الفصل الثاني والخمسون

192 4 1
                                    

كانت تشرد بعالم بعيد وهي تسند رأسها على الوسادة المرتفعة بوضع الجلوس ، بدون ان تعطي الجالسة بجانبها استماع وهي تتكلم عن احوال الناس والعالم بثرثرة مطولة غير منتهية
"ابنة خالتك ياسمين قد خطبت وهي ما تزال بعمر السادسة عشر ، وقد تحدد موعد الزفاف بعد شهر ،  هل تصدقين بأنهم قد اصبحوا يزوجون البنات بعمر مبكر جدا فقط ليتخلصوا من هم دراستهن ومسؤولياتهن ؟ فلا يصدقون ان تبلغ الفتاة عمر الزهور حتى يبدئوا بالبحث لها عن العريس ويزوجونها بأول عابر سبيل يدق بابهم ! وهذه الحوادث قد اصبحت شائعة جدا بهذا الوقت والزمان والذي يخاف به الانسان على اولاده من القريب قبل الغريب ، وكأنها صيحة موضة يقلدونها وينشرونها بين الناس حتى اصبحت مغروسة بتربة المجتمع ، والكل يتماشى معها بغرض التغيير والتجديد ، على كل حال الحمد الله الذي ارضانا ووهبنا بزوج يحترمك ويحبك ويناسب مستوانا الاجتماعي والفكري ، فأولاد الحلال مثله قليلين بهذا الزمن والحياة"
هزت رأسها بدون اي تعبير وبدون الإتيان بردة فعل اخرى على مواضيع حواراتها والتي لا تمل من تكرارها مثل فيلم تقليدي قديم ، لتجذب انتباهها هذه المرة ما ان تابعت كلامها وهي تركز نظرها وحوارها عليها
"ذكرتني الآن ، كلمتني اليوم العمة سلسبيل وهي ترسل سلامها لكِ وتتسائل عن وضعكِ الآن ، واخبرتها بأن كل شيء على حاله والوضع مطمئن جدا وننتظر قدوم يوم العملية على خير ، وسألتني ايضا عن وضع زوجك واخبرتها بأنه لا يبارح مكانه من جانبك ويبذل كل مجهوده من اجل ضمان نجاح عمليتك ، وبعدها تبادلنا السلامات والاخبار وفصلنا"
حادت بعينيها العسليتين نحوها وهي تهمس بشبه ابتسامة باهتة
"هل هذه العمة التي كانت تطلق عليّ مسمى عود الخيزران ؟ لقد كانت دائما تتعقبني بنظراتها الغريبة والحسودة ، لقد كانت اغلب تصرفاتها غريبة الاطوار ، هل ما تزال ابنتها الوحيدة تعاني من اعراض السمنة المفرطة ؟ آخر مرة رأيتها بها كانت بحفلة خطوبتها السنة الماضية ، وبعد حادثة فسخ الخطوبة انقطعت اخبارها تماما !"
عقدت حاجبيها بحدة وهي تنشغل بتقطيع الفاكهة بالطبق قائلة بخفوت صارم
"لا تتشمتي بأحوال الناس ، وألا ابتلاك الله بها بعيد الشر عنكِ ! وايضا ابنتها الآن تقدم اختبار قبولها بالثانوية العامة وتحاول إكمال دراستها وبذل مجهود بها بما انها لم توفق بموضوع الزواج"
ادارت (غزل) رأسها بعيدا وهي تهمس بوجوم عابس
"انا لا اتشمت يا امي ، لقد كنت اسرد الواقع فقط ، فهي لم تكف يوما عن التشمت بحالتي وبوضعي الصحي وكأنها تحاول مداراة وضع ابنتها بمقارنتها بي ! وهذا الوضع لم يكن يحتمل ابدا ، حتى انها كانت تستهزئ بوضع دراستي المنزلية وتقول بأن الدراسة ليست كل شيء بالحياة ولا داعي لإتعاب نفسي بشيء غير نافع بالنسبة لفتاة لا تقدر على الخروج من محيط غرفتها ، وكل هذا بسبب توقف دراسة ابنتها بالمرحلة الإعدادية والتي لم يتم قبولها بالثانوية"
تنفست بيأس وهي تتابع ما تفعله بالتقطيع بالسكين قائلة بهدوء جاد
"حسنا ، حسنا توقفي عن تضخيم الامر من لا شيء ، فقد مرت كل هذه السنوات عن هذه الحادثة ، وما تزالين تحملين الضغينة نحوها ! فكري فقط بالأشياء الجيدة واتركي السلبيات عنكِ"
زمت شفتيها بضيق وما تزال جذوة روحها تؤلمها من تلك الايام التي كان مرورها عنها مثل السير حافية القدمين على جمر محترق ، لتقطع والدتها الصمت وهي تقول بموضوع آخر انتقلت له مباشرة مثل قنوات الاخبار
"وايضا لقد سألت عنكِ العمة بدور وتوصل لكِ سلامها ، وقالت بأنها تدعو لكِ كل يوم من اجل خروجك من العملية بكامل صحتك وعافيتك ، وتنتظر عودتك للبلاد بفارغ الصبر ، وتهديك قبلات كثيرة"
نقلت نظرها لها بعبوس وهي تهمس بخفوت ساخر
"هل هذه العمة التي كانت تستمر بقول نفس السؤال متى ستتزوجين ونفرح بكِ ؟ منذ ان وعيت على الدنيا وهي تسألني نفس السؤال الروتيني ، وكأن الامر بيدي وانا من اتحكم بقدري ! وهي اساسا لم تستطع تزويج ابنتها الكبيرة التي تجاوزت الثلاثين من العمر ، لماذا لا يحاكم الناس انفسهم قبل محاكمة غيرهم ؟"
ضربت والدتها الطبق بسكينها وهي تقول بعصبية بالغة
"غزل يكفي هذا ، لقد بالغتِ كثيرا ، ما بكِ تهاجمين كل شخص اتكلم عنه ؟ هؤلاء اقربائك ويريدون الاطمئنان عليكِ ! لماذا تشنين الحروب وتصنعين العداوة بينهم ؟ انتِ لم تحاولي يوما التقرب منهم او الانخراط بجلساتهم وكأنهم اغراب عنكِ ، احيانا تعرضيني لمواقف محرجة بسبب الانطوائية والوحدة التي تغلفين نفسكِ بها تبعدك عن كل الاقارب والحياة بشكل عام ، وكأنه لدي حالة خاصة بالمنزل لا ترغب بمواجهة احد وتفضل الانعزال بقوقعتها للأبد ، انتِ حتى لم تجربي يوما الرد على سلاماتهم او التواصل معهم بكلمة وتتركيني دائما بوجه المدفع ! متى ستفرجين عن نفسكِ ؟ متى ستحررينها من هذا الاسر ؟ فقد يأست حقا منكِ"
غامت ملامحها بكآبة وهي تحدق بها بسكون لبرهة قبل ان تهمس بخفوت خاوي
"عندما تقررين ترك ياقتي انتِ وهؤلاء الاقارب قد استطيع عندها التحرر ، فأنا ما ازال حبيسة سجنكم ومعايرتكم التي لا تنتهي ، وصدقيني لو كان الامر بيدي لمسحت خريطة هذه العائلة بأكملها واعدت كتابتها بنفسي ، فلا احد منهم صادق ، ولا احد منهم يفكر بمصلحتك ، ولا احد يحبك ، جميعهم منافقون كاذبون يركضون فقط خلف مصالحهم وغاياتهم ! لذا لا تجبريني على التواصل مع احد منهم او مراعاتهم فهذا يفوق قدرتي على الاحتمال ويسحقني تحت اقدامهم !"
عبست ملامحها وهي تضع السكينة على الصينية بقوة قائلة باستنكار حاد
"وما لذي فعلته انا لكِ حتى تتصرفي معي بهذا الشكل ؟ هل اصبحت الآن عدوتك لأنني اطلب منكِ تحرير نفسكِ من عقدكِ والتواصل مع اقربائك ؟ إلى متى ستبقين تعيشين بهذا الاسلوب والنمط بالحياة ؟ انتِ تظلمين نفسكِ ، وتظلمين من حولك ، والاكثر تظلمين زوجك ايضا بهذا العناد والتعنت على الرأي ! فماذا سيقول الزوج عن زوجته التي تصر على الانغلاق على نفسها والعيش بدوامة كآبتها ووحدتها رافضة كل انواع التواصل الاجتماعي ؟ ألا تعلمين بأن الزوج يحب بزوجته الفتاة المنفتحة والمنطلقة والاجتماعية ؟ وانتِ عكس كل ذلك تماما....."
قاطعتها (غزل) ببرود قاتل بعد ان فاض كيلها
"ارحميني يا امي ، ارحميني من حواراتك ، لا اريد الحديث عن هذه المواضيع الفارغة ، انا الآن مريضة واستعد لإجراء عملية زراعة قلب قد لا انجو منها ، وانظري انتِ عن ماذا تتحدثين الآن ! فكري بي ولو قليلا ! فكري بما يسعدني ويحزنني ! هل فكرتي بي بهذه الطريقة يوما ؟"
امسكت خصرها بيديها وهي تقول بعبوس محتد     
"وماذا قلت انا حتى تثوري عليّ هكذا ؟ هل هذه حجتك الجديدة بالدفاع عن نفسك ؟ ألم تجدي طريقة غيرها لتتهربي من مواجهتي ؟"
اشاحت بوجهها بعيدا وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها بدون كلام تنهي الجدال الذي لا طائل منه ، لتقول بعدها التي عادت لإمساك السكين وهي تقطع بها بانتظام
"نسيت ان اقول لكِ عن خالتك ابتسام ، لقد تكلمت معي بموضوع إقامة حفلة لكِ بمنزلها فور عودتك من السفر للاحتفال بخروجك سالمة من العملية ، فهي لا تطيق صبرا حتى انتهاء إجراء العملية وعودتنا للبلد....."
قالت (غزل) من فورها بصوت مشتد قاتم
"لا اريد حضور اي حفلات ، ولا اريد رؤية احد منهم ، اعتذري منها وانتهي من القصة"
فغرت شفتيها بذهول وهي تضع الصينية فوق المنضدة بجانبها وتنهض عن الكرسي بقوة ، لتلوح بعدها بالسكين بالهواء وهي تقول بثورة جامحة
"لا هذا كثير عليّ ! هل تريدين اصابتي بجلطة قبل اواني ؟ ماذا يعني هذا الكلام ؟ هل تتعمدين فعل كل هذا بي من باب الاستفزاز والتحدي ؟ متى ستتعقلين بالله عليكِ ؟ متى سيكون لديك عقل يعمل بشكل سليم ؟ متى ستحبين نفسكِ ؟ لقد تعبت معكِ حقا ! حتى بعد زواجك ما تزالين تجلبين الهم والقهر لي"
شددت من تكتيف ذراعيها بصمت بدون ان تجاريها ما عدا سحابة رقيقة غطت عينيها بحزن على ذكر امر تلك الخالة ، فهي اختلاف عن الجميع سمعتها تصارح والدتها بكلام ما يزال يترك ألم غائر بقلبها
(هذه الفتاة ستبقى هم على قلب كل من بالعائلة مثل المرض الذي لا مناص منه)
لم ينتبه احد بأن هناك من يقف خلف الباب ويستمع لحديثهما منذ بداية الجدال حتى نهايته ، وما ان شعر بسكون وصمت بالأجواء حتى اقتحم الغرفة بدون استئذان وجذب الاعين نحوه بصدمة ، ليقطع كل هذا بلحظة وهو يشق طريقه نحوها مباشرة قائلا باقتضاب
"صباح الخير"
وقف بعدها بجوار سرير التي كانت تمسح عينيها النديتين بظاهر يدها بهدوء ، وقبل ان يفسح لها المجال بالكلام كان ينحني امامها وهو ينزع انبوب محلول الدواء عن رسغها برفق ، ليلقي به جانبا وهو يكمل عمله بكشف الغطاء عنها بالكامل ، لتوقفه بلحظة وهي تمسك برسغه تشدد عليه بأصابعها الصغيرة النحيلة .
رفع نظره نحوها بهدوء وهو يراقب نظراتها الحائرة تحمل بينهما خوف غير منطوق ، ليقول بعدها بابتسامة هادئة يطمئنها بكلمات قوية  
"لا تقلقي يا قلب هشام ، كل شيء سيكون بخير"
لانت ملامحها بهدوء وهي تفلت رسغه ويدها تسقط على جانبها بصمت ، ليدس بعدها ذراعه تحت ساقيها وهو يحملها عاليا بخفة حتى تعلقت بعنقه بتلقائية ، لتتدخل بسرعة التي افاقت من صدمتها وهي تقول بخفوت متوجس
"ماذا هناك يا هشام ؟ إلى اين تريد اخذ الفتاة بهذه الحالة ؟ ما يزال هناك ايام على موعد العملية ، كيف ستذهب بها هكذا ؟......"
ارتسمت ابتسامة باردة على محياه وهو يقول بجدية ويغادر من امامها
"لا تقلقي على ابنتكِ ، فهي ستكون بمأمن معي ، واعدكِ ان اعيدها لكِ بعد ساعة"
انفرجت شفتيها ببلاهة وهي تستدير معه تتابع خروجه السريع من الغرفة بصدمة ما تزال تعايشها ، بينما الذي خرج بها كان يعيش شعور مختلف وهو يحمل قلبه بين اذرعه ينقلها لعالم بعيد يحميها مِن كل مَن يترصد لها بسوء او مضرة سواء من قريب او بعيد .
_______________________________
طرقت على باب الغرفة وهي تطل برأسها للداخل تستطلع الوضع ، لتصل بعدها لهدفها المنشود الذي يجلس فوق السرير وهي شاردة بالعالم الآخر ، لتتنحنح بلحظة بانتباه وهي تقول بابتسامة لطيفة  
"صباح الخير يا روميساء ، هل انتِ متفرغة للزيارات ؟"
نظرت لها بملامح حائرة وهي تهمس بخفوت مستفسر
"زيارة ! من سيفكر بزيارتي ؟"
امسكت خصرها بيدها وهي تقول بتشدق واضح
"انها زائرة مزعجة كانت تصر على رؤيتك منذ يومين ، ولا تنفك تكرر عليّ نفس العبارة قائلة بأنه موضوع مصيري ولا يقبل الانتظار اكثر"
ارتفع حاجبيها باستغراب اكبر وهي تهمس بدهشة
"من تكون ؟....."
ظهرت المقصودة قبل ان تكمل عبارتها وهي تدفع الواقفة عند الباب وتدخل بسرعة مثل الطلق ، لتنتهي جالسة امام التي جمدتها الصدمة وهي تحتضنها بدون ادنى انتظار او تردد وكأنها قابلت صديق لها عاد من السفر ، لتفيق بعدها على صوتها الفرح الذي يدخل ضوضاء وحياة بالقلب مع مجيئها
"لقد اشتقت لكِ يا معلمتي الفاضلة ، اشتقت لكِ يا مثلي الاعلى بالحياة ، اشتقت لكِ يا منارتي وضيائي ، اشتقت لكِ بشدة لدرجة يخونني بها التعبير عن مشاعري"
قالت (ماسة) تقتحم اجوائها وهي تمسد على ذراعها بضيق
"اجل لدرجة ضربتي بها صديقتك المقربة وكدتِ تكسرين ذراعها"
ارتبكت ملامحها بمفاجأة وهي تمسح على ظهرها بيديها هامسة بخفوت مضطرب  
"يسعدني سماع هذا الكلام منكِ يا عزيزتي ، واسعدتني حقا بزيارتك الغير متوقعة ، ولكنكِ صدمتني بشدة بظهورك المفاجئ مثل إنذار الخطر ! هل كل اموركِ بخير ؟"
ابتعدت عنها بسرعة وهي تدس خصلاتها خلف اذنها هامسة ببهجة غامرة
"نعم بخير ، كل شيء على افضل ما يرام ، انا فقط تحمست قليلا بلحظة رؤيتك وانجرفت تلقائيا بمشاعري"
تغضنت زاوية ابتسامتها بحنانها الخاص وهي تمسح على كتفها بهدوء ، لتتدخل (ماسة) بلحظة وهي تقول بابتسامة متملقة
"لا داعي للاستغراب يا روميساء ، فهي هكذا دوما عندما تمر بمأزق وتيأس من إيجاد الحل المناسب تصبح اسوء من زامور الخطر !"
عضت على طرف شفتيها بحياء ما ان قالت الجالسة امامها بخفوت صارم
"هلا توقفتِ عن ازعاج الفتاة يا ماسة ؟ فهي قد جاءت من اجلي وليس من اجلك"
اتسعت ابتسامتها بدفء الصيف وهي تمسك بيدها هامسة بابتسامة كبيرة  
"هل انتِ بخير ؟ كيف تشعرين الآن ؟ عندما علمت بأمر عمليتك قلقت كثيرا وخفت من ان يصيبك مكروه لا قدر الله ، فنحن لم نخرج بعد من حادثة فقدان طفلك حتى نعود لعيش حادثة اخرى ! لا تعيديها مجددا لكي لا نعيش حزن آخر"
انحرفت زوايا عينيها الخضراوين بحزن وهي تمسك بجانب وجهها لتهمس بعدها بنبرة عطف  
"انا بخير يا صفاء ، وقد اصبح يومي اجمل برؤيتك ، لذا شكرا لكِ على اهدائي مثل هذا الصباح المشرق"
زمت شفتيها بصمت وهي تحشر غصة سكنت قلبها ومقلتيها العسليتين المكسوتين بالبريق الذهبي ، لتهمس بعدها بابتسامة رقيقة زينت طرف شفتيها
"بل شكرا لكِ انتِ لأنكِ موجودة بحياتي فقد كنتِ بمثابة اخت كبيرة لي لم احظى بها ، وسعدت حقا بوجودي بينكما وبعائلتكما ، حمد الله على سلامتك يا روميساء"
ضحكت بخفوت متحشرج وهي تسحب يدها عن وجهها لتمسح اطراف حدقتيها بأصابعها ، لتربت بعدها على كفها وهي تنتقل لموضوع اكثر جدية تتقمص شخصيتها الصارمة  
"حسنا لنضع مشاعرنا الآن جانبا ونتكلم بجدية ، ما لذي تريدينه مني حتى اتيتِ تتملقين عليّ ؟ فمن معرفتي الطويلة بكِ استطيع ان اخمن بأن هناك امر هام يشغل تفكيرك وتحتاجين المساعدة به ، وخاصة بأنكِ قد دخلتي للغرفة بموجة نشاط جلبت معكِ اعياد الاحتفالات !"
