الفصل الرابع والثلاثون

196 4 3
                                    

توقفت امام السيارة وهي تريح كفها على بابها لتتنفس بإنهاك سيطر عليها ، استقامت بعدها بهدوء وهي تنوي ركوبها قبل ان يلفت انتباهها شكل العجل الامامي والذي يبدو قد فرغ من الهواء ، لتتسع حدقتيها بجزع وهي تنخفض على ركبتيها ناظرة للمصيبة التي وقعت على رأسها وهي تهمس من بين اسنانها بقهر
"يا لها من كارثة !"
وقفت على قدميها بلحظة وهي تتلفت من حولها بتفكير للخروج من الحالة العصيبة التي دخلت بها ، ولم تجد مخرج سوى الظلام المسور بعالمها والذي غط المدينة بأكملها بسبب تأخر الوقت حتى نقص عدد البشر وبقي الأقلية منهم .
زفرت انفاسها بيأس وهي تتنقل بنظرها بين السيارة الساكنة بجانبها والطريق الشبه فارغ امامها ، لتعزم امرها بلحظات وهي تتمسك بحزام حقيبتها قبل ان تجر خطواتها بمجازفة السير بالطريق الفارغ بدون رفيق او انيس .
كانت تسير بخطوات ثابتة ونظراتها تتجول بالمكان من حولها بحذر شديد وبحيطة تخلت عنها منذ انتقالها من الحي القديم والذي تكثر به الجرائم ومشاكل الشغب ، وما ان اصبحت على الطريق الرئيسية حتى وقفت على طرف الرصيف وهي تبحث عن سيارة اجرة عابرة تنقلها من هذا المكان .
رفعت كفها وهي تنظر للساعة بمعصمها والتي كانت تشير للساعة السابعة والنصف مساءً ، لتعض بعدها على طرف شفتيها وهي تهمس بخفوت يائس
"على هذه الحال لن اصل للمنزل قبل منتصف الليل ، وستفوتني صلاة المغرب والعشاء"
اخرجت الهاتف من حقيبتها وهي تتنقل بقائمة الأرقام عندها ، لتتوقف اصابعها بتجمد على رقم معين وهي تحرك رأسها بالنفي لا شعوريا هامسة بجزع
"لا لن اتصل به ، إذا فعلت فلن يتركني وشأني حتى يعرف كل صغيرة وكبيرة حدثت معي وكيف وصلت لهذا المكان ، وماذا عن السيارة التي تنتظرني امام ذلك المنزل ؟ لا مستحيل لن اتكلم معه ! يكفي المشاكل التي تعرضنا لها بآخر فترة وخرجنا منها بعد معاناة ومرار !"
زمت شفتيها بارتجاف وهي تتنقل بين الارقام بتفكير قبل ان تتوقف على رقم جديد لم يخطر على بالها ، وبلحظة تهور كانت تتصل عليها وهي تضع الهاتف على اذنها بانتظار الاجابة من الطرف الآخر ، وما ان فتح الخط بثواني حتى قالت من فورها بهدوء محرج
"مساء الخير يا سلوى ، اعتذر على الإزعاج ، ولكني الآن بمأزق واحتاج للمساعدة"
اخذت لحظات قبل ان يصلها الصوت من الطرف الآخر قائلة بانبهار
"روميساء ! اقصد ضرتي العزيزة ، ما هو سبب هذا الاتصال المسائي ؟"
ابتلعت ريقها بجمود وهي تقول بهدوء ظاهري
"انا الآن عالقة بمنطقة بعيدة عن طريق المنزل ، وقد فرغ هواء عجل سيارتي بالطريق ، ولم استطع إيجاد سيارات اجرة تقلني ، هل تستطيعين ان ترسلي لي سائق سيارتك الخاص ؟ إذا لم يكن لديكِ مانع بالطبع ؟"
ردت عليها (سلوى) بحزن مصطنع
"حقا ! يا لهذه الورطة ! وبماذا تنتظرين ؟ كان عليكِ الاتصال بمركز الصيانة وتحديد موقعك من اجل ان يصلحوا لكِ عجل سيارتك ، ألم تفعلي ذلك ؟"
زمت شفتيها بامتقاع وهي تقول من بينهما بوجوم
"لا املك رقم الصيانة للتكلم معهم ، وغير ذلك هذه اول مرة اصادف مثل هذا الموقف منذ حصولي على رخصة قيادة وامتلاك سيارة خاصة بي"
ساد الصمت بالطرف الآخر للحظات قبل ان تقول بتفكير جاد
"ولماذا لم تتصلي بأحمد ليأتي ويقلك او يرسل لكِ من يساعدك بتصليح سيارتك ؟"
تصلبت ملامحها وهي تقول بهدوء مرتبك
"هل يمكنكِ ان تخفي هذا الأمر عن احمد ؟ فأنا لا اريد ان اعطله عن العمل او اسبب له القلق من اجل هذا الأمر ، ونحن نعلم جيدا طريقة تفكير احمد وكيف يحول كل مشكلة صغيرة لكارثة كبيرة"
ردت عليها بعدم اهتمام
"اجل اتفهم ذلك"
عبست ملامح (روميساء) ببهوت وهي تقول باقتضاب
"إذاً هل تستطيعين مساعدتي يا سلوى ؟ فأنا على عجلة من امري ! ولا استطيع الانتظار اكثر !"
ردت عليها من فورها بمودة مزيفة
"بالتأكيد يا عزيزتي ، فأنا من المستحيل ان اترككِ بهذا المأزق وحدك ، فكما اخبرتكِ الضرائر لبعضهم ، فقط اخبريني عن العنوان الموجودة به الآن"
تنهدت براحة وهي توزع نظراتها من حولها لبرهة لتقول بعدها للطرف الآخر بعملية
"انا بتقاطع الطريق الثالث......"
شهقت بوجل ما ان اصطدم بها احدهم من الخلف اوقع الهاتف منها ، لتلتفت بسرعة للخلف وهي تقابل ثلاث شبان بعمر المراهقة يسيرون بتمايل بالطريق وكأنهم مخلوقات غير بشرية يوحي من هيئتهم بطباع هجينة تبعث بالروح الريبة والخطر ، لتتسمر بمكانها بهلع جمدت الدماء بعروقها ما ان اصبحوا ينظرون لها بعيون غريبة يغطيها الظلام السائد من حولهم .
بادر احدهم بالكلام وهو يمد ذراعه امامه قائلا بحركة منفرة
"اعتذر يا آنستي ، هل ازعجتك ؟"
حركت رأسها بالنفي وهي تنحني قليلا لتلتقط الهاتف من على حافة الرصيف والذي احدث كسر بمنتصف الشاشة ، لتستقيم بعدها على صوت فرد آخر وهو يقول بتباطء ممل
"هل كسرنا لكِ الهاتف ؟ نحن حقا آسفون ، ما رأيكِ ان نعوضك بشراء هاتف آخر ؟"
ضرب رفيقه بجانبه على كتفه وهو يقول بضحكة صاخبة
"ما هذا الذي تقوله ؟ ليس لديك مال لتشتري قسمة خبز حتى تستطيع شراء هاتف لها ؟ فكر بكلامك قبل ان تقوله يا سيد الكرم !"
كشرت ملامحها بضيق وهي تشيح بوجهها جانبا ما ان شعرت بتقلب بمعدتها على اثر الروائح النفاذة التي تفوح منهم تظهر بدون مجال للشك بأنهم مجموعة سكارى شربوا حتى الثمالة ، لتتراجع للخلف تلقائيا ما ان تقدم احدهم وهو يمد يده لها قائلا بابتسامة مائلة بمغزى
"ما رأيكِ يا آنستي ان نعوضك بدل الهاتف المكسور سهرة جميلة معكِ ؟ ونعدك ان تجدي معنا كل المتعة والاستمتاع بدون ان تندمي على قرارك ، فنحن ينقصنا فرد يمتلك نفس مقوماتك لتكتمل سهرتنا ، وليس من العدل ترك آنسة جميلة مثلكِ تنتظر بمنتصف الطريق بالعراء لوحدها !"
