر انفاسه بوجوم
"هذا ما كنت اتكلم عنه ، فقد نسيتُ بخضم ما حدث التفكير بطريقة سهلة لإقناعهما بهذا الزواج بدون جلب مشاكل لأحد"
ارتفع حاجبيه بدهشة مصطنعة وهو يقول ببساطة بالغة
"دعني اخبرك امرا مهما وهو بأنك قد وقعت بمشكلة عويصة ليس لها حل ، فغير رفض والدي لأي علاقة تربطنا ببنات مايرين ستخسر ايضا مساندة عائلة زوجتك العزيزة والتي ستحيل حياتنا لجحيم ما ان تعلم عن زواجك الثاني ! وقد تفكر ايضا بقتلك انت ومعك ضرتها الجديدة بطريقة لن تخطر على بال احد"
تجهمت ملامح المقابل له وهو يصرخ بنفاذ صبر
"هذا ليس وقت المزاح يا شادي ، وكلامك لا يساعدني ابدا بل يزيد حالتي سوءً ! وارجوك توقف عن قول هذه الاستنتاجات قبل ان احيل انا حياتك لجحيم"
اتسعت ابتسامته ببراءة وهو يعض على طرف شفتيه مانعا الضحكة من الخروج امامه لكي لا يخنقه المقابل له ويموت على يديه وهو يبدو بحالة ليس من الجيد اغاظتها ، وما ان حدجه (احمد) بنظرات حادة بعينيه الصارمتين حتى رفع كفيه لفوق رأسه وهو يقول بروية وتمهل
"اهدئ يا احمد وفكر اولاً قبل ان تفعل اي شيء ، فلا تنسى بأنني بصفك ولستُ من اعدائك الرافضين لزواجك هذا"
ردّ عليه (احمد) وهو ينظر بعيدا عنه بضيق
"اعرني سكوتك لو سمحت"
ابتسم بهدوء وهو يسند ذقنه لقبضته بأريحية قائلا بتفكير وهو ينظر لشقيقه والذي عاد للحركة امامه بعصبية
"فقط اريد ان اعرف ، لما فكرت بالزواج للمرة الثانية ؟ ألم تكتفي من المرة الأولى ؟ ولما اخترتها هي تحديدا من دون الجميع !"
وقف (احمد) بمكانه للحظات وهو يشرد بعيدا بنقطة محددة قبل ان يهمس بابتسامة هادئة
"ليس الأمر بأني افكر بالزواج من امرأة اخرى لتشبع رغباتي او بسبب نقص تعاني منه زوجتي ! ولكني شعرت بالقلق من خسارتها مرة أخرى بعد ان ذاقت الويل وحدها هي وشقيقتها بسبب عدم ضمهما للعائلة منذ سنوات ، ونحن جميعا نحمل جزء من اللوم والذنب على ما تعرضوا له بحياتهما بعيدا عنا ، لذا لن اسمح بأن يتكرر هذا مرة أخرى وألعب دور المشاهد فقط كما حدث بالماضي ، وعقد قراني بها سيضمن حقها والذي بخلتموه عليها من قبل وسأتأكد هكذا بأنها بأمان بعيدا عن كل الوحوش البشرية والمتربصة لها ، وعلى الجميع تقبل هذا القرار من اجل مصلحة الجميع ولكي لا يؤكل احد حق بنات عمتي مرة أخرى"
كان (شادي) يحرك رأسه بشرود وهو يتمتم بغموض مبتسم
"ولكنك يا احمد نسيت حق زوجتك بمعرفة زواجك عليها ، فهذا اقل حقوقها كزوجة عاشت معك لسنوات بحلوّها ومرّها ، بالرغم من اني ارى بأنها تستحق هذا فهي امرأة مستفزة لأبعد الحدود !"
اخفض نظراته للأسفل بانهزام وهو يهمس بوجوم شارد
"وهذا الشيء الوحيد والذي يشعرني بالدناءة يا شادي ! فهي بالنهاية تبقى زوجتي مهما كانت مدى عيوبها والتي تعاني منها ، ولكن لا تقلق فهي بالنهاية سترضى بالأمر الواقع ما ان اخبرها بالسبب من زواجي من ابنة عمتي مع اني اشك بهذا"
ردّ عليه بعدها بلحظات بهدوء قاطع
"وإذا طلبت منك الطلاق ! فماذا ستفعل ؟"
رفع (احمد) رأسه بهدوء وهو يقول بصرامة مفاجئة
"لن امنعها"
حرك رأسه بتفكير للحظات قبل ان ينهض عن الأريكة وهو يعود لابتسامته المرحة قائلا بانشراح وهو يلوح بذراعه بلا مبالاة
"إذاً ليس لدي شيء اقوله لك سوى بالتوفيق بمهمتك المستحيلة ، واتمنى حقا ان تخرج حياً من هذه التضحية والتي تقدمها لبنات عمتنا ، وحقا محظوظات بنات مايرين لأنهما تحظيان بابن خال مثلك نادر الوجود بهذا الوقت !"
التفت باتجاهه بهدوء وهو يعقد حاجبيه قائلا بتصلب بارد
"هل ستغادر وتتركني وحدي بهذه الحال ؟ اين مساندة الأخوة لبعضهم ؟"
التفت نحوه وهو يرفع حاجبيه باستفزاز ليقول عندها بابتسامة جانبية
"كنتُ حقا ارغب بمساندتك ولكنك ترى ان الوقت متأخر جدا ، وانا الآن احتاج للنوم اكثر منك لأني اصغر سنا منك ، لذا ابقى انت هنا ساهرا لليوم الثاني تفكر بحل لمصيبتك ، وانا سأذهب لأتنعم بنوم دافئ بعيدا عن القنابل النووية والتي سنشهدها بالمنزل غدا !"
عبست ملامحه بتصلب بدون ان يتفاعل مع مزاحه الأخير ، بينما اكمل الآخر سيره لخارج الغرفة وهو يلوح له بكفه قائلا بلا مبالاة
"حظاً موفقاً يا احمد"
ليقفل بعدها باب الغرفة من خلفه بهدوء وببساطة كما يفعل عادةً ، بينما ترك (احمد) شاردا بعيدا عنه وهو يدعوّ من كل قلبه ان يسير كل شيء كما يريد ويخطط له بدون ان يضطر للانفصال عن (روميساء) بعد ان اصبحت جزء مهم بحياته عليه حمايته بكل ما يستطيع من قوة وبعيدا عن صورة انهيارها عند مدخل مقر عملها والتي لا تبارح ذهنه بتاتا .
____________________________
كانت تركل اي حصوة تصادف طريق سيرها بملل وهي تزفر انفاسها بتعب وإنهاك ، فهي لم تستطع النوم ولو لثانية بمنزل صديقتها بسبب تغير الوضع عليها والمكان وبسبب ذاك الخبر والذي ضرب عقلها بذكريات تود لو تدفنها بداخل روحها المشوهة للأبد وبدون رجعة ، لكي لا تزعجها مرة أخرى وتنغص عليها رتابة حياتها الكئيبة بدون ذكريات او احلام .
رفعت جفنيها الحمراوين عن احداقها بصعوبة وهي تحاول التركيز برؤية مسار سيرها والفارغ من البشر بسبب موعد الشروق والذي لم يحن بعد بهذه الساعة الباكرة والسماء ما تزال تتلون بشحوب غائم من فوقها وبلون رمادي باهت ، فقد اعتادت على هذا الروتين منذ سنوات حيث يستيقظ سيد المنزل (قيس) بعد بزوغ الفجر بساعة لتفيق هي معه وتجهز له الافطار كما هو معروف بقوانين العيش بذاك المنزل ، قبل ان يغادر المنزل بدون ان تعلم وجهته والسبب والذي يجعله يستيقظ بهذا الوقت الباكر ؟
توقفت خطواتها فجأة ما ان سمعت صوت بوق السيارة بجانبها ، لتشدد بعدها من القبض على حزام حقيبتها بيد وهي تقبض على جيب بنطالها الجانبي والذي يحوي على سكينها بيدها الأخرى ، ارتخت بعدها مفاصلها وهي تسمع ذلك الصوت المستفز والخارج من السيارة وهو يقول
"صباح الخير يا دمية"
ادارت عينيها نحوه بملل وهي تهمس بنزق
"ما لذي تفعله هنا ؟ ولما تلاحقني بكل مكان ؟"
ردّ عليها (مازن) ببساطة مستفزة
"لأنكِ دميتي يا ماسة وتخصيني ، لا تنسي هذا الكلام"
تصلبت ملامحها للحظات وهي تنطق بشراسة تنضح بعينيها الزرقاوين القاتمتين
"لستُ دميتك يا مازن ، افهم هذا وارحني"
اتسعت ابتسامته بميلان وهو يحرك عينيه العسليتين شاملا إياها بنظراته بكسل ، لتزفر بعدها انفاسها بحنق وهي تعود للمشي بعيدا عنه قائلة باقتضاب
"عذرا ولكنك تؤخرني"
عاد للضغط على زامور السيارة بصخب وهو يقول بابتسامة ماكرة
"ولكن ألن تخبريني لما خرجتي من منزل والدي بهذا الوقت ؟ ألم تعجبك الضيافة !"
توقفت للحظات وهي تلتفت نحوه قبل ان تهمس بتصلب مشتد
"كيف عرفت بأنني كنتُ موجودة بمنزل والدك ؟"
حرك (مازن) السيارة بهدوء ليوقفها بجانبها وهو يقول ببرود مبتسم
"انا اعلم بكل شيء يدور من حولكِ يا ماسة ، لذا احذري جيدا بخطواتك"
عقدت حاجبيها بحدة وهي تتمتم بتفكير جاف
"أليس من المفترض ان تكون الآن عند صديقك البعيد ؟ ام انها كانت كذبة تخفي بها اعمالك !"
ارتفع حاجبيه وهو يدعي التفكير قبل ان يقول بابتسامة عريضة باستفزاز
"اجل صحيح وهذه عودتي من عند صديقي ، ام لديكِ مانع بهذا !"
ادارت عينيها جانبا وهي تهمس بنفاذ صبر وكأنها تكلم نفسها
"المانع الوحيد بأنك قد عدت من عنده قبل ان ارتاح من عدم وجودك نهائياً"
عقد حاجبيه بتركيز للحظات وهو يقول ببراءة مصطنعة
"بماذا كنتِ تتكلمين عني ؟ واتمنى حقا ان يكون شيئاً جيدا"
اشاحت بوجهها بعيدا عنه وهي تكمل سيرها بلا مبالاة لوجوده وقد طفح بها الكيل منه وهو يبدو لا يريد التوقف عن مضايقتها وملاحقتها بهذا الاستفزاز ، لتعود للوقوف فجأة ما ان سمعته وهو يقول بتصلب غامض
"أرأيتِ الاخبار ! لقد امسكوا بالمدعو اصلان صديق عمي قيس وشريكه بجرائمه ، أتتذكرينه يا ماسة ؟"
عضت على طرف شفتيها بقوة حتى كادت تدميها وهي تمنع تشنجاتها من الظهور على حركات جسدها وملامحها ، لتلتفت بعدها بوجهها نحوه ببطء وهي تستمع لباقي كلامه ببرود متعمد
"لم يبقى تقريبا سوى اثنين من رجال قيس لم يلقوا بالقبض عليهما ، وقد تكونين انتِ التالية يا ماسة !"
صرخت (ماسة) فجأة بانفعال حانق غير مهتمة بصدى صوتها بسكون المكان الفارغ
"اخرس ، فأنا ليس لي علاقة بعالمكم الاجرامي وكل شيء فيه قذر لا يخصني ولست مسؤولة عنه"
ابتسم بصمت ناظرا لها من نافذة السيارة المفتوحة بجانبه وهو يُخرج رأسه منها بكسل ، ليقول بعدها وهو يحرك رأسه بابتسامة باردة
"يبدو بأنكِ قد نسيتِ بالمجرم والذي كان يسرب كل معلومات الصفقات والمشروعات الخطيرة وكلمات المرور الخاصة بهن ، والذي يكون شخص واحد ليس هناك غيره بالعالم والخبير بكل هذه الأمور ، واكيد اقصدكِ انتِ !"