سحبت يدها عن كفها وهي تمسح وجنتيها الحمراوين بظاهرها بتوتر ، لتتكلم (ماسة) للمرة الثالثة وهي تقف هذه المرة بالقرب منهما قائلة بابتسامة جانبية
"لقد اصبتِ بالفعل يا روميساء ، فما يحدث بحياة صفاء يتجاوز الاحتفالات والاعياد بمراحل وكأنها قنبلة موقوتة تنتظر من يفجرها"
حادت (روميساء) بنظرها نحوها وهي تقول بجمود عابس 
"توقفي عن التكلم بالألغاز يا ماسة ، وتكلمي بوضوح ! هل هناك ما تريدين قوله ؟"
حركت كتفيها باستخفاف وهي تشير بعينيها ناحية الجالسة بينهما قائلة ببساطة
"ليس لي علاقة بالأمر حتى تسأليني ، انتظري من صاحبة العلاقة الإجابة ، فهي تملك الإجابة على سؤالك"
نقلت نظرها منها لصاحبة العلاقة التي كانت تفرك يديها معا بتوتر ، وما ان كانت على وشك الكلام بقلب رق لها حتى قاطعتها وهي تقول باندفاع مبالغ به
"حفلة زفافي بعد اسبوعين"
اندهشت ملامحها بصدمة وهي تحاول احتواء كلامها السريع الذي خرج مثل الالعاب النارية ، لترسم بعدها ابتسامة رقيقة على محياها تحمل الدهشة والسعادة معا وهي تهمس بتفكير
"حفلة زفافك ! هل هكذا هو الامر ؟"
توترت ملامحها وهي تخفض نظرها هامسة بخفوت مبرر   
"الحقيقة بأنني لم اقيم حفل زفاف بزواجي الأول ، لذا قررت عمل حفل زفاف آخر تعويض عن الأول ، واعرف بأنه قرار متأخر جدا ولم يعد له اي اهمية او قيمة الآن ، ولكنني مع ذلك اريد تحقيقه بشدة واطمح إليه فقد كان هذا واحد من امنيات طفولتي وللآن"
اشرقت ملامحها بسعادة وهي تمسح على رأسها بكفها قائلة بمحبة امومية
"لقد فرحت كثيرا ، هذا خبر مفرح جدا ، فأنتِ تستحقين زواج حقيقي كباقي فتيات سنك وحفل زفاف تتوجين به اميرة الحكاية التي حلمتي بها كثيرا منذ طفولتك بأحلام يقظتك ، وحتى لو كان متأخرا عن موعده قليلا ، فدائما الاشياء الجيدة والرائعة تحتاج وقتا اطول وتتأخر بالحدوث"
رفعت رأسها بابتسامة انحرفت عن مسارها وهي تهمس بخفوت متردد خائف
"اجل اعرف ذلك ، ولكن هناك مشكلة صغيرة جدا تعيق عليّ عيش سعادتي بالكامل ، وهي تكمن بحفل الزفاف بحد ذاته"
ارتفع حاجبيها باستغراب وهي تخفض يدها عن رأسها هامسة بوجوم
"ماذا يمكن ان تكون المشكلة بحفل الزفاف ؟ هل هو عنوان المكان ؟ ام انكِ تخافين من الظهور وسط حشود من الضيوف ؟ ام انكِ لا تعرفين كيفية تنسيق اغاني الحفلات....."
قاطعتها (صفاء) من فورها باستنكار عابس
"لا ليس اي منها صحيح ، فالمشكلة تكمن بي انا وليس بالحفلة ، انا لست معتادة على تجهيز امور وتحضيرات الزفاف ، مثل ثوب الزفاف وتبرج العروس والذهاب للكوافيرة لتسريحة الشعر ، ومجوهرات والمستلزمات الخاصة التي قد تحتاجها العروس بحفلة زفافها ، انا لا علم لي عن كل هذا ! ولا اعرف كيف ابدأ ومِن مَن عليّ ان اطلب المساعدة والنجدة ! لذا ليس لي سواكِ ليخرجني من هذا المأزق ويكون مرشدي بهذه الطريق التي دخلت إليها لأول مرة"
انفرجت شفتيها بذهول وهي تحاول استجماع افكارها بنقطة معينة لتستوعب بما عليها قوله واجابته لها ، لتسبقها التي باتت تقف بجوارها وهي تستند بظهرها على المنضدة قائلة بعملية
"لقد اخبرتكِ بها من قبل يا صفاء ، لن تستطيع روميساء العودة لممارسة حياتها الطبيعية قبل مرور اسبوعين واكثر ، وهذا يشمل استئناف العمل والحياة اليومية الشاقة التي قد تحتاج اسابيع حتى تستطيع العودة لهما ، لذا انسي موضوع مساعدتك نهائيا واخرجيه من عقلك"
ضمت يديها امام شفتيها وهي تتحاشى النظر للواقفة بينهما هامسة برجاء حزين
"ارجوكِ لا تتركيني وحدي بهذا المأزق ، واعدكِ بأنه لن يضرك بشيء ، وسيكون مجرد تنقل بين المحلات بالسوق وشراء كل ما نحتاج لحفلة الزفاف ، ولن يأخذ منا اكثر من عشرين دقيقة بدون ان نتعب انفسنا بشيء....."
قاطعتها (ماسة) بقوة اكبر وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها قائلة بجمود
"لقد قضي الامر يا صفاء ، ولا فائدة من النقاش والحوار بموضوع منتهي ، فنحن عندنا سلامة روميساء قبل كل شيء"
اخفضت يديها وهي تخفض معها رأسها بانكسار وإحباط بعد ان فقدت املها تماما ، لتقول (روميساء) بعدها وهي تتخذ قرارها بجدية
"لا امانع مساعدتك يا صفاء ، ولكنها ستكون ببداية الاسبوع القادم حتى يسمح لي بالخروج من المشفى رسميا ، وما ان يعلن عن اليوم الذي اتحرر به من هذا السجن سأذهب معكِ بتلك الجولة واساعدك بما تحتاجينه بحفلة زفافك ، فقد فعلتها من قبل بحفلة زفاف ماسة ولدي خبرة جيدة بهذه الامور ، فما رأيك ؟"
رفعت رأسها بمفرقعات العيد وهي تصفق بيديها ببهجة طفولية هامسة بفرح
"بلى تعجبني الفكرة كثيرا ، ولن اطيق صبرا حتى يأتي ذاك اليوم !"
اقتحمت (ماسة) حوارهما وهي تستقيم بعيدا عن المنضدة قائلة بخفوت منفعل  
"ولكن يا روميساء ! ماذا عن صحتك وعدم تحميلها فوق طاقتها ؟ هل ستعودين لفترة الاستهتار بصحتك مجددا ؟ انتِ قد خرجتِ من العملية الجراحية بشق الانفس كيف ستخرجين بهذه الجولة وكأن شيء لم يكن !"
حانت منها التفاتة نحوها وهي تقول بابتسامة هادئة بثقة بدون ان يحنيها شيء عن مرادها  
"لا داعي لكل هذا الخوف والهلع على صحتي ، فأنا قد تحسنت بالفعل منذ يومي الأول بعد العملية ، وإذا كنتِ مهتمة حقا بالخوف على صحتي فعليكِ بمرافقتنا ايضا من اجل ان تراقبيني جيدا !"
اشاحت بوجهها جانبا وهي تهمس بخفوت مغتاظ
"اساسا كنت سأذهب بكل الاحوال"
اعادت نظرها للأمام ما ان قالت المتكلمة الاخرى وهي تحتضنها مجددا بسعادة اختلطت بلهفة كبيرة
"شكرا لكِ على مساعدتي يا روميساء ، شكرا لكِ على تفكيرك بي ، كل شيء سيكون على افضل ما يرام لأنكِ موجودة بعالمي ، لأن كلتاكما موجودات بعالمي"
مسحت على رأسها كما تفعل مع رأس الطفلة بأحضانها وهي تهمس بغريزة الامومة بداخلها
"ونحن سعيدات بوجودكِ ايضا ، لأن ماسة لديها شقيقة مثلك ، وانا لدي ابنة صغيرة اخرى اهتم بتربيتها"
عانقت خصرها بذراعيها وهي تدفن وجهها بأحضانها بضحكة عذبة استقرت بين حنايا قلبها يرافقها حنين الماضي القديم ، بينما كانت (ماسة) تراقب بهما بابتسامة حزينة حفرت بجمال بسمتها وهي تتمتم بخفوت مازح  
"يا لها من عائلة مثالية"
امسكت (روميساء) كتفيها وهي تبعدها عنها بحذر قبل ان تهبط بنظراتها وكفها لمكان الجنين ببطنها المدور ، ويدها تتحسس بطنها لا شعوريا هامسة بخفوت حاني
"كيف حال المشاكس الصغير ؟ هل يتعبكِ كثيرا ؟"
تألقت ابتسامتها باشتياق وهي تضع يدها فوق كفها هامسة بتودد
"ليس كثيرا ، مجرد رفس طفيف بالنهار واحيانا قبل النوم ، ولكنه يعود للاستقرار سريعا والهدوء بسلام وصمت وكأنه يشعر بالطمأنينة والراحة عندما يلفت انتباهي وتركيزي له"
اومأت برأسها بشرود متلبد وهي تفكر بعمر ابنها كم كان سيكون لو بقي على قيد الحياة بداخلها ، ستكون الآن على مشارف الولادة بابنها الذي اتم شهوره بداخلها واستعد للخروج للعالم ، ولكنه حتى شهرين لم يكملهما قبل ان يودعها مبكرا جدا وقبل الاوان مثل عابر السبيل مر من حياتها ورحل !
شدت انتباهها التي وضعت كفها على بطنها الغير ظاهرة كما تفعل معها وهي تهمس بخفوت لطيف
"كيف حال نمو طفلك الجديد ؟ هل هو يتغذى ويشرب جيدا ؟"
تنفست بابتسامة هادئة وهي تنظر لموضع يدها هامسة بخفوت مرتاح
"انه بخير جدا ، يحاول العيش بقدر المستطاع ، والتمسك بهذه الحياة ، وانا سأتمسك بكل شيء من اجله"
اومأت برأسها بقوة حتى اعتلت ملامحها ابتسامة كبيرة توهجت نور وحب ، ليعلو صوت (ماسة) بلحظة مثل جهاز الخطر وهي تتأفف بنفاذ صبر
"حسنا هذا يكفي ، لقد بالغتما كثيرا بهذه القصة ! على الاقل راعوا مشاعر المسكينة الموجودة بينكما ولا تعطيانها اعتبارا ! لقد شعرت حقا بالضجر منكما"
نظرا لها بدهشة من انفعالها المفاجئ قبل ان ترفع رأسها صاحبة التعليق الساخر   
"يبدو بأنها قد غارت ، ارى بأن هناك من يريد ان يصبح ام كذلك !"
غطت الجالسة امامها فمها بيدها وهي تنفجر بالضحك بقوة بدون ان تمنع نفسها وهو يضرب مكان الوجع ويداوي جراحه ، لتشاركها الاخرى بالضحك كذلك بتلقائية عفوية وكأنها تلقت العدوى منها ، بينما الصامتة بينهما شاردة بالأفق البعيد وهي تفكر بجدية بكلامها الاخير وبرغبة اصبحت غاية بالحصول عليه ومنح نفسها فرصة كما فعل الباقين .
______________________________
اوقف السيارة على جانب الطريق وهو يتنفس بصدر ضخم توسعت بجدران قلبه ، ليرمق بعدها الجالسة بجواره والتي كانت تراقب المكان من حولها بعينين مفتوحتين بدهشة وفم صغير فاغر ببلاهة مثل سمكة خرجت من الماء للتو او عصفور اطلق سراحه وهي بالحالتين لا اختلاف عنهما ، ليخلع بعدها حزام الامان وهو يقول بابتسامة جادة بانت خطوط متساوية حول شفتيه
"لقد وصلنا يا اميرتي ، ألا تريدين استطلاع المكان عن قرب ؟"
تغضن جبينها بشحوب وهي تتوقف بنظرها عليه هامسة بخفوت مشدوه  
"اين نحن ؟"
فتح الباب بجواره وهو يقول بثقة
"انتظري وسترين"
اغلق الباب خلفه وهو يدور حول السيارة بلحظات ونظراتها تلاحق مساره ، وما ان وقف بجوار باب مقعدها حتى فتحه لها على اتساعه وهو ينحني بركبتيه مقابل لها قبل ان يقول بهدوء عميق
"هل انتِ مستعدة لعيش هذا اليوم ؟"
ارتفع حاجبيها الرقيقين بحيرة وهي تمسك بظهر الكرسي وتدير جسدها مقابل له ، لتهمس بعدها بخفوت متوتر وهي تدور بعينيها بالمكان
"اين نحن يا هشام ؟ وما هذا المكان ؟ ولماذا احضرتني إلى هنا ؟"
ردّ عليها بغموض بدون ان تفارق الابتسامة محياه
"لقد حققت لكِ امنيتك ، ألم تكوني تريدين الهروب من عمليتك والاختباء بمكان لا يجدك احد به ؟ ماذا حدث الآن ؟"
ابتلعت ريقها بارتباك وهي تضم يديها بحجرها وتهمس بخفوت واجم  
"لم تكن هذه نيتي منذ البداية ، لقد كنت متضايقة من كل شيء وحسب ، لذا لا تأخذ كل تصرفاتي على محمل الجد فهي احيانا تخرج بدون وعي مني تقريبا"
لانت ملامحه بعطف وهو يمسك بيديها معا ويحتويهما بقبضته قائلا بقوة
"غزل هل تثقين بي ؟"
حدقت به بعينين واسعتين مخضرتين وهي تهمس بخفوت مرتبك
"بالطبع اثق بك ، ولكنك فاجأتني بإحضاري إلى هذا المكان بهذا الشكل ، بدون ان تعطيني الوقت الكافي للاستيعاب....."
شدد (هشام) على كفيها بقوة وهو يقول بتصميم اكبر
"إذاً انتِ تثقين بي !"
تنفست بهدوء لبرهة وهي تقبض على يديها الصغيرتين تحت قبضته قبل ان تومئ برأسها بالإيجاب هامسة بخفوت خجول    
"نعم اثق بك"
اتسعت ابتسامته باتزان وهو ينهض من مكانه ويقترب منها حتى باتت انفاسه تلفح جانب خدها وهو يهمس لها بشغف
"إذاً اطمئني ولا تفكري كثيرا بوجهتك ، فأنتِ مع الشخص الذي سيحرص على حمايتك ورعايتك اكثر من روحه ، وهذا لأنكِ انتِ اليوم ستكونين اسيرتي !"
زمت طرف ابتسامتها بخجل حتى غزت محياها باحمرار الحياء ، ليبتعد عنها سنتمترات قليلة وهو يقبل جبينها بخفة قبل ان يقول بجدية  
"هيا بنا لنذهب"
استقام امامها وهو يراقبها تخرج من السيارة بهدوء تتمسك بإطار الباب قبل ان يغلقه من خلفها بلحظة ، وما ان خطت خطوتين للأمام حتى تلقفتها ذراعين قويتين باقتناص حملتاها عاليا بالجو والنسمات تعبث بخصلات شعرها وتطلق سراح داخلها .
تعلقت ذراعيها حول عنقه وهو يسير بها نحو الوجهة المجهولة التي قادها لها ، وما ان رفعت رأسها مع ازدياد اصوات الضوضاء من حولها حتى تفاجأت بنفسها موجودة بداخل مدينة ألعاب كبيرة تضم اعداد هائلة من الاطفال والعائلات تستطيع الشعور بالحياة تدب بأنحاء المكان وتتصاعد بدقات قلبها بصخب ، وقد باتت ضحية كل هذا الجمال والانبهار الملفت من حولها والساحر بطريقة خيالية وكأنها دخلت للتو لبلد العجائب !
رفرفت بجفنيها للحظات وهي تهمس بشفتين فاغرتين بافتتان
"هل احضرتني لمدينة الملاهي ؟"
اجابها من فوره بمرونة وهو يتأمل كل انفعالاتها الواضحة التي تكشف روحها الطفولية
"لقد اردت اخذكِ لمكان مميز تستطيعين به نسيان نفسكِ وافراج عن سجنك والانطلاق بكل حرية ، فهذا المكان الوحيد الذي يسمح للإنسان بأن يكون على سجيته ويخرجه عن دائرة المثالية والانضباط بدون ان يهتم بمستقبل او ماضي او حاضر فقط يعيش يومه الحالي ، ويمكنكِ ايضا اعتبارها تعويض عن اليوم الفائت بشهر عسلنا الذي غادرنا وتركناه بنهايته قبل إكماله"
رفعت عينيها العسليتين ببراءة وهي تهمس بابتسامة صغيرة بامتنان
"شكرا جزيلا لك ، لقد ادهشتني حقا ، انا ممتنة جدا لوجودك بحياتي"
اومأ (هشام) برأسه بهدوء وهو يقول بابتسامة جانبية بخبث
"شكرا فقط ! هذا ما ادفعه دائما مقابل ما اقدمه لكِ"
عضت على طرف شفتيها بصمت وهي تشتت نظرها من حولها تبدد تأثير كلامه عليها ، لتقول بعدها بلحظة بخفوت متبرم وهي تنظر لملابسها الحالية الخاصة بالمرضى
"كان عليك على الاقل اعطائي الوقت بتبديل ملابسي الحالية بدل اخذي بهذا الشكل المخزي ، ابدو مثل مريضة عقلية هربت من المصحة النفسية !"
تغضنت طرف ابتسامته وهو يتأمل ملابسها البيضاء التي تلتف حول جسدها الهزيل وكأنها تقرب للأطياف ، ليقول بعدها بتفكير مبتسم بعملية
"لا بأس بكِ يا عزيزتي ، وايضا انتِ هنا ببلاد الغرب الذين لا يلتفتون لشكلك او مظهرك حتى لو مشيتِ امامهم عارية تماما....."
ضربت على صدره بقبضتها الصغيرة وهي تهمس بقنوط
"ليس هذا ما قصدته ، انا كنت اتكلم عن مظهري العام امام الناس ! فهذا شيء اساسي بحياة كل امرأة مغروس وثابت بمبادئها وهو ان تكون جميلة وانيقة ومنمقة بكل حالاتها وظروفها"
قطب جبينه بجمود وهو يرفع جسدها اكثر ليقول بعدها بخفوت جاد بتسلط    
"ليس المهم مظهرك امام الناس ، فما دمت انا اراكِ جميلة بعينيّ بكل حالاتك لن يهم بعد الآن آراء الناس بكِ ، صحيح ؟"
ارتسمت ابتسامة رقيقة على محياها وهي تتعلق بيدها الاخرى حول عنقه هامسة بوداعة قطة راضية عن نفسها
"اجل انت على حق ، هذا يكفيني"
مالت ابتسامته بشغف وهو يسير بها داخل المكان الكبير بوسط الصخب والفرح تقبع سعادتهما الخاصة التي اختلقت جو جديد لهما اندمج بالحياة وتميزت بعلاقة سوية هادئة دفعا ثمنا كبيرا من اجلها .
_______________________________
كانت اسعد ساعة تقضيها بحياتها جردتها من المكان والزمان وبقت المشاعر تحلق بها بأجنحة الحرية التي نمت لها حديثا ، فهي لم تعش مثل تلك السعادة سوى برحلة شهر عسلها التي مضت سريعا مثل الحلم الخاطف بثلاث ايام لا تقارن بساعة كانت لها اجمل من الخيال تشعرها بالامتنان لولادتها بهذه الحياة ، وكم تمنت لو تطول هذه الساعة اكثر وتتجمد الدقائق عليها للأبد لتصنع ساعة إضافية من يومها الخيالي .