شحبت ملامحها بخوف تربص بها وهي تلوح بكفها بارتباك قائلة بجمود حاولت الحفاظ عليه
"لا شكرا ، انا بخير هكذا"
تقدم اكثر نحوها بترنح يكاد يقع عليها وهو يقول بابتسامة اكثر ازدراءً
"لا تخجلي يا آنستي ، نحن سنعتني بكِ جيدا وسنكون اكثر رقة معكِ من العالم الخارجي والذي لا يرحم ويؤذي الجميلات اشباهك ، ما رأيكِ ؟"
قاطع تقدمه وهو يصل على بعد خطوة منها ما ان قصف الصوت الصارم بقوة
"إياك وان تقترب خطوة اخرى"
التفتت جميع الانظار نحو الرجل الذي اقتحم اربعتهم بعد ان ايقظهم من صحوتهم ، ليتراجع بسرعة صاحب العرض الاخير وهو يرتعد عدة خطوات للخلف ، ليرفع بعدها ذراعيه للأعلى باستسلام وهو يقول بتبرير نادم
"انا لم ألمسها بعد ، لقد كنت فقط احاول تعويضها عن هاتفها المكسور ، لذا لا داعي للدخول بعراك فارغ من لا شيء"
تغضن جبين (روميساء) وهي تشعر بتكرار هذا المشهد من قبل بحقبة زمنية بعيدة ، لتستفيق على موقعها وهي تسمع صوت فرد آخر يقول بوضوح غير قابل للشك
"نحن لا نريد افتعال مشاكل معك يا ابن مسعود ، لذا ارجو ان تتركنا بسلام"
اتسعت حدقتيها الخضراوين باهتزاز وهي تحيد بنظراتها باتجاه الشخص المقصود والذي تجسد من شبح الماضي البعيد ، ولم يكن سوى الرجل والذي دارت من حوله الشكوك والبراهين لأيام حتى اثبتت بالنهاية صدق احاسيسها والتي خالفتها وكذبتها لتظهر الحقيقة واضحة امامها .
انتفضت على صوت (يوسف) وهو يمسك بياقة قميص الواقف امامه قائلا بخشونة هادرة
"غادر من هذه المناطق ولا تعود إليها ، فلن اتغاضى عن تصرفاتكم المقرفة طويلا ، وبالمرة القادمة سيكون عملي مع أهاليكم ليعرفوا الطريقة بتربيتكم وردعكم عن هذه التصرفات المشينة ، وإذا لم تتوقفوا عن شرب هذه السموم بأفواهكم فلن اتوانى عن تقديم بلاغ بالمخفر عن الاماكن التي تبتاعون منها هذه السموم ، سمعت كلامي يا يحيى !"
اومأ برأسه بخوف وهو يقول بترجي مثير للشفقة
"ارجوك لا تفعلها يا يوسف ، فنحن نبقى على معرفة ببعضنا ، هل تهون عليك العشرة ؟"
تجهمت ملامحه وهو يدفعه بعيدا بقسوة كادت تلقيه ارضا بسبب صغر حجمه وعمره ، وبلحظات كان يهرب مع رفاقه وهم يولون ادبارهم وكأنهم مجموعة دبابير اختفت بدفعة هواء .
رفعت عينيها الواسعتين باتجاه الذي اصبح بجانبها وهو يقول لها بهدوء
"هل كل شيء بخير ؟"
اومأت برأسها بابتسامة صغيرة وهي تهمس بود
"شكرا لك على مساعدتي"
عبست ملامحه بلحظة وهو يقول بجفاء
"هل يسعدك ما حصل معكِ ؟ تتمشين بالجوار بهذا الوقت المتأخر بدون اي رفيق ! اخبرتكِ ان تتوقفي عن تمثيل دور القوية التي لا تهاب شيئاً وانتِ عكس ذلك تماما"
تبرمت شفتيها بعبوس وهي تشيح بوجهها جانبا قائلة بقنوط
"لقد كنت ابحث عن سيارة اجرة"
ردّ عليها من فوره بسخرية
"كان عليكِ انتظار سيارة الاجرة امام منزلي بدل ان تذهبي للهو بعيدا"
نظرت له بسرعة وهي تقول باندفاع
"انا لا ألهو ، توقف عن معاملتي كطفلة يا يوسف"
ارتفع حاجبيها بصدمة وهي تدرك ما تفوهت به الآن من حماقة لا تغتفر بسبب تداخل افكارها بخضم الاحداث الاخيرة ، ليخترق تشتت عقلها الصوت الهادئ بابتسامة جادة
"هيا بنا علينا التحرك لأوصلك للمنزل"
رفعت عينين مشدوهتين ناحية الذي غادر من امامها ليسبقها ببساطة ، لترفع كفها بسرعة وهي تقول بوجوم متردد
"هل انت يوسف مسعود ؟"
توقف بهدوء لوهلة قبل ان يقول بصوت جاف
"اجل"
اخفضت كفها بدون ان تبادر بحركة اخرى وهو يتابع طريقه بعيدا عنها ، ليخلف من حولها صمت كاتم جلب لها ذكرى بعيدة اخترقت عقلها بكلمات موعودة
(انتظريني يا روميساء ، سأعود)
_____________________________
سارت نحو باب الجناح والذي يخرج منه الطرق المستمر ، لتفتح بعدها الباب بقوة قبل ان تقابل الخادمة التي اطلت عليها ، عقدت حاجبيها بجمود وهي تمسك خصرها بيدها قائلة بملل
"ماذا تريدين يا سيدة ؟ هل اخطئتِ بعنوان الباب الذي تطرقين عليه ؟"
ابتسمت الخادمة بأدب وهي تقدم لها قطع ملابس مرتبة فوق بعضها البعض قائلة بعملية
"تفضلي يا سيدة ماسة ، هذه الملابس ارسلها زوجك من اجل ان ترتديها الآن"
ارتفع حاجبيها بدهشة وهي تشير لنفسها بأصبعها هامسة بارتباك
"ارسلها شادي لي"
اومأت برأسها بالإيجاب وهي تقدم الملابس لها منتظرة ان تأخذها ، لتمسك بعدها بقطع الملابس من جانبيها وهي تسحبها منها بحذر ، لتقول بعدها الخادمة بابتسامة لطيفة بأدب
"لديكِ عشر دقائق تقضينها بارتداء ملابسك ، والسيد ينتظرك بالخارج ، فلا تتأخري"
نظرت لها بعينين متسعتين وهي تغادر بعيدا لتقول من فورها بعدم استيعاب
"ماذا قلتِ ؟ انتظري هنا !"
عبست ملامحها ما ان اختفت الخادمة عن نظرها بلمح البصر لتغلق بعدها الباب بمرفقها بقوة ، قبل ان تتجه مباشرة للسرير لتضع قطع الملابس فوقه بنفس الترتيب ، كتفت ذراعيها فوق صدرها بجمود وهي تشرف بالنظر على الملابس السوداء بدون اي تعبير محدد او شعور وكأنها تنتظر من الملابس ان تعترف بجريمتها .
تنهدت بتعب ما ان اهتز الهاتف بجيب سترتها يعلن عن اتصال احدهم بنغمة مميزة تحفظها عن غيب ، لتخرج بعدها الهاتف بلحظة وهي تضعه بجانب اذنها قائلة بدون مقدمات
"ما معنى هذا التصرف ؟"
جاء صوت الطرف الآخر بهدوء عميق
"هل ما تزال الملابس بحوزتك ؟ إذا حاولتِ التخلص منها او تمزيقها لن ارحمكِ عندها !"
عضت على طرف شفتيها وهي تمسك خصرها بيدها الحرة هامسة ببؤس مزيف
"هل هذا هو مقدار قيمتي عندك ؟ هل اصبحت الملابس اغلى مني ؟"
ردّ عليها من فوره بضحكة ساخرة
"تعجبني نبرة الحزن المزيف منكِ ! وهل هناك ما هو اغلى من ألماستي ؟ إذا كان يوجد اغلى منكِ فهو سيحترق بين يديكِ ويخر صاغرا امام جبروتك !"
اتسعت ابتسامتها بتسلية وهي تقول بنشوة
"وهذا هو المطلوب"
تنفس بحدة شعرت بها تحرق سماعة الهاتف وهو يتبعها بالهمس بجدية
"ماسة هل ما تزال الملابس بحوزتك ؟"
حركت مقلتيها الزرقاوين نحو الملابس المستقرة فوق السرير وهي تهمس بتلاعب
"وإذا اجبتك بلا !"
