الفصل الثلاثون

325 4 1
                                        

كانت تبحث بالدرج وهي تعبث به بفوضى عارمة تنتابها لأول مرة قبل ان تنتقل للدرج التالي ، وما ان فرغت من الأدراج حتى استقامت بمكانها وهي تقف امام المكتب لتريح كفيها عليه بحالة إجهاد من مهمة البحث المستحيلة والتي لم تخرج منها بفائدة ! لتشتت بعدها نظراتها من حولها وهي تحدق بمحتويات المكتب من حاسوب وملفات بدون ان تلمحه بينهما .
وقفت بجمود وهي تكتف ذراعيها بعصبية ونظراتها تجوب المكان بتركيز حاد وكأنها تحاول دراسة الاحداث والامكنة التي مرت عليها لتكتشف المقطع التي ضاع بها غرضها الثمين ، لترفع بعدها رأسها عاليا بيأس وهي تهمس بعبوس محبط
"لقد انتهى امركِ يا روميساء !"
انتفضت بمكانها برجفة ارتعاد وهي توجه نظراتها المتسعة ناحية باب المكتب والذي كان يخرج منه الطرق الخافت ، لتتنفس بعدها باتزان وهي ترتب فوضى تفكيرها المشتت بسبب ضياع غرضها والذي سينهي على حياتها ما ان يقع بيد احدهم .
تقدمت امام باب المكتب وهي تحني تفكيرها عن كل شيء بالوقت الحالي ، وما ان فتحت الباب حتى انطلق الكائن الصغير مثل الرصاصة وهو يحتضن ساقيها بقوة ارجعتها للخلف عدة خطوات ، لتتدارك بعدها نفسها وهي تمسك برأس الطفل قائلة بوجوم مضطرب
"سامي ! ماذا تفعل هنا ؟ هل جئت الآن للمدرسة ؟"
ابتعد عنها قليلا وهو يقول بابتسامة كبيرة
"اجل لقد وصلت الآن مع والدي ، وقد جئت إليكِ مباشرة لأني قد اشتقت لكِ"
ابتسمت بحنان غزى ملامحها وهو تمسك بجانب وجهه هامسة بخفوت حزين
"ولكن لم يكن عليك المجيئ اليوم للمدرسة ، فقد تتدهور صحتك مجددا وتغيب عن الوعي مرة اخرى ! وانا لن اتحمل رؤيتك تتأذى او يصيبك مكروه"
اتسعت ابتسامته الطفولية وهو يهمس ببراءة صادقة
"لا تقلقي لن يحدث لي شيء ما دمتِ معي"
ارتجفت ابتسامتها وهي تمسح على رأسه بعطف حنون بعد ان عبث بمشاعرها الامومية مجددا ، لتنصب رأسها عاليا ما ان سمعت الطرق المتزن على الباب المفتوح وصاحبها يقول بابتسامة هادئة بمرح
"هل انتهيت من طقوس استقبال معلمتك يا مشاغب ؟"
استقامت بمكانها برهبة ما ان استدار الطفل بذات اللحظة للخلف وهو يقول بابتسامة عريضة
"ابي"
رفع نظره نحوها وهو يقول بنفس الابتسامة المتزنة
"صباح الخير يا معلمة روميساء ، نعتذر على اقتحام غرفة مكتبك بهذه الطريقة ، ولكن سامي اصر بشدة ان نذهب لرؤيتك فور وصولنا للمدرسة ولم احب ان ارفض طلبه"
نظرت للطفل الواقف امامها وهي تقول بابتسامة شاحبة بلطف
"لا لا بأس بذلك ، وقد سعدت كثيرا برؤيته امامي بصحة جيدة وبنشاط عالي ، فهذه هي الروح المطلوبة التي عليه ان يتحلى بها كل طالب بالمدرسة"
تغضنت ابتسامته بهدوء وهو يدس كفيه بجيبي بنطاله قائلا بجدية نافذة
"وقد جئت لمكتبك ايضا من اجل مقابلتك شخصيا والنقاش معكِ بأمر ، فهل لديكِ الوقت للحديث معي ؟"
اتسعت حدقتيها الخضراوين بتوجس وهي تفرك يديها معا هامسة بخفوت مرتبك
"حقا هذا مفاجئ ! وبماذا تريد التحدث معي ؟"
اومأ برأسه وكأنه لم يسمعها وهو يقول بهدوء اكثر قوة
"هل لديكِ الوقت ام لا ؟ حددي اجابة واحدة !"
زمت شفتيها بتشنج وكأنها تتعرض لاختبار من عدة خيارات وعليها ان تجيب بخيار واحد ، لتتنحنح بصوتها بتحشرج وهي تهمس بخفوت عملي
"اجل لا امانع"
ابتسم بهدوء وهو يوجه نظره للطفل الواقف بينهما يستمع لهما بحماس طفولي وكأنه محور حديثهما الحالي ، ليقول والده بلحظة بحزم صارم
"هيا يا سامي اذهب لفصلك الآن ، فوالدك يريد التحدث مع معلمتك بموضوع خاص ، لذا كون مطيعا واذهب للفصل ومعلمتك ستلحق بك بعد دقائق"
حرك رأسه بممانعة وهو يهمس بعبوس متذمر
"ارجوك يا ابي ، فقط دقيقة......"
قاطعه بصرامة اكبر وهو يشير بعينيه للخارج
"هيا يا سامي تحرك ، لا اريد ان اكرر كلامي مرتين"
اومأ برأسه للأسفل وهو يتمسك بحزام حقيبته ليجر بعدها خطواته لخارج الغرفة بانصياع ، بينما كانت (روميساء) تراقب الحدث امامها وهي تنتظر نهايتها الوشيكة وكأنها بمحاكمة ادارية وستتلقى العقاب على افعالها ! وكله بسبب هفوتها ونومها بمنزل هذا الرجل الذي جاء من اجل مقابلتها شخصيا !
تجمدت بمكانها ما ان نظر لها فجأة وهو يبتسم بغرابة ليتبعها بعدها بالهمس بهدوء جامد
"كيف حالكِ اليوم ؟"
اومأت برأسها بهدوء وهي ترسم ابتسامة عملية على محياها قائلة برسمية
"بخير ، شكرا لك يا سيد يوسف"
ما ان كان على وشك الكلام حتى سبقته وهي تشير بذراعها باتجاه المكتب قائلة بلباقة
"تفضل بالجلوس يا سيد يوسف ، ليس من اللائق ان تبقى واقفا هكذا !"
حرك رأسه بامتنان وهو يقول باختصار
"لا داعي لذلك يا معلمة روميساء ، فأنا قد جئت لأمر واحد عليّ انجازه معكِ والرحيل"
ابتلعت ريقها بارتباك اكبر وهي تضم يديها معا بثبات على وشك خسارته بأي لحظة ، لتقول من فورها بابتسامة هادئة وهي تغير موضوع الحوار قليلا
"كيف حال سامي الآن ؟ هل تأكدت من تناوله للوجبات الرئيسية لليوم واخذه ساعات كافية من النوم ؟ فقد اهمل نفسه كثيرا بغيابك وهو ما ادى لفقدانه للوعي بسبب انخفاض السكر بدمه !"
ردّ عليها بابتسامة هادئة باطمئنان
"لا تقلقي لقد اهتممت بهذه الأمور جيدا ، فلست اب مهمل لهذه الدرجة حتى اجعل ابني الوحيد يمر بذلك الحادث مجددا ! فقد اعتدت على الاهتمام به منذ كان طفلا بدون اي مساعدة من رفيق او اهل ، ولكني احيانا اغفل عنه قليلا مما يسبب بحدوث تلك الحوادث الصغيرة والتي تعطينا الحكمة والخبرة بحياتنا لكي لا نكرر الخطأ مرة اخرى"
ارتفع حاجبيها بشحوب لحظي وهي تهمس بتفكير تغلب عليها
"هذا رائع ان تهتم بكل هذه المسؤوليات وحدك ! ولكن ألا يوجد احد من اقارب الطفل ليهتم بأمره بغيابك بالعمل او بوقت مغادرته من المدرسة ؟ فليس من الجائز تركه وحده لفترات طويلة بدون اي رفيق معه او كبير !"
تنهد بهدوء وهو يقول بابتسامة جادة
"الحقيقة لا يوجد اي من هؤلاء الاقارب متواجد ، منهم قد ماتوا منذ مدة طويلة ومنهم قد استقروا خارج البلاد بعيدا ، لذا ليس هناك اي احد اثق به ليتكفل بهذه المهمة الصعبة ، فيما مضى كنت اتركه عند خالته الوحيدة بفترات غيابي عن المنزل ، ولكنها بعد زواجها انتقلت بعيدا خارج البلاد حتى لم يعد من الممكن الوصول لها !"
اومأت برأسها بشرود غيم على تفكيرها بسلاسل الماضي وهو يذكرها بحالتها والتي انقطعت بها السبل مع كل اقارب العائلة الذين تخلوا عنها واختفوا مثل غصن انقطع عن الشجرة وتبقى وحيدا شريدا ، لتقول بعدها بلحظات بابتسامة صغيرة بود
"اعتذر إذا كان هذا السؤال سيزعجك ! ولكن لما لم تفكر بالزواج بعد وفاة زوجتك السابقة لتساعدك بمهام الحياة وتحمل معك عبأ الاعتناء بابنك والذي يحتاج بشدة لوجود والدة بحياته تحل مكان والدته ؟"
غامت ملامحه بقتامة وهو يقول بهدوء يائس
"للأسف لم اجد تلك المرأة المناسبة التي استطيع معها الوثوق بها لأسلمها زمام الأمور بحياتي وبحياة ابني ! وقد فكرت بهذا الأمر كثيرا بالسابق وبصحة الزواج من اجل ان تأخذ مكان الزوجة والأم بحياتنا ، ولكنني خفت بعدها بأن اظلم سامي بهذا القرار القاسي وان لا يكون الخيار السليم له بسبب عدم تكيفه مع احد وصعوبة تآلفه مع المحيطين به ! لذا تراجعت حينها عن القرار وفكرت بأن تأجيل الأمر افضل خيار حتى اتأكد تماما بأنه لن يسبب الاضرار لنا ولن يؤذي ابني بوجه الخصوص"
كانت تنظر له بعينين واسعتين بإنصات شديد لتهمس بعدها بابتسامة واسعة احتلت محياها ببشاشة
"هذه ابوية رائعة جدا منك ان تضحي بسعادتك من احل راحة ابنك ! انا اهنئك على هذا التفكير المنطقي والذي لا يفكر به احد سوى من يهتم لأمر ابنه حقا ! ولكن هل سألت نفسك ما لذي يسعد سامي ؟ وما لذي سيساعده ليتآلف مع الآخرين من حوله ؟ اعتقد بأنه عليك ان تتقرب اكثر من ابنك وتعطي بعض الوقت لكما لتستطيع حقا اتخاذ القرار الصائب الذي سيساعد كليكما !"
اتسعت ابتسامته بالتواء طفيف وهو يهمس بهدوء جاد
"تفكيركِ اكثر منطقية ! اعتقد بأنكِ الرابح بهذا النقاش وتبين بأن تفكيرك هو الغالب ! ولكن لما كل هذا الاهتمام بموضوع سامي بكل هذه الدرجة من الاهمية ؟"
انفرجت شفتيها بارتعاش لوهلة قبل ان تلوح بيديها بتلقائية هامسة بتودد
"ليس سامي فقط انا اهتم بأمور جميع الطلاب الموجودين بفصولي بما اني المسؤولة الاولى عنهم واتكفل بكل واجبات رعايتهم والانتباه عليهم داخل المدرسة ! يعني يمكنك ان تقول عني بأني والدتهم الروحية بغياب اهاليهم عنهم"
حرك رأسه باهتمام وهو يقول بابتسامة جانبية
"وايضا والدة جميع اطفال الكرة الارضية !"
نظرت له بسرعة وهي تشعر بالعبارة تكشف عن جزء من ماضيها المنسي ، لتقول بعدها بابتسامة محبة بدون ان تفكر بكلامه كثيرا
"اجل يمكنك قوله كذلك ، فأنا دائما هكذا اندفاعية مجنونة بخصوص حماية الاطفال وادخال السعادة لقلوبهم"
اتسعت ابتسامته وهو يقول من فوره بصدق
"الآن عرفت سبب تعلق سامي المهووس بمعلمته المثالية ، لقد تبين بأنه لم يحبك من فراغ !"
ارتجفت ابتسامتها وهي تحني نظراتها قليلا هامسة بحياء
"شكرا لك"
عقد حاجبيه بجمود وهو يقول بقوة بعد ان عاد لحوارهما الأول
"المهم هذا لم يكن الموضوع الذي اتيت للتكلم عنه ، فقد جئت إلى مكتبك تحديدا من اجل ان انجز مهمتي معكِ واغادر ، وهي تخص ما حدث ليلة البارحة لقد كان هناك...."
قاطعته باندفاع مفاجئ بعد ان ضاقت ذرعا من الوضع وهي تقول بانفعال محتقن
"ارجوك يا سيد يوسف سامحني على تلك الهفوة التي لم تكن مقصودة ابدا ، فأنا لست من نوع الفتيات الذي يقبل بالنوم بمنزل رجل غريب مستغلا إيصال ابنه للمنزل ! ولم يكن هناك دافع وراء ذلك التصرف الذي حدث على غفلة مني ! وصدقني لو كنت اعلم بأن هذا سيحدث لما خطت قدمي منزلك ولما تجرأت على دخوله بحياتي !"
كان يراقبها بهدوء وهي تتنفس بتسارع على اثر كلامها المتلاحق والذي خرج من فورة خجلها منذ ما حدث بالأمس وكل ما اختلج بروحها آن ذاك ، ليقول بعدها بابتسامة هادئة وهو يخرج الغرض الثمين من جيب سترته
"اهدئي يا روميس فقد اخطئتِ الظن بالأمر ، وكل ما قلته لم افكر به ولو قليلا ولم يكن السبب بقدومي ، فقد اتيت إلى مكتبك لأسلمك هذه الأمانة والتي بقيت بمنزلي منذ تلك الليلة ، وجئت الآن لأسملها لكِ"
رفعت عينيها بحيرة وهي تحدق بيده الممدودة بهاتفها والذي قلبت المكان بأكمله بحثا عنه وهي تظنه قد وقع منها بمكان ما او بيد احدهم ! لتأخذ الهاتف بسرعة بأصابع حذرة وهي تحدق به تتأكد من شكله لتقول بلحظة بوجوم عابس
"كيف وصل لمنزلك ؟ اين وجدته تحديدا ؟"
ردّ عليها ببساطة بدون ان يفقد ابتسامته
"لقد وجدته بنفس المكان الذي كنتِ نائمة به فوق سرير سامي"
زفرت انفاسها براحة وهي تحتضن الهاتف بين كفيها هامسة بخفوت مبتسم
"واخيرا وجدته الحمد الله ! شكرا جزيلا لك ، لو تعلم مدى سعادتي بعودته لي...سعادة لا تقدر بثمن !"
اومأ برأسه بهدوء وهو يقول بجدية
"سعيد بإيصال الامانة لصاحبتها ، والآن عذرا عليّ الرحيل بما ان مهمتي بالمكان قد انتهت"
قالت بسرعة بتصلب ما ان لمحته يستدير بعيدا عنها
"انتظر لو سمحت ! لما ناديتني اكثر من مرة باسم روميس ؟"
توقف بمكانه للحظات قبل ان يقول بهدوء مبتسم
"اعتقد لأن اسم روميساء طويل جدا ويجعلها اكبر من عمرها بينما روميس اصغر عمرا ويناسب سنها !"
اتسعت حدقتيها الخضراوين ببهوت وهي تراقب الذي لوح بكفه وهو يغادر بعيدا
"اعتني بسامي جيدا فهو امانة عندكِ يا والدة الاطفال الروحية"
تنفست بارتباك وهي تشدد على الهاتف بكفها بقوة ، لتهمس مع نفسها بإحباط ميؤوس عاد لاجتياح كيانها
"يا لحظكِ العاثر يا روميساء !"
____________________________
كان يسير بظلام الرواق الفارغ وخطواته قد حددت وجهتها مسبقا بدون الرجوع لأوامر عقله...وهو يصل للممر المؤدي لغرفة تلك الفراشة الحالمة والضوء المتسلل من بابها الموارب يلوح له من بعيد مثل قبس نورها....وكما توقع ما تزال ساهرة لهذه الساعة بدون ان تتوقف عن هذه العادة الغريبة بالبقاء مستيقظة مع احلام يقظتها وقصصها العاطفية والتي تجدها افضل انيس وصديق لها بوحدتها...فيبدو بأنها تبني عالمها المنعزل بهذه الطريقة وتسوره بقيود خيالية لا يتجاوزها سوى من يملك التصريح بذلك....ويتمنى لو يملك ذلك التصريح والذي يخوله للدخول والذي ما يزال بعيد المنال عنه !
بلحظات كان يقف امام باب غرفتها وهو ينوي الدخول لولا الصوت الرقيق والذي وصل له عبر الشق الصغير بالباب
"مازن !"
تسمر بمكانه قليلا وملامحه تحتد تلقائيا بسوداوية انبعثت بحنايا روحه ، ليحاول بعدها النظر من خلال الشق الصغير وهو يلمح ظهرها والشعر الطويل المسترسل عليه وصوتها يخرج برنين حزين كان له إيقاع مؤلم على قلبه الذي يصارع للوصول لها
"لماذا تسألني عن حالي الآن ؟ هل كنت تتوقع رؤيتي امامك احتضر من اجل ان تكون سعيدا ؟"
قال من بالطرف الآخر بغضب مستنكر وهو يحاول ضبط اعصابه على اثر كلماتها القاسية
"ما هذا الكلام الاحمق يا صفاء ! لما لا تفكرين بكلامكِ قبل ان تنطقي به يا بلهاء ؟"
زمت شفتيها بارتجاف وهي تحاول منع موجة البكاء المُلحة التي اقتحمت غمامة ملامحها الحزينة ، لتشق بلحظة ابتسامة ساخرة محياها وهي تهمس بخفوت
"تقول ان افكر بالكلام قبل ان انطق به ! وماذا عنك انت يا اخي الكبير ؟ كم مرة كنت تجرحني بكلامك والذي كنت تتفوه به بدون ان تفكر بمشاعري وبقدرتك على إيلامي ! كم مرة اختلقت قصص عن سبب موت والدتنا وبأنها توفيت من اعراض حملها بي وانت تنعتني دائما بغلطة العائلة ! ألم تفكر بتأثير هذه الكلمات على مسار حياتي وانا كنت ما ازال مجرد طفلة صغيرة ؟ ألم تفكر بأن تصرفاتك القاسية معي وكلماتك الجارحة تؤذيني كثيرا ؟ انا ما زلت كما انا انسى واعاند ولا ابالي بينما انت فما زلت كما انت تؤذيني وتقتلني حتى ورطت هذا القلب بمشاكلك والذي اصبح يعاني الآن وكثيرا وكله بسبب قسوتك ومدى كرهك لي !"
تصلبت ملامح (جواد) بدون اي تعبير وهو يتابع كلامها والذي رسم صورتها الآن بمخيلته الخصبة والتي تحفظها عن ظهر قلب ، بينما قال من بالطرف الآخر بانفعال ثائر بعد ان لعبت بأعصابه بمهارة
"اخرسي يا صفاء ، هذا ليس وقت اللوم والعتاب على ما فات ! فأنا لم اتصل بكِ لأسمع كل هذا الكلام الفارغ ! وتعلمين ايضا بأنني لم اقصد ان اورطكِ بهذا الزواج والذي لم يكن لدي علم به ! لذا هلا استمعت لي وتوقفتِ عن هذه الترهات الطفولية ؟"
تجمدت ملامحها وهي تشدد على الهاتف بيدها هامسة باضطراب متوجس
"وعن ماذا تريد التكلم معي ؟ وما لذي جعلك تتذكرني الآن بعد ان سببت لي المشاكل بحياتي الزوجية ورحلت هاربا من تبعات اخطائك ؟"
ردّ عليها من بين اسنانه بغضب هادر
"لا تكوني غبية يا صفاء ! من الذي حاول ان ينتشلك من ذلك المكان وانقاذك من ذلك المصير ؟ ولكنكِ بغبائك رفضتِ الرحيل وبقيتِ ملتصقة بمكانكِ وكأنك تسعين لتحقيق امنية ذلك الرجل بتلقينك الذل والمعاناة انتقاما منا على اخطائنا ! هل انتِ سعيدة الآن ؟"
غطت اذنها بكفها الحرة وهي تصرخ بنحيب كاسر بغضب يستبد بها لأول مرة
"اصمت يا مازن ، ألست انت السبب بكل هذا ؟ ألست انت من دفعني لهذه المعاناة ؟ لما كان عليّ ان اكون انا الضحية وكبش الفداء ؟ ما لذي فعلته لكم لتجعلوني اداة بانتقامكم ؟ هل كل هذا لأنني ولدت فتاة وفرص الفتاة اقل حظا من الصبيان ؟ حتى بالحب تحصل الفتاة على اقل الحقوق بالمقارنة مع الصبيان ! انا اكرهك يا مازن لأنك قد سرقت حب والديّ وتركتني لعبة مجردة من المشاعر تستخدمونها لتتستر على اخطائكم !"