لم تكن تعلم بأنها تملك الحق بالشعور بهذه السعادة والفرح وكأنها تطير بالجو مثل الألعاب النارية وتنفجر بمنتصف قلبها....سعادة كانت ذات يوم ابعد ما يكون عنها وكأنها قد خاصمتها بلحظة دخولها بجدران مرضها المنيع...ولكن بالحقيقة الخوف هو ما كان يمنعها ويقيد حريتها وليس مرض قلبها الذي وضعته عائق ومطب طيلة حياتها حتى حرمت نفسها من كل مباهج ورفاهيات الحياة التي كانت تنتظر عند بابها بدون ان تسمح لها بالدخول....من كان يصدق ان يتحمل قلبها كل هذه المشاعر والاحداث المثيرة وكأنه ولد من جديد بتشييد اغصان وجذور تتعانق من حوله وتتشبث بحناياه ؟!...ام لم يكن هناك اساسا شيء يدعى بمرض القلب وكان مجرد وهم صنعه عقلها !
تنفست بهدوء وهي تضم يديها بين ساقيها الملاصقتين تراقب الناس من حولها بملامح عابسة مثل طفلة تنتظر قدوم مرافقها الذي تركها بمنتصف المشوار ، لتبتهج اساريرها بلحظة ما ان لمحت القادم نحوها ومرافقها يحمل العصائر والوجبات الخفيفة معه مثل وصول رجل التسلية والبهجة الخاص بها ، وما ان وقف امامها حتى قالت من فورها بعتاب طفولي
"لماذا تأخرت ؟ لقد خفت من البقاء وحدي بمكان لا اعرفه"
اتسعت ابتسامته بعطف وهو يقدم علبة العصير لها قائلا بخفوت عميق  
"اعتذر يا اميرتي ، ولكن تلبية طلباتك اخذت مني وقتا طويلا"
اخذت منه علبة العصير بين يديها وهي تهمس بخفوت ما تزال تحمل الحزن بقلبها  
"لا بأس بذلك"
مال برأسه نحوها وهو يراقبها عن قرب قبل ان يهمس بخفوت مرح
"هل الاميرة غاضبة مني بسبب تأخري عليها ؟"
دست خصلاتها خلف اذنها وهي تتجنب النظر له هامسة بامتعاض تمثيلي 
"وماذا تظن ؟"
عض على طرف ابتسامته وهو يستمتع بقراءة حركاتها الطفولية المكشوفة التي تجعلها طفلة حلوة لذيذة ، ليخرج بعدها من الكيس البلاستيكي شيء آخر وهو يمده نحوها قبل ان يقول بعرض هدنة
"هل تقبلين مسامحتي مقابل غزل البنات ؟"
نظرت بسرعة لغرض المصالحة والذي كان السكر المحلى بلون الزهري الجميل المسمى بغزل البنات ، لتسرقه من يده بسرعة وهي تهمس بسعادة طفولية غامرة
"لقد كنت اتمنى الحصول عليها دائما ، شكرا جزيلا لك"
ضحك بمرح وهو يقرص خدها الزهري الصغير قائلا ببهجة
"هل اعتبر نفسي مسامح ؟"
اخفضت رأسها بحياء وهي تهمس بخفوت لطيف زاد وجهها تورد
"وهل تركت لي مجال لأبقى غاضبة عليك ؟"
ابعد اصابعه عن خدها وهو يضرب مقدمة انفها بطرف اصبعه هامسا بوله
"ما اجمل اميرتي وهي راضية !"
ابعدت يده عنها وهي تقول بفرط انفعالها
"حسنا يكفي ، لا تبالغ الآن"
استقام بمكانه وهو يجلس بجوارها تماما على كراسي الاستراحة ، ليخرج بعدها علبة عصير له وهو يقول بهدوء
"عليكِ ان تكوني ممتنة جدا فقد جاهدت كثيرا بشراء كل هذه الطلبات الطفولية لكِ ، ولو تتخيلين منظري وانا اعارك بين مجموعات الاطفال امام اكشاك الحلويات !"
فتحت كيس غزل البنات وهي تخرجه هامسة بابتسامة شقية
"انا ممتنة جدا ، واكثر مما تتصور"
رمقها بطرف عينيه بضيق وهو يفتح فتاحة العلب بيده ليقول بعدها بشبه ابتسامة باردة
"اجل هذا اكثر ما تبرعين به ، التشكرات والامتنان الكلامي وكأنكِ تحفظينه كدرس شفوي لتكرريه عليّ وتغيظيني بسماعه"
كتمت ابتسامتها بطرف اسنانها وهي تقطع من الحلوى القطنية لتدسها بفمها بسعادة وهي تذوب بفمها بطعم حلو مثلما تذوب قطع السعادة بقلبها ، لتقول بعدها بابتسامة سرور طافت فوق محياها وهي تستمر بأكل قطع السعادة
"يا لسعادتي ! انها لذيذة جدا بشكل لا استطيع معها التوقف عن الاستمتاع بها ، ولكنها بذات الوقت تحمل مرارة عند انتهائها ، فهي تذوب بالفم بسرعة كما تذوب لحظات السعادة وتختفي لتترك خلفها طعم حلو صعب النسيان !"
تغضن جبينه بوجوم وهو يلتفت نحوها ليلمح بعدها بقايا من حلوى قطنية عالقة على شفتيها ، لتلتوي ابتسامته بحنان وهو يرفع يده ويلتقط القطعة عن شفتيها والتي دفعتها لرفع نظرات حزينة نحوه تلاقت بينهما لوهلة ، قبل ان يقول بخفوت متزن يحمل عطف بين طياته
"لن نجعل هذه السعادة تختفي وتزول هكذا ، فنحن يمكننا صنع سعادة اخرى كل فترة وتجديد ذاكرتنا بلحظات لا تنسى تترك طعم اجمل من الحلوى"
توردت وجنتيها بسعادة وهو يرفع يده عنها ويلعق اصبعه عن الحلوى القطنية التي علقت من شفتيها ، لتشيح بوجهها بعيدا وهي تشعر بسخونة عالية هاجت بدمائها وصعدت بملامحها واوردة قلبها ، بينما عاد (هشام) لشرب العصير بيده بصمت متمهل يتابع حركة المارة من حولهما ويسترق النظر لها بين الحين والآخر ، لتكمل بعدها تناول غزل البنات بيدها وهي تغص بكل لقمة بالرغم من ذوبانه بفمها بسرعة بفعل مشاعرها التي خالجتها واثارت الفوضى بداخلها اكثر من الحد .
عضت على طرف اصبعها بشرود وهي تكتشف انتهاء حلوى السكر التي قضت عليها بثواني بدون شعور منها ، لتخفض يدها بهدوء وهي تهمس بابتسامة رقيقة بصدق
"لقد سعدت كثيرا ، كان اجمل وقت اقضيه بحياتي...لدرجة تمنيت بها ألا ينتهي"
تنهد (هشام) بهدوء وهو يتأملها عن كثب بعد ان انقلب حالها وانعكس الحزن على محياها المتورد ، ليقول بعدها بجدية وهو يلقي بعلبة العصير بمكب النفايات القريب
"لقد ارتحت الآن ، فقد كنت قلقا عليكِ من عودتك لدوامة حزنك ، وخشيت ان تبدلي رأيكِ مجددا بخصوص إجراء العملية وتفكري بالهروب منها !"
حانت منها التفاتة نحوه وهي تهمس بخفوت حائر
"لماذا راودتك هذه الافكار ؟"
تجمدت ملامحه ببهوت وهو يقول بخفوت قاتم
"لقد سمعت حديثك مع والدتك بالمصادفة ، وقرأت الانزعاج والتضايق الواضح عليكِ ، لذا اردت ان ارفه عنكِ قليلا وارسم الابتسامة على وجهك"
ارتفع حاجبيها باندهاش وهي ترفقها باتساع بؤبؤ عينيها العسليتين بحزن اتضح بهما ، لتزيح نظراتها بسرعة وهي تتلاعب بفتاحة علبة العصير بين يديها هامسة بتشنج
"اجل تقصد ذاك النقاش بيني وبين والدتي ! لا تعطيه اهمية او تفكر كثيرا به ، فهو مجرد اختلاف بآرائنا وسوء تفاهم كثيرا ما يحدث بيننا ، وانا دائما ما اتجاهله وامضي عنه فهذه هي شخصية والدتي متعصبة قليلا وتفكر بعنصرية ، وانا اعتدت على التشاحن معها بكل المواضيع التي ندخل بها"
غامت ملامحه بسحابة داكنة ما ان لاح له صورة عينين نديتين مكسورتين بإذلال وهوان ، ليقول بعدها بلحظة بدون ادنى تردد
"لم يكن هذا الظاهر لي عندما رأيت الدموع تملئ عينيكِ !"
ارتجفت يديها وملامحها بآن واحد وهي ترفع يدها بسرعة تمسح اطراف عينيها هامسة بتشوش احتل كيانها
"حقا ! هل كنت ابكي بالفعل ؟ احيانا ابكي بدون ان اشعر بنفسي او اعي ذلك ، فأنا كما اخبرتك من قبل اعاني من حساسية مفرطة اتجاه بعض المواقف ، لذا تراني ابكي كثيرا وباستمرار بدون وجود سبب معين وبدون دافع حقيقي ، وهذا الامر كان ينتابني منذ طفولتي لفترة طويلة جدا"
انتظمت انفاسها بصعوبة وهي تمسح بيدها على جفنيها تكبح دموعها ومشاعرها من الانحدار اكثر ، لترتجف بقشعريرة مرت على كامل جسدها ما ان امسك بيدها وهو يخفضها للأسفل ببطء قبل ان يقول بهدوء جاد يخاطبها بقلب عطوف  
"لا تضايقي نفسكِ لهذه الدرجة ، وقولي بما يجول بقلبك ويحزنك هكذا ، اخرجي ذاك الحزن من اسواره وحرريه منكِ ، وانا اعدكِ ان اعطيك التجاوب والتفهم الذي تحتاجين له ولم يقدمه احد من اجلك ، فقط عليكِ بالبوح بها بصراحة وعدم حبسها بداخلك اكثر"
التفتت نحوه بملامح بهتت بشحوب وهي تحني نظراتها للأسفل بضعف لتهمس بعدها بخفوت شارد حزين
"لم اشعر بهذا الشعور منذ مدة طويلة ، ان يكون هناك احد بجوارك يستمع إليك ويتفهمك ، يشاركك بحزنك وجرحك وهمك واحاديثك ، لقد شعرت به مرة عندما قابلت اول رجل بحياتي كان القشة التي تمسكت بها بقوة . لقد رأيته بطاقة نجاتي من الوحدة والحزن ، رأيته الحب الذي حلمت به دائما ، رأيته الشخص الذي احتجت ان يكون بجواري بأسوء ايامي ، اعترف بأنني كنت امرأة مثيرة للشفقة تفتقد للكثير من الامور ، ارض جرداء قاحلة لم ترتوي منذ سنوات ، لذلك تمسكت بأول عابر سبيل بحياتي ، السبب الاول الذي جعلني اتمسك به بكل قوة وارغب به هو الغرض المفقود عند الجميع وهو احد يستمع إليك ويتفهمك ! ولم يفعلها احد معي سواه ، لقد تركوني مهملة بالزاوية فترة طويلة حتى بت ابحث عن الاهتمام بالغريب !"
تغضنت تقاسيمه بجمود وهو يشدد من قبضته على يدها الصغيرة ما ان اعتراه شعور بالاحتراق بشعلة الغيرة التي شبت بقلبه ، وهي تقر له لأول مرة عن قصة حبها الأول التي منعتها من الحب بعدها وعلقت نفسها بها ، ليزفر انفاسه يحاول تمالك اعصابه وهو يقول بهدوء جاد يستدرجها بالحديث بعد ان انتابه الفضول حول قصتها
"وكيف حدث وانفصلتما ؟ هل هو من تخلى عنكِ ام انتِ ؟"
حركت رأسها بأسى اكبر وهي تهمس بحزن مرير شعر بها بطعم الصدأ القديم
"لم يحدث اي شيء من هذا ، فقد انفصلنا بسبب مبادئ عائلتي والفروقات بين الطبقات ، لقد رفضه والدي وطرده من حياتي ما ان حاول التقدم للزواج مني ، وكان المانع بأنه لا يليق بمستوانا الاجتماعي والمادي والفكري ، وخاصة بأنه لم يكن قد اسس نفسه بالكامل ولا يملك منزل او مورد ثابت فقد كان يعيش ببيت عائلته ، ومن تلك الاسباب قد تم رفضه من قِبل والدي ، وبالطبع والدتي كانت بصفه ودعمته بقوة . لقد رجوتهما كثيرا سنة كاملة بدون جدوى ! بكيت ايام طويلة بدون ان يشفقا عليّ ! غاب النوم عني بسبب ألم قلبي الذي كان ينكمش من الوجع والقهر ! . ولكني بنهاية المطاف آمنت بأمر واحد وهو بأنه لو كان يريدني حقا ويحبني لما توقف بمكانه مكتوف اليدين ولما عاد من طريقه مهزوما رافعا راية الاستسلام ، فمن يريد تحقيق شيء يسعى إليه بكل قوة ، ومن يريد الحصول على غرض يجاهد للوصول له ، ومن يحب يضحي بكل ما يملك من اجله ، لذا ذاك لم يكن حبا لقد كان تعلق وهمي بالسراب سرعان ما تلاشى واختفى بالأفق البعيد !"
شردت ملامحه حتى اختفى التعبير عنه وهو يدير نظراته بعيدا ما ان وصله مفهوم كلامها الذي عاش عليه طيلة حياته الماضية ، ليرسم بعدها ابتسامة استهزاء على محياه وهو يقول بخفوت جامد يشاركها الماضي التعيس
"يا لسخرية اقدارنا التي صادفتنا بنفس الطريق ! فهذا ما كنت اشعر به تماما بالماضي ، وبقيت اؤمن به حتى لحظة لقياكِ . انا يا غزل قد تعرضت للخيانة بالماضي ، خيانة ردعتني عن طريق الحب وما يوصل له ، خيانة دمرت مبادئي وانظمة حياتي وصنعت اختلال بتوازنها حتى جردتني من كل شيء ، وهذا هو السبب الأول بقسوتي معكِ وسطوتي ببداية علاقتنا كانت اسوء فترة تمر على كلينا وتؤذيني بشكل خاص !"
نظرت له بسرعة بعينين ذاهلتين غير مستوعبتين وهي تهمس بخفوت باهت بلمحة حزنها سكنت صوتها
"خيانة ! من هي المجنونة التي قد تفكر بخيانتك ؟"
ابتلع ريقه بتحجر وهو يستجمع قواه الداخلية واتزانه الكامل امام ذكرى ذاك الحب الغادر الذي خان قلبه وداس عليه ، ليقول بعدها بهدوء قاسي وهو يعصر يدها بقبضته يكاد يفكك عظامها الرقيقة
"لقد كانت ابنة عمي ، وقد قررت كلا العائلتين تزويجنا ببعضنا بأعراف وتقاليد العائلة آن ذاك ، حينها كنت بالعشرين من عمري على مشارف الانتهاء من دراستي الجامعية ، وكانوا يخططون بزواجنا بعد تخرجي من الجامعة ، لم تكن الارض تسعني من السعادة عندما حققت احدى امنياتي وامسكت بنجمة احلامي ! فقد كنت مغرم بها جدا ، احبها لدرجة لا توصف ، حب مراهقة طموح ، ولكنها للأسف لم تكن تبادلني نفس المشاعر ، واعترفت لي ذات مرة بأنها مغرمة بشخص غيري وبسبب هذا الزواج المدبر سوف افسد عليها قصة حبها . لقد حاولت بكل الطرق افساد الزواج على حساب مشاعري وحبي ، اهانتني اكثر من مرة وجرحتني بطريق التخلص مني وإبعادي عن طريقها ، وقد كنت وسيلتها الوحيدة بإنهاء هذا الزواج برمته . وما قتلني بشدة ودفعني لفسخ الخطوبة هو اعترافها بأنها قد اصبحت مملوكة لذلك الرجل قلبا وجسدا ولم يعد لدي فرصة بامتلاكها بعد ان امتلكها غيري ! هل تصدقين بأنها قد قالت ذاك الكلام الرخيص عنها فقط من اجل إبعادي عن طريقها ؟ هل تصدقين بأنها قد قتلت قلبي ونزعته بدون ادنى تردد او شفقة لكي تنهي زواجنا ؟ لقد حصلت على مرادها بالنهاية وفسخت الخطوبة وانتهى الزواج ، وربحت هي بخطتها وانا مات قلبي هناك للأبد !"
كانت تحدق به بذهول كان يزداد مع كل كلمة ينطق بها  بألم حتى اهتزت الصورة امامها بدموع حارة بغصة حزينة تنتابها عندما تتعرض لمواقف مشابهة تضرب اوتار مشاعرها المرهفة ، لتمسح بعدها بأناملها وجنتيها المحتقنين وهي تهمس بعبوس مرتجف 
"هذا فظيع ! يا لها من امرأة فظيعة ! لم اكن اعرف بأنك قد مررت بهذه القصة التعيسة ، ولكن ماذا حدث مع تلك الفتاة ؟ هل تزوجت بمن تحب وفضلته عليك ؟"
عقد حاجبيه بجمود وهو يقول بابتسامة جانبية بسخرية لا تمت للمرح بصلة
"بلى لقد تزوجت منه بعد انفصالنا بشهر ، وسافرت معه خارج البلاد بشكل دائم ، ولكنها قد عادت بعدها بثلاث سنوات مع ولدين تحمل لقب مطلقة ، وقد حاول عمي اقناعي بالزواج منها وسترها بما اني الاقرب لها والوحيد الذي سيقبل بها وبوضعها ، وبالطبع رفضت ذلك رفضا قاطعا بدون رجعة عنه ! وقد ظننت بأنه ربما تكون قد تغيرت وقررت التكفير عن ذنوبها ، لأصدم بعدها بزواجها مجددا وترك الولدين بعهدة جديهما وذهابها للحاق بقطار حياتها ، لقد اكتشفت فقط كم كنت مخدوع بها وبجمالها الذي كان نقمة على كل من يراها ! لقد كانت بصمة عار بحياتي لن تزول بسهولة !"
ابتلعت ريقها ببطء شديد وهي تتأمل جانب وجهه والعذاب الواضح عليه تحت سطح بركان خامد ، لتقول بعدها بابتسامة منكسرة بحزن
"لم اتوقع ان يكون هناك اناس مثلها ، مستعدون ان يكسروا ويجرحوا من اجل تحقيق اهدافهم وغاياتهم ! هذا حقا منتهى الانانية والجشع ! انا اعتذر لأنني جعلتك تتذكر كل هذا وتعيشه الآن ، اعتذر حقا"
التفت نحوها بهدوء وهو يتأمل ملامحها الصغيرة المتوردة بطفولية ينهل منها بقدر ما يشاء ، ليقول بعدها بابتسامة شقت جمود ملامحه ببعض الليونة ينفض ألم الذكرى عنه
"لقد كدت اتخيلكِ مثلها ، عندما كشفتي عن قصة حبك ورفضك لعرض الزواج لهذا السبب ، شعرت بشريط الخيانة يعاد من جديد بطريقة اخرى ، ولكنها كانت ستكون اكثر إيلاما عن السابق بسبب حبي لكِ الذي اعدتِ احيائه بقوة ! انتِ لم تجعليني اقع بحبكِ وحسب بل جعلتني احبكِ بشكل مختلف تماما ، حب يجعلك تسعى لتقديم اغلى ما تملك من اجلها ، حب يجعلها مميزة وجميلة بكل شيء لكي لا ترى غيرها ، تجعلك تحب حياتك اكثر وتصبح اكثر اقبالا عليها . انتِ مختلفة تماما يا غزل ، انتِ طفلة ساذجة بالحب ، طفولية الحركات والتصرفات ، طفلة جميلة ولذيذة تجذب الانتباه والنظر لها ، تملك اجمل قلب نظيف ، ولو تبرع الجميع بقلبه من اجلها فسيكون قليل عليها ! لأنها اميرة قلبي بلا منازع !"