تصلبت ملامحها ببرود تحت بشرتها الرخامية بتجمد يحمل من خلفه الكثير ، لتسير بعدها هذه المرة بطريق معاكس وهي تعود باتجاهه قبل ان تقف بجانب سيارته وهي تهمس بخفوت حجري
"ماذا تريد مني بالضبط ؟"
ارتفع حاجبيه بإعجاب مزيف وهو يهمس بابتسامة متسعة ببشاشة
"فقط اريد منكِ المجيئ معي بالسيارة ، لأني اريد التكلم معكِ بموضوع هام ، وبعدها سأتركك وشأنكِ"
تنهدت بهدوء وهي تفكر بسرعة بالذي عليها فعله الآن بهذا المزعج والمصر على الالتصاق بها دوما وهو يحمل كل اسرارها معه وكل شيء يخص عالمها السابق ؟ لتقرر بعدها فعل ما يقوله لعلها تتخلص منه للأبد وترتاح وهي مستعدة لأي مراوغة قد تصدر منه بأي لحظة لتشق عندها رأسه بسكينها لنصفين ، وهذا ليس بالشيء الجديد عليها عندما تكون متعايشة منذ المهد بمحيط يملئه كل انواع المجرمين بالعالم !
سارت بعدها حول السيارة بثبات قبل ان تصل لباب المقعد بجانبه ، لتفتحه عندها بهدوء وهي تجلس بجانبه بصمت مريب قبل ان تقفل الباب من خلفها بقوة ، بينما عاد (مازن) لتشغيل محرك السيارة وهو يقول بابتسامة مائلة مع عينيه العسليتين الناعستين
"اهلا بكِ بعالمي يا دميتي الجميلة ، انظري ما اجملكِ وانتِ مطيعة مثل كما كنا بالماضي !"
اشاحت بوجهها باتجاه النافذة ببرود وهي تشعر بشيء غير جيد ينخز قلبها بألم كما يحدث دائما مع غريزتها الفطرية المحدقة بالخطر من حولها ! ولكنها الآن قد وصلت لحالة من الإنهاك وقلة النوم تمنعها من التفكير بالشكل السليم والتدفق بأفكارها المتضاربة برأسها ، بينما تحرك (مازن) بالسيارة بعيدا عن الطريق وابتسامة غامضة تتسع تدريجيا حتى شملت وجهه بأكمله بانتشاء واضح مريب .
____________________________
فتحت عينيها بإنهاك ما ان داعبتها خيوط من اشعة الشمس والمتسللة من النوافذ العملاقة وهي تشوش عليها الرؤية امامها ، لتنتفض بعدها مستيقظة بقوة قبل ان تتلوى بألم ما ان اجتاحتها موجة تشنج بمنحنيات ظهرها بسبب نومها على الأريكة الغير مريحة لفترة طويلة ، رفعت كفها وهي تمسد على ظهرها وخصرها بقوة مضيقة عينيها الخضراوين بشحوب من اشعة الشمس القوية والتي اخترقت النوافذ الزجاجية بسطوع لم تعتد عليه بسبب قرب مكان الشقة من اشعة الشمس بما انها بالطوابق العليا .
تنهدت بتعب وهي تنهض عن الأريكة برفق بعد ان غفت لساعات عليها وهذا بعد بزوغ الفجر وهي التي لم يغمض لها جفن من التفكير الطويل بحياتها وبكل تعقيداتها من عقد قران وشقيقة يتيمة وبابن خالها والذي اصبح من الآن زوجها ، ولا تعلم للآن ما هي الخطوة التالية من اجل استعادة شقيقتها وتحقيق مطالبها والتي وعدها بها (احمد) من قبل ؟ ولكن كل ما يهمها الآن وبهذه اللحظة هو الاطمئنان على حال شقيقتها بعد ان تركتها بعهدة (صفاء) ولن تنسى احضارها ايضا لهذه الشقة مهما كلفها الأمر .
وقفت عن الأريكة وهي تلتفت نحو النوافذ الزجاجية ومصدر الانارة بالشقة الواسعة ، لترفع بعدها كفها لمستوى وجهها وهي تحمي عينيها من الانارة والتي اجهدت الرؤية عليها ، تحركت من فورها ببطء وهي تدور حول الأريكة لتقف بعدها امام النوافذ قبل ان تمسك بجانبي الستارة لتحجب النور من امامها وهي تغطي النوافذ العملاقة بصمت لتحل عندها اضاءة خافتة على انحاء الشقة .
زفرت انفاسها براحة وهي ترفع يديها لمستوى وجهها لتتمتم بدعاء خافت معتادة على قوله دائما ببداية كل شروق ويوم جديد
"اللهم يسر امورنا واشرح صدورنا وفرج همومنا يارب العالمين"
مسحت وجهها بكفيها باستغفار وهي تتنهد بهدوء ، لتبتلع بعدها ريقها بتشنج وهي تسير بعيدا عن النافذة باتجاه ممر الغرف ، بدأت بعدها بفتح الغرف الواحدة تلو الأخرى وهي تتأفف بنفاذ صبر بدون ان تعرف مكان الحمام بهذه الشقة الواسعة ، لتصل بعدها لغرفة من بين تلك الغرف الأخرى وهي تحتوي على حمام مرفق معها وقد كان هذا من حسن حظها .
سارت بسرعة لداخل الحمام قبل ان تشغل الماء بالحوض المستدير الذهبي ليتدفق عندها الماء بداخل الحوض حتى امتلئ بالكامل ، لتأخذ بعدها حمام سريع لم يستمر معها سوى ثواني معدودة ، فقط لينفض عنها الإنهاك والتعب والذي تشعر به يكاد يفتك بها منذ الأمس وخاصة بأنها تحتاج الآن لكل تركيز لتستطيع التفكير بخطواتها القادمة بشكل سليم وبذهن متفتح .
وقفت امام المرآة وهي تجدل شعرها بجديلة طويلة مبللة لكي لا تعيق عليها الحركة ومع اشعة الشمس ستجف لوحدها ، وما ان انتهت من كل هذا حتى تحركت لخارج الغرفة لتتجه لوجهتها التالية وهي المطبخ ، وقفت امام الخزائن بدون ان تتمعن بزوايا المطبخ الفاخر مثل باقي الشقة ، لتخرج منها علبة القهوة وهي تتنفس براحة فكل شيء يسير كما تريد للآن ، انتهت من تحضير كوب قهوة سريع وهي تحركه بالملعقة برتابة قبل ان تقربه من شفتيها ، وما هي ألا لحظة حتى ابعدته عنها بسرعة ما ان لعقت مرارته بلسانها والتي كانت شبيهة بالعلقم .
تجولت بعدها بين الخزائن مرة أخرى بدون ان تجد اي اثر للسكر وهي تفكر بأن بأي مطبخ دائما لا يخلو من السكر ! ولكن لما مطبخ هذا الرجل لا يوجد به اي ذرة من السكر ؟ هل يعيش على مرارة العلقم ام انه قد استنفذ كل السكر من عنده ؟
ضربت بقبضتها على جبينها بقوة بغضب قبل ان تعود لكوب القهوة وهي تمسك به بارتجاف ، وما ان قربته من شفتيها حتى تجرعته برشفة واحدة شعرت بها بحلقها قد تفتت من المرارة السوداء وكأنه لا ينقصها مرارة العالم الخارجي لتكتمل بهذه القهوة السوداء !
وقفت امام النافذة وهي تفتح القليل من الستارة ليتسلل بعض النور للداخل وهي تمتع نفسها بالمناظر الخلابة والظاهرة من ارتفاع البناية الشاهق ، تنفست بعدها بهدوء وهي تبتسم بثقة كبيرة لتبدأ بها يومها الجديد كالمعتاد .
ابتعدت بسرعة عن النافذة لتخرج الهاتف من حقيبتها الملقاة فوق الطاولة وهي تجري الاتصال بسرعة ، وما ان وضعته على اذنها حتى وجدته مقفل بدون اي ردّ من الطرف الآخر وهذا ما دفعها لتشعر بالتوجس والقلق ينهش احشاءها بقوة ، اخفضت الهاتف لتجري من فورها اتصال آخر برقم ثاني وهي ترجو ألا يحدث ما تفكر به ، ليفتح بعدها بلحظة الطرف الآخر وقبل ان ينطق بأي كلمة سبقته وهي تقول بسرعة بخفوت قلق
"صفاء ، هل ماسة معكِ ؟ فأنا احاول الاتصال بها وهي لا تجيب !"
ساد الصمت للحظات قبل ان ينطق الطرف الآخر بخفوت متوتر
"لا اعلم ماذا اخبركِ يا روميساء ! ولكني لم ارى ماسة منذ نامت معي بمنزلي بمساء الامس ! وبعدها بالصباح اختفت ولم اجد لها اي اثر ولا حتى بالجامعة....."
اخفضت (روميساء) الهاتف عن اذنها بارتجاف بدون ان تسمع بقية كلامها وهي تفكر بمئة احتمال يدور برأسها ومن بينها ان تكون حقا قد بدأت بالبحث عن عمل كما كانت تريد وتسعى ، ولكن لن تسمح بحدوث هذا وهي من ستوقفها عند حدها فهي المسؤولة الوحيدة عنها وتأمين كل ما تحتاجه مهمتها وحدها منذ سنوات ، فهي لن تسمح لشقيقتها بأن تتمادى اكثر من هذا وتعمل عند اناس سيستغلون ضعفها وعدم خبرتها بمجال العمل بدناءة !
اعادت الهاتف لأذنها وهي تقطع استرسال الأخرى قائلة بحزم
"اسمعي يا صفاء واهدئي ، انا سأحاول البحث عنها بمنزل قيس وبكل مكان ، وانتِ ابقي بالجامعة حتى نهاية الدوام فقد تأتي لحضور محاضراتها متأخرة"
ردت عليها (صفاء) بخفوت حزين
"حسنا يا روميساء ، واعتذر لأني لم انتبه عليها اكثر كما طلبتي مني"
حركت رأسها بشرود وهي تهمس بعطف
"لا تقلقي يا صفاء ، كل شيء سيكون بخير فماسة ليست طفلة لتخافي عليها هكذا ، والآن وداعا"
فصلت (روميساء) الخط بارتباك وهي تعيد الهاتف للحقيبة بهدوء ، لتضع بعدها حزام حقيبتها فوق كتفها وهي تعيد جديلتها الطويلة لخلف ظهرها قبل ان تسير باتزان هادئ لباب الشقة ، وكل ما تتمناه ويجول بفكرها ان تكون (ماسة) حقا بخير ولا يصل تهورها وجنونها لأمور لا تحمد عقباها .
____________________________
طرق على باب الغرفة بهدوء حذر قبل ان يسمع الاذن بالدخول ، ليدفع بعدها باب الغرفة وهو يقول بابتسامة هادئة باتزان
"صباح الخير ابي"
ردّ عليه من كان يقف امام المرآة وهو يعدل من ربطة عنقه قائلا بهدوء جاد
"صباح النور ، ماذا هناك ؟ لما لم تذهب للشركة بعد ؟ فلا تنسى بأنه عليك البدء بالعمل على الصفقة الجديدة والتي سلمتها لك"
كان (احمد) يبتسم بشرود وهو يتمعن بالنظر بوالده والذي يبدو لم يؤثر عليه تقدم العمر كثيرا ولم يهد من طاقته وحيويته ولو قليلا ، وحتى الشعيرات البيضاء لم تغزو سوى جزء قليل من شعره لتختلط مع الشعيرات السوداء وتزيده مهابة وجبروت وفخر لهذه العائلة ، وهكذا كان دائما يراه منذ طفولته البطل الخارق والذي لا يقف امامه اي حائل مثل الجبل الشامخ والذي لا يهزه ريح مهما تعاقبت السنوات وزادت العقبات امامه ، فهو بالنهاية ابن العائلة الوحيد ورجل بين ثلاث شقيقات والذي صارع الحياة بقوة بين اولاد اعمامه ليحصل هو على المركز ويتشبث بقوة بمكان جده الراحل والذي استلمه من بعده .
نفض الأفكار عن رأسه ما ان استدار (محراب) نحوه بجمود وهو ينظر له بتلك الاحداق الرمادية والتي لم تتغير الصرامة والقسوة فيها والتي تميز افراد هذه العائلة ، ليقول بعدها بسرعة بابتسامة جادة
"اريد القليل من وقتك يا ابي ، لأتكلم معك بموضوع هام ويخصني شخصياً"
تصلبت ملامحه بجمود وهو يرفع حاجبيه ببطء مترقب قائلا ببرود
"يمكنك ان تخبرني بما تريد بعد ان ننتهي من العمل ، فلا نريد التأخر بالبدء بالصفقة الجديدة والتي تخص رحلة عملك وخاصة بعد الخسارة والتي ألحقت بنا بعد تلك الحفلة الكارثية"
استاءت ملامحه وهو يشعر بكلمات اتهامية غير مباشرة موجهة نحوه ليذكره بما حدث بسببه بتلك الحفلة الكارثية كما يقول وهو يحمله كل اللوم على ما آلت إليه تلك الشراكة ، قال بعدها بلحظات باستياء واضح
"ولكني لستُ المذنب الوحيد هنا ، فذلك المسمى رضوان هو الذي تجاوز حدوده بالبداية....."