صمت للحظتين قبل ان ينطق بجمود هادئ خفتت معه نبرة صوته
"انتِ مخطئة يا صفاء ! لقد كانت والدتي تحبكِ كثيرا وتفضلكِ عليّ إذا كان بالمعاملة او بالحب ! وقد كانت تقول عنكِ دائما بأنكِ ملاك الرحمة والذي سيغفر ذنوب جميع الظالمين ويطهر العالم من الآثام الذي تحوم من حولهم ، يبدو بأنها كان لديها وجهة نظر مستقبلية بعد كل شيء !"
اهتزت مقلتيها بدموع ندية وهي تترنح قليلا قبل ان تجلس على السرير بجانبها ما ان خذلتها ساقيها ، لتهمس بعدها بابتسامة حنين مزجت بملامحها الباكية باحمرار طفيف
"لماذا امي قالت ذلك الكلام ؟ ألم تعلم بأنني اعيش بمكان مملوء بمعدومين القلوب والضمير ! ألا ترى صعوبة تلك المهمة على فتاة ضعيفة الحيلة مثلي ؟ لماذا لا تعيد لي امي لأقول لها هذا الكلام ؟ لماذا لا تأخذني لها وحسب يا قاسي القلب يا متحجر المشاعر ؟"
اجابها بلحظة بصوت بارد بحزم
"لا يمكنني اعادة والدتك للحياة ! ولكن يمكنني اعادتك انتِ للحياة قبل ان يقتلوك حية ! لذا ما رأيكِ ان تعودي لنا يا صفاء وتخرجي من ذلك الوحل المتحرك والذي يكاد يغرقك بالكامل ؟ ما يزال لديكِ فرصة بالنجاة وانا هنا لمساعدتك"
حركت رأسها بتشوش وهي تهمس بوهن خافت
"ماذا تقصد بكلامك ؟ وماذا يعني تعيدني للحياة ؟"
تجهمت ملامحه وهو يقول بنفاذ صبر حانق
"هل ترين الوقت مناسب لأسئلتك الغبية ؟ انا اقصد ان تعودي لمنزل عائلتك وللعيش بمنزلنا ، وألا لماذا اتصلت بكِ يا بلهاء ؟ انتِ فقط اعطيني الموافقة وبغضون دقائق سأكون قد اخرجتكِ من ذلك المنزل وبكرامتك وبعيدا عن جحر ذلك الوحش"
اتسعت حدقتيها العسليتين بوجل وهي تحاول الهمس بتلعثم باكي
"لا لا اعتقد بأن هذه فكرة صائبة يا مازن ! وايضا انا ما ازال للآن زوجته كيف تريدني ان اترك بيت الزوجية ؟ لا إياك وان تقدم على اي تصرف متهور !....."
قاطعها بسرعة باستنكار ساخر
"هل انتِ غبية معدومة الكرامة ؟ انا اقول لكِ بأنكِ لست سوى وسيلة انتقام بالنسبة له ! وما ان ينتهي عقد زواجك المزيف حتى يلقي بكِ بعيدا مثل سلعة مستهلكة ، هل تريدين الانتظار حتى تأتي تلك اللحظة والتي لن تدمر سمعتك وحسب بل ستدمر كرامتك وتدوس عليها ؟ وعندها سيكون قد حقق انتقامه المنشود منا واذى كل فرد بعائلتنا ! هل تريدين ان يحدث هذا حقا ؟"
ابتلعت ريقها بتخبط وهي تعيد الخصلات لخلف اذنها بحركة متوترة لتهمس بعدها بخفوت بارد مجرد من المشاعر
"هل حقا ستستطيع مساعدتي وانقاذي من هذا الوحل والذي غرقت به بالكامل ؟"
لم تستطع سماع جوابه بسبب اليد التي تكفلت بسحب الهاتف من يدها بلمح البصر ، وما ان رفعت حدقتيها الدامعتين بتوجس حتى كانت ترى هاتفها وهو يطير بعيدا قبل ان يصدمه جدار الغرفة وهو يقطعه لأشلاء صغيرة .
اخذت عدة انفاس بشهقة مكتومة وهي تمسد على صدرها عند موضع نبضات قلبها التي احترقت من سخونة ضرباتها ، وقبل ان تخرج من مشهد تحطم هاتفها حتى اخترق سمعها الصوت القاسي ببرود غريب
"هل كنتِ تتكلمين مع ابن جلال ؟"
غرزت اسنانها بطرف شفتيها بانفعال وهي تهمس بخفوت شديد
"هل هذا سؤال ام جواب واضح ؟"
انتفضت بارتعاش ما ان قصف صوته بقوة اكبر على وشك الانقضاض عليها
"سؤالي واضح جدا ! هل كنتِ تتكلمين مع ابن جلال يا صفاء ؟"
التفتت برأسها نحوه بقوة وهي تهمس بشجاعة مفاجئة لا تتناسب مع بحة البكاء بصوتها
"اجل كنت اتكلم معه ، هل تمانع ذلك ؟ وبالمناسبة لديه اسم وهو مازن !"
ضيق عينيه السوداوين بحقد اصبح يتغذى على روحه وهو يقول بقسوة لم تسمعها منه منذ مدة
"تتكلمين معه بعد كل ما فعله بعائلتي ! وبعد آخر مواجهة حدثت بالمنزل وامام عينيكِ ! هل ما يزال لديكِ الجرأة للكلام معه بطبيعية والتصرف وكأن شيء لم يكن بعد كل الجرائم التي اقترفها بحق الجميع ؟ أليس لديكِ ولو جزء من تأنيب الضمير حول هذه العائلة والتي فقدت فتاتها بسبب ابن عائلتكم ؟ ام قد تكونين مثلهم تماما بلا ضمير او قلب ؟"
كانت تنظر له بعينيها الواسعتين المقيدتين بدموع حبيسة منذ مكالمتها مع شقيقها وهي تتدفق بروحها لتلسعها بمرارة ، همست بعدها بهدوء جاف بدون اي تعبير يعلو ملامحها الباكية
"اجل صحيح فهو يبقى شقيقي بعد كل شيء ، وليس من السهولة قطع الرابط الاخوي بيننا والذي جمعنا منذ مولدنا ! فأنا بالنهاية لست مثلك استطيع قطع العلاقات وهجر الأهل والذي تراه بمنتهى البساطة والسهولة وكأنها علاقات من خيوط وهمية ما كانت تربط بينكم ! فلن يصلح الابتعاد شيء ولن يعيد اللوم الميت للحياة !"
تسمرت حدقتيه عليها بدون حركة سوى فكه والذي ازداد حدة وكأنه يحاول استيعاب قساوة كلامها والذي اصاب الوتر الحساس بحياته بنجاح ، وبلحظة كان يندفع نحوها بخطوتين ليكبل ذراعيها بقوة كادت تكسر عظامها وهو يهمس من بين اسنانه بشرارة غاضبة على وشك حرقها حية
"كيف تتجرأين على التفوه بكل هذا الكلام امامي ؟ ومن انتِ لتحاسبيني على افعالي وما اقترفته بحياتي ! هل تريدين ان تثبت براءة افعال شقيقك المجرم بكلامكِ هذا وبمقارنة ظالمة لن تظهر شناعة افعاله ؟ فهذا الذي تدافعين عنه مصيره ينبغي ان يكون خلف القضبان حتى يتعفن بالسجن ! ولكن والدك استغل الوضع جيدا وتعاون مع عمي ليهرب ابنه من جرائمه وينفذ منها ! وبعد كل ما حدث ما تزالين تتكلمين معه وتدافعين عنه بدون ان يرأف قلبكِ بحالنا وبما فعله بابنة عائلتنا !"
احنت حدقتيها بوجوم صامت لوهلة قبل ان تشدد على قبضتيها هامسة بمرارة قاهرة
"لا استطيع فعل شيء حيال ما يحدث ! ولا ان اغير مصيري وسبب وجودي بالحياة ! فقد ولدت بهذه العائلة والتي حولتني لوسيلة تكفر عن ذنوبها واخطائها ، وليس عليّ سوى الرضوخ لكم والقبول من اجل ان تكتمل بنود الانتقام ويحدث عندها التعادل بينكم"
قطب جبينه بجمود للحظات ليقول بعدها بصوت خاوي
"هل كنتِ تفكرين بالتخطيط مع شقيقك للهروب مني ؟"
رمشت بعينيها بارتجاف وهي ترفع رأسها هامسة بذهول شاحب
"هل كنت تستمع للمكالمة ؟"
شدد اكثر على ذراعيها وهو يصرخ بانفعال هادر
"اجيبِ على سؤالي يا صفاء"
اشاحت بوجهها بارتجاف بدون كلام وهي لا تجد ما تنطق به خوفا من ان تخطئ بالكلام ويقضي عليها ! ليرخي بعدها يديه عن ذراعيها وهو يستقيم بهدوء ليهمس بلحظة بسخرية حادة
"هكذا إذاً تريدين الهروب مني بالتعاون مع عدوي ! هل ضقت ذرعا من حياتك معي حتى تريدين التحرر من اسواري ؟ هل نسيتِ بأنني املك حياتك ولدي كل الحق بحبسك بمنزلي لمدى الحياة ؟ فأنا ما زلت زوجكِ للآن ولدي كل الصلاحيات بفعل ما اشاء بكِ والتحكم بمصيرك معي كما يحلو لي !"
انفرجت شفتيها بأنفاس ذاهلة وهي تنظر له من فورها هامسة بتبرير مرتبك
"لا تستطيع فعل ذلك يا جواد ، فنحن الاثنين قد اقترب عقد زواجنا على الانتهاء ولم يتبقى سوى ايام معدودة على النهاية ، وانا لا اريد الاستمرار معك على الوهم فقد اكتفيت من هذه الاحلام المزيفة والحب الاعمى والذي اصبح يؤلمني ويقهر عزيمتي ! اريد التحرر من كل هذا والعودة لما كنت عليه سابقا ، فقد تعبت كثيرا بهذه الحرب وكل ما اطلبه هو الراحة !"
ارتفع حاجبيه بحالة تذكر ضرب رأسه مثل الصاعقة وقد نسي موضوع العقد تماما وما اتفقا عليه ببداية زواجهما ، وها هو الشهر قد قارب على النهاية حتى لم يتبقى منه سوى ايام معدودة اصبحت تتسارع وتفلت من بين يديه وهي تعلن عن الوداع .
امسك رأسه بأصابعه وهو يشدد على خصلاته بصراع ذهني غيم عليه بدون ان يقرر الخطوة التي عليه الاقدام عليها ، ليعود بعدها للنظر لها وهو يقول بجمود قاتم
"وإذا كان العقد على وشك الانتهاء هذا لا يعطيكِ الحق لتقرري انهاءه بنفسك بدون الرجوع لصاحب الأمر ؟ وايضا لما تعجلين من مصير علاقتنا اتركيها على الأيام وكل شيء سيحدث مقدر ان يحدث بالوقت المناسب !"
عقدت حاجبيها بضيق وهي تهمس بعبوس حزين بعد ان فاضت روحها الباكية
"هذا لا يكفي يا جواد ! انا اريدك ان تحررني الآن ولن انتظر حتى يأتي الوقت المناسب ! ارجوك اترك لي بعض القوة والكرامة لأملكها بحياتي عندما اخرج من هنا ، لا اريد ان اخسر المزيد من ذاتي والتي تعلقت كثيرا بهذا الحب ! ارجوك حقق لي هذه الامنية الوحيدة ولن اطلب منك غيرها"
احتدت ملامحه بشراسة وهو يلوح بذراعه جانبا صارخا بغضب وازدراء وبكل ما يحمل من حقد لعائلتها
"هل جننتِ صفاء ؟ تتكلمين وكأنني وحش امامك وانا اقضي طول حياتي وانا اهين كرامتك وانتزع قوتك ! هل ترينني لهذه الدرجة مجرد من الانسانية ؟ وانتِ تريدين العودة لعائلتك والتي فعلت ما هو اقبح من تصرفاتي عندما تخلوا عن ابنتهم وباعوها باتفاق لحماية ابنهم من براثن العدالة بدون ان يهتموا لمصيرها مع عدوهم !"
تجمدت ملامحها بدون شعور وهي تقبض على يديها لا إراديا لتهمس بعدها بنشيج خافت
"ماذا قلت عن عائلتي للتو ؟"
نظر لها للحظات قبل ان يدير وجهه بعيدا عنها بدون كلام ، ليشعر بعدها بيدها تنشب بذراعه وهي تديره ناحيتها بقوة ، وما ان اصبح مقابل لها حتى صُدم بشكل عينيها العسليتين المتوهجتين بشموس حارقة وهي تهمس بخفوت مشتد
"ما لذي قلته عن عائلتي يا جواد ؟"
غامت ملامحه بدون كلام وهو ما زاد توهج وجهها المحتقن بالدماء لتتمرد اكثر وهي تضرب بقبضتيها على صدره لتصرخ بصوت اعلى بغضب مكتوم
"لا تبقى صامتا هكذا ! اجبني على كلامي ارجوك ، اتوسل إليك انطق بأي شيء !"
زفر انفاسه بغضب وهو يمسك بقبضتيها على صدره قائلا بكل ما يستطيع من رفق
"اسمعي يا صفاء ، الحقيقة قبل الزواج عقدت اتفاق مع والدك على الاختيار بينكما وهو قد اختار بالفعل"
صمت بعد ان قال كل شيء بكلمات مختصرة اوضحت المضمون المهم بدون اضافة المزيد ، لتنفض بعدها قبضتيها بعيدا عن يديه وهي تتراجع تلقائيا حتى صدمت خشب السرير وهي تعود بلحظة جالسة عليه ، لتضم يديها امام شفتيها بحالة سكون مريب وهي تتمتم مع نفسها بخفوت وكأنها تهذي
"لقد كنت محقة بكل شيء ، لقد كان والدي على علم بكل شيء يحدث معي قبل الزواج وما بعده ، ومع ذلك لم يتحرك به ساكن او ان يبدي اعتراض على الزواج ! لقد كان يخطط لاستخدامي وسيلة لحماية ابنه الكبير وتكفير على ذنوبهما ، لقد كنت لعبة بين ايديهما كل هذا الوقت واستطاعوا ان يتحكموا بي كما يريدون وحسب الخطة ، الآن عرفت فقط سبب وجودي بتلك العائلة لقد كنت الملاك الذي سيكفر عن ذنوبهم واللعبة والتي ستخدم اعمالهم !"
اتسعت حدقتيه بقتامة سوداء وهو ينظر لجسدها الذي ارتمى على ملاءة السرير وهي تجهش ببكاء مرتفع يسمعه لأول مرة بكل هذه القوة وكأنه بكاء وحش مطعون اصابت البندقية قلبه ، ولم يتحمل بعدها لدقيقة اخرى وهو يتقدم امام السرير ليصعد عليه بركبتيه قبل ان يمسك بذراعها وهو يديرها على ظهرها .
انقلبت بعدها نائمة على ظهرها لينظر لوجهها المتورم باحمرار والذي ظهر بين ستار شعرها الحريري ، لينخفض بعدها بوجهه امامها على بعد سنتمترات صغيرة وهو يستنشق عبير رحيقها الذي امتزج بدموعها الحارة وهي تلهب حواسه بطريقة غير معهودة وكأنها طاقة مشاعر مشتعلة ما تنبعث من جسدها الملتوي بنيران حزنها ، وما ان وصل امام حافة الخطر وهو يقبل قطرات دموعها على وجنتيها المحمرتين مثل جمرتين حتى همس بخفوت اجش بحرارة احرقتهما سويا
"لم اقصد ان ادفعكِ للبكاء هكذا ، فأنا لا احب رؤية دموعك تنهمر على خديك ، فهي إذا لم تعرفي تستطيع حرقي حياً وكأنها تنسكب مثل الجمر على روحي ؟ وهذا مؤلم جدا واكثر مما تنخيلين يا صفاء !"
رفعت يديها وقد بدأت تتفاعل مع حركاته وهي تتخلل خصلات شعره بأصابعها برقة هامسة من بين قبلاته بخفوت باكي
"إذاً توقف عن دفعي للبكاء لكي نرتاح كلينا ولا نتألم اكثر !"
تنفس بانفعال هادر امام وجهها وهو يهمس امام شفتيها الورديتين بقبلة الحياة
"لا استطيع التوقف يا صفاء فقد اصبحت مهووسا بهذه الدموع وبالاحتراق بهذه النيران والتي تجيدين اشعالها بمهارة !"
اخفضت جفنيها على دموعها الحبيسة وهي تستقبل قبلاته القاسية والتي اعادت الحياة بجسدها ومجرى الدماء بأوردتها ، لتطوق بعدها عنقه بنعومة وهي تجاري قبلاته برقتها العذبة لتهمس من بينها بسلاسة النهر النقي
"احبك يا جواد ، احبك كثيرا"
شدد من تطويق جسدها الهش بين ذراعيه وهو يزيد من الهبوط بركبتيه على السرير حتى تمردت قبلاته لياقة قميص بيجامتها والتي بدأت تنزع عنها ، وهذا بعد ان اشعلت الجذوة الكامنة بداخله واعطت السماح بعدم التراجع ومزجت الرغبة بأحزانهما والتي تحولت بلحظة لشعلة مشاعر ملتهبة احترقت بهما وعليهما .
_______________________________
تململت بنومها وهي تفيق من غمامتها الوردية والتي حلقت بها بسماء عالية قبل ان تعود لأرض الواقع التي هبطت عليها بلحظات ، لتنتفض بعدها بقوة وهي تنزع نفسها من احلامها الخيالية والتي حاوطت حياتها باللحظات الماضية وهي تعيد جمال العاطفة بحياتها والتي اختلت منها حتى اصبحت واحة من صحراء قاحلة ، وما ان فتحت حدقتيها العسليتين على اقصاهما حتى ظهرت صورة السقف من فوقها بوضوح وهي تحدق به بحالة صمت طويلة وكأنها تحاول ترتيب الاحداث الاخيرة بعقلها .
تجمدت ملامحها بارتعاد ما ان وصل لسمعها صوت تكسير عالي خارج من مكان بالغرفة يبدو من الحمام المرفق ! لتصلب جسدها بصعوبة وهي تستند بقبضتيها على جانبيها قبل ان تنتصب جالسة بقوة خائرة تشعر بها لأول مرة ، اخذت عدة انفاس بتعب انهكت خفقات صدرها الذي كان يعلو ويهبط برتابة وكأنها تخوض بسباق للجري استنزف قوتها وامتص طاقتها حتى لم يعد لديها مقدرة على الحراك ، ولا تفهم كيف حدث هذا معها ؟ فهذا مختلف تماما عن العلاقة الحميمية التي جمعتهما بأول ليلة بعد زفافهما !
اعادت خصلات شعرها الفوضوية لخلف كتفيها برفق والتي تجعدت وانطوت حتى اصبحت بهذا الشكل المريع ، لتدلك بعدها على ذراعيها المكشوفتين وهي تنحرف بعينيها على العلامات الحمراء التي دمغت بجلدها بقسوة العلاقة الحميمية بينهما وقد شعرت بقوتها وألمها وكأنها اول ليلة لها ولم يسبق ان لمسها من قبل ! قد يكون بسبب مشاركتها وتفاعلها معه بأحياء شعلة العاطفة بينهما والتي ساعدته ليكون بكل هذه الثورة وكأنها حررت البركان الخامد بداخله !
تسمرت بمكانها بوجل ما ان شعرت بتوقف صوت التكسير لبرهة قبل ان يتبعها خروج صاحب تلك الاصوات الغامضة وهو يتوقف بمكانه بهدوء صامت ، تجرأت بعدها على رفع عينيها برجفة هزت كيانها وهي تتوقع رؤية الاسوء بأي لحظة والتي دائما ما ترافق لياليها الحالمة ! لتتجمد عضلات حدقتيها المتسعتين بألم بدون ان ترف بهما وهي تشاهد التمثال الواقف امامها يقابلها بنظرات حادة بسكون آلمتها وانتشلت قلبها من مكانها بدون سبب .
رمشت بعينيها بدموع خائنة ما ان اشاح بوجهه جانبا بجمود وهو يتمتم بلا معنى
"هل انتِ بخير ؟"
اومأت برأسها للأسفل بدون كلام تاهت احرفها منها على اثر جمود نظراته ، لتستمع بعدها لصوت انفاسه الحادة عبر اجواء الغرفة القاتمة وهي تلتقط همسته الغادرة بضيق
"سحقا !"
زمت شفتيها بارتجاف ممتقع وهي تشعر بكلمته مثل صفعة ايقظتها على واقعها المؤلم والذي لم يمت لجمال احلامها بصلة ، ليتحرك بعدها بخطوات ثقيلة طالت اكثر مما تحتمل حتى ازهقت روحها وعبثت بأوردة قلبها ، ما ان شعرت بخطواته تصل امام طاولة الزينة بثواني حتى انتفضت بصرخة مكتومة وهي تنظر بذعر نحو صوت التكسير والذي حدث بتحطم المحتويات التي كانت تعلو طاولة الزينة ، بدون ان تفهم اي شيء مما يدور من حولها من جنون على وشك قتل فتات قلبها ؟
ضمت قبضتها فوق صدرها النابض بألم وهي تقاوم لسعة الدموع بعينيها والتي اغشت الصورة للواقف امامها وهو يوليها ظهره ، لتتنفس بعدها بأنفاس قصيرة مستنجدة وهي تحاول الاقتراب من حافة السرير بارتجاف مضطرب ، وما ان اصبحت على مقربة من الحافة حتى رفعت كفها نحوه برجاء غير منطوق هامسة بأنين خافت
"جواد ! توقف ارجوك !"
