الفصل الثاني والعشرون

350 5 1
                                        

كان يدمر كل شيء امامه بالغرفة بهياج مندفع فقد به كل برود اعصابه وكأنه ثور خارج عن السيطرة يبطح كل شيء يراه امامه بدون اي هوادة او تراجع...وكلام والده ما يزال يزيد من شعلة الغضب المستعر بداخل جنبات روحه مثل مرجل منصهر على وشك حرق واذابة كل ما يصله نيرانها...وهو ينفث كل النيران المخزنة بداخله بتدمير كل ما تصله يديه بحالة من الجنون الغير محدود وبدون اي انضباط او تفكير .
 
توقف بعدها بدقائق بإنهاك شل حركة اطرافه لثواني وبعد ان استنزف كل طاقاته المحمولة بداخل جمر روحه ، استند بالجدار بتعب وبأنفاس حادة بحرارة مفرطة على وشك تمزيق خلايا جسده وهو يمسح وجهه بيديه بتعرق وقسوة ، ليخفض بسرعة يديه للأسفل وهو يلتقط سيجارة من جيب بنطاله قبل ان يشعلها من فوره بالقداحة بيده الاخرى ، لينفث بعدها دخان السيجارة مع انفاسه بالجو ونظراته معلقة بالدمار العاصف امامه والذي احدثه بالغرفة بلحظة بدون اي شعور او اهتمام .
 
رفع عينيه العسليتين باحمرار قاتم مهيب وهو يتابع سحب الدخان امامه بسكون احتل حياته فجأة ، لتتداخل بلحظة بعض الخيالات البعيدة مع ضباب الدخان والذي كان يشاهده بنفس النظرات الشاردة المجردة من اي مشاعر عندما بدأت حكايته قبل سنوات والتي طبعت بذنوب حياته الكثيرة ، وبعد ان عقد قسم مع نفسه بأن لا يعود لتلك الذكريات والحفرة السحيقة والتي خرج منها بأعجوبة وانتهى وبدون اي اصابات او مشاكل بعكس الآخرين معه ، بتلك اللحظة ما يزال يذكر رنين الاسم على اذنيه والذي انتشله من شروده ليكون لعنة وصمت بحياته
"غنوة مصعب"
 
نظر له بسرعة باتجاه الشاب الجالس امامه بغرفة صغيرة لا تتجاوز اعمارهم الثامنة عشرة وهو يشاركه بنفس الدخان الخارج من سجائرهم حتى ملئت الغرفة بأكملها بضباب انفاسهم ، حرك عينيه بعيدا عنه بلا مبالاة وهو يهمس بشبه ابتسامة ساخرة
"هل هي فتاة جديدة تسعى للحصول عليها بعد ان ذقت ذرعا من الفتاة الاخيرة ؟"
 
حرك رأسه بتلك الطريقة التي تشير برغبته للاستعداد للصيد وهو يبتسم بشرود قائلا بشراسة
"بل هي تختلف عن جميع الفتيات اللواتي تعرفت عليهن ، وهذا لأنها تمتلك كل الصفات والتي حلمت بها بنوع الفتاة والتي لم اجربها بحياتي ، ولن تستطيع تصور رغبتي الحارقة بالحصول عليها وضمها لمجموعتي الخاصة"
 
ارتفع حاجبيه ببطء مندهش وهو يتابع تدخين سيجارته بعدم اهتمام ليهمس بعدها باستهزاء واضح
"لقد ادهشتني حقا بكلامك ! يبدو بأنك قد انتقلت لمستوى آخر بذوقك باختيار فتياتك ؟ ولكن هل ستكون فتاتك الجديدة مجرد نزوة عابرة مثل جميع من قبلها ؟"
 
ضحك بخشونة وهو يلوح بسيجارته بتسلية قائلا بابتسامة مفترسة بتصميم
"بل هي اجمل نزوة قد تمر على حياتي بسنوات عمري الثامنة عشر ! وكل ما انتظره هو حصولي عليها وجعلها طوع امري وكما اريد"
 
ضيق عينيه بلحظة وهو ينفث الدخان بهدوء قبل ان يتمتم بوجوم غير معبر
"حسنا وما دخلني انا بمخططاتك هذه والتي لا تهمني بشيء ولا تشكل فرق بحياتي !"
 
تقدم فجأة بجلوسه بتحفز وهو يسند يديه فوق ركبتيه وبابتسامة اتسعت بلحظة بمغزى قبل ان يهمس بمكر
"انت هو اساس خطتي يا مازن ، فأنا اريد منك انت ان تحصل لي على تلك الفتاة وتسلمها لي وهذا بعد ان تستدرجها بلعبة الحب وبطريقتك الملتوية الشهيرة والتي تسحر الفتيات الصغيرات ، لتسلمها لي بعدها ببساطة وينتهي دورك هنا"
 
عقد حاجبيه بغموض وهو يخفض وجهه قليلا هامسا ببرود
"ولما لا تحاول انت الحصول عليها بنفسك ؟ لما اخترتني انا تحديدا من اجل هذه المهمة السخيفة باللعب على فتاة لا يربطني بها شيء ؟"
 
زفر انفاسه بهدوء بدون ان يبعد نظراته عنه وهو يقول بيأس مزيف
"لو كنت استطيع الحصول عليها لما استعنت بك ! فهي تبدو من النوع العنيد والذي لا يقبل بالعلاقات العابرة وهذا ما يعجبني بها ! وقد جربت حظي معها ولم افلح بشيء ، وبما انك شعبي بين الفتيات ولديك خبرة واسعة بالتعامل مع هذا النوع ، فلن تمانع مساعدة صديقك الوحيد بهذه المهمة المستحيلة وبهذه الظروف العصيبة"
 
كان يحرك رأسه بعيدا بتصلب وهو يفكر بهذا النوع من الفتيات والذي لديه نبذة واسعة عنه لا يبارح تفكيره ابدا ، وهو يتمثل بطفلة صغيرة متمردة تستطيع القضاء على كل من يتعرض لها بنظرة واحدة لها وبوقاحتها الغير محدودة مثل الشياطين الصغيرة !
 
قال بعدها بلحظات بهدوء وهو يكمل نفث دخان سيجارته
"ما هو نوع تلك الفتاة بالضبط ؟"
 
ردّ عليه من فوره بابتسامة متسلية
"انها فتاة مدرسة وهي لا تتجاوز عمر الخامسة عشرة ، صغيرة وجميلة بشكل لا يوصف وتستطيع العبث بغرائز الجنس الآخر بنظرة واحدة لها"
 
تشنجت ملامحه وهو ينظر له مباشرة قائلا ببساطة
"ألم تجد سوى طالبة مدرسة لتلعب معها ! هذا النوع لا احب المخاطرة معه فهو يسبب لي الكثير من المشاكل ، لذا انسى الأمر"
 
اعتدل بجلوسه وهو يقول بحاجبين معقودين بحدة
"لا تقل هذا يا رجل ! فأنت املي الوحيد والاخير بالحصول عليها ، إذا لم تساعدني فسأخسر حب حياتي للأبد"
 
عبست ملامحه بلحظة وهو يلوح بيده قائلا بلا مبالاة
"لما لا تبحث عن فتاة اخرى لتلعب معها ؟"
 
اسند مرفقه بذراع الكرسي وهو يهمس بابتسامة مفترسة بكسل
"الأمر ليس بهذه السهولة يا مازن ، فقد اختار القلب وانتهى الأمر ومشاعري نحوها لن تتغير مهما حدث وجرى"
 
زفر انفاسه بحدة وهو ينهض عن الكرسي بقوة ليستدير بعدها بعيدا عنه وهو يهمس بجفاء باهت وبدون اي اهتمام
"إذاً حل مشكلتك لوحدك ، فأنا كما اخبرتك لا علاقة لي بمثل هذه الأمور التافهة والتي لا تعنيني بشيء ، وليست من اختصاص عملي هنا"
 
ولكن ما ان ابتعد قليلا عنه حتى قال الجالس من خلفه بأريحية وبجمود قاسي
"إذا رفضت مساعدتي ستخسر فرصة الانضمام لعصابة مأمون ، وإذا اردت يمكنني ان اكون واسطة لك واجعلك تدخل لها وتكون عضو بها بكل يسر وسهولة ، أليس هذا ما تريده !"
 
تسمر بمكانه للحظات طويلة وكل الافكار تدور برأسه بدوامة واسعة وبتخبطات متداخلة بين صراع الرغبة والرفض ، ليتنفس بعدها من بين اسنانه بيأس وهو يهمس بخفوت مقتضب
"هل الفتاة تعيش مع عائلتها ؟ فلا اريد التورط بين عائلة محافظة او متشددة"
 
اجابه بلحظة بابتسامة عملية بنشوة الانتصار
"الفتاة يتيمة وهي تعيش مع والدتها فقط ، لديها شقيق واحد لكنه يعيش بعيدا عنهما بسبب ظروف العمل والدراسة ، يعني الطريق مفتوح امامك !"
 
زفر انفاسه بهدوء شديد قبل ان يخرج همسه بخواء فارغ
"لا بأس ، اعتبر الأمر محلول عندي"
 
ارتخت عضلاته بخمول تام ما ان خرج من دوامة ضباب ذكرياته وهو يجلس على الارض ببطء وبسكون تام ، ليرفع بعدها يده بصعوبة وباهتزاز وهو يحاول رشف عدة انفاس من دخان سيجارته قبل ان يطلقه بسماء عالمه ، لتعود تلك الذكريات الضبابية لأسر عقله بتلك الذكرى البعيدة وبداية تلك اللعبة اللعينة ، وهو ما يزال يرى تلك الفتاة الصغيرة التي كانت ترتدي زي مدرستها وهي تتجه مباشرة بطريق مرصوف بالحجارة بخط مستقيم بدون ان يقاطعها احد وكفها الصغيرة تتلاعب بأوراق الياسمين المعلقة بجدران المنازل الحجرية بطريقها بانسجام .
 
كان يراقبها عن كثب وهو يرى الرجل الذي اعترض طريقها فجأة بدون سابق إنذار ، وبلحظات قصيرة كان يصل لها بلمح البصر ليهجم على الرجل الغريب وهو يمسك بياقة قميصه ليلصقه بالجدار بجانبه بضربة واحدة فقط من قبضته ، ما ان استوعب الرجل صدمته حتى جرى بتعثر بعيدا عنهما بلحظات .
 
نفض ذراعيه بقوة وهو يدس كفيه بجيبي بنطاله قبل ان ينظر بأطراف عينيه نحو التي همست بإحراج لون بشرتها البيضاء باحمرار طفيف
"شكرا لك"
 
عقد حاجبيه بجمود وهو يقف امامها تماما ليحرك رأسه بإشارة للطريق قائلا بهدوء
"هيا تحركي امامي"
 
ارتفع حاجبيها الصغيرين بدهشة قبل ان تحرك رأسها بإيماءة طفيفة وهي تستدير بعيدا عنه قبل ان تتحرك باتجاه مدرستها بثبات ، كان يسير من خلفها على بعد خطوات منها طول طريق ذهابها للمدرسة بدون ان يحيد عن مسارها ، وما ان وصلت لمدخل المدرسة حيث تجمعات الطلاب هناك حتى التفتت من فورها للخلف وهي تشاهد الذي غير مسار طريقه بعيدا عنها بصمت كما جاء ، ليستمر على هذه الحال وهو يتابعها يوميا طول طريق ذهابها للمدرسة بكل صباح تخرج به من المنزل بدون اي كلل او ملل ، حتى صادف اليوم الذي نادت به على ذاك الغريب بصوتها المحرج الهادئ
"عفوا ! هلا اخبرتني ما هو اسمك ؟"
 
نظر لها للحظات قبل ان يهمس بابتسامة هادئة بجمود
"اسمي هو مازن"
 
زمت شفتيها بارتباك وهي تتلاعب بأصابع كفيها هامسة بخفوت
"لما تلاحقني بكل مرة اذهب بها للمدرسة ؟ هل تريد مني شيء ؟"
 
اجابها ببساطة وهو يحرك يده جانبا ببرود
"أليس هذا واضحا ! لكي اتأكد من سلامة الطريق امامك فقد لاحظت بأنكِ وحيدة وليس هناك اي احد يرافقك وطريق مدرستك خطير ، وهذا واجبي ناحية ابنة منطقتي"
 
اتسعت عينيها السوداوين الواسعتين بانشداه لوهلة وهي تهمس بابتسامة صغيرة بارتباك
"حقا هذا لطف منك ! لم اكن اعلم ان هناك رجال من امثالك ما يزالون موجودين على كوكب الأرض !"
 
ارتفع حاجبيه بوجوم وهو يشعر بنفسه قد ذاق ذرعا من هذه التمثيلية السخيفة والتي تناقض حقيقته ، ليستدير من فوره بعيدا عنها وقبل ان يبتعد سمع صوتها الهامس بسعادة غريبة بحياء
"اسمي هو غنوة بالمناسبة ، ويمكنك مرافقتي بطريق ذهابي للمدرسة دائما بدل ان تتسلل من خلفي هكذا بكل مرة !"
 
تجمدت ملامحه بصدمة وهو لا يصدق كيف وصل لطريقه بسرعة وبسهولة هكذا بدون اي شقاء او عناء ؟ ليلتفت بنصف جسده نحوها بلحظة وهو يصدم بنظراتها المسلطة نحوه بطريقة تختلف عن سابقتها وبابتسامة كبيرة كانت تحتل وجهها الدائري الصغير بجمال ، ليتدارك نفسه بسرعة وهو ينتشل نظراته عنها ليكمل طريقه بعيدا عنها وبدون ان يلقي نظرة اخرى عليها .
 
تنفس بهدوء وهو يسعل بقوة اتعبت حنجرته ، ليريح بعدها مرفقه فوق ركبته المنتصبة وهو يشرد بذكرياته البائسة والتي اطلق سراحها اليوم ، كل ما يتذكره بعدها بمجريات تلك اللعبة هو مناوبته الدائمة على اصطحابها يوميا بطريق ذهابها للمدرسة حتى اصبحت عادة بالنسبة له وهو يزيد ذلك الرباط الوهمي بينهما بدون ان يكون لديه سبيل بإيقافه ، وعندما شعر بعدها بدنو الخطر القريب منه والذي يوشك على تدمير رتابة حياته واستنزافه كذلك كل طاقته ليكون النقيض عن نفسه امامها قرر الانسحاب من اللعبة والتخلص من هذه المهزلة .
 
وقف امامه مجددا بنفس المكان وهو يقول له بهدوء ظاهري بغلاف البرود
"جابر لقد قررت الانسحاب من اللعبة ، ولم اعد اريد الاستمرار بها"
 
صرخ بسرعة الواقف امامه باستنكار ممزوج بالذهول
"ولكن لماذا تنحسب الآن ؟ بعد ان اقتربنا اخيرا من الوصول لهدفنا تقرر الهروب الآن !"
 
استدار بعيدا عنه وهو يتجه نحو الباب قائلا بعدم مبالاة
"هذا كل ما لدي ، ومنذ البداية اخبرتك بأن هذه الأمور ليست من اختصاصي"
 
تجهمت ملامح (مازن) فجأة ما ان سمع كلام الواقف من خلفه بنبرة محتقرة بازدراء
"انت بهذه الطريقة تضيع فرصة ذهبية بالانضمام لعصابة مأمون والتي لن تأتي مثل هذه الفرصة مرة اخرى ، وانا بنفسي سأتأكد من عدم انضمامك لها بحياتك"
 
كان قد وصل له بخطوات فاصلة ليلكمه بوجهه بقوة لدرجة اوقعته جالسا على الكرسي بعنف وهو يهمس فوق وجهه بتوحش مفترس
"إياك وان تحاول التحكم بي بمثل هذه الطريقة الحقيرة ، فأنا لست لعبة بين يديك لتستغلها لأغراضك الدنيئة وكما يحلو لك ، ولا يشرفني ايضا ان اكون صديق لزير نساء مثلك"
 
نفض ذراعيه للأسفل بعنف وهو يسير من فوره باتجاه الباب بهياج مندفع ، ولم ينسى تلك الكلمات والتي قالها صديقه من خلفه بوعيد الحقد والانتقام
"ستدفع ثمن هذا غاليا يا مازن ، انا اعدك ، لن ارحمك"
 
شدد من الضغط على اسنانه بقسوة وهو يبتسم بسخرية شامتة بحالته عندما لم يأخذ كلامه على محمل الجد ، حتى تدمر كل شيء بيوم واحد فقط وبساعات قليلة وامام عينيه ، وكل ما حدث قبل حلول العاصفة هو سماع كلمات واحد من اصدقاء عصابته وهو يقول له بلهاث مذعور
"بسرعة يا مازن تصرف ! لقد اختطف رجال جابر تلك الفتاة واقنعوها بأن تأتي معهم من اجل مقابلتك ، وهي ذهبت معهم بملء إرادتها ، ويخبرك جابر ايضا بأنه يريد مقابلتك عند مصنع البلاستيك القديم بغضون دقائق"
 
بعدها كل شيء حدث بسرعة خيالية حتى نسي معظم الأحداث هناك بين الوقت الذي استغرقه بالوصول لهم وبين وقته بالتفكير بحال تلك الفتاة والذي كان السبب الرئيسي بتوريطها بكل هذا ، ولم يجد نفسه سوى امام صديقه الذي كان اقرب الاصدقاء له وهو يصوب المسدس بوجهه والذي حصل عليه من اجل الدفاع عن نفسه بحكم عمله بين العصابات ، بينما الواقف امامه يمسك بذراع الفتاة صاحبة الزي المدرسي والذي يدل بأنها قد اختطفت بوقت ذهابها للمدرسة ، وهي منكسة الرأس بدون ان يظهر شيء من وجهها المغطى بستار شعرها وبسكون موحش ، بادر بعدها بالكلام صاحب الصوت المتوحش وهو يهز الفتاة بتملك قائلا بانتشاء واضح
"انظر لقد حصلت اخيرا على فتاتي بدون مساعدتك ، ولكن شكرا لك على خدماتك فقد ساعدتنا كثيرا"
 
صرخ فجأة بغضب وهو يلوح بالمسدس بعنف
"اترك الفتاة يا جابر ، اتركها حالاً"
 
ابتسم بميلان خبيث وهو يخرج مسدسه من خلف ظهره ليرفعه لرأسها قائلا بضحكة ساخرة
"لماذا كل هذا الدفاع عنها يا صديقي ؟ هل يعقل بأنك قد وقعت بحبها ؟ يا لهذه الخيانة الكبرى !"
 