قاطعه (محراب) وهو يتمتم بنفاذ صبر
"توقف عن تكرار نفس الحجة امامي ، فأنا قد خاب ظني بك كثيرا"
تنفس بضيق وهو يعود مرة أخرى لتحميله الذنب بالكامل واشعاره بالمسؤولية وبما قد خسره بسببه ، ليعود بعدها لموضوعه المهم وهو يقول بجدية عابسة
"ابي فقط اسمعني اريد التكلم معك بأمر مهم ، وهو بعيد جدا عن العمل ولن يأخذ الكثير من وقتك"
رفع (محراب) نظراته باتجاه ابنه وهو ينتظر تكملة كلامه بترقب وبحاجبين معقودين بتركيز ، ليقبض بعدها على يديه بقوة وهو يهمس بتصلب بدون اي مواربة
"لقد عقدت قراني على ابنة عمتي روميساء الفاروق بالأمس بالمحكمة ، وهي الآن قد اصبحت زوجتي رسمياً وتحت حمايتي"
ساد هدوء حذر بالأجواء بينهما دام لدقائق وفقط صوت انفاسهما هو ما يقطع الصمت بينهما وعيونهما تعلن عن تحدي بارد بدون اي كلمات بنفس القوة والصرامة الموروثة ، ليزفر بعدها (محراب) انفاسه بتضخم وهو يبادر بالكلام قائلا بجمود
"هل هذا الكلام حقيقي ام انك تسخر مني ؟"
وعندما دام الصمت لفترة اطول حتى استسلم (احمد) وهو يبعد عينيه عن تحدي عيون والده بخنوع صامت ، ليقول بعدها (محراب) بصوت صارم بارتفاع خطر
"ولما فعلت هذا ؟ ما لذي دفعك لتتصرف على هذا النحو ؟ ام انك تفكر بالانتقام مني وفعل ما امرتك بعدم فعله كوسيلة لإغاظتي ! هل هي حرب باردة بيننا ؟......"
قاطعه (احمد) باستنكار وهو يرفع كفيه بتبرير
"هذا غير صحيح ابدا يا ابي ، لما دائما تفهم ما افعله بشكل خاطئ ؟ انا اكيد لستُ افكر بمحاربتك او الانتقام منك فأنت بالنهاية والدي ومعلمي الأول بالحياة والذي يتمنى لأبنائه الخير دائما !....."
قاطعه (محراب) وهو يتقدم نحوه بثبات نافضا ذراعه جانبا
"لا انت لست ابني الذي اعرفه بل نسخة اخرى عن شقيقك المجنون والذي بدأت تتحول عليه ، فهذا لا يخرج ابدا من ابني احمد والذي تابعت تربيته بنفسي خطوة بخطوة منذ كان طفلا ليستطيع حمل كل اعباء العمل بنفسه بعد ان يتقدم بي العمر ! لكن ماذا ارى امامي الآن سوى نسخة فاشلة استطاعت تحريكه الاعيب النساء ؟"
قال (احمد) فجأة بانفعال وهو يشير لنفسه بيده بغضب
"كيف تتكلم عني هكذا يا ابي ؟ على الأقل اسمع السبب والذي اريد اخبارك به ، وبعدها يمكنك الحكم على تصرفي"
ردّ عليه (محراب) باقتضاب
"إذاً ما هو سببك المقنع ؟"
تنفس بارتباك وهو يخفض ذراعيه جانبا قائلا بكل ما يملك من هدوء وتركيز
"انت تعلم بأن بنات عمتي مايرين قد تركوا المنزل بدون رجعة بسبب ما حدث بالحفلة ، وروميساء تُحمل نفسها اللوم والذنب على ما حدث ، وتعلم ايضا بأنهما لم تتجاوزا بعد الماضي حتى الآن وما تزالان تعانيان منه للآن وعالقات به ، ونحن ايضا نحمل الذنب بكل ما تعرضوا له بحياتهما بدون ان نقدم لهما يد المساعدة على مدار سنوات ، لهذا عرضتُ على روميساء الزواج لكي استطيع عندها ان احقق لها كل مطالبها بالحياة كتعويض بسيط عما تجرعته بحياتها بسببنا ، ولن استطيع ان اقدم لها اي شيء بدون رباط رسمي يجمعني بها لكي احميها من العالم القاسي من حولها وابقيها بأمان ، بدون ان اسمح بضياعها منا مجددا هي وشقيقتها فهما بالنهاية تستحقان القليل من الحياة المرفهة والتي لطالما كنا نعيشها بعيدا عنهما"
كان (محراب) ينظر له بتصلب غامض قبل ان يتراجع بخطواته وهو يتجه للسرير قائلا ببرود ساخر
"رائع ايها البطل المغوار ! ولكن يبدو بأنك قد نسيت امرا مهما وهو بأنه عليك ان تخبر زوجتك عن بطولاتك هذه والتي ستفخر بها جدا عندما ترحب بزوجتك الجديدة بحياتها"
ما ان انهى كلامه حتى سمعوا صوت تحطم كأس يتبعها سقوط الصينية المعدنية ارضا خلف باب الغرفة بقوة احدثت ضجة مدوية ، لتلتفت الانظار بسرعة نحو باب الغرفة والذي سار (احمد) باتجاهه بخطوتين قبل ان يفتحه من فوره بثواني وبوجل ، لينظر بعدها للوجه المصدوم والذي اطل عليه من خلف الباب وهو ينظر امامه بانذهال قبل ان يخرج عندها الصوت الانثوي العابس باستنكار
"هل تزوجت عليّ يا احمد ؟"
ابتلع ريقه بارتباك وهو يتلقى السؤال والذي توقعه بدون ان يستعد له كما كان يخطط له من قبل ، ليفاجئ بوجودها وبتسمعها على حديثهما والذي لم يكن من المفترض ان تسمعه الآن ، وما ان كان على وشك الكلام حتى انسحبت (سلوى) بسرعة من امامه وهي تشهق ببكاء مرتفع لتجري بعيدا عنه من حيث اتت ، ليخفض بعدها نظراته بإحباط لكأس العصير والمتناثر ارضا على شكل شظايا غارقة بسائل العصير .
قطع عليه شروده بالحطام صوت والده والذي كان يرتدي سترته قائلا بحدة صارمة
"لقد فعلت ما برأسك وانتهى الأمر ، ولكن بعلمك إذا أثر هذا على علاقتي بشراكتي مع عائلة سلوى ، او إذا وصل الأمر للطلاق منها ، فلا تلوم عندها سوى نفسك يا احمد الفكهاني لأني عندها لن اغفر لك زلتك هذه !"
حاد (احمد) بنظراته بوجوم نحو والده والذي كان يسير امامه قبل ان يتجاوزه وهو يبتعد عنه خارجا من الغرفة ببرود جليدي وكأن شيء لم يكن ، ليتأفف بعدها بنفاذ صبر من كل ما يواجهه بحياته وهو يرفع كفيه ليمسح بهما على صفحة وجهه هامسا من بين اسنانه باشتعال حانق
"اللعنة عليك يا احمد !"
______________________________
امسك بمقبض الباب بحذر وهو يتنفس بهدوء منقبض محتد قبل ان يدفع الباب للأمام ببطء لينظر عندها للمشهد المتوقع لزوجته المشتعلة والتي تبدو بأبشع حالاتها من العصبية والتي لا تصل لحدها الاقصى ألا إذا اخطأ احدهم بحقها بصورة شنيعة غير قابلة للغفران ، لتتحول بعدها لامرأة اخرى من شعلة متقدة من العصبية وكأنها قد فقدت السيطرة على نفسها تماما ، وهو يعلم جيدا بأنه ليس من الحكمة التكلم معها الآن ولكن كلام والده والذنب والذي ينهشه اتجاهها بهذه اللحظة لن يسمح له بتركها بهذه الحالة المخزية والتي قد تدفعها لترتكب جريمة بنفسها او بمن حولها !
كان ينظر لها وهي تفتح الخزائن لتمسك بكومة من ملابسها قبل ان تلقي بها بداخل حقيبتها بإهمال بدون ان تهتم بترتيبها ، لتعود بعدها لنفس الكرة وهي تمسح معها عينيها الحمراوين من البكاء بمنديلها بتوتر وهو يستمع لتمتمات خافتة تخرج من شفتيها بعصبية بالغة ويبدو عليها كسيل من الشتائم بدون ان يعلم لمن موجهة ؟
تنحنح بخشونة وهو يبادر بالكلام قائلا بصوت بارد بارتباك
"بماذا تهمسين ؟"
توقفت قليلا عن الحركة امام الخزانة للحظات قبل ان تعود للنبش بين الملابس قائلة بغضب ناري
"اشتم حظي العاثر والذي اوقعني بعائلتك وبهذا الزواج ! واشتمك انت وحبيبتك اللعينة والتي اوقعتك بشباكها بسهولة ، بينما انا ملقاة على الزاوية بين اشيائك القديمة والتي ذقت ذرعا منها !"
تنفس (احمد) بضيق وهو يشعر بالهواء قد فرغ من الغرفة بسبب انفاسها المشتعلة والتي ملئت الاجواء من حولها بشرارات خانقة ، ليعبس بعدها بصرامة وهو يرتدي قناع الهدوء الجاد والذي اعتاد على استخدامه بكل مواقفه المستعصية والتي ليس لها حل بحياته .
عادت (سلوى) لدس الملابس بفوضوية فوق بعضها البعض وهي تنشج بأنفاس حادة مرتفعة ، ليندفع بعدها الساكن بمكانه نحوها وهو يمسك بذراعها بقوة ليديرها نحوه وشعرها الاسود الطويل المتشابك يدور من حولها بهمجية وهو يوجه كلامه لها بصرامة قاطعة
"قبل ان تفتعلي اي مصيبة قد تندمين عليها ، اسمعي اولاً ما سأقوله لكِ والسبب والذي دفعني لفعل كل هذا ، وبعدها يمكنكِ فعل ما تشائين بحياتك ولو رميتي نفسكِ من على السطح"
عبست ملامحها بارتجاف وهي تتنفس بحدة قبل ان تعود لشراستها وهي تضربه على صدره بقبضتيها قائلة ببكاء حاد
"وماذا تريد ان تقول لي اكثر مما علمت ؟ لو اني لم اعلم بالصدفة عند غرفة والدك لبقيت تخفي عني امر زواجك منها طول العمر ! وقد بقيت ايضا تقضي شهر عسلك عندها طول الأيام القادمة وانا انتظر عودتك بالمنزل منذ يومين كالبلهاء ، بحجة بأنك مشغول بالعمل و....."
قاطعها (احمد) بانفعال وهو يمسك مرفقيها على صدره بقسوة
"اخرسي يا سلوى ، وتوقفي عن هذه الاحتمالات الفارغة والتي لا وجود لها بالواقع ! وليكن بعلمكِ بأنني كنت اريد اخباركِ بالأمر بعد ان اخبر والدي ، يعني لم اكن اريد ان اخفي عنكِ الأمر فقط انتظرت الوقت المناسب"
كانت (سلوى) تشهق بعنف ودموعها ما تزال تغرق وجهها بأكمله بغزارة لتمسح مساحيق التجميل عنه ، لتهمس بعدها باستهجان وبعبوس مهتز
"يعني انت تعترف بأنك كنت تجهز للأمر لتخبرني بزواجك عليّ ببساطة ! وماذا سأستفيد مثلاً بكلامك وتبريرك ما دمت عقدت قرانك بها وانتهى الأمر واصبحت زوجتك رسمياً ؟ بينما زوجتك الأولى والأصلية جالسة بالمنزل وكأنها مجرد اثاث مهترئ بغرفتك ليس لها الحق بمعرفة ان زوجها قد خانها وتزوج عليها !"
تنفست بعدها بسرعة وهي تحاول اخذ انفاسها بصعوبة من بين شهقاتها الباكية وبحدة بالغة ، بينما افلت (احمد) مرفقيها بوجوم وتردد وهو يقبض على كفيه بقوة حتى ابيضت مفاصل اصابعهما بدون ان يعلم الطريقة الصحيحة بمواساتها وهو يراها تكاد تغص بشهقات بكائها الحادة والسريعة بشكل مفرط !
رفع كفه وهو يمسد على جبينه بغضب وما ان كان على وشك الكلام حتى سبقته من رفعت وجهها نحوه بقوة وهي تقول ببكاء منتحب
"لما اخترتها هي تحديدا يا احمد ؟ من بين كل الفتيات اخترت تلك الشاذة ابنة الفاجرة لتتزوجها عليّ ! هل كل هذا لأنها تبدو اجمل مني ام لأنها قريبتك الجميلة ؟ كنت اعرف بأنك ستفعل هذا يوما ما لأني لم احقق لك كل مطالبك كاملة ومنها طفل يحمل اسمك واسم العائلة....."