ردّ عليها بنبرة آمرة
"ماسة"
ضحكت بمرح وهي تهمس بابتسامة جانبية
"اجل ها هي امامي وانظر إليها وهي ترجوني عن ما هي جريمتي"
قال من بالطرف الآخر بصوت اكثر خفوتا وابتساما
"مجنونة ! اسمعي لديكِ فقط عشر دقائق حتى تجهزي بسرعة وتنزلي إلي ، انا بانتظاركِ بالخارج ، حسنا !"
تغضنت زاوية ابتسامتها وهي تقول بفضول تغلب عليها
"ماذا هناك ؟ ماذا تخبئ لي ؟ ألا يحق لي ان اعرف !"
لانت ملامحه وهو يقول بخفوت اجش واثق
"عندما تصلين ستعرفين المفاجأة التي تنتظرك ، لا تتعجلي على نصيبك وتعلمي ان تكوني صبورة !"
زمت شفتيها بامتعاض وهي تهمس بضجر
"ما هذا الكلام ؟ لقد كنا بدروس العاطفة والآن اصبحنا بدروس الصبر ! ألا ترى نفسك قد اصبحت مزعج قليلا ؟"
ضحك بصوت خفيض وهو يقول بجدية
"اصبري وسترين ، انا بانتظارك فلا تتأخري عليّ ، وداعا"
اخفضت الهاتف عن اذنها وهي تهمس باستياء
"لقد فصل الخط قبل ان ينتظر جوابي ، ذلك الاستاذ المتحذلق ، عندما نتقابل سنتفاهم"
ألقت بالهاتف بإهمال حتى ارتمى بجانب الملابس الساكنة ، لتضيق بعدها عينيها بتركيز وهي تمسك خصرها بيديها بتحفز هامسة بشبه ابتسامة
"حسنا يا ملابس ، لنرى الآن ما هي المهمة التي اتيتِ من اجلها"
بعدها بدقائق قليلة كانت تقف امام المرآة وهي تتمعن بشكلها الجديد مع الملابس المختارة لها....والتي كانت عبارة عن بنطال جينز اسود فاحم بجيوب مطرزة على شكل نجوم فضية لامعة تبرز على القماش...ومعها قميص بلون الفضي البراق بتوهج ملفت يستطيع ان يعكس كل الألوان من خلاله....يعلوها سترة جينز انيقة بنفس لون البنطال وبأزرار زجاجية شفافة وهي مطرزة كذلك بنجوم فضية بارزة عند الياقة الواسعة وعند الاكمام وعند الجيوب الجانبية...لتظهرها بالنهاية بكامل اناقتها وحلتها والتي تناسب زعماء العصابات والمافيا واكثر تشبيه خطر على بالها....فهل يقصد بهذا التصرف اظهار حقيقتها امام عينيها ؟ ام هو الدور الذي يليق بها ويناسب شخصيتها الشريرة بجدارة !
اعتلت ابتسامتها فوق شفتيها الدمويتين بدون اي مستحضرات تجميل وهي تهمس امام المرآة بسرور
"مرحبا يا شريرة ، لقد حان الوقت للقاء فارسنا المغوار"
ارتفع حاجبيها بتذكر وهي تشير بأصبعها لنفسها بالمرآة هامسة بلطف
"لقد تبقى لمسة اخيرة"
اخرجت من جارور صغير علبة خاصة بعدساتها اللاصقة ، لتمسك بهما بأطراف اصبعيها قبل ان تضع كل عدسة على عين ، وما ان انتهت حتى طرفت بعينيها عدة مرات وألوانهما تتموج بين السماء والمحيط والاقرب من بينهما هو الصحيح ، بدون ان تعلم ان كانت طيرا ام سمكا او تنتمي على البر ام البحر ! هذا هو السؤال الذي يحيرها ؟
نفضت كل هذا عن رأسها وهي تغلق الجارور بقوة قبل ان تلوح بيدها لانعكاس صورتها قائلة لها بوعد
"وداعا يا شريرة ، لنا لقاء آخر بعد عودتي"
غادرت خارج الغرفة والجناح بأكمله حتى وصلت للسلالم وهي تنزلها بطريقتها القديمة بالتزحلق على حاجز السلم مثل ايام ركوب المخاطر ، لتقفز بعدها بنهاية السلم برشاقة وهي تكمل جريها الحماسي لخارج المنزل لاكتشاف الهدية المخبأة هناك .
وصلت عند بداية درجات المدخل وعينيها الملهوفتين تبحثان عنه بالأنحاء قبل ان تلتقطانه بالأسفل وهو يقابلها بنفس العينين الصريحتين واللتين لا تجيدان اخفاء مشاعرهما ، وما هي ألا لحظات حتى تألقت الابتسامة الماكرة على محياها وهي تحقنها بسعادة غامرة ملئت كيانها بالكبرياء والغرور ، لتلمح بعدها الذراع التي ارتفعت لها تدريجيا وهو يدعوها بطريقته الصامتة لأخذها بالأحضان ولشاطئ احلامهما .
تحركت خطوتين وهي تنزل درجتين لتكمل النزول درجات اضافية قبل ان تتحول من التصوير البطيء للسريع وهي تكاد تقفز درجاتها ، وما ان قفزت آخر درجة من السلم حتى هبطت على احضانه بهجوم كاسح وهي تتعلق بعنقه بتطويق شبكت يديها خلف عنقه ، بينما كان يقابلها بعناق هادئ وهو يمسح على ظهرها بلمسات ناعمة ويدفن وجهه بطبقات شعرها المتموج بتهور شبيه بصاحبته .
اخذت لحظات قبل ان تبتعد عنه ببطء لتفرد بعدها ذراعيها على جانبيها وهي تقول بابتسامة مسرحية
"ها قد جاءت الشريرة إليك ، كما طلبت وامرت ، ما رأيك ؟"
اتسعت ابتسامته بالتواء طفيف وهو يتجول بنظراته عليها بتقييم سريع قبل ان يصرح بالنتيجة النهائية وهو يقول بهيام طاف على محياه
"تبدين رائعة يا ساحرتي الصغيرة ، لا تختلفين عن كل مرة ، فهذا الظلام الموجود بداخلك يستطيع ان يضيء بنجوم العالم بأسره ليزرع الأمل بكل اليائسين من حولك ، لهذا انتِ ألماستي لأنك ألماسة بكل ما للكلمة من معنى ، فكل شيء بالعالم ينطفئ ألا الألماس يبقى مضيء بلمعان خاطف لا يخبو"
عضت على طرف ابتسامتها وهي تمسك خصرها بيديها هامسة بابتسامة شقية
"شكرا لك على هذا الموشح يا زوج الألماس ، ولكني انتظر مفاجأتي التي وعدتني بها ، إذاً ألا استحق بعد كل هذا العناء بالحصول على مفاجأتي ؟ فقد بذلت جهدا كبيرا لأكون مطيعة وغير مزعجة !"
اومأ برأسه بضحكة صغيرة وهو يميل امامها بخفة حتى اصبح على بعد إنشات من وجهها ، ليقبل بعدها طرف انفها وهو يلامس بأصابعه خصلات من شعرها على جانبيها قائلا بخفوت حاد خشن
"بالطبع تستحقين يا زوجتي المطيعة ، ولكن هل ستتحملين سباق المفاجآت الذي ينتظرنا ؟ ومع ذلك اتوقع منكِ الكثير يا مجرمتي الصغيرة"
ارتفع حاجبيها بتحدي وهي تمسك بيده على شعرها هامسة بثقة
"يبدو بأنك تستهين بقدرات زوجتك الغير محدودة"
تنفس بهدوء وهو يستقيم بلحظة قبل ان يزيح نفسه عن طريقها لتظهر امامها الدراجة النارية التي كانت مخبئة من خلفه ولم تنتبه لها ، لتبتلع بعدها ريقها بقوة وهي توجه له نظرات متسعة هامسة بوجوم
"هل هذه الدراجة لك ؟"
اومأ برأسه بثقة وهو ينظر لها عن كثب قبل ان يهمس بابتسامة جادة
"اجل هذه الدراجة لي وامتلكها منذ ايام المراهقة ، ولكني قد توقفت عن استخدامها منذ مدة طويلة ، واليوم سيكون لها الشرف بركوبها مع زوجتي الجامحة وجعلها مفاجأة يومنا ووسيلة تنقلنا الجديدة"
تغضن جبينها بتفكير وهي تخفض نظرها لملابسها هامسة باستنتاج
"هذا هو سبب اختيار الملابس إذاً !"