عضت على طرف شفتيها وهي تخفض وجهها بحياء تشرب ببشرتها بمشاعر اختلجت بقارورة قلبها وهي تسمع غزل من نوع مختلف يخلق حياة لها ، لتضم اصابع يدها المسجونة بقبضته بقوة وهي تهمس بخفوت مرتبك تشتت هالة الخجل عنها
"لقد ارحتني بهذا الكلام ، فقد ظننت بأنك ستبقى تعاقبني بسبب افعال حبك القديم ، وسعيدة لأنك اكتشفت الفرق بيننا سريعا ، فلا اريد دفع الثمن طوال حياتي"
انحرفت زاوية ابتسامته ببؤس وهو يخفض رأسه بهدوء ليتمتم بعدها بيأس ناقم  
"لست انتِ من سيدفع الثمن ، بل انا من يتوجب عليّ دفعه ، انتِ لم تخطئي بشيء ، بل انا الذي اخطئت باختيار الشخص الذي وقعت بحبه ، لقد كنت شخص منظم ومستقيم بحياتي بأكملها بدون ان انحرف عن تلك الطريق ! فماذا حدث لي حتى وقعت بحب تلك الفتاة التي لم تكن سوى عقبة بحياتي ؟ كيف خانتني حساباتي وفعلت هذا بنفسي ؟ اين كان الخطأ الذي ارتكبته بالضبط ؟ لو اعرف فقط اين كان الخطأ الذي ارتكبته لأصلحته بنفسي وجلدته مئة مرة لكي يستقيم !"
تبرمت شفتيها بعبوس حزين اشفق عليه قلبها وهي تقترب منه بجلوسها حتى التصقت به ، لترفع بعدها كفها الحرة وهي تحط بها على رأسه وتمسح عليه وكأنها تهويدة طفل قبل ان تهمس بخفوت متودد بلحن انغام صوتها   
"انت رجل جيد يا هشام ، رجل جيد ومستقيم ، والرجل الجيد هو الصامت الذي لا يبرر ولا يتكلم"
رفع رأسه وهو يحيد بنظره نحوها لوهلة قبل ان تعتلي ملامحه ابتسامة هادئة بالتواء طفيف ، ليقول بعدها بخفوت هائم بسحرها
"هل يمكنني ان احبكِ اكثر ؟"
زمت شفتيها بابتسامة وهي تخفض يدها عن رأسه ببطء هامسة بخفوت بريء
"لا غير ممكن ، فقلبي لن يحتمل كل هذا الحب منك ، فهو ضعيف جدا امام حبك كما تعلم"
ارتفع حاجبيه بخفة وهو يضحك بقوة بعد ان تخلص من تعاسة الذكرى وحل الربيع على قلبه ، ليفلت بعدها كفها وهو يطوق كتفيها بذراعه ويلصقها بكتفه ليمسك بكفها مجددا بقبضته الاخرى وهو يتخلل بأصابعها الرقيقة ويحكم عليها بشدة واضعا لها فوق ركبته ، ليقبل بلحظة رأسها الناعم المرتاح على كتفه وهو يهمس بخفوت اجش عاشق بدون ان يأبه بالمكان
"احبكِ يا عصفورة قلبي ، احبك لدرجة اكاد اموت من خسارتك ، لذا رأفةً بقلبي العاشق يا عصفورتي !"
طافت ابتسامة شاردة فوق محياها لبرهة وهي ترتاح على مسندها الخاص بها ، لتهمس بعدها بخفوت حزين تشاهد حركة الناس من حولها بخواء
"لقد كنت افكر دائما بأن هؤلاء الناس هم الذين يعيشون ويفرحون ويسعدون ، واما انا فقد كان كل همي البقاء على قيد الحياة فترة اطول"
تلبدت ملامحه بجمود وهو يعود لتقبيل رأسها بقوة اكبر قبل ان يقول بثقة يبثها بعظامها الهشة الضعيفة
"انتِ ستعيشين مثلهم قريبا ، ستعيشين وافضل منهم كذلك"
_______________________________
فتح باب الغرفة بهدوء شديد كي لا يلفت انتباه الجالسة فوق السرير مشغولة بفعل شيء ما ، ليغضن جبينه بحيرة وهو يغلق الباب من خلفه بصمت ويخفي ذراعه خلف ظهره ، ليتقدم بعدها عدة خطوات متسللة جهة السرير وهو يستطيل بعنقه ليصل بنظره لما تفعل .
تعقدت ملامحه اكثر ما ان شاهد كراسة الرسم بحجرها وهي ترسم على الورقة البيضاء بقلم رصاص جاف بدون ان يتبين محتوى الرسمة ، ليرتفع حاجبيه بدهشة وهو يقول بفضول تغلب عليه
"ما لذي تفعلينه بالضبط ؟"
انحرف القلم بيدها وشكل خط مائل وهي ترفع وجهها نحوه بملامح عابسة بآن واحد ، لتقول بعدها باستياء حانق  
"هل هكذا يدخل الانسان على المريض بالغرفة ؟ كان عليك على الاقل طرق الباب اولاً من آداب الدخول والاستئذان !"
عبست ملامحه مثل طالب مذنب وهو يقول بتشدق
"اعتذر على هذا الازعاج يا جلالة الملكة ، فقد اردت ان افاجئك ولم اتوقع ان لا تسرك المفاجئة"
اعادت نظرها للورقة امامها وهي تمسح الخط المتعرج بالممحاة هامسة ببرود
"نعم لقد تفاجأت كثيرا ، شكرا"
تجهمت ملامحه وهو يتمسك بذراعه خلف ظهره يخفي المفاجأة الحقيقية عنها ، ليعود بعدها لمراقبتها باهتمام وهو يقول بابتسامة هادئة
"هل انتِ ترسمين ؟"
اومأت (روميساء) برأسها وهي تستبدل الممحاة بالقلم وتكمل الخطوط الرفيعة برسمتها الغير واضحة التفاصيل ، وهي تهمس بخفوت باسم بهدوء
"لقد كنت اشعر بالملل من جلوسي الطويل بمكاني بدون فعل شيء ، وانا لست معتادة على الجلوس هكذا ساعات اليوم بطولها ، لذا قررت ان امارس هوايتي المفضلة وملء وقتي الفارغ بفعل الشيء الذي احبه"
اومأ برأسه بدهشة ما تزال تغيم عليه وهو يتتبع حركة القلم بين اصابعها على الورقة قائلا بخفوت جاد
"هل الرسم هو هوايتك المفضلة ؟ لم اكن اعرف ذلك"
ردت عليه بتلقائية وهي تتابع الرسم بسلاسة متقنة   
"اجل هوايتي المفضلة ، فأنا امارس هذه الهواية منذ سنوات مراهقتي الأولى ، واحيانا اعود إليها بين الحين والآخر بفترات ضجري وضيقي ، فهي تساعدني على تقليل التوتر وبث همومي بطريقة خيالية !"
اشاح بوجهه جانبا وهو يقول بتصلب غامض  
"هذا غريب ! فأنا لم اعرف بذلك مسبقا رغم معرفتي الطويلة بكِ ! كيف فاتتني مثل هذه التفاصيل الهامة ؟"
رفعت رأسها بهدوء وهي تقول بابتسامة متزنة بطبيعية
"لا تفكر بالأمر كثيرا ، فأنا عن نفسي قد تركتها منذ مدة طويلة بعد حادثة وفاة والدتي ، ولا اعود إليها ألا عندما يغلبني الحنين والشوق لها ، لذا هي لا تعتبر هواية بل مجرد تسلية وتنفيس عن مشاعري بوقت فراغي"
عادت بنظرها للورقة وهي تحدد بقلم الرصاص بقوة اكبر بعد ان عبث بأوتار مشاعرها على ما يبدو ، ليقول بعدها بجدية وهو يحدد نظره على خطوط ملامحها المتصلبة
"يبدو بأن وفاة والدتك قد كان الانقلاب الاسوء بحياتك اضطرك لتغيير الكثير من الإحداثيات بحياتك وشخصيتك !"
توقف القلم عن التحرك بين اصابعها لوهلة قبل ان تهمس بخفوت ناقم شعر بعدائية بصوتها
"عندما تصبح بلا مأوى او عائلة تحرسك وتنتظر قرار ألقاءك بالشارع او الملاجئ ، هذا ما يسمى بالانقلاب الحقيقي بحياتك بل عليك بالقول بالنهاية الابشع على الإطلاق !"
ضاقت حدقتيه الرماديتين باستهجان وهو يشير بنفسه ليده قائلا بعبوس مستاء  
"هل انتِ غاضبة عليّ الآن ؟ هل تتهميني بكل ما حدث معكما بتلك الفترة من حياتكما ؟"
ادارت وجهها نحوه وهي ترفع كلتا يديها معا قائلة باستنكار ساخر
"ولماذا قد اغضب ؟ ما لمناسبة ؟ انت سألتني سؤال وانا اجبتك ! لماذا قد افكر باتهامك زوراً ؟ انت وكل عائلتك ابرياء ، ليس هناك متهمين بالحياة غيرنا انا وماسة"
ارتفع حاجبيه بصدمة من تطور الحديث بينهما وهو ينفض يده جانبا قائلا بانفعال حاد  
"ما هذا الآن ؟ كيف تطور الحديث بيننا لهذه المواضيع ؟ هل انا قلت شيء يتهمك الآن ؟ لماذا تهاجميني هكذا بدون وجه حق ؟"
زمت شفتيها بعصبية وهي تعود بنظرها للوحتها تكمل رسمها هامسة ببرود حجري
"لا تكترث للأمر"
تنفس بإجهاد وهو يلقي نظرة لخلف ظهره ينتظر اللحظة التي يفاجئها بها وإذ به هو الذي يفاجئ ، ليسير بعدها حول السرير بلحظة حتى اصبح يقف بجوارها قائلا بابتسامة جانبية يبرم معاهدة السلام معها
"اعتذر على مضايقتك يا جميلتي ، يبدو بأننا قد وترنا انفسنا بدون داعي بتذكر ذاك الماضي الذي ولى عليه الزمن وانتهى ! وكل ما علينا فعله هو اعطاء ظهرنا له والتفكير بالغد وبالمستقبل المفتوح امامنا"
تجمدت ملامحها بصفحة بيضاء باردة بدون ان تعطيه انتباها وهي تركز عملها على ما ترسم ، ليميل برأسه قليلا نحوها وهو يشاهد تفاصيل الرسمة قائلا بهدوء يغير موضوع الحديث
"هل استطيع ألقاء نظرة على رسمتك ؟ فأنا اريد رؤية ما ابدعته يديكِ !"
رمقته بطرف حدقتيها الخضراوين بحذر بدون ان تستطيع الاستمرار بخصامه اكثر ، لترفع الصفحة امام نظره وهي تقول بابتسامة متعالية
"ليست افضل رسوماتي ، ولكن يمكنك النظر لها"
حدق بالرسمة امامه بتركيز والتي كانت عبارة عن خطوط متصلة توضح اشياء عدة منها تلفاز صغير ونافذة وادوية موجودة بغرفة عادية شبيهة بالغرفة التي هي فيها الآن ، ليرفع نظره نحوها بإدراك وهو يقول بابتسامة منبهرة
"هل رسمتي محتويات هذه الغرفة ؟"
اعادت الورقة امام نظرها وهي تقول بابتسامة هادئة
"انه الشيء الوحيد الذي خطر ببالي ، فلا اعرف ماذا سأرسم بهذه الغرفة المغلقة التي لا تحوي اي شيء قيم ، فأنا ارسم اشياء عشوائية من الموجود بمحيطي الحالي ونقله على الورقة ، لقد كنت بالماضي شخصية انتقائية باختيار المواد التي ارسمها ، ولكن كما يبدو بأنني قد فقدت كل هذا الشغف بالرسم !"
نظر لها بتمهل وهو يشعر بحزن دفين يقبع بغابة منسية يتفرع بعينيها النجلاوين ، ليستقيم بمكانه بلحظة وهو يقول بابتسامة جانبية بتغضن
"هلا اريتني المزيد من رسوماتك القديمة ؟ فأنا مهتم جدا بالتعرف على هواية امرأتي"
نظرت له بسرعة وهي ترفقها بابتسامة اشرقت بسعادة قبل ان تعود بنظرها لكراستها وهي تقلب صفحاتها للخلف ، لتريه رسوماتها القديمة على مر السنوات والتي كان اغلبها يحوي على صورة طفلة كانت تكبر وتتغير بعد كل صفحة ، وهي تقول بحماس كبير وكأنها تجيب على كل التساؤلات برأسه 
"لقد كانت ماسة مصدر إلهامي بالرسم ، فكل صورة ورسمة تحوي على ذكرى خاصة بها ، وقد جعلتها المادة التي استخدمها برسوماتي وموهبتي ، فقد كانت بصغرها طفلة حلوة وجميلة ولديها حركات ممتعة ومسلية وتستطيع ادهاشك وابهارك بأصغر تفاصيلها وحركاتها ! وقد احببت ان احفظ تلك الذكريات الجميلة معي لتبقى ذكراها حية بداخلي وبرسوماتي ، وخاصة بأننا لم نكن نملك ألبوم صور او كاميرا بذلك الوقت لذلك جعلت هذه الرسومات ألبوم صورها ، نستطيع تذكرها والعودة لها بالنظر إليها ! أليست فكرة ذكية وتخدم الجميع ؟"
كان يحدق بها بانبهار شديد لم يستطع منعه وهو يشاهد التفاصيل الدقيقة التي اتقنتها برسوماتها جميعها على ورقة صماء جعلتها حية ، فهذه ليست مجرد خطوط متصلة من قلم رصاص بل خطوط شكلت وجه طفلة جميلة بملامح معبرة اختلفت من رسمة لأخرى ! وبكل الأوراق بقيت البراءة والعفوية تغلف هالتها ونظراتها وحركاتها وكأنها صورة تنطق وتحكي ، تضحك ، وتبكي ، وتصرخ ، وتغني ، فقط بالنظر لها يستطيع قراءة ما يقال بالعيون الكبيرة ويكشفه تعبير الوجه الدائري الجميل ، فهي لم تتجاهل او تغفل عن تفصيل بها بل رسمت كل ما يوجد ويخفى عن العين البشرية ان كان شكلا او شعورا !
زفر (احمد) انفاسه يحررها من اسرها وهو يقول اخيرا بخفوت مفتون 
"هذا اكثر من رائع ! وشديد الوصف والدقة ! انتِ فنانة حقيقية يا روميساء"
رفعت نظرها بارتجاف وهي تهمس بخفوت مشكك  
"ارجو ألا تكون تحاول مواساتي وجبر خاطري بهذا الكلام"
رفع رأسه عاليا وهو يتنفس بصدمة قبل ان يعود بالنظر لها مباشرة وهو يقول بثقة اكبر يؤكد على كلامه
"كيف تقولين هذا عن نفسكِ ؟ اقول لكِ بأنك فنانة حقيقية ومبدعة يحتاج إليها رسامين العالم ! لا استطيع تجاوز روعة هذه الرسومات لدرجة اريد رفع القبعة لكِ !"
ارتسمت ابتسامة رقيقة على محياها حلقت بقلبها وهي تدس خصلاتها خلف اذنها بخجل من المدح العالي الذي لم تحصل عليه بحياتها سوى من شقيقتها (ماسة) ، فهي لم تنتظر يوما إطراء او مدح من احد على ممارسة هوايتها بالرسم التي نمت معها بالفطرة ومارستها خلسة عن الجميع ودفنتها بالسر ، لتتأمل بعدها رسوماتها بشوق وكفها تمسح عليها هامسة بحنين خافت 
"ربما تكون على حق ، فأنا لم اعرف قيمة ما املكه من قبل"
غامت ملامحه بهدوء وهو ينفض تلك الاجواء من حوله بسرعة قبل ان تسيطر عليه ، ليقول بعدها بهدوء جاد
"بالمناسبة من اين احضرتِ الكراسة والقلم ؟"
نظرت له بهدوء وهي تقول بابتسامة عفوية
"طلبت من ماسة احضارهن لي من المنزل من اجل اوقات الفراغ الطويلة والمملة"
حرك رأسه جانبا وهو يقول بشبه ابتسامة ساخرة
"بالمجيئ على سيرة تلك العلقة اين هي يا ترى ؟ لماذا ليست ملتصقة بكِ كالعادة ؟"
عبست ملامحها وهي تقول بخفوت مدافع بغريزة الحمائية
"لا تتكلم عنها هكذا لكي لا يحصل بيننا خصام !"
رفع (احمد) ذراعه بسرعة لجانب رأسه وهو يقول بطاعة تامة
"حاضر يا حبيبتي الديمقراطية ، لن اتفوه بأي حرف يسيء لها ، فهي مرتبتها عندي تعادل مرتبتك تماما ، واساسا ليس لدي مزاج لأنشغل بها الآن"
عقدت حاجبيها بتفكير سرعان ما تحول لدهشة ما ان اخرج المفاجئة من خلف ظهره التي كانت عبارة عن باقة ازهار كبيرة تماثل تلك الباقة التي احضرها (يوسف) وذبلت بثاني يوم ، لتهمس بعدها بخفوت مشدوه تتأمل الازهار الجميلة بالباقة
"ما مناسبة احضار الازهار لي ؟ هل هناك مناسبة لا اعرف عنها ؟"
اخفض باقة الازهار من امامه وهو يقول بخفوت صارم
"وهل يجب ان يكون هناك مناسبة لكي يحضر الزوج لزوجته الازهار ؟"
حركت (روميساء) كتفيها بتلقائية وهي تهمس بتفكير بديهي
"كلا ولكني تساءلت فقط بمحض الفضول....."
قاطعها بقوة وهو يقول بانفعال مبالغ به
"لا تتساءلي يا عزيزتي الفضولية ، فالتفكير الكثير يتعب العقل"
ارتفع حاجب واحد بخفة وهي تقول بوجوم عابس
"ماذا هناك ؟ هل قلت شيئاً خاطئاً ؟"
تجمدت ملامحه بلحظة وهو يقول ببأس
"ليس هناك شيء يا روميساء ، ولكني اردت فقط ان اعوض عليكِ بدل الازهار الذابلة التي ماتت بالحوض بثاني يوم ، وهذه الازهار ستكون البديل الافضل عنها"
اعتلت ملامحها ابتسامة ماكرة وهي تكتشف هدفه لتقول بعدها بشقاوة
"الآن فهمت هدفك جيدا ، يا لك من زوج غيور ! هل هذا كل ما يشغل بالك ؟"
امتقعت ملامحه وهو يشيح يوجهه بعيدا قائلا بنزق
"هذا ليس من شأنك"
ضحكت بمرح اختلج بمشاعر محببة بقلبها قبل ان تلوح بيدها بلحظة وهي تقول بلهفة  
"على كل حال لقد جاءت بوقتها ، فأنا كنت احتاج لمادة جديدة لرسم لوحتي عنها ، وستكون تعويض عن الازهار الذابلة التي ماتت قبل ان استطيع رسمها ، لقد قرأت افكاري حقا !"