عاد ليشدد على اسنانه بقسوة وهو يهمس من بينهما بحنق نافذ
"هذا ليس من شأنك ، ولن اسامحك على الكذب عليها وقول كلام على لساني ، ايها الحقير !"
 
حرك رأسه بأسف مزيف وهو يهمس بخفوت متسلي
"لا تحاول لعب دور البطل المغوار ، فقد كشفت كل ألاعيبك امامها ، وهي الآن تعلم عن خططنا كاملة ومن الذي كذب على مَن ! لذا لا داعي للمزيد من التمثيل بما ان اوراقنا قد كشفت الآن امام بعضنا البعض يا صديقي العزيز"
 
كان ينقل نظراته نحوها بصدمة وبخوف خفي وهو يلمح رأسها والذي ارتفع نحوه ببطء شديد قبل ان يتقابل بلحظة مع عينيها واللتين اختفى منهما كل بريق بمقلتيها السوداوين الواسعتين وبنظرة كره خفية لمعت بظلام احداقها لتطغى على نظراتها القديمة والتي كانت تملئها بعاطفة حبها المجنون به لتبدلها بكره واضح ونفور بارد ، تلك النظرة لم ينساها بحياته ابدا فقد كان يراها بعيون (ماسة) ايضا حتى اصبحت بعيون جميع الفتيات وهو يتحول للكائن المكروه والمنفور بالنسبة لهم ، وما حدث بعدها هو جنون فقد السيطرة على جماحه وهو ينوي اطلاق النار على صديقه والتخلص من ذاك الشعور المؤلم والذي بعثه بداخله بالموت البطيء ، وهو يصرخ بلحظة بكل حقد وغضب وبطيش الشباب والذي يستبد به عادة عندما يصل غضبه لأقصاه ويطلق جماح رعونته
"سأقتلك ايها الحقير ، لن اسامحك عليها ، لن ادعك تبقى على قيد الحياة بعد كل ما فعلته الآن !"
 
لم يرى بعدها سوى ابتسامته الشامتة بخبث وهو يضغط زناد المسدس بكل قوة وتهور لتنطلق الرصاصة بلحظة بخط مستقيم قبل ان تصيب آخر من توقع ان تصل له وهي تستبدل بصاحب الابتسامة بلمح البصر ، اتسعت عينيه باهتزاز مذعور لأول مرة وهو يشاهد الجسد الصغير والذي ارتمى قتيلا امام عيون جميع افراد العصابتين بصدمة حلت على الجميع لثواني ، بينما اول من قطع الصدمة الذي قال بحزن مزيف بدون اي تأثر بما حدث الآن
"يا إلهي ! لقد قتلت فتاتي يا مازن ! كيف فعلت هذا بصديقك العزيز ؟ حقا انت مجنون !"
 
سكنت ملامحه وجسده وكل شيء يحيط به بدون اي حراك وهو ما يزال يسمع صوت ضحكه الشرير بسخرية قميئة وهو يغادر بعيدا عنه وبعد ان دمر كل شيء ببساطة ، لتختفي بعدها الاصوات الواحدة تلو الاخرى حتى لم يتبقى سوى صوت تخبطات صدره المتسارع وصراع عقله المستميت وحرب بين المنطق والقلب وشخص عالق بينهما لا يعرف السبيل بالفرار .
 
نهض عن الأرض بتعب وببعض الدوار الذي بدأ يلف رأسه بصداع رهيب شطره لنصفين ، ليخطو قليلا للأمام بإنهاك وهو يعرج بقدميه بصعوبة قبل ان يرتمي على السرير بتعب وهو يكمل دوار احلامه مع ذكرياته السحيقة بدفنها بملاءة السرير براحة ، وهو يفكر فقط بكل ما اقترفه بحياته من آثام وذنوب وكل ما دفع الفتيات واللواتي اقترن به بصلة يوماً لكي لا يكنوا له سوى الكره والنفور حتى اصبح بالنهاية كائن بشع لا يستحق الحياة بنظرهن ، (ماسة) و (صفاء) و (غنوة) ، جميعهن يختلفن بصفات الشبه والتصرفات ولكنهن يتشاركن بشيء واحد اجتمعن عليه معا وهو الكره والنفور نحو الرجل والذي دمر حياتهن يوما وما يزال ، وهو يتذكر الانصاف الإلاهي بهذه الحياة القاسية والتي تعطي كل منه حقها بها بدون اي نقص او خسارة
(كما تدين تدان)
___________________________
اغلقت باب الغرفة بقوة وهي تستند عليه بسكون تام بدون اي حركة ظاهرة على ملامحها المتيبسة وبدون اي حياة ، لتتنفس بعدها بشهيق منتحب وهي تحاول السيطرة على موجة البكاء المُلحة والتي دائما ما تنتابها بهذه المواقف وهي تجتاحها بإصرار حتى احرقت عينيها وجسدها بلسعة مؤلمة .
 
زمت شفتيها باستماته وهي تقاوم ارتجاف جسدها لتمسح بعدها على وجهها بكفيها وهي تهمس بين شهقاتها بأنين وبهذيان سيطر عليها
"لقد قال بأنها حامل ! ولكن كيف حدث هذا ؟"
 
قبضت على يديها فجأة بانقباض وهي تحرك رأسها بالنفي هامسة بتفكير مشتت
"هو لم يقترب منها سوى مرة واحدة بعد زواجهما ! وقد تأكدت بنفسي بعدم تكرار ذلك مجددا طول تلك الفترة الماضية ؟ هل هذا يعني بأنه ناتج عن علاقة واحدة جمعت بينهما معا ؟"
 
امسكت جبينها بكفيها وهي تنظر للأسفل بضياع لتتابع هذيانها باستنكار وذهول اكبر
"ولكن لماذا حدث هذا معها ؟ وفقط من اول محاولة غير مقصودة ؟ بينما انا التي حاولت مرارا على مدار خمس سنوات كاملة وانا اجرب كل الحلول الممكنة والتي توصلت إليها مع الطبيبة الخاصة بحالتي فقط لأستطيع ان احمل بطفل واحد ! وهي استطاعت فعلها بكل بساطة وبدون اي جهد مذكور !"
 
نفضت ذراعيها للأسفل بتشنج وهي تصرخ بالهواء باستنكار وكأنها قد فقدت السيطرة على اعصابها المنهارة مسبقا
"لماذا هي من تحمل بالطفل بيننا ؟ لماذا تلك اللعينة من تحمل به ؟ ما لذي فعلته ليكون الطفل من نصيبها هي ؟ ذلك الحلم وكل المجهود والذي بذلته بأن احمل انا الطفل قد ضاع كله هباءً ؟ لماذا يا إلهي !"
 
زفرت انفاسها بحشرجة مؤلمة وبغصة تكاد تنحر روحها المحطمة والتي خسرت معها حلمها الوحيد بأن تحضر اول حفيد لعائلة الفكهاني ، وها هي احلامها تسرق منها واحدة تلو الأخرى بتتابع متسلسل بداية بحب زوجها واهتمام عائلته لتصل بالنهاية لأهم سبب يجعلها زوجة بحق وتستحق الحياة بين هذه العائلة وهو بأن تنجب طفل عائلة الفكهاني ويأخذ اسم العائلة ويكون ولي العهد لها ، حتى لم يتبقى لها بنهاية المطاف سوى مرتبة زوجة بالاسم بعد ان كانت كل شيء بحياتهم فيما مضى !
 
ابتعدت عن الباب بخطوات متعثرة بانهيار لتجلس بلحظة على طرف السرير بخواء وهي تحاول ترتيب افكارها الاخيرة وموازنة وضعها الجديد ، لتمسح بعدها على رأسها بعنف للحظات وهي تشد بأصابعها على خصلات شعرها المتشابكة بقوة ، قبل ان تبتسم بسخرية مريرة بارتجاف وهي تهمس بخفوت بارد وبنظرات دامعة بحرقة
"يبدو بأنني بالنهاية غير قابلة للإنجاب مثلما غير قابلة للحب ! مجرد كائن ضائع بين حياة الآخرين وبين هذا وتلك لا يلقى اي اهتمام !"
 
ارتخت مفاصل اصابعها على خصلات شعرها لوهلة قبل ان ترتمي ذراعيها جانبا بهدوء ، لتضع بعدها كفها تلقائيا على معدتها وهي تشدد على قميصها بقوة وبدون اي شعور سوى بغريزة الغيرة والتي تكاد تذبح روحها على كل شيء لم تستطع ان تملكه يوما .
 
رفعت يدها بهدوء وهي تلتقط الهاتف من على المنضدة بجانبها بصمت ، لتضغط بعدها عدة ازرار بارتجاف على شاشة الهاتف امامها لتجري بلحظة الاتصال ، وضعت الهاتف بجانب اذنها وهي تستمع لطنين الهاتف بصمت تام وبلحظة كان يفتح الخط من الجانب الآخر .
 
ساد الصمت بين الطرفين للحظات بدون ان يبادر احد بالكلام ، ليخرج بعدها الصوت الغاضب بنبرتها المتعالية وهي تصرخ بعصبية واضحة
"ماذا تريدين الآن يا سلوى ؟ لم يكد يمر وقت على عودتك للمنزل اخيرا حتى عدتِ للاتصال مجددا ! وإياكِ وان اسمع منكِ اي شكوى او نحيب بسبب تصرفات ضرتك الثانية ، بل الذي عليكِ فعله هو ان تكوني اقوى امامها وتثبتِ......"
 
قاطعتها التي خرجت عن صمتها بابتسامة هاوية بذبول وهي ما تزال مأسورة بصدمة ما حدث قبل قليل
"لا فائدة يا امي ! فقد خسرت امامها مجددا ، وهذه المرة خسارة لن استطيع تعويضها بأي شيء آخر !"
 
صمت من بالطرف الآخر للحظات قبل ان يعود صوتها الغاضب بنبرة اخفت بارتياب
"ما هذا الذي تتحدثين عنه يا سلوى ؟ وماذا حدث لعقلك الآن لتقولي مثل هذا الكلام ! هل عدنا لحالة الجنون واليأس مجددا ؟"
 
شددت اكثر على الهاتف بيدها وهي تغرز اسنانها بطرف شفتيها لا شعوريا حتى ادمتها هامسة من بينهما بأنين مهتز لا يكاد يسمع
"لقد حاولت كثيرا وتكرارا بدون اي نتيجة ترجى ! بينما هي حصلت عليه بمنتهى السهولة وبدون ان تستغرق اي وقت او عناء....."
 
شهقت فجأة بغصة البكاء والتي قضت على مقاومتها الاخيرة بكتمها بداخل خلجات روحها اكثر مما يحتمل جسدها ، لتغطي وجهها بيديها بلحظة وهي تجهش ببكاء مرتفع وبعويل كاسر مذبوح ومختلف عن طريقة بكاءها السابقة والتي تدل هذه المرة عن مدى المعاناة والتي تكبتها بداخلها وهي تخرجها بانفجار باكي مثل بركان ثائر فاض عن حد الاستيعاب ، وبدون ان يصلها صوت والدتها القلق والبعيد تماما عن مجرى سمعها وبعد ان وقع الهاتف بجانبها
"سلوى اين ذهبتِ ؟ اجيبِ يا فتاة وتكلمي معي ! لا تتركيني متخبطة هكذا بأفكاري ! ارجوكِ تكلمي معي يا ابنتي"
 
ولكنها لم تسمع اي شيء من كل هذا وهي مشغولة بإخراج كل مشاعرها المكبوتة والتي اختلجت بداخل قلبها ما ان شهدت واقعة ذلك الخبر على حياتها الزوجية والتي سحقت كل حلم كانت تعيش عليه يوما .
 
______________________________
بعد مرور اسبوع......
كانت تكتب على طول الورقة امامها بهدوء صامت وهي تريح جانب رأسها المرتمي على ذراعها المرتخية فوق طاولة المقعد بدون ان تعطي اي اهتمام لكل الثرثرة والتي تدور من حولها بقاعة تمتلئ بكل اصناف واشكال الطلاب والذين يفوق عددهم عن مئة طالب....شددت فجأة بأصابعها على القلم بتشنج وهي تحين منها التفاتة سريعة بطرف عينيها نحو جهة معينة ما ان التقطت اشارة بأنها مراقبة...لتعبس بعدها زاوية من شفتيها بخمول وهي تلاحظ ارتباك نظرات فريستها والتي ابتعدت من فورها عنها بخوف تجلى على محياها بوضوح بدون ان تفهم سبب ما فعلته !...زفرت انفاسها بملل ما ان اكتشفت سوء ظنها وهي تعود بنظرها للأمام وللقلم المتحرك بين اصابعها المتصلبة وهي تتابع كتابة ما كانت تفعله بهدوء تحسد عليه...فيبدو بأنها قد اصبحت بالآونة الاخيرة ترتاب من اي شيء يقع تحت نظرها وتحت تأثير غريزتها وكل جسدها متأهب لأي وضع طارئ يحدث معه واكثر من اي مرة سابقة !
 
تنهدت بابتسامة طفيفة بدون ان تمنع نفسها وهي تتذكر كلام صديقتها الحالمة والتي كانت تسخر منها دائما بسبب نظرتها نحو الآخرين وسوء ظنها بهم بدون ان تجرب الاختلاط بهم عن قرب او التأكد من ظنونها نحوهم ، فهي بالنهاية كائن منعزل لا يحب ابدا صنع الصداقات مع احد او تجربة عالم الاختلاط الاجتماعي وتكوين العلاقات مع كل من يقابله ، ولن تنسى ابدا حياتها المدرسية المأساوية والتي كانت عبارة عن كوارث متتالية بسبب شخصيتها العنيفة والتي كانت تترصد لأي احد يخطئ بحقها إذا كان بقصد او لم يكن ، وكم عانت كثيرا بسبب هذه المشكلة وخاصة مع نوعيات محددة تتقصد الضرر لها على الدوام او مضايقتها بشتى السبل حتى كادت تفصل من المدرسة عدة مرات وبكل مرة تنفذ بمعجزة ما بسبب وجود شقيقتها بجانبها ومحاولتها الدائمة لدعمها بكل الطرق ، وهذا ما ادى عن زيادة وحدتها بعالمها المنعزل وبعيدا عن كل الكائنات التي تعيش من حولها والتي لا تنظر لها سوى بكره وبسوداوية انطبعت بداخلها ، وكل ما استطاعت الحفاظ عليه بتلك المرحلة هي علاقتها بصديقتها الوحيدة (صفاء) والتي لم تحتاج لصنع اي صداقة او عواطف بينهما تكونت تلقائيا ونبتت بينهما بدون اي مجهود يذكر فقط اشارات خفية يرسلها قلبها ناحية قلب الاخرى لتفهم سر الرباط الذي يجمعهما بدون كلام ...
 
رفعت رأسها بهدوء وهي تعتدل بجلوسها بصمت ما ان اعلن الاستاذ عن لحظة انتهاء المحاضرة ، لترتب من فورها الأوراق المبعثرة بداخل دفترها وهي تدسها بعدها بداخل حقيبتها بعشوائية .
 
وما ان نهضت عن المقعد وهي تثبت حزام الحقيبة فوق كتفها حتى تصلبت قليلا لبرهة وهي تنظر جهة الذي كان يهتف باسمها من لحظة ، تقدمت بخطوات ثابتة بصمت باتجاه الاستاذ الواقف امام طاولة المحاضرة باتزان ، لتقف بعدها امامه عدة لحظات بدون ان تنظر له قبل ان تسمع صوته الجاد وهو يهمس بجمود
"ألم تحضري الموضوع الذي طلبت منكِ كتابته خلال يومين ؟ ام انكِ عدت للنسيان مجددا !"
 
زمت شفتيها بوجوم بائس وهي تهمس بخفوت لا يكاد يسمع
"اعتذر مجددا على التأخير بتسليم الموضوع ، واعدك بأن اسلمه لك بالغد بدون اي تأخير"
 
سكنت الاجواء بينهما للحظات قبل ان ينطق الواقف امامها بجدية عملية
"اسمعي يا ماسة ، اعلم بأنكِ تمرين بظروف بهذه الفترة بسبب زواجك الذي لم يكد يمر عليه اسبوع ، واقدر هذا جيدا واتفهم هذا التغيير المفاجئ والذي يحدث بحياة كل فتاة ، وهو ما جعلني اتساهل مع عدد غياباتك المتكررة عن المحاضرات وعن تقديم حلول الدروس الاخيرة ، ولكنني اراهن بأنكِ تستطيعين فعلها والتنظيم بينهما لتقدمي افضل ما لديكِ فأنتِ بالنهاية نابغة الدفعة ؟ لذا اتمنى ان تنتبهي من الآن لهذه النقطة وتركزي اكثر على مذاكراتك للدروس القادمة !"
 
اومأت برأسها بشرود قيدها بغلالتها المنعزلة وهي تسمع هذه الجملة على مدار سنوات بحياتها المدرسية لحياتها الجامعية مع اختلاف الظروف بدون ان يقدر احد ما تمر به حقا ! لتشدد اكثر من القبض على حزام حقيبتها وهي تهمس بابتسامة صغيرة بارتجاف بكل ما تستطيع من ثبات وبرسمية دائما ما تقابلها امام هذا النوع من الأوامر
"سوف احاول العمل على نصيحتك ، وشكرا لك على تفهمك يا استاذ مراد"
 
حرك رأسه بابتسامة متسعة بهدوء وهو يقول بثقة جادة
"اتوقع منكِ الافضل دائما يا ماسة الفاروق ، ولا تنسي الاختبارات النهائية قد اصبحت على الأبواب لذا ابذلي كل ما بوسعك واجعلي الجميع يفخر بكِ"
 
عادت للإيماء برأسها بجمود بدون اي حياة ظاهرة على محياها البارد ، وما ان كانت على وشك المغادرة حتى عاد للكلام وهو يقول بجدية
"اريد ان اطلب منكِ خدمة بسيطة وهذا إذا لم يكن لديك مانع ! الحقيقة هناك طالبة تعاني بصعوبة بفهم بعض الدروس واريد منكِ مساعدتها بشرح تلك الدروس لها باستراحة الغداء ، فأنا ارى بأنكِ افضل من يستطيع مساعدتها"
 
رفعت رأسها ببطء وهي ترفع حاجبيها بآن واحد هامسة بانشداه
"ولكن انا......"
 