انتصب ظهره بقوة وكأنه استشعر لمستها الغير ملموسة والتي تبعد عنه امتار ، ليقول بعدها بلحظتين بهدوء جاف بعث الجليد بروحها
"توقفي عن النحيب يا صفاء فهذا يؤذيني اكثر مما يساعدني !"
تسمرت كفها عاليا وهي تقبضها تلقائيا بألم تسرب على طول ذراعها ، لتخفضها بعدها بقوة وهي تعود للهمس ببحة اكثر حزنا تقطع نياط القلب
"لماذا ؟!"
عندما لم يجيب على سؤالها المختصر والذي يخفي الألم بحروفه المجردة من المشاعر حتى تجرأت اكثر على التحرك وهي تنزل قدميها ببطء عن ملاءة السرير ، وقبل ان تنزل قدمها الاخرى كانت تتجمد بتراجع ما ان قصف صوته بأمر نافذ بدون ان يلقي نظرة نحوها
"إياكِ وان تقتربي يا صفاء ، ألتزمي مكانكِ افضل لسلامتك !"
عضت على طرف شفتيها بانقباض وهي ترفع ساقيها امام صدرها عند طرف السرير بتكور وذراعيها تشتدان حول ساقيها بصمت ، لتهمس بعدها بدموع حبيسة وهي تراقب ظهر الواقف امامها بدون ان تتجرأ على الاقتراب منه
"لماذا تفعل هذا معي ؟ بماذا اخطئت معك لتعاملني بهذه الطريقة بكل مرة نجتمع بها معا مثل اي زوجين طبيعيين ؟ انت تظهرني دائما وكأنني لعبة بين يديك تعبث بمشاعري وترفعني عاليا بعدها تعود وتلقي بي لهوة سحيقة ! هل هذا طبيعي ام انني هوس بالنسبة لك ؟"
التفت بنصف وجهه بتصلب طال للحظات قبل ان يخرج عن صمته بهمس حاد بقسوة
"هل جننتِ يا صفاء وبدأتِ تهلوسين ؟ هل نسيت بأن هذا الزواج مجرد صفقة انكتبت بنودها وسارت على هذا الاساس ؟ لذا عليكِ ان تكوني بقدر هذه المسؤولية والتي عليها ان تتحلى بها كبش فداء هذه الصفقة ، وألا لما اخترتكِ لتكوني ضحية هذا العراك الذي انشب من سنوات ! فهكذا يسير قانون المقايضة انتم اخذتم ابنتنا ونحن بالمقابل سنأخذ ابنتكم ! عليكِ ان تكوني مسرورة بمسار الصفقة فأنا ما ازال ارحم من شقيقك ومع كل ما فعله بشقيقتي !"
اتسعت حدقتيها ببهوت مجرد من الاحساس اختفى عنه لمعان الدموع الندية والتي تحجرت بمكانها ، لتخفض بعدها رأسها بانتكاسة بسيطة وهي تغرز اصابعها بشعرها بتشعت هامسة بحزن مكتوم
"يا للقسوة ! لم اعرف بأن العالم يملئه بشر بكل هذه القسوة ؟ لقد ظننت بأن الأمر متمحور بالقصص الخيالية فقط عن شخصيات شريرة عديمة الرحمة ! ولكنه تبين بأنها موجودة بالواقع وتعيش معي وانا التي خدعت بهم واصبحت حجر بيدقهم بدون ان ادرك او اعلم ! لأنه ببساطة لم يخبرني احد تركوني اعيش بتلك الغمامة بدون ان يوقظوني منها...كذبوا عليّ وضحكوا بوجهي بدون ان ارى ما هو خلف تلك الضحكات والاكاذيب ! لو تركوني اعرف الحقيقة بدون تجميلها لكان افضل بكثير ولم يكن سيفوت الآوان عليها ، فقط لو ارحتني وانتقمت مني كما فعل مازن مع شقيقتك لكنت اكثر سعادة ، ولكنك استمريت بتلك اللعبة وعلقتني بك وبحبك بدون ان ترحمني ، والآن لماذا فعلت ما فعلت بليلة امس ؟ ألم اطلب منك التوقف عن تعذيبي ؟ كيف سأتخلص منك الآن ؟ اخبرني لماذا فعلتها مجددا ؟ لماذا يا متحجر القلب ؟ لماذا لم تقتلني بالرصاصة التي اصابت شقيقتك ؟ لماذا ؟"
خرجت آخر كلماتها بأنين موجع حتى هزت جسدها بحركة لا إرادية من صميم الوجع الذي فاق مقدرتها على التحمل ، لتنتفض بحركة هستيرية كادت تقتلع خصلاتها القابضة على شعرها ما ان سمعت صوت تحطم آخر وهو يلقي بباقي الاغراض من فوق طاولة الزينة بعشوائية ، وبلحظة كان يعم الصمت بالمكان بغمامة ألقت بقيودها من حولهما قبل ان يخرج الصوت الكاسر بتأنيب ملام
"لقد اخطئت وانا الذي كنت اهتم بحساباتي وبكل شيء بدون اخطاء ! وهذه المرة خطأي لا يغتفر ابدا ! كان عليّ ان اتحلى بقوة احتمال اكبر واكون ذو مناعة ومقاومة امام هذه التأثيرات ، لم يكن يجدر على هذا ان يحدث ! ولكن قوتي قد خذلتني لأول مرة وادخلتني بكل هذه المشاكل ! كله بسبب عائلتك والتي ما تزال لهذه اللحظة تدمر حياتي وتعبث بها بدون اي سبيل للخلاص ، سحقا لكِ ولعائلتك يا صفاء !"
ارتخت مفاصل اصابعها على خصلات شعرها بوهن وهي تنظر للأسفل بسكون لتهمس بعدها بخفوت ساخر بدون اي حياة
"تقول بأنني السبب بكل هذا ! هل نسيت نفسك وبأنك البادئ بهذه العلاقة عندما اقتحمت غرفتي وافسدت مكالمتي مع اخي ؟ هل تشعر بالندم على تلك الليلة التي جمعتنا معا لثاني مرة منذ بداية زواجنا ؟ وانت للآن ما تزال تجرحني بكل مرة نجتمع فيها معا ! هل انا مجرد ضحية منفرة ام مجرد عاهرة للمتعة ؟ هل انت احببتني يوما ام كان اعترافك ذاك مجرد اكذوبة اخرى ؟ هل لديك اجوبة تريحني وتخبرني ما هو موقعي بحياتك يا جواد ؟ وماذا كنت بالنسبة لك ؟"
ساد الصمت بينهما طويلا ببرودة الاجواء المتسللة بقلبيهما الذين فرغا من العاطفة التي توهجت بليلة امس وكأنها لحظات قصيرة غدرت بهما ورحلت لتتركهما معلقين بحبل الحياة الواقعية ، ليتحرك بعدها الذي استدار ناحيتها لأول مرة وهو يقابلها بنظرات قاتمة تختلف عن السابق وكأنها اختلطت بظلمة الماضي وندم الحاضر ، وهو يهمس بلحظة بخفوت جاف بدون اي تعبير
"انا اعتذر يا صفاء"
رفعت رأسها ببطء بحالة تأهب للحظة الحاسمة وهي تحدق به بمقلتيها المغرورقين بالدموع الحارة والتي كانت تنزل على روحها مثل شهب اللهب بكلمة واحدة لم تتصل بأي مفردات اخرى...لتبقى مبتورة المعنى بدون ان تحدد هدف وجودها ومناسبة نطقها الآن !
شحبت ملامحها بلحظة وهي تحدق بالذي خرج من الغرفة بثواني بدون ان يضيف كلام آخر على كلمته الاخيرة...ليتركها من وراءه جسد بلا روح خسرت قلبها واحترقت ذاتها بألسنة دموعها والتي شقت طريقها على وجنتيها بضعف تمكن منها وقتلها .
افاقت من دوامة يأسها وهي تنزل قدميها بثبات لتقف بلحظة بانتصاب على الارض الباردة ، قبل ان تجر خطاها المكسورة باتجاه الحمام المرفق بدون ان تأبه للحطام والذي تناثر من حولها وعلى حياتها وهي تدوس عليه بقوة مثلما داست على قلبها وحطمته معها .
بعدها بدقائق كانت تخرج من غرفتها وهي تتجه مباشرة لباب المنزل والذي لم تعد ترى غيره ، ليوقفها بلحظة الهتاف الامومي من خلفها والذي تخلل بها الخوف الغريزي الخاص بمنبهات الأم
"صفاء !"
زفرت انفاسها بابتسامة ذابلة وهي تستدير نحوها ببطء اخذت منها الكثير من القوة الخائرة ، وما ان اصبحت مقابلة لها تماما حتى نطقت المرأة الحزينة التي وضعت كفها على قلبها هامسة برجفة متألمة
"إلى اين تنوين الرحيل يا ابنتي ؟ وماذا حدث بينك وبين جواد ؟ فقد سمعت صوت حطام وتكسير بغرفتكما من لحظات ! وبعدها لم ارى سوى جواد وهو يغادر المنزل مكفهر الملامح ! هل حدث مكروه لأي منكما ؟"
حركت رأسها بالنفي باهتزاز الدموع التي عادت لتتدفق بمقلتيها بلحظات خائنة ، لتتحرك بعدها لا شعوريا وهي تقطع المسافة بينهما بثواني قبل ان ترمي بنفسها جاثية امام قدميها ، لتتمسك بعدها بعباءتها الحريرية بتشبث وهي تهمس بأنين مترجي بتوسل
"عمتي انا اشعر بالاختناق الشديد من كل هذا ! وإذا بقيت ثانية واحدة هنا سأفقد نفسي وحياتي ! لذا اتوسل إليكِ اسمحي لي بالخروج من هذا القفص الخانق ، ارجوكِ"
اتسعت حدقتيها الواسعتين بصدمة وهي تمسح على رأسها بارتجاف طغى على حركاتها هامسة بعتاب حاني
"بعيد الشر عنكِ يا ابنتي ، ما هذا الكلام المجنون الذي تتفوهين به ؟ هل تريدين ان تصيبيني بسكتة قلبية تنهي حياتي لكي تشعروا بالفرح ؟ يكفي تصرفات جواد المجنونة والمآسي والتي ما نزال نعاني منها للآن ! وانتِ ايضا تخططين لقتلي معهم ؟ لما جميعكم تفعلون هذا بي ؟"
تمسكت اكثر بقماش العباءة وهي تهمس ببكاء نادم
"انا اعتذر يا عمتي ، سامحيني ارجوكِ"
زفرت انفاسها بتعب بغصة ما تزال عالقة بحنايا صدرها ، لتعود بعدها للكلام بعطف وهي تمسح على رأسها المنخفض عند قدميها
"إلى اين تريدين الذهاب يا ابنتي وانتِ ما تزالين زوجته ؟ كيف سترحلين هكذا بدون ان تخبريه بشيء ! انتِ هكذا ستجلبين الألم والمشاكل لحياتك بهذا التصرف الاهوج !"
ردت عليها بسرعة بعزم اكبر بدون اي تراجع
"انا اريد استعادة شتات نفسي يا عمتي ! اريد التنفس قليلا بعيدا عن هذا المكان ! فقط بعض الوقت لي اعيش خارج هذا المنزل ! واعدكِ بأني لن اغيب طويلا"
تنفست باستسلام وهي تهمس بابتسامة هادئة منبعها قلبها الحزين
"لا بأس يا صفاء اذهبي وتنفسي قدر ما تستطيعين ، ولكن لا تتأخري كثيرا بالغياب فأنا قلبي غير مرتاح لهذه الفكرة ، ولكني مع ذلك سأوافق من اجلكِ فقط يا صغيرتي"
هبت بسرعة واقفة على قدميها وهي تمسك بكفها لتقبل ظاهرها باحترام شديد قبل ان تهمس بخفوت رقيق
"ارضي عني يا عمتي ، اعطيني رضائك ولا اريد شيء آخر منكِ ، فأنتِ قد اصبحتِ بمقام والدتي والتي اشعر بها موجودة بداخلك"
ابتسمت بدموع صامتة بوهن وهي تربت على رأسها بيدها الاخرى هامسة بأمومة سخية
"انا راضية عنكِ يا صفاء منذ اللحظة التي دخلتِ بها لهذا المنزل ، وسأبقى راضية عنكِ لآخر يوم بحياتي ، فقط حاولي الابتعاد عن الاذى فأنا لن يحتمل قلبي خسارة ابنة اخرى مجددا !"
رفعت رأسها بهدوء وهي تحتضن كفها بين يديها هامسة بوعد صادق
"انا اعدكِ يا امي"
اومأت برأسها بابتسامة حانية وهي تراقب التي ابتعدت عنها لتكمل طريقها باتجاه باب المنزل وهي تودعها بابتسامة نقية طاهرة ، وما ان اختفت خلف باب المنزل حتى رفعت يديها بدعاء وهي تهمس بقلب مولوع على صغارها
"يارب احمي لي اولادي ولا تصيبهم بمكروه واجعلهم تحت رعايتك وحراستك التي لا تخيب"
اغمضت عينيها على دموعها وهي تربت على قلبها بوهن وغريزتها الحذرة من القادم تشعر بها مثل المنبه بوقت اقتراب الخطر .
_______________________________
كانت تطرق بأصابعها على مذاكراتها فوق ساقيها بتوتر مستمر بدون توقف ، وهي تحيد بنظراتها بين الحين والآخر للسائق بجانبها والذي يبدو بكامل استرخاء قبل ان تهمس بضيق مغتاظ
"هلا اسرعت قليلا ؟ سأتأخر بسببك !"
ابتسم بالتواء طريف تفهمه جيدا وتعرف معناه المبطن خلف ابتسامته الغامضة وهو ما يزال ينظر امامه بدون ان يبادلها النظر ، بينما كانت هي تتميز غيظا لترفع قبضتها بلحظة وهي تضرب بها على كتفه بغضب تملك بها هامسة من بين اسنانها بامتعاض
"توقف عن هذا النوع من الابتسام ! فأنا لست غبية حتى لا افهمك ! أليس كل هذا بسببك ؟ بسببك انت !....."
تقيدت قبضتها بداخل يده التي امسكتها بإحكام وهو يقود بيد واحدة بدون ان يتأثر على سير طريقه ، ليقول بعدها بنظرات حادة اصبحت تلمع بعينيه السوداوين بدون رحمة
"حركة واحدة واترككِ تذهبين للجامعة وحدك ، وعندها فكري كيف ستلحقين بموعد الاختبار قبل ان يفوتك !"
استلت قبضتها بعيدا عنه بعنف وهي تقترب من وجهه على بعد سنتمترات هامسة بخفوت ساخر
"سيكون افضل من البقاء معك يا سيد متذمر ، وقد اجد بطريقي شخص آخر يقدرني ويوصلني للجامعة بكرامتي مرفوعة الهامة"
ضحك بخفوت اجش وهو يعود بنظره للطريق قائلا بنفس نبرتها الساخرة
"اشك بأن يكون هناك شخص يستطيع تحمل مزاجك واستفزازك اكثر مني ! وإذا كان له وجود بهذا العالم فسأكون اكثر من سعيد بتسليمك له !"
تبرمت شفتيها بغضب مكتوم وهي تعود بجلوسها السابق لتكتف بعدها ذراعيها بحالة هدوء تلبسها بلحظة وهي تهمس بجفاء بارد
"يا لصراحتك التي تحسد عليها ! تستحق جائزة على قدرتك الهائلة بتحمل هذه المستفزة لهذه اللحظة !"
حرك رأسه بهدوء وهو يقول بتفكير ماكر
"انتِ على حق استحق جائزة على الجهد المبذول بعلاقتنا الاستثنائية ، وانا ارى نسبة قبلة كل دقيقة تكفيني لأنسى اخطائك واكفر عن ذنبك ! وهذا سيكون منتهى العدل"
زمت شفتيها بصمت وهي تدير وجهها للنافذة بدون ان تعلق على كلامه والغضب الممزوج بالحياء يكاد يؤكلها ، لتعود بعدها للنقر بأصابعها ذات الأظافر القصيرة على المذاكرات بحالة توتر لم تتركها للحظة ، وهي تفكر بالاختبار والذي اوشك على البدء ولم يتبقى له سوى سبع دقائق وهي تتأخر عن موعد جلستها لأول مرة بحياتها .
كان ينظر لها بتأمل صامت قبل ان يتنفس ببرود وهو يقول بتصلب جاد
"اهدئي يا ماسة فهذه ليست نهاية العالم ! إذا حدث وتأخرتِ عن موعد الاختبار يمكننا تبرير سبب تأخرك وينتهي الأمر"
نظرت له بحدة وهي تهمس بامتعاض مستاء
"ماذا تريدين ان اقول لهم ؟ بأن زوجي العزيز قد حبسني بالحمام وكسر القفل فقط لأني سبقته بالدخول ! يا لها من حجة مقنعة ستثير شفقة رئيس القسم وتدمع عيناه على مصيرنا وقد نصبح اضحوكة كُل طلاب القسم !"
عض على طرف شفتيه وهو يكتم ضحكة فلتت منه رغما عنه ليقول بعدها بوجوم عابس
"توقفي عن تصوير المشهد بهذه الطريقة الساخرة ! فما حدث بالحقيقة هو بأن زوجتي الغالية قد ألقت بملابسي بسلة النفايات لكي لا اسبقها بدخول الحمام ، هل هذا تصرف عاقل يصدر من زوجة راشدة ؟ إلا إذا كانت تعاني بخلل بعقلها !"
ضربت على ركبتيها بعصبية وهي تهمس من بين اسنانها بحنق
"لقد تعمدت فعل كل هذا من اجل ان تغيظني وانت تعلم بأنه لدي اليوم فحص نهائي لا يدعي التأجيل ! ومع ذلك استمريت بلعبة التحدي بيننا لآخر لحظة ! حتى وصل بك التحدي لتتجرأ على تمزيق ملابسي التي كنت انوي الخروج بها بعد ان كسرت باب الحمام !....."
ارتفع حاجبيه بانتباه ما ان توقفت عن الكلام عند اهم مقطع بحدث اليوم ، ليقول بعدها بابتسامة ملتوية بمغزى
"اجل هيا اكملي ! وماذا حدث بعد ان كسرت باب الحمام والذي كان عالق وليس هناك طريقة لفتحه سوى بكسره يا ناكرة الجميل ؟ ولكني اريد سماع التكملة بعد ذلك المقطع من القصة والذي اثار فضولي لمعرفة ما حدث !"
ضمت شفتيها بارتعاش وهي تهمس بممانعة صامتة احمرت معها وجنتيها بلون قاني
"لا اريد الكلام اكثر !"
تنفس بابتسامة باردة وهو يتابع كلامه مع نفسه وكأنه يستمتع بلعبة إغاظتها بتلك المواقف العاطفية التي لا تجيد اخفاءها او تقمصها
"لو تعلمين عن الشعور الذي خالجني عندما وقعت عيناي على كل ذلك الجمال المتمحور بحورية بشعر طويل مشعث وببشرة متلألئة فضية تستطيع اللمعان بقاع الظلمة وبسماء سوداء حالكة...هزيلة الجسد والروح...وباردة مثل قطعة جليد قاسية...! هل تظنين بأنني من الجنون حتى استطيع التغاضي عن كل هذا الجمال الفائق النظري والروحي ؟ ولكني اعتذر حقا على تمردي بتصرفاتي حتى تمزقت ملابسك الجديدة والتي لم تكن تليق بكِ !....."
قاطعه الصوت المختنق ببحة الغضب المثيرة والتي تزيد جذوة مشاعره
"كفى يا شادي !"
اخرج ضحكة صغيرة وهو يشعر بحرارة ألسنتها تكاد تصيبه بدون ان ينسى شعور الدفء المنبعث من جسدها باللحظة التي احتضن بها قطعة الجليد بداخل بركان ثائر صهرت الجليد بينهما ، وهذا ما دفع كليهما للتأخر كل هذا الوقت بالخروج وخاصة بعد ان تمزقت ملابسها بحدة المشاعر بينهما وانتقاما منها على افساد ملابسه .
همس بعدها بدون ان يمنع نفسه بخفوت متلاعب على خيوط علاقتهما العاطفية
"هل تشعرين بالخجل يا ألماستي ؟ هل لديكِ الجرأة على الخجل بعد كل ما حدث بيننا من عواطف شرسة وقوانين سحقت تحت جذوة حبنا....."
صرخت فجأة التي غطت وجهها بالكتاب من فورة الغضب والتي خرجت بانتحاب محتضر وكأنها تتلقى تعذيب فاق توقعاتها ، وهو ما دفعه للانفجار بالضحك على شكلها والذي تغير تماما وهو يضحك كما لم يسبق له الضحك من قبل وبمتعة خاصة بها وحدها .