عاد بالنظر لها بصدمة وهو يقول باستنكار منفعل
"حقا ! هل هذا كل ما يشغلك الآن ؟ بعد ان تعبت باختيار باقة الازهار ومفاجأتك بها تتحول للوحة رسم على كراستك !"
فتحت كراستها على صفحة بيضاء فارغة وهي تقول باستعداد بدون ان تأبه بكلامه
"لا تكثر من الكلام ، فأنا احاول التركيز هنا ، ولا تتحرك كثيرا لكي لا تفسد وضعية الرسم"
قطب جبينه بحدة وهو يتمتم بوجوم ساخر
"ما رأيكِ ان ترسميني ايضا مع الباقة ؟ ستكون لوحة مفتخرة"
نظرت له بسرعة ببريق خاطف وهي تلوح بالقلم قائلة بحماس
"فكرة عبقرية ، كيف لم تخطر على بالي ؟"
اتسعت حدقتيه بصدمة وهو يقول ببهوت
"هل تمزحين معي ؟"
امسكت بذراعه وهي تسحبه منها وتجلسه على طرف السرير بجوار ساقيها ليصبح مقابل لها ، لتقول بعدها وهي تباشر بالرسم بطاقة كبيرة
"ابقى ساكن بمكانك ولا تتحرك ، فلن يستغرق الامر وقتا طويلا ، احتاج فقط رسم الخطوط الاساسية"
تنهد بهدوء وهو يرسم ابتسامة حانية على محياه يجاري انقلاباتها ومشاعرها وحتى لو كلفه ان يرضي هوايتها ويصبح اداة رسم لها ، ليقول بعدها بابتسامة مسحورة يبادلها النظرات بقوة
"لا امانع الجلوس هكذا ساعات إذا كان المقابل تأمل غابات نخيلك ومشاهدتك بكل هذا القرب"
عضت على طرف ابتسامتها وهي تشدد على القلم بين اصابعها هامسة بغيظ
"احمد توقف عن التلاعب !"
تابعت بعدها رسم خطوطها فوق الورقة بإمعان وتدقيق شديد كما تفعل بكل عمل تمسكه ، وما ان عادت بالنظر له حتى سمرتها نظراته الصريحة وهو يريح ذقنه فوق الازهار قائلا بكلمة واحدة بشغف
"احبك"
اطبقت على اسنانها بعنف حتى اصدرت صرير عالي وهي تلون وجنتيها بحرارة عالية ، لتهمس بعدها بتوبيخ
"احمد !"
ضحك بمرح صادق وهو يرفع يده لها بإشارة الاعتذار الصامت ، ليتمسك بعدها بباقة الازهار بين ذراعيه ويكمل مراقبتها التي اصبحت هواية له بينما هوايتها رسم تلك المراقبة على الورقة لتكون علاقة تشاركية وتساهمية بينهما بدون اي إجحاف بحقوقهما .
______________________________
دخلت من باب المنزل وهي تراقب الهدوء والصمت السابحين بالمكان الخالي وكأنه لا ساكنين يقطنون هنا ، لتغلق الباب خلفها بنفس الهدوء بدون ان تصدر صوت وهي تخلع حذائيها عن قدميها ، انحنت على جذعها وهي تمسك بحذائيها بأطراف اصابعها بإحكام وتستقيم بلحظة ، لترمي شعرها المنسدل خلف كتفيها بيدها الاخرى وهي تكمل دخولها على اطراف اصابع قدميها مثل اللصوص المتسللين الذين يقتحمون البيوت .
تجمدت عن الحركة تماما وهي تغطي فمها بيدها ما ان كادت تفلت منها شهقة صدمة وهي تشاهد الواقف ببهو المنزل بقرب النافذة ، لتزفر انفاسها ببعض الراحة ما ان تأكدت بعدم ملاحظته لها للآن وهو يبدو شارد بالعالم البعيد خارج نطاق التغطية ، لتخفض يدها عن فمها ببطء وهي تعطي نفسها الجرأة لتتابع السير بخطوات صامتة حافية الاقدام ، وما ان وصلت نهاية طريقها بسرعة اتجاه الغرفة بسبب نقص المسافة بالشقة الصغيرة حتى تسمرت فقرات ظهرها بارتعاش باللحظة التي خرج بها الصوت الرجولي بموجات عالية ترددت بالمكان بقوة
"لا تفكري بالهروب اكثر ، فقد رأيتكِ !"
وقفت باستقامة وجسدها يتلوى بصراع صامت حتى تكورت اصابع قدميها الصغيرتين بتشنج بدون سبيل للخلاص من مأزقها الذي ورطت نفسها به ، لتتنفس بعدها بقوة تضبط كل تلك الانفعالات بداخلها قبل ان تستدير بكامل جسدها نحوه ، وبلحظة كان الانفعال يختفي عن محياها ويحل مكانه شعور غامر بالدفء تسرب بقلبها بتعويذة سحرية ، وهي تقابل نصف جسده ونصف وجهه وانتباهه ما يزال متمركز خارج العالم بدون ان يفقد شعوره بما يدور من حوله ، فهي قد هربت منه طويلا بالفعل بعد حادثة المغفر حتى سئمت من لعب لعبة القط والفأر والاختباء وراء افعالها واخطائها .
رمت الحذاء جانبا بدون ان تأبه بمكان سقوطه وهي تجري فورا بانطلاق وتقطع المسافة بينهما بلحظات ، لتهجم عليه من الخلف وهي تعانق خصره بكلتا ذراعيها مثل الطوق بدون ان تتخلى عنها ، لتقول بعدها بنفس السرعة بندم لا يناسب نبرة صوتها وملامحها الخادعة
"انا اعتذر ، سامحني"
زفر انفاسه بيأس وهو يقول بشبح ابتسامة ساخرة  
"هل هكذا الاعتذار عندكِ ؟ بعد ان تفسدين الامور وترتكبين الخطأ تتوقعين ان نسامحك عليه ! وبدل مواجهة اخطائكِ والتكفير عنها بشجاعة تهربين وتتحايلين بطرق طفولية ، وبعد ان تكشفي ويمسك بكِ تبدأين بالاعتذار وتمثيل الندم !"
عضت على طرف شفتيها بوجوم وهي تهمس بخفوت مغتاظ  
"اعتذر لأنني جبانة ولست على قدر توقعاتك ، ولكن بيئتي المحلية لم تسمح لي ان اكون انسانة سوية تعترف بأخطائها وتندم عليها وتطلب العفو"
تغضنت زاوية ابتسامته بعطف وهو يلمس يديها حول خصره قائلا بهدوء جاد بدون ان يبين لها عطفه  
"كم انتِ جيدة بهذا ، تحبين دائما لعب دور الضحية المظلومة ، بينما انتِ من تظلمين نفسكِ ، هل تعلمين من يفعل هذا ؟ الجبان الذي لا يملك الحجج هو من يفعلها"
تقوست شفتيها بعبوس وهي تتعرض للضرب بقوة بموضع كرامتها لتشدد بعدها بذراعيها حول خصره قائلة بتذمر حانق
"هل تستمتع بالانتقام مني على حساب كرامتي ؟ ماذا فعلت لك حتى تكون بكل هذا التحجر والتعصب معي ؟ لقد اعتذرت منك بصدق ، ألا تستطيع مسامحتي واغلاق هذا السجل ؟ ماذا افعل اكثر ؟"
لاحت ابتسامة لطيفة على محياه وهو يستمتع فعلا بمضايقتها وإشعارها بالذنب حتى ترتعد بالمرة القادمة وكأنه يلقنها درس بطريقته الخاصة ، ليقول بعدها بجدية يمثل الحزم وهو يبعد اصابعه عن ملامسة يديها
"هذه ليست مشكلتي ، فلست انا من اقحم نفسي بالمشاكل واطلب من الآخرين حلها ! فقد حان الوقت المناسب الذي تتعلمين به كيفية التصرف وحدك وإيجاد المخرج بنفسك ! بالإضافة بأنني لا انتقم منكِ بل ألقنك درس قيم بالحياة"
كورت شفتيها بامتعاض وهي تهمس بتشدق
"شكرا لك على الدرس القيم ، لقد اعطيتني نظرة افضل للحياة ، ماذا كنت سأفعل بدونك ؟"
ادار عينيه بعيدا بصمت بدون ان يتجاوب مع مزحتها الساخرة ، لتقول بعدها بلحظة بندم اكبر تحاول الحصول على تعاطفه
"انا اعتذر ، اعتذر ، اعتذر ، سامحني ارجوك ، إذا لم تسامحني ستندم كثيرا ! ماذا افعل ايضا ؟ هل اركع امام قدميك لتعلن عفوك عني ؟"
عض على طرف شفتيه يكتم ابتسامة متسلية وهو يتمتم ببرود جليدي 
"فكري بالأمر جيدا"
عقدت حاجبيها بتحفز وهي تدور بذراعيها من حوله بلمح البصر مثل القطة التي تلتصق بصاحبها حتى اصبحت تقف مقابلة له ، لترسم بعدها ابتسامة متلاعبة على محياها وهي تهمس بنعومة قطة وديعة
"ما رأيك بقبلة تنسيك الخصام وتسامحني عن اخطائي ؟ ألم تكن تحب قبلاتي لك ؟ انا اليوم سأقدم لك عرض لا يفوت سيكون فرصة العمر ، قبلتين على خديك وقبلة على الجبين وعناق حميمي ، ما رأيك بهذه الترضية ؟"
ارتفع حاجبيه باستخفاف وهو يمسك بكتفيها ويدنو بوجهه بالقرب منها قبل ان يقول بتهكم
"هل هذا كل ما لديكِ ؟ هل تتوقعين مني ان اقبل بهذه العروض الرخيصة ؟ عليكِ بالتطوير من عروضك وإمكانياتك اكثر ، وتقديم افضل ما لديكِ ، فأنا شخص صعب الارضاء"
فغرت فاها الجميل بصدمة وهي تستوعب مقصده بثواني والذي جلب الاحمرار الفوري لملامحها بحياء مفاجئ ، لتسحب ذراعيها بسرعة من حوله وهي تضرب صدره بقبضتها صارخة بانفعال جامح 
"ما كل هذا الطمع ؟ لم اعرفك بكل هذه الانانية ! لم اعد اريد ارضائك بشيء ، فأنا شخص إمكانياتي وعروضي محدودة ، ولا انفع بأي شيء تفكر به وتنوي عليه"
ما ان سحبت قبضتها وهي تستعد للمغادرة حتى اعادها الذي امسك بذراعها وهو يلصقها بصدره الرحب بلحظة ، وقبل ان تصدر صوت اعتراض كان يقتنص شفتيها الهائجتين بقبلة اكثر قوة كلبت عزيمتها وإرادتها بالانسحاب وامتصت جميع شحناتها الغاضبة بلحظة خاطفة ، ليحررها بعدها بدون ان يتركها تماما وهو يهمس امام شفتيها المرتجفتين بشعلة العاطفة المتقدة
"هل ستفكرين بالرحيل الآن ؟ ألا تريدين ترضيتي بما هو مناسب ؟"
ارتفعت طرف ابتسامتها بنشوة وهي تحيط وجهه بكفيها لترتفع على اطراف اصابعها وتعطيه الترضية التي يحتاجها بطريقتها الخاصة بالتقبيل التي تعطي الارتواء للظمآن وملجئ للمحتاج ومشاعر للفاقد ، ليشب اصابع يديه بخصرها الغض يقربها منه ويزيد فوق قبلاتها اشتعالا شديد الوطأة ، لتقطع سيل قبلاته وهي تحول شفتيها لخده بنعومة ثم خده الآخر ثم جبينه وهي تضحك بين كل قبلة واخرى تنشر حبها بذرات صغيرة عليه تستدرجه لعمق امواجها ، ليلتقط شفتيها بنهاية الطريق يقطع عليها لعبتها وهو يكمل ما يحبه ويستهويه غارقا بهوى حبها حد النخاع بدون طوق نجاة او مهرب .
اخفضت يديها عن وجهه وهي توقف الحرب بينهما وتأخذ استراحة قصيرة تملئ بها طاقتها ، ليرفع وجهها بذقنها وهو يتأمل جموح بحارها وهدير رياحها الذي ما يزال يلفح وجهه بأنفاسها القوية ، ليهمس بعدها بخفوت جاد بحرارة عالية  
"متى ستعودين لعش الزوجية الخاصة بنا ؟ فلا اعتقد بأنه بقي عائق عندك يمنعك من العيش معي"
ابتلعت ريقها بارتباك تنظم فوضى مشاعرها لتمسك بعدها بيده وهي تبعدها عن ذقنها هامسة بابتسامة متأسفة  
"لن يحدث هذا قبل اسبوعين ، فأنا لن استطيع العودة قبل الاطمئنان على استقرار وضع روميساء وخروجها من المشفى ، والانتهاء من تجهيزات زفاف صديقتي الذي سيكون موعده بعد اسبوعين ، وسأكون منشغلة جدا بهذه الفترة العصيبة ، لذا يمكنك ان تنتظر مهلة اطول قليلا واعدك بأن تكون عودتي قريبة لك ، انا اعدك يا شادي"
اخفض يديه على جانبيه وهو يقول بتجهم عابس
"يا إلهي ! المزيد من الانتظار والصبر ، حقا انتِ لا ينفع معكِ التعامل بلطف ، كل هذا بسبب دلالي لكِ ! سحقا !"
زمت شفتيها بذنب وهي تدس خصلاتها المتمردة خلف اذنها هامسة بخفوت متحايل
"لا تغضب مني هكذا ، سأحاول ان اخصص لك وقت مستقطع من يومي اقضيه معك حتى انتهاء هذه الفترة"
حدق بها بجمود وهو يدس يديه بجيبي بنطاله قائلا بتفكير جاف
"لم تخبريني ما سبب مجيئك للمنزل بهذا الوقت ؟ أليس من المفترض ان تكوني الآن بالمشفى بجوار شقيقتك ؟ فهي تحتاج إليكِ اكثر مني"
غامت ملامحها بصمت وهي تلتفت بنصف جسدها لتستند بظهرها على إطار النافذة ، لتضم يديها خلف ظهرها وهي تقول بخفوت بارد
"لم يعد من اللائق تواجدي هناك كثيرا ، بعد ان عادت العلاقة بين روميساء واحمد لما كانت عليه ، ووجودي هناك بينهما سيكون تطفلا ومصدر إزعاج على كليهما ! فأنا لا اريد ان يتذمر مني السيد احمد اكثر والذي يراني علقة بحياتهما ، لذا سأعطيهما ما يريدان من وقت وخصوصية بقدر ما يشاءان وسأزورها فقط بين وقت المغيب والعشاء"
قطب جبينه بتركيز وهو يتأمل شرود ملامحها الحزينة ليقول بعدها بابتسامة متزنة
"هذا خبر جيد التفكير بجدية بمسار حياتهما معا ، ولكن لماذا لستِ سعيدة بما يجري ؟ هل هناك ما يضايقك ؟"
حركت رأسها بالنفي بشرود وهي تهمس بوجوم حزين
"لست متضايقة من اجل موضوع عودتهما لبعضهما فهذا ما كان سيحدث بنهاية المطاف ، ولكني خائفة من احتمال خسارتها مجددا ، هل سيقدر احمد على حمايتها جيدا ؟ هل سيبعد عنها الاذى والسوء ؟ هل سيضمن لها حياة سعيدة طول العمر ؟"
كان يراقبها بتمعن وهي تشغل تفكيرها بشقيقتها التي لم تفارقها منذ ولادتها لتكون لها مكانة اكبر من عائلة خسرتها طفلة واضحت وحيدة بالعالم الموحش ، ليتنفس بعدها بقوة وهو يقول بابتسامة جادة برفق
"انتِ تزعجين نفسكِ وتقلقينها بشكل مبالغ ، فماذا يعني ان تخافي على حياة روميساء ؟ هذه روميساء التي اعتنت بنفسها وبكِ وهي مجرد طفلة اصغر من مراهقة تحدت صعاب الحياة ومضت بكما لبر الامان ، ولن تؤثر بها بعض النكبات الصغيرة او الغزوات بطريق سعادتها ، وكما هي استطاعت ان تبني نفسها وتحسن علاقتها بزوجها عليكِ انتِ ايضا بفعل المثل والمضي بحياتك للسعادة ، فكل اقدارنا وطرقنا بيد الله ولا نستطيع التحكم بها او إدارتها كما نريد ، ولكن نستطيع بذل جهدنا بتجاوزها والفوز عليها بقوتنا وإرادتنا ، هل فهمتي الآن ؟"
اومأت برأسها بهدوء قبل ان تلتفت نحوه بلحظة وهي تقول بعبوس بريء
"ولكن احمد يتضايق كثيرا من وجودي بينهما ، هل انا مصدر إزعاج بالنسبة لكم ؟ هل انا مزعجة ؟"
اتسعت ابتسامته باندهاش قبل ان تتحول لضحكة افلتت منه رغما عنه بدون ان يستطيع كبحها اكثر ، ليلوح بعدها بذراعه نحوها وهو يقول بابتسامة مرحة
"حركة جميلة منكِ ، ولكنكِ لن تستطيعي إنكار التهمة عنكِ باستخدام هذا الاسلوب اللطيف بالكلام"
نفخت خديها بقنوط وهي تقول باستنكار حاد  
"هل تقول عني الآن بأنني مصدر إزعاج !"
ابتلع ضحكته كي لا تفضحه وهو يرفع ذراعه لها قائلا بهدوء عميق
"تعالي إلي يا اجمل مصدر إزعاج"
زمت شفتيها بعبوس وهي تتقدم نحوه بصمت ليدسها بعدها بأحضانه وهو يمسح على ظهرها بيديه بنعومة ويطبع شفتيه فوق رأسها ، ليسند ذقنه فوق خط فرق شعرها وهو يقول بهدوء باسم
"هل تعلمين بأنني احب هذا الجانب الجديد فيكِ ؟"
رفعت رأسها عن صدره قليلا وهي تقول بخفوت حائر
"اي جانب ؟"
اخفض رأسه حتى تقابلت النظرات بينهما لوهلة وهو يطبع قبلته التالية بين عينيها الواسعتين المحدقتين به ، ليهمس بعدها بخفوت اجش هائم
"اتكلم عن جانبكِ المشاغب الذي ظهر حديثا ، عندما تتصرفين بلطافة خادعة لكسب قلب منافسك ، او من اجل اظهار الحب والاهتمام له ، او من اجل تلبية طلباتك ، او من اجل التكفير عن ذنوبك ، هذا الامر يجعلكِ جميلة جدا بشكل اكاد افقد عقلي منكِ ، فمن انتِ ؟ ساحرة صغيرة ! لأنكِ منذ مجيئك لحياتي وانتِ تسحرينني بتعويذة مختلفة بكل مرة جعلتني اهيم واغرق بكِ حد الصميم"
غرزت اسنانها بطرف شفتيها تكبح مشاعرها الملهوفة التي تتلاحق على محياها المتوهج من فضحها وكأنها مراهقة صغيرة تتعرف على الحب حديثا ، لتزحف بيديها على صدره ببطء وصولا لعنقه والذي احاطته بذراعيها مثل الطوق المعلق ، لتقول بعدها بابتسامة مترددة بخفوت شديد
"هل يمكنني ان اطلب منك طلب ؟"
تغضن جبينه باستغراب وهو يقول بانتشاء واضح
"اطلبي يا ساحرتي الصغيرة ، هيا اطلبي ما تشائين"
اتسعت ابتسامتها بشجاعة وهي تقول من فورها دفعة واحدة بحماس مبالغ
"اريد ان تمنحني طفلا !"