قاطعها (احمد) وهو ينقض عليها ليكبل ذراعيها بقوة قائلا بنفاذ صبر
"كفى يا سلوى ، فقد اكتفيتُ من كل هذه الاتهامات المجحفة بحقي وبحق ابنة عمتي ، ولا اسمح لكِ مرة أخرى بإهانة ابنة عمتي والتي اصبحت زوجتي الآن ! وكل الكلام والذي قلته عن تحقيق مطالبي والسبب بزواجي غير صحيح"
فتحت شفتيها وهي على وشك العودة للكلام ليسبقها (احمد) وهو يقول بصرامة حادة بعد ان اختفى الهدوء من ملامحه
"اصمتِ يا سلوى واسمعي ما سأقوله ، زواجي من ابنة عمتي هو فقط لأساعدها للحصول على حقوقها والتي حرمت منها منذ سنوات ، وايضا نحن نتحمل ملامة ما حدث معها هي وشقيقتها وكل معاناة مرت عليهما بالماضي ، لذا انا سأعوضها عن كل ما فات واكون افضل من الجميع واردّ لها حقها بالحياة المرفهة وكل شيء تحتاجه من حماية وامان حرمت منهما ، وزواجي منها سيسمح لي بأن احقق لها كل الحماية المطلوبة وكل شيء تحتاج إليه ، وسامحيني لأني تأخرت بقول هذا الكلام لكِ فقد حدث كل شيء بسرعة بدون ان افكر بردة فعلك !"
انفرجت شفتيها بارتعاش قبل ان تتحول لابتسامة ساخرة وهي تهمس بقتامة وحقد
"ولما انت الذي عليك ان تلعب دور البطل وتحمي اميرتك ؟ لست الملام الوحيد على الذي حدث لهما بالماضي بل والدك هو الذي عليه كل اللوم وهو الذي لديه الحق بفعل ما تبرعت انت بفعله بكل شهامة ! وهي ايضا ليست طفلة حتى لا تستطيع حماية نفسها وحماية شقيقتها الأخرى الفاجرة معها بل هما اكثر من قادرتين على استعادة حقوقهما لوحدهما بدون مساعدتك ، كما كانوا استطاعوا العيش بالماضي مع زوج والدتهما ، ولكن يبدو بأنك انت الذي لا ترى امامك سوى ما تريد ان تراه وتوهم نفسك به يا سيد احمد !"
امتقعت ملامحه بغموض وهو يشدد من الإمساك على ذراعيها بقوة قبل ان يرخيهما وهو يفلت ذراعيها بهدوء ، ليستدير بعدها بعيدا عنها وهو يتنفس بتشنج من كل هذا الضغط والذي يواجهه منذ الصباح وكأنه ارتكب جريمة شنعاء بزواجه الثاني والذي يراه بالنسبة له عين العقل وحق من حقوق بنات عمته عليه ! فهو بحياته لم يحب الظلم ومرتكبيه والذي كانوا يمارسونه على بنات عمته بالماضي بسبب خطأ ليس لهما اصلا ذنب فيه .
قال بعدها بلحظات بصرامة حادة عادت لتغزو ملامحه بقوة
"لقد اخبرتكِ بما لدي يا سلوى ، وانتِ افعلي ما تريدين والقرار بين يديكِ ، ولكن اعلمي بأن زواجي من ابنة عمتي سيبقى كما هو ولن يتغير ، وعليكِ ان تفهمي ايضا بأنها قد اصبحت زوجتي وهذا يعني بأن عليها حقوق عليّ مثل حقوقكِ تماما"
زمت شفتيها بانفعال والدموع قد عادت للتكدس بمقلتيها بقوة قبل ان تتسرب على وجنتيها المحمرتين بشدة من البكاء ، لتهمس بعدها بقوة رغم ارتجاف صوتها بمرارة
"حسنا يا احمد ، انت من اخترت هذا ، ولا تنسى بأن هذا سيكلفك كثيرا ، وتوقع بأي لحظة بأن تصلك رسالة طلاقي منك ، فأنا من المستحيل ان اجتمع مع فتاة ليست من مستواي لتشاركني بزوجي والذي تبين بأنه مفتون بسحرها دون غيرها !"
عادت (سلوى) للالتفات لحقيبتها وهي تنشج بارتجاف اثر على يديها واللتين كانتا تحاولان اغلاق حقيبتها بإحكام ، وما ان انتهت وبعض من قماش الملابس بقي عالقا خارج الحقيبة بدون ان تدخله جيدا حتى انزلت الحقيبة للأرض بقوة ، لتمسك بعدها بمقبضها وهي تجرها من خلفها بهدوء ودموعها تنزل بانهيار وشهيق بدون ان توقفه .
بينما تنهد (احمد) بهدوء ما ان اغلقت الباب من خلفها بقوة رجت معها جدران الغرفة بأكملها ، وهو يتمنى من كل قلبه ان تمر هذه الليلة على خير بدون اي مشاكل على الأقل قبل سفره للبدء بالصفقة الجديدة والتي ستأخذ منه كل وقته بعيدا عن كل هذه الأحداث والتي سببت لرأسه ضجة صاخبة غير معتاد عليها بحياته الرتيبة الهادئة .
_____________________________
كانت تنظر امامها بجمود وهي تشدد من تطويق ساقيها بذراعيها بقوة وحدقتيها باردتين بدون اي حياة وهي تجلس على طرف سرير كبير نسبيا بغرفة لا تحتوي على اي اثاث سوى على نافذة مفتوحة بدون حماية ومع زجاج محطم على الجانبين وبعض منه ما يزال سليم وهو عالق بإطار النافذة بشموخ ، وهذا حالها منذ ساعتين تقريبا وهي تحدق بالنافذة بدون اي تعبير بل منذ خُدعت بكل دناءة ووصلت لهذا المكان الموبوء والذي لا تعلم شيئاً عنه ! وما صلته بذلك الحقير والذي استطاع ان يضحك عليها بسهولة ليحبسها بهذه الغرفة القميئة بدون اي مهرب او سلاح ؟ فقد انتشل منها حتى هاتفها وسكينها ما ان حاولت مهاجمته بسكينها ليتصدى لها قبل ان تفكر بفعلها وكأنه يحفظ كل حركاتها وما يصدر منها بدون ان يتكلف اي عناء ، فهذه هي اللعبة والتي لطالما كانوا يفعلونها بكل مواجهة تحدث بينهما بطفولتهما المتهورة وبكل سنوات حياتهما حتى حفظ كل شيء عنها واصبح من السهولة توقع حركاتها .
ولكن اللوم ليس عليه وحده بكل هذا بل على الحمقاء والتي ذهبت معه بإرادتها الحرة وهي تعلم جيدا بنواياه ودناءته والتي لن تتغير ابدا وهي بغبائها قد قدمت له كل ما كان يريده ويحلم به على طبق من فضة بدون اي ذرة تفكير ! فيبدو بأن ذكائها الحاد وغريزتها الحذرة والتي تشعر بما حولها قد خذلتها هذه المرة ولأول مرة بحياتها .
تنهدت بهدوء متصلب ما ان شعرت بصوت خطوات مقتربة من باب الغرفة ، ليتبعها بعدها صوت فتح القفل بالمفتاح قبل ان يدخل للغرفة ببساطة وهو يغلق الباب من خلفه بنفس الهدوء ، تقدم باتجاهها بخطوات متباطئة وهو ينظر لاستكانتها بابتسامة مستفزة قاتلة ، ليقف بعدها فوق رأسها وهي ما تزال لا تعيره اي انتباه .
قال بعدها بلحظات بخفوت متسلي مبتسم وهو ينظر لرأسها الجامد
"كيف حالكِ ؟ هل تشعرين بالجوع او بالبرد لأن الجو بهذا المنزل بارد بعض الشيء ؟"
مرت لحظات باردة كبرودة الهواء بالخارج قبل ان تهمس الساكنة بمكانها بجمود خافت بدون ان تنظر له
"هل انتهيت من التهريج ؟ لأني اريد ان اسألك الآن لما خدعتني ولم تفعل كما اخبرتني ! ام انك كنت تتسلى بغبائي لا اكثر !"
ضحك (مازن) بدون اي مرح قبل ان ينحني امامها وهو يقابل وجهه امام وجهها مستندا بكفيه على ركبتيه ليهمس عندها بغموض مبتسم
"لا تقولي مثل هذا الكلام المهين عن نفسكِ فهو لم يعجبني ، وبخصوص خداعك انتِ من اتيتِ معي بملء إرادتكِ يا جميلة....."
قاطعته (ماسة) بانقباض وهي تهمس امام وجهه بحدة
"انت من ارغمني على المجيئ معك ، ومن اوهمني بأنك ستتكلم معي فقط وبعدها تتركني وشأني ! ولكني نسيت بأنك شخص لا يفي بوعوده ابدا وحقير مثل المجرمين السابقين من اشباهه ومن ألقوا بالقبض عليهم....."
قاطعها (مازن) بتصلب وهو يرفع يده لوجهها حتى كاد يصفعها قائلا باشتعال
"اصمتِ يا ماسة والتزمي حدودكِ معي ، فلا تنسي بأنكِ الآن قد اصبحتِ تحت رحمتي ، وقد تقضين على حياتكِ بسبب كلمة طائشة منكِ غير محسوبة العواقب"
تجمدت ببرود للحظات قبل ان تعتلي ملامحها ابتسامة ساخرة فوق شفتيها الحمراوين وهي تهمس باستهانة
"ما بك ؟ لما توقفت بآخر لحظة ؟ ام تريد ان تثبت لي بأنك ما تزال تتحملني ولن تمسني بسوء لتشعرني بالامتنان نحوك ! صدقني هذه الأمور لم تعد تؤثر بي بالنسبة لشخص عاش طول حياته مذلول يتجرع ألم اسوء من الصفع ، لذا كلامك التافه وتهديدك لي لا يؤثران بي ولو قليلا"
تصلبت ملامحه وكفه ما تزال بقرب خدها قبل ان يربت عليها بهدوء وهو يقول ببساطة بالغة
"ومن اخبركِ بأنني ارغب بصفعكِ او تهديدك ! بل انا كل ما ارغب به هو امتلاككِ انتِ لتكوني شريكة حياتي ودميتي لي وحدي ، وكل شيء فيكِ من شراستكِ وتمردكِ سيكونان من الآن طوع امري"
كانت (ماسة) تنظر له بجمود صخري بدون ان تتحرك اي عضلة بوجهها فقط انفاسها تخرج بحدة متهدجة لتدل على انها ما تزال موجودة معه ، قالت بعدها بخفوت قاطعة الجمود والذي لفهم معا
"ماذا تريد مني ؟ ولما احضرتني لهذا المكان ؟ ولمن هذا المكان اصلا !"
تراجع (مازن) بوجهه بعيدا عنها وهو يتنفس بهدوء قائلا بابتسامة جانبية بمغزى
"اولاً اخبرتكِ بما اريد وما اسعى إليه منذ سنوات ، وثانياً هذا منزل صديقي القديم والذي ذهبتُ إليه بالأمس وعلى اساس بأني قد نمت عنده تلك الليلة ، ولكن المخطط قد تغير قليلا وجعلته يعيرني منزله هذا والذي لم يعد يسكن به احد وفقط ليوم واحد ، وهذا كل ما حدث"
رفعت نظراتها نحوه بتجهم وهي تفكر بكل ما قاله والذي يظهر بوضوح بأنه كان يخطط لفعل كل هذا معها منذ الأمس ! وهي قد ساعدته بتنفيذ مخططه بذهابها معه بغباء يظهر عليها لأول مرة ، لتقول بعدها بدون ان تمنع نفسها باستياء
"ولما فعلت معي كل هذا بعد ان استمعت إليك وعدتُ لمنزل قيس كما كنت تريد ؟ ام انه كان جزء من الخطة ايضا !"