قطع الصمت بعدها بلحظات بهدوء وهو يربت على رأسها بحنية ليخفف من وطأة شعورها قائلا بهدوء مواسي
"لا داعي للحزن يا صغيرتي ، وانا اعدكِ بأن اوصلكِ للجامعة بالوقت المناسب لتخوضي الاختبار بالموعد المحدد ، ولن اسمح لأي شيء بأن يؤخرك اليوم ولو اتحد العالم بأكمله ضدكِ ! لذا ابتهجي قليلا وتوقفي عن هذا التوتر والذي لن يساعدك بحالتك"
انتفضت وهي تميل برأسها بعيدا عن كفه بحالة صمت تام ، ليعود بعدها للقيادة بيديه الاثنتين وهو يقول بهدوء حائر
"لو اعلم فقط لما كل هذا التوتر والحماس لخوض الاختبار المرتقب ؟ فهو مجرد اختبار تافه بالحياة ليحدد مدى ذكائك بمساق التعلم ! لم اكن اعلم بأنكِ تهتمين كثيرا لمثل هذه الاختبارات واكثر من يوم زفافنا !"
اخفضت الكتاب عن وجهها المحتقن وهي تنظر امامها بهدوء لتقول بعدها بابتسامة باهتة
"الأمر ليس هكذا ، ولكني قد تعبت كثيرا حتى وصلت لهذه المرحلة المتقدمة من حياتي ، ولا اريد ان يذهب كل تعبي ومحاربتي من اجل الحصول على شهادة الجامعة هدرا ، فقد عاركت وصمدت طويلا بسبيل الثبات على شيء اريده وعزمت عليه بشدة ، وخاصة بأنها كانت البارقة الاخيرة والأمل بالتحرر من عبودية البشر والعمل من اجلي فقط"
حرك رأسه بهدوء وهو يتمتم بابتسامة جامدة
"هذا جميل منكِ يا قطتي المحاربة ! ولكنكِ قد نسيتِ اهم نقطة بحياتك وهي بأنها قد اصبحت مشتركة مع زوجك واي شيء تريدين المضي به عليكِ بالعودة لاستشارة زوجك ، ألا إذا كان لديكِ رأي آخر بهذا الخصوص تريدين مجادلته معي ؟"
التوت شفتيها بشبه ابتسامة وهي تهمس بخفوت متسلط
"حتى يأتي ذلك الوقت سأفكر بالنقاش معك !"
ادار عينيه للأمام وهو يكمل طريقه بثبات ازدادت سرعتها قائلا برضا
"يروقني هذا ، والآن لدينا سباق بالوقت علينا انهاءه بنجاح !"
ابتسمت برخاء وهي تعود بنظرها للنافذة بحالة راحة تسربت بسلاسل من ضوء لروحها التي تسالمت مع الواقع ، وبغضون دقيقتين كانت السيارة تقف امام مدخل الجامعة ، ليلتفت بعدها نحوها وهو يقول بابتسامة ملتوية بإنجاز
"انظري لقد وصلنا على الموعد تماما وقد تبقى على بداية الجلسة خمس دقائق فقط ، وهذا يعني بأننا لسنا متأخرين كثيرا ولن نضطر للتبرير عن تأخرك ونصبح اضحوكة قسمك !"
اومأت برأسها بابتسامة هادئة وهي تمسك بمقبض باب السيارة بيد والمذاكرات بيدها الاخرى ، لتلتفت بعدها لوهلة وهي تغير مسار يدها لتتمسك بياقة قميصه بقوة ، وبلحظة كانت تقبل خده بقوة غريبة شعر بها تنطبع على خده وهي تهمس بأذنه بامتنان ماكر
"هذه هدية صغيرة على إيصالي للجامعة بالموعد المحدد ، وايضا عقاب صغير على إغاظتي بالصباح !"
عقد حاجبيه بوجوم وهو ينظر للتي ابتعدت عنه وهي تخرج من السيارة بلحظة ، ليقول بعدها وهو يحرك رأسه بحدة عابسة
"ماذا تقصدين عقاب ؟ هل ارتكبتِ ما يسيء لي يا مجنونة شادي ؟"
حركت كتفيها بخفة علامة عدم الاهتمام وهي تشير بأصبعها لخدها لتحفر بها هامسة بنعومة
"تمعن بالنظر جيدا !"
احتدت ملامحه ما ان اغلقت باب السيارة لتغادر بعيدا عنه بلحظات ، وما ان نظر لنفسه بالمرآة الصغيرة بداخل السيارة بمرور عابر حتى اتسعت حدقتيه بصدمة وهو يحدق بالقبلة الحمراء التي انطبعت على خده مثل بصمة سريعة الالتصاق ، ليلتقط بسرعة المنديل من الجارور امامه قبل ان يمسح به القبلة الحمراء بقوة حتى اختفى كل اثر عنها وهو يشعر ببصمتها ما تزال واضحة .
اخفض بعدها المنديل عن وجهه وهو يريح رأسه لمسند الكرسي بابتسامة مسترخية ويده تمسح على خده ذو القبلة الحمراء قائلا باستمتاع مهووس
"جميل عقابكِ يا ألماستي ! ولكني اعدكِ بأن يكون عقابي اجمل منها بأضعاف وبإنصاف عادل"
______________________________
خرجت من بناء الكلية وهي تسير بخطوات ثابتة بهدوء قبل ان تتسمر بمكانها لبرهة وهي تلمح شخص من بعيد...لتضيق بعدها عينيها بتركيز متمعن وهي تتأكد من هوية ما تراه امامها....وبدون ان يعطيها الفرصة للتفكير كانت تقطع المسافة الفاصلة بينهما بصمت احاط بهما معا...وما ان وقفت امامها تماما اخذت منهما لحظات حتى همست صاحبة الملامح الهادئة بخفوت مرتاب
"صفاء ! ماذا ؟......"
قطعت كلامها بلحظة التي عانقتها بهدوء صامت وهي تهمس بسعادة غامرة
"انا سعيدة برؤيتك اليوم ، لقد خفت ألا اجدكِ !"
تغضن جبينها بارتباك وهي تربت على ظهرها برفق هامسة بتوجس خافت
"ولماذا لا تجديني ؟ هل كل شيء بخير ؟"
اومأت برأسها بإيماءة طفيفة وهي تهمس بمودة
"اجل بخير جدا ، ومشتاقة جدا ، وسعيدة جدا"
اتسعت حدقتيها الزرقاوين ببهوت وهي تبعدها عنها بلحظة لتمسك بعدها بذراعيها بارتجاف وهي تهمس بخفوت حاد
"انتِ لستِ بخير يا صفاء ! والدليل هي طريقة كلامكِ وتصرفاتك العاطفية عندما تشعرين بالحزن او الخطر تزيدين جرعة السعادة بكِ وتتصنعين للعالم بأنكِ بأفضل حال !"
حركت رأسها بالنفي وهي تنفض ذراعيها بعيدا عنها لتهمس بعدها بابتسامة متسعة بذبول
"انتِ مخطئة يا ماسة ، فأنا بخير وبأفضل حال ، وماذا يمكن ان يحدث معي مثلا ؟"
احتدت ملامحها وهي تكتف ذراعيها بتصلب هامسة بجدية نافذة
"حسنا إذا كان كلامكِ صحيحاً ، لماذا جئتِ لمقابلتي ؟ وكيف سمح لكِ زوجك الجليدي بالقدوم إلى هنا وهو لم يكن يسمح بدخول الاصدقاء لمنزلك ؟ هل لديك تفسير منطقي لما يدور معكِ ويحدث ؟"
احنت حاجبيها بوجوم وهي تهمس بعتاب حزين
"يا لقسوتكِ ! لقد اشتقت إليكِ وقطعت كل هذه المسافة لمقابلتك ! هل هكذا ترحبين بصديقتك المشتاقة ؟"
عقدت حاجبيها بدون ان تتنازل عن موقفها وهي تهمس بأمر جاد
"كيف سمح لكِ زوجك بالخروج من المنزل ؟ ولماذا قطعتِ كل هذه المسافة لمقابلتي ؟ اجيبِ بصدق يا صفاء ! فأنا صبري معكِ بدأ ينفذ !"
زمت شفتيها بعبوس وهي تحيد بنظراتها جانبا هامسة بقنوط ممتعض
"لقد سمح لي بطريقة ما !"
نفضت ذراعيها للأسفل وهي تهمس من بين اسنانها بجمود شرس
"صفاء ! انا اتكلم معكِ بجدية ! إلى متى ستستمرين باللعب على نفس خيط الكذب ؟ ألا تعلمين بأن خيط الكذب قصير وسرعان ما سينقطع بنهاية المطاف ؟"
حركت رأسها للأسفل بذبول اكتسح سطح ملامحها القاحلة من الدموع التي جفت عليها ، لتهمس بعدها بوهن رقيق وكأنها زهرة ذابلة انكسرت سيقانها
"هل هو ضروري الكلام الآن ؟ لقد تعبت من التبرير والشرح والثرثرة ! كل ما اريده هو العودة لما كنت عليه سابقا ! لقد اشتقت لتلك الروح الشقية وللقلب المحب ! كيف وصل بي الحال هكذا ؟ كيف سلبوني قلبي وحياتي ؟"
غامت ملامحها بصمت وهي تمسك بكفها برفق لتقول بعدها بخفوت وهي تسحبها معها
"تعالي اجلسي قليلا ، فأنتِ تبدين لي متعبة"
سارت معها كما تفعل دائما وكأنها الرادار الذي تتبعه واليد والتي اعتادت على التشابك معها والكتف والتي اعتادت على الاستناد بها ، وما ان وصلت امام مقاعد الاستراحة حتى اجلستها عليها وهي تقف امامها قائلة بتفكير
"هل احضر لكِ شيء يشرب او يؤكل ؟"
حركت كفها بالرفض وهي تهمس بخفوت رقيق
"لا لا اريد شيء ، انا بخير الآن"
عقدت حاجبيها بعدم اقتناع وهي تميل برأسها امامها هامسة بخفوت حذر
"هل انتِ متأكدة ؟ فأنا لا اريد ان يحدث لكِ مكروه بسبب إهمالي ! وبعدها سيظنون بأنني اختطفكِ واعذبكِ بحرمانك من الطعام والشراب ! وانا لا اريد ان اخاطر بالعبث بسمعتي الغير مشرفة !"
ضحكت بحشرجة بدون ان تصل لقلبها وهي تهمس بابتسامة صافية
"لا لن يحدث شيء من هذا ، فلا احد سيتجرأ على التشكيك بسمعة بنات الحارات القديمة !"
ابتسمت بهدوء وهي تستقيم تلقائيا لتتخذ مكانها بجانبها بلحظة ، لتضم بعدها يديها بحجرها وهي تهمس بخفوت شارد احاط بهما بقيود وهمية
"هل تذكرين عندما قطعتِ الصداقة بيننا عندما لم يروق لكِ رأيي بعريس الغفلة ؟ وفعلتِ ما برأسكِ بالزواج من فارس احلامكِ الخيالي ! هل حققتِ حلمكِ الطفولي بالزواج من بطل حكاياتك الخيالية والذي تجسد بذلك الرجل ؟"
شددت على يديها وهي تخفض رأسها بانكسار حتى انسدلت بعض الخصلات الحريرية على جانبيها قبل ان تهمس بغصة مريرة
"بعد تفكير طويل ادركت بأن لا شيء من هذا حقيقي ! لقد ادركت بأن كل شيء من حولي ما هو ألا خيال ابتكره عقلي الباطن ليعيش بسعادة رسمها لنفسه ولمن يعيش من حوله ! ولكن معرفتي كانت متأخرة جدا وبعد ان انغرس السكين بالجرح وتخثر لدرجة لن استطيع بها التخلص من مذاقه او ألمه وكل ما سآخذه معي لما تبقى من حياتي ، فقط اتمنى لو استمعت لكلامكِ بذلك اليوم ! فقط اتمنى لو تمسكت برأيكِ وامتنعت عن الزواج ! فأنا اعلم بأن التمني والرجاء لن يعيد ما فات وسيبقى الندم هو رفيقي بهذه الحياة للأبد"
التفتت نحوها بهدوء وهي تهمس بخفوت مستاء
"هل هو لهذه الدرجة يؤلم ؟ هل ما فعله معكِ يفوق كل احتمال ؟"
التفتت نحوها لتتقابل النظرات بينهما طويلا قبل ان تحرك رأسها بهزة طفيفة وهي تهمس بابتسامة باكية
"اجل"
زمت شفتيها بنشيج بدون ان تعلق على اجابتها الاخيرة والتي وضحت كل شعور مكبوت بداخل كلمة واحدة ، وما ان كانت على وشك الكلام حتى سبقتها التي وضعت يدها على كفيها وهي تهمس بابتسامة مائلة بمرح
"انسي امري الآن ، واخبريني منذ متى توقفتِ عن وضع العدسات اللاصقة ؟ فهي تبدو هكذا اجمل بكثير عليكِ ! لقد اشتقت كثيرا لرؤية لونهما الطبيعي المتفرد والذي كان يميزك عن باقي البشر !"
تجمدت ملامحها وهي ترمش بعينيها الواسعتين بارتباك لتهمس بعدها بوجوم متبرم
"لقد نزعتهما منذ فترة قصيرة"
رفعت رأسها عاليا وهي تهمس بانبهار شارد
"رائع هذا تغيير جميل بشخصيتك ! يبدو بأن هناك البعض يتقدمون بحياتهم للأفضل ، والبعض الآخر تنقلب حياتهم للأسوء ، كل انسان ولديه نصيب وقدر بالحياة عليه بالقبول به !"
عقدت حاجبيها بتصلب وهي تقول بهجوم ضاري
"تتكلمين وكأن حياتكِ كلها مرهونة بهذا الزواج والذي لم يكن هناك اي إشارة تدل على نجاحه وقد اخبرتكِ بذلك من قبل ! ولكن ماذا فعلتِ بالمقابل عاندتِ وقاتلتي من اجل نجاح تلك العلاقة المستحيلة وتحويلها لقصة نسجها خيالك وصدقها ! وعلى ماذا حصلتِ بالنهاية على خذلان وانكسار خسرتِ معها نفسكِ وحبك وشغفك للحياة الجميلة ؟ هل تعلمين من تكون هذه التي اتكلم عنها ؟"
ادارت وجهها للأمام وهي تميل برأسها للخلف هامسة بخفوت باسم
"اجل اعلم تماما من تكون ، انها ماسة التي تحاول وضع نفسها مكاني وتصوير مشاعرها الداخلية بي ، ولكنها لا تعلم بأننا اصبحنا الآن متشابهتين بكل شيء حتى بخذلان من حولنا وكسرنا بعد ان فات الآوان على إصلاحنا ! يا لهذا القدر الذي وضعنا بنفس طريق المتاهة !"
نظرت لها بجمود للحظات قبل ان تقول بعبوس غير راضي
"ليس هذا ما كنت اريد الوصول له !......"
قاطعتها التي قفزت فجأة على قدميها وهي تستعيد نشاطها المعتاد هامسة بتأفف غاضب
"هذا يكفي يا ماسة البائسة ! لقد جئت إليكِ اليوم مخصوص لنقضي سويا اوقاتا ممتعة وليس ان تبدأي بسيناريو اليأس والندم ، فنحن بهذه اللحظات لن نتكلم عن شيء سوى المرح والضحك وألقاء النكات مثل ايام الطفولة البديعة"
ارتفع حاجبيها بدهشة من تقلب حالها المفاجئ وهي تهمس باستنكار عابس
"هل فقدتِ عقلكِ يا صفاء ؟......"
قاطعتها التي هبت واقفة امامها وهي تمسك كفيها هامسة برجاء طفولي
"هيا يا ماسة لا تكوني لئيمة ! هذه فرصتنا لقضاء اوقات ممتعة معا بدون ان يفسد علينا اي احد يومنا المميز ، وايضا اخطط للذهاب لكل الاماكن التي كنا نزورها بالماضي والاماكن التي لم نستطع الوصول لها بسبب ظروف قاهرة منعتنا من ذلك ، ولكن بما اننا متفرغين الآن نستطيع الذهاب لكل الاماكن بقائمتنا والدوران حول العالم ، ولا احد لديه القدرة على إيقافنا او التحكم بنا"
تسمرت ملامحها وهي تحدق بابتسامتها الواسعة والتي اختفى عنها البريق الذهبي الذي يرافقها على الدوام ، لتهز بعدها رأسها يأسا وهي تهمس بتنهد حانق
"حسنا ، لنفعل ذلك"
قفزت بسعادة وهي تشدها لتوقفها بجانبها قبل ان تشبك يديهما معا وهي تلوح بقبضتها الاخرى قائلة بانتصار
"اليوم لنا والعالم ملكنا ، ولن يوقفنا شيء عن مسعانا"
ابتسمت (ماسة) بهدوء وهي تشعر بحماسها ينبعث لها لترفع اصابعها امام شفتيها هامسة بخفوت
"ابتسمي فلا شيء يستحق حزنك"
ابتسمت هذه المرة بصدق لمعت بعيون عسلية اشقاها البكاء والحزن حتى اخذت بالبهوت مثل شموس صغيرة بدأت بالذوبان والانحلال بماء البركة الواسعة التي غربت خلفها واختفت .
______________________________
كانت تجري وهي تلوح بأكياس التسوق بحماس بالغ وكأنها طفلة تخرج لأول مرة للتسوق ، بينما كانت الاخرى التي ترافقها برحلة التسوق تحمل بعض الاكياس وهي تصرخ من خلفها بتذمر حانق
"انتظري يا صفاء ، لقد تعبت من سباق الجري"
توقفت (صفاء) قليلا وهي تتنفس بلهاث متسارع من فرط الحماس ، لتستدير بعدها دورة كاملة وهي تفرد ذراعيها على جانبيها والاكياس تحلق من حولها قبل ان تهمس بابتسامة عريضة ببهجة
"هل تصدقين التحسن الذي طرأ عليّ بعد رحلة الدوران حول العالم ؟ اشعر وكأني ولدت من جديد بروح متفتحة منعشة وقلب ينبض بقوة وحماس ليعيش الحياة والانطلاق بحرية ! وانا اعدكِ بألا نعود للمنزل قبل ان ننتهي من مهمة زيارة كل الاماكن بالعالم وشراء كل ما ترغب به نفسنا...حتى نُخرج كل هموم الحياة وكوادرها من اذهاننا وقلوبنا"
احنت حاجبيها بتعب تخلل بعضلات جسدها وهي تشعر بهذه الرحلة ستنهي على حياتها قبل ان تقضي على همومها ، لتهمس بعدها بخفوت متبرم
"ألم تكتفي بعد ؟ لم اعد اشعر بقدمي تقريبا وانا اكاد استغيث من هذه الرحلة المهلكة !"
حركت رأسها بممانعة صامتة وهي تهمس بنفس الابتسامة المبتهجة التي تكاد تطير بعنان السماء
"لا ليس بعد ! ما يزال الوقت مبكر على التوقف هنا ! لقد اتفقنا بأننا لن نعود للمنزل قبل ان نتأكد من القضاء على كل هموم الحياة الفاسدة والتي لن تثنينا عن اهدافنا التي عزمنا على تحقيقها ، لذا هيا بنا لننتقل للمكان التالي بقائمتنا لليوم"
كانت على وشك التحليق بعيدا باندفاع منطلق لولا اليد التي امسكت بذراعها بلمح البصر وهي تقول بلهاث متعب
"انتظري يا مجنونة ! هل تريدين قتلنا بهذه الرحلة ؟ على الاقل اتركينا نأخذ قسط من الراحة ونستعيد بعض من نشاطنا من كل هذا السباق بالجري والتسوق ! وبعدها نستأنف رحلة الدوران حول العالم عندما نكون قد استعدنا القليل من نشاطنا المهدور"
زمت شفتيها بتفكير قبل ان تهمس بابتسامة رقيقة
"حسنا لا بأس باستراحة قصيرة ، فقط عشر دقائق وبعدها نكمل رحلتنا"
تنفست الصعداء وهي تفلت ذراعها لتقف بعدها عند الجدار الحجري وهي تستند عليه بظهرها بصمت ، وبلحظة كانت صديقتها تفعل مثلها وهي تستند على الجدار الحجري بنفس وقفتها وكأنهما تتشاركان بنفس رحلة الصمت والتي رافقتهما بحياتهما طويلا .
حادت (ماسة) بنظراتها جانبا ما ان شعرت بكفها تمسك بيدها وهي تتبعها بالهمس بابتسامة شقية بسعادة
"شكرا على مرافقتي بهذه الرحلة ، بل شكرا على وجودكِ الدائم بحياتي ، لقد اكتشفت مؤخرا الكثير من الاكاذيب والخداع من اقرب المقربين مني ومن اعطيتهم كل ثقتي وقدمت لهم الكثير من العطايا ، ولكنكِ كنتِ الشيء الوحيد الذي استطعت الحفاظ عليه بعالمي الخيالي ومن بقي على العهد ولم ينكثه ، لذا انا ممتنة للصداقة التي جمعتنا بذلك السن الصغير والذي كان اقصى همومنا آن ذاك هي اللحاق بطابور المدرسة الصباحي !"