حرك كتفيه بخفة وهو يقول بابتسامة ساخرة
"بالطبع هو كذلك ، وهل كنتِ تتوقعين ان تركبي دراجة نارية بفستان يرفرف مع الهواء الطلق ؟"
ابتسمت بصعوبة وهي تتمسك بجانبي سترتها قائلة بهدوء
"اجل انت على حق ، كيف لم افكر بهذا !"
مال برأسه بالقرب منها وهو يقول بهدوء جاد
"لما خفتِ هكذا ؟ ألا تحبين ركوب الدراجات ! ام لم تكن المفاجأة على قدر توقعاتك !"
حركت رأسها بارتباك وهي تنظر له بأطراف حدقتيها هامسة بخوف غريزي
"لا ليس هكذا هو الأمر ، ولكن هل انت متأكد بأنها آمنة ؟ اقصد هل انت تجيد قيادتها جيدا ؟ لا اريد ما حدث بالسيارة ان يتكرر معنا ! يبدو هذا خطير جدا......"
قاطعها وهو يمد كفه امامها قائلا بابتسامة مرتاحة
"لقد اخبرتكِ بها سابقا يا ماسة لن ادع لكِ حرية السقوط حتى لو اردت ذلك ، لذلك ما دمتِ معي لن يصيبك مكروه ، وقد استغنيت عن قيادة تلك السيارة من اجل ما حدث بآخر موقف ! لذا هل انتِ مستعدة للوثوق بي وتجربة المخاطرة بحياتك ؟"
انغرست ابتسامة جانبية على محياها حفرت بحنايا روحها وهي ترفع كفها بلحظة لتريحها فوق يده برقة ، لتهمس بعدها بخفوت واثق بدون ان يتخلل بها رهبة او خوف
"انا موافقة ، لطالما احببت ركوب المخاطر بطفولتي ، ولا امانع بالعودة لها بهذا العمر معك انت"
شدد على يدها وهو يرفعها ليقبل ظاهرها بعمق قبل ان يهمس بمحبة
"هذا من دواعي سروري"
ابتسمت بحياء وهي تراقب الذي سحب كفه بعيدا ليخرج امامها خوذة سوداء خاصة بالمركبة ، وما ان رفعت كفيها حتى اوقفها الذي قال بأمر
"لا بأس يا صغيرتي العجولة ، انا سأهتم بتلبيسك إياها"
اخفضت يديها بصمت وهي تترك له زمام الأمور ليضع الخوذة فوق رأسها برفق حتى غطت على عينيها البحريتين بغطاء زجاجي بها ، ليخفض يديه وهو يهتم هذه المرة بربط الحزام اسفل ذقنها الصغير بحذر ، وما ان انتهى حتى اعاد شعرها المتحرر لخلف كتفيها ليسترسل على طول ظهرها .
ابتسم بهدوء متغضن وهو يضرب بقبضته على رأس خوذتها قائلا بثقة
"انظري إلى قساوة هذه الخوذة ، من المستحيل ان تتأذي وهي فوقك ، بالرغم من اني اراهن بأن تكون بقساوة رأسك !"
تأوه بألم ما ان ركلت ساقه بحركة خاطفة ليتراجع عدة خطوات وهو يقول بتجهم
"حقا مجنونة ! وتخافين من الموت ! الموت بنفسه سيهرب منكِ"
تكورت شفتيها بامتعاض وهي تقول بخفوت مشتد
"هل تستطيع التوقف عن الكلام والإنجاز ؟"
تنهد بجمود وهو يضع الخوذة الاخرى فوق رأسه بحركة متجهمة ، ليركب بعدها فوق الدراجة وهو يمد ذراعه للخلف قائلا بأمر جاف
"هيا يا مجنونة تعالي اركبي ، وتمسكي بي جيدا فلن اتحمل اضرار سقوطكِ عن الدراجة وانفلاك رأسكِ لنصفين"
ضمت شفتيها بارتجاف وهي تمسك بذراعه الممدودة لتفرد ساقيها بزاوية منفرجة قبل ان تضع قدميها بمكانهما المخصص ، وما ان التفت للأمام وهو يشغل المحرك حتى تشبثت بكتفيه لا شعوريا بحركة غريزية وهي تكاد تغرز اظافرها بقماش القميص ، ليبتسم بعدها بحنية وهو يربت على كفها عند كتفه قائلا بابتسامة هادئة
"اهدئي يا ألماستي وحاولي الاسترخاء ، فلن تستطيعي الاستمتاع بالأشياء إذا كنتِ خائفة منها ، لذا اتركي الخوف جانبا واركبي بموجة الحياة ، وايضا الافضل ان تلفي ذراعيكِ حول خصري هكذا ستكونين بأمان اكثر ، حسنا !"
اومأت برأسها بامتثال بدون كلام وهي تخفف من تشديد قبضتيها قبل ان تخفضهما لتلف بعدها ذراعيها حول خصره وهي تشبك يديها بقوة ، ليتنفس بابتسامة جانبية وهو يقول باستعداد للانطلاق
"هل انتِ مستعدة ؟"
اومأت برأسها مجددا بقوة وهو يستشعر حركات رأسها على ظهره ، وارتجاف ذراعيها النحيلين حول خصره وانفاسها الدافئة التي تلفح عنقه كل ثانية واخرى ، ليهمس مع نفسه بأنفاس منفعلة باستياء
"يا لهذه المهمة العصيبة !"
تحركت الدراجة النارية بلحظات وهي تنطلق لخارج اسوار المنزل ولخارج حياتهما الحالية لمواكبة المخاطر وكسر كل الحواجز المسورة من حولهما ، وعندها فقط تأكدت بأنها ليست سمك او طير بل هي التي تعيش بينهما وتتأقلم معهما بكل فصولهما وتكيفاتهما البيئية ، روح محلقة بالسماء وقدمين بالأرض وجسدها من يحدد مكانهما .
______________________________
دخل للمقر السري الخاص بمصنع بلاستيك قديم على اطراف المدينة ، ليقف بعدها بهدوء شديد ما ان اصبح بمواجهة الرجلين الواقفين عند الباب الحديدي ، ليبتسم بعدها بتعبير جامد غزى ملامحه المتصلبة بإجرام واضح تجرد من الرحمة ، ليقول بلحظات ببرود جليدي امتلئ بالقسوة
"هل هو بالداخل ؟"
تقدم واحد منهما وهو يقول بتأكيد
"اجل يا سيدي"
تجمدت ملامحه بقوة وهو يقول بهدوء اقسى
"هل فعلتم كما طلبت منكم ؟"
اومأ نفس الرجل برأسه وهو يقول باحترام
"اجل يا سيدي كما طلبت"
انحرفت ابتسامته بالتواء وهو يقول بتحفز
"حسنا سنرى ماذا سنفعل به الآن ، هيا افتحوا البوابة"
امتثلا لأمره بسرعة وهما يفتحان الباب الحديدي على مصراعيه ، ليتجاوزهما باندفاع وهو يتابع خطواته لداخل الغرفة ، وبلحظات كان يقف بجمود مقابل الرجل المملوء بالضربات والدماء وهو مقيد من قبل رجلين يمسكان به بقوة بدون اي مجال للهروب .
عقد حاجبيه بتصلب كامن بشرارات عينيه الشبيهتين بالجحيم المستعر ، قبل ان يرفع يده بإشارة واضحة لهما ليخلو سبيله ، وما ان افلتوا سراحه حتى ارتمى جالسا على الارض بتعب وهو يمسح وجهه بذراعه والعرق يتصبب منه بغزارة ، وبعد عدة لحظات كان يجثو امام قدميه بذعر بالغ وهو يتمسك بطرف بنطاله قائلا برجاء وتذلل
"ارجوك اطلق سراحي ، ارجوك ان ترحمني وتتركني بحال سبيلي ، فأنا بالنهاية عبد مأمور ولم اخطأ معك بشيء حتى تعاملني هكذا ! ارجوك ألا تقتلني ، فأنا رجل متزوج ولدي أولاد ، ارجوك ان تكون رحيم عليّ وعلى عائلتي التي ستكون تنتظر عودتي !"