ردّ عليها ببساطة وهو يستقيم بوقوفه قائلا بثقة
"عودتك لمنزل قيس كان سيحدث عاجلاً ام آجلاً ولم يكن له علاقة بالخطة ، ولكني قد فكرت بأنكِ الآن قد اصبحتِ ضعيفة ومشوشة بعد ان تخلى عنكِ الجميع وحتى شقيقتك ، لذا اردتُ ان استغل هذا الأمر لصالحي لأصوب ضربتي واحقق كل ما احلم به منذ سنوات ، وبدون ان يقف امامي اي عائق ، فأنا قد مللت كثيرا من لعبة المطاردة معكِ وقد حان الوقت الآن ليصبح الكلام واقع ملموس اخيرا"
زمت (ماسة) شفتيها بارتجاف جامد من كلامه وهو يذكرها بأنها قد اصبحت حقا وحيدة ولم يعد لديها احد بعد ان خرجت شقيقتها من حياتها ببساطة ! وهل كان لديها احد من قبل ام كانوا مجرد سراب بحياتها ؟
اخفضت نظراتها بعيدا عنه بدون اي تعبير ما ان قال بابتسامة مفترسة بخبث وهو يعود ليربت على خدها الثلجي بهدوء
"لا تفكري بشيء يا ماسة ولا بأي احد ، فأنتِ ستبقين دائما الفتاة الوحيدة والفريدة عن الجميع والتي لا تستطيع التآلف مع احد ألا مع اشباهها ! ومن تستطيع ان تصل لمعلومات وآفاق لم يصل لها احد من قبلها ولن يصل ، وصدقيني افضل شيء تفعلينه هو التعاون مع شخص يشبهكِ بنفس الماضي ويعلم كل اسراركِ الخطيرة والتي ستبقى دائما بأمان مع الشخص الصحيح"
تنفست (ماسة) فجأة باضطراب وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه بصمت وبعيدا عن مرمى كفه بجمود ، ليخفض بعدها كفه وهو يستقيم بجسده باتزان ليدس عندها كفيه بجيبي بنطاله بكسل هامسا بهدوء بالغ
"لا بأس يا دميتي ، خذي وقتكِ بالتفكير ، ولكن لا تنسي بأنه عليكِ ان تستعدي جيدا بمساء اليوم ، فنحن سنتزوج بهذا اليوم تحديدا ، ولا تقلقي من التجهيزات فأنا سأحضر لكِ كل شيء تحتاجينه وينقصك"
سار بعدها لخارج الغرفة بخطوات متمهلة كما دخل ليغلق بعدها الباب من خلفه بالمفتاح بإحكام ، بينما عادت (ماسة) للشرود بالنافذة المحطمة بالغرفة والشبيهة بروحها والتي انتهكوها بعد ان حطموها ليتركوها هكذا معلقة بمصيرها المحتوم بدون ان تحدد الهدف من حياتها ومن وجودها بهذا العالم ؟ بدون ان تفيد او تستفيد !
______________________________
كانت تصعد السلم امام مدخل المنزل بعجلة وهي تلهث بتعب مجهد من سيرها الطويل منذ بداية النهار وهي تنتقل من مكان لآخر حتى غابت جزء من الشمس بوقت الظهيرة بدون ان تجد لها أي اثر ، وهي تصل لآخر مكان بقائمة بحثها تتوقع وجودها به رغم يقينها الكبير بعدم مجيئها إليه ولكن لا بأس من المحاولة بما انها قد اصبحت قريبة من المكان ، وقد ضاقت ايضا دائرة بحثها حتى لم يعد هناك اماكن لم تذهب إليها بهذه الأرض الواسعة وكأنها تبحث عن إبرة بكومة قش !
وقفت بعدها بلحظات امام باب المنزل وهي تتنفس بإنهاك لتقرع بعدها على الجرس عدة مرات بتوتر احتل كل اطرافها ، وما أن فُتح باب المنزل وظهرت الخادمة من خلفه حتى اندفعت بسرعة باتجاهها وهي تقول بتهذيب مرتبك
"لو سمحتِ اريد ان اسألكِ ، هل جاءت شقيقتي ماسة لمنزلكم او مرت من هنا ؟"
حركت الخادمة رأسها بالنفي وهي تبتعد قليلا عن الباب قائلة بأدب
"لا اعلم ولم ارها تأتي لهنا ، لكن يمكنكِ الدخول يا آنسة روميساء وسؤال افراد العائلة عنها"
كانت تريد الرفض بإحراج بعد ما سببته من مشاكل لهذه العائلة وبعد رحيلها عن منزلهم بدون إخبار احد متسللين مثل اللصوص الهاربين ، ولكن ما منعها بآخر لحظة هو خوفها الشديد على شقيقتها والتي اختفت بدون ان يظهر لها اي أثر وافراد العائلة هم افضل الموجودين ليساعدوها على إيجادها ، بالرغم من انها تشك بأن يهتموا بأمرها وبما يحدث لهما بعد ان نبذوهما لسنوات وتقبلهم لهما مؤخرا مجرد فترة مؤقتة فقط كما قالت (ماسة) .
قالت بعدها بلحظات بسرعة ما أن طرأت على بالها فكرة بأمل
"هل احمد موجود بالمنزل ؟ لأني اريد مقابلته بموضوع مهم"
حركت رأسها بابتسامة هادئة وهي تقول بأسف
"اعتذر يا آنسة روميساء ، ولكن لدي عمل الآن عليّ الذهاب لإكماله ، لذا يمكنكِ الدخول والبحث عنه او سؤال الخدم الآخرين عنه"
انفرجت شفتيها بصدمة وهي تنظر للخادمة ببلاهة والتي ابتعدت من امامها لتسير بعيدا عنها بلا مبالاة ، وهي تفكر بأن هذا ليس غريبا عنها فقد اعتادت مثل هذه المعاملة الفظة من الآخرين ، ولكن ما جعلها تعبس بتجهم هو تجاهلها لطلبها والذي لم يكن بالصعب عليها تنفيذه وكأنها تعمل عند سيادتها .
سارت (روميساء) للداخل بخطوات مترددة وكأنها تدخل للمنزل لأول مرة وهي تتنقل بنظراتها الخضراء المتسعة بزوايا المنزل الفارغ بعبوس ، وما ان لمحت خادمة تخرج من غرف بهو المنزل الواسع وهي تمسك بعدد من الأغطية المرتبة بين ذراعيها حتى اسرعت بخطواتها نحوها قبل ان تقف امامها مباشرة وهي تقول بإحراج خافت
"لو سمحتِ ، اريد ان اعلم اين اجد السيد احمد ؟"
حركت كتفيها بلا مبالاة وهي تقول ببرود
"غير موجود فقد غادر المنزل منذ الصباح الباكر للشركة"
زمت شفتيها بارتجاف وهي تعود للكلام بعبوس متوجس
"ومتى يعود من العمل ؟ هل تعلمين ؟"
عقدت الخادمة حاجبيها بتفكير قبل ان تقول بابتسامة صغيرة بثرثرة
"اعتقد بأنه لن يعود للمنزل قبل يومين ، لأنه قد استلم صفقة مهمة بمنطقة بعيدة جدا ، وهو بكل مرة عندما يستلم مثل هذه الصفقات لا يعود للمنزل قبل انهاءها واحيانا تأخذ منه ايام"
اتسعت عينيها بجزع وهي تتلقى الخبر القنبلة والذي ضرب عقلها عن التفكير تماما وهي تخسر املها الوحيد بمساعدتها بما هي فيه الآن ، وبخضم ما حدث نسيت بأنه قد اخبرها بالفعل عن صفقة العمل والتي دفعته ليعجل من عقد قرانهما قبل سفره للبدء بصفقته ليضمن عندها حمايتها وتحقيق مطالبها وعدم افساد اي احد مخططهم بالزواج .
عادت بالنظر للخادمة بتوجس ما ان قالت المقابلة لها بابتسامة خبيثة بمشاكسة
"وايضا لقد رأيتُ زوجته وهي تخرج من المنزل غاضبة وقد كان يبدو من حالتها المخزية بأنه قد تقاتل معها بشدة ودفعها للبكاء ، لتغادر من المنزل مع حقيبة ملابسها ، واتمنى حقا ان لا تعود هذه المرة لبعد سنة واكثر من اجل ان نرتاح من تصرفاتها المتعالية علينا والتي لا تطاق ابدا....."
قاطعتها الصرخة الصارمة من بعيد والقادمة من جهة الرواق
"سندس توقفي عن الثرثرة ، وتعالي إلى هنا ، فلدينا عمل كثير علينا انهاءه"
شهقت المدعوة (سندس) بهلع لتتمسك بعدها بالأغطية بين ذراعيها قبل ان تسير بسرعة باتزان بعيدا عن الجامدة بمكانها وقد ذهبت بتفكيرها المعذب بعيدا عنها منذ بداية كلامها والذي ضربها بمقتل ، لتشعر بعدها بنخزة ندم بزاوية قلبها المظلمة عما سببته من دمار بالعائلة بسبب خبر عقد قرانها من ابن خالها والمتزوج من قبلها ، ولكن ما دخلها هي بكل هذا وهو الذي عرض عليها الزواج منذ البداية بدون اي ضغوط او ارغام من احد وهو يقنعها بعروضه المغرية والتي دفعتها للموافقة على طلبه بدون ادنى تفكير ! إذاً ماذا تغير الآن لتفكر بهذه الطريقة والتي اتعبت عقلها المجهد بالفعل ؟
افاقت من افكارها على صوت خطوات من خلفها وصاحبها يدندن بغناء خافت غير مفهوم على عقلها المشوش ، لتلتفت بعدها بسرعة نحو مصدر الصوت وصاحبه يتوقف امامها فجأة وهو يرفع حاجبيه ببطء ودهشة قبل ان ينطق قائلا بتعجب
"مرحبا بعودة ابنة عمتي روميساء ، ام اقول زوجة شقيقي !"
عضت على طرف شفتيها بابتسامة مرتبكة قبل ان تهمس بترحيب خافت وهي تلوح بكفها بحركة غير ملحوظة
"مرحبا بك يا شادي ، الحقيقة لقد اتيتُ للسؤال عن احمد ولكن للأسف لم اجده هنا"
ابتسم (شادي) بهدوء وهو يقول بجدية خافتة بدون اي مرح
"اعتذر على ما سأقوله يا روميساء ، ولكن يبدو بأن كل من بالمنزل الآن مرتبك ومشغول بقصة عقد قرانكِ مع احمد ، والذي كان قنبلة مدوية بالنسبة للعائلة ، لذا خذي مني هذه النصيحة ولا تحاولي الاقتراب من احد بالعائلة بهذه الفترة حتى ينسوا ما حدث تماما وقصة زواجكِ كاملة"
ابتلعت ريقها بتشنج وهي تقبض على كفيها بقوة مؤلمة والندم قد عاد لينهش احشاءها بدون رحمة وكأنه ينقصها الآن مثل هذه المشاعر والتي اتعبت جسدها وروحها بإنهاك سيطر عليها تماما ، قاطع شرودها صوت (شادي) وهو يقول بتفكير حائر
"صحيح لما تركتِ انتِ وشقيقتك المنزل ؟ وبالمناسبة اين هي ماسة فأنا لم ارها منذ ايام ! هل تستطيعين اخبارها بأنني اريد رؤيتها والتكلم معها ؟"
رفعت نظراتها نحوه بضعف وهي تعود مرة أخرى للتفكير بشقيقتها المفقودة والتي لم تجد لها اي اثر للآن ، وما تزال لا تعرف اي شيء عنها واين هي اراضيها الآن ؟ لتقول بعدها بدون ان تمنع نفسها بحزن وحدقتيها تلمعان بدموع العجز
"لا اعرف ، فقد بحثتُ عنها بكل مكان ولم اجدها ، وكأنها قد اختفت عن العالم بأكمله !"
ارتفع حاجبيه بصدمة وهو يحاول ان يتتبع كلماتها الخافتة بتقطع وكأنها تكلم نفسها ، ليقول بعدها وهو يحاول استيعاب فحوى كلامها
"انتِ تتكلمين عن ماسة صحيح ؟ وهي التي بحثتِ عنها بكل مكان بدون ان تجدي لها اثر !"
اومأت برأسها بالإيجاب باهتزاز بدون ان تجد القدرة على الكلام اكثر بعد ان تعبت من المحاولة ، ليقول بعدها بلحظات وهو يبتسم بلا مبالاة وكأنه لا هموم بقلبه
"لا تقلقي عليها فهي ليست طفلة لتخافي عليها بهذه الطريقة ، وايضا إذا كنتِ قلقة من ان يتعرض لها احد فهي الاقدر على حماية نفسها وقد جربتُ هذا بنفسي !"
عقدت حاجبيها بشحوب حائر بدون ان تفهم مغزى كلامه وإلى ماذا يلمح ؟ بينما شرد (شادي) بأفكاره لأول لقاء بينهما والذي جعله يتعرف على تركيبة شخصيتها الغريبة وبأنها ليست مثل الفتيات الأخريات ابدا ، بل هي مختلفة عنهم جميعا وبشخصية مميزة لم يرى لها مثيل وقد اثبتت هذا له بكل مرة يتقابل فيها معها ويحتد بها !
قالت (روميساء) بعدها بلحظات بجدية عابسة
"هل تريد مني الاطمئنان عليها من كلامك والاعتكاف بالمنزل ؟ وهي مختفية منذ الصباح بدون ان ترد على اتصالاتها وبدون ان تذهب لجامعتها كما تفعل عادةً ! ليكن بعلمك بأن هذه شقيقتي المختفية وانا لن اطمئن قبل ان اجدها سالمة امامي ، فلا احد يشعر بالألم والخوف على المقربين منهم سوى من يحبك حقا ويهتم لأمرك !"