نظرت لها للحظات قبل ان تبتسم بهدوء وهي تهمس بخفوت بارد
"عليكِ ان تقدمي امتنانك لعمك قيس والذي بزواجه من والدتي جعلنا نلتقي ، وألا لما استطاعت الظروف ان تجمعنا ببعضنا بأي طريقة لولا زواج والدتي الثاني ، بالرغم من انه كان كابوس مريع بحياتي ولكن وجودكِ قد خفف وطأة مأساة ذلك الزواج ! فكما يقولون من كل معاناة قد تولد سعادة جديدة لا يقدرها سوى من حصل عليها !"
عضت على طرف شفتيها وهي تنظر للأمام لتهمس بلحظة بخفوت سعيد نابع من صميم قلبها الدامي
"انا سعيدة وممتنة لكل الاسباب التي شاركت بلم شملنا معا ، فقد كنتِ انتِ وروميساء نصف عائلتي الاخرى التي ألتجئ إليها بلحظات حزني ووحدتي ، ولكن بما ان عائلتي قد تخلت عني وجميع من اعرفهم قد انكشف على حقيقته ، فلم يبقى لي سواكِ ارحل إليه ولم يبقى لي عائلة غيركِ ألتجئ إليها...وايضا..وايضا لم يتبقى لي شيء جميل اتمسك به غيرك"
ارجعت رأسها للخلف وهي تشرد بنظراتها بعيدا هامسة بخفوت ساخر
"تتكلمين بطريقة عاطفية مخيفة ! إذا استمريتِ هكذا فقد يظنوننا عشاق وليس اصدقاء ، فكل ما يهم العالم هو الظاهر وليس ما تخفيه القلوب وتعلمه الصدور ، فهذا العالم قاسي ومجرد من الانسانية ولن يستطيع التعايش به سوى اصحاب القلوب القوية والنفوذ العالي"
شددت على تشابك يديهما معا وهي تميل برأسها للأمام بحركة تلقائية هامسة بحزن عميق
"انتِ الآن تتكلمين مثل طريقة كلام فتيات المدرسة ! هل تذكرين يا ماسة ؟ لقد كان الجميع يشكك بصحة صداقتنا ونوعها ! وكل من حاولنا صنع صداقة معه كانت تفشل ويتركنا بمنتصف الطريق لأسباب غامضة مجهولة ! حتى تعرضنا لأكبر خيانة من اكثر صديقة وثقنا بها وقدمنا لها كل المشاعر الصادقة والدعم والحب ، ولكن ماذا حدث بالمقابل خانتنا وكسرتنا ولم تقدر المجهود الذي بذلناه من اجل ان نكسبها وندمجها بعالمنا ! ما ازال اذكر كلام سلمى الاخير الذي قالته لنا بعد ان انضمت لفرقة اعدائنا ، لقد قالت بالحرف الواحد : انتما لا تريان احدا ما عدا انفسكما ، الغرور والتكبر قد اعمى بصيرتكما عن رؤية من حولكما ، صداقتكما اصبحت مشكوكة بنظر البعض بسبب اختلاف طبيعة شخصيتكما وحياتكما ، انتما لا تريدان توسيع دائرتكما المنغلقة عليكما فقط ، علاقة مريضة مؤذية لكل من يقترب منها ، انتما غريبتا الاطوار مهووستين بحب انفسكما فقط ، لذا انا اقول بأنكما لن تندمجان مع اي احد بالعالم مع هذا التفكير المتملق الذي تعيشان به . هل يعقل بأن يكون كلامها صحيحا ؟ ونكون حقا غريبتا الاطوار !"
تجمدت ملامحها بصفحة جليدية وهي تميل برأسها للأمام مثلها قبل ان تهمس باستهجان قاسي
"ليس هناك احد غريب الاطوار اكثر من الناس الذين نعيش معهم ! وكل واحد منهم يفكر فقط ويطلق احكامه من منظور طريقة حياته وطبيعة نشأته بدون ان يحاول احد منهم وضع نفسه مكان الآخرين والتي يجدونها صعبة على كبريائهم وإهانة لرتبتهم ، لذا كل ما علينا فعله مع هذه الأشكال والنوعيات الطفيلية هي تجاهلها وسحقها بقوة لأنكِ مهما حاولت تغيير نفسك امامها فلن يتوقفوا عن اطلاق العيوب عليكِ واختلاق الكلام الجارح عنكِ فقط ليعبثوا بعزيمتك قليلا ويثبطوا من كرامتك ، فلا احد يحب ان يكون شخص آخر افضل منه...ولا احد يحب ان يكون شخص آخر ناجح اكثر منه...والفوز يتطلب اولاً الربح امام هذه الاشكال وبعدها يأتي الانتصار الحقيقي ، ولا تنسي بأن تلك الصديقة قد اخذت نصيبها بنفس القدر من الضرر والذي سببته لنا بعلامة لن تزول لبقية حياتها !"
شقت ابتسامة باهتة محياها وهي تهمس بسعادة كبيرة
"كيف لي ان انسى ذلك ؟ لقد كدت تشوهين ملامحها بالكامل لولا تدخل الإدارة والمعلمين ! والجيد بأن الضرر لم يصل سوى لجرح عميق بجبينها فقط ، وألا لما استطعتِ إكمال تعليمكِ بالمدرسة ولكنت تخرجت بشهادة الإعدادية فقط !"
نظرت لها بطرف عينيها بامتعاض وهي تهمس بقنوط عابس
"هل تحاولين الاستهزاء بي ؟ عليكِ ان تكوني شاكرة بأنكِ لم تكوني بدلا عنها وحاولت خيانتي لما خرجتِ عندها من بين يدي حية ! فأنا لا يوجد عندي رحمة او رأفة عندما يتعلق الأمر بجرح بكبريائي او العبث بكرامتي ، لذا احذري جيدا لكي لا يصلكِ الاذى كذلك"
رفعت رأسها بضحكة صغيرة وهي تنظر لها بقوة هامسة بابتسامة متراقصة بمرح
"لن تفعلي ذلك لأني اعرفك منذ كنا بالخامسة من عمرنا ! وانتِ اكثر شيء تجيدين تقمصه هي الشخصية القوية المدافعة عن حقوقها بدون ان يعلم احد عن القلب الرؤوف الذي تحمليه خلف هذه القشرة القاسية ، لذا اثق تماما بأنني سأكون بأمان معكِ مهما ساءت الظروف بيننا ومهما قالوا عنا كلام شائن وجارح فأنتِ ستبقين النصف الآخر لفريق غريبتا الاطوار"
رفعت رأسها بقوة وهي تهمس بحدة
"اخبرتكِ بأننا لسنا غريبتا الاطوار ! هلا توقفتِ عن هذا النوع من الكلام فهو يزعجني ؟"
اومأت برأسها بقوة وهي تبتسم لها ببراءة مستفزة ، لتشيح بوجهها بعيدا عنها وهي تستند بالجدار من خلفها بصمت طوق من حولهما بسحابة كتمت مشاعرهما بداخلها .
كتفت (ماسة) ذراعيها وهي تقطع الصمت قائلة بجدية عادت للطغيان على صوتها
"إذاً هل حان الوقت لتخبريني بما يحدث معكِ مؤخرا ؟ هل يعقل بأن يكون عقد زواجك قد انتهى ؟ او انكِ قررت التحرر من عبودية زوجكِ قبل انتهاء العقد !"
ابتلعت ريقها بجمود وهي تحدق بقدميها بدون اي حياة تجردت من العاطفة التي كانت تفيض بها من لحظة ، لتهمس بعدها بخفوت شديد وكأنها تحفر بالجرح الدامي
"لقد اتصل بي مازن بالأمس"
التفتت نحوها بصدمة وهي تهمس بخفوت متوجس من القادم
"وما لذي يريده منكِ ؟ هل حاول افتعال مشكلة جديدة مع عائلة زوجك ؟ فهذا اكثر ما يفلح به التسبب بالمشاكل للآخرين !"
حركت رأسها بالنفي باهتزاز وهي تهمس بخفوت جاف
"لا لم يحدث هذا ، لقد اتصل بي ليطلب مني العودة معه للمنزل والمجيئ لاصطحابي ! وكلام كثير بلا معنى"
ارتفع حاجبيها بصدمة اكبر وهي تهمس بخفوت متعجب
"حقا امره عجيب ! بالرغم من اني اشك بنوايا طلبه الغريب ! ولكني ارى بأنه لديه وجهة نظر فقد تكون عودتك للمنزل افضل لكِ من العذاب الذي تجرعين نفسكِ به بمرور الأيام ، وخاصة بأنه لم يبقى على عقد الزواج سوى ايام معدودة"
ارتفع رأسها قليلا وهي تهمس بشبه ابتسامة
"هل تعتقدين هذا ؟"
عقدت حاجبيها بضيق وهي لا يعجبها جفاء صوتها لتقول بعدها بجدية هادئة
"وماذا كان جوابكِ على اقتراحه ؟"
تشنجت ملامحها وهي تلتفت نحوها ببطء شديد اخذ منها لحظات لتهمس بعدها بابتسامة طفيفة وهي تحرك كتفيها بخفة
"لا اعلم لم استطع الاجابة بشيء !"
انفرجت شفتيها بانشداه لوهلة قبل ان تتمالك نفسها بسرعة وهي تقول من بين اسنانها باستنكار
"ماذا يعني هذا ؟ هل وافقتِ على طلبه ام لا ؟"
مالت برأسها جانبا وهي تهمس بابتسامة طريفة
"لم اجيب عليه فقد انقطع الاتصال بعدها ، ولم يعاود الاتصال مجددا لأن الهاتف قد تحطم"
احتدت ملامحها بغضب وهي تلوح بذراعها جانبا قائلة بنفاذ صبر
"هل تحاولين اللعب بأعصابي بهذه الاجوبة المبهمة ؟ وهل هو زوجك من حطم الهاتف ؟ وما علاقة مازن بخروجكِ اليوم ! هل تريدين ان احل كل هذه الألغاز بنفسي ؟......"
قطعت هدر الكلام وهي تتمسك بكفها بقوة اكبر هامسة بتذمر طفولي
"كفى يا ماسة ! ألن تتوقفي عن هذه التحقيقات المملة ؟ فقد تواعدنا اليوم بأننا لن نتكلم عن اي شيء له علاقة بحياتنا والتي تكدر علينا يومنا ، فقط اريد ان نكمل الاستمتاع بيومنا وكأننا عدنا اطفال من جديد وبدون ان يوقفنا اي عائق !"
سحبت يدها بقوة وهي تهمس بعبوس ممتعض
"لا اذكر بأني قد وعدتك بشيء !"
عادت لتمسك بذراعها وهي تهزها منها هامسة برجاء شديد
"هيا يا ماسة لا تفسدي علينا يومنا بكآبتك ! هيا يا لئيمة ، هيا بنا"
كانت على وشك الصراخ لولا صوت الهاتف الذي قطع الاجواء بينهما ، لتتراجع بسرعة بعيدا عنها وهي تشتم بغضب
"تبا لكِ"
اخرجت الهاتف من جيب سترتها الجلدية وهي تنظر للرقم المدون بعينين واسعتين ، لتهمس من بين اسنانها بحنق
"ماذا يريد الآن ؟"
بينما كانت (صفاء) تتأمل الشارع بعيدا عنها بغمامة كاسرة عادت لتحاوط مخيلتها وقلبها الذي ما يزال ينبض بالألم لهذه اللحظة بدون ان يتركها شعور الغدر والذي تجرعته من الجميع ، ليشد انتباهها بلحظة الطفلة الراكضة على الطرف الآخر من الشارع وهي تلاحق تدحرج الكرة على الطريق امامها ، لتعتلي ابتسامة واهية محياها بحنين انتزعها من آلامها واعادها لبراءة الطفولة وجمالها .
تصلبت ابتسامتها بجمود ما ان لمحت الكرة وهي تصل لمنتصف الشارع بثواني قبل ان تتوقف عن الحركة تماما...لتتسع حدقتيها العسليتين بوجل وهي تنظر للطفلة التي عبرت الشارع حتى وصلت للكرة الساكنة...وما هي ألا لحظات استيعاب اخذت منها حتى انطلقت تجري نحو الطفلة بعد ان اوقعت مشترياتها ارضا...وكل هدفها اصبح الوصول للطفلة التي احتضنت الكرة بين ذراعيها بسكون وهي تسمع صوت محرك السيارة المقتربة منهما بوضوح على بعد امتار قليلة وكأنها تسابق مع الزمن بين اللحاق بالسيارة وبين ابعاد الطفلة عن الخطر !
وما ان وصلت اخيرا لموقع الطفلة وهي تشعر بالسيارة اصبحت على بعد سنتمترات منهما حتى دفعت الطفلة بكل قوة لترتمي بعيدا مع الكرة التي عادت للتدحرج مجددا...بينما كانت السيارة تحاول التوقف بأقصى سرعة بدون ان تمنع التلامس الذي حدث بينهما وهي تشعر بجسدها يهوي ارضا بثواني بطيئة شعرت بها اطول من شريط حياتها بأكمله...وما ان استقر جسدها ارضا وشعرها ينساب بلطف على محياها حتى انخفض جفنيها ببطء على صورة الطفلة الباكية التي وصلت لها والدتها وهي تحتضنها بخوف وعلى صوت صديقتها الوحيدة وهي تصرخ مع اقتراب خطواتها بنفس خوف الأم على ابنتها ولكنها اكثر دفءً وجمالا
"صفاء !"
وهو آخر ما سمعته اذنيها قبل ان تريح نفسها بنوم هانئ لم تحظى به منذ مدة طويلة وكأنها كانت تنتظر قدومه بفارغ الصبر ليحتضنها بدفء ويربت على اوجاعها ليداوي جروحها بمرهم المشاعر والذي تجرد من البشر .
__________________________
دارت حول نفسها بتوتر وهي تتخبط بكل شيء تصطدم به وكأنها بزجاجة صغيرة انحبست بها وانغلقت عليها بدون اي خيار للفرار من وضعها والذي انحكم عليها بالقبول به ، وهذا حالها منذ اجتماع طلب يدها وزيارة عائلته لمنزلهم بالأمس حتى تحول الكلام لواقع متجسد امامها بدون ان تستطيع ايقافه ، وهي فقط تنقاد وراء الصنارة التي التقطت الطعم واخذتها لخارج محيطها حتى خنقت عنها الاكسجين وحرمتها الحق من التحرر .
تسمرت بمكانها وهي تنظر لصورتها بالمرآة والتي انعكست امامها مثل المصيدة التي اوقعت بفريستها ، لتتقدم امامها بسرعة وهي تتجول برحلة تأمل نفسها من رأسها ذات الشعر المشعث حتى قميصها الصوفي ذو الريش المنفوش بلون الوردي الشاحب ، وكأنها نعامة نفشت ريشها او بالأحرى نعامة قبيحة نزعت ريشها !
تنفست من بين اسنانها بملل وهي ترفع قبضتها امام وجهها تكاد تهشم تلك الصورة امامها لترتاح منها ، لتتلاعب اصابعها لا شعوريا بالخصلات القصيرة المتطايرة وهي تنفخ عليها بضجر عابس وكأنها تلهي نفسها عن التفكير بحدث الأمس بفعل اي شيء ينسيها قدرها البائس .
اخفضت قبضتها بسرعة ما ان اقتحمت والدتها الغرفة بدون سابق إنذار ، لتشدد بعدها على اسنانها بغيظ وهي تهمس لصورتها بخفوت بائس
"الرحمة يا إلهي !"
استدارت بعيدا عن طاولة الزينة وهي تهمس بترحاب مستاء
"صباح الخير يا جالبة التعاسة والحزن ، اقصد صباح الخير يا امي الحبيبة"
كتفت والدتها ذراعيها فوق صدرها بتصلب وهي تهمس بخفوت حاد
"لما هذه التكشيرة يا غزل ؟ هل رأيتِ شبح الموت امامكِ ؟"
حركت رأسها بملل وهي تهمس بابتسامة بريئة
"لا يا امي ، ولكني اعتدت بأن قدومكِ لغرفتي يأتي معه اخبار ليست سارة ، ومن ضمنها اخبار زواجي المنتظر والذي اصبح اكبر همومكِ واهدافكِ بالحياة"
عقدت حاجبيها بتركيز وهي تقول بجمود حازم
"وهل التفكير بمصلحتك بالزواج وتأمين مستقبلك هو اكبر الهموم بالحياة ؟ ألم يحن الوقت المناسب لتزيلي عنكِ رداء الغباء وتفكري قليلا بحياتكِ والتي هدرتِ الكثير منها بلا شيء !"
اشاحت بوجهها جانبا بدون كلام وبعد ان استنزف منها الكلام الكثير على مدار سنوات بدون ان يفهمها احد ، لتتنفس والدتها بهدوء وهي تفك قيود ابتسامتها المتسعة قائلة ببشاشة نادرة
"على كل حال هذا لا يهم ، فقد اتيت لأعلمكِ بتجهيز نفسكِ بسرعة بغضون دقائق لأن خطيبكِ ينتظركِ بالأسفل بغرفة الضيوف ، ولا نريد ان نطيل بالتأخر عليه وخاصة بأنها اول زيارة له بعد طلب يدكِ ، وقد يكون يفكر بتعجيل عقد قرانكما سويا والذي سيحدد خلال هذا الاسبوع"
نظرت لها بضجر وهي تهمس بحيرة
"من هو خطيبي ؟"
ضربتها على ذراعها بقوة وهي تهمس من بين اسنانها بغضب
"انا اقصد خطيبكِ هشام ، لذا توقفي عن التلاعب معي بهذه الطريقة"
دلكت على ذراعها بألم وهي تهمس بخفوت عابس
"ومن قال بأنه خطيبي ؟ نحن لم يحدث بيننا شيء رسمي بعد !"
تصلبت ملامحها بتجهم اكبر وهي تقول باستنكار حاد
"هل تريدين ان تجننيني يا فتاة ؟ إذا لم يكن خطيبك فماذا سيكون يا غبية !......"
قاطعتها بسرعة وهي ترفع كفها بأمر هامسة بخفوت بارد
"استاذي ، هو ما يزال استاذي ، ولن اسمح له بأن يكون شيء آخر بحياتي"
تنهدت بتعب وهي تمسد على جبينها بقهر لتقول بعدها بجمود وهي تعود لصرامتها
"لا تفكري بهذا الآن ، وجهزي نفسكِ بسرعة لتذهبي لمقابلة خطيبك ، فهو ينتظركِ بغرفة الضيوف منذ مدة"
اتسعت حدقتيها العسليتين بوجل وهي تهمس بخفوت باهت برجفة
"هل هو موجود الآن بغرفة الضيوف ؟ لماذا لم تقولي هذا الكلام منذ البداية ؟"
ضربتها مجددا على ذراعها وهي تقول بعبوس غاضب
"لقد اخبرتكِ بذلك يا غبية ، وألا ما لذي كنت اثرثر به طول الوقت حتى انبح صوتي ! هل اعيدها على سمعك عشرين مرة حتى تدخل برأسكِ الفارغ ؟"
تراجعت للخلف بسرعة وهي ترفع يديها بحالة دفاع قائلة بصوت مغتاظ
"حسنا فهمت يا امي ، لا داعي لاستخدام الضرب معي ، يكفي كلامكِ والذي يرميني برجم صخرية"
تجمدت ملامحها وهي تلوح بكفها قائلة ببأس
"قولي ما تشائين ، المهم ان تجهزي نفسكِ وتنزلي حالاً ، وإياكِ والتأخر عن الخمس دقائق"
عقدت حاجبيها بعزم لوهلة قبل ان تحاول تجاوزها قائلة بعفوية
"لما علينا الانتظار ؟ سأذهب لمقابلته الآن والتخلص من هذه الزيارة"
اوقفتها التي دفعتها للخلف بقوة وهي تقول باستهجان عابس
"هل جننتِ يا غبية ؟ تريدين الخروج له بهذه الهيئة ! هل تخططين للتخلص من العريس بهذه الطريقة ؟"
لوت شفتيها بامتعاض وهي تمرر نظراتها على ملابسها قبل ان تعود بنظرها لها هامسة بوجوم
"لا ارى عيب بهيئتي ! وإذا كان يريد الزواج بي حقا ! فعليه اولاً تقبل هيئتي على طبيعتها فهذا الشكل هو الذي سوف يرافقه طيلة حياته"
تراجعت بسرعة بتوجس خشية ان تضربها على ذراعها مجددا لتضرب صدرها بدلا عن ذلك وهي تهمس بضيق يائس
"يا إلهي ساعدني مع هذه البنت المختلة ! لما تحاولين جعل حياتي جحيما ؟ كل ما اريده منكِ ان تتصرفي قليلا كما مفترض ان تفعل ابنة عائلة عريقة ! هل هذا صعب عليكِ ؟ هل كل هذا بسبب تفكيري الدائم بمصلحتك ومستقبلك ؟ لقد عجزت معكِ يا بنت ! حقا انتِ فتاة تعجيزية !"