اندهشت ملامحه بصدمة وكأنه قد تلقى صاعقة برأسه للتو من طلبها الاكثر من غريب ! ليتنحنح بعدها بتحشرج وهو يخفض يديه عن ظهرها قائلا بكل ثبات
"ما هذا الآن ؟ من اين جاء هذا الطلب ؟"
عقدت حاجبيها بجمود وهي تقول ببساطة بدون ان تتخلى عن طلبها
"ماذا هناك ؟ أليس هذا من حقي ؟ اريد منك ان تمنحني طفلا ، بماذا اخطئت الآن ؟"
عبست ملامحه وهو ينزع يديها عن عنقه قائلا بهدوء حازم
"من اين طرأ هذا الموضوع على عقلك ؟"
نفضت ذراعيها بعيدا عنه وهي تقول باستهجان غاضب
"لماذا تعترض على طلبي ؟ ألم تقل بأن اطلب ما اشاء ؟ ماذا حدث الآن ؟"
مسح بيده على شعره بتشنج وهو يقول بهدوء جامد
"ماسة انتِ لا تفهمين ! لا استطيع منحك طفل بالوقت الذي ترغبين به وتحبين من اجل ارضاء نزوتك ، فهذه ليست ألعاب بل ارواح صغيرة تحتاج مسؤولية واهتمام....."
قاطعته (ماسة) من فورها وهي تلوح بذراعها بعنف
"ماذا تعني ارضاء نزوة وألعاب ؟ ألا تراني بقدر هذه المسؤولية ؟ ألا استطيع الاعتناء بالأطفال حتى تخاف من الفكرة هكذا ؟"
اشاح (شادي) بوجهه جانبا وهو يخفض يده قائلا بضيق مكبوت
"انتِ من الاساس طفلة وتحتاجين من يعتني بكِ كيف اخاطر واحضر طفلة اخرى بيننا ؟"
ضيقت حدقتيها الزرقاوين بقسوة وهي تقول بخفوت شرس
"ما لذي تهمس به ؟ لماذا تتكلم مع نفسك بصوت منخفض ؟"
اعاد نظره لها وهو يقول بتفكير منطقي عله يحني عقلها عن الفكرة  
"هل تعلمين يا ماسة من اين يأتي الاطفال وكيفية إنجابهم ؟ إذا عرفتي جواب هذا السؤال سأقتنع بطلبك واحققه لكِ"
شخصت عينيها الزرقاوين بذهول وهي تهمس بعبوس مشوش وكأنها تقابل معضلة صعبة
"ما هذا السؤال الغريب ؟ وكيف لي ان اعرف الجواب ! انا لم اجرب ان انجب بحياتي ، ولم ارى احد ينجب امامي ، ولم اكن اشاهد والديّ وهما ينجباني على هذه الحياة ! ولم احاول ان اثقف نفسي بهذا المجال ، لماذا تختبرني بهذه الطريقة ؟"
رفع رأسه وهو ينفجر بالضحك اكثر من المرة السابقة عندما لم تخيب توقعاته كالعادة ، فهو كما عرف عنها تماما لا تملك اي حصيلة ثقافة بهذه الامور وتصبح اكبر غبية عندما يتعلق الامر بأسرار علاقتهما الزوجية بقدر غبائها بالأمور العاطفية ، ليحاول بعدها تنظيم انفاسه بعد ان انتهى من الضحك وهو يخفض نظره نحوها قبل ان يقول بابتسامة ساخرة بانتصار
"لقد اخبرتكِ بذلك من قبل ، رغم كل ذكائك الذي تتمتعين به وحصولك على المراتب الأولى بمراحل دراستك وجامعتك ، تصبحين اكبر غبية وبلهاء عندما تصل الامور لهذه الاحاديث لأنكِ بالواقع لا تعرفين شيء عنها ولم تتعلميها بأي من صفوفك او مناهجك ! اعرف ذلك جيدا منذ اول ليلة زفاف جمعت بيننا وكشفت جهلك الواضح بهذه الامور"
تجهمت ملامحها وهي تقبض على يديها بقوة هامسة بخفوت حانق  
"هل انتهيت من سخريتك ؟"
تجمدت ابتسامته وهو يشعر بنفسه قد بالغ بإهانتها ليقول بعدها بجدية وهو يضبط زمام نفسه
"اسمعي يا ماسة ، الامر لن ينجح بهذه البساطة ، انتِ لا تعرفين اي شيء ، ونحن لن نفعل هذا حتى تتعلمي وتصبح لديك ثقافة عن الموضوع"
تبرمت شفتيها بعبوس وهي تهجم عليه بلحظة لتتعلق بعنقه مثل القلادة وهي تهمس بخفوت لطيف 
"انا سأتعلم ، سأتعلم مع الوقت ، وانت ستساعدني بالتعلم ، اساسا انت علمتني كل شيء ، ولا امانع ان اتعلم المزيد بين يديك"
مسح ابتسامته بوجوم وهو يمسك بذراعيها من حول عنقه قائلا بهدوء جاف
"ماسة الامر لا يتعلق فقط بالإنجاب والحصول على طفل ! هذه مسؤولية كبيرة ، واعتقد بأنها ستكون اكبر منكِ بكثير ، فهذا الذي نتكلم عنه طفل صغير يحتاج لكل اساليب الحياة من تربية واهتمام وتنمية ورعاية وليس غرض تطلبينه للتسلية وبعدها تلقينه ما ان تفرغ تسليتك منه ! عليكِ ان تفعلي كل يلزم ويجب من اجله لكي يعيش طفل سوي متوازن بكل شيء ولكي لا يصبح ضحية هذه النزوة بالنهاية ، هل ستقدرين على تحمل هذه المسؤولية ؟"
كانت تحدق به بتركيز وهي تقول بهدوء بديهي 
"هل تحاول مقارنتي بتصرفات والدتك ؟ فأنت الآن تظلمني كثيرا وتقلل من قيمتي بهذه المقارنة !"
احتدت ملامحه بسواد حتى ظهرت بعض الخطوط حول شفتيه وبأطراف عينيه بعذاب بدون ان يدرك بأنه كان مكشوف امامها ، ليهمس بعدها ببرود يمثل اللا مبالاة بعد ان ضربته بشدة
"وما لعلاقة بينهما ؟ انتِ فقط تهذين !"
امسكت بجانب وجهه وهي تقول بابتسامة شقت برود ملامحها وظهرت بعطف
"هل حزنت ؟"
تحاشى النظر لها وهو يتمتم بكبرياء عالي
"لم احزن"
ردت عليه بخفوت رقيق
"بل حزنت"
رمقها بطرف عينيه السوداوين وهو يتمتم بضيق
"لقد قلت لكِ لم احزن !"
شددت بيدها على جانب وجهه وهي تقترب من اذنه لتهمس بها بخفوت متلاعب  
"حتى لو بقيت تكذب عليّ من هنا للغد ، فلن اصدقك يا شادي ! فأنا اعرف جيدا شعور الحزن والوحدة اينما اراها لأني عشتها كثيرا من قبل"
ابتعدت عن اذنه إنشات بسيطة وهي تقبل خده بنعومة انثوية بمواساة رقيقة على طريقتها ، لتقف بعدها باستقامة وهي تراقب ليونة ملامحه وفك تصلب ابتسامته التي تجلت على محياه ، لتقول بعدها بسرعة وهي تعود لموضوعها الأول تتشبث بياقته
"إذاً لنعود لما كنا نتكلم عنه ، هل ستمنحني طفل الآن ؟"
تنفس بتعب وهو يمسك بكفها على جانب وجهه ويخفضها قائلا بنفاذ صبر
"لماذا كل هذا العناد ؟ ما لذي جعلكِ تعلقين على هذا الموضوع ؟"
ردت عليه ببساطة وهي تبتسم بنعومة  
"لأنني اريد الحصول على طفل"
ارتفع حاجبيه باستهانة وهو يقول بابتسامة ساخرة 
"وانا سأخبركِ بأن الامر لا يتم بظرف يوم او يومين ! قد يحتاج شهر او شهرين او ثلاثة ، غير معروف متى يظهر ، او متى يحدث ، لذا لا تتعجلي على الامر هكذا وكأنه امر حتمي سهل الحصول"
انحرفت طرف ابتسامتها بإحباط وهي تهمس بخفوت متأمل بدون استسلام
"لا بأس بذلك ، سننتظر ، سننتظر حتى يحدث ، وانت ستساعدني بالحصول عليه ، صحيح ؟"
اومأ برأسه بضحكة صغيرة وهو لا يصدق ما يفعله ويحاول مجاراته معها ، ليحيط بعدها بخصرها المستدير بين ذراعيه يقربها منه قائلا بابتسامة شقية ينسيها ذاك الموضوع  
"اتركينا من هذه المواضيع ، ما رأيكِ ان اعلمكِ امور اخرى عن هذه العلاقة ؟ هكذا تستطيعين توسيع ثقافتك والاستمتاع بوقتنا بمفردنا بآن واحد ، والجميع سيكون سعيد"
حركت رأسها بالنفي بسرعة وهي تسحب ذراعيها من حوله لتمسك بيديه حول خصرها قائلة بخفوت محتج  
"كلا لن افعل لك شيء قبل ان تنفذ طلبي ، اريد الرحيل من هنا ، اتركني...."
شهقت بفزع ما ان حملها فوق كتفه وهو يعانق ساقيها بذراعيه ونصف جسدها متدلي خلف ظهره ، لتصرخ بعدها بهياج وهو يتحرك بها اتجاه الغرفة
"انزلني يا شادي ، انزلني حالاً ، قلت لك لا اريد ، انزلني ايها المخادع ! ايها الاستغلالي ! ايها الوحش المفترس....."
شهقت مجددا بقوة ما ان ارتمت على الفراش الناعم بخفة الفراشة وهي تزيح خصلاتها الكثيفة التي تبعثرت عن وجهها ، وبدون ان يعطيها الفرصة لاستعادة سيطرتها على غضبها كان ينقض عليها بقوة ينسيها كل شيء يحوم من حولها وينسيها الواقع بكل شيء فيه وطلبها الذي فاتحته به حديثا يغلقه حاليا حتى وقت آخر .
_______________________________
بعد مرور اسبوع......
كانت الفتيات الثلاث يتجولن سويا بشوارع المدينة وكل منهن تحمل اكياس التسوق بين يديها بعد دوران طويل استغرق منهن ساعات بلف كل محل ومكان بالسوق ، يتضاحكن ويتحادثن ويتمازحن ويتنافرن وكأنهن عائلة واحدة قليلة الافراد والفروع بدون جذور او سيقان ممتدة بالأجداد فما يثبتها هو البيئة والنشأة الواحدة والحياة التي تشاركن فيها حتى اصبحت اقوى العلاقات العائلية واجملها ، بينما واقع الرابط بينهن جمع عائلة مبتورة الجناحين مع عائلة معبأة بالسواد والخراب وتوحدت العلاقة بينهما تحت مسمى الزواج لتكون الفائدة على العلاقة الثلاثية التي خرجت من تحت الانقاض وربطت خيوط ملونة ومشاعر لطيفة بين قلوبهن انقذتهن من الدمار الحقيقي الذي كاد يسحقهن .
كانت (روميساء) تتقدم عليهن وهي تسير بثبات تترأس الزعامة عليهن مثل قائد الفرقة او كبير العائلة ، بينما الشابتين الاصغر سنا تلحقانها بطاعة وانضباط كي لا يخترقن قانون الصف ، لتقول (روميساء) بعدها بصرامة قاطعة بأعصاب نارية   
"سنتجه الآن لمحل فساتين الزفاف مباشرة ، وليس هناك دخول لمحلات عشوائية او الوقوف عليهن ، فقد تعرضنا للكثير من المشاكل والمواقف الغبية بسبب اختياراتكن والرضوخ لطلباتكن !"
عبست ملامحهما بتبرم مستاء مثل القطط الغاضبة وكأنهن يتعرضن لتوبيخ قاسي بعد خلقهن للمشاكل لمربيهن ، لتقول بعدها صاحبة الابتسامة الباردة بخفوت متملق  
"لا تقلقي على نفسكِ يا روميساء ، فأنا واقفة من خلفك مثل الجبل ، إذا حدث وشعرتِ بالتعب بالمشي يمكنكِ ان تميلي وتستندي عليّ"
استجابت (صفاء) بتلقائية تشاركها بالرأي وهي تقول بحماس
"بل عليكِ بالاستناد عليّ ، فأنا اقوى منها ولدي قوة احتمال اكبر"
توقفت كلتيهما بنفس اللحظة التي وقفت بها السائرة امامهما مثل الجدار الشامخ ، لتلتفت برأسها للخلف وهي تقول لهما بخفوت جليدي يكاد يجمدهن بمكانهن
"اسندن انفسكن"
اكملت بعدها طريقها بخطوات جامدة قبل ان يتبعاها الفتاتين بخوف وطاعة من نذير غضبها ، همست (صفاء) بصوت خفيض ونظراتها مسلطة على التي تعطيهما ظهرها
"يبدو بأن روميساء غاضبة جدا ، ولكن ما لذي يغضبها هكذا ؟"
حركت (ماسة) كتفيها بجهل وهي تهمس لها بتفكير خافت
"لا اعلم حقا ، ولكني ارجح بأن يكون السبب هو تصرفات ذاك العامل السمج الذي كان يحاول كسبنا زبائن عنده ! فقد تضايقت منه روميساء بشدة وحدثت بينهما مشاحنة كلامية ، ولكن المؤسف على عروض قطع الملابس الجميلة التي كان يبيعها بأسعار زهيدة ، لقد كانت خسارة كبيرة لنا !"
ارتفع حاجبيها البنيين بانتباه وهي تهمس بخفوت مفكر تبدي وجهة نظرها 
"ولكني لا اعتقد بأن يكون هذا سبب غضبها وحده ، قد يكون ايضا بسبب نظرات ذاك العامل التي لم تتركنا وشأننا منذ دخولنا للمتجر ، فهو يبدو واضح عليه بأنه شخص غير طبيعي حتى يلاحقنا هكذا ويحاول ان يبيعنا بكل هذا الإصرار والعناد !"
رفعت حاجب واحد بمغزى وهي تشير بعينيها بحركة واضحة قائلة بخفوت ماكر
"بل ليس نحن يا بلهاء ، لقد كانت نظراته تلاحق روميساء وحدها ، فيبدو بأنه قد انجذب لها كثيرا ، وقد كان يبدي إعجابه لها بنظراته وكلماته وحركاته حتى اثار غضب روميساء العارم !"
فغرت شفتيها بصدمة وهي تغطي فمها بيدها هامسة بخفوت مندهش وكأنهما يتناقشان بموضوع مصيري هام
"حقا ما تقولين ! لا اصدق"
غرزت اسنانها بطرف شفتيها وهي تكبح ابتسامتها الشقية وتومئ برأسها بتأكيد ، لتمسح الابتسامة عن محياهما ما ان توقفت مجددا بطريقهما وهما يتوقفان معا بتجمد مثل المذنبتين ، لتستدير بعدها نحوهما بقوة وبملامح غير معبرة اخافتهما وهي تقول بابتسامة لا تمت للمرح بصلة
"هل انتهيتما من ثرثرتكما الفارغة ؟"
نظرت كل منهما للأخرى بنظرات جانبية قبل ان يحركا رأسيهما بنفس اللحظة بالإيجاب ، لتتنفس بعدها بضيق وهي تشير بذراعها للمتجر الذي توقفوا عنده قائلة بعملية جادة
"لقد وصلنا لمحطتنا الاساسية ، إياكما والتصرف بسخف او حماقة بداخل المتجر ، ولا اريد ان اسمع نفس منكما ، هل كلامي مفهوم ؟"
حركا رأسيهما مجددا بتهذيب وهي تهمس التي رفعت يدها بأدب واضح
"لن تسمعي منا اي صوت او نفس ، نحن نعدك"
حركت رأسها بعيدا عنهما ببرود وهي تلوج داخل المتجر قبلهما ، لتخفض يدها بهدوء وهي تستمع للتي قالت بجانبها بخفوت ساخر
"انظري إليها ما اجملها وهي غاضبة ، انها مثال للمرأة المثالية من كل النواحي !"
رمقتها بطرف عينيها وهي تهمس بخفوت واجم
"وقد تخسر هذه المثالية بسببنا"
ادارت مقلتيها الزرقاوين ببرود وهي تقيد ذراعها بمرفقها وتسحبها للداخل قائلة بجدية
"إذاً هيا بنا نسرع باختيار فستانك يا عروس ، لكي لا تنفجر روميساء برأسنا وتقذفنا بالشارع"
ضحكت كلتيهما بصخب وهما تدخلان من باب المتجر بقوة قبل ان تتجمد اقدامهما بوسط المكان وهما تشردان بعالم كبير محاوط بفساتين الزفاف البيضاء الحالمة وبها كل ما يلمع ويضيء ويشع وكأنها حديقة حلم كل الفتيات ، فكل فتاة بالعالم لها لقاء بهذا المكان ومعانقة لهذا الحلم بنهاية طريقها ، لتقول بعدها التي شدت على ذراع الاخرى وهي تهمس بخفوت باسم
"هل تحقق حلمك يا اميرتي الخيالية ؟"
اومأت (صفاء) برأسها بابتسامة حالمة وهي تهمس برقة عذبة
"بلى تحقق اخيرا"
رفعت نظراتها عاليا وهي تضحك بمرح بعمق قلبها لتهمس بعدها بابتسامة حانية 
"هل تذكرين عندما كنتِ تلتصقين بواجهات المحلات التي تحوي على فساتين الزفاف ؟ لقد كنتِ تبدين مثل القطة الجائعة التي تحلم بالحصول على وجبة لحم دسمة !"