قاطعها قدوم الفتاة والتي تقارب من سنها بشعر اسود طويل والتي انضمت لهما بلحظة وهي تقف بجانب الاستاذ هامسة بخفوت
"مرحبا"
 
قال (مراد) من فوره وهو يشير امام الفتاة بذراعه قائلا بعملية
"حسنا يا سلمى ، يمكنكِ الآن الذهاب مع نابغة الدفعة والتي سوف تساعدك بفهم الدروس الصعبة عليكِ ، واتمنى ان يساعدك هذا الأمر ويحسن من مستواكِ بالتحصيل"
 
تدخلت التي عقدت حاجبيها بحدة وهي تهمس بجفاء خافت
"اعتذر ولكن لا استطيع مساعدتها بمثل هذا الموضوع ، فهذا الأمر يفوق مقدرتي....."
 
قاطعها صوت الاستاذ وهو يقول بابتسامة هادئة برزانة
"لا بأس يا ماسة ، لقد طلبت منكِ المساعدة لأني لا استطيع الاعتماد على غيرك بهذا الأمر ، ولو كنت املك الوقت لما احتجت لطلب هذا منكِ ! فأنا لدي اشغال اخرى عليّ عملها ولا استطيع التوقف من اجل هذا الأمر"
 
اشاحت بوجهها جانبا بغضب مكتوم وهي تشعر بنبرته تحمل اللوم باتجاهها مصحوب بتأنيب الضمير وهو اكثر ما تبغضه بحياتها ، لتعود بنظرها نحوهما بسرعة وهي تهمس باستياء خافت
"حسنا انا موافقة ، لا امانع مساعدتها"
 
اتسعت ابتسامته وهو يقول بمودة هادئة
"شكرا لكِ على تفهمك ، واتمنى التوفيق لكما ، والآن عذرا عليّ الذهاب !"
 
غادر بعدها الاستاذ باتجاه خارج القاعة بلحظات ، لتتحرك بعدها التي قالت ببهوت وهي تسير بعيدا خلف الاستاذ
"هيا بنا لنرحل"
 
ارتبكت ملامح (سلمى) بتوجس وبعد ان غادرت امامها بلمح البصر لتلحق بها بسرعة وقبل ان تفقد اثرها .
 
جلست (ماسة) بجانبها عند مقاعد الاستراحة وهي تضع الكتاب فوق ساقيها والقلم يترنح بين اصابعها وشفتيها تنطقان بسرعة قياسية وببرود جليدي احاط بهما بثواني ، لتخرج عن صمتها التي همست بإحراج وهي تتلاعب بالقلم بتوتر
"لو سمحتِ يا ماسة الفاروق ! هل تستطيعين شرح النقاط بشكل واضح اكثر وببطء اكثر ؟"
 
نظرت لها للحظات بارتياب قبل ان تهمس بخفوت عابس
"كيف عرفتي اسمي ؟"
 
اخفضت نظراتها بوجل وهي تهمس بتفكير مرتبك
"لقد سمعت الاستاذ عدة مرات وهو يناديكِ بهذا الاسم بالقاعة"
 
حركت (ماسة) عينيها بعيدا عنها ببرود بدون كلام وهي تشرد بعينيها قليلا وكفها تطرق على الدفتر بالقلم لا إراديا ، لترفع بعدها عينيها ببطء لوهلة ما ان تابعت الاخرى كلامها هامسة بخفوت حزين
"خاتم زواجك جميل ! مبارك لكِ"
 
عبست ملامحها بلحظة وهي تخفض نظرها ليدها الممسكة بالقلم والخاتم ذو الألماسة الكبيرة يظهر من بين اصابعها بوضوح ، لتهمس بعدها لا شعوريا بخفوت
"شكرا"
 
ابتسمت بهدوء وهي تهمس بشرود حالم
"هذا جميل ! هل هي قصة حب ام زواج تقليدي ؟"
 
انفرجت شفتيها بارتعاش لوهلة وهي ما تزال تحرك حلقة الخاتم بأصابعها بهدوء قبل ان تتمتم بوجوم عابس
"زواج تقليدي ، فهو يكون ابن خالي"
 
ارتفع حاجبيها بدهشة لحظية وهي تشرد هامسة بخفوت مرتجف
"يا له من قدر !"
 
اخفضت رأسها بارتباك ما ان شعرت بنظرات الاخرى تكاد تخترقها لتقول من فورها بحيرة خافتة لتجلي تفكيرها بعيدا
"انا لم ارى صديقتك صفاء منذ ايام ! هل حدث معها مكروه ؟"
 
تجمدت ملامحها لبرهة وهي تهمس بعدم اهتمام
"لقد تزوجت قبل فترة ولم يعد بإمكانها العودة للجامعة"
 
ارتفع حاجبيها بصدمة وهي تهمس بذهول مندفع
"ولكن لما لا تستطيع ؟......"
 
صمتت من فورها ما ان وجهت لها نظرات جليدية وهي تهمس لها بحدة خافتة
"وما دخلكِ انتِ !"
 
ارتجفت ملامحها بجزع وهي تضم قبضتيها معا قبل ان تهمس بتخبط واضح
"اعتذر ولكنني اذكر بأنها كانت من النوع الشغوف والمثابر بالدراسة والذي لا يتخلى عن حلمه مهما كانت الظروف ! كيف تغيرت هكذا وتخلت عن هدفها ومسعاها بالحياة ؟......."
 
ابتلعت باقي كلامها بوجل امام التي قاطعتها باستنكار حاد
"كيف تعرفين كل هذا ؟ انتِ....."
 
توقفت عن الكلام وهي تمسك بذقنها بتفكير عميق وبعينين حادتين بتموج قاتم ، لترفع بعدها حاجبيها مع اتساع مقلتيها بآن واحد هامسة بخفوت منفعل اقرب للازدراء
"انتِ هي إذاً سلمى حمدي صحيح ؟ لقد توقعت ان تكوني هي ولكني تفاجأت !....."
 
ردت بسرعة بانفعال استبد بها
"غير صحيح ! اقصد لقد اخطئتِ بيني وبين فتاة اخرى"
 
ابعدت يدها عن ذقنها وهي ترفعها امام وجهها ليدور اصبعها الطويل حولها هامسة بخفوت مشتد
"بل هذه انتِ ! صديقتي القديمة والخائنة والتي تسببت بالمشاكل لي ومحاولة فصلي من المدرسة بالتعاون مع اعدائي ، استطيع معرفتك من الندبة والتي سببتها لكِ !"
 
ارتعشت ملامحها ما ان استقر اصبعها على مكان الندبة بجبينها بقوة ، لتخفض وجهها بسرعة وهي تهمس بتعثر وبندم واضح
"انا ، انا اعتذر على كل شيء ، لم اكن اقصد حدوث كل هذا ، لقد ارغموني على فعلها بذلك الوقت ، صدقيني لقد احببت كثيرا رفقتك انتِ وصفاء !"
 
قبضت على يدها وهي تخفضها بعيدا عنها لتهمس بلحظة ببرود جليدي
"غير مهم ، فكل هذا قد اصبح من الماضي الآن ، وصغار الأمس لم يعودوا صغارا !"
 
رفعت عينيها بوجل للحظات قبل ان تمسك بيدها المستكينة فوق ساقها وهي تهمس بحزن عميق
"ارجوكِ انسي كل ما حدث بالماضي يا ماسة ، ولنبدأ من جديد بدون اي ذكريات قديمة ، انا ارغب بالعودة كما كنا بالماضي نحن ثلاثتنا ، سيكون هذا رائعاً....."
 
نفضت يدها بعيدا عن كفها وهي تنهض واقفة بتصلب بلحظة حتى اوقعت المذاكرات ارضا ، لتقول بعدها بشبه ابتسامة ساخرة وهي تنظر بعيدا عنها بقسوة
"حقا يا سلمى ! بعد كل هذا الوقت الطويل تقررين العودة لحياتنا ؟ لقد قلتها من قبل وسوف اكررها صغار الأمس لم يعودوا صغارا"
 
عادت للكلام برجاء اكبر وهي تضم قبضتيها معا بإصرار
"ولكنكِ الآن وحيدة بدون اي اصدقاء ! ألا استطيع ان اكون صديقتك مجددا ؟ وانا اعدك بأننا سنكون افضل الاصدقاء كما بالماضي وافضل"
 
حادت بنظراتها نحوها لبرهة قبل ان تتسع ابتسامتها بغموض ساخر وهي تحرك كتفيها هامسة ببرود باهت
"اعتذر يا عزيزتي ولكنكِ من اختار ان يكون ضمن تلك القائمة مسبقا ! وايضا انا لدي صديقة واحدة بالفعل ولا افكر باستقبال المزيد منهم ، فهي تكفيني ولا احتاج لغيرها ، لذا اعذري قلة ثقتي ولكني افضل البقاء وحيدة طيلة حياتي على ان اعود لمن خان العهد ونكره !"
 
تجمدت (سلمى) بمكانها بدون حراك وهي تنظر لها بانشداه صامت ، لتحمل (ماسة) حقيبتها عند كتفها ومذاكراتها بين ذراعيها وهي تلوح لها بيدها الحرة هامسة بلا مبالاة
"لقد لخصت لكِ كل ما يخص الدروس الغير مفهومة بالنسبة لكِ على ورقة بداخل الكتاب ، وبالمقابل لا تحاولي الظهور امامي مجددا وطلب مساعدتي ، وشيء آخر توقفي عن مراقبتي ومتابعتي بكل مكان اذهب إليه فهذا يضايقني بشدة ويدفعني للجنون !"
 
غادرت بعدها من امامها باتجاه ساحة الكلية وهي تنظر امامها ببهوت ساكن وبخطوات جامدة ، وامور كثيرة تموج بعقلها وبحياتها والتي لطالما كانت مثل البحر تلقيها بكل مرة بتيار مختلف واشد قسوة عن سابقه لتكون عبارة عن دروس ومواعظ لها ، والاكثر قسوة من كل هذا هو شعور انكسار الثقة والذي زرعته تلك الفتاة بطفولتها لتكون هي الدافع والتغيير اتجاه نظرتها نحو العالم والذي لم ينصفها يوما !
 
قبضت على يديها المعانقتين مذاكراتها بشدة وهي تعود لنفس التقلب بين التوق والتفكير والحسرة على ذلك الغائب القريب والذي لم تراه او تلمحه منذ اسبوع ! يا ترى كيف حاله الآن ؟ ومتى سيعود ؟ نفس الاسئلة لم تبارح تفكيرها منذ ذلك الوقت والذي رحل به ذلك الغائب مثلما كان يفعل جميع من حولها...فهل سوف يختلف عنهم ؟!
______________________________
خرجت من غرفة الإدارة وهي تحمل عدد كبير من الملفات والتي تتعلق بكل تلميذ موجود بفصلها ، وهي تحاول التشبث بالملفات بذراعها لتغلق باب الغرفة بيدها الاخرى ، تنهدت بتعب وهي تتمسك بالملفات بذراعيها معا لتكمل سيرها باتجاه مكتبها لتراجع كل ملف بيدها على حدى وبدقة متأنية بدون اي ضوضاء .
 
كانت تسير ببطء شديد وبإنهاك اصبح يراودها كثيرا مؤخرا ، لتتوقف بهدوء وهي تلتفت بنصف وجهها ناحية صوت الهتاف الطفولي قبل ان ترفع حاجبيها بدهشة وهي تنظر للذي كان يجري نحوها ببداية الممر ، ليقول بعدها بلهاث ما ان وقف امامها وهو يبتسم لها بابتهاج
"هل تحتاجين للمساعدة ؟"
 
عبست ملامحها بلحظة وهي تلتفت له بكلتيها قبل ان تهمس بوجوم صارم
"ما لذي تفعله هنا يا سامي ؟ انت تعلم جيدا بأنه يمنع الجري بالممرات وبين الفصول بوقت الفسحة ! بل عليك ان تكون الآن مع جميع الطلاب بالساحات قبل موعد انتهاء الاستراحة"
 
تبرمت شفتيه وهو يقول بعبوس متذمر
"ولكني لا احتاج للاستراحة فهي مملة جدا وطويلة ، وايضا اردت مساعدتك بأعمالك ، لذا هل تسمحين لي ارجوكِ ؟"
 
عقدت حاجبيها بارتباك لبرهة لتقول بعدها بجدية وهي تحتضن الملفات بكل قوة
"لا هذا غير مسموح يا سامي ، وعليك ايضا الاستفادة واغتنام الفرصة من الاستراحة لتشحن بها طاقتك وتقدم لجسدك وذهنك الراحة ومن اجل ان تستطيع اكمال باقي اليوم بنشاط وقوة اكبر ، فأنا لا اسمح ابدا بالتهاون بمثل هذه الأمور الضرورية"
 
زم شفتيه برفض وهو يهمس برجاء شديد
"ارجوكِ يا معلمة روميساء ، اسمحي لي بمساعدتك فقط هذه المرة !"
 
ردت عليه بصرامة اكبر وهي تلوح بذراعها بأمر
"ماذا قلت الآن يا سامي ؟......"
 
صمتت من فورها بتشنج مفاجئ ما ان انزلقت الملفات من ذراعها بلحظة لتتلقفهم الارض من اسفلها بعشوائية ، نظرت ببؤس للملفات امام قدميها وهي تتنفس بتعب استبد بها ، لتنحني من فورها على ركبتيها وهي تلتقط الملفات والاوراق والتي خرجت منها برفق ، رفعت رأسها بعينين متسعتين بتعجب وهي تنظر للطفل والذي بدأ بجمع الملفات معها قائلا بندم محرج
"انا اعتذر"
 
ابتسمت بهدوء حاني وهي تتابع جمع باقي الملفات عن الأرض بصمت ، وما ان استقامت بمكانها حتى مد الطفل بالملفات بحوزته لها وهو يتمتم بهدوء
"تفضلي يا معلمة روميساء ، وانا سوف اخرج للساحة مع الطلاب حتى تنتهي الفسحة"
 
زمت شفتيها بصمت قبل ان تشدد من احتضان الملفات بين يديها وهي تهمس بخفوت مبتسم
"لا بأس يا سامي ، يمكنك مساعدتي بإحضار هذه الملفات معي للمكتب ، ولكن بعد ان ننتهي ستعود حالاً لتكمل الفسحة مع رفاقك بساحة المدرسة ، هل هذا مفهوم ؟"
 
نظر لها بسعادة وهو يومأ برأسه بقوة قائلا بحماس
"حاضر يا معلمتي"
 
اتسعت ابتسامتها برفق وهي تستدير للأمام بلحظة هامسة بود
"إذاً هيا بنا ، ولكن إياك وان توقعها من بين يديك !"
 
وصلت امام المكتب الخاص بها بلحظات لتفتح الباب من فورها بالمفتاح بحوزتها ، لتتجه بعدها امام المكتب وهي تضع الملفات من فوقه بحرص وترتيب ، لتلتفت باتجاه الذي ما يزال يسير بخطوات صغيرة وبصعوبة وهو يحاول التمسك بالملفات القليلة بذراعيه الصغيرين بتشبث .
 
عضت على طرف ابتسامتها وهي تتقدم امامه بلحظة لتتناول منه الملفات بهدوء وهي تريحه من الحمل الثقيل على كاهله الصغير ، وضعت الملفات مع رفاقها فوق طاولة المكتب بهدوء ، لتلتفت من فورها امام الطفل الساكن بمكانه ينتظر امرها التالي ، لتقول بعدها بلحظات بابتسامة صغيرة بامتنان
"شكرا لك يا بطلي الصغير ، لقد انقذتني اليوم"
 
اخفض رأسه الصغير بإحراج وهو يهمس بخفوت واثق يتخلله الخجل
"اجل بالطبع ، يمكنكِ الاعتماد عليّ دوما ، اقصد ليس دائما احيانا !"
 
ضحكت بمرح خافت بدون شعور منها وهو يخرجها من شخصيتها الصارمة والتي تتلبسها دائما بلحظة ، لتمسح بعدها من تحت عينيها الضاحكتين برفق وهي تهمس بابتسامة هادئة بمرح
"لا تقلق يا بطلي الخارق ، فأنا لن استطيع الاعتماد عليك بكل شيء ، فهناك اشياء لن يتحملها حجمك الصغير على طفل بسنك !"
 
رفع رأسه بصدمة وهو يلوح بقبضته قائلا بتذمر
"انا لست طفل ولا صغير ، لقد بلغت الثامنة من عمري ، وهذا يعني بأني اصبحت رجلا ويستطيع الاعتماد عليه"
 
عضت على طرف ابتسامتها بقوة لتمنع نفسها من الضحك مجددا ، قبل ان تقول بابتسامة واثقة بمحبة
"اعلم ذلك جيدا ، وألا لما سمحت لك بحمل الملفات معي !"
 
لانت ملامحه الصغيرة قليلا بدون ان يفقد عبوسه وهو يخفض نظره بهدوء ، لتقول بعدها من جديد باهتمام جاد وهي تستند بالمكتب من خلفها
"كيف اصبحت حالة والدك ؟ هل ما يزال يعاني بصعوبة بالسير ؟"
 
اجابها بهدوء بالغ بعد ان اختفى المرح من صوته الطفولي
"اجل بخير ، وقد عاد للعمل بالشركة منذ فترة قصيرة ، بعد ان كان يدير امور عمله بالمنزل ، ولكنه ما يزال يعاني من عرج طفيف غير مرئي تقريبا"
 
عقدت حاجبيها بوجوم وهي تشعر بصوته الحزين والذي يدل على رفضه لفكرة عودة والده للعمل وبعد ان اعتاد على وجوده بالمنزل ! لتقول بسرعة ببعض المرح وهي تلوح بيدها ببساطة
"هذا رائع ! هذا يعني بأن والدك قد بدأ يستعيد صحته وحياته الطبيعية اخيرا كما كان عليه ان يحدث ، عليك ان تكون مبتهج من اجل والدك يا صغيري فهذا اكيد سيكون للأفضل......"
 