تمسكت بذراعها بضعف وهي تشرد بنظراتها بعيدا عنها ، لتتابع بعدها كلامها وهي تأخذ أنفاس قصيرة مستعيدة ضبط زمام الأمور
"حسنا ، لا بأس ، لن احاسبكِ على هذه المزحة السخيفة وسأقول بأن لديكِ روح فكاهية ، والآن جهزي نفسكِ جيدا وبعدها اذهبي لمقابلة خطيبكِ والذي سيكون الآن قد استشهد وهو ينتظر حضرتك ، مفهوم ؟"
زفرت انفاسها بجمود وهي تستدير بعيدا عنها لتكمل طريقها باتجاه باب الغرفة بأناقة ، وما ان وصلت عند إطار الباب حتى التفتت بوجهها وهي تهمس بخفوت واجم
"سأعود إليكِ بعد عشر دقائق ، وبهذا الوقت اريد ان اراكِ قد استعددت جيدا لمقابلة خطيبكِ ، لا اريد ان اعيد اوامري اكثر من مرة ، فقد تعبت حقا من مهمة تعليمكِ وانتِ لا تتعلمين !"
كانت تنظر لها وهي تغادر خارج الغرفة وصوتها المتذمر ما يزال يصل لها بوضوح مثل نقر المسمار على الحديد
"تلك الغبية كيف تفكر ؟ تريد مقابلته بشكلها الفوضوي القبيح ! لو كان رجل عامل نظافة فقد يغشى عليه من بشاعة المنظر ! انا متأكد بأن تلك الفتاة قد فقدت عقلها او قد تكون خسرت عقلها مع قلبها !"
غامت ملامحها بهدوء قاتم ما ان اختفى صوتها مع كل الاشياء التي تدور من حولها ما عدا الاصوات التي اجادت نقشها بداخلها بحروق شديدة الألم ، لتستدير من فورها امام المرآة التي كانت تنتظر لقاءها وهي تعود لها بوجه اكثر شحوبا اضافت قبحا على صورتها الحالية ، وكأنه ينقصها رؤية شكلها بهذا الشحوب الحزين والذي سيجلب لها كل الشفقة على الذات والتي عانت طويلا حتى تخلصت منها !
رفعت يدها وهي تملس على خصلات شعرها الفوضوية بنعومة تجردت منها لتكون النقيض عن زيارة الأمس ، لتبتسم بعدها لصورتها وهي ترفع الخصلات بعيدا عن جبينها حتى ظهرت عينيها الحزينتين بلون الاخضر الضبابي قبل ان تهمس بخفوت طريف
"كيف يقولون عن هذا الشكل قبيح ؟ هل وصل الحال بأن نحكم على الآخرين من مظهرهم بدون ان ننظر للجمال الداخلي النابع من قلوبهم ؟ او قد يكون النابع من قلوبهم المشوهة !"
تنهدت بإنهاك وهي تدور بعينيها على عدة التبرج من حولها ، لتعود بنظرها على المرآة امامها وهي تريح كفها على خدها هامسة بابتسامة صغيرة بمكر
"لقد جاء لزيارتي لوحده ، ولا يوجد احد من عائلته معه ، لذا ليس هناك مانع من كشف الحقائق امامه واظهار صورتي الاصلية والمختلفة عن الطالبة الفاتنة التي يعرفها ! وسنرى إذا كان سيغشى عليه كما قالت امي ام يكون صاحب قلب قوي لا يتأثر من هذه المناظر القبيحة ؟"
______________________________
كان يسند يديه على ركبتيه وهو ينتظر لحظة دخولها على نار هادئة بدأت بالتأجج والتسرب خارج روحه...ليتنفس بعدها بقوة وهو يقبض على يديه ببطء تدريجي حتى ابيضت مفاصل اصابعه بانحسار الدماء بهما...وهو يفكر باحتمالية تهربها من المواجهة وادعاء المرض كما فعلت بأيام المحاضرات عندما غضبت منه !....ولكن من المستحيل ان تفعلها او يسمح لها والديها بعد ان اصبح امر زواجهما واقع امامها !...وليس هناك من مهرب من الأمر المحتوم والذي خطط له جيدا لكي لا يحدث به اي تراجع بهذه اللحظات الحاسمة...وسنرى تلك الصغيرة ما بمقدورها ان تفعل للهروب من زواجه ؟
رفع رأسه بانتباه ما ان سمع صوت خطوات حذائها ذو الكعب العالي وهو يطرق على الارض الملساء بنغمتها الخاصة الغير متناغمة والتي تظهر سوء استعمالها لهذا النوع من الاحذية....وما يثبت له اكثر بأنها لا تجيد السير بهذه الاحذية القاسية عليها !....وما ان اختفى الصوت للحظات حتى انفتح باب الغرفة على اتساعه وهي تظهر امامه متكاملة بعد ان احرقت سمعه بصوت حذائيها...لتكون الصدمة الاخرى هو شكلها وهيئتها المتناقضة تماما عن شكل الامس....وهو يشعر بانبهار من نوع آخر ليس له وصف او كلام فقط لحظة تأمل صامت واستيعاب لما تراه عيناه !
وقف عن الاريكة ببطء وهو ينظر لها بتدقيق شديد وكأنه يحاول دراسة نوع المخلوق امامه ومن اي فرقة ينتمي ؟...بداية بشعرها الناعم والذي تحول لفوضى عارمة وكأن احدهم قد عبث بخصلاته او تعرض لصعقة كهربائية ليكون بهذا الشكل الغريب الشبيه بالقنفذ....وهو يحيط بوجهها المنتفخ باحمرار طبيعي بدون اي مساحيق تجميل فقط ازرق شفاه كان يصبغ شفتيها المتكورتين حتى جعلها مثل فاكهة فضائية لا تثمر بعالم البشر...اما ملابسها فقد كانت ترتدي بنطال رياضي واسع مع قميص منفوش من الريش الوردي الشاحب مثل صوص صغير اصطبغ بالألوان الفاقعة ليجني سعرا اعلى عند الاطفال الراغبين بالشراء...فقط الحذاء كان الشيء الوحيد الذي يفسد الصورة المزدهرة بدون ان يعلم موقعه من الجملة او سبب ارتداء الصوص حذاء ؟!
كانت (غزل) جامدة بمكانها وهي ترفع رأسها بإيباء بقوة ظاهرية بينما داخلها يرجف بكل معنى الكلمة منتظرة مصيرها المحتوم من خطوتها المتهورة ، لترمش بعدها عدة مرات برجفة ادراك ما ان اخفض وجهه قليلا بحالة صمت غريبة احاطت بهما سويا ، لترفع حاجبيها بصدمة سمرتها بمكانها لبرهة وهي تسمع صوت ضحكة مكتومة بدأت ترهف اذنيها وكتفيه يهتزان من الضحك الاقرب للهستيري !
ارتخت ملامحها بهدوء من الشد العضلي والذهني وهي تحدق بالرجل امامها والذي اختلف عن استاذها الصارم بتسعين درجة ، وكأنها تنظر لشخص بشوش الوجه جذاب الملامح تتعرف عليه لأول مرة ، وقد تكون ايضا لآخر مرة بعد ان يقرر قطع كل صلة تربط بينهما ! ولا تعلم لما شعرت بكل هذه الخيبة والاضطراب من تفكيرها المطول بالأمر وكأنها ليست نفسها من بادرت بهذه الحركة لتنهي كل شيء بأسرع الطرق والحيل ؟
ابتلعت ريقها بارتباك ما ان رفع نظره نحوها وهو يتوقف عن الضحك فجأة ليتلبس الوجه الصارم المعتاد ، تقدم نحوها عدة خطوات هادئة قبل ان يصبح على مقربة منها وهو يقف امامها تماما ، ليميل بعدها بوجهه امامها بدون مقدمات وهو يتبعها بالهمس بخفوت منبهر
"ما هذا الذي تفعلينه يا اميرة الحيل ؟ هل هي حيلة جديدة تريدين لعبها معي ؟"
اشاحت بوجهها باستدارة بسيطة بدون ان تنظر له ويديها تنقبضان لا شعوريا على قميصها الوردي ، ليتابع بعدها كلامه الهادئ بنبرة باردة
"هل هذه هيئة تخرج بها فتاة امام خطيبها بأول زيارة له ؟ لطالما ادهشتني وابهرتني بتصرفاتك ! ولكنكِ اليوم تخطيتِ المعقول وفاجأتني بتصرفك حد الانفجار من الضحك ! وهذا تغيير ظريف منكِ ان تجلبي المرح والتسلية لنا بعيدا عن اجواء الخطوبة الخانقة والتي حدثت بسرعة !"
زمت شفتيها بامتعاض وهي تهمس من بين شفتيها المتكورتين بغيظ
"لم افعل هذا لكي اضحكك !"
زفر انفاسه بهدوء وهو يلفح جانب وجهها ببرودة حتى احمرت وجنتها بلحظة ليقول بعدها بابتسامة جانبية بمغزى
"انظري إلي يا قطعة السكر ، ام اقول الصوص ذو الحذاء الطويل !"
نظرت له بسرعة بعينيها المشدوهتين وهي تهمس باستنكار عابس
"تقول صوص ذو حذاء طويل ! هل هذا هو التشبيه الوحيد الذي خطر على بالك من رؤية شكلي ؟"
عقد حاجبيه بوجوم وهو يطوف بنظره على ملامحها الطفولية الطبيعية والتي لم يفسدها سوى احمر الشفاه الازرق ، ليقول بعدها بحاجب واحد بتفكير ساخر وهو يجاري الاجواء التي اختلقتها
"وايضا تبدين مثل ساحرة صغيرة لعبت بأدوات السحرة ، او قنفذ منفوش الاشواك وقع عليه دهان الصبغة ، او كرة صوف تدحرجت بالطريق حتى التقطت جميع الاوساخ بطريقها ، او كرة ريش تعرضت لشحنات سالبة وتيارات فوق البنفسجية......"
قاطعته صاحبة الملامح المتيبسة وقد اختطف لونها وهي تهمس بوهن حزين
"هل كل هذه التشبيهات تتكلم عن شكلي ؟ لم اكن اعلم بأنني بكل هذا القبح ! يبدو بأن امي قد اصابت بقصة عامل النظافة !"
تجمدت ملامحه وهو يقول بانتباه شديد
"ماذا بها قصة عامل النظافة ؟"
اتسعت حدقتيها بإدراك وهي تحرك كفها بعشوائية هامسة بتبرير خجل
"لا ليست بالشيء المهم ! لقد كانت مجرد نكتة ! نكتة من نكات امي !"
تصلبت ملامحه بصمت وهو يرفع يده امام وجهها بحذر وهو ما جعلها تقفز للخلف لتحمي وجهها بذراعيها تلقائيا بخوف تمكن منها ، لتتوقف بعدها يده بالهواء وهو يرفع حاجبيه بآن واحد قبل ان يهمس بارتياب
"ماذا دهاكِ فجأة ؟"
اخفضت نصف ذراعيها بارتجاف وهي تهمس بخفوت متوجس
"ما لذي كنت تفكر بفعله ؟ هل تريد صفعي على وجهي لتكون علامة تنهي بها العلاقة بيننا ؟ ام تريد الانتقام مني على افعالي الاخيرة !"
استقام بمكانه وهو يفرد ذراعيه بالهواء قائلا بشبه ابتسامة غامضة
"هل هذا هو مقدار ثقتك بخطيبك ؟ لم يمر على خطبتنا سوى يوم حتى اصبحتِ تشككين بنوايا خطيبك نحوك ! لقد خاب ظني بكِ كثيرا !"
ضيقت حدقتيها العسليتين بتوجس لم يتركها بعد وهي تهمس بخفوت غير واثق
"انا لا اثق بك منذ ان اصبحت استاذي حتى اثق بك وانت خطيبي ؟ يا مدعي البراءة واللطف ! يا صاحب الرقي والجاذبية !"
عقد حاجبيه بتركيز حاد وهو يهمس بجمود
"اعتذر لم اسمعكِ جيدا ، هل كنتِ تتكلمين عني للتو ؟"
انتفضت بخوف وهي تحرك رأسها بالنفي هامسة بتفكير ملتوي
"كنت اتساءل عن سبب انقلابك هكذا فقد اصبحت تصرفاتك غريبة مؤخرا ؟"
حرك رأسه بهدوء وهو يهمس بتسلي واضح
"هل هو انقلاب للأفضل ؟ ام نغير الاسلوب لشيء آخر يناسب مسار علاقتنا الجديدة !"
هزت رأسها بالنفي بسرعة وهي تهمس بخفوت مرتبك
"لا تفعل ، اقصد انت هكذا افضل استمر على هذا المنوال"
ابتسم بهدوء وهو يرفع يده نحوها قائلا بابتسامة ساحرة
"حسنا هيا اقتربي امامي ، فلن استطيع التحدث معكِ من هذه المسافة وكأننا اغراب ، علينا ان نعتاد على الحياة الزوجية من الآن مثل تجربة اختبار قبل الدخول إلى الاختبار الحقيقي"
عضت على طرف شفتيها بجزع وهي تهمس من بينهما بقنوط
"لا شكرا ، اُفضل صنع مسافة امان بيننا من اجل الحالات الطارئة ، فلا تعلم قد اصيبك بأشواك القنفذ او اقتلك بتياراتي الفوق البنفسجية !"
حرك يده امامها بإصرار وهو يكرر كلامه بأمر بدون اي انفعال
"هذا لم يكن طلب بل هو امر من زوجك المستقبلي ، وإذا لم تنفذي امري فقد انقلب لشيء آخر لا يتضمن اللطف واللباقة والتي اتعامل بها معكِ !"
تنفست بضيق وهي تتقدم عدة خطوات امامه بتردد شديد وكأنها تقترب من محور الخطر الحقيقي ، لتقف بعدها امامه منكسة الرأس قبل ان يتشنج ذقنها الصغير ما ان استشعر اصابعه الصلبة التي رفعت رأسها برفق حتى مستوى وجهه ، اتسعت حدقتيها باهتزاز طفيف وهي تتبع الكلام الذي خرج من شفتيه بخفوت اجش
"ما لفائدة التي ستجنيها من كل هذا العناد يا غزل ؟"
انفرجت شفتيها ببلاهة قبل ان تضمهما بذات اللحظة ما ان شعرت بأصابعه ترتفع لشفتيها ، لتشعر بلمستها الرقيقة تمسح على شفتيها عدة مرات بدون ان تصدر اي حركة وكأنها تمثال تحنط تحت سطوة رقة مشاعره ، وما ان توقفت الحركة على شفتيها حتى رفع اصبعه امام نظرها والذي كان قد انطبع بلون الازرق المريع وهو يقول بانبهار مزيف
"انظري لنفسكِ الآن ، لقد مسحنا عنكِ القبح الذي كان يفسد شكل وجهكِ الطفولي ، وإذا حاولتِ العبث بشكلك مجددا بتلك الطريقة الخرقاء فلن اسامحكِ عليها ، سمعتي يا غزل ؟"
زمت شفتيها بارتجاف وهي تهمس بخفوت شارد
"لقد اصبحت تخيفني جدا يا هشام ! ما لذي يدور برأسك بالضبط ؟"
تغضنت ابتسامته وهو يعود لسماع اسمه من شفتيها من جديد بتلك النغمة المنكسرة التي لا تخلو من الحزن ، ليربت بعدها على خصلات شعرها المتشابكة وهو يحاول تهذيبها قائلا برفق
"بعد كل ما جرى بيننا من احداث ومشاعر تخطينا بها مرحلة التعارف ما تزالين تخافين مني ؟ ما هو الشيء الذي تخافين منه بالضبط !"
حركت رأسها للأسفل وهي تهمس بخفوت متردد
"هذه هي المشكلة بأننا الآن نعرف بعضنا اكثر من اي وقت مضى ! وبعد كل ما حدث وفعلت ما تزال تتصرف بطبيعية ؟ وهذا يخيفني اكثر من كونك تكرهني او تبغض وجودي !"
تسمرت يده فوق رأسها لوهلة قبل ان يستمر بتهذيب شعرها الفوضوي وهو يقول بهدوء غير مبالي
"لا تهتمي لهذه الأمور فهي لم يحن وقتها بعد ! لذا استمتعي بفترة الخطوبة بقدر ما تستطيعين ، واتركي كل شيء وراء ظهركِ وكل شيء قد يعكر عليكِ صفو هذه السعادة ، وانا بنفسي سأهتم بأن تكون هذه المرحلة من حياتك لا تنسى وتبقى عالقة بالذهن للأبد"
رفعت رأسها بسرعة وهي تهمس بخفوت مرتبك
"ولكن ماذا عن رسالتك الاخيرة ؟ وكلامك ذاك....."
قطعت كلامها بتأوه متألم ما ان تشابكت اصابعه بخصلاتها القصيرة ، ليفك بسرعة ترابط الخصلات عن اصابعه وهو يهمس بابتسامة ممازحة
"يا إلهي ! هل آلمتك كثيرا ؟"
حركت رأسها بتألم واضح وهي تتراجع بسرعة هامسة بخفوت
"لا ، انا بخير"
رتبت خصلات شعرها المتطايرة والتي تقصدت جعلها بكل هذا التجعد والذي انقلب عليها وآلمها ، لتنظر بعدها ناحية الذي قال بابتسامة مائلة بهدوء
"حقا شعركِ قد اصبح شبيه بأشواك القنفذ ! لقد شعرت بانحسار الدماء بأصابعي وكأنها اسلاك التفت حول اصابعي"
عبست ملامحها بتجهم وهي تعيد خصلاتها لخلف اذنيها هامسة ببرود
"هذا عقابك على العبث بشعري ! وايضا لم تخبرني لما اتيت لزيارتي اليوم ؟ وقد كانت زيارة عائلتك بالأمس !"
حرك رأسه وهو يدس يديه بجيبي بنطاله قائلا بجدية هادئة
"لقد اتيت لأحدد معكِ يوم عقد القران بهذا الاسبوع !"
ردت بسرعة بهمس ذاهل
"بهذه السرعة !"
اومأ برأسه بقوة وهو يهمس بهدوء جاد تغيرت معه نبرة صوته الصارمة
"اجل ، فلم يعد هناك داعي للانتظار اكثر بما اننا نعرف بعضنا جيدا ولدينا خلفية كاملة عن سجل شريك حياتنا ، وقد قررت ان يكون منتصف الاسبوع هو موعد لعقد القران يعني بعد يومين ، ولا اعتقد بأنه لدى احد اعتراض بهذا الخصوص"
ارتفع حاجبيها بدهشة وهي تهمس باستنكار عابس
"ماذا ؟ واين هو النقاش بين الطرفين على تحديد الموعد ؟ انا ارى بأنك قد قررت من تلقاء نفسك بدون الرجوع للطرف الآخر بهذه العلاقة ! وانت اتيت فقط من اجل ان تعلن عن الموعد المتفق والذي عليّ الرضوخ له !"
ابتسم بغموض وهو يقول بجدية هادئة بعثت القشعريرة بأوصالها
"ليس لديكِ مجال للهروب او التراجع ، فقد تقرر الأمر وانتِ ملزمة على القبول"
ابتلعت ريقها بارتعاش وهي تهمس بخفوت مشتد
"ماذا يعني هذا ؟"
تنفس بهدوء وهو يقترب منها بخطوتين ليحط بكفه على رأسها بلطف قائلا بمودة
"لا تشغلي عقلكِ بشيء يا صغيرتي ، وايضا لما الانتظار اكثر فهذا العقد سيحدث بكل الأحوال ؟ فلا تنسي مقولة خير البر عاجله"
اومأت برأسها باهتزاز وهي تتراجع للخلف بصمت بعيدا عن كفه التي تركتها معلقة بالهواء مجددا ، وما ان طال الصمت بينهما دقائق اخرى حتى قال الذي اخفض يده بهدوء جاف
"حسنا ، توجب عليّ الرحيل الآن ، ولا تنسي موعدنا بعد يومين ، لذا جهزي نفسكِ جيدا بدون اي حيل كما فعلتِ اليوم"
اومأت برأسها مجددا وكأنها نعامة بلاستيكية لا تعرف سوى الإيماء برأسها بدون اي ردة فعل اخرى ، ليتلبس بعدها ملامح البرود الصخري وهو يتجاوزها بهدوء صامت ، وبلحظات كانت تصل له بسرعة وهي تمسك بذراعه بهجوم صارخة بوجل
"انتظر يا هشام ، لا تخرج !"
التفت برأسه بحاجبين مرفوعين بصدمة وهو ينظر للتي تحركت بعيدا عنه لتطل برأسها من باب غرفة الضيوف بحذر ، وما ان انتهت حتى تنفست براحة وهي تستدير امامه لتضع كفها بجانب شفتيها هامسة بطريقة شقية وكأنها تخفي جريمة
"انا سأخرج قبلك ، وانت عليك ان تنتظر دقيقتين بمكانك وبعدها تخرج ، حسنا !"