تغضنت زاوية ابتسامتها وهي تهمس بخفوت حالم وكأنها تغرق بالذكرى وتحيى بها 
"لقد كانت مشاهدتها لذيذة جدا لي اكثر من وجبات الطعام الدسمة ، ومهما نظرت لها لا اشبع ابدا"
ردت عليها (ماسة) بابتسامة بهتت بحزن
"لقد كنا جائعتين على الدوام ، ولم نعرف معنى الشبع سوى الآن"
قاطع تأملهما بأحلام الماضي صوت (روميساء) من بعيد وهي تنادي عليهما بصرامة
"ماذا تفعلان بمكانكما مثل التماثيل ؟ تعاليا إلى هنا"
اشارت بعينيها لصديقتها وهي تفرش الطريق امام حلمها قبل ان تسحبها بسرعة من ذراعها وهي تسير بها للأمام ، وما ان وصلتا لها حتى اصبحوا مقابل العاملة التي لم ينتبهوا لها وهي تقول بابتسامة عملية
"من هي العروس ؟"
مدت (روميساء) يدها وهي تربت على كتف العروس قائلة بابتسامة متزنة
"هذه هي العروس ، ونريد ان نختار لها فستان زفاف جاهز يليق بها ، فهل لديكم ما يناسبها ؟"
غزت ملامحها ابتسامة خجولة حتى احمرت لها وجنتيها بتورد ، لتأخذ العاملة وقتها بتأملها بنظرات فوقية من رأسها حتى اخمص قدميها ، لتقول بعدها بنفس النبرة العملية وهي تشير بذراعها تدعوها للقدوم
"تفضلي من هنا يا آنستي ، فأنا لدي لكِ اثواب زفاف جميلة وحديثة الطراز ستعجبكِ وتبهرك كثيرا ، ويمكنكِ تجربتها بغرفة القياس"
حادت بنظراتها للواقفة بجانبها بارتباك لتحرك لها بدورها رأسها وهي تأخذ الاكياس من يديها قائلة باطمئنان 
"نحن سنكون بانتظاركِ هنا حتى تنتهي من القياس ، لذا لا تقلقي من شيء"
زمت شفتيها بهدوء وهي تومئ برأسها بصمت وتتحرك اتجاه العاملة التي ما تزال تنتظرها ، لتذهب برفقتها بعيدا عنهما وتغيب خلف رواق المتجر ، لتقول بعدها التي كتفت ذراعيها فوق صدرها بجمود  
"تلك العاملة لم تعجبني قط ، نظراتها نحونا وكأننا دون المستوى المطلوب ! حتى طريقتها بالنظر لصفاء فوقية جدا !"
وضعت الاكياس من بين يديها على الارض وهي تقول بحزم خافت
"اصمتِ يا ماسة كي لا يسمعك احد ونطرد من المكان ، وايضا لا احد يعرف بظروف الناس ، لذا لا تحكمي قبل ان تعرفي"
حركت كتفيها ببرود وهي تقول بخفوت مقيت
"إذا بقينا نراعي ظروف الناس من امثالها فلن يتوقفوا عن ركوبنا !"
اقتربت منها وهي تمد يديها قائلة بأمر نافذ
"اعطيني الاكياس يا ماسة ، كم تحبين الثرثرة بهذه المواضيع"
سلمتها الاكياس بصمت وهي تأخذها منها بقوة لتعطيها بعدها ظهرها وهي تضع الاكياس بجانب بعضها البعض ، لتعبس ملامحها بلحظة وهي تراقبها قائلة بغيظ   
"لم اقل شيئاً حتى تغضبي ! انتِ فقط مزاجك معكر ، وهذا منذ خروجنا من ذاك المحل ومقابلتنا ذاك العامل السمج المعجب بكِ...."
قاطعتها (روميساء) بقوة وهي تستدير نحوها قائلة بنفاذ صبر
"ماسة اصمتِ"
ابتلعت ريقها بصمت وهي تشيح بوجهها بعيدا هامسة باستياء   
"حسنا سأصمت ، لا تغضبي عليّ"
منعتها من الرد الاصوات القادمة من بعيد وهي تدير وجهها نحو مصدر الصوت لتظهر امامهم التي غابت عنهم واطلت بأبهى صورها بفستان زفاف الاحلام...كان الفستان من القماش اللامع الذي يبرق ويلمع بكل تموج وحركة مثل الخيال....بحمالات عريضة من شيفون رقيق تحوي خط من الفصوص والعقيق الابيض تلتف حول صدرها وتصعد فوق كتفيها بتصميم فريد...ويضيق القماش عند صدرها حتى خصرها المستدير الذي يزينه بحزام من احجار واصداف بحرية مثل حورية البحر لينزل باقي الفستان على جسدها السفلي حتى كاحليها بطبقة واحدة بنعومة البحر وسلاسة امواجه....بينما ينسدل شعرها البني الطويل على كتفيها وظهرها بفوضوية ناسبتها واعطتها إشراقا وإنارة مختلفة وكأنها الشمس التي تطل فوق سطح البحر .
امسكت (صفاء) بجانبي الفستان وهي تفرده بالعرض هامسة بابتسامة رقيقة بحياء
"ما رأيكما به ؟"
تطوعت بالكلام التي احاطت خدها بيدها بشرود وهي تهمس بخفوت منبهر بسعادة
"يا للروعة ! تبدين بغاية الجمال يا اميرة ! هل هربتِ من قصة خيالية ؟"
عضت على طرف ابتسامتها بسعادة من تعليقها الذي توردت وجنتيها عليه واعطاها بريق آخر فوق بريقها الحالي ، لتنظر بعدها للتي وصلت امامها وهي تمسك بيديها وترفعهما عاليا لتتأمل كامل تفاصيل الفستان عن قرب ، قبل ان تقول بابتسامة هادئة تغضنت بحنان
"انه يناسبكِ جدا ، ما شاء الله ، تبدين غاية بالروعة والجمال ! اخاف ان احسدكِ يا فتاة !"
افلتت منها ضحكة رقيقة دفعت الدموع للتكدس بمقلتيها العسليتين بسعادة غمرت كيانها ، لتسحب بعدها يديها وهي تمسح اطراف عينيها بأصابعها هامسة بامتنان شديد
"شكرا لكِ ، انتِ الاجمل"
انحرفت ابتسامتها بوجوم ما ان رأتها تمسك بيديها بطنها البارزة قليلا والتي يشد عليها الفستان ، لتقول بعدها بخفوت جاد وهي تراقبها بدقة
"هل الفستان يضايقك ؟ هل يشد على بطنك كثيرا ؟"
اومأت برأسها بهدوء وهي تمسح على بطنها هامسة بعبوس
"اجل قليلا فقط"
عقدت حاجبيها بعزم وهي تمسك خصرها بيديها قائلة بصرامة  
"إذاً علينا ان نغير تصميم الفستان ، فهذا لن يناسبك وسيعيق عليكِ الحركة كثيرا !"
حركت رأسها بالنفي بعنف وهي تعانق الفستان هامسة باستنكار حزين
"لا اريد تغيير تصميم الفستان ، فقد اعجبني كثيرا واريده ، ولن ارتدي غيره بحفلة زفافي ، فهذه حفلة العمر ولن تعاد كل يوم"
ارتفع حاجبيها بصدمة وهي تلوح بذراعها من حولها قائلة بخفوت جاد
"صفاء هل تفهمين ما اقول ؟ هذا الفستان لن يناسبك بالحفلة من كل النواحي ، إذا قلنا بأنكِ لا تمانعين ذلك وستتحملين شعور الألم وانعدام الراحة به فماذا عن الناس ؟ ماذا سيقولون عندما يرون بطنك البارزة ؟ سيكون موضوع نقاشهم كله متمحور عن تلك البطن الظاهرة ! هل سيعجبك منظرك حينها ؟"
عبست ملامحها بارتجاف وهي على وشك الانهيار بالبكاء قهرا على خسارتها الفستان الذي اعجبها كثيرا ، لتتدخل (ماسة) بعدها وهي تقف معهم قائلة بابتسامة واثقة
"يمكنكِ الطلب من العاملات تعديل الفستان لكِ بشكل يريحك ويناسب مقاسك ، يعني توسيع مكان بطنك بشكل يجعلك تتحركي بحرية اكبر ، بإضافة قماش اكثر او توسيع الخياطة ، فهذا عملهم وهّم ادرى به"
تهللت اساريرها بسعادة وهي تضم يديها امام صدرها هامسة بأمل مبتهج
"هل هذا ممكن ؟"
نقلت (روميساء) نظرها بينهما ما ان اصبحت محور نظراتهما وهما ينتظران التصريح منها ، لتزفر انفاسها بهدوء وهي تقول باستسلام
"حسنا سنفعلها ، لا ضير من التجربة"
تبسمت وجوههما بسعادة وهما يتناقلان النظر بينهما والامتنان والشكر على كل شيء ، ليأتي بعدها صوت العاملة وهي تقول بابتسامة مترفعة
"ماذا حدث ؟ كيف وجدتم تصميم الفستان على العروس ؟"
اخذت (روميساء) زمام المبادرة وهي تقول لها بابتسامة متحفظة
"انه جميل جدا ولاق بها كثيرا ، ولكن لدينا طلب بسيط منكِ ، نريد تعديل الخياطة والحجم حول البطن بجعلها بشكل اوسع قليلا ، بشرط ان يكون جاهز بالأسبوع القادم لأنه سيكون موعد الزفاف"
ارتفع حاجبيها بتفكير حائر وهي تتأمل الفستان مجددا على الفتاة النحيلة التي لا تملك اي عيب ، لتقول بعدها بتساؤل جاف
"لماذا ؟ هل هناك عيب بالفستان ؟"
زمت شفتيها بضيق وهي تقول بتوضيح جامد
"الفتاة لديها وضع خاص فهي حامل ، لذا نريد تسهيل الامر عليها وتعديل الفستان بما يناسبها"
اندهشت ملامح العاملة وهي تعود لتأمل الفتاة التي اطرقت برأسها بخجل مفرط من موقفها ، لتقول بعدها بتفكير مشتت بعدم استيعاب
"حامل ! ولكن حفل زفافها بعد اسبوع....."
قاطعتها (روميساء) وهي تقول بانضباط جاد تحاول تمثيل اللباقة لآخر حد
"انها متزوجة بالفعل ، ولكن حدثت معها ظروف منعتها من اقامة حفل زفافها ، لذا قد قررت ان تقيمه الآن وتشتري فستان الزفاف للحفلة ، هذا كل ما في الأمر"
نظرت لها العاملة بنظرات فوقية وهي تقول بابتسامة جانبية بمغزى  
"هل كانت متزوجة من قبل ان يحدث......"
قاطعتها مجددا ببأس وهي تنظر لها بقوة بعد ان فقدت لباقتها
"هذا ليس من شأنكِ ، اهتمي بعملكِ فقط"
ارتبكت ملامحها بشحوب وهي تومئ برأسها قائلة بخفوت مهني
"سأكتب ملاحظتك على الفستان ، وسيهتم العاملين بالخياطة على تعديله كما ترغبين ، ويمكنكم العودة لأخذه بنهاية هذا الاسبوع وقبل موعد الزفاف ، وشكرا جزيلا على زيارتكم"
غادرت العاملة بعدها بصمت بدون ان تضيف المزيد من الكلام المسجل ، لتقطع الصمت التي عانقتها بقوة مفاجئة حاصرتهما بغمامة الثوب الابيض الذي احاط اقدامهما ، وهي تقول بسعادة باكية وكأنها طفلة تعرضت لجرح كبير
"شكرا لكِ على دفاعكِ عني ، لقد شعرت بالراحة بعد كلامك"
تنفست بابتسامة ناعمة وهي تمسح على ظهرها بيديها هامسة بحنان
"بالطبع سأدافع عنكِ ، فأنتِ لم تخطئي بشيء حتى تحزني ، أليست الأم تدافع عن صغارها دائما ؟"
اغمضت عينيها بدموع تسربت بحرارة على محياها وهي تشعر بالامتنان الكبير لوقوفها معها ودعمها لها بأصعب اوقاتها ، بينما الواقفة بالقرب منهما تشاهدهما بابتسامة تلونت بعطف وحب لعلاقة كانت الرابط الاساسي بها وخيط التواصل بينهما ، فهي قد احبت دائما جمع القلوب والاتصال بينها والربط بين جميع احبائها بالرغم من خروجها من ذلك الاتصال وحرمان نفسها منه !...
_______________________________
بعد مرور ساعات برحلة التسوق الجنونية انتهت جولتهن جالسات بمقهى قريب لأخذ قسط من الراحة واستعادة شحن طاقاتهن ، كانت عيناها تلاحقان باستمرار الكائنات البحرية البلاستيكية التي تسكن قاع البحر موجودة بكرة زجاجية لعبة ، وكأنها قطة وجدت كرة صوف تتسلى بها وتنشغل بالتعلق بخيوطها المعقودة بعيدا عن مالكتها ، لتعتلي بعدها ابتسامة هادئة على محياها وكأنها تسرح بذلك العالم البحري المحصور بكرة زجاجية صغيرة لا تساوي شيء امام ضخامة العالم الحقيقي ، وكأن انجذابها لها يكمن من زرقة الماء المحجوز بالكرة وهو يشابه عينيها الكرويتين الزرقاوين بهدير ساكن غير عابث او خادع .
اتسعت حدقتيها الزرقاوين بموجة خاطفة ما ان سُرقت الكرة الزجاجية من امام عينيها بلحظة ، لترفع نظراتها تلقائيا تتابع السارقة التي بدأت تتأمل الكرة عن قرب وهي تقول بخفوت فضولي
"لم افهم للآن سبب إصرارك على شرائها ؟ فهي ليست من الامور التي تستهويكِ الاحتفاظ بها !"
رفعت رأسها بملامح جامدة وهي تقول بخفوت جاد
"وقد اصبحت الآن من الامور التي تستهويني ، ماذا ستفعلين بهذا الخصوص ؟"
رمقتها بطرف حدقتيها العسليتين بمغزى وهي تهمس بابتسامة جانبية بمرح
"ماذا ستفعلين بها ؟ ما هي مصلحتكِ من شرائها ؟ فأنا اعرفكِ جيدا لا تفعلين شيء من عبث !"
عبست ملامحها وهي تمد كفها لها عبر الطاولة قائلة بحزم
"لست مضطرة لتفسير اي من تصرفاتي ، والآن اعطني الغرض الذي سرقته مني"
رفعت (صفاء) الكرة عاليا وهي تقول بتصميم طفولي 
"انتِ تكذبين عليّ فقط لكي تتخلصي مني ، ولكني لن ارضخ لكِ حتى تعترفي لي"
نهضت عن الكرسي بقوة وهي تقول بجموح
"صفاء إذا لم تعطيها لي فأنا......"
مالت للخلف بذراعها ويدها تلوح بالكرة تهدد برميها قائلة بمراوغة  
"إذا اقتربتِ مني اكثر فستقع كرتك الزجاجية وتنكسر ، والخيار الآن بين يديكِ"
شددت على اسنانها وهي تقول من بينهما بتذمر حانق
"منذ متى اصبحتِ مزعجة ومخادعة هكذا ؟"
ادارت مقلتيها العسليتين بتفكير وهي تهمس برقة
"منذ الآن"
اكتسحت ملامحها سحب دخانية وهي تميل على الطاولة بهجوم مباغت وتمد اقصى ذراعها ناحية الكرة والتي رفعتها عاليا حتى كادت تقع بالكرسي للخلف ، لتصرخ بهياج ثائر وهي تقبض على الكرة الزجاجية قبل سقوطها وتهشمها
"ستكسرينها يا حمقاء !"
تراجعت للخلف باستقامة على صوت الجالسة بينهما بنفس الطاولة قائلة بغضب صارم  
"هلا توقفتما عن لعب الاطفال هذا ؟ لقد سببتما لنا بفضيحة بوسط المكان وكأني ارعى طفلتين غير بالغتين !"
جلست (ماسة) على الكرسي بقوة وهي تعيد الكرة الزجاجية فوق سطح الطاولة قائلة ببرود 
"لا تنظري لي باتهام ، فهي التي بدأت اولاً !"
زمت (صفاء) شفتيها بتبرم وهي تتقدم بجلوسها هامسة باستياء
"يبدو بأن هذه الكرة غالية جدا عليكِ ، لدرجة ان ترمي بنفسكِ على الطاولة بمحاولة إنقاذها !"
حادت بعينيها نحوها بجمود وهي تقول بابتسامة واثقة
"اجل غالية جدا عليّ ، فهي هدية لصديقة افكر بتقديمها لها كعربون محبة"
ارتفع حاجبيها البنيين ببهوت وهي تنصت لها بصدمة كبيرة قبل ان تهمس بخفوت بائس
"صديقة ! هل لديكِ صديقة ؟"
اومأت برأسها بهدوء وهي تسند ذقنها فوق قبضتها هامسة بغيظ  
"اجل صديقة مهمة جدا لدي ، فأنتِ لست صديقتي الوحيدة بالحياة"
ردت عليها بسرعة بانفعال طفولي 
"منتهى القسوة منكِ !"
حركت كتفيها بلا مبالاة وهي تقول ببساطة
"عليكِ بتقبل الحقيقة يا صفاء ، فنحن لن نبقى صديقات وحيدات لبعضنا طول الحياة ، عليكِ بتوسيع دائرة عالمكِ اكثر واستقبال طلبات الصداقة من كل من يرغب بالتقرب منكِ"
كورت شفتيها بامتعاض وهي تقول من فورها بدفعة شجاعة مفاجئة
"وانا ايضا لدي صديقة مقربة غيرك ، واعتقد بأنني قد اخبرتكِ عنها ، اسمها سديل وتدرس معي بنفس القسم وصداقتنا بصدد التطور والتقدم وقد تتجاوز صداقتنا كذلك"
تلبدت ملامحها بصمت وهي تتلاعب بأصابعها بسطح زجاج الكرة لتقول بعدها بخفوت ساخر
"هل تقصدين تلك الصديقة التي دفعتها للتخلي عنكِ وترككِ ؟ اذكر بأنكِ قد سببتِ لها مشكلة كبيرة من لا شيء دفعتها للهروب منكِ ، فهكذا انتِ دوما لا تعرفين كيف تحافظين على العلاقات التي بين يديك وتفرطين بها عند اول مأزق !"
ضربت على سطح الطاولة بقبضتيها بعصبية وهي تصرخ باستنكار حانق
"توقفي عن إهانتي وجرحي يا اميرة البرود ، علاقتي بها تبقى افضل منكِ لأنها لم تحاول يوما استغلال نقاط ضعفي ! ولم تستبدلني بصديقة اخرى وتفضلني عليها....."
قاطعت نقاشهما الغاضب الذي تحول له المزاح لمعركة حامية تكاد تتطاول بالأيدي وهي تصرخ بهما بضراوة
"يكفي صراخ ببعضكما انتما الاثنتين ! هل نحن بالمنزل حتى تتبادلان الكلام على العلن بصوت عالي ؟ إياكما والجدال بهذا الموضوع أكثر ، نقطة وانتهت ، عودا لمشروبكما بدون ان اسمع نفس منكما"
عادت كل منهما للنظر امامها بصمت يعتلي العبوس محياهما وكأنهما طفلتين معاقبتين مثيرات للشغب كما كان يحدث لهما بأيام المدرسة بكل مرة تتخاصمان بها ، لترمق كل منهما الاخرى بنظرات جانبية حادة وبذات الوقت تنشغل كل واحدة بشرب كأس العصير الخاص بها بتهذيب صامت .
انتفض رأسيهما للأعلى ما ان نهضت الكبيرة بينهما وهي تخرج النقود من الحقيبة قائلة بعملية جادة
"هيا بنا سنذهب من هنا حالاً ، فقد تبقى لنا مكانين علينا المرور بهما قبل العودة للمنزل ، ولا نريد إضاعة المزيد من الوقت بدون فعل شيء"
وضعت النقود على الطاولة وهي تغادر بعيدا عنهما قبل ان تشير بيدها لهما قائلة بأمر
"هيا تحركا ، سنستقل الحافلة من هنا ، فقد اهدرنا الكثير من النقود على سيارات الاجرة"
غادرت بعدها خارج المقهى بدون انتظار ثانية امام زوجين من العيون المفتوحة على اوسعها ، لتقول بعدها التي تبرمت شفتيها بقنوط  
"حتى بالمواصلات اقتصادية متزمتة !"