قطعت كلامها فجأة وهي تبتعد عن الاستناد بالمكتب ما ان شعرت بلحظة بألم طفيف بأسفل معدتها ، لتسير من فورها للأريكة وهي تجلس عليها بتعب سرى بكامل جسدها بلمحة خاطفة ، وهي تريح كفها على بطنها بقوة وكأنها تحاول منع الألم القابع برحمها من التمادي معها اكثر ، انتفضت لا شعوريا وهي تنظر للذي امسك بذراعها برفق وهو يهمس بتوجس قلق
"هل انتِ بخير يا معلمتي ؟ هل تعانين بألم بمعدتك ! هل تؤلمك بشدة ؟"
 
حركت رأسها بالنفي بشحوب وهي تهمس بابتسامة هادئة بلطف
"لا يا صغيري ليس هناك شيء يؤلمني ، انا بخير تماما ولا اعاني من شيء"
 
عقد حاجبيه الصغيرين بعدم اقتناع وهو يخفض يديه هامسا بإصرار
"لا هذا غير صحيح ! انتِ تتألمين الآن ، وانا اعرف هذا جيدا لأني كنت بأحيان اعاني من آلام المعدة عندما اتناول شيء ضار او غير مفيد"
 
اتسعت حدقتيها الخضراوين بصدمة لوهلة قبل ان تضحك بقوة وهي تهمس من بين ضحكاتها بمرح
"لا ليس هذا هو السبب يا صغيري ! فأنا لا اعاني من هذه الاشياء ابدا"
 
عبست ملامحه بلحظة وهو يقول بعناد واصرار اكبر
"لا انتِ لا تقولين الحقيقة ! وانا متأكد بأنكِ تعانين من آلام المعدة ، ابي كان دائما يخبرني بأن اقول الحقيقة على الدوام وان اكون صادقا مع نفسي لكي لا اواجه المشاكل بحياتي"
 
ارتفع حاجبيها بارتباك وهي تهمس بابتسامة جانبية بحنية
"هل هذا ما كان يقوله والدك حقا ؟"
 
اومأ برأسه ببطء وهو يتمتم بهدوء
"اجل ، عندما كنت اكذب عليه بخصوص آلام معدتي وبأني لا اعاني من شيء ، كان يخبرني بأن الكذب لن ينجيني من مشكلتي ولن يساعدني ابدا ! لذا عليّ ان اكون صادقا بكل شيء اقوله لكي لا اواجه الصعوبات بحياتي"
 
اتسعت ابتسامتها بحنان تدفق بمقلتيها الجميلتين بدفء الربيع ، لتخفض بعدها نظرها لكفها المستريحة على بطنها والتي توقفت عن آلامها وهي تقول بخفوت شارد
"انت على حق يا صغيري ، وبما انك طالبي المفضل سأخبرك الآن بسر ! بالحقيقة انا حامل بطفل وهذه الآلام تراودني بين الحين والآخر من تأثير الحمل ، لذا لا تقلق فهذه الآلام طبيعية وهي بالنسبة لي اجمل آلام قد تمر عليّ بحياتي"
 
رفع وجهه الصغير مع اتساع عينيه بصدمة لحظية ، لينطق بعدها بتلعثم وهو يشير بأصبعه الصغير باتجاه بطنها بارتباك
"هل هذا يعني بأن هناك طفل يعيش بداخلك الآن ، صحيح ؟"
 
اومأت برأسها بسعادة تمكنت من ملامحها المتفتحة ببهجة جديدة وهي تهمس بمحبة
"صحيح يا سامي ، هناك طفل صغير يعيش بداخلي وهو الذي يؤلمني لأنه لا يطيق صبرا حتى يأتي لهذا العالم"
 
تجمدت ملامحه بانشداه لوهلة قبل ان يصفق بحماس مفاجئ وهو يقول بسعادة
"مذهل ! وانا لا اطيق صبرا حتى ارى ابن المعلمة روميساء ، من اجل ان نصبح اصدقاء مقربين ونلعب معا دوما ، رائع !"
 
عادت للضحك بسعادة بشوشة وبراحة من ردة فعله اتجاه امر حملها والذي دفعها بطاقة إيجابيه اكبر وحماس لقدوم الطفل والذي جاء بغفلة عنها ، لتقول بعدها بصرامة مفاجأة وهي تكتف ذراعيها بقوة
"هيا يا سامي ، عليك العودة إلى رفاقك كما وعدتني"
 
اومأ برأسه بطاعة وهو يجري لخارج المكتب لتوقفه بآخر لحظة وهي تقول له بمحبة
"سامي استمتع بوقتك وتأكد من شحن طاقتك لنهاية اليوم"
 
صرخ بآخر كلمة وهو يجري بعيدا
"حاضر"
 
حركت رأسها بابتسامة صغيرة وهي تريح رأسها لظهر الأريكة براحة وكفها قد عادت لتستقر فوق بطنها بهدوء تام ، وهي تشرد بعيدا بخيالاتها عن شكل الطفل والذي سوف يخرج للحياة من رحمها ليأخذ شكل والديه ومن صفات كليهما ليكون بالنهاية اجمل مخلوق قد تراه عيناها...قريبا .
 
_______________________________
كانت تقطع سيقان اوراق العنب بالسكين بيدها قبل ان تدسها بداخل اكياس التخزين الخاصة ، وهي تتابع ما تفعله يديها بتركيز بدون ان تنسى افتعال البسمة الهادئة على شفتيها الورديتين وهي تقابل بها كلام المرأة الجالسة بجانبها وهي تتكلم بجدية هادئة
"هناك نقص بالمواد الغذائية والخضار من اجل المطبخ ، وعلينا كتابتها بالقائمة بين الاشياء التي تنقصنا لطعام الغداء ، ولن ننسى شراء الاجبان والزيتون والألبان من اجل الفطور ، وبما ان موسم اوراق العنب قد قارب على الانتهاء فنحن بحاجة لتخزين كميات اكبر منه للفصل القادم ! وألا ماذا ترين ؟"
 
اومأت برأسها بشرود حتى انسابت خصلات من شعرها الحريري عند جانب وجهها وهي تهمس بخفوت رقيق
"انتِ افضل من يعلم عن امور المطبخ وكل ما ينقص الوجبات الرئيسية باليوم ، وانا مجرد مساعدة مبتدئة هنا اي شيء تختارينه وتريدين فعله فأنا سوف اكون حاضرة ، انتِ فقط اؤمري وانا انفذ"
 
اتسعت ابتسامتها بحنان وهي تقطع سيقان الاورق معها لترتبها بداخل الاكياس هامسة بهدوء
"لا داعي لتتعبي نفسكِ كثيرا معي ، فأنا لا احب الراحة او الجلوس طويلا قبل ان انهي جميع اعمال المنزل وبمجهود يدي وبعرق جبيني ، فهذا بالنسبة لي مبدأ تربيت عليه لسنوات ولا استطيع التخلي عنه الآن فقط لأن احوالنا المادية قد اصبحت افضل عن السابق ، ويمكنك تسميته بمفهوم عصركم بمبادئ عفى عنها الزمن او شيء من هذا القبيل !"
 
اتسعت ابتسامتها بدون شعور وهي تحرك السكين على ساق الورقة برفق هامسة بخفوت مبتهج لتجاري كلامها الاخير
"رائع ! انا ارى بوضوح تعارض آراء عصركم بعصرنا نحن الجيل الجديد ؟ ولكن يبقى دائما عصركم هو المتقدم على الجميع وله هيبته بين الناس مثل تراث العرب ، صحيح ؟"
 
ضحكت بخفوت متعب وهي تلوح بالسكين قائلة بابتسامة متسعة بعطف
"هذا بالنسبة لكِ يا صغيرتي ، فليس الجميع يتشابه بوجهة نظركِ هذه وخاصة بوقتنا هذا والذي لم يعد يعترف بشيء يتعلق بتراث البلاد او التقاليد القديمة والتي كانوا يعيشوا عليها عصرنا ! هذا حال العالم المعاصر يا صغيرتي"
 
سكنت ملامحها وهي تشرد بما تفعله لثواني قبل ان تحيد بنظراتها نحوها وهي تهمس بابتسامة صغيرة بتردد
"عمتي هل تسمحي لي بسؤال ؟ إذا كنتِ لا تمانعين !"
 
نظرت لها بحيرة وهي تهمس بابتسامة حانية بخفوت
"اجل يا عزيزتي اسألي ما تشائين"
 
عادت بنظرها للأمام بإحراج وهي تتلمس على الورقة بنصل السكين هامسة بلحظة بشرود
"لقد اخبرتني بأن ابن شقيقك اوس كان يعيش معكم فيما مضى وارضعته مع جواد ، هل هذا يعني بأن والدته كانت متوفاة بذلك الوقت ؟"
 
توقفت (هيام) قليلا بدون ان تصل السكين لساق الورقة لثواني وهي تتنفس بهدوء ظاهري ، لتعود بعدها لإكمال تقطيع الساق الطويلة برفق وهي تجيب بابتسامة هادئة وبحشرجة صوتها الحزين
"لا ليس هذا ما حدث ، الحقيقة لا اعلم ماذا اخبركِ ولكن زوجة متحت قد هربت منذ سنوات وتحديدا بعد ولادة اوس بأشهر ! الجميع يقول بأنها قد اختفت من على وجه الأرض بدون ان يعلم احد إلى اين وصلت وما حالها الآن ؟ حينها كان اوس ما يزال طفلا يحتاج للرضاعة والغذاء وبدونها لن يستطيع العيش ، لذا احضره متحت لزوجي وطلب منه انقاذه وتقديم الغذاء له قبل فوات الآوان ، ولم اتردد عندها بتقديم المساعدة له كان جواد ما يزال طفلا بعمر السنتين ومن تلك اللحظة التي ارضعت بها ذلك الطفل من حليبي اصبح بمرتبة ابني جواد تماما ، اتمنى فقط لو يعطف على قلبي الملهوف لرؤيته ويعود لي فقد اشتقت له كثيرا"
 
عضت على طرف شفتيها لا شعوريا وهي تنظر لها بتلك العينين العسليتين بغصة قديمة على اثر كلامها ، قبل ان تحني نظراتها قليلا لكفها الممسكة بالسكين وهي تهمس من جديد بنفس برودة صوتها
"وكيف استطاعت ترك ابنها بهذه البساطة ؟ ألم تشعر بالحنين او العطف نحوه وهي تتركه وتغادر هكذا ! كيف واتتها الجرأة على مثل هذه الخطوة وترك طفل رضيع لا يعي شيئاً وهو يحتاج لها اكثر من اي وقت آخر ؟ انا ارى بأنها لا تستحق ان تكون ام !"
 
تنهدت الجالسة بجوارها ببطء وهي تتابع عملها بدس اوراق العنب بداخل الاكياس بحرص قائلة بهدوء جاد
"الذي لا تعرفينه بأن متحت شقيق زوجي رئيس عصابة خطيرة واصحاب سوابق كثيرة ! وبمعرفتي به فهو اخطر مما تظنين واقوى اكثر مما تتصورين يمكنك القول بأنه عدو البشرية ، وحسب ما سمعت ايضا فقد تزوج من فتاة يتيمة ارغمتها عائلتها على القبول به بسبب سمعته السيئة والتي دفعت الجميع للهروب منه وعدم موافقة احد على الارتباط به ، وكان مصير هذه الفتاة الصغيرة هو تذوق الويل والعذاب تحت رحمته لأشهر طويلة حتى ذاقت ذرعا من حياتها وقررت الهروب بعيدا وسيلة للتخلص من بطشه ، لذا لا تحكمي على احد من النتائج امامك قبل ان تعرفي اولاً الاسباب والتي دفعت لهذه النتيجة !"
 
ضغطت على السكين بتشنج لوهلة قبل ان تتابع تقطيع سيقان الاوراق باهتزاز سيطر على مفاصلها وهي تهمس بعدم مبالاة متعمدة
"ولكنها مع ذلك ملامة بتركها لابنها من خلفها لتنجو بنفسها وتترك ابنها يعاني اليتم بسببها ، فهي تعلم جيدا شعور اليتم وجربته من قبل كيف استطاعت دفع ابنها للمرور بهذه التجربة القاسية ! انها...."
 
تأوهت بألم وهي تنفض السكين بعيدا عنها وبعد ان سببت الجرح الصغير بطرف اصبعها بموجة غضبها العارمة ، لتلتفت الاخرى ناحيتها بقلق وهي تهمس بابتسامة حانية بعطف
"انظري ماذا فعلتِ بنفسكِ يا صفاء ! يبدو بأنكِ قد انفعلتِ بالحديث عن الموضوع اكثر مما ينبغي حتى اصبت اصبعك الصغير والذي لا دخل له بموجة غضبك !"
 
عبست ملامحها وهي تنظر لها بدموع الإحراج هامسة بابتسامة مكبوتة
"يبدو بأنكِ على حق ، احيانا اتصرف بغباء عندما انفعل من شيء ما بدون ان انتبه !"
 
اومأت برأسها بتفهم وهي تهمس بابتسامة دافئة
"هل لهذه الدرجة تفتقدين والدتك ؟"
 
رفعت عينيها العسليتين بوجل لوهلة قبل ان تهمس بخفوت شارد طغى عليها حزن الذكرى
"اجل كثيرا ، بالرغم من اني لا اعرفها ولم ألتقي بها يوما ولا اتذكر شكلها ! ولكني مع ذلك مشتاقة لها اكثر من اي وقت مضى"
 
انحنت ابتسامة (هيام) بهدوء وهي ترفع يدها لتربت على كتفها برفق قبل ان تقول بعدها بلحظات بابتسامة لطيفة
"لا تحزني يا حلوتي فكل شيء مقدر ومكتوب سوف يحدث ، ونحن ليس علينا سوى الدعاء لهم بالمغفرة لأنهم هم السابقون ونحن اللاحقون"
 
نظرت لها (صفاء) بدموع حبيسة قبل ان تشق ابتسامة صغيرة تفاصيل ملامحها الدامعة بلحظة ، لتتراجع (هيام) بجلوسها وهي تلتقط المنديل من على الطاولة قبل ان تناوله لها بلحظة وهي تهمس بمحبة بشوشة
"هيا خذي وامسحي الدم عن اصبعك ، يكفيكِ عمل إلى هنا انا سأتابع الباقي ، وايضا احتاجك بأمور اخرى لتساعديني بها لذا من الافضل ان تستغلي الفرصة الآن للراحة قبل ان نعود للعمل ، حسنا ؟"
 
اومأت برأسها بسعادة طفيفة دائما ما تزرعه هذه المرأة بداخلها وهي تمسك بالمنديل من يدها بصمت لتلفه حول اصبعها الصغير بهدوء ، وما ان نهضت عن المقعد حتى عادت للكلام وهي توجه لها نظرات مرتبكة هامسة بحيرة خافتة
"فقط سؤال اخير ! لما توقف اوس عن زيارتك وانقطع عنكِ ؟ ألم تكوني بمرتبة والدته بحياته ؟ ام انه لا يهتم بهذا !"
 
ابتسمت بهدوء وهي تعود لعملها على اوراق العنب قائلة بجمود لم يخفي العتاب بصوتها
"لقد منعه جواد من زيارتنا او تخطي عتبة منزلنا منذ وفاة غنوة ، فهو يحمله كل المسؤولية بسبب افعال والده بنا ، لذا لم يجرؤ يوما على القدوم لمنزلنا مجددا ولم اراه من وقتها ، كل ما اتمناه ان يكون بصحة جيدة وبخير !"
 
ارتفع حاجبيها بارتباك شل حركتها وهي ترفع قبضتها لصدرها بارتجاف متخبط تاهت انفاسها معه ، لتستدير من فورها بدون كلام قبل ان تسير بعيدا باتجاه الرواق الطويل ، وهي تفكر فقط بما اكتشفته الآن ومدى الحقد الذي يملئ قلبه حتى يصل به بأن ينبذ شقيقه من حياته بسبب افعال الغير ، وكم يذكرها هذا بحالها تماما وهي تحاسب على افعال الغير بدون اي حق حتى دمر احلامها الجميلة بالحياة فقط لأنها ولدت بتلك العائلة !
 
زفرت انفاسها بتهدج تشعر به يحرق خلجات صدرها وهي تحاول العودة لشخصيتها الجديدة والتي تلبستها على مدار الاسبوع الفائت ، وكل هذا من اجل الاستمرار بعقد الزواج المؤقت ومتابعة مسرحية الانتقام لآخر لحظة ، ومن اجل ان يعفو عنها يوما ما على اخطاء غيرها لا علاقة لها بها....يوما ما .
______________________________
بعد ان حل المساء ستاره كانت تفتح الخزانة على جانبيها لتقلب بين الملابس بفوضى عارمة بثواني...قبل ان تصل اخيرا لمرادها وهي تمسك بمنامة قطنية ربيعية طويلة الأكمام...وما ان كانت على وشك اغلاق الخزانة حتى توقفت لبرهة وعينيها تتعلق بالثوب الاحمر الفاضح والظاهر من بين ملابسها بوضوح وبعرض مغري لارتدائه...
 
تجمدت ملامحها بعبوس ما ان تذكرت لحظة شراءه لهذا الثوب الملعون وهو يدسه بين ملابسها بدون الأخذ برأيها ولا بذوقها بالثوب ليشاركها لحظات حياتها قبل الزفاف وما بعده ، وهو ينتظر صاحبة الجسد الذي سوف ترتديه منذ لحظة وصوله للمنزل بدون ان يبادر احد بذكر امره ، وبعد ان اختفى صاحب فكرة شراءه بعد زفافهما بثلاثة ايام وهو يهمل وجود الثوب مثل رفيقته تماما .
 
غرزت اسنانها بطرف شفتيها لا شعوريا وهي ترفع يدها تلقائيا لتمسك بطرف الثوب المعلق من القماش الاحمر الحريري والذي يظهر فخامة صنعه ، شددت بأطراف اصابعها على القماش وهي تعود بتفكيرها كالعادة لزوجها الغائب والذي اختفى بعد عودتهما من شهر العسل مباشرة وهو ما يزال حديث الزواج ! لتقضي اسبوع كامل مضى بدون ان تعلم عنه شيء او ان تتجرأ عن السؤال عنه بكرامتها التي لا تسمح لها بالتنازل ، وهو يتركها معلقة هكذا بين الأسرار المحيطة بها وبين اجوبة اسئلة مبهمة لم تصل للتفسير الصحيح والذي يريح المنطق بعقلها ! حتى انها قد وصل بها الأمر لتذهب للفندق مجددا بحثا عن تلك الفتاة التي تحمل الكارثة ! ولكن ما لم تتوقعه ان تكون قد غادرت بنفس يوم عودتهما للمنزل ؟
 
زفرت انفاسها بحنق وهي تخفض يدها بسرعة لتغلق بلحظة الخزانة من جانبيها ببعض العنف ، قبل ان تريح جبينها على خشب الخزانة الباردة وهي تتمتم بخواء متعب
"اين انت يا شادي الفكهاني ؟"
 
تشنجت اطرافها لوهلة ما ان اكتسح ضباب افكارها دفء غريب اصبح يحاوط جسدها بلحظة ، ليخرج الصوت الاجش الدافئ وهو يلفح بشرتها الجليدية بسخونة
"هل اشتقتِ لي ؟"
 
زمت شفتيها بصمت لوهلة وهي تحاول تنظيم انفاسها الباردة والتي اخترقها بحضوره كما يفعل معها دائما ، لتهمس بعدها بخفوت باهت
"اين اختفيت ؟"
 
اجابها بلحظة بنفس النبرة الباردة وهو يزيد من سخونة انفاسه على عنقها
"ظروف خاصة"
 
قبضت على يديها بلحظة بغضب محتقن وهي تشعر بانحدار شفتيه على طول عنقها بقبلات رقيقة آسرة اودت مشاعرها لحافة الهاوية ، لتنتفض باللحظة التالية وهي تستدير بعنفوان مقاومة حصاره من حولها قبل ان تقول بتصلب جاد ما ان اصبحت مقابلة له
"هلا توقفت عن لعبة الألغاز هذه واخبرتني بكل ما تخفيه عني ؟ فأنا لست بهذه الحماقة لأدعك تخدعني بهذه الدناءة بكل مرة ! ولن اكتفي بالأجوبة المبهمة هذه المرة !"
 