عض على طرف شفتيه بعبث وهو يرفع ذراعيه قائلا بتمهل جاد
"اهدئي يا فتاة فهذا الاندفاع لن يساعدكِ ابدا لتجدي شقيقتك ، وبما ان الأمر خطير لهذه الدرجة فأنا سأساعدكِ بالبحث عنها ، ما رأيكِ بالفكرة ؟"
اختفى العبوس عن محياها ليحل مكانه الانشداه وهي تهمس بعدم تصديق
"هل ستساعدني حقا بالبحث عنها ؟"
ردّ عليها (شادي) ببساطة وهو يدس كفيه بجيبي بنطاله
"اجل لا امانع ، فهي تبقى ابنة عمتي وامرها يهمني ايضا"
اتسعت ابتسامتها بسعادة وكأنه قد عاد املها لينمو بداخلها من جديد وهي تضم قبضتها عند صدرها براحة ، بينما حرك (شادي) عينيه بعيدا عنها بملل وهو يسير باتجاه البهو الواسع قائلا ببرود
"هيا لنتحرك لنجد شقيقتك الضائعة ، ألا إذا كنتِ قد غيرتِ رأيكِ !"
تنهدت (روميساء) براحة وهي تدعوّ من كل قلبها ان تجد شقيقتها بالقريب العاجل فهي ليست مطمئنة ابدا لاختفائها الغريب هذا والذي يحدث لأول مرة بحياتها !
_______________________________
كانت تحرك ساقيها بعصبية وهي تمسد على جانب صدغها بأصابعها بألم وصوت شقيقتها المرتفع والمترافق مع بكاءها الحاد يخترق اذنها بإزعاج غير محتمل ، فهي منذ وصول شقيقتها للمنزل بالصباح الباكر وبعد دخولها لغرفتها وهي لا تتوقف عن البكاء والهذيان مع نفسها وكأنها بحالة هستيرية غريبة عجزوا الاطباء عن وصفها ، ولأول مرة تصل حالتها لهذه الدرجة من البلوغ فهي بكل مرات انهيارها كانت مقتصرة فقط على البكاء والشكوى ولكن هذه المرة لم تتكلم ولم تشكي فقط تبكي وتصرخ وكأنها وحش كاسر قد تحرر من داخلها ليعيث الدمار والفوضى بكل من حوله ! وحتى والدتها قد عجزت ايضا عن فهمها وهي لا تستطيع اختراق غمامة انهيارها لتستطيع معرفة المشكلة واين مكمنها ؟!
انتفضت من مكانها وهي تتحامل على نفسها لتخرج من الغرفة بتعب ، لتجتاز بعدها بثواني الرواق والذي يفصل بينها وبين غرفتها قبل ان تدخل لها وهي تنظر لوالدتها والواقفة فوق رأس شقيقتها والتي كانت جالسة بطرف السرير تنتحب بمكانها بمعنى الكلمة ، وقد بدأت والدتها تستوعب على هذيانها وتتفاعل معها بالكلام بعد انهيار دام لساعات فقدت بهما حاستيّ السمع والنطق
"انتِ تقصدين بأن احمد قد تزوج عليكِ ! ومن تزوجها تكون ابنة عمته ذات العينان الخضراء ، صحيح ؟"
توقفت (سلوى) عن البكاء قليلا وهي تنشج بعنف ودموعها ما تزال تنزل بغزارة على وجنتيها حتى غرقت وجهها بالكامل ، لتعود بعدها للهذيان بارتجاف وهي تصرخ بتقطع حاد
"اجل يا امي لقد فعلها كما اخبرتكِ ، ولا اعلم ما نوع السحر والذي ألقطه تلك الفاجرة على زوجي ليوافق على عقد قرانه بها بدون ان يخبر احد ؟ حتى انه لم يكن يريد ان يخبرني بالأمر بل انا من عرفتُ بالصدفة وهو يخبر والده ! يعني لقد كان يخدعني طول اليومين السابقين بدون ان يخبرني عن وجهته الحقيقية والتي اكيد كانت عند ابنة عمته السارقة ، الحقيرة ، المجرمة......"
قطعت (سلوى) كلامها وهي تكمل بكاءها الحاد مخفية وجهها بين كفيها بارتجاف متشنج احتل جسدها ليتحول لانتفاضات عنيفة ، بينما تنهدت (غزل) بحزن على حال شقيقتها وما وصل له زواجها والذي كان دائما مرهون بالفشل منذ بدايته ، ولكن هذه المرة شعرت حقا بالحزن عليها ينخز قلبها فقد كان انهيارها هذه المرة صادقا بدون اي تزييف او تصنع من عندها كما اعتادت منها بالمرات السابقة .
قطعت (جويرية) انهيارها وهي تصرخ فوق بكاءها بصرامة
"يكفي بكاء ، فهذا الذي تفعلينه بنفسكِ لن يجدي نفعا ابدا يا بلهاء ! فقط سيحولكِ لمجرد طفلة مثيرة للشفقة لن تفيده بشيء ، أتظنين بأنكِ بهذا البكاء والدموع والتي تهدرينها بلا فائدة ستعيدينه لكِ ؟ اصلا بسبب هذه التصرفات قد فكر بالزواج عليكِ !"
توقفت عن البكاء للحظات وهي تشهق بصدمة مبعدة كفيها عن وجهها بحالة ذهول وسكون تام ، لتهمس بعدها ببحة بكاء متحشرجة
"ولكني لم اعد اهتم ، فأنا اريد الطلاق منه يا أمي ، وهو فليمرح بالفتاة الأخرى بما انها افضل مني....."
تأوهت بألم ما ان قبضت والدتها على ذراعها بقوة وهي تصرخ بها بتحذير صارم
"هل جننتِ ام فقدتِ عقلكِ ؟ تريدين الطلاق منه وحمل لقب مطلقة فقط لأنه تزوج عليكِ ! هناك الكثير من الرجال والذين يتزوجون الأولى والثانية والثالثة ولا تتدمر حياتهم ، وهو رجل غني من عائلة كبيرة لا يعيبه شيء لكي لا يتزوج عليكِ ، فقط انتِ تفكيركِ محدود ولا تفكرين بمصلحة نفسكِ ابدا !"
رفعت (سلوى) نظراتها المجروحة لوالدتها وهي تهمس بحزن مشوش
"هل تقصدين بأنكِ لا تمانعين زواجه من اخرى ؟ وحتى لو كانت فتاة وضيعة ابنة مجرم !"
نفضت ذراع ابنتها بعيدا عنها وهي تضع كفيها على خصرها قائلة بقسوة
"ليس هذا ما كنتُ اقصده يا بلهاء ، ولكن بما انكِ لم تستطيعي المحافظة عليه وجعلته يتزوج عليكِ بدون علم احد ! فلا بأس سنجد لكِ حل آخر لتحافظي به على زوجك لوحدكِ فقط بعيدا عن ترك الأخرى تستولي عليه بالكامل لتأخذ مكانكِ عنده ، فأنتِ الآن كل ما عليكِ فعله هو ان تحمي مكانكِ بحياته كما هو بدون ان يمسه احد ، سمعتي ؟"
زمت شفتيها بتفكير مرتجف وهي تتمتم بعبوس محبط
"ولكن ماذا لو حملت له طفل ؟ ستأخذ عندها مكان بالعائلة لن استطيع الوصول له ابدا !"
زفرت (جويرية) انفاسها بحنق وهي تقول بانفعال حاد
"حقا انتِ بلا عقل ! لما تستبقين الأمور وتفكرين بأشياء قد لا تحدث ؟ وإذا حدثت حقا فسنفكر عندها بحل سريع لها ، لذا لا تقلقي من كل هذا وركزي فقط على زوجك"
اخفضت نظراتها بانكسار وهي تهمس بدموع عادت لتسقي وجنتيها المحمرتين بشدة
"ولكن ماذا لو ؟....."
قاطعتها (جويرية) بنفاذ صبر وهي تلوح بيديها بعصبية
"توقفي عن تكرار نفس الكلمة مثل الاطفال ، وكأنني ربيتُ طفلة وليس امرأة متزوجة من ابن عائلة كبيرة واشهر رجال الأعمال بالمجتمع ! اخبريني الآن من هي المتزوجة من ابن تلك العائلة منذ خمس سنوات ، ومن التي حصلت على دعم حوت الفكهاني بهذا الزواج ، ومن التي تزوجت على العلن وامام العالم بأسره وبأكبر حفلة زفاف بتاريخ الحفلات ما يزالون يتكلمون عنها للآن ، وكل هذا وتريدينه ان يُفضل تلك النكرة والتي تزوجها بالسر وبدون موافقة والده عليكِ !"
رفعت وجهها ببطء نحو والدتها وقد بدأت ملامحها تعود لإشراقها بعد ان اقتنعت اخيرا من كلام والدتها والذي اراحها كثيرا من الوجع والذي كان يحرق جسدها على نار هادئة اتلفت اعصابها ، بينما كانت (غزل) ماتزال تراقب المسرحية امامها بحاجبين مرفوعين بتعجب فقد تفوقت والدتها هذه المرة على نفسها واستطاعت ضبط جموح ابنتها الكبرى واخراسها ، وكأنها دمية صغيرة تتحكم بها كما تشاء بدون اعطاءها الحق بالتصرف لوحدها واتخاذ القرار بنفسها وهي واثقة بأن هذا الأمر سيدمر حياة ابنتها يوما ما والتي لا تجيد فعل شيء سوى الشكوى والبكاء ، لتتنفس بعدها بضجر قبل ان تغادر بعيدا عن الغرفة بهدوء فأهم شيء عندها الآن بأن صوت العويل قد توقف اخيرا ويمكنها الآن ان تركز بدراستها جيدا بعيدا عنهما .
رفعت (سلوى) كفها وهي تمسح خديها قائلة بخفوت متوجس
"وماذا افعل الآن يا امي ؟ انا خائفة من ان يحضرها معه لتسكن معنا بالمنزل ! لاضطر عندها لرؤيتها يوميا امامي وهو يدللها اكثر مني"
ردت عليها بروية وهي تربت على شعرها المجعد بهدوء قائلة
"لن يحدث هذا يا عزيزتي فمن خبرتي الطويلة بزوجك فلن تصل به الدناءة ليجمع بينكما بمنزل واحد ! ولن يسمح له اصلا سيد المنزل بعد فعلته الأخيرة وزواجه بدون علمه وبدون اخذ موافقته ، لذا ارتاحي من هذه الناحية"
زفرت انفاسها بنحيب وببعض البكاء والذي لم يجف بعد عن وجهها ، لتقول بعدها (جويرية) بقوة وجبروت وهي تنظر لرأس ابنتها بتركيز
"اسمعي جيدا يا سلوى ، إياكِ وان تفكري مرة أخرى بالتكلم امامي عن الانفصال عن زوجكِ او الطلاق منه ، فقد حصلتِ على مرتبة زوجة ابن حوت الفكهاني الكبير بعد عناء طويل ! ولا احد اصلا استطاع ان يصل للمكان والذي وصلته انتِ ، لذا لا تهدمي كل مخططاتنا بالحصول على السلطة بالعائلة بعد ان يموت كبير العائلة وتفرغ الساحة لكِ ، وزواجه من ابنة عمته لن يغير شيء من مخططاتنا والتي نسعى للوصول لها ، وابعادها عن طريقكِ لن يكون بالشيء الصعب علينا ابدا"
ابتلعت (سلوى) ريقها بارتباك وهي تومأ برأسها بالإيجاب بطاعة تامة ، وتعلم جيدا إلى ماذا تريد والدتها ان تصل بكلامها فهي ما تزال تحلم بأن تصبح ابنتها المالكة الشرعية لكل شركات عائلة الفكهاني بعد ان تصبح كل الاملاك بيدِ زوجها والمدير المُرتقب لكل شركات العائلة .
_____________________________
كانت تستمع للضجة المكتومة بالخارج عند باب الغرفة بدون ان تتبين مصدر الاصوات المتداخلة وهي تنظر امامها بعدم مبالاة بدون ان تمنع نفسها من القلق والذي كان ينهش دواخلها بقوة ، ليتبعها بعدها صوت فتح قفل الباب قبل ان يندفع للداخل بلحظة ليصدم عندها بالجدار بجانبه بعنف ، خرج بعدها صوت (مازن) وهو يقول بمرح مزيف
"رحبي بصديقتكِ العزيزة يا ماسة"
التفتت (صفاء) بصدمة نحو المستكينة بمكانها بجمود وهي تهمس بذهول مصدوم
"غير معقول ! ماسة هنا !"