اومأ برأسه بارتياب بدون ان يفهم سبب تصرفها الغريب ! ليتابعها بعدها بنظراته باهتمام وهي تخلع حذائيها ذو الكعب العالي بحرص قبل ان تمسك بهما بين ذراعيها ، لتتجه من فورها لباب الغرفة وهي تسير على اطراف اصابع قدميها بطريقة هروب المشاغبين والذين يحاولون تخطي الامساك بهم بعد عودتهم من خارج المنزل ، وما ان خرجت من باب الغرفة بتسلل حتى لوحت له بقبضتها المضمومة الصغيرة وهي تشير بأصبعها الإبهام بانتصار هامسة عند شق الباب بتنبيه محذر
"لا تنسى انتظر دقيقتين"
استمر بتسليط نظراته عليها بدون إجابة وهي تسحب ذراعها من خلال الباب قبل ان تختفي اصواتها تماما وخاصة بأنها تسير حافية القدمين ، وبلحظات كان يبتسم بلا وعي لتتحول لضحكة صغيرة مرحة تختلف عن الضحكة الأولى بأول رؤيتها امامه ، لتتلبد ملامحه فجأة بدون سابق إنذار وهو يرفع يده امام نظره ليحدق باللون الازرق الذي انطبع على طرف اصبعه ، ليقول بعدها بهدوء جاف بدون اي حياة
"هناك الكثير بانتظارنا يا ساحرتي الصغيرة ، ولكن هل يملك قلبكِ الخائن القدرة على الاحتمال ؟"
_______________________________
كانت تجلس على مقاعد الانتظار وهي تضم ساقيها بجانب بعضها البعض وتكتف ذراعيها بجمود ونظراتها تشرد بلا هدف او تفكير...بينما عقلها يموج بسحابات مزاجية متقلبة بدون ان تستقر على مرسى ينجيها من كل هذه الامواج التي ابتلعتها بموجة هادرة...بعد ان رأت شخص قريب منها يتعرض للموت من جديد وهي التي لم تنسى حادثة فقدان شقيقتها وليدها والتي كانت ستخسرها معها...وكأن الموت يصر على لف حباله حول كل المقربين من حولها لتخسرهم جميعا وتبقى وحيدة بهذا العالم...العالم الذي لم ينصفها يوما وهو يأخذ جميع المقربين منها بدون ان يأخذها معهم او يضمها لهم !...وهي التي شهدت على مدار سنوات معاناة الفراق والألم سواء فراق المقربين منها او فراق التي تربطهم بها معرفة قصيرة...لقد كانت تعلم بأنها مصدر اللعنات على الجميع بسبب تأذي وفراق كل من تعرفهم ودخل لعالمها المظلم حتى تأكدت بأنها الشخص الملعون والذي يقتل جميع من حوله بقربه....ولكنها هذه المرة رأت بعينيها صديقتها المقربة التي من المفترض ان تسعدها وتكون الملجئ لها بعيدا عن اذى حياتها الواقعية والتي ما ان افلتت يدها حتى تلقاها مصيرها المؤلم...وكأنها الحقيقة التي تشب مخالبها بحياتها وهي تترصد لها بكل مكان وواقع تحيى به لكي تبرهن لها اكثر بأن وجودها بهذا العالم هي السكين والألم والذي سينغرس بكل من تعرفهم .
اخفضت رأسها بسكون وهي تسدل جفنيها ببطء تحجب تشوش الرؤية عن بصرها ولسعة الألم بروحها...فلا احد يعلم معاناة الذنوب التي تحملها معها منذ دخولها لذلك العالم مثل بصمة عار تكللت فوق جبينها....وهي التي تشعر بها مثل عقاب تدفع ثمنه برؤية جميع من تعرفهم يتألمون كما شاهدت وشاركت بآلام الآخرين وكانت فرع بخطة تدميرهم بدون ان يرحمها القدر وبأنها كانت مجرد اداة بتلك المآسي التي حدثت مع الناس...ولكن كيف سيستطيع مجرم ان يكفر عن هذه الذنوب ويمحيها من قاموس حياته ويوقف هذه المآسي عند حدها ؟!
تغضن جبينها برعشة سرت على كامل جسدها وهي تستشعر طنين الهاتف بجيب سترتها وهو يهز جسدها بحركة لا إرادية ، لتفتح بعدها جفنيها بهدوء صامت وهي تحشر كفها بجيب سترتها عند مصدر الاهتزاز ، وما ان رفعت الهاتف امام نظرها حتى غامت ملامحها بسحابة حملت كل الاحزان والوجع والذي يسكن تلك العينين الزرقاوين الباهتتين ، وبعد عدة لحظات كانت تجيب على الهاتف وهي تضعه على اذنها بحذر شديد ، ليحتل الصمت دخيل بينهما لثواني قبل ان يخترق الصوت الغاضب سماعة الهاتف وهو يقول بقوة قشعرت بدنها
"لما لا تجيبين على الهاتف ؟ ولماذا قطعتِ الاتصال بيننا فجأة قبل ان تنتهي المكالمة ؟ هل جننتِ لتفعلي هذا معي ؟ هل تعلمين شعوري وانا اكرر الاتصال بكِ عشرات المرات والشكوك تدور برأسي بدون ان ترحمني ؟ حقا انتِ فتاة غير طبيعية ! غير مسؤولة ابدا ! دائما تجلبين للعالم الخوف والألم لكل المقربين منكِ ! ماذا افعل بكِ الآن ؟"
تجمدت ملامحها بصمت وهي تقبض على يدها الحرة ما ان شعرت بنيران كاوية تندلع بروحها من جديد وهو يذكرها بما كانت تفكر به من لحظات ، ليعود صوته ليقصف بأذنها بقوة انتشلتها من افكارها وهو يقول بنبرة اكثر خفوتا
"ماسة هل انتِ معي ؟ اجيبِ بكلمة تطمئن هذا الرجل الذي يكاد يقتلكِ على تصرفاتك المتهورة !"
زفرت انفاسها ببعض الهدوء الذي استطاعت استدعاءه بلحظة وهي تهمس بكلمة واحدة
"اجل"
صمت للحظتين قبل ان يعود صوته للخروج بخفوت اجش
"هل انتِ بخير ؟"
اومأت برأسها وكأنه امامها وهي تكرر الهمس بخفوت
"اجل"
وصلها صوت انفاسه وهو يهمس براحة بعثت الدفء بحنايا روحها
"الحمد لله ، لقد ظننت بأن مكروه قد اصابك بسبب انقطاع الخط بيننا فجأة !"
زمت شفتيها بارتجاف وهي تهمس من بينهما ببهوت جاف
"هل انا كذلك حقا ؟"
عقد حاجبيه بحيرة وهو يجيبها بوجوم حاد
"انتِ ماذا ؟"
زفرت انفاسها بقوة اكبر وهي تشدد من القبض على يدها هامسة بخفوت مشتد
"هل انا كما قلت عني الآن ؟ هل انا مصدر مشاكل وإزعاج ؟ هل انا سبب كل اذى وألم يحدث مع المقربين مني ؟ هل وجودي بالعالم وصمة عار ولعنة على كل من يقترب مني ؟ هل يجدر بي الاختفاء ليكون راحة لي ولجميع من حولي ؟ هل انا كذلك يا شادي ؟"
غيم الصمت بهما طويلا بطول المسافة التي تفصل بين الطرفين بدون ان توصل المشاعر لهما ، ليقول بعدها وهو يخرج عن صمته بحزم جاد وصلت لها وكأنه متجسد امامها
"يا لخيالك الواسع يا عزيزتي ! انتِ حقا لعنة موصومة بهذا العالم الذي يرغب بالحصول على نظرة عابرة او اهتمام منكِ ! وقد تكونين ايضا سبب اذى او ألم يتعرض له المقربين منكِ ! ولكن المشكلة ليست بكِ يا ماسة بل المشكلة تكمن بالعالم الذي لم يفهمك يوما واخطئ بالظن بكِ حتى جعلك بهذه الصورة السيئة بنظرهم ، وإذا كنتِ تريدين السير على رغباتهم واهدافهم فلن يبقى هناك احد بالعالم على قيد الحياة بسبب تقبلهم الهزيمة وألقاء نفسهم للتهلكة ، وتذكري دائما بأن اذيتكِ للآخرين ليس عليها ان تكون بالموجز سوء لهم فقد تكون منجاة لهم من مأساة او تعاسة بدون ان تدركي ! كما انتِ منجاتي بدون ان تعرفي ! هل اشرح اكثر اهميتك بهذا العالم ام هذا كافي لتخرجي هذه الافكار الشيطانية من رأسك ؟"
زحفت الابتسامة على طرف شفتيها بارتجاف وهي تعيد خصلات شاردة لخلف اذنها قبل ان تهمس بخفوت مبتسم
"لا هذا كافي ، شكرا لك"
ردّ عليها من فوره بصوت عابث
"فقط شكرا ؟! بعد كل الموشح الذي قدمته لكِ من لحظة وكلام يستطيع اذابة الصخر من جماله ! كل ما استطعتِ الرد عليه هي شكرا ! حقا انتِ انانية يا عدوة العاطفة !"
عضت على طرف ابتسامتها وهي تهمس بغيظ
"بعد كل العطايا التي قدمتها لك ما تزال تقول عني انانية يا وقح !"
ضحك بقوة تردد صداه بالهاتف وملئ فراغ الصمت وهو يضيف على كلامها بمرح بعد ان غير مجرى الحديث بجمال العلاقة التي بدأت تنمو بينهما
"انتِ لستِ فقط انانية بل بخيلة بدرجة لا تصدق ! عندما تبخلين على زوجك بقبلة التي تكون جزء من حقوقه الزوجية ، فأنتِ إذاً قد تجاوزتِ البخل والجشع الحد المعقول !"
ارتفع حاجبيها بانتباه وهي تمسك خصرها بكفها الحرة قائلة بترفع
"انت لا تنتظر قبلات بل تأخذها عنوة ! عليك التكلم عن نفسك قبل اتهام الآخرين بجرائمك ! يا مجرم العاطفة"
ابتسم بهدوء وهو يقول بصوت متلاعب بمكر
"ليس ذنبي بأنني عديم الصبر واملك عواطف كاسرة اتجاه زوجتي ، فأنا اجيد كل شيء معكِ ألا ممارسة الصبر مع رغباتي !"
ابتسمت بهدوء وهي تملس على خصلاتها خلف اذنها بشرود ، ليقطع الصمت مجددا وهو يعود لتقمص الشخصية الجادة قائلا بجمود
"إذاً هل ستخبرينني الآن عن مناسبة كلامك من لحظات ؟ هل تعرضتِ لحدث ما اثر على نفسيتك ؟"
تنفست بارتجاف وهي تجول بنظراتها بالرواق الفارغ هامسة بكل ما تستطيع من ثبات
"لا كل شيء بخير يا شادي ، ولكن هناك شكوك كانت تساور عقلي ، وتعلم جيدا بأنني فتاة مزاجية وتنتابني حالات من الشك تفسد عليّ نفسيتي ، لذا اعتذر إذا كنت قد ازعجتك او جعلتك تقلق بسببي"
زادت انفاسه حدة عبر الهاتف وهو يقول بجفاء ساخر
"تقولين جعلتني اقلق ؟ انا دائما اقلق بشأنك يا ماسة إذا كنتِ امام عيني او بعيدة او بالطرف الآخر من العالم ! واتمنى حقا ان تحكمي عقلك اكثر بالمواقف وتتوقفي عن الاندفاع المجنون الذي تتميزين به ، فأنا لن استطيع مرافقتك او مراقبتك لكل مكان تذهبين له ، وهذا كل ما ارجوه منكِ لكي اتوقف عن القلق واستطيع الثقة بكِ اكثر !"
ابتلعت ريقها بانقباض عبثه بدواخلها وهي تهمس بتأكيد
"حاضر"
عاد للكلام بسرعة وهو يقول بأمر جاد
"صحيح لما فصلتِ الخط بوجهي ؟ هل هذا تصرف لائق تفعلينه مع زوجك ؟ اعطيني القليل من الاحترام يا مجنونة !"
تشنجت ملامحها لوهلة قبل ان تهمس بعبوس متصلب
"لا ليس هناك شيء مهم ، فقط وقع مني الهاتف بالخطأ وانقطع الخط ، وايضا أليس لديك عمل تنشغل به حتى تتصل بي بكل دقيقة وكأنني مجرمة معتقلة عندك ؟"
ردّ عليها بلحظة بجمود بدون ان يجاري مزاحها
"واين انتِ الآن ؟ هل عدتِ للمنزل ام لا ؟"
حركت رأسها بارتباك وهي تتجول بنظراتها بالرواق الفارغ ألا من بعض الاطباء المنتشرين بالممرات ، لتقول بعدها بسرعة بحزم بدون ان تظهر الرجفة بصوتها
"لا انا الآن خارج المنزل ، بالحقيقة ذهبت مع صديقتي لقضاء مصلحة ولن استطيع العودة حتى وقت متأخر"
احتدت ملامحه بتصلب وهو يقول بتساؤل جاف
"وما هو نوع هذه المصلحة ؟ ولما لم تخبريني بذلك ؟"
عضت على طرف شفتيها بتوجس وهي تمسد على صدغها بأصابعها هامسة بخفوت حانق بتعمد
"لما كل هذه الاسئلة الفضولية ؟ هل تعلم بأنك تتجاوز الآن مساحتي الخاصة ؟ وايضا لقد حدث الأمر بسرعة ولم اجد الوقت الكافي لأخبارك !"
صمت للحظات قبل ان يجيب باستياء واجم
"حسنا يا ماسة ، ولكنكِ موعودة معي بحوار مطول سيجري بيننا بوقت عودتك للمنزل ، ولا تنسي الاتصال بي عندما تقررين العودة للمنزل لأصطحبك معي ، وإذا لم تفعلي ما اخبرتكِ به فسيكون حسابكِ معي عسير"
انفرجت شفتيها بارتعاش مندهش وهي تريد الهمس بانفعال متجهم تلون بوجهها المحتقن ، لتبعد الهاتف عن اذنها بسرعة ما ان اكتشفت انفصال الخط بوجهها كما فعلت معه سابقا ، لتهمس بعدها مع نفسها باستهجان عابس
"هل فصل الخط بوجهي كما فعلت معه ؟ سحقا لهذا !"
تنفست عدة مرات بهدوء وهي تستعيد ثباتها الضائع بعد مكالمته والتي غيرت الكثير من نفسها المضطربة ، لتدس بعدها الهاتف بجيب سترتها وهي تنهض عن المقعد بصمت ، وبلحظة كانت تجر الخطى بالممر الفارغ والذي اعتادت على السير به بكل مرة يتعرض بها احدهم لحادث قبل ان يليها الموت المصيري .
وقفت امام حوض المغسلة وهي تدير صنبور الماء بقوة ، وما ان بدأ الماء بالتدفق بسرعة حتى غرفت منه بيديها قبل ان تدفعه على وجهها الشاحب وهي تعيد الكرة عدة مرات ، والصوت بعقلها يعود ليوصم بروحها بشباك عتيقة ما تزال تسمعها بوضوح لهذه اللحظة
(سيموت يا عمي قيس ! إذا استمريت اكثر سيموت ! انه يموت يا عمي قيس ! ارجوك اتركه ، كفى ، كفى !!)
اغلقت صنبور الماء بقوة ليتوقف هدر الماء بلحظة قبل ان تمسح على وجهها بكفيها بارتعاش والبرودة تحيط بعالمها المظلم ، وصور كثيرة تختلط بذلك الماضي من تعذيب وقهر وقتل ونهب شاركت بهم وكانت العنصر الاساسي بكل جريمة تحدث ، ولم تعلم بأن الدموع الخائنة قد شقت طريقها على وجنتيها المبتلتين بماضي مؤلم لم يتركها وشأنها للحظة ، وهي تدفع ثمن كل خطأ ارتكبته وكل شاهدة رأتها بعينيها للباقي من حياتها وبرؤية عذاب كل من حولها وهم يعانون ما جربه الآخرين من قبلهم .
_____________________________
كان يقود بسرعة قياسية بسيارته التي تشق طريقه مثل وحش كاسر فقد زمام السيطرة عليه...وهو يمسك بالهاتف بجانب اذنه بيد ويقود السيارة بيده الاخرى بثبات يحسد عليه....وما ان ذاق ذرعا من الاتصال الذي لم يجدي نفعا حتى ألقى بالهاتف على المقعد بجواره وهو يشتم بغضب...ليتنفس بعدها بثورة مشتعلة تكاد تقتلع احشاءه بحريق نشب بصميم روحه والتي بدأت تنتشر مثل ألسنة اللهب والتي تنثر برمادها وحجارتها المنصهرة بكل مكان بدون ان ترحمه...وكل هذا قد بدء منذ اللحظة التي دخل بها للمنزل بوقت ما بعد الظهيرة عندما لم يجدها بمكانها كما تركها....ليكتشف بعدها بأنها قد غادرت المنزل بالصباح الباكر وتحديدا بالوقت الذي خرج به من المنزل بعد ان تركها جريحة كسيرة....ولم يظن للحظة بأنها قد تقدم على مثل هذه الخطوة الجريئة وتحاول كسر حواجزه بهروبها من المنزل بدون علمه بعد ان خرقت القوانين والتي وضعها بفترة زواجهما !...ولكن هل السبب هو خضوعها الدائم امامه مثل حمامة اسيرة حتى استبعد تماما فكرة هروبها من حصونه او محاولة تسللها خارج جدران منزله ؟....وكان تصرفه الاخير معها هو السكين التي انغرست بقلبها وقتلته بقوة العلاقة التي جمعتهما معا بتلك الليلة الكارثية !
شدد على عجلة القيادة بقوة وهو يزيد من قتامة ملامحه الساكنة التي تحجب فوهة بركان ثائرة بداخلها ، ليضرب بعدها على المقود بغضب مكتوم يهدد بالانفجار الوشيك ، وهو يستعيد كلام والدته الحزينة والتي تظهر مدى العتاب والغضب والتي تحمله بكلماتها التي لا ترحم
"اعرف بأنك تبقى ابني ومهما فعلت وبدر منك فلن استطيع إيقافك او ضربك كما كنت افعل معك عندما كنت طفلا ! ولا يعني بأنك اصبحت راشد ومسؤول عن نفسك ومتزوج لا استطيع تأنيبك وتسليط غضب الأم عليك ! فأنا كما اخبرتك عند موضوع صفاء لن اتسامح معك او اصفح فتلك الصغيرة قد ذاقت منك الكثير وما تزال بسبب ذنب لم ترتكبه ولم تعرفه ! بالرغم من اني حذرتك من قبل ألا تكسر وتعبث بقلبها المحب ولكنك لم تتوقف بل زدت بأذيتها ! لذا كل ما اطلبه منك الآن ان تجدها وتعيدها لي سليمة كاملة ، وإذا لم تفعل يا جواد فلن تدوس قدمك هذا المنزل ولن تدخله بدون ان تكون معك وقدمك على قدمها ، وهذا آخر كلام عندي يا جواد ، وانت حر بما تفكر بفعله الآن ، فقط اعيد لي ابنتي ، اعيدها كما تركتها"
زفر انفاسه بقهر مكبوت وهو يصارع مع كلام والدته المحمل باللوم والغضب بكف وما ارتكبه بحق زوجته بكف اخرى...وهو ما يزال يسمع انينها الباكي الذي لم يخرج من رأسه...وسخونة مشاعرها التي ألهبت الاجواء بينهما...ونعومة مشاركتها بتلك العلاقة لأول مرة مثل رقة وسلاسة النهر المتدفق بين قلبيهما...وكل ما ساعد علاقتهما لتعود للتوهج بكل انواع المشاعر المدفونة بداخل كليهما وتفجرت بلحظة عابرة بدون حسبان لنتائج تلك الثورة والتي دمرت اكثر ما عمرت !
رفع قبضته لشفتيه وهو يكتم انفاسه لوهلة بجمود نشب بنيران هادرة خلف سطح ملامحه الهادئة ، فقط حدقتيه السوداوين هما اللتين تظهران كم من كبت وقهر يحبسه بداخلهما ، وكله بسبب خطأ واحد كلفه الكثير وقد تكون حياته بأكملها ، فهو لم يكن يفكر من الاساس بالوصول لهذه المرحلة من بنود اتفاق الزواج المشروط ، ويعلم جيدا بأنه بعودة العلاقة بينهما يعيد كل شيء لسابق عهده بعد ان استطاع التخلص من تأثيرها المدمن وعود نفسه على جفاء العاطفة وخاصة بعد ان تأتي اللحظة التي تخرج بها من حياته وتنتهي مهمة عقد الزواج بينهما .