تنهد بهدوء وهو يخفض ذراعيه بعيدا عنها بدون ان يترك اسر عينيها الجليديتين ليدس يديه بجيبي بنطاله وهو يهمس بابتسامة جانبية
"لما كل هذا الغضب يا ألماستي ؟ هل كل هذا بسبب اشتياقك لي وهجرك كل هذه الفترة بدون ان اوضح لكِ الاسباب !"
 
امتعضت ملامحها بلحظة وهي تهمس بضيق خافت
"انا اتكلم معك بجدية ، ولن اتركك حتى تجيبني عن اسئلتي"
 
ارتفع حاجبيه بخفة وهو يهمس بنفس جديتها
"وانا اتكلم معكِ بجدية ، ولن اجيبكِ حتى تجيبي انتِ عن سؤالي السابق"
 
زمت شفتيها بغضب لبرهة قبل ان تخفض نظراتها للأسفل بسكون لتهمس بلحظة بقنوط ساخر
"لا لم اشتاق لك ، والآن هل ستجيب عن سؤالي ؟"
 
انحنت ابتسامته بغموض وهو يميل قليلا امامها ليقول بحاجبين مرفوعين باستفزاز
"إذا كان هذا هو جوابكِ ! إذاً سأعود للغياب عنكِ اسبوع آخر حتى تشعري بالاشتياق لي يا جاحدة ! وبهذا الوقت استمتعي بوقتك"
 
اتسعت عينيها بلحظة باستنكار مشدوه ما ان استدار بنصف جسده بعيدا عنها ، لتنقض عليه بثانية وهي تتمسك بذراعه هامسة من بين اسنانها بشراسة
"توقف عن التصرف معي هكذا ! فأنا لم اعد اتحمل هذا الوضع المقيت ! لما لا تكون واضحا معي وتخبرني بما يجري معك ؟"
 
حاد بنظراته نحوها بثواني قبل ان تعتلي ابتسامة باردة محياه وهو يتمتم بجمود
"ولكني لا اراكِ تتذمرين من الوضع او غير سعيدة به ؟ انتِ حتى لم تحاولي الاتصال بي طول فترة غيابي عنكِ !"
 
اشاحت بوجهها جانبا بتصلب لتهمس بعدها بخفوت حاد
"انت ايضا لم تحاول الاتصال بي او اخباري عن سبب رحيلك ! إذاً نحن بهذه الحالة متعادلين"
 
اومأ برأسه بجمود وهو يهمس بسخرية واضحة
"وهذا هو المتوقع من ماسة الفاروق !"
 
نظرت له بحدة للحظات وهي تشدد على ذراعه هامسة بعبوس واجم
"هذا ليس وقت سخريتك ! فأنا لن اتركك وشأنك حتى تجيبني عن سؤالي"
 
ردّ عليها من فوره ببساطة بالغة
"لقد كنت مسافر خارج البلاد بسبب امور طارئة تخص العمل ، ولم اتوقع ان اتأخر كل هذه الفترة هناك !"
 
عقدت حاجبيها بعدم اقتناع وقد سمعت هذه الإجابة قبل ايام من (احمد) بدون ان تسأله حتى ، نفضت ذراعيها للأسفل بقوة وهي تهمس بخفوت حاد
"انت تكذب"
 
تغضن جبينه بجمود وهو يستدير نحوها ببطء ليرفع بعدها ذراعه لفوق رأسه وهو يتمتم بعدم اهتمام
"هذا كل ما لدي إجابة عن سؤالك ، اما موضوع تصديقك للأمر فهي مشكلتك !"
 
عضت على طرف شفتيها بغيظ وهي تكتف ذراعيها بلحظة هامسة بابتسامة حادة بازدراء بدون ان تمنع نفسها
"هل هذا صحيح ؟ هل يعقل بأنها ليست لها علاقة بفتاة اخرى تعيش خارج البلاد وانت قد سافرت لها بوجه السرعة بسبب شيء سيء قد حدث معها ؟ وهذا بجانب الفتاة الاولى الحامل والتي تهتم بشؤونها هي وابنها وانت تحاول حمايتها من المجهول ! ام انها واحدة من عشيقاتك الكثيرات واللواتي لا استطيع تعدادهن بسبب عددهن الكبير والذي فاق مخيلتي !......."
 
قاطعها بهمس خافت نحتت ملامحه من صخر
"ماسة اخرسي"
 
تنفست من بين شفتيها بارتعاش وبعد ان احكمت جسدها بجماح الغضب الهائج والذي استطاعت حجزه كل هذه الفترة ، لتحني بعدها عينيها البحريتين بخمول سرى على طول اطرافها ما ان تابع كلامه بصوت اجش هادئ
"هل لهذه الدرجة ثقتك بي معدومة ؟"
 
ردت عليه وهي تتمتم باستياء
"انا بالكاد اثق بنفسي حتى تريدني ان اثق بك يا معشوق الفتيات !"
 
زمجر فجأة بغضب وهو يتمتم باستنكار جاد
"كم مرة اخبرتكِ ان تتوقفي عن نعتي هكذا !"
 
رفعت وجهها نحوه بقوة وهي تهمس ببهوت
"سأتوقف عندما تخبرني بالحقيقة وليس بالأكاذيب !"
 
حرك عينيه بعيدا عنها ببرود لوهلة شحن الأجواء بينهما بتنافر غريب ، لتقول بعدها التي ابتسمت باستهزاء اكبر وهي تشدد من القبض على يديها بقهر
"إذاً هي قمر الرياض ؟"
 
ادار وجهه نحوها بلحظة لتحتد ملامحه بغضب لأول مرة يتجلى على محياه ، ليمسك بكتفيها بقوة وهو يقرب وجهه امامها هامسا من بين اسنانه بعبوس منفعل
"توقفي عن هذا يا ماسة ، فهذه التي تتكلمين عنها مجرد فاجرة سمحتِ لها بالدخول بيننا وافساد العلاقة بأول يوم زفاف لنا ! وانتِ الآن تثبتين اكثر بمرور الأيام غباءكِ بجعلها تنزرع بيننا وتصديق حقيقة وجودها معنا !"
 
نظرت له بأمواج عينيها الساكنة وهي تهمس بغموض
"وماذا كانت بحياتك ؟"
 
زفر انفاسه بهدوء للحظات وهو يهمس باقتضاب بارد
"حسنا إذا كان هذا سيريحك ويوقف الظنون بعقلك الاحمق سأخبرك ! لقد كانت مجرد صديقة قديمة لي بأيام الجامعة تصر دائما على اللحاق بي وصنع علاقة اقوى بيننا ، وعندما رفضتها بالنهاية ثارت عليّ وسببت لي مشاكل لا تحصى ، ومن بينها تهمة التحرش بها والتحايل عليها ، ولكني استطعت بالنهاية التخلص منها وكل ألاعيبها السابقة قد انقلبت ضدها واودت بفصلها من الجامعة ، وهذه هي قصتها كاملة"
 
كانت تحدق به بجمود صخري بدون اي حياة للحظات طويلة ، لتبتسم بعدها لا شعوريا بجفاء وهي تهمس بخفوت
"وماذا انا بحياتك ؟"
 
تغضنت زاوية ابتسامته بلحظة وهو يرفع يده تلقائيا عن كتفها ليمسك بها جانب وجهها برفق وهو يهمس امام بشرتها بصوت اجش ثائر
"انتِ زوجتي وألماسة شادي الفكهاني والتي سرقت قلبه وحجزته بداخلها منذ ألقت بلعنتها عليه ، كم مرة علينا ان نعيدها لتفهمي !"
 
انفرجت شفتيها قليلا بارتجاف طفيف قبل ان يطبق عليها بقبلته الجائحة والتي عبرت عن كل اشتياق يكنه نحوها بطول تلك الفترة المهجورة بينهما ، لترفع بعدها ذراعيها بهدوء وهي تحاوط عنقه بصمت متناقض عن كل ما يجيش بداخلهما ، لينتفض فجأة برأسه بعيدا وهو يحك اذنه بألم من لسعة اصابعها الصلبة والتي لوت اذنه بأوج لحظاتهما الحميمية ، ليتمتم من فوره بغضب متهدج
"سحقا لكِ !"
 
اخفضت ذراعيها عنه بلحظة وهي تتراجع بهدوء هامسة بابتسامة جانبية ببرود
"عذرا ولكني كنت على وشك الذهاب لأخذ حمام وانت قاطعتني ! لذا اعتذر"
 
تصلبت ملامحه وهو يشاهد التي انحنت امام الملابس الملقاة ارضا والتي لا يعلم متى سقطت من الاساس ! ليقول بعدها بسرعة بعبث واضح وقبل ان تصل للحمام المرفق
"هل تحتاجين للمساعدة بالاستحمام ؟ إذا كنتِ تريدين فأنا جاهز للمساعدة"
 
عض على طرف شفتيه بمرح ما ان صفقت باب الحمام من خلفها بعنف كاد ان يقع من مكانه ، ليوجه نظراته بعيدا عنها وبعد ان اختفت كل لمحة مرح عن ملامحه الباردة وهو يفكر بكل المجهود والذي بذله بالفترة الماضية بدون ان يترك خبر عند احد عن وجهته الحقيقية ، وكلام بعيد ما يزال يدور برأسه بمتاهات كثيرة مطمورة بكل انواع المشاعر المتنافرة
 
(اعتذر يا شادي ، ولكن عليك الحذر اكثر بحياتك من الآن وصاعدا ، بما انك قد اخترت حمايتها وضمها تحت مسؤوليتك ورعايتك الخاصة على ضمانتك الشخصية ، وتذكر بأنه بأي خطأ او هفوة قد يرتكبها احد منكم توصل اي معلومة لهم فستدمر عندها حياة الجميع معك ولن تستطيع اي قوة بالأرض منعهم عنها ، لذا ارجو منك ان تأخذ حذرك اكثر فهذا كله من اجل مصلحتك يا ابن خالتي)
______________________________
كانت سابحة بحالة الهيام الصامت وهي مستلقية على السرير براحة تامة لا يشاركها بها سوى طفلها الراقد بداخل جسدها بأمان وهو يتكوّن هناك يوم بعد يوم وببطء شديد...ليسعدها بنهاية رحلته برؤية طلته البهية ليصبح جزء حي بحياتها وهو يتقاسم معها الحزن والفرح السعادة والتعاسة وكل لحظة قد تمر عليها بحياتها معه....ويدها ما تزال مستقرة بذلك المكان والذي ينام به الجنين بتواصل غريب يربط بينهما وجسد واحد يجمعهما...بدون ان يخترق احد ذلك الرباط بينهما والذي تشعر به يزداد قوة مع مرور الأيام وبكل دقيقة تمر عليها بحياتها الهادئة .
 
تنبهت حواسها بلحظة بانفتاح غريزي ما ان سمعت صوت خروج احدهم من الحمام تسبقه رائحة عطره الخاصة والتي تنبعث منه دائما ، ليتبعها بخطواته الصلبة على ارض الغرفة باتزان حفظت وقع بصماته مثل نغمة تطرق على اوتارها ، وبلحظة كان يصعد فوق السرير معها بقوة حتى شعرت باهتزاز طفيف بخشب السرير اسفلها ممتزج مع اهتزازات جسدها الطبيعية ، قبل ان تعتلي ابتسامة هادئة محياها البشوش ما ان شعرت بذراعيه تحاوطانها بصمت وهو يقربها من جسده بعناق هادئ رقيق اصبح يتقنه معها بكل مرة يتقابلان بها وكأنها رسالة جديدة تجمع العلاقة والتي اثمرت بينهما واضافت فرد جديد بعائلتهما الصغيرة .
 
حررت انفاسها بسعادة وهي تستمتع باستنشاق عطر جسده الغريب الممزوج بشامبو الاستحمام الخاص بالرجال والذي وصلها عبر امتار حتى اصبحت مهووسة به بالآونة الاخيرة بدون ان تدرك او تمنع نفسها ، بادر (احمد) بالكلام وهو يمسد على خصلات شعرها الطويلة بدون ان يمنع اصابعه من التخلل بنعومتها قائلا بصوت اجش خافت
"ما كل هذا الشرود والهيام ؟ اشعر بأنكِ قد اصبحتِ تبتعدين عني كثيرا منذ معرفتك بحمل الطفل وهذا لم يولد بعد ! ماذا سيحدث لي عندما يولد انا قلق من ان اصبح مجرد رجل ساهم بإنجاب هذا الطفل ؟"
 
رفعت حدقتيها الخضراوين باستدارتهما بلمعة جديدة خاطفة لا يلاحظها سوى من يعرفها عن قرب ، لتدفن بعدها وجهها بعنقه بضحكة صغيرة وهي تهمس بسعادة
"كيف تقول مثل هذا الكلام عنك ؟ ألا تعلم بأنك اهم جزء بهذه العلاقة والتي اوهبتني اجمل هدية قد احصل عليها من الحياة ! لذا انت ستبقى دائما بمرتبة اعلى من مجرد شخص ساهم بإنجاب هذه الفرحة بداخلي"
 
اتسعت ابتسامته بقوة وهو يقبل مقدمة رأسها بشغف قبل ان يهمس فوقها بثقة اكبر
"اعلم هذا يا عزيزتي ! وانا ايضا سعيد بهذه الفرحة والتي سوف تحضريها لنا ولست اقل منكِ تلهفاً ليوم مجيئه لحياتنا لتكتمل عائلتنا بمولود جديد ينير هذا المنزل الكبير ، فهو بالنهاية له الفضل الاكبر بعودتنا لبعضنا كما بالسابق ولمّ شملنا من جديد"
 
اومأت برأسها بخجل وهي تتنشق رائحة عطره بخدر ، لتعقد بعدها حاجبيها بارتباك ما ان تغيرت نبرة صوته وهو يقول بهدوء جاد
"ولكني مع ذلك اشعر بسعادتك يتخللها الحزن المحبط ! وهناك ما يكدر عليكِ هدوء حياتك واصبحتِ تفكرين به كثيرا بالآونة الأخيرة ؟ وهو ما يجعلك شاردة مع نفسك اغلب الاحيان !"
 
عبست ملامحها وهي ترفع وجهها نحوه لوهلة لتهمس بعدها بحزن استبد بها رغم كل شيء
"الحقيقة لا اعلم ما اخبرك به ! ولكن ماسة انها....."
 
قاطعها بقوة وهو يحرك رأسه بجمود
"لقد تكلمنا عن هذا مسبقا يا روميساء ! لقد اضطر شادي ليترك البلاد لأمور خاصة بالعمل تم استدعاؤه من اجلها ، وهو قد قال بنفسه بأنه سيعود بحلول هاذين اليومين ، لذا لا داعي لكل هذا القلق على حياة ماسة فهو لم يهرب ويتركها وشادي ليس من هذا النوع ليفعلها !"
 
تنفست بارتجاف وهي تحني نظراتها هامسة بابتسامة صغيرة ببؤس
"ليس هذا ما قصدته يا احمد ، انا اعني بأنه لم يكد يمر يومين على زواجهما وانتهاء شهر عسلهما ليغادر هكذا ويترك البلاد بدون اي كلام او خبر ، انا اعلم بأن ماسة فتاة مجنونة وقد تدفع اي شخص للهروب منها او قد تقلب العالم فوق رأسه ولكنها مع ذلك لا تستحق هذا ! لا تستحق ان يحدث كل هذا معها ! فأنا اعلم بقرارة نفسي بأنها تستطيع ان تكون رائعة وجميلة مع الشخص الذي يقدرها ويحبها حقا ، وليس بالهروب والانسحاب هكذا وعلاقتهما ما تزال ببداية مهدها ! انا اريدها ان تكون سعيدة مثل كل الفتيات بسنها"
 
اومأ برأسه بتفهم صامت وهو يمسح على خدها بإبهامه هامسا بجدية هادئة
"اعلم بكل ما تشعرين به يا عزيزتي ، وانا معكِ بكل ما تقولين ، ولكن صدقيني الحزن عليها والشكوى لن يساعدها ابدا بما تمر به بل بهذه الطريقة ستزيدين الهموم بحياتها اكثر وانتِ تشعرينها بالذنب واللوم بكل ما حدث معها ! انا ارى بأنه عليكِ ان تحاولي تعويضها وملئ وقت فراغها بأشياء ممتعة تنسيها امر زواجها وكل ما يتعلق به ، قد تتحسن هكذا نفسيتها وتدخلي بعض البهجة لحياتها وتبعدي عنكِ القليل من الحزن والبؤس ، فأنا لا احب ان اراكِ حزينة فقد يؤثر هذا على نفسية الطفل وهذا ما لن اسمح به !"
 