ردّ عليها (مازن) ببساطة وهو يقترب من جانب اذنها قائلا بخبث
"بل صدقي هذه التي امامكِ صديقتكِ ماسة ، وهي الآن موجودة تحت رحمتي وتستعد من اجل زواجنا المرتقب"
زمت شفتيها بحنق وهي تفيق من صدمة رؤيتها لصديقتها ، لترفع بعدها حدقتيها العسليتين باشتعال نحو شقيقها وهي تنفض ذراعها بعيدا عن قبضته قائلة باستنكار عابس
"هل جننت لتفعل هذا بصديقتي ماسة ؟ هل وصل بك الجنون لتختطفها مثل المجرمين وتحضرها لهذا المكان الموبوء لتتزوجها رغما عنها ؟ حقا من ماذا انت مصنوع ايها الهمجي المتوحش البدائي....."
توقفت وهي تتأوه بألم ما ان امسك بقبضته بخصلات شعرها من الخلف بقسوة وهو يهزها منهم قائلا امام وجهها بتهديد خافت خطير
"اخرسي يا صفاء والتزمي حدودكِ معي قبل ان اقص لسانكِ الطويل هذا ، وألا لن استطيع بعدها كبح جماح غضبي عليكِ إذا وصل لمنتهاه والتي ستقضي عليكِ بدون اي رأفة بحالكِ وبأنكِ شقيقتي !"
عضت على طرف شفتيها بألم من قبضته الساحقة والتي دائما ما تقتلع خصلاتها من مكانها ، لتنظر بعدها باتجاهه بقوة وبمقلتيها الدامعتين بدون اي تأثر بقسوته معها وهي تتمتم بامتعاض خافت
"هذا الذي تفعله بحق ماسة خطأ شنيع ولا يغتفر ابدا ! ولن اسمح لك بالتمادي معها اكثر فهي ليست لعبة بين يديك لتتحكم بمصيرها هكذا ، ولا تظن بأنك ستفلت بفعلتك هذه والتي ستوديك لمصير اسوء من السجن ، لذا اتركها وشأنها قبل ان يفوت الآوان وتدمر حياتك بيديك"
شدد (مازن) من القبض على شعرها بقوة وهو يقرب وجهه امامها هامسا بشراسة مقيتة
"هذا الكلام الفارغ والتهديدات الرخيصة لن توقفني عما افكر بفعله بصديقتك ! وانتِ ليس لديكِ اي فرصة لتستطيعي بها تدمير مخططاتي ، ولا تنسي ايضا بأن مهمتكِ هنا والتي احضرتكِ من اجلها هي ان تجهزي عروسي لتكون على اكمل وجه لتزفيها بنهاية اليوم لشقيقكِ الوحيد"
فغرت شفتيها الورديتين بعدم تصديق مشدوه لما تسمعه منه وعينيها متسعتين بوجل ، ليترك بعدها شعرها برفق وهو يربت على خصلاتها الناعمة قائلا بابتسامة مستفزة
"اذاً اعتمد عليكِ بتجهيز دميتي ، لذا لا تخذليني من اجل ألا تتعرضي للمزيد من نيران غضبي"
تابعت بوجوم تحركاته وهو يخرج من الغرفة مغلقا الباب من خلفه بقوة ، لتندفع بعدها بسرعة نحو الباب وهي تحاول تحريك مقبضه والذي اغلقه بالقفل لتضرب بعدها على سطح الباب بقبضتها وهي تصرخ بانفعال حانق
"توقف عن هذه التصرفات يا مازن ، وافتح الباب فورا ، فهذا الذي تفعله لن اسامحك عليه ابدا !"
وعندما لم تجد اي ردّ تنفست عندها بارتجاف حزين وقبضتها ما تزال تضرب على سطح الباب برتابة خفتت نهائيا ، لتلتفت بعدها للتي ما تزال جامدة بجلستها بدون ان يصدر عنها اي صوت يدل على وجودها بالمكان وكأنها قد انتقلت لعالم الاموات !
سارت (صفاء) باتجاهها بارتباك قبل ان تهبط امامها على الأرض وهي ترفع نظرها لوجهها الجامد بدون اي حياة ، لتقول بعدها بابتسامة حزينة بندم وهي ترفع كفيها لتمسد بهما على ذراعي الجالسة امامها وكأنها تمدها بالقوة
"ارجوكِ ان تسامحيني يا ماسة ، فكل الذي يحدث معكِ بسبب شقيقي المجنون وما تتعرضين له الآن من ذل وتجريح واهانة كله بسببه ، ولكني حقا لم اكن اعلم بأن يصل به الأمر لينزل لهذا المستوى المنحط فقط لينفذ ما برأسه ! ولا اعرف كيف ابرر لكِ تصرفاته والتي تجاوزت هذه المرة كل الحدود ! صدقيني لم اقصد...."
قاطعتها (ماسة) وهي تنطق لأول مرة بهمس جامد بدون اي تعبير وهي ما تزال على نفس نظراتها
"لا عليكِ"
عقدت حاجبيها البنيين بتشوش حزين وهي تنظر بتوجس لصديقتها الجامدة بدون ان تعلم بما يدور بخلدها الآن ؟ لتنتفض بعدها بسرعة واقفة على قدميها وهي تهمس بتوتر متشنج
"ولكن لا تقلقي يا ماسة ، فأنا الآن موجودة بجانبكِ ولن ادع ما يخطط له ذلك المجنون يتحقق ، فأنا من سابع المستحيلات ان اشارك بهذه الخطة الحقيرة واسلم صديقتي المقربة لمصيرها البائس معه !"
تحركت (صفاء) من امامها بدون ان تنتظر تعليقها على كلامها الأخير وهي تسير بخطوات متعثرة لتعود للباب لتحاول فتحه بدون اي فائدة ، لتتجه بعدها بلحظات للنافذة الوحيدة بالغرفة وهي تدوس على حطام زجاج النافذة تحت قدميها لتخرج عندها رأسها من النافذة المحطمة وهي تتمتم بتفكير خافت
"اعتقد بأنه لديكِ فرصة بالهروب من النافذة للخارج وبعدها سنستطيع اخبار الشرطة عن جريمة خطفه لكِ ، ولكن المشكلة هو بالزجاج والذي ما يزال عالق بإطار النافذة....."
قطعت كلامها بتأوه متألم ما ان جرحت راحة كفها من قطعة زجاج مدببة بارزة من إطار النافذة ، لتدخل بعدها رأسها بسرعة وهي تنفض كفها بألم قبل ان تمسح الدماء عنه بقميصها الخريفي المخضر .
تجمدت بمكانها ما ان عادت (ماسة) للكلام قائلة بهدوء غامض وكأنها تكلم نفسها
"ولكنه لم يختطفني ، بل انا من ذهبتُ معه بإرادتي"
التفتت (صفاء) نحوها بعبوس وهي تفكر بكلامها بإحباط ، لتعود بعدها للسير باتجاهها وهي تقف امامها قائلة بعبوس مستهجن
"أتريدين ان تقنعيني بأنكِ انتِ من وافق على المجيئ لهذا المكان بإرادتكِ الحرة ؟ وانتِ من وافق على الزواج منه بهذه الطريقة المهينة والمنافية لمبادئك وبدون اي اعتراض...."
قاطعتها (ماسة) بصراخ حاد وهي تنظر لها لأول مرة بحدقتيها الزرقاوين القاتمتين بجمود وببعض الدموع العالقة بأطرافهما
"نعم موافقة ، هل لديكِ مانع ؟"
اتسعت عينيها العسليتين باهتزاز وهي تنظر لشخص آخر مختلف تماما عن صديقتها (ماسة) والتي كانت تعرفها منذ طفولتها ! لتشيح بعدها بوجهها جانبا بدون اي تعبير وجسدها يهتز بانتفاض طفيف شعرت به الواقفة امامها ، عادت بعدها بلحظات للجلوس امامها مجددا وهي تهمس بخفوت حزين
"لما تفعلين كل هذا يا ماسة وتعذبين نفسكِ بهذه الطريقة ؟ أتعلمين بأننا شعرنا بالرعب والخوف عليكِ انا وروميساء عندما لم نجدكِ بأي مكان ! ونحن نبحث عنكِ بكل مكان يخطر ببالنا كالمجانين خوفا من ان يكون مكروه قد اصابكِ ، وحتى عندما اخبرني مازن بوجودكِ معه واحضرني لهذا المكان لم اصدقه وظننت بأنه يلعب معي لا اكثر ! اخبريني لما كل هذا التعذيب النفسي بحياتكِ يا ماسة ؟"
حركت (ماسة) عينيها ببطء نحو صديقتها والتي كانت تنظر لها بعيون عسلية دامعة وهي ترى بداخلها طفولتها النقية والتي لم تحمل بقلوبهم الصغيرة آنذاك سوى السعادة والنقاء ، قبل ان تلوثها افعال القلوب السوداء لتحولها لمجرد خرقة بالية تنبض الدماء بداخلها فقط لتبقيها على قيد الحياة بدون الشعور بقيمة وجودها من الأساس .
تجمدت ملامحها فجأة وهي تنفض الذكريات البعيدة عن رأسها قائلة بتصلب غاضب
"لأنه هذا هو مصيري منذ ان ولدت ، وانا قد قاتلته بالفعل وحاربته كثيرا حتى اجهدت قواي تماما ، والذي افعله الآن هو اني قد وافقت على مصيري مع شقيقك بكل رضوخ"
شهقت بصدمة وهي تحرك رأسها بالنفي بقوة لتمسك بعدها بيدها قائلة باستنكار خافت
"كلا يا ماسة لا تقولي مثل هذا الكلام ، وانا اعدكِ بأننا سنجد حل آخر لا يتضمن زواجك من ذلك المجنون والذي كل ما يهمه هو امتلاككِ ليحول حياتكِ لجحيم"
اعادت وجهها نحوها بقوة وهي تقول بسخرية مريرة
"وهل حياتي لم تكن جحيم من قبله ؟ صدقيني هذه الحياة دائما كانت مقدرة لي منذ ان وعيت على الدنيا ، فأنا دائما سأبقى وللأبد دمية رخيصة بين ايديهم لا املك حق التحكم بنفسي !"
امتعضت ملامحها وهي على وشك الصراخ بغضب قبل ان تسبقها (ماسة) وهي تنفض يدها بعيدا عنها هامسة ببرود
"ما بكِ يا صفاء ؟ الموضوع لا يحتاج لكل هذا الغضب ، ام انكِ لا تريديني ان اكون زوجة شقيقك !"
ارتفع حاجبيها بصدمة وهي تهمس بعبوس حانق
"حقا يا ماسة ! هذا ليس وقت المزاح ، انتِ تعلمين جيدا من يكون مازن وما يفكر بفعله بكِ ، فهو ليس شخصا مثالياً والتي تحلم كل الفتيات بالزواج منه وليس رجل تفخر به كل انثى تربطها به علاقة ! وغير هذا فاشل كبير بحياته مثل عمي قيس تماما ، هل تريدين ان تعيشي المتبقي من عمرك مع قيس آخر ؟"
نظرت لها (ماسة) للحظات بجمود مزج بين برودة احداقها الزرقاء ومع دفء احداقها العسلية ليكونا اغرب مزيج يحدث بينهما بهذه اللحظة بالذات مع تخبط المشاعر بينهما ، لتقطعه بعدها (ماسة) وهي تهمس ببرود جليدي
"وانا لستُ فتاة مثالية ، ولا اختلف كثيرا عنه بكمية العيوب والتي احملها للعالم اجمع ، وهذا يعني بأننا بهذه الحالة سنكون متعادلين !"
تنهدت (صفاء) بتعب وهي تقف على قدميها بهدوء قبل ان تهمس ببؤس
"انتِ حقا حالة ميؤوسة منها ومفقودة الأمل !"
اخفضت نظراتها وهي تريح ذقنها فوق ركبتها هامسة بلا مبالاة
"لا بأس يا صفاء ، فبعد زواجي من مازن سأريحكم عندها من وجودي نهائياً ، ويمكنكم عندها عيش حياتكم بطبيعية بعيدا عن احباطي والذي اجلبه لعالمكم"
زفرت (صفاء) انفاسها بحدة وهي تسير بعيدا عنها لتدلك على صدغها بأصابعها بإنهاك وهي تفكر بحل لهذه المصيبة والتي وقعت على رأسيهما معا ، بدون ان تهتم لراحة كفها المجروحة والتي كانت تحرقها بألم فهذا آخر ما تفكر به الآن بهذا الوضع والذي وصلت به حالتهما ، وبدون اي مهرب او منفذ وكل الطرق مغلقة امامهما بمكان غير معروف اصله واين وجهته !