احتدت ملامحه وهو يحرك رأسه جانبا ما ان اصدر هاتفه صوت الرنين الذي اقتحم الصمت بعالمه ، ليميل بجسده قليلا وهو يلتقط الهاتف بسرعة قبل ان يجيب عليه مباشرة وهو يقول بجمود
"مرحبا"
ردّ عليه من بالطرف الآخر قائلا ببهوت
"مرحبا ، هل كنت تتصل بي ؟"
تجمدت ملامحه وهو يخفض الهاتف لينظر له لبرهة قبل ان يعيده بجانب اذنه وهو يقول بهدوء صارم
"هل انتِ ماسة صديقة صفاء ؟"
صمتت للحظتين قبل ان تجيب بهدوء واثق
"اجل ، هل من خدمة ؟"
ابتلع ريقه بارتباك وهو يقول بوضوح اقرب للفظاظة
"هل صفاء معكِ ؟ هل تعرفين اين هي الآن ؟"
ردت عليه بكلمة واحدة بجفاء
"اجل"
ارتفع حاجبيه بدهشة وهو يوقف السيارة عند قارعة الطريق ليقول بسرعة باندفاع ضاري
"ماذا يعني هذه الاجابة ؟ هل هي معكِ ام لا ؟"
احتدت ملامحها وهي تهمس بخفوت صارم بدون ان تتأثر بنبرته الهجومية
"لن اجيبك قبل ان تتكلم معي باحترام ، فأنا لا اعمل عندك حتى تتكلم معي بهذه النبرة التسلطية"
شدد على اسنانه حتى كاد يحطمها وهو يحاول ان يسيطر على اعصابه التالفة بمهارة ليقول بعدها بهدوء تطلب منه الكثير
"من فضلك يا آنسة هلا تجيبين على سؤالي بوضوح ؟ هل زوجتي صفاء معكِ ام لا ؟"
عقدت حاجبيها بتفكير وهي تهمس بوجوم عابس
"سأجيبك ولكن اولاً عليك ان تخبرني ! كيف عرفت رقم هاتفي ؟"
ردّ عليها ببساطة بدون اي مواربة
"لقد اخذته من هاتف صفاء للحالات الطارئة ، وما امر به الآن يعد حالة طارئة ، لذا هلا ساعدتني رجاءً واجبتِ على سؤالي ؟"
ردت عليه بجمود بدون ان تتنازل بالإجابة
"ولماذا تتصل بي ؟ لما لم تتصل بهاتفها ؟"
تغضن جبينه بتصلب ما ان تذكر حالة هاتفها والذي تحول لأشلاء ليكون بداية الكارثة ، قال بعدها بلحظات من بين اسنانه بقسوة
"الهاتف ليس بحوزتها"
ارتفع حاجبيها بخفة وهي تهمس بشبه ابتسامة
"هل الهاتف ليس معها ام ان الهاتف قد تحطم ؟"
قطب جبينه بتجهم وهو يشدد على الهاتف قائلا بانفعال هادر
"إذاً لقد اخبرتكِ بكل شيء تلك الثرثارة ! وهذا يعني بأنها برفقتك الآن ! اخبريني فورا اين هي الآن ؟"
ردت عليه بلحظة بعبوس حازم
"هل هذا اسلوب تتكلم به معي ؟ إذا لم تحسن اسلوبك معي فأنا عندها مضطرة لقفل الخط وانت دبر رأسك بإيجاد زوجتك !"
قال بسرعة بهدوء واجم
"انتظري يا فتاة ! اسمعيني جيدا انا احتاج لإيجادها بسرعة فهذا الامر بالغ الأهمية ، لذا إذا كنتِ تعرفين مكانها الآن او تكلمتِ معها اخبريني من فضلك"
لانت ملامحها بشحوب وهي تهمس ببرود جاد
"لو كان الأمر بيدي لما سمحت لك برؤيتها بعد كل ما اقترفته بحقها انت وجميع من اعرفهم ، ولكن بما ان الأمر يخصها وحدها وهي التي تقرر مصيرها معك سأخبرك بمكانها ، انها متواجدة بمستشفى المدينة بطابق الثالث غرفة اربع وعشرين ، بالتوفيق بالوصول لها"
تجمدت ملامحه بصدمة الخبر والذي صعق كيانه بلسعة حارقة زادت السعير بداخله ، ليهمس بسرعة بارتباك تحشرج بصوته
"مستشفى ! هل هي بالمستشفى ؟ هل هناك مكروه قد اصابها ؟"
ردت عليه بهدوء جليدي بدون ان ترحمه من الصدمة وهي توسع نطاق الكراهية اضعاف
"اجل ، إذا كنت تهتم بأمرها ولو قليلا فكر بالطريقة التي عليكِ بها تصليح خطأك والذي تجاوز كل اخطائك السابقة ، قد تعلم عندها مدى البشاعة التي ارتكبتها بحقها والتي حتى الاعداء لا يصل بهم الحقد والانتقام لما وصلت له ، وهذا فقط يثبت بأن هناك بشر بالعالم يملكون من الشر الكثير حتى انعدمت منهم الانسانية ولم يعد لقب انسان يليق بهم ! هنيئاً لك بما حققته يا زوج صديقتي !"
تجهمت ملامحه وهو يكشر عن انيابه بفقدان سيطرة وهو يكاد يصرخ بالهاتف والذي انغلق بلحظة ، ليرمي بعدها الهاتف بعيدا بقوة اكبر لدرجة صدم بها النافذة وهو يقع بين المقاعد ، ليريح بعدها جبينه على المقود اخذت منه لحظات فاصلة بصمت تام ، قبل ان ينتفض برأسه عاليا بإدراك وهو يشغل المحرك بلمح الصبر ، لتعود بعدها السيارة للتحرك على الطريق الفارغ وبثواني اصبحت تطير بسرعة الريح والحريق بداخله يتحول للوقود الذي يسير عليه ويدفعه بقوة .
بينما كانت الاخرى التي فصلت الخط بوجهه تمسح بكفها على الحرير الناعم بهدوء وهي تهمس لها بعطف هادئ
"لا تقلقي يا صفاء كل شيء سيكون بخير"
لم تسمعها التي كانت تجلس بتكور بمنتصف السرير وهي تشرد بعيدا عنها بحالة سكون غيمت عليها وفصلتها عن واقعها بدون ان يصدر عنها شيء سوى إيماءة طفيفة عبرت عن ردها .
______________________________
كان يسير بتسارع اقرب للهرولة بالممر الطويل بالطابق الثالث ونظراته تتبع ارقام الغرف وهو يبحث عن الغرفة المطلوبة...ولم يكن يعلم بأن عقله قد عاد سنوات للوراء وهو يهرول بممرات المشفى بنفس الطريقة والخوف القديم يختبئ بزاوية مظلمة بروحه الموحشة....وهو الذي لم تخطو قدميه المشفى منذ تلك الحادثة التي دمرت الكثير من ترتيبات حياته ومبادئ تربى عليها...وها هو يعود لنفس الحدث والشعور والذي تجسد بألم توسع بحياته وهو يصادف دخول آخر للمشفى والذي نقلت له جريحة مقربة اخرى كان السبب الاساسي بكسرها....وكأنه يشرب من نفس كأس السم والتي قدمها لها على طبق من ذهب لتعود عليه بالألم الاكبر والموت البطيء بطريق الانتقام للوجع الأول بدون ان يدرك بأنه ضاعف الوجع من جديد وكان له التدمير الاكبر .
وقف امام باب الغرفة وهو يتأكد من الرقم بتركيز وانفاسه تخرج بلهاث مضطرب مزق طيات صدره ، ليتنفس بعدها بقوة وهو يمسك بمقبض الباب بإحكام اخذت منه برهة قبل ان يدفعه بهدوء حذر وكأنه يتوقع بأي لحظة رؤيته لذلك المشهد للجسد الملقى على سرير الموتى مثل شبح هزيل تجرد من الحياة واحتضر .
تجمدت اطرافه لوهلة وهو يفيق على الصورة التي ظهرت امامه وناقضت تفكيره العالق بشبكة الماضي والتي بدلتها بخيوط حريرية ناعمة التفت حول قلبه وقيدته ، كانت تجلس بتكور بمنتصف السرير وشعرها البني ينسدل من حول وجهها واعلى ذراعيها بسلاسة مثل ستار يغطي كل الأعين المختلسة من حولها ، وهي تطوق ساقيها من تحت الغطاء الابيض الذي يغطي اسفل جسدها حتى خصرها ، وهي تبدو بهذه اللحظة مثل الملاك المهزوم الرقيق لا يفسد ذلك المشهد ألا برباط الشاش الذي يزين جبينها من فوق خصلات غرتها الطويلة التي تمردت عليها وكذلك ذراعها المضمد بنفس نوع الشاش من فوق كم قميصها الطويل .
تصلبت ملامحه وهو يوجه نظراته للواقفة بقرب سريرها وهي تنتزعه من افكاره قائلة بنبرة باردة
"واخيرا وصلت يا سيد جواد ، لقد وصلت على الموعد تماما ! انت حقا دقيق بمواعيدك !"
تنفس بجمود وهو يتحرك بخطواته بهدوء حذر يشعر بنفسه على بعد اميال من مكانها ، وما ان وقف بالقرب منهما حتى قالت صاحبة الملامح الباردة وهي تهمس بخفوت
"حسنا ، اعتقد بأنكما تحتاجان للوقت المنفرد لكما ! لذا اعذراني سأغادر"
وضعت حزام حقيبتها على كتفها وهي تربت على كتف الساكنة بمكانها هامسة بعطف
"سأكون بالخارج"
سارت بعيدا عنهما وما ان تجاوزت الجامد بمكانه حتى اوقفها كلامه وهو يقول بهدوء جاف
"شكرا على اهتمامكِ بها"
اومأت برأسها بهدوء وهي تهمس بخفوت باهت
"لا بأس ، اهتم بها جيدا"
غادرت بعدها بدون ان تضيف كلام آخر وهي تتجه لخارج الغرفة ، وما ان اغلقت الباب من خلفها حتى انتقلت نظراته تلقائيا للساكنة بمكانها بدون ان تصدر اي حركة .
زفر انفاسه بجمود وهو يقول بجدية بدون ان يتوقف عن رحلة التحديق بها والتي استنزفت طاقته
"هل انتِ بخير ؟ صفاء !"
سكنت للحظات قبل ان تهز رأسها للأسفل علامة الإيجاب ، ليقول بعدها بحدة غير مقصودة وهو يعود بالنظر للإصابات المضمدة بالشاش
"ما هذا الذي حدث ؟ كيف وصلتِ لهذه الحالة يا صفاء ؟ اريد ان اعرف كل شيء حدث معكِ منذ مغادرتك المنزل بدون علمي والذي لن امرره لكِ بدون عقاب ! ولكننا سنؤجل الحديث بهذا الأمر بعد ان نعرف ما حصل معكِ اوصلك للمشفى"
توقفت رأسها عن الحركة وكل شيء بها يتجمد عن الحراك ، ليتقدم بعدها اكثر وهو ينحني بجذعه بجانب رأسها قائلا بخفوت حاد
"صفاء اجيبِ على كلامي ! ماذا حدث معكِ بالضبط ؟ وكيف وصلت للمشفى ؟"
تمسكت بصمتها وهي تشدد من القبض على قماش الغطاء بقوة ، ليقترب اكثر وهو يمسك بظهر السرير بيد ويريح يده الاخرى على الفراش بجانبها ، ليهمس بلحظة بغضب حارق بانفجار وشيك
"صفاء إذا لم تتكلمي الآن فأنا......"
قاطعته برجفة وهي ترفع رأسها هامسة بخفوت حزين
"ماذا ؟"
تجمدت حدقتيه لوهلة ما ان وقعتا على وجهها الشاحب بذبول واكثر ما لفت انتباهه هي عينيها العسليتين المحمرتين ببركتي دموع قد جفت على سطح ملامحها....ليرفع بعدها يده لا شعوريا وهو يتلمس على الضماد على جبينها ببطء شديد...لتنزل بلحظة لوجهها الشاحب وهو يتجول بأطراف اصابعه على وجنتيها المحمرتين بحرارة ثم انفها الصغير ثم شفتيها الناعمتين ثم عينيها الدامعتين...لتصل يده برحلتها الاستكشافية لذراعها المصاب وهو يمسك بها برفق ليفك تمسكها المتشبث بالغطاء....وما ان سمع صوت انين خافت اصابته بلسعة حتى اراح ذراعها على جانبها بحرص بدون اي اصابات .
استقام بالوقوف بعيدا عنها وهو يهمس بجمود لم يخفى الاضطراب به
"كيف وصلتِ لهذه الحالة ؟"
زمت شفتيها بارتجاف وهي تهمس بخفوت ثابت
"لقد كادت سيارة ان تصدمني......"
قاطعها بصدمة اكتسحت ملامحه الجامدة
"تقولين بأن هناك سيارة قد صدمتك بالطريق !"
نظرت له بسرعة وهي تلوح بكفيها امام بعضهما هامسة بتوضيح
"لا لقد حدث تلامس صغير بيننا بدون اي اضرار خطيرة ، وسائق السيارة ليس له علاقة بالحادثة فأنا التي اتيت بطريقه"
قطب جبينه بتجهم وهو يتتبع حركة كفيها قبل ان يهمس بوجوم قاتم
"إذا لم يكن له علاقة بكل هذا ! فمن الملام بتعرضك لكل هذه الاصابات ؟"
اخفضت كفيها بسكون وهي تعود لضمهما امام ساقيها هامسة بعبوس متردد
"لقد كان هناك طفلة تلعب بالشارع وعندما اقتربت السيارة اندفعت بدون تفكير لأبعدها عن طريق السيارة ، ولكن لم استطع تفادي التلامس الذي حدث بيننا ، لهذا وصلت لما انا عليه الآن"
غامت ملامحه بجمود صخري وهو يمسد بأصابعه على جبينه بحالة تعب مفاجئ اقتحم كيانه ، بينما كانت (صفاء) تراقبه بوجل من القادم وهي تتابع كلامها هامسة بارتباك واضح
"الأمر ليس بهذه الخطورة ، فأنا ما ازال بحالة جيدة ، فقط مجرد خدوش سطحية وستزول مع الأيام ، ولكن للأسف الجروح الاخرى التي تغرس بالداخل من الصعب ان تزول بهذه السهولة !"
نظر لها بحدة نافذة وهو يعود للهجوم عليها ليمسك بكتفيها بلحظة وهو يلصقها بظهر السرير ، قبل ان يهدر امام وجهها بانفعال استبد به
"هل فقدتِ عقلكِ يا صفاء ؟ بعد كل ما ارتكبته وسببته لنفسكِ ما تزالين تتصرفين بأريحية ! بدون ان تعلمي عن الذي انتابني بتلك اللحظات التي غبتِ بها عن المنزل والوقت الذي اخذ مني للوصول للمشفى ! هل انتِ بكامل وعيكِ حقا ؟"
ابتسمت بارتجاف شاحب وهي تهمس بسعادة مزيفة
"هل شعرت بالقلق عليّ ؟ لم اكن اعلم بأني بكل هذه الاهمية بحياتك ! ظننت بأن كبش الفداء ليس له الحق بالشكوى والتألم فهذه هي المهمة التي وجد من اجلها !"
تصلبت قبضتيه على كتفيها حتى بان الألم على محياها وهو يتبعها بالهمس بجفاء بارد
"هل هذا الوقت المناسب لسماع الهراء منكِ ؟ نحن نتحدث عن موضوع جاد يخص الحادث الذي تعرضتِ له بغبائك الغير محدود ! فأنا لم اظن بأنكِ بكل هذه السذاجة والتهور حتى تقدمي على مثل هذه الحركة وتعرضي حياتك للخطر ، قمة بانعدام المسؤولية !"
ضمت شفتيها بعبوس وهي تهمس بقوة كبرياء تحرر عن قيوده
"وانا اقول لك بأني لم اخطئ بما فعلته ، إذا كنت انت تعتقد بأن انقاذ طفل من الخطر يعد غباء وتهور ، فهو بالنسبة لي عمل انساني وبطولي لا يحتاج للتفكير او التخطيط من اجله ، فأنا بالنهاية املك الرحمة والانسانية ولست مثلك قاتل البشرية ومزهق الارواح عديم الرحمة والقلب !"
ارتفع حاجبيه بتشنج وهو يشدد اكثر على كتفيها ليهمس بعدها بغضب مكتوم
"هل تعتقدين حقا بأني بكل هذه الوحشية ؟ هل تعرفين كل شيء مررت به بحياتي حتى تحكمي عليّ بكل هذه القسوة ؟ تكلمي يا صفاء !"
انفرجت شفتيها بأنفاس قصيرة وهي تحيد بنظراتها بعيدا عنه هامسة ببرود جليدي جمد قلبها
"لا اعرف كل شيء عنك ، ولكن يكفي ما اعرفه عنك ودفعني للوصول لكل هذا ، لذا انا سأقول لك بكل صراحة بأنك متحجر القلب غير عادل بانتقامك اتجاه ضحاياك"
عقد حاجبيه بانقباض لا إرادي وهو يشدد على اسنانه ليقول بعدها بشراسة ناقمة
"توقفي عن تمثيل دور الضحية يا صفاء ، وانا اكثر من يعلم عن جرائم عائلتك المستترة ! هل تريدين ان اكشف امامك كل الاسرار المختبئة خلف جدار الحقيقة ؟ لتعرفي عندها من هم الذين لا يملكون الرحمة ومتحجرين القلوب ! عائلتك هي التي حولتني لهذه الصورة وجعلتكِ الضحية بهذه اللعبة ! فلماذا تحاولين لومي انا بما اقترفته عائلتك ؟"
اخفضت رأسها بانكسار وهي تهمس بخفوت قاسي بعيدا عن صوتها
"انت الذي تحاول تمثيل دور الضحية بيننا يا جواد ، لذا تستخدمني مثل لعبة تبث بها حقدك وتظن بأنها بهذه الطريقة ستريح ضميرك المعذب اتجاه حق شقيقتك المسلوب ، ولم تعلم بأنك بهذه الطريقة لن تعذب احد سوى نفسك ومعه الضحية التي اخترتها بانتقامك ، ولا تنسى بأنك مهما حاولت وفعلت لن تقهر احد ولن تجني شيء سوى خسارة ذاتك وانسانيتك والذي لن يريح ضميرك المذبوح ابدا !"
ارتفع رأسه بصدمة وكأنه يتلقى طعنات متتالية من آخر شخص كان يتوقع ان يخرج كل هذا منه ، ليقول بعدها ببرود جليدي بدون ان ينظر لها
"من اين لكِ بكل هذه القسوة يا صفاء ؟"
ردت عليه بهدوء مجرد من الرحمة
"لقد تعلمتها من التجارب التي خضتها معك"
تجهمت ملامحه من جديد وهو يعود للنظر لها قائلا بشراسة
"يكفي هذا يا صفاء ، لقد تجاوزت كل الحدود بكلامكِ الوقح ! أتعلمين ماذا سأفعل بكِ إذا تطاولتِ بالكلام معي اكثر ؟"
رفعت رأسها بهدوء وهي تنظر له بعينين عسليتين وكأنهما جمرتين منصهرتين بالعسل الذائب ، لتهمس بعدها بخفوت مشتد بقوة كره جديدة
"افعل ما تشاء يا جواد فلم يعد هناك شيء اخاف منه لأخسره بعد الآن ! وعليك ان تعلم جيدا بأنك اصبحت عدوي مثلما تراني عدوتك ، وانا اكرهك ، اكرهك بقدر كل ألم سببته لي ، اكرهك بعدد الطعنات التي وجهتها لقلبي ، اكرهك لليوم الذي قابلتك به ، اكرهك باللحظة التي رأيتك بها فارس احلامي الخيالي ، اكرهك لأنك دمرت عالمي ، اكرهك"
ابتلع ريقه بتشنج وهو يحاول ان يستسيغ كلامها والذي كان اقسى من شرب كأس المرار وهي تبث السم بداخله ببطء شديد قتله جزئيا ، ليفلت بسرعة كتفيها وهو يتراجع بعيدا عنها بحالة ذهول غمرت كيانه وسطح ملامحه المتلبدة بالغيوم الباردة ، وهي ما تزال تقابله بنظرات كارهة لونت احجار عينيها المنصهرة بدون ان تتزحزح من مكانها او تذرف دمعة واحدة اثبتت اكثر صدق كلامها بدون اي براهين يستطيع معها استشعار الحقيقة من هالتها التي تحولت لتيارات كهرباء قاتلة تؤذي كل من يقترب منها .
زفر انفاسه بقوة وهو يشيح بوجهه جانبا باضطراب تمكن منه وهو يحاول ان يستعيد ضبط نفسه ومشاعره التي فاضت عن حدها ، ليقول بعدها بصوت بارد بقتامة وهو يستدير بعيدا عن السرير لكي لا يقابل نظراتها القاتلة مجددا
"يبدو بأنكِ تحتاجين للراحة بعد كل ما جرى معكِ ، وخاصة بأنكِ اصبحت تهذين كثيرا وتخلطين بالكلام ، لذا ارتاحي جيدا ولا تفكري بشيء ، وسنكمل حوارنا بعد ان تتحسن صحتك وتتماثل اصاباتك للشفاء"
ما ان انهى كلامه حتى تحرك بسرعة باتجاه باب الغرفة ، ولكن ما لم يتوقعه ان يوقفه كلامها بلحظة بهمس جاف غير مبالي
"شكرا لك على قدومك السريع من اجلي ، ولكن لا تهكل الهم كثيرا على ضحيتك ، فهي ستكون بأفضل حال عندما تتوقف عن الاهتمام الزائف بها والذي يرفعها لسماء عالية قبل ان يلقي بها على صخور قاسية ، وانا لم اعد احتمل المرور بكل هذا ، لذا طلبي الوحيد هو ان تتوقف عن هذه التصرفات وافعل ما تجيده تماما معي ، ولن تكون صعبة عليك فهذه هوايتك المفضلة والتي تمارسها معي باستمرار منذ بداية زواجنا المزيف"
قبض على يديه بقوة وهو يكمل طريقه لباب الغرفة بخطوات تسارعت بثقل حتى خرج من المكان بأكمله ، بينما التي تركها ساكنة من خلفه كانت تتابعه بنظرات حادة لم ترف للحظة اجهدت عضلات عينيها واذابة الدموع والتي حرقت روحها وفؤادها بآن واحد .

نهاية الفصل...........

بحر من دموع حيث تعيش القصص. اكتشف الآن