انفرجت شفتيها بارتجاف لوهلة قبل ان تتحول لابتسامة جميلة بلحظة عادت لتحتل محياها وهي تومأ برأسها هامسة ببهجة طفيفة
"حسنا سأحاول السير على نصيحتك ، فأهم شيء عندي هي سعادة عائلتي الصغيرة ، ما رأيك ؟"
 
اتسعت ابتسامته باتزان وهو ينحني قليلا ليقبل خدها بهدوء هامسا فوقه بصوت اجش مرتخي
"اجل هكذا اريدكِ يا فاكهتي الجميلة ، وإياكِ وان تدعي اي شيء يحبطك مهما كان صغيرا"
 
اومأت برأسها بهدوء قبل ان تختفي معالم الابتسامة بشرود طاف على ملامحها بلحظة ، ليبتعد بسرعة عنها وهو يزفر انفاسه بقوة قائلا بحنق
"ماذا الآن ؟ هل عدنا للحزن الشارد ؟"
 
حركت رأسها باهتزاز وهي تنظر بعيدا ببهوت شارد للحظات ، لتطوق بعدها عنقه بذراعيها بصمت وهي تتلاعب بأصابعها بياقة قميصه هامسة بشرود حزين اطلقت سراحه
"كنت اريد سؤالك عن سلوى ، فأنا لم ارها منذ اسبوع تقريبا ! هل هي بخير ؟"
 
ادار عينيه بتفكير وهو يقول بهدوء لا مبالي
"اعتقد هذا فهي قد ذهبت للمبيت عند عائلتها منذ ايام ولم تعد للآن ! وماذا قد يكون قد اصابها ؟"
 
شددت اكثر على ياقة قميصه وهي تهمس بخفوت مريب
"ولكن الغريب بأنها قد عادت للمبيت عند عائلتها وهي التي لم تكد تعود من عندهم من يومين ! وخاصة بأنها قد عادت لهم بيوم اعلانك عن خبر حملي بالطفل ، أليس هذا غريبا ؟"
 
ضيق عينيه الرماديتين بوجوم وهو يقول بتذكر
"صحيح انا لم اخبرك لقد سمعت بأن والدة سلوى تشعر بالتعب والمرض ، لذا قررت سلوى البقاء معها هذه الفترة والاعتناء بها ولن تعود قبل ايام"
 
افلتت ياقة قميصه بلحظة وهي تنتفض بعيدا عنه قبل ان تهمس بابتسامة مرتجفة بهذيان
"حقا لم اكن اعلم ! لقد ارحتني كثيرا"
 
ارتفع حاجبيه بدهشة وهو يمسك بجانب وجهها بقوة قائلا بعبوس جاد
"روميساء ما بكِ ؟ ما لذي تريدين الوصول له بهذه الاسئلة ؟"
 
حركت رأسها بالنفي وهي تلوح بكفها بارتباك هامسة بابتسامة جانبية بسعادة
"لا لم اقصد شيء ! لقد كنت فقط اريد السؤال عنها لأني لم ارها منذ فترة طويلة ! هذا كل ما في الأمر"
 
عقد حاجبيه بعدم رضا وهو يشعر بشيء غريب يحوم من حولها يبعث الريبة بالنفس ، لتقول بسرعة وهي تغير مسار الموضوع بارتباك
"اخبرني يا احمد ، هل ذهبت لزيارتها ؟ وكيف هي صحتها الآن ؟"
 
نظر لها بهدوء وهو يحرك كتفيه هامسا بجمود
"لا لم اذهب لزيارتها"
 
اتسعت عينيها بصدمة وهي تهمس باستنكار خافت
"ولكن يا احمد هذا لا يجوز ! عليك الذهاب لزيارتها فهي تبقى والدة زوجتك بالنهاية ، وعليك ايضا الاطمئنان على زوجتك الأولى فأنت لم ترها منذ وقت طويل وقد تكون بحاجة لوجودك معها ومساندتك لها بتلك اللحظات العصيبة !"
 
تغضن جبينه بحدة وهو يخفض يديه عنها قائلا ببرود
"ولماذا قد يحتاجون لوجود زوج ابنتهم معهم وهّم يملكون كل ما يريدون بحوزتهم ؟ ولو كانوا حقا يحتاجون لمساعدتي لما ترددوا بالاتصال بي ! ولكني ارى بأنهم بأفضل حال بدوني وليس هناك اي داعي لحشر نفسي بما لا يخصني"
 
تمسكت بكتفيه بتشبث وهي تهمس بإصرار شديد لمع بمقلتيها الواسعتين بلحظة
"هذا ليس بعذر يمنعك من الذهاب لهم ! بل هذه جزء من واجباتك كزوج على تلك العائلة والتي عليك اداءها كاملة من باب الاحترام والذوق ، وايضا لا اريدك ان تقصر بواجباتك اتجاه اي احد كان او ان تكون غير عادل ومنصف بين زوجاتك الاثنتين ، ولن اتحمل ان يقولوا عنك بأنك قد نسيت زوجتك الأولى لتفضل عليها زوجتك الثانية لأنها من تحمل طفلك والتي انستك الجميع !"
 
امسك بيدها على كتفه بقوة وهو يقول على مضض بجفاء
"حسنا يا روميساء سوف اذهب غدا صباحا لزيارة عائلة سلوى والاطمئنان عليهم وتأدية واجباتي الزوجية على اكمل وجه ، هل ارتحتِ الآن ؟ ام هناك المزيد من الأوامر !"
 
زفرت انفاسها بابتسامة مبتهجة وهي تعود لتدفن وجهها بعنقه هامسة بسعادة غامرة
"شكرا لك يا احمد ، لأنك تبحث عن راحتي دائما"
 
ربت بيده على ظهرها برفق وهو يهمس فوق خصلات شعرها براحة
"بل انتِ من يبحث عن راحتي دائما ومن يفكر بمصلحة الجميع وسعادتهم على مصلحته الشخصية ، فقط لو تتوقفي عن دور المعلمة قليلا بحياتنا الشخصية فسوف اكون عندها اسعد رجل بالعالم !"
 
ضربت على صدره بضحكة صغيرة وهو يمسك بقبضتها بلمح البصر ليقبلها عندها بهيام هامسا بصوت اجش خافت
"انسي كل هذا الآن وفكري فقط بما نريد فعله ! فأنا مشتاق لكِ بشدة وكل ما احلم به هو النوم بين احضان زوجتي الجميلة والتمتع بمشاعرها السخية"
 
اتسعت ابتسامتها بجمال وهي تقترب منه لتقبل خده بنفس قوته هامسة بحياء وعطف
"وانا لا امانع بأن اقدم لك الاهتمام فأنت الآن قد اصبحت طفلي انا ومهمتي هي العناية بك وجعلك تنام بأمان"
 
شدد من عناق جسدها بتملك حتى كاد يحطم عظامها الهشة من تحت بيجامتها القطنية الخفيفة وهو يدفن وجهه بخصلاتها واصابعه تطول لأزرار قميصها بنعومة هامسا بنشوة الاكتفاء لا يشعر بها سوى معها
"اعدك بأن اكون طفل مطيع وبالمقابل اعتني بي جيدا يا روميساء"
 
______________________________
خرجت من الحمام وهي تمسح شعرها الطويل بالمنشفة القطنية بيدها...لتتوقف بعدها لوهلة وهي تكتشف خلو الغرفة تماما بعد ان تركت ذاك المزعج وراءها...فهل يعقل بأنه قد غادر بصمت بدون اي مشاكل او فوضى وبعد ان عاد من السفر للتو ؟ ولما اساسا توجه لغرفتها مباشرة فور عودته من السفر بدون ان يبلغ احد عن وقت عودته ! وما كل هذا الاحباط الذي انتابها فجأة بهذا الوقت تحديدا ؟ وكأنها كانت تتوقع ان يبقى فترة اطول معها او ان يلازم غرفتها هذه الليلة بعد انقطاع طويل بينهما وخاصة بأنهما ما يزالان حديثي الزواج !...
 
عبست ملامحها بعنف عند هذه الافكار والتي انحدرت إليها دون إرادة منها ، لتزيد آلية حركاتها بقوة وهي تنفض شعرها بالمنشفة حتى اصبح مشعث اكثر عن السابق ، اخفضت بعدها المنشفة عن رأسها بخمول سرى على طول ذراعيها وهي تحدق امامها بلا حياة .
 
تنهدت بهدوء وهي تلوح بالمنشفة بيدها عدة لحظات قبل ان تقذفها بعيدا باتجاه السرير ، وما ان التفتت قليلا بجانبها حتى تسمرت بمكانها بتحنط وعينيها متسعتين على اقصى استدارتهما ما ان حطتا على الشيء الكارثي المعلق على مقبض الخزانة ، وهي تمرر نظرها بلحظة خاطفة بالفستان الاحمر القصير والذي لمحته من قبل معلق بين ملابسها بالخزانة والذي كان يبرق بينهما بتناقض رهيب ، وكل ما تفكر به كيف وصل هذا الثوب الملعون للخارج بعد ان كان مدسوس بين الملابس الاخرى بعيدا عن العين ؟ ام هي مخيلتها المرهقة من احضرته إلى هنا !
 
تقدمت بسرعة امام الفستان وهي تحدق به بجمود وكأنها تنتظر اختفاءه من امامها بأية لحظة ، لتمسك بعدها بطرف الثوب الحريري تتأكد من صحة وجوده ، وما هي ألا لحظة حتى سمعت الصوت الصادر من خلفها بمكر واضح ارتعشت معه كل مفاصلها المتصلبة من هول المفاجأة
"هل اعجبكِ ذوقي باختيار ملابسك ؟"
 
اخذت منها عدة لحظات وهي تحاول تجميع افكارها المشتتة مع عنفوانها بلحظة خاطفة ، لتتجمد اصابعها الطويلة على طرف الثوب وهي تهمس بابتسامة قاسية بضيق
"هل انت من وضع هذا الثوب هنا ؟"
 
اومأ برأسه ببساطة وكأنها تراه وهو يقول بابتسامة جانبية بتسلط
"اجل ومن ظننتِ مثلا لديه الجرأة على فعلها ؟ يبدو بأن ذكائكِ قد انحدر كثيرا بفترة غيابي عنكِ يا عزيزتي !"
 
قبضت على اناملها الممسكة بالثوب حتى كادت تمزق اطرافه وهي تهمس بهدوء ظاهري بسخرية
"لقد كان مجرد سؤال بديهي ، ولم يكن من المفترض ان تجيب عليه فهو قد اوضح جيدا مستوى ذكائك !"
 
ردّ عليها بلحظة بابتسامة غامضة بعمق
"هل هذه نبرة تحدي ؟ يبدو هذا مثير للاهتمام !"
 
زفرت انفاسها بقنوط وهي تخفض يدها بعيدا هامسة باستياء
"لما لم تعطني إشارة بوجودك ؟"
 
اجابها ببساطة وهو يحرك كتفيه بلا مبالاة
"لقد كنت اقف امام النافذة من خلف الستار ويبدو بأنكِ لم تلحظي ذلك ! لذا لم احب ان اقطع خلوتك مع نفسك"
 
زمت شفتيها بوجوم وهي تستدير نحوه ببطء لتقع عينيها على الواقف امامها والذي كان يبعد عنها عدة خطوات ، قبل ان تنقل نظراتها بلحظة للنافذة المفتوحة بجواره والستار يتطاير منها بنسمات هواء لطيفة ، ولم تشعر بعدها بحدقتيها الساكنتين وهما تنحنيان بحزن غير مبرر مفكرة بمقدار الا مبالاة والتي دفعتها لعدم الانتباه لوجوده من حولها والتي تحتم عليها الحذر من كل ما يحيط بها وبمكان تواجدها وهي ترخي دفاعاتها بالحياة بشكل لم يحدث معها من قبل !
 
عادت للعبوس والذي اعتلى محياها بلحظة وهي تستمع لصوته والذي عاد للانبثاق بمجال محيطها بإثارة دائما ما تتذبذب بصوته
"حسنا يا ألماستي ، لقد حان الوقت الآن لتجربي ارتداء الثوب الجديد والذي اشتريناه خصيصا لمثل هذه المناسبات النادرة ، فلا تنسي بأننا قد انقطعنا عن بعضنا فترة طويلة ونحن ما نزال حديثي زواج ! لذا نحتاج الآن بشدة لنعيد شحن طاقتنا من جديد"
 
نظرت له بغضب مزج احمرار الحياء والذي طفى على تقاسيم وجهها بوضوح ، لتقول بسرعة وهي تغير مسار تفكيره لطريق اخرى
"هل اخبرت احد بأمر عودتك من السفر اليوم ؟"
 
حرك رأسه بالنفي وهو يلوح بذراعه قائلا ببرود
"لا ليس بعد لم اخبر احد ، لكن على الأرجح سوف يكتشفون الأمر بأنفسهم بصباح الغد فور رؤيتي معهم بالمنزل ، أليس هذا منطقي !"
 
ارتفع حاجبيها بجمود وهي تهمس بخفوت حانق
"ولما انا اول من اتيت إليه فور وصولك من السفر ؟"
 
تغضن جبينه بلحظة وهو يهمس بابتسامة عابثة بمغزى
"أليس هذا واضحاً ! لأني اشتقت لكِ يا ألماستي"
 
انفرجت شفتيها لوهلة لا شعوريا وهو يقلب كيانها بأكمله بلحظة وبكلمة صغيرة منه كانت يوما بلا معنى بحياتها وخاصة عندما تقترن بتلك الصفة والتي اصبح يستبدلها باسمها لم تسمعها او تقرب اذنها منذ فترة وهي تغيب عنها اسبوع كامل ! وبدون ان تعلم متى اصبحت بكل هذه الأهمية بحياتها المجردة من العاطفة ؟
 
عضت على طرف شفتيها ببؤس وهي تفيق من افكارها هامسة بانفعال محتقن
"تعلم جيدا بأن هذا ليس ما قصدته ، انا كنت اتكلم عن السبب والذي دفعك لتترك الجميع وتأتي لغرفتي بدون ان تعطي خبر لهم عن عودتك اليوم ! هل لهذه الدرجة لا تهتم بشأنهم ؟"
 
كان ينظر لها بهدوء بدون اي تعبير ليقول بعدها بابتسامة غامضة بدون اي مرح حقيقي
"وما لذي قد يدفعني لفعلها إذا لم يكن هناك احد يهتم بأمر عودتي من ذهابي ؟ لقد كنت اسافر كثيرا فيما مضى بسبب عروض العمل والتي كانت تصل لي بين الحين والآخر ، ولم يكن هناك احد بذلك الوقت يهتم بغيابي وبالفترة والتي اقضيها خارج البلاد ، لذا اصبح الأمر اعتيادي بالنسبة لي ولأفراد العائلة"
 
عقدت حاجبيها ببطء بدون ان تعلق على كلامه فهذه هي ضريبة حياة الاثرياء والتي يعايشونها كل يوم ، عادت بنظرها له بغموض ما ان تابع كلامه بشرود اختفت معه ملامح المرح عن وجهه
"لقد كان شخص واحد من يهتم بأمر ذهابي وإيابي بهذه العائلة ويعطي قيمة لي ، ولكنه رحل وانتهى الأمر بي مجرد فرد بهذه العائلة"
 
ابتلعت ريقها بتشنج وهي تهمس بخفوت عابس
"هذه والدتك من تتكلم عنها صحيح ؟ انا اهنئها حقا على مدى الصبر والذي كانت تتحلى به بتربية طفل مزعج ماكر مثلك !"
 
تجمدت ابتسامته لوهلة وهو يتكلم مجددا بنفس الشرود مع لمحة جمود طفت على ملامحه بقسوة
"اجل تحملت الكثير بالفعل من خيانة وشقاء وتعب ! وكل هذا فقط لأنها زوجة تقليدية حد النخاع ، كما حدث تماما عندما اجبرت على رعايتي بدون ان يكون بمقدورها الرفض"
 
حدقت به بذهول بدون ان تجد بما ترد عليه من حقائق لأول مرة تسمعها منه ، لتحاول بعدها الهمس بارتياب عند آخر كلماته الغريبة
"ماذا يعني هذا ؟ أليست والدتك التي تتكلم عنها !"
 
حرك عينيه ناحيتها للحظات ساكنة لينفض رأسه بسرعة وهو يعود للابتسام ببساطة هامسا بهدوء
"انسي هذا الأمر الآن ، فأنا لم اعود من سفر غياب اسبوع لأذهب لغرفتك ونستمع لهذه الأحاديث التافهة ! بل اتيت إليكِ لنعوض عن ايام الفراق ونشبع جوع الليالي الفارغة بدون بعضنا"
 
شهقت بفرط الحياء وهي تهمس من بين اسنانها بجنون
"وقح"
 
تقدم امامها وهو يقطع المسافة بينهما بلحظات بخطوات واسعة ، وما ان اصبح امامها على بعد خطوة واحدة حتى قال بابتسامة بدأت بالميلان بخبث وبصوت اجش خافت
"إذاً ماذا قررتِ يا ألماستي ؟ هل ستبدلين ملابسك بالثوب الخاص بهذه الليلة ام تفضلين ان يبدله لكِ زوجك والذي لا يطيق صبرا لفعلها ؟"
 
رفعت كفيها تلقائياً امام وجهها وهي تعلم جيدا نهاية تحديه الساخر لتقول باندفاع شرس
"حسنا فهمت ، كفى"
 
ارتفع حاجبيه بخفة ساخرة وهو يدس يديه بجيبي بنطاله قائلا بأمر متسلط
"حسنا لا بأس ، إذا كنتِ تختارين ارتداءه بنفسك فلا امانع بهذا ! ولكن بشرط ان تفعليها بسرعة فليس لدينا الليل بطوله لكي نقضيه مع عنادك !"
 
عضت على طرف شفتيها بغيظ وهي على وشك الانقضاض عليه بأية لحظة ، لتلتفت قليلا وهي تمسك الثوب بعنف مثل قطعة خرقة بالية بدون اهتمام بقماشه الغالي ، لتسير به باتجاه الحمام الملحق بدون ان تتحداه بكلام آخر لن يفيدها بحالتها الآن .
 
ما ان خرجت بعد عدة دقائق حتى قابلت السكون والهدوء التام بالغرفة التي فرغت فجأة ، تقدمت عدة خطوات صغيرة بتردد خارج الحمام وهي تمسك بأطراف ثوبها القصير لتنزله غصبا على ساقيها المكشوفتين بدون فائدة وبإحراج على وشك الفتك بها بوضع لا تحسد عليه .
 
عبست ملامحها ما ان وصلت بنظرها للراقد على السرير بدون حراك ، لتتقدم اكثر باتجاه السرير بتوتر شديد وبارتجاف يكاد يمزق الثوب الملعون عليها ، لتتجمد بمكانها لبرهة وهي تشاهد النائم فوق السرير بسبات وهو يضع ذراعه فوق عينيه وبصمت تام احتل عالمها بلحظة .
 