تلبدت ملامحه بغيوم ضبابية وهو ينفض قدميه بعيدا عنه بحركة تعبر عن الازدراء ، ليقول بعدها بنبرة باردة بأمر صارم
"هيا قف امامي"
انتفض جسده بارتعاد وهو يقف امامه بصعوبة وبترنح ما يزال يغيم عليه بعد كل الضربات التي تلقاها ، ليعتقل بعدها عنقه بلمح البصر وهو يقرب وجهه منه قائلا بأنفاس خطيرة بحدة حررت الوحش الكامن بداخله
"تقول زوجتك وأولادك ! هل الآن فكرت بمصير عائلتك لو اصابك مكروه بسبب حقارتك ودناءتك ؟ ألم تفكر بعائلتك عندما حاولتم اختطاف ابنة عمي قيس ؟ ألم تفكر ولو قليلا بما سيحول بك لو اصاب ابنة قيس مكروه بسببكم ؟ وكل هذا من اجل الوصول لي استخدمتم احقر طريقة بفعلها ! لن تنفذ بفعلتك ابدا !"
حرك رأسه بالنفي وهو يرفع يديه بحالة استسلام قائلا بخوف تجلى على محياه
"لا ارجوك لا تفعل ، انا لم ارتكب اي خطأ هم الذين فعلوا كل شيء واختطفوها ! صدقني انا لم افعل اي شيء ! انا بريء من كل شيء فعلوه بها ، انا......."
قاطعه بنبرة اشد قسوة وهو يهزه بمكانه يكاد يخنقه بين يديه
"اخرس وتوقف عن التفوه بالأكاذيب ، فأنا اعرف بكل شيء فعلتموه بها ، والكذب عليّ لن يفيدك بشيء ، بل سيزيد جنوني عليك وينقص من فرص نجاتك مني"
ابتلع ريقه بهلع وهو يحرك رأسه بهذيان قائلا بجزع
"لم تكن فكرتي انا ، فأنا كما اخبرتك مجرد عبد مأمور يطيع الأوامر وينفذها بحذافيرها ، وقد طلب منا حراسة الفتاة التي تم اختطافها بدون ان نعلم هويتها او اصلها ، صدقني لم اكن اعلم !......"
قاطعه مجددا وهو يهدر بوجهه بغضب عارم
"انا لا افهم هكذا ، اريد منك ان تكلمني بكل شيء حدث بتلك الفترة وبذلك اليوم ، من اللحظة التي اختطفتم بها ابنة عمي حتى لحظة نجاتها منكم ، بدون ان تغفل عن اي تفصيل بها وإذا حاولت المراوغة معي فلن اتردد بإفراغ طلقات الرصاص برأسك هذا ، سمعت !"
اومأ برأسه بسرعة بطاعة وهو يتنفس الهواء بصعوبة قبل ان يقول بهدوء مضطرب
"ما حدث هو بأننا قد تولينا مهمة حراسة الرهينة حسب اوامر الرئيس ، وما اعرفه بأنها الوسيلة التي ستوصله لمازن جلال ليحقق مآربه وهدفه بالانتقام منك ، ولكن الخطأ الذي حدث بأنها لم تكن الفتاة المقصودة والتي عليها ان تكون شقيقتك وتم اختطاف فتاة اخرى ، وما ان علم الرئيس بأنها تقرب لك ولو من بعيد قرر تغيير الخطة وجعلها الوسيلة للوصول لك ، وقد قال ايضا بأنه إذا لم تظهر بغضون وقت محدد فلن يتوانى عن تعذيب تلك الفتاة وقتلها حية ، وقد تركها بعدها تحت حراستنا حتى ظهور رجل غريب يبدو يعرفها جيدا ، وهو الذي افسد الخطة برمتها وجلب لنا الشرطة واصاب رجل من رجالنا ، ولم اسمع بعدها اي اخبار عن تلك الفتاة واغلقت الحادثة من حينها ، هذا ما حدث بالتفصيل ولم انقص اي كلمة ، هل تستطيع ان تخلي سبيلي الآن ؟"
غامت ملامحه بتصلب اكبر بدون ان تلين ولو قليلا فقط بعض التجاعيد بدأت بالظهور حول زوايا عينيه المتقدتين بنيران ملتهبة ، ليقول بعدها بلحظة بصوت خفيض بحرقة قاسية
"هل تذكر شيء عن ذلك الرجل الذي انقذها ؟"
عقد حاجبيه بمحاولة التذكر العصيبة وهو يتمتم بوجوم خافت
"لا اعرف شيء عنه ، ولكن ما اتذكره بأنه كان يرتدي ملابس انيقة تظهر بأنه صاحب نسب عريق وجاه ، وهو يبدو بعيد عن طبقة المجرمين والتي لا ينتمي لها"
عبست ملامحه بتعبير جامد بدون اي حياة وهو يتمتم بشبح ابتسامة تخللت تقاسيمه
"إذاً يبدو بأن هذا الأمر مقدر منذ البداية"
ارتبكت ملامحه تحت قطرات العرق البارزة وهو يحاول نزع يديه عن عنقه قائلا بتوسل شديد
"صدقني يا سيد مازن هذه هي الحقيقة ، ولم اكذب بأي كلمة قلتها لك الآن ، فأنا كنت اتبع الأوامر وحسب وقد كنت عندهم مجرد قطعة نرد بأيديهم يحركون بي كما يشاؤون ، وإذا كنت اكذب بأي كلمة فيمكنك ان تصوب المسدس فوق رأسي وتخلص عليّ حالاً"
نظر له للحظات بازدراء قبل ان يشدد اكثر على عنقه بدون رحمة قائلا بخفوت نافر
"وهل ستكذب بأنك لم تكن جزء بهذه الخطة ولم تساندهم بمهمة خطفها واللعب بحياتها بكل نذالة ؟ هل ستكذب عندما اقول بأنك اوشكت على قتلها ورميها بالطرف الآخر من العالم كما يؤمر رئيسك ؟ ولو ان ذلك الرجل لم ينجدها منكم كنتم على وشك زهق روحها ودفنها تحت التراب بسبب ان يحقق رئيسكم هدفه بالوصول لي ! أليس هذا ما كنت ستفعله بها ؟ ام ان هناك شيء خاطئ بكلامي !"
حاد الرجل بنظراته بعيدا بتيه واضح وهو يحاول الهروب من حقيقة كلامه الذي لا يحتاج لجواب ، ليجذب نظره الذي هز عنقه بقسوة وهو يقول بنبرة امر صارمة
"لو لم يتم انقاذها بتلك اللحظة ولو كان اصابها خدش واحد بسببكم ، لما تركت عندها احد منكم على قيد الحياة وحي يتنفس بدون ان يذوق حياة الجحيم بعد ان يتمنى الموت مئة مرة ليصل له ويريحه مني ، فلا احد يستطيع ان يتلاعب مع مازن جلال ولم يصبح بعداد الموتى ، وعندما يصل الأمر للأشخاص الذين يخصوني فهو عندها قد جهز قبره بيديه ، لذا لا تجعلني اضعك برأسي من الآن افضل لي ولك ، هل فهمت ما اريد ان اوصله لك ؟"
اومأ برأسه بانصياع وهو ينظر للأسفل بصمت مذلول ، ليتنفس بعدها بقوة وهو يستعيد ضبط زمام الأمور قائلا بهدوء اقل حدة
"هل ما يزال رئيسك يبحث عني ؟"
رفع نظره بهدوء وهو يجيب عليه بجمود
"اجل ما يزال يثابر بالتقصي عن مكانك الحالي ولن يترك الأمر حتى يصل لك ، وقد بدأ بخطة جديدة بتمهيد الطريق نحو شقيقتك ليوقع بها تحت اسره إذا لم تسلم نفسك له"
ارتفع حاجبيه بتسمر لوهلة وهو يشرد بعيدا قبل ان يقول من بين اسنانه بغضب جامح
"اللعنة عليه !"
تنفس بجمود للحظات وهو يفك وثاق عنقه لينزل بيديه بهدوء قبل ان يمسك بكتفيه بقبضتين قويتين ، ليعود بعدها للنظر له وهو يقول بقرار حاسم
"حسنا اسمع الآن ، إذا كنت تريدني ان اترك حياتك واخلي سبيلك لتعود لزوجتك وأولادك ، فأنت ملزم باتباع اوامري من هذه اللحظة والسير على كلامي انا ، وإذا كنت ترفض ذلك فأنا مضطر للتخلص منك ومحيك عن الوجود......"