______________________________
كانت تضم قبضتيها معا بتوتر بحجرها وكل اعصابها مشدودة بتشنج وعينيها متسعتين بتوجس مرتجف وكل ما يدور برأسها الآن بأن يكون قد اصابها مكروه بالفعل ! لتبتلع بعدها ريقها بهدوء وهي تستهدي بالرحمان بخفوت وتدعوه ليحمي لها شقيقتها من كل مكروه قد يصيبها ، وهي تشعر بقلبها يكاد ينفجر من الضغط والذي تشعر به منذ الصباح وكأن هناك من يعتصره بالندم والذي ينخزها بقوة ويؤنبها على ترك شقيقتها لوحدها والتي لم تفارقها بحياتها منذ ولادتها لتضيع منها بغمضة عين .
افاقت من افكارها على صوت اخترق غمامتها المتوجسة وهو يقول بجانبها ببرود
"هل حاولتِ الاتصال بها على هاتفها ؟"
اخفضت نظراتها بحزن وهي تهمس بخفوت شاحب
"لقد حاولتُ الاتصال بها اكثر من مرة ، ولكن ليس هناك من مجيب"
حاد (شادي) بنظراته السوداء نحوها وهو يمسك بالمقود بقبضتيه بقوة ، ليقول بعدها بتفكير متأني
"ألا تذكرين إذا كانت قد اخبرتكِ عن مكان تود الذهاب إليه لاحقاً ؟ او مكانها المفضل والذي تحب الذهاب إليه عادةً !"
عقدت حاجبيها بوجوم وهي ترفع كفها لتحك بها جبينها بارتباك قبل ان تتمتم بعبوس
"كلا لا اذكر بأنها قد اخبرتني شيء من هذا"
تنهد (شادي) بجمود وهو يعود بنظره للأمام قائلا بجفاء بارد
"لا تعرفين اي شيء عن شقيقتك ، وتتوقعين منا ان نجدها بهذه السهولة بدون اي معلومات عنها توصلنا لها وكأننا نبحث عن قطة بكومة كلاب !"
التفتت نحوه بدهشة وهي ترفع حاجبيها بتوجس لتقول بعدها بلحظات بارتباك عابس
"انت تقصد إبرة بكومة قش ، صحيح ؟"
حرك (شادي) رأسه بملل وهي يقول بلا مبالاة
"بلى صحيح ، ولكني وجدتُ بأن تعبير القطط مناسب اكثر لحالة شقيقتك ، فهي تبدو بغضبها مثل القطط الشرسة تماما والتي تحوم من حولها الكلاب !"
تصلبت ملامحها بغموض وهي لا يعجبها تعبيره الغريب بحق شقيقتها وهو يتكلم عنها ببساطة ! وكم يشعرها هذا بالفرق بينه وبين شقيقه الاكبر والذي يختلف تماما عن تفكيره وتصرفاته والتي سحرتها بلباقته ولطفه بعالم تجردت منها المشاعر والاخلاق والرجولة اصبحت مجرد كلمة لا تعبر عن مكنونها الحقيقي .
قالت بعدها بلحظات بامتعاض وهي تدير وجهها نحو النافذة
"شقيقتي ليست بمثل هذا السوء يا سيد شادي ، ولا تتكلم عنها هكذا فأنا لا اسمح لك"
ردّ عليها ببرود وهو يحرك رأسه برتابة
"لا بأس لا امانع ، انا فقط قلتُ ما اشعر به نحو شقيقتك ، فأنا لدي عادة بأنني اقول بكل ما يعتمل بدواخلي بدون اي تردد او تفكير بمن اخاطبه ، لذا اعذريني إذا كنت قد جرحتكِ بكلامي يا زوجة شقيقي"
عضت على طرف شفتيها بارتجاف احتل كل اطرافها بآن واحد وهي تشعر بنفس الانتشاء والإثارة ما ان يبدأ بتلقيبها بزوجة شقيقه وكأنه قد اصبح مكان خاص بها وحدها بدون ان تتزحزح منه .
انتفضت بعدها بلحظات ما ان قال (شادي) بتركيز وهو ينظر للطريق امامه
"أتذكرين آخر مرة رأيتها بها واين كانت قبل ان تختفي ؟ ام لا تذكرين ايضا !"
عبست ملامحها بشحوب ما ان تذكرت آخر مرة تقابلت بها معها بذلك اليوم الكارثي وبكل شيء فيه عندما صرخت بشقيقتها وتشاحنت معها حول موضوع زواجها من (احمد) لينتهي كل شيء بخروجها من شقة (قيس) حزينة ومحبطة ، ليأتي بعدها اليوم التالي بدون ان تعلم اي شيء عنها وكيف قضت ليلتها تلك وهي ما تزال تبحث عنها للآن ؟
شددت من القبض على كفيها معا وهي تقول بشرود باهت
"لا اذكر فهي مختفية منذ خروجها للجامعة بدون ان تصل لها !"
تأفف (شادي) بنفاذ صبر وهو يتمتم باستنكار
"إذاً نحن الآن لا نعلم اي شيء عنها يوصلنا لمكانها ! ولا تجيب ايضا على اتصالاتها ، قد تكون غاضبة منكِ ولا تريد التكلم معكِ لذلك اختفت ولا تجيب على اتصالاتكِ"
التفتت نحوه بسرعة بوجه شاحب وشفتيها منفرجتين بارتعاش وليس بسبب استنتاجه الواقعي والمحتمل حدوثه بل لأنها قد دفعت شقيقتها لأول مرة بحياتها للابتعاد عنها والاختفاء عن العالم وكله بسبب شجارهما وغضبها عليها ، لتهمس بعدها بخوف لا إرادي
"أتعتقد هذا حقا ؟"
التفت (شادي) نحوها وهو يعقد حاجبيه بعدم استيعاب لما نطقت به للتو ؟ ليخترق بعدها صوت آخر الاجواء الغائمة من حولهما وهو صوت هاتفها والذي كان يرن بارتفاع صاخب ، ارتجفت بعدها بمكانها بانقباض وهي تُخرج الهاتف من حقيبتها بوجل ، وما ان نظرت للاسم المنير بالشاشة حتى فتحت الخط من فورها وهي تقول بارتباك شديد
"صفاء ، ماذا حدث معكِ ؟"
انتظرت لحظات وقد ساد الصمت على الطرفين لبرهة حتى ظنت بأنها تكلم نفسها لولا الأنفاس الخافتة بنشيج والتي كانت تصلها عبر الهاتف بوضوح وكأنها تستغيث ، وما ان كانت ستعاود الكلام حتى خرج الصوت الهامس بحزن شديد
"الحمد لله ، لأنكِ اجبتِ بسرعة على الاتصال !"
عقدت (روميساء) حاجبيها بتوتر وهي تشعر بشيء غير طبيعي يحدث معها ! لتقول بعدها بتصلب وهي تحاول ضبط اعصابها المنهارة من كل ما يجري من حولها
"ماذا هناك يا صفاء ؟ ولما اتصلتِ ؟ هل هناك من جديد....."
قطعت كلامها بسبب صوت الشهقات المنتحبة والتي ارتفعت فوق صوتها وهي تصلها من الطرف الآخر ، لتزيد من تشنجها وهي تصرخ بها بانفعال حاد
"ما لذي يجري معكِ يا صفاء ؟ ولما تبكين الآن ! لا تزيدي من خوفي اكثر ، هل اصاب ماسة مكروه ؟"
التفت (شادي) نحوها بانتباه ما ان نطقت باسم (ماسة) وهو يعطي كل تركيزه للمكالمة المريبة ، ليوقف بعدها السيارة على طرف الطريق بهدوء وهو يتابع ما يجري مع الجالسة بجانبه والتي تبدو وصلت لطرف الخيط والذي يوصلهم لمكان الأخرى .
بينما قالت (صفاء) ببحة حزينة وهي ما تزال تشهق بانتحاب
"مصيبة يا روميساء ! مصيبة وقعت على رؤوسنا ! مازن المجنون يريد الزواج من ماسة رغما عنها ، لهذا اختطفها واحضرها لمكان بعيد مهجور ، وانا الآن متواجدة مع ماسة بنفس المكان ، ولا اعلم ماذا افعل وزواجها سيكون بهذا اليوم ؟....يا إلهي ماذا افعل لأوقف هذه الكارثة والتي حدثت بسببي ؟!...."
ارتفع حاجبيها بين الذهول والانفعال من بين كلامها وهي تتابعها بتركيز مشوش غيم عليها للحظات ، بينما كان (شادي) يراقبها بانتباه وهو لا يفهم علامات وجهها والتي كانت تتقلب بكل ثانية بدون ان يعلم المشكلة !
تنفست بعدها بقوة وهي تعود لصرامتها المعتادة قائلة بتصلب حازم
"اسمعي كلامي جيدا وتوقفي عن البكاء يا صفاء ، انا سأحاول المجيئ بأقصى سرعة للمكان المتواجدات به وعندها سأوقف كل هذه المهزلة عند حدها ، وانتِ ابقي بجانب ماسة وافعلي ما يقوله لكما بالحرف الواحد بدون اي تردد او اعتراض ، ولا تقلقي فأنا لن ادع اي احد يلمس شقيقتي بسوء"
هدئت شهقاتها قليلا حتى انحصرت بصدرها وهي تهمس بأسى خافت
"حسنا يا روميساء ، بالرغم من اني لستُ مقتنعة بكلامكِ ولكني سأفعل ما تريدين !"
ردت عليها بابتسامة واثقة وقلبها ينبض بخوف
"ثقي بي ولا داعي للخوف ، وانا اعدكِ بأن كل شيء سيكون على ما يرام ، والآن اخبريني بمكان تواجدكما ؟"
قالت (صفاء) بعدها بلحظات بتلعثم مرتبك
"لا اعلم بالضبط ! ولكنه منزل بعيد بمنطقة جبلية ، وبنهاية الطريق الصحراوي ، وهو منزل محطم النوافذ وقديم بعض الشيء يشبه البيوت الحجرية"
حركت رأسها بتفكير وهي تحاول اعطاء كل انتباهها بالمكان والذي وصفته (صفاء) بطريقة مبعثرة غير منظمة ، لتتابع بعدها كلامها بصوتها الباكي الحزين
"روميساء عديني بأنكِ ستصلين بسرعة ولن تتأخري بالوصول ، ارجوكِ"
ردت عليها (روميساء) بابتسامة هادئة
"اعدكِ يا صفاء ، والآن ارتاحي واهتمي بشقيقتي جيدا وبنفسكِ ايضا ، حسنا !"
فصلت بعدها الخط معها بشرود مرتجف وهي ما تزال تفكر بكلامها الأخير وما وصلت لها حالة شقيقتها من سوء ، لتفيق بعدها من افكارها ما ان قال (شادي) بعبوس حاد
"هل ستتكلمين ماذا حدث مع ماسة لأنني مللت حقا من الانتظار ؟ واشعر بأن ما حدث ليس جيدا ابدا"
اومأت برأسها بتشوش قبل ان تقول بعجلة وهي تدس هاتفها بحقيبتها بقوة
"هذا ليس وقت الكلام الآن ، فنحن علينا الوصول لمكان شقيقتي بأقصى سرعة قبل ان تحدث المصيبة الكبرى ويتدمر عندها كل شيء !"
شغل محرك السيارة من جديد وهو يعقد حاجبيه بعدم راحة قائلا بتهكم
"هذا يعني بأنكِ قد عرفتِ مكانها اخيرا ، ولكني لن اساعدكِ بشيء إذا لم تخبريني حالاً بما اخبرتكِ به تلك الفتاة والتي اتصلت بكِ الآن !"
التفتت نحوه بارتباك وهي تشدد من القبض على يديها معا حتى آلمتها مفاصلهما ، لتقول بعدها بخفوت هادئ وهي تحرك رأسها باهتزاز
"سأخبرك بكل شيء تريده ، فقط تحرك ارجوك لكي لا نتأخر اكثر من هذا"
ابتسم (شادي) برضا وهو يحرك السيارة بعيدا عن طرف الطريق ، ليفكر عندها بحالة (ماسة) الآن وبتلك الأسرار والتي تخفيها عنه والتي لن يرتاح حتى يكتشفها وبمساعدة شقيقتها الأخرى !نهاية الفصل........
أنت تقرأ
بحر من دموع
Narrativa generale"كل من ينظر إلى عينيها يلمح الجمود والقوة بهما لتضلله بنظراتها الثابتة وهي تنظر لكل من حولها بعدم مبالاة متعمدة لتدوس على كل ما يطأ قدميها بعنف قاسي مبالغ به ليتحول لرماد من تحت ضغط قدميها ، بينما هو من بين الجميع استطاع ان يلمح دموع متدفقة بعينيها...