تنفست بهدوء وهي تفلت اطراف الثوب القصير لتمسح على جبينها المتعرق بجمود لثواني ، ابتسمت ببهوت تتخللها الراحة وهي تنتهي اخيرا من هذه القصة والتي ظنت لن تجد لها مهرب ، ولكن ما ان استدارت قليلا حتى امسكت اليد القوية بذراعها المكشوف بلحظة ، لتشهق بذهول سمرها بمكانها بارتعاش وهي تلتفت بنصف وجهها ببطء شلت حركة باقي اطرافها ، اتسعت مقلتيها ببهوت وهي تراقب الذراع والتي ارتفعت عن عينيه قليلا ليتبعها بابتسامة شقية وهو يهمس بخفوت خشن
"هل ظننت بأنكِ سوف تهربين مني بهذه السهولة ؟"
 
فغرت شفتيها بأنفاس ذاهلة بارتعاش وهي تحاول الهمس باستنكار متناقض عن دواخلها
"ولكنك كنت نائم للتو ؟"
 
عض على طرف ابتسامته لثواني وهو يقول بهدوء جاد
"لقد شعرت بالتعب الشديد بسبب تأثير السفر عليّ وقضاء يومين كاملين بدون ان يزورني النوم ، لذا هلا قدمتِ لي هذه الخدمة وجعلتني انام هذه الليلة عوضا عن ايام الجفاء والتي كنت اعاني منها بالأيام الماضية ؟"
 
فغرت شفتيها بصدمة اكبر دامت للحظة قبل ان تتلوى وهي تحاول تحرير ذراعها هامسة بعناد
"ماذا ؟ هل تظنني مبرمجة هنا للعمل على نومك !...."
 
شدد اكثر على ذراعها بقيد وهو يقول بابتسامة اتسعت بثقة متملكة
"اجل صحيح ألم تكوني تعلمي ! انتِ تعملين هنا على كل احتياجات ومتطلبات زوجك ، وكل هذا قد حصل منذ ان وقعتِ على وثيقة ملكية زوجك ، يعني انتِ كلك ملكي يا ألماسة شادي"
 
تنفست بهياج متسارع تشعر به يكاد يفقدها السيطرة على نبضات قلبها الثائرة وهي تحاول الهمس بشيء ما بتوتر مفرط ، قبل ان يسحبها من ذراعها بقوة بلحظة واحدة لتصبح فوق جسده تماما وهو يقلبها برفق على جانبه بدون ان يفلتها ، رفعت عينيها الدامعة بثورة وهو يحيط جسدها المكشوف نسبيا بذراعيه بدون اي سبيل للهروب ، ليقول بعدها الذي حط بشفتيه على جبينها العريض الظاهر من غرتها الطويلة بسخونة مشتعلة
"لا تقلقي لن ألمسكِ هذه الليلة ، لأنه ليس لدي المقدرة الكافية على فعلها اليوم ، وألا لما تركتك حية وانتِ بهذه الهيئة الآن ! لذا استمتعي بهذه اللحظات وبأحضان زوجك الذي اشتقتِ له كثيرا بعد غياب طويل"
 
زفرت انفاسها بدون كلام وهي تحاول تهدئة ارتعاشات جسدها النحيل من تحت ذراعيه المحاصرة لجسدها المكشوف اكثر من اي مرة ، وهي تخفض جفنيها المرهقين على احداقها الدامعة ببطء شديد ، وكل ما تتمناه الآن ان يكون عند كلامه حقا ولا يغافلها بأي حركة ! فهي ايضا بحاجة للنوم الشديد والراحة مثله تماما وبدون اي تفكير او توقف على اي امور اخرى خارج عالمها والذي تحياه الآن وارهق كليهما .
___________________________
كان يسير بمدخل المنزل الفارغ على الطريق الحجري بخطوات ثابتة وهو ينظر امامه بدون اي تعبير يسكن ملامحه الجامدة ، ليتوقف فجأة بمنتصف طريقه لبرهة وهو يشعر بحركة مريبة بالجوار صادرة من حديقة المنزل المسورة ، حاد بنظراته بجمود وهو يحدق بالمكان الفارغ بظلام الليل الموحش ، ليقطب بعدها جبينه بحدة وهو يلتقط بعض الاصوات الخافتة والتي بعثت الظنون برأسه وهي تتآلف مع اصوات حفيف الأوراق اليابسة والتي تملئ الأرض .
 
تنهد بهدوء وهو يغير مسار خطواته بثواني باتجاه الحديقة حول المنزل...وما ان قطع مسافة قصيرة بعيدا عن مدخل المنزل حتى لمحها هناك جالسة على ارض الحديقة بتكور وهي تناقض بشكلها المكان الموحش القابعة به والسبب بكل هذه الاصوات والتي كانت عبارة عن ترنيمة خافتة وهي تدندن بلحن ما منساب مع الاجواء الربيعية من حولها متشاركة اللحن معها...اتسعت عينيه السوداوين وهو يتوقف بمكانه ببطء شديد ما ان وصل لها على بعد خطوات توشك على دماره وهو يتتبع لا شعوريا حركات جسدها الصغير المهتز مع اللحن...يديها المتلاعبتين امامها بحركات متأنية...شعرها المبعثر حول وجهها بفعل نسمات الهواء الهائجة وهي تلهو به وتستمتع بنعومته الحريرية الفائقة...وكأنه ينظر الآن لزهرة صغيرة بشرية زرعت ببيئة ملوثة بمحضي الخطأ بدون ان يدرك احد سبب وجودها بهذا المحيط الخاطئ !
 
انتصب بلحظة وهو يحاول رسم العبوس على ملامحه هامسا بصوت جهوري خافت بعض الشيء لكي لا يفزعها مثل آخر مرة
"حسنا ، ماذا ارى هنا ؟"
 
انتفض الجسد المتكور برعشة واضحة وهو يستدير بوجهه بآن واحد عاليا ليظهر الوجه الملائكي بوضوح بين كومة شعرها الحريرية مع اتساع مقلتيها العسليتين النديتين باهتزاز طفيف ، وما هي ألا لحظة حتى صدرت منها انفاس هادئة براحة تامة خفف الاتساع المهلك بعينيها الجميلتين وكفها تربت على صدرها بحركة بسيطة تلاعبت بمشاعره بطريقة اشعلت كيانه وكأنها تتقصد فعل كل هذا ، لتعلو بعدها الابتسامة الناعمة فوق شفتيها الورديتين وهي تهمس بسعادة تتخللها الأمان دائما ما تظهرها امامه بكل موقف يحدث بينهما
"إذاً هذا انت يا جواد ! لقد اخفتني حقا !"
 
عقد حاجبيه بجمود وهو يحاول تفسير كل حركاتها الغريبة والتي تظهرها عادةً برفقته كلما شعرت بالفزع او الخوف من اي موقف بسيط يمر عليها لتظهر بلحظة خوفها المرتعش المبالغ به الشبيه بأرنب مذعور يطارده صياد قبل ان يتحول كل هذا بلحظة اخرى لبهجة وراحة بالغة ما ان تقع عينيها الجميلتين عليه وتكتشف وجوده من حولها ! فهل هي لهذه الدرجة تثق به ثقة عمياء لا تتخللها اي شك بأن يكون هو سبب كل خوف تتعرض له ؟
 
ادارت (صفاء) وجهها للأمام بصمت وهي تهمس بابتسامة عاتبة
"لقد افزعتني بشدة ! ألم انبهك كثيرا من قبل ان تعمل تنبيه لوجودك قبل ان تفزع احد بهذه الطريقة وانت تظهر بحياته فجأة ؟"
 
تغضنت زاوية شفتيه بسخرية وهو يهمس ببرود جليدي
"هل تلومينني على هذا ؟ وبالمناسبة انتِ الوحيدة الذي يفزع من ظهوري بحياتك هكذا !"
 
دست خصلاتها المتحررة لخلف اذنها وهي تهمس بشرود مريب
"من قال بأنني ألومك ! انا فقط اعطيك تنبيه من اجل الأيام القادمة بيننا لتكون خالية من اي مشاكل"
 
ارتفع حاجبيه بارتياب وهو يحدق بشرودها الحالم الجديد والذي اصبح يرافقها بأغلب حالاتها ، لينفض بسرعة رأسه بقوة وهو يهمس بخشونة بدأت تظهر القسوة بطيات صوته
"هذا ليس مهمٌ الآن ، بل الذي علينا التفكير به هو سبب وجودكِ هنا بهذا الوقت من الليل وحدكِ ! انا اتذكر بأنني قد حذرتك من قبل وهددتك من التواجد خارج المنزل بجنح الظلام ؟ وها انتِ تكررينها مجددا...."
 
قاطعته برقة وهي تنهض على قدميها لتنفض الاتربة التي علقت بثوبها البيتي النظيف
"انا اعتذر حقا ، لقد كنت اهتم ببعض الشتلات الصغيرة والتي اصبحت اهتم بسقايتها كل صباح ومساء ، وكنت على وشك المغادرة قبل لحظة قدومك ، لذا اعتذر مجددا على اطالت البقاء خارج المنزل طويلاً"
 
صمت للحظات وهو يعطي وقته بتأمل ثوبها الطويل الذي لم يكن ظاهرا بوضوح بطريقة جلوسها ، وهي ترتدي فستان ربيعي طويل بلون الوردي الشاحب تملئه الازهار الصغيرة والتي كانت تتشكل بين الاصفر والاخضر والبرتقالي بألوان بديعة مبهجة اكملت لوحة الزهرة البشرية المزروعة بحقل من ألغام .
 
اعاد نظره لوجهها بهدوء وهو يقول بحيرة قاتمة
"اي شتلات تتكلمين عنها ؟"
 
اتسعت ابتسامتها ببراءة وهي تتراجع قليلا لتلوح بذراعها نحو زاوية معينة من الحديقة والتي كانت تجلس عندها هامسة بفرحة طفولية
"هذه ما اتكلم عنها"
 
حانت منه التفاتة نحو الجهة التي كانت تشير لها ليرفع حاجبيه بدهشة وهو يحدق بمجموعة من الازهار الصغيرة والتي نبتت معا لتشكل مع بعضها فريق واحد بزاوية من الحديقة ، تصلبت ملامحه وهو يحيد بنظراته للواقفة بجواره هامسا بوجوم منخفض
"متى حدث كل هذا ؟"
 
ضمت يديها معا امام صدرها لوهلة وهي تحدق بالأزهار بسعادة غريبة وكأنها تجري معها نقاش سري قبل ان تهمس بخفوت مترافق مع لمعة حزينة سكنت عينيها العسليتين
"لقد راودتني هذه الفكرة عندما لاحظت تربة الأرض الخصبة وبعض الازهار الذابلة بها بسبب عدم الرعاية وقلة الاهتمام بها حتى ذبلت تماما ، لذا قررت زرع بعض قوارير الازهار هنا والاعتناء بها بالشكل الصحيح والدائم لكي لا تذبل مثل الباقيات ، وهذا بعد ان اخذت رأي عمتي هيام بالأمر وهي قد دعمتني بشدة بهذا المشروع الصغير ، لذا يمكنك تسميتها من انجازاتي الصغيرة بالحياة ، وكل ما اتمناه ان تكبر اكثر ويتضاعف عددها حتى تصبح حديقة كبيرة بديعة الجمال"
 
تغضن جبينه بوجوم قاتم كان يتوسع بصدره بلحظات بدون اي سعادة حقيقية ، ليقول بسرعة بعبوس وهو يشيح برأسه جانبا بضيق
"لا بأس افعلي ما شئتِ بما انه لن يضر احد ، ولكن إياكِ والتصرف من رأسك مرة اخرى بدون الاخذ برأيي !"
 
التفتت برأسها نحوه بصمت قبل ان تهمس بابتسامة صغيرة بهدوء
"ولكني قد اخذت رأي عمتي هيام بالفعل واخبرتها ان تعلمك بالأمر ، ولكن يبدو بأنها قد نسيت القصة بأكملها !"
 
عقد حاجبيه بحدة وهو يلتفت نحوها بلحظة هامسا بتسلط قاسي
"لا اريدكِ ان تطلبي منها ان توصل لي اي شيء يخصك ، بل اريد منكِ ان تطلبي مني مباشرة ما تريدين قوله معي بأي امر يخصك ، فقد لاحظت بأنكِ تتعمدين استخدام والدتي دائما لتوصل لي كل ما تريدين قوله بدون مواجهتي مباشرة ! وهذا عليه ان يتوقف سمعتي ؟"
 
اومأت برأسها بطاعة وهي تهمس بابتسامة هادئة بدون شعور
"حاضر"
 
تنفس بهدوء وهو يعود بنظره لمجموعة الازهار قائلا بتصلب جاد
"إذا كنتِ تنوين حقا سقايتها فقط ! إذاً ماذا كنتِ تفعلين بالجلوس امامها كل هذا الوقت ؟ بدلا من الدخول للمنزل مباشرة فور الانتهاء من سقايتها !"
 
زمت شفتيها بارتباك وهي تخفض نظرها هامسة بعبوس مرتجف
"لقد خفت على الازهار الصغيرة من الجو البارد الليلة ، لذا قررت البقاء معها قليلا لأقدم لها بعض الدفء والأمان بهذا الجو القارص"
 
رفع حاجبيه بخفة وهو يهمس باستهزاء واضح
"اجل وهل تقدمين لها الدفء بالغناء لها واللعب معها ؟"
 
فغرت فاها بصدمة وهي تحيد بنظراتها نحوه بتوجس لتهمس بعدها بامتعاض حانق
"لقد كنت تراقبني !"
 
ادار عينيه نحوها بلحظة جمدتها بمكانها بثانية وهو يتمتم بابتسامة غريبة بتشفي
"وهل لديكِ مانع بهذا ؟"
 
عضت على طرف شفتيها بارتعاش استبد بها وهو يجمد كل اطرافها بنظرة واحدة منه ، وهو يبتسم لها بغرابة لأول مرة تمزج مع ملامحه الرجولية والتي تنضح اسمرار قاسي لا يليق سوى به .
 
انتفضت برأسها للأمام وهي تكتف ذراعيها ببرودة تشعر بها تخللت لأطرافها المحكمة تحت سطوة نظراته التي ترسلها دائما للجنون ، لتقول بسرعة بهمس خافت لا يكاد يسمع
"لقد كنت اغني مع نفسي لكي لا اسمح للخوف بالتأثير بي ، فأنا لا احب الوحدة بالظلام ابدا فهي تخيفني كثيرا"
 
حدق بها بجمود للحظات وهو يقول بتفكير ساخر
"صحيح لقد نسيت بأنكِ تخافين من الظلام والبقاء لوحدك ! وهذه شجاعة كبيرة منكِ ان تبقي ثابتة على ملازمة المكان من اجل حماية ازهارك ، بالرغم من انكِ اكبر عمرا ونضجا للخوف من هذه الاشياء التافهة !"
 
عبست ملامحها بامتعاض وهي تتمتم باستياء خافت
"شكرا لك على هذا الاطراء ، لم اكن اعلم بأنك تجيد اللعب بالكلمات بهذه المهارة ! فأنا اعلم جيدا بأني طفلة جبانة اخاف من ظلي بدون ان تخبرني ، ولكن شكرا لك على التذكير !"
 
اتسعت عينيها باندهاش ما ان لمحت طرف ابتسامته والتي اتسعت بلحظة وهي تتحول لضحكة صغيرة خرجت على شكل حشرجة سعال كفيلة بأن تكون معجزة كونية تحدث لأول مرة كل عشر سنوات ! لتبتسم تلقائيا بصدمة السعادة وهي تتنهد براحة وبفرحة وليدة من اخراجها اخيرا الجانب الآخر من زوجها الجليدي .
 
اشاحت بنظراتها بعيدا عنه بوجل ما ان حول نظره نحوها بجمود للحظات ، ليقول بعدها ببرود قاسي وهو يقتل الابتسامة التي لم تكد تخرج على محياه
"يكفي لهو ولعب مع الأزهار ، وهيا عودي للمنزل حالاً قبل ان اغير كلامي بخصوص موافقتي على مشروعكِ هذا !"
 
نظرت له باتساع احداقها لوهلة قبل ان تومأ برأسها بطاعة تامة ، لتسير من فورها بعيدا عنه عدة خطوات قبل ان تتوقف فجأة بتلكؤ واضح للحظة ، لتستدير للخلف بهدوء التف معها اطراف ثوبها الربيعي بدورة كاملة وهي تبتسم ببهجة احتلت ملامحها الناعمة بنور القمر المسلط عليها هامسة بصوتها الرقيق الحالم
"لقد نسيت ان اخبرك بأمر الزهرة الصغيرة التي نقلتها من محيطها القاسي لأزرعها من جديد بين مجموعة الازهار الاخرى وبمكان افضل تستطيع التعايش والتأقلم به ، فليس من الجميل تركها هناك وحيدة شريدة قد تدوس عليها الأقدام ! لذا فعلت ذلك ونقلتها بنفسي لكي لا يعاقبها الآخرون بوجودها بذلك المكان الخاطئ ، والآن وداعا وتصبح على خير"
 
سارت بعدها امام عينيه القاسيتين بضباب صقيعه وهو يشاهد آخر ظلها الهارب بعيدا والقمر يلاحق اثرها لآخر جزء من طيفها ، لينقل بعدها نظراته بوجوم للزهرة المقصودة بكلامها الاخير والتي انضمت لمجموعة الازهار الاخرى لتصبح محاطة بكل انواع الامان وسبل الراحة مثل عائلة كبيرة سعيدة ، وبلحظة اختفى السواد بأعماقه وهو ينحصر بصميم قلبه الملكوم بكل طعنات الحياة والتي لم تبقي مسار لأي شعاع من السعادة للوصول لهم تبخر واضاع طريقه منذ زمن ...
 
_______________________________
كانت تسير بالممر المظلم بصمت لا يقطعه سوى صوت حفيف اطراف ثوبها الطويل والذي يشكل هالة رقيقة من حول قدميها الحافيتين ، لتقف بعدها بلحظات امام باب غرفتها قبل ان تتصلب كفها عند المقبض البارد وهي ترهف سمعها لصوت الخطوات القادمة من نفس الممر ، ما ان التفتت ناحية القادم من بعيد حتى ابتسمت له برقة حالمة وهي تشاهد من كانت معه قبل دقائق ، وقد تعرفت على هويته رغم الظلام المحيط به والذي كان يغطي اغلب ملامحه بدون ان يخفي شكله المحفور بذهنها والبعيد عن شكل الكائن المخيف المتربص لها دائما ويقف على بعد خطوات منها .
 