قاطعه بسرعة وهو يحرك رأسه بموافقة
"انا موافق ، ولا امانع ابدا بالعمل معك ، فقط كل ما اريده ان اعود لعائلتي"
اتسعت ابتسامته بميلان وهو يضرب على كتفه بقوة قائلا بهدوء واثق
"احسنت بالاختيار الصحيح ، والآن كل ما عليك فعله من الآن وصاعدا هو فعل ما اقوله لك فقط ، واول شيء سيطلب منك هو ان تكون جاسوسي والعين التي سأراقب بها اعمال تلك العصابة ومخططات ذلك الوحش ، لذا هل انت مستعد للعودة لعملك السابق مع رجال العدو وانت تعمل لجانبي وترسل لي كل الاخبار وكل شيء يحدث هناك ؟ هل انت موافق على هذه الصفقة ؟"
اومأ برأسه ببعض الاهتزاز وهو يقول بدون ادنى تردد
"انا موافق على كل شيء تؤمر به ، انت فقط اؤمر وانا اجيب"
تجمدت ملامحه بتحجر وهو يقترب منه قائلا بتهديد خافت
"وإذا شممت رائحة خيانة تنبعث منك عندها لن اتردد عن قتلك برصاصة برأسك ستوديك قتيلا بثواني ، فأنا رجالي لن يتركوك وحدك وستكون اعينهم عليك بكل دقيقة وثانية ولحظة ، لذا لا تحاول التلاعب معنا من اجل مصلحة الجميع ، فقلبي لن يشفق عليك مرتين وسيضيق ذرعا منك"
ابتلع ريقه بتوجس بدون كلام وهو يسلط عليه نظرات قاسية خالية من الرحمة ، قبل ان يقول له بدون مقدمات
"ما هو اسمك ؟"
اجاب من فوره باستصغار
"اسمي شعيب"
ابتسم بعدم اهتمام وهو يكرر كلامه ببرود
"إذاً لا تنسى ما قلته لك الآن يا شعيب ، هل فهمت ؟"
دفعه بعيدا بلحظة حتى تلقفه الرجلين من جديد وهما يقيدان حركته ، ليشير لهما بيده وهو يقول بصرامة قاطعة غير قابلة للجدال
"ابقوا اعينكم على شعيب ، فهو قد اصبح تحت الاختبار الآن"
استدار بعيدا عنهم وهو يشق طريقه باندفاع لخارج الغرفة كما دخل لها ، وفكرة واحدة تدور برأسه بدأت تتوسع وتجري بكيانه بغضب قديم اوشك على التفجر وهو يهمس بوعيد غاضب
"لن ارحمكم على هذا ، لن ارحم احد منكم"
______________________________
وقفت بجوار باب السيارة بتردد وهي تنظر نحو الواقف من الجهة الاخرى وهو يشير بيده لتركب ، لتخفض بعدها نظراتها بارتباك وهي تهمس بوجوم
"لا اعتقد بأن هذه فكرة سديدة ، انا اقصد....."
ابتلعت ريقها بتشنج ما ان وصل لها صوته وهو يقول بهدوء شديد
"اركبي يا روميساء لكي لا تتأخري اكثر"
نظرت له وهو يدخل للسيارة ببساطة ليجلس خلف المقود ، لتزفر انفاسها بتعب وهي تهمس بخفوت مستجدي
"يا الله كون عون لي"
دخلت بعدها من الباب الجانبي لتجلس بجوار السائق بسكون قبل ان تربط حزام الأمان ، وما هي ألا لحظات حتى تحركت السيارة من مكانها وهي تنطلق على الطريق الرئيسية .
ضمت يديها بحجرها وهي تنظر للطريق الممتد امامها بسواد الليل الموحش ، لتنتفض بعدها لا إراديا على صوت الجالس بجوارها وهو يقول بهدوء
"هل انتِ بخير ؟ هل اصابكِ مكروه ؟"
زمت شفتيها بامتقاع وهي تحرك رأسها بالنفي هامسة بجمود
"لا كل شيء بخير ، ولم تكن من نواياهم اصابتي بأذى او شر ، وشكرا لك على مساعدتي من هذا المأزق"
تصلبت ملامحه بلحظة وهو يقول ببرود ساخر
"هل تسمعين نفسكِ ماذا تقولين ؟ هؤلاء المراهقين الذين قابلناهم من لحظة ثملين ! هل تعلمين ماذا يعني ثمل ؟ يعني مختلفين عن جميع من مروا بحياتك الصغيرة والكبيرة ! وانتِ لم تعودي مراهقة صغيرة حتى اشرح لكِ اكثر"
امتعضت ملامحها بصمت وهي تقول بعبوس حانق
"اعلم هذا جيدا ، فقد كان هناك الكثير منهم بمكان سكني القديم ، وشكرا لك على معلوماتك القيمة ، لقد زدتني علماً كنت احتاج له"
اومأ برأسه بعدم اهتمام وهو يقول بحزم جاد
"على كل حال ما لذي اخذك لتلك المناطق ؟ ألم تستطيعي الانتظار قليلا امام منزلي !"
فركت قبضتيها بارتباك وهي تقول بوجوم قاتم
"ذهبت للبحث عن سيارة اجرة بعد ان اكتشفت بأن عجل سيارتي على الارجح قد انثقب بمسمار وسرب الهواء ، لذا ذهبت للطريق السريع الذي يكثر به سيارات الاجرة ، ولم اكن اعلم بأني سأتعرض لمثل هذا الموقف المخزي وينتهي بكسر هاتفي !"
عقد حاجبيه بهدوء وهو يدور بالمقود على الطريق الفرعية قائلا بجدية
"ولماذا لم تخبريني بذلك فور اكتشافك ؟ لماذا فضلتي البحث عن سيارة اجرة على إيصالك معي بسيارتي ! هل لهذه الدرجة لا تطيقين وجودي ؟"
نظرت له بأطراف حدقتيها وهي تهمس بابتسامة طفيفة بإحراج
"حسنا انت تعلم ، كيف لي ان اطلب من رجل غريب مثل هذه الخدمة ؟ لا اراها جميلة بحقي او بحقك ! فأنا بالنهاية لا شيء يربطني بك حتى تفكر بإيصالي للمنزل بنفسك ، وسأتمنى الموت مئة مرة على طلب مساعدة من رجل غريب !"
ارتفعت ابتسامته بهدوء وهو يقول بجدية بدون ان يعير كلامها اهتماما كبيرا
"من قال بأني رجل غريب ! انا اكثر من يعرفكِ من بين الجميع وعايش معكِ الماضي والحاضر ، هل نسيتِ يا روميساء ؟"
شحبت ملامحها بلمحة خاطفة وهي تنظر له بسرعة تتأكد من صدق كلامه ، لتقول بعدها بخفوت جاد بدون اي مواربة
"هل انت حقا ابن مسعود ؟ ابن صاحب البقالة ؟ هل تعرفني بالفعل ؟"
اخذ لحظات قصيرة غيمت بينهما واسرت الليل من حولهما وهو يحرك رأسه بالإيجاب قائلا ببساطة
"اجل ، هل ما يزال لديكِ شك بصحة كلامي ؟"
حررت انفاسها بارتجاف وهي تحك جبينها لوهلة قبل ان تتمتم مع نفسها بنشيج
"إذاً كان هذا حقيقي !"
حاد بنظراته نحوها بهدوء وهو يقول بابتسامة باهتة
"هل هذا غير متوقع ؟ ألا تستطيعين تصديق كيفية حدوث هذا الأمر ! إذا كنتِ تريدين اثبات على كلامي ، يمكنني ان اذكرك ببعض المواقف القديمة ، مثل يوم تعرضك لمواجهة مع اولاد من حارتك القديمة حاولوا ضرب طفلين من اللقطاء ، ومثل عندما تلقيتِ توبيخ قاسي وتقريع من رئيسك بالعمل بسبب اضاعة عشرة قروش من خزينة المحل ، ومثل عندما كنتِ تأخذين غفوة بقبو التخزين للمحل ، ومثل عندما كسرتي زجاجة العصير فوق رأس الفتى الذي يعمل هناك بسبب مضايقاته لكِ ، وماذا ايضا ؟ هل صدقتني ام احكي المزيد ؟"
نظرت له بعينين شاخصتين بصدمة وهي تهمس بخفوت مندهش
"يا إلهي ! كيف تذكرت كل هذه التفاصيل ؟ هل كنت تراقبني على الدوام ؟"
اومأ برأسه مجددا وهو يعود بنظره للطريق قائلا بابتسامة جانبية بشرود
"اجل استطيع تذكر الكثير بتلك الفترة القصيرة بدون ان اغفل عن ذكرى تخصك ، وقد حاولت كثيرا ان ألمح لكِ بطرق عدة لتتذكريني ، ولكن يبدو بأنني قد اصبحت بين اشباح الماضي البعيد بركن غير مرئي"
شددت على يديها لا شعوريا وهي تدير حدقتيها بعيدا هامسة بشحوب عابس
"لقد شككت كثيرا بهويتك ولكني لم اتجرأ على البوح بشيء ! لقد خفت كثيرا بأن اكون مخطئة ويكون فقط تشابه صفات ، وايضا الأمر مرّ عليه اكثر من تسع سنوات ولا عجب بأني قد نسيت اغلب التفاصيل !"