نهضت (صفاء) عن الكرسي وهي تحمل حقيبتها وتغادر بصمت ، لتلحق بها الأخرى بسرعة وتمسك بذراعها قبل ان تخرج ، وما ان التفتت نحوها بملامح باهتة حتى مدت لها كفها وهي تهمس بابتسامة مهذبة بلطف مثل النسمات الرقيقة التي تأتي بعد العاصفة
"هل تقبلين اتفاقية الصلح ؟"
تغضنت زاوية ابتسامتها برقة ما ان تذكرت طريقتهما الخاصة بالتسامح بينهما ونسيان ما فات وهو بتقديم المذنب على المبادرة باتفاقية الصلح وعلى الطرف الآخر القبول بها مهما كان نوع الخطأ المرتكب ، لتعض بعدها على طرف شفتيها وهي تهمس بخفوت متملق
"سأوافق بشرط ان تقولي لي بأنني افضل صديقة لكِ على الإطلاق"
اتسعت ابتسامتها حتى افلتت منها ضحكة خائنة وهي تقول بدهشة
"ما كل هذا التملق يا فتاة ؟"
رفعت ذقنها بإيباء وهي تنتظر تحقق شرطها بالرغم من انها ستسامحها بكل الاحوال ، ليتنهد الطرف الآخر بيأس وهي تقول بخفوت واثق
"انتِ افضل صديقة لي على الإطلاق وليس لي سواكِ بالعالم ، هل هذا كافي ؟"
ارتسمت ابتسامة عريضة على محياها وهي تصافح كفها مباشرة هامسة ببهجة وكأن غضبها قد تلاشى بلحظة
"اجل كافي ، وانا موافقة على الصلح معك"
تنفست الصعداء وهي تسحب كفها قائلة بابتسامة هادئة
"لم اقم باستبدالك او خيانتك ، فقد كنت احاول إغاظتك لا اكثر ، وتلك الهدية مجرد إمضاء واجب من اجل شخص ساعدني كثيرا"
اومأت (صفاء) برأسها وهي تعانق ذراعها بمرفقها قائلة بابتسامة رقيقة
"وانا اصدقكِ يا صديقتي الصدوقة"
رمقتها بطرف حدقتيها الزرقاوين وهي تربت على يدها حول ذراعها هامسة بابتسامة شقية   
"إذاً هيا بنا نذهب يا صديقتي العطوفة"
ضحكت بمرح صاخب وهي تسحبها بسرعة خارج المقهى يسرعان باللحاق بالتي سبقتهما وتعلم جيدا بأنهما سيحلان مشكلة خصامهما بثواني كما كان يحدث بطفولتهما ومراهقتهما حتى شبتا على هذه العادة الغريبة كغرائب صداقتهما .
_______________________________
طرقت على الباب وهي تفتحه بآن واحد وتمد برأسها للداخل بميلان حتى تساقط شعرها الكثيف على جانب واحد ، وما ان وقعت نظراتها على الجالسة بالسرير مشغولة بحياكة شيء ما بيديها حتى تبسمت شفاهها وهي تهمس بخفوت مهذب
"هل يمكنني الدخول ؟ ام اعود بموعد آخر ؟"
رفعت رأسها بهدوء وهي تبتسم بتلقائية غمرت قلبها بالتفاؤل وكأنها اعتادت على زياراتها المفاجئة بدون موعد مسبق تجلب السعادة والمسرة لها ، لتقول من فورها بخفوت مبتهج ترحب بها
"هل ما تزالين تسألين ؟ بالطبع يمكنكِ الدخول ، انتِ مرحب بكِ بأي وقت"
مالت ابتسامتها بلطف وهي تدفع الباب وتدخل مباشرة حاملة كيس كبير بيدها لتغلق الباب بيدها الاخرى ، دلفت بعدها وهي تركز انتباهها على بطنها الكبيرة امام يديها اللتين كانتا مشغولتين بحياكة شيء اتضح بأنه وشاح صوفي معقود يدويا ، لتقف بجوارها وهي ما تزال تشرد بتفاصيل الوشاح الصغير باللون البنفسجي الفاتح ، لتقول بعدها بابتسامة غزت محياها بهدوء
"يبدو بأنكِ قد استيقظت اليوم بصحة جيدا جدا لدرجة ان تعملي على حياكة الملابس بالصوف ، فهذا العمل يحتاج قوة صبر كبيرة وتركيز تام"
اتسعت ابتسامتها وهي تخفض نظرها للوشاح المعقود بإبرة الخياطة لتهمس بعدها بخفوت عفوي
"لقد كنت اشعر بالملل الشديد من الايام الفارغة التي اقضيها بدون فعل اي شيء ، واليوم خطرت ببالي فكرة صنع شيء تذكاري لطفلي تبقى معه دائما وتكون هدية والدته له بمناسبة مجيئه على حياتي ، واستطعت تعلم الخياطة ببضعة خطوات شاهدتها على الهاتف واتقنتها بالتدرب ، ما رأيكِ بالنتيجة الاولية ؟"
اومأت برأسها بتركيز وهي تتمعن بقطعة القماش عن قرب قبل ان تقول ببديهية
"لا بأس بكِ يا عزيزتي ، لديكِ مستقبل مشرق بهذا المجال ، خير ما فعلتي"
توردت وجنتيها بسعادة وهي تتلقى مدح على عملها البسيط الذي تشعر به كأول إنجاز عظيم لها ، لتفرد بعدها الوشاح على طوله وهي تقول بابتسامة حماسية
"ما رأيكِ ان اعلمك انتِ ايضا الحياكة ؟ لقد اصبحت اتقنها جيدا واحفظ جميع خطواتها"
استقامت (ماسة) بسرعة وهي تحرك يديها بالنفي قائلة بتهرب
"لا شكرا لا استطيع تحمل هذا النوع من الاعمال ، فهو يحتاج صبر وتركيز شديد على نقطة واحدة فترة طويلة ، وانا عندي اقصى احتمال عشر دقائق قبل ان امزقها واحرق كل سلالتها !"
ضحكت بمرح وهي تعيد القماش بحجرها هامسة ببساطة
"كما تشائين ، انتِ الخاسرة"
وضعت الكيس البلاستيكي بيدها على المنضدة الجانبية وهي تقول ببرود
"الخسارة التي سأحصل عليها هي خسارة صحتي"
التفتت نحوها وهي تراقب الكيس الكبير الذي وضعته على المنضدة قائلة بحيرة
"يبدو بأنكِ كنتِ مشغولة ببعض الاعمال قبل مجيئك ، ماذا يحوي هذا الكيس الكبير ؟"
امسكت خصرها بيدها الحرة وهي تقول بثقة كبيرة
"لقد احضرت لكِ زوجة شقيقك هدايا بمناسبة اقتراب موعد ولادتك ، يعني هدايا سابقة لأوانها"
ارتفع حاجبيها بدهشة وهي تحدق بالكيس الكبير هامسة بمودة
"حقا ! هذا لطف منكِ"
غامت ملامحها بسحابة جليد لوهلة وهي تشيح بنظرها هامسة بخفوت جاد  
"لماذا اخبرتِ شادي بكل شيء فعلته لينا ؟"
نظرت لها (ميرا) بهدوء وهي تقول بابتسامة عملية  
"لقد حاصرني بالأسئلة وبالتحقيق ورائها ، وعندما علمت بقصة دخولكما للمغفر واتهامك بقضية محاولة قتلها ، لم اتمالك نفسي بعدها واخبرته بكل شيء ارتكبته وفعلته بحياتنا واذنبته بحقك ، لقد اردت ان اريحك من هذا الحِمل الثقيل وارفع عن كاهلك كل هذه الخطايا التي التصقت بكِ وتأذيتِ بسببها !"
عادت بنظرها لها وهي ترسم ابتسامة صغيرة على محياها هامسة بامتنان
"شكرا لكِ ، لقد كان الامر قد وصل لنهايته بالفعل"
تنفست (ماسة) بقوة وهي تلتفت نحو المنضدة الجانبية لتخرج من الكيس علبة صغيرة بحجم الكف وهي تقدمها لها قائلة بابتسامة هادئة
"هذه هديتك الأولى ، اتمنى ان تكون ذو فائدة لكِ"
امسكت بها بحذر وهي تفتح العلبة لتكشف لها ساعة رقمية زرقاء رسمت على شاشتها صور وجوه اطفال صغيرة ، لتجذب سمعها التي قالت بجانبها بشرح عملي  
"هذه ساعة من اجل طفلك تملك حساسية عالية تتأثر بالأصوات من حولها ، عندما يبكي طفلك تبدأ بالغناء واصدار اضواء ملونة للفت انتباه الطفل وإسكاته بحال عدم وجود والديه بقربه ، وقد رأيت هذا الاختراع مفيد جدا بمساعدة الأمهات على تجاوز مشكلة البقاء بجانب اطفالهن والسماح لهن بإتمام اعمالهن"
تغضنت طرف ابتسامتها بسعادة تمزج الدهشة وهي تهمس بخفوت منبهر
"يا له من اختراع مذهل ! لقد اعجبني كثيرا ، شكرا لكِ"
تبسمت شفتيها بهدوء قبل ان تعيد رأسها نحو الكيس وهي تخرج غرض آخر منه ، لتمده نحوها بلحظة وهي تقول برسمية    
"تفضلي هديتك الثانية ، بالحقيقة هي ملكي وقد استغنيت عنها من اجلكِ"
رفعت نظرها بحيرة غزت محياها وهي ترى سماعة اذنين كبيرتين كاتمتين للصوت ، لتتطوع بعدها بالشرح صاحبة الامر وهي تلوح بالسماعة بيدها
"هذه السماعة كاتمة للصوت من اجل الاصوات العالية من حولك مثلا عندما تنزعجي من صوت طفلكِ وتصلي حد الانفجار ضعي هذه السماعة على اذنيكِ وتنعمي ببعض الهدوء ، فهي تفيد كثيرا بهذه الحالات وتمسككِ عن الدخول بنوبات الانهيار"
عقدت حاجبيها بتفكير وهي تقول بهدوء متساءل  
"بماذا كنتِ تستخدمينها ؟ هل كان هناك اطفال يعيشون بالقرب من سكنك ؟"
بهتت ملامحها وهي تحرك رأسها بالنفي هامسة ببساطة  
"لا لقد كنت استخدمها لكي اكتم اصوات من يعيشون معي ، فقد كان هناك نزاعات ومشاكل كثيرة تحدث بالمنزل الذي كنت اقطن به قديما ، ولم اعد استخدمها بالوقت الحالي لذا تخليت عنها"
تجمدت ملامحها للحظات قبل ان تأخذ السماعة منها وهي تقول بتودد
"شكرا جزيلا لكِ ، اعدكِ ان استخدمها بحرص واحافظ عليها بكل امانة"
اومأت (ماسة) برأسها بهدوء وهي تنقل نظرها للكيس لتخرج بعدها الغرض الثالث منه ، لتقدم لها علبة متوسطة الحجم وهي تمسح على سطحها بيدها هامسة بخفوت حاني
"هذه هدية من اجل صالح"
وضعت السماعة بجانبها وهي تمسك هذه المرة بالعلبة تقربها منها بحذر ، وما ان فتحت غطائها حتى ظهر لها حذائين صغيرين بحجم الاصابع بنعومة فراء القطن وبلونين مقسومين بالمنتصف بين ابيض وازرق ، لتتسع ابتسامتها ببريق الدموع التي غزت مقلتيها وهي تحتضن الهدية فوق بطنها الكبيرة هامسة بسعادة غامرة
"انها اجمل هدية اتلقاها بحياتي ! شكرا لكِ يا ماسة ، شكرا جزيلا لكِ"
تغضنت طرف ابتسامتها بهدوء وهي تمسح على رأسها هامسة بعطف
"اتمنى ان يستخدمها ابنك بالهناء"
رفعت رأسها بهدوء وهي تمسح اطراف عينيها بأصابعها هامسة بمحبة  
"انا متأكدة بأن ابني سيكون محظوظ جدا لأن لديه زوجة خال مثلكِ تفكر به"
سحبت يدها عن رأسها بهدوء وهي تقول بجدية
"لم ينتهي الامر بعد ، لقد تبقى هدية واحدة"
نظرت بفضول نحو الكيس والذي اخرجت منه هذه المرة كرة زجاجية مائية تحوي ألعاب بلاستيكية تتحرك بقلب الماء ، لتقول بعدها التي حركتها بقوة لتدور الألعاب بداخلها بحركة متناغمة
"هذه الهدية كانت اكثر حركة جنونية اقدم عليها ! فأنا عادةً لا احب شراء الالعاب الفارغة والتي تخدم للتسلية واللهو ! ولكنها جذبتني بقوة واحببت شرائها لكِ ، فهي تستطيع ان تلفت نظركِ وتستنزف التركيز عندك حتى لا تقدرين بعدها على ابعاد ناظريكِ عنها ، ويمكنها ان تساعدك بالوقت الذي تشعرين به بالضيق والاختناق لكي تنسيكِ كل تلك المشاعر والمحيط من حولك وترسل تفكيركِ لمنحى آخر ، واتمنى ألا اكون قد اخطأت باختيار هذه المخاطرة !"
مالت ابتسامتها بهدوء وهي تمد يدها وتأخذ الغرض منها بصمت ، لتتأملها بعدها عن قرب وهي تقول بابتسامة حزينة بأسى
"بل اعجبتني كثيرا ، واكثر مما تتصورين ، فقد كنت املك واحدة مثلها بمنزل عائلتي وبغرفتي الخاصة ، وقد كان الشيء الوحيد الذي يؤنس وحشتي ويخمد حزني بتلك الايام الباردة ، وقد حزنت كثيرا عندما تركتها هناك ونسيت جلبها معي ، شكرا لكِ لقد اسعدتني حقا بهذه الهدية"
سكنت ملامحها وهي تزيح نظراتها بعيدا هامسة بخفوت
"على الرحب والسعة ، يسعدني سماع هذا منكِ"
زفرت انفاسها بهدوء وهي تعيد نظراتها للكيس والذي تبقى به باقة ازهار نسيتها تماما ، لتخرجها بعدها من الكيس وهي تقول بابتسامة باردة
"لقد نسيت امر باقة الازهار الخاصة بكِ ! فهذه واحدة من الطقوس المهمة والموجودة بكل زياراتي لكِ"
رفعت نظرها نحوها وهي تحدق بباقة الازهار البيضاء قائلة بابتسامة مرحة
"لقد كدت انساها ! باقة ازهارك الاعتيادية ، انتِ حقا لا تفوتين شيء عنكِ !"
ضمت (ماسة) الباقة بين ذراعيها وهي تقول بشبه ابتسامة 
"من المستحيل ان انسى شيء اعتدت على فعله"
ارتسمت ابتسامة رقيقة على محياها وهي تراقب التي بدأت بتبديل الازهار الذابلة بالمزهرية كما يحدث بكل زيارة ، لتقول بعدها بامتنان صادق وهي تحتضن الكرة الزجاجية بين يديها
"شكرا لكِ على هذه الهدايا الرائعة ، بالحقيقة بأنني لم احظى بأي هدية مميزة بحياتي ، بل الارجح بأنني لم احظى بصديقة مقربة تهديني مثل هذه الهدايا ! فأنا كنت طوال حياتي وحيدة منبوذة ، ولم احصل على الفرصة التي اصنع بها الصداقات او العلاقات بحياتي ، لذا خبرتي معدومة بهذه الامور ولم اعرف شخص بهذا القرب مني ما عدا مربية اهتمت بي بطفولتي ! لذا انا سعيدة جدا بتجربة شعور وجود صديق بقربكِ يفكر بكِ ويعطيك الهدايا ، هل تعرفين معنى هذا الشعور ؟ عندما يجد الضال طريقه بعد تيه سنوات بالصحراء"
حادت (ماسة) بنظراتها نحوها وهي تهمس بخفوت شارد
"يا له من تشبيه بليغ !"
بدأت بتنسيق الازهار الجديدة بالمزهرية وهي تتابع كلامها بابتسامة عميقة
"هل اخبركِ بأمر ؟ كان من الممكن ان ابقى وحيدة مثلكِ واكثر ! فأنا شخص لا اعرف شيء بصنع الصداقات وتكوين العلاقات بين الناس ، واكثر ما كنت اجيده هو إبعاد الجميع عني ونفورهم مني ، ولكن القدر جمعني بصديقة وحيدة كانت النور بعتمتي والفرح والسرور بعمق حزني ، فقد كنا نحن الاثنتين نكمل بعضنا البعض ونملئ فجواتنا الفارغة وصديقات وحيدات لكلتينا ، فلم نسمح بإدخال علاقات اخرى بمساحتنا الخاصة ولم نخرج عن حدود تلك الصداقة يوما ، فقد كانت صداقتنا بها المنفعة والسند والإفادة وكل ما جعلنا نتمسك بها بقوة . والغريب بالأمر بأن تلك الصداقة ظهرت من بؤس حياتي لكي نعلم بأن بكل مأساة هناك امل يشع بداخلها سيكون العوض لنا ! فلولا تلك المأساة التي عشتها لما تعرفت على تلك الصديقة ولكنت اضحيت وحيدة طوال حياتي ! لذا انا ممتنة لبعض الامور التي جعلتني اعرف الحزن وبعدها شعور الفرح الذي اخرجني منتصرة بهذه الحياة ، هذا كل شيء"
كانت تحدق بها بصمت وهي تتعرف على شخصيتها التي تثير إعجابها ورهبتها بكل مرة تتعمق بها ، لتقول بعدها بابتسامة طفيفة وهي تثني عليها
"لقد اصبت بكلامكِ ، فلولا تلك المأساة التي عشتها لما تعرفت عليكِ ايضا ، لذا انا مسرورة بالمعرفة التي حصلت بيننا ، واتمنى ان تكون السعادة من نصيبكِ دوما فأنتِ شخص رائع يستحق المحبة وليس السوء"
اخفضت يديها على جانبيها وهي تلتفت نحوها بملامح حزينة وكأنها حركت زورق المشاعر بداخلها ببضعة كلمات لطيفة ، لترسم بعدها ابتسامة رقيقة على محياها وهي تهمس بخفوت ممتن
"شكرا لكِ"
التفتت بعدها تكمل عملها وهي تجمع الزهور الذابلة بداخل الكيس نفسه ، لتغادر بعدها من امامها قائلة بعملية
"سأذهب لرمي القمامة ، دقائق واعود إليكِ"
خرجت من الغرفة بدون ان تنتظر تعليق الجالسة فوق السرير شاردة بأثرها ، لترفع بعدها الكرة الزجاجية وهي تثبت قاعدتها فوق المنضدة بجانب مزهرية الازهار ، لتستقيم بجلوسها للخلف وهي تمسك بالإبرة والخيط وتكمل حياكة الوشاح البنفسجي الناعم ، لترفعه بعدها لوجهها وهي تقبله بشغف وتستنشق رائحته ولهفتها للقاء المنتظر يزداد والوقت يتقلص ، فما اجمل النهايات....وكم يؤلم وداعها .

نهاية الفصل........

بحر من دموع حيث تعيش القصص. اكتشف الآن