تسمرت بمكانها بتوجس ما ان وصل لسمعها صوت خطوات اخرى قادمة بنفس الممر تبعد عنهما امتار ، وبدون ان تنتبه كان الجامد امامها يقطع المسافة الفاصلة بينهما بخطوتين واسعتين بلمح البصر ، لتشعر بيده وهي تمسك بذراعها بلحظة قبل ان يضغط بيده الاخرى على كفها الممسكة بالمقبض وهو يكمل فتح الباب امامها ليتبعها بدفعها للداخل بقوة جعلتها تتعثر قليلا بطرف ثوبها .
 
اعتدلت باستقامة وهي تلتفت للخلف بوجل ناظرة للذي كان يغلق باب الغرفة من خلفهما بحذر ، ليميل بعدها بأذنه على سطح الباب وهو يستمع بحاجبين معقودين لصوت الخطوات والتي تجاوزت الممر بعيدا بصمت بدون ان يكشف احد وجودهما خارج غرفتيهما .
 
احمرت ملامحها بحياء مع تسارع نبضات قلبها المتقافز بذعر فجر الدماء بأوردتها بلحظة خاطفة ما ان اكتشفت خلوهما بغرفة واحدة معا لم تحدث سوى مرة واحدة بأول يوم بعد زواجهما ، لينفرد بعدها كل من الزوجين بغرفة خاصة به لوحده وكأنهما منفصلين بعد زواج دام ليوم ! شددت اكثر من القبض على يديها بتعرق وهي تتنفس بتخبط واضح وكأنها على وشك فعل شيء شائن بهذه اللحظة وهي تختلي بزوجها لثاني مرة بحياتهما ، فهل هذا بسبب عدم اعتيادها على النظر له كزوج حقيقي بعلاقتهما المعقدة وبعد ان تعايشت على الجفاء العاطفي والذي اصبح يحوم بينهما ؟!
 
رفعت يدها تلقائيا وهي تفرك كفها المحمرة من قبضته عليها والتي ارتعشت كل مفاصلها معها ، وهي تبدو مثل مراهقة صغيرة تتلقى الحب والاهتمام من فارس احلامها لأول مرة بحياتها ! وليست متزوجة منذ ما يقارب الاسبوعين واكثر ؟
 
اخفضت يديها بسرعة وهي تحرك رأسها جانبا لتغير مجرى افكارها الحالمة والتي ما تزال تحيط بعقلها ، لتهمس بلحظة بإحراج متلعثم وهي تشعر بكل جزء بجسدها ينتفض لا إراديا
"هل كل شيء بخير ؟ وهل هذه بالخارج عمتي هيام ؟"
 
استقام بعيدا عن الباب وهو يهمس بجواب مختصر زاد التخبط بداخلها
"اجل"
 
زمت شفتيها بارتجاف وهي تعود للكلام هامسة بتشتت اكبر
"إذاً ما سبب ما فعلت ؟ اقصد لما نحن هنا !......"
 
اغمضت عينيها بيأس عندما تعبت من محاولة صياغة الكلام والذي تبعثر بعقلها بلحظة غادرة ، ليتابع كلامها بلحظة وهو يجيب على سؤالها الغير منطوق
"لقد اضطررت لفعل هذا من اجل ألا ترانا بالخارج بهذا الوقت المتأخر ، فأنا ليس لي مزاج الآن لأجيب على كل اسئلتها وتحقيقاتها معي ، وخاصة بأنها قد اصبحت اكثر عصبية واكثر حساسية بالآونة الاخيرة !"
 
نظرت له للحظات وهي تبتسم بحزن تدفق بملامحها الناعمة هامسة برفق
"اعتقد بأن المشكلة تكمن بعدم مواجهتها مباشرة ومصارحتها بكل ما يعتمل بداخلها ! فأنا ارى بأن الهروب والتجاهل من حقيقة شعورها ليس بالحل المناسب فهو يزيد فقط من حزن والدتك وعتابها عليك والذي لن يفيدك سوى بإطالة فترة الصفح بينكما !"
 
اخفضت رأسها بسرعة وهي تتلاعب بأكمام ثوبها ما ان وجه نظره نحوها لأول مرة ليهمس بعدها بنبرة باردة بجفاء
"لقد فعلتُ كل هذا وتحدثت معها مباشرة ، حتى انني اعتذرت لها اكثر من مرة عن آخر تصرف بدر مني ، ولكن يبدو بأنها ما تزال تحمل نحوي وتلومني على كل شيء حدث معها من مآسي بحياتنا !"
 
غامت ملامحها بحزن بدون شعور ما ان مر على ذهنها ذكريات ذلك اليوم الكارثي والذي انكشف به كل ما هو مستور عن حياتها الكاذبة والتي كانت تتنكر بثياب المظاهر قبل ان يسقط كل شيء جميل من عينيها مثل تساقط الامطار بيوم مشمس دافئ ، اخترق هالة شرودها صوته مجددا وهو يتابع كلامه بغضب غير مبرر وكأنه ينفض الغبار عن روحه
"انا اعرف السبب بحالتها ، كل هذا لأنني لم اخضع لشرطها بالتكلم مع اوس واعادة العلاقة بيننا كما كانت بالماضي ، ولكنها لا تعلم بأنها تطلب المستحيل فما كسر مع مرور السنوات لن يعود لسابق عهده مهما حاولنا فعلها ! ولا اريد تحمل تبعات المحاولة"
 
انفرجت شفتيها بأنفاس مرتعشة وقد سمعت هذا الكلام مسبقا من عمتها (هيام) ، لتشدد اكثر من ضم يديها معا وهي تهمس بلحظة بوجوم مرتبك
"ولكن لماذا لا تحاول إذا كان يسعد عمتي هيام ؟ لا مانع من التجربة ! صحيح !"
 
حدق بها بتصلب لوهلة وهو يهمس بخفوت خشن بغمامة خاوية اسرتهما معا
"الكلام اسهل من الفعل ! فليس كل ما تتمنينه تصلين له بسهولة كما يخيل لكِ ، ولا اعتقد بأنكِ ستفهمين هذا الكلام فأنتِ من النوع الذي يحكم بقلبه بدون الرجوع لعقله !"
 
امتقعت ملامحها بلحظة وهي تتلقى اهانة غير مباشرة ضربتها بنقطة ضعفها ، وهي تتمنى لو لم تبدأ الحديث معه من الاساس والذي اوصلها لمستوى اسوء من الحضيض ، تبرمت شفتيها بلحظة وهي تهمس لا شعوريا بكبت حزين
"قد تكون على حق بكلامك ، ولكن تبقى المحاولة بسبيل ارضاء المقربين واسعاد الآخرين افضل من المشاهدة فقط ، فأنت بهذه الطريقة تثبت جبنك وانعدام عزيمتك بشيء بسيط جدا لا يحتاج لكل هذا التفكير به ! لأنك حتى لو حاولت التفكير به لن تعلم ما ستكون عليه النتيجة إذا لم تجرب قط !"
 
شحبت ملامحها لوهلة ما ان غيم البرود الصقيعي على الاجواء من حولها بثانية تستطيع معها التقاط فحيح انفاسه القاتلة ، لتعض بعدها على طرف شفتيها بوجل منتفض وهي متأكدة من تسلط نظراته عليها بهذه اللحظة تكاد تعريها بمكانها ، تغضن جبينها بوجوم ما ان وصل لسمعها المرهف صوته البارد وهو يقول بخفوت عميق
"هل تقصدين يا صفاء بأنكِ سترغمين نفسكِ على مسامحة هذا الشخص والذي اخطئ معكِ بسبيل ارضاء الآخرين وسعادتهم ؟ ومن اجل ان يعيش الجميع بهناء وترابط وفرح بدون ان يفكر احد بجروحكِ انتِ والتي لم تندمل بعد !"
 
رفعت وجهها ببطء شديد حتى تقابلت مع نظراته المسلطة عليها بدون اي مواربة اخترقت هالة حزنها بعمق السؤال بينهما ، ليرتفع بعدها حاجبيها بدهشة وهي تخرج من هول السؤال هامسة بضياع
"ماذا تقصد ؟....."
 
قطب جبينه بجمود وهو يشيح بوجهه جانبا هامسا بجفاء اكتسح ملامحه بغموض
"لا تهتمي لقد كان مجرد افتراض !"
 
زفرت انفاسها بنشيج لوهلة وهي ترفع قبضتها لصدرها بحزن شارد ، لتهمس بعدها بابتسامة هائمة بخفوت
"انت قاسي جدا يا جواد ! حتى لو حاولت كل جهدك معها ورجوتها لتسامحك واعتذرت لها مرارا وركعت امامها ، فهذا لا يكفي بسبيل ان ترضى عنك ، فهي تبقى والدتك واكيد لا تتقصد الغضب عليك او لومك ألا إذا كان بالأمر مصلحتك !"
 
ضيق عينيه السوداوين بلحظات لتعلو ابتسامة قاسية محياه وهو يهمس بصوت اجش بارد
"لقد كنتِ تتسمعين علينا !"
 
ارتبكت ملامحها بوجل وهي تهز رأسها نفيا بعنف بدون ان تجد ما ترد به وبعد ان اصبحت بموقف لا تحسد عليه ! لتقول بسرعة بقوة مبعثرة بذعر
"لا ليس هذا ! لم يحدث...."
 
شهقت بجزع وهي تتراجع خطوات واسعة بلمح البصر ما ان تقدم امامها بسرعة الصقر ، ليتوقف بمكانه بتجهم وهو يجول بنظراته بحيرة على رأسها المنكسة وكل طرف بها يرتجف بذعر غير معروف لدرجة يستطيع بها سماع انفاسها المتخبطة بلهاث طفيف ، وما ان حاول التقدم مجددا نصف خطوة وهو يلاحظ استعدادها للتراجع حتى امسك بذراعها بلمح البصر وهو يسحبها امامه قاطعة المسافة الفاصلة بينهما بخطوة كبيرة .
 
تصلبت (صفاء) بارتعاش واقفة امامه وهو ما يزال يمسك بذراعها والتي طبعت علامات اصابعه عليها ، ليهمس بعدها بخفوت واجم وهو ينظر لقمة رأسها بهدوء
"ماذا هناك ؟ لما تتعمدين الهروب مني كلما اقتربت منكِ ! هل انا اشكل مصدر رعب بالنسبة لكِ ؟"
 
زمت شفتيها محاولة تهدئة فوران خفقات قلبها وطنين انفاسها المتسارعة بأذنيها حد الألم ، لتحرك بعدها رأسها بالنفي باهتزاز طفيف وكل ما استطاع الخروج منها بفرط شعورها وهي تستل نفسها من داخل احضانه بضعف ، لتتسمر بلحظة بتصلب اكبر ما ان طوق جسدها المنتفض بذراعيه وهو يحشرها بمكانها غصبا ، ليقول فوق رأسها بنبرة صوته الثائرة الجديدة عليها بخفوت ساحر
"هل يعقل بأنكِ تخجلين مني يا زوجتي ؟ انا من دون الجميع ! وبعد كل ما تشاركناه سويا !"
 
اتسعت مقلتيها العسليتين بحياء وهي تحاول تشتيت نظرها هامسة باحمرار مفرط اقرب للأنين
"انا لا اشعر بالخجل منك ، ولكنني لست معتادة على الاقتراب منك كل هذه المسافة ، فقد نسيت هذا الشعور منذ فترة طويلة ، اقصد منذ هجرانك لي والتوقف عن الاقتراب مني ، لذا اشعر بأنني لست زوجتك حقا وغير مسموح لي ان ابادلك تلك العلاقة الحميمية !...."
 
توقفت عن الكلام وهي تعض على لسانها المتعثر الساذج وهي لا تزيد وضعها سوى سوءً بعد كل ذلك الكلام الشائن والذي لا يخرج من زوجة عاقلة ! ولو كان تحقيق الامنيات موجود بالواقع لتمنت ان تنشق الأرض الآن وتبتلعها حالاً !
 
لعقت طرف شفتيها وهي تشعر بملمس اصابعه على ذقنها الصغير وهو يرفعه نحوه ببطء شديد ، وما ان رفعت رأسها قليلا حتى اصطدمت بعينيه السوداوين الحادتين مثل الصقر واللتين تستطيع ان تلمح اللمعان الساكن بهما بأوج الظلام المحيط بهما ، لتنتفض بلحظة ما ان قال بابتسامة قاسية ببرود بدون ان تفهم مغزاها
"ماذا قلتِ الآن ؟"
 
ارتجفت بمكانها وهي تهمس بارتباك بدون ان تترك اسر عينيه الشرستين لها
"لا لم اقصد كل هذا ، كل الذي اردت قوله بأنني لم اعد اشعر بأنك شخص مسموح لي بالاقتراب منه وكأنك اصبحت شخص محظور عليّ ! وكأنني افعل شيء شائن بالاقتراب منك !......"
 
اوقف كلامها المسترسل بشفتيه والتي اطبقت على شفتيها المرتجفتين بقسوة قبلته لم تتذوقها منذ فترة طويلة او بالأحرى منذ بداية زواجهما المزعوم ، وكم اشتاقت لها بحياتها والتي جردها من العاطفة الحية بينهما حتى اصبحت ذابلة مثل صحراء قاحلة بدون اي ماء يرويها بعد ان سرقها منها عنوة ورحل !
 
تنفست الصعداء ما ان اطلق سراح شفتيها وهو يهمس امام وجهها بانفعال هادر
"هل ما تزالين ترين علاقتنا محرمة او ما نفعله شيء شائن ؟"
 
رفعت عينيها النديتين نحوه بدون إجابة وبعد ان تصلبت حنجرتها وفقدت قدرتها على النطق ، لتعود للارتجاف بشدة وهي تستشعر دفء قبلاته على طول عنقها بدون اي مقدمات وهو مستمر بحرب دك حصونها واجتياح مشاعرها الثائرة والتي عادت لتطويق حياتها العاطفية ، وهو يهمس بصوت اجش قاسي بين قبلاته المتتالية على بشرة عنقها
"هل تشعرين الآن بأني زوجك ؟ هل ما تزالين تخجلين مني ؟ تكلمي يا صفاء !"
 
تشبثت بذراعيه بلحظة وهي تحاول التماسك بقدر ما تستطيع هامسة بتلعثم
"انا لا اعرف...، لا اعرف"
 
رفع وجهه بقوة وهو يحاوط وجهها بكفيه ليقربه امامه بلحظة هامسا بتملك شرس طغى عليه ببحة الثورة
"حسنا لا بأس ، سوف اجعلك تعرفين بطريقتي !"
 
فغرت شفتيها بعدم فهم وبدون ان يعطيها الفرصة للتفكير كان يجتاح كيانها بقبلته التي قضت على انفاسها الاخيرة حتى كادت تتعثر للخلف وتفقد توازنها بلحظات ، ليتمسك بخصرها بقوة بدون ان يدع لها حرية السقوط وهو يغرز يديه بجسدها الغض من تحت الثوب بقسوة لم تشهدها بحياتها ! ولم تشعر بنفسها وهي تصل للسرير لتسقط عليه جالسة بلحظة بدون ان يترك اسر شفتيها ، وهو مستمر بتلك الحرب الطاحنة والتي ازهقت كل ذرة كيان ما تزال تحافظ عليها وتجاوزت دائرة مخيلتها الخصبة وكل ما حدث بأول ليلة لهما بعد الزواج !
 
شهقت بانتحاب ما ان مزق ياقة ثوبها بعنف وشفتيه المفترستين لا تتوقفان عن نهش بشرتها الرقيقة حتى آلمها الأمر بشدة ، لتشب يديها بكتفيه باستجداء وهي تتوسل له بدموع تحررت من محجريها
"توقف ارجوك ! توقف !"
 
ولكن كل استجدائها كان يذهب مع الريح بين فورة جماحه مثل وحش مفترس اطلق سراحه ليقضي على كل ما تصله نيرانه بأنيابه التي لا تعرف الرحمة ، وكأنه يبث بها كل مشاعره المدفونة عن العيان بين حقد وغضب وانتقام وشوق لها تفجرت جميعها دفعة واحدة لتدمرها لشظايا متناثرة ، بدون ان يدرك مدى ضعفها امام كل هذه المشاعر الهادرة والتي حولته لوحش كاسر لا يبصر من امامه !
 
انتفض بعيدا عنها ما ان ادرك شناعة فعلته وهو يشعر بارتخاء جسدها بين يديه بلحظة ليكتشف عندها بصدمة بأنها قد فقدت وعيها تماما ، تنفس بتهدج منفعل وهو يرفع يده بارتجاف ينتابه لأول مرة ليبعد خصلات شعرها الحريرية والتي التصقت بخديها بسبب تجمع الدموع والعرق على وجهها المحتقن ، ليضرب بعدها على وجهها بكفه برفق وهو يهمس بخفوت متوجس
"صفاء ! صفاء استيقظي"
 
رمشت بعينيها الدامعتين عدة مرات بتشنج مخدر وبصعوبة شديدة ، وما ان ادركت مجريات ما حدث معها حتى انتفضت تلقائيا وهي تضم ياقة ثوبها الممزق من الاعلى بيديها لتزحف قليلا للخلف بصمت تام غيم على الاجواء من حولهما للحظات ، وكم اثرت تلك الحركة بكيانه وهي توجه له ضربه طائشة غير محسوبة العواقب ! تنفس بعدها بفورة الاشتعال وهو يرفع يديه ليمسح على شعره بتعب منهك يكاد يقتلع خصلاته من رأسه وهو يموج بأفكاره المتلاطمة بتشتت .
 
استقام بلحظة وهو ينظر للساكنة بمكانها بدون اي ردة فعل مقروءة مثل تمثال جليدي فقد كل معالم الحياة بعد الصدمة الاخيرة والتي تلقاها ، فيبدو بأن بطلها الحامي تحول بلحظة للوحش الكاسر والذي يطارد الفرائس السهلة كما كانت تقول سابقا !
 
استدار بلحظة وهو يندفع بسرعة لخارج المكان بعد ان ضاقت به الغرفة حتى كادت تطبق على انفاسه الاخيرة ، وكل ما يفكر به هو خطر الاقتراب منها اكثر من الحد المسموح به لكي لا يبث بها آلامه وسوداويته بالحياة والتي تحررت اليوم تحديدا عن قفصها المنيع وبعد ان مزجت بفورة الرغبة والتي حجزت لفترة طويلة ، فهذه الفتاة قد بثت سمها الخاص بها بروحه وانتهى...وهو الذي لم يتأثر بسحر النساء يوما لتكون هذه الفتاة الضربة القاضية له ؟!

نهاية الفصل........

بحر من دموع حيث تعيش القصص. اكتشف الآن