عبست زاوية من ابتسامته وهو يقول بهدوء جاف
"اجل انتِ على حق اكثر من تسع سنوات مرّ ! من كان يظن بأن هذا الوقت كله سيمضي بهذه السرعة ؟ لقد كنا نستطيع صنع ذكريات اكثر من ذلك ولم نكن سنفترق بحياتنا ، وكل هذا قد حدث بسبب السفر خارجا وترك كل شيء وراء ظهري"
عقدت حاجبيها بجمود اكتسح محياها وهي تهمس من فورها بتفكير
"صحيح كيف كان العمل خارجا ؟ وكيف كانت الحياة بتلك البلاد ! هل توفقت بمسيرتك المهنية ؟"
حرك رأسه جانبا وهو يقول بعدم اهتمام حقيقي
"لقد كان كل شيء جيد وسار بشكل افضل مما تصورت ، ولكن كل شيء قد تغير عندما عدت للبلد ، هل تعلمين اول شيء خطر على بالي والشخص الذي اردت رؤيته بشدة ؟"
نظرت له بتوجس وخوف من سماع الاجابة وهو يتابع كلامه ناظرا لها بقوة
"انه انتِ يا روميساء ، لقد فكرت كثيرا بالوعد الذي قطعته لكِ بالعودة وانتظرت اللحظة التي اراكِ بها مجددا ، ولكن مع الأسف كان وصولي متأخر فقد كنتِ قد تركتي العمل وانتقلتِ عن منزلك ، ولم استطع من وقتها معرفة اي اخبار عنكِ او الوصول لكِ"
اخفضت نظرها بسرعة وهي تهمس بخفوت مستاء
"لقد كثرت الديون على عمي قيس بالمنزل القديم ، لذا قرر الانتقال لمنزل آخر بنفس الحي ، وانقطعت بعدها عن العمل بسبب إيجاد عمي عمل آخر يعطي راتب اعلى ، فقد كانت حالتنا المادية سيئة جيدة وكنا نحتاج لكل قرش نصرف منه"
حانت منه التفاتة نحوها وهو يقول بابتسامة هادئة بصدق
"كم هذا مؤسف يا روميساء ! لو تعلمين كم من الوقت استغرق مني البحث عنكِ ! لو تعلمين كم تعبت وانا اجوب الشرق والجنوب بحثا عن اثر لكِ او خيط يوصلني لمكانك ! لقد حزنت وندمت على اشياء كثيرة لا تحصى ولا تعد ، تهورت وفعلت الكثير من التصرفات الجانحة والغير مسؤولة ، غضبت من والدي وتشاحنت معه كثيرا ، لقد وضعت اللوم على جميع من اعرفهم برحيلك ، هجرت اصدقائي وتركت اكثر المقربين مني ، كل شيء قد تدمر يا روميساء باللحظة التي ظننت بها انني وجدت كياني ونفسي اخيرا ليضيع كل شيء هباءً ما ان اكتشفت خسارتكِ انتِ وما تركته خلفي"
حادت بنظراتها نحوه بحزن عبث بروحها وتلاعب بقلبها الطيب وهي تهمس بأسى خافت
"لا تقل مثل هذا الكلام المحبط يا يوسف ، انت لم تخسر شيء فقد استطعت بالنهاية بناء نفسك وتأسيس حياتك ، وانظر لقد تزوجت واصبح لديك وظيفة مرموقة وابن رائع تحسد عليه ، لذا انت لم تخسر شيء بل انت اعطيت الحياة لعائلة جديدة بجهدك وعرق جبينك"
اختفت ابتسامته بوجوم قاتم وهو يقول من فوره باستهزاء واضح
"عن اي حياة تتكلمين عنها يا روميساء ! لو تقصدين زواجي فقد حدث تحت تهديد من ابي والذي وضعني تحت الأمر الواقع وهو الذي احضر العروس وألبسني إياها ، وإذا كنتِ تتكلمين عن الحياة بعد الزواج فلم يكن هناك بيننا اي مودة او محبة فقط علاقة رسمية وتبادل المصالح بحكم طبيعة زواجنا ، واما عن ابني ذلك الطفل والذي اضطر لخسارة والدته بعمر مبكرة وانا احاول بكل استطاعتي الموازنة بين وقتي معه ووقت العمل ، ومع ذلك ما ازال اظلمه بحياته معي بسبب عدم قبول اي احد الاعتناء به بغيابي ، وإذا كنتِ تتكلمين عن الوظيفة فهي السبب بغيابي عن ابني ايام برحلات العمل الطويلة والمشاكل العصيبة التي تقابلني كل يوم بعملي حتى ابعدتني عن ابني مسافات ، هل تقصدين بكلامكِ هذه الحياة يا روميساء ؟"
عضت على طرف شفتيها بعبوس لبرهة قبل ان تقول بتصلب جاد
"لا اعرف حقا ماذا اقول لك يا يوسف ! ولكن الحل لمشكلتك هو بالزواج من امرأة تعوضك عن كل النقص بحياتك ، وألا لن تجد الراحة ابدا إذا بقيت هكذا تقف على الأطلال !"
قطب جبينه بجمود وهو يقول بلحظة بابتسامة جادة
"هل ما تزالين تكررين عليّ هذا الكلام ؟ الزواج ليس الحل لكل المشاكل كما تظنين ، وليس لأنكِ سعيدة ومرتاحة بزواجك على كل العالم ان يكونوا سعداء مثلك ، فأنا ارى بأن حياتكِ افضل من حياتي بكثير بعد ان تحسنت حياتك المادية واصبحتِ سيدة ثرية وتزوجتِ من اغنى الرجال بالبلد ، وفوق كل هذا تنتظرين مولودك الأول"
انفرجت شفتيها بارتعاش وهي توجه له نظرات مشدوهة قبل ان تهمس بخفوت شاحب
"من اخبرك بهذا الكلام ؟"
ارتفع حاجبيه بحيرة وهو يحيد بنظراته نحوها قائلا بدون ادنى تفكير
"تقصدين امر انتظاركِ المولود ! تلميذك النجيب هو من اخبرني بذلك ، وعلى ما يبدو هو الذي سبب لكِ التعب وتأخرك بالحمام ، صحيح ؟"
تغضنت تقاسيم وجهها بوجوم وهي تهمس مع نفسها ببؤس
"ذلك الثرثار لن ارحمه"
افاقت من افكارها على صوته وهو يقول بجدية
"ما بكِ يا روميساء ؟ لما شحبت ملامحك فجأة ؟"
اشاحت بوجهها ببرود وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها هامسة بضيق
"هذا ليس من شأنك ، وتوقف عن الحديث عن حياتي الشخصية فهذا يضايقني"
عاد بالنظر للأمام بجمود وهو يقول بجفاء بارد
"لا بأس يا روميساء ، كما تريدين"
ردت عليه من فورها بنفاذ صبر
"وتوقف كذلك عن مناداتي باسمي مجردا ، فليس هناك شيء يربط بيننا حتى تناديني هكذا"
سكنت ملامحه لوهلة قبل ان يقول بهدوء غير معبر
"وايضا لا بأس يا معلمة روميساء"
تنفست بتعب وهي تنظر من خلال النافذة بدون ان تضيف المزيد من الكلام ، وبغضون دقائق كانت تطرق على النافذة وهي تقول بقوة
"قف هنا لو سمحت"
وقف على حافة الطريق وهي تحاول فتح الباب بجانبها قائلة بعملية
"شكرا لك على إيصالي للمنزل ، انا ممتنة لك"
ردّ عليها من فوره قبل خروجها من السيارة
"لقد ظننتكِ ستنتظرينني ، ولكنك خنتِ توقعاتي وتركتني بمنتصف الطريق بدون اعتبار لوعدنا ، لماذا يا روميس ؟"
تنفست بجمود وهي تشدد على مقبض الباب للحظات لتلتفت بنصف وجهها وهي تقول بجدية حاولت تقمصها
"اخبرتك ان تتوقف عن مناداتي باسمي بكل اشكاله ، وبخصوص ذلك الوعد فقد كان مجرد شيء عابر بحياتي وليس بذلك الأهمية ، فأنا قد اعتدت على عدم الوقوف على الاشياء والمضي قدما بحياتي ، هذا هو قانوني"
غامت ملامحه بدون اي تعبير وهي تغادر بعيدا عن سيارته بعد ان اوقفته على بعد مسافة من منزلها ، ليهمس بعدها بشبه ابتسامة باردة
"حتى انها لم تسألني كيف عرفت عنوان منزلها ؟ روميس الغبية !"
ارتفع حاجبيه بتذكر وهو يتلمس جيب سترته ليخرج من فوره القلادة من مخبئها ، ليرفعها بعدها امام نظره وهي تتسرب من بين اصابعه قبل ان يجمعها بلحظة بقبضة يده وهو يقول بابتسامة غامضة
"عليها بالعودة إذا كانت تريد استعادة غرضها الثمين"
_______________________________
كانت جالسة على الكرسي بجانب السرير وهي تمسك بيدها الصحيفة وبيدها الاخرى قلم حبر جاف ، وهي تخطط وتضع علامة على كل ما يلفت انتباهها من بين الوظائف الشاغرة ، وهذا اصبح عملها وهمها الشاغل منذ عودتها من العمل بالصباح .
تنهدت بتعب استبد بها وهي تشرد بعيدا عن الصحيفة لتخرج عن العالم المحيط بها بحالة اللاشعورية والتي نادرا ما تقتحم حياتها ، لتخفض بعدها جفنيها ببطء وهي تعود بذكرياتها للحظات المشؤومة التي تلاحقت بحياتها بيوم واحد دمرت عزيمتها بالكامل ومعها ثقتها بنفسها ، وكل هذا قد بدء بصباح يوم العمل عندما توجهت مباشرة لمكتب المدير تلبية لرغبته ، وما ان وصلت بلحظات امام باب المكتب حتى طرقت عليه بأدب قبل ان تسمع صوته يأذن لها بالدخول ، لتدلف بعدها مباشرة وهي تكمل طريقها بثقة بدون ان تأبه بالنظرات التي بدأت تلاحقها بتركيز شديد .
وقفت امام المكتب وهي ترسم على ملامحها ابتسامة عملية قائلة بأدب
"صباح الخير يا سيد عمير ، لقد طلبت مني بالأمس القدوم لمكتبك للتحدث بموضوع ، وها انا قد جئت كما طلبت"
ابتسم بالتواء طفيف وهو يريح ظهره للخلف قبل ان يقول بهدوء مريب
"هل انتِ مستعدة لسماعي للنهاية ؟ هل انتِ على ثقة كبيرة من مقدرتك على تلبية طلبي !"
اضطربت ملامحها بلحظة وهي تقول بعبوس خافت
"حسنا لست متأكدة تماما ! ولكن اتمنى ألا يكون الطلب يتضمن دعوة اخرى بمنزلي ، فأنا لن استطيع تدبر امري مجددا....."
قاطعها وهو يتقدم بجلوسه فجأة قائلا بابتسامة مرتاحة
"لا تقلقي يا عزيزتي ، هذه المرة الطلب مختلف تماما واكبر من مجرد دعوة ، لذا هل انتِ مستعدة للاستماع لطلبي ؟"
ابتلعت ريقها بقوة وهي غير مطمئنة لطبيعة الحديث وما يلمح إليه ، وليست مستعدة لمزيد من الاحتمالات المفتوحة ولسماع تعليقات شقيقها اللاذعة والتي لا يقصد منها سوى فتح عينيها على الحقيقة التي غفلت عنها وتعمدت تجاهلها ، ابتسمت بعدها بصعوبة وهي تقول بجدية
"ماذا تقصد بكلامك يا سيد عمير ؟ اذكر بأنني قد سديت ديني لك وانتهى كل شيء ! هل هناك المزيد من الخدمات التي عليّ تسديدها لك ؟"
تنهد بهدوء وهو ينهض عن الكرسي بلحظة ليقول بعدها وهو يستمر بالسير خارج المكتب
"انا سأشرح لكِ الآن ما هو المطلوب منكِ وما هي طبيعة هذه الخدمة"
تغضن جبينها بوجوم وهي تتابع خطواته والتي اتجهت نحوها مباشرة ، وما ان وقف على بعد خطوات منها حتى تراجعت خطوتين بحذر وهي تهمس بخفوت عابس
"ماذا يعني هذا الكلام ؟ هلا وضحت مقصدك اكثر ؟"
تغيرت ملامحه بعيدا عن الهدوء وهو يقول بجمود غامض
"كيف حاله قريبك الذي جاء للبلدة حديثا ؟ لم اسمع عنه اي اخبار منذ مدة !"
ارتفع حاجبيها بدهشة وهي تقول بعدم فهم
"عن اي قريب تتكلم ؟"
ردّ عليها (عمير) من فوره ببساطة
"ذلك المسمى اوس على ما اذكر"
اتسعت حدقتيها بتوجس وهي تقول من فورها باستنكار
"هذا ليس من شأنك يا سيد عمير ، ارجو ان تلتزم بحدود الخصوصية بيننا ، فهذه الأمور تخصني وحدي"
غامت ملامحه بتصلب وهو يدس كفيه بجيبي بنطاله قائلا ببرود
"ليس بهذه السرعة يا فتاتي ، فهذه الأمور تخص كلينا وليس وحدك ، ولا تنسي بأني مديرك وطلباتي دائما مجابة ، وليس لأنكِ موظفتي المفضلة اتغاضى عن تجاوزاتك معي دائما"
عقدت (سيدرا) حاجبيها بجمود افترس ملامحها وهي تقول بجموح
"إياك وان تلقبني بفتاتك مجددا ، ولم اطلب منك ان تميزني عن باقي الموظفين ، كل الذي اردت توضيحه لك هو طبيعة الحدود بيننا والتي اصبحت تتجاوزها مؤخرا ، فأنا هنا مجرد موظفة تطبق صلاحيات عملها بحدود مكانها بالشركة"
سكنت ملامحه لوهلة قبل ان يرفع ذراعيه على جانبيه قائلا بهدوء
"لا نستطيع الحكم على كلامك الآن ، فأنا لم اطلب منكِ ما اريد قوله بعد ، وعندها سنقرر ما هو مكانك بهذه الشركة وعند مديرها"
ارتفع حاجبيها باضطراب وهي تشيح بوجهها جانبا قائلة بعزم
"لا اعرف ما هو نوع طلبك يا سيد عمير ، ولكني قد اكتفيت من هذه الطلبات وتحميلي اكثر من طاقتي ، فأنا بالنهاية موظفة عاملة ولست عبدة عندك اقضيها بتنفيذ طلبات لا داعي لها ، وكما اخبرتك انا لست مدينة لك بشيء وديوني قد سددتها لك كاملة ، والآن عن اذنك"
ما ان استدارت بعيدا وهي تنوي الرحيل حتى اوقفها الصوت البارد وهو يقول بجفاء
"لا تستطيعين الرحيل قبل سماعي طلبي"
التفتت بنصف وجهها وهي على وشك صب جام غضبها عليه لولا الذي سبقها بالكلام وهو ينظر لها بقوة
"اريد منكِ ان تتزوجيني يا سيدرا"
فغرت شفتيها بانذهال دامت للحظة قبل ان تهمس بخفوت منفعل
"ماذا قلت ؟ هل هذا طلب معروف ام عرض زواج ؟ هل تسخر مني ام تتكلم معي بصدق ؟"
استدار (عمير) نحوها وهو يقول بابتسامة جادة
"انا جاد تماما بطلبي"
تنفست بقوة للحظات وهي تحاول تمالك نفسها لتقول بعدها بخفوت مشتد
"يبدو بأنك قد اخطئت الظن بي ، فليس يعني بأني اتصرف معك بكل تهذيب واتقبل الخدمات والمساعدات التي تقدمها لي يعني يسمح لك بأن تطلب الارتباط بي بدون اي حدود ! فلم ادخلك لمنزلي وادعوك لمشاركة العائلة بالعشاء ألا من اجل رد المعروف الذي قدمته لي لا اكثر ! فأنا لدي عزة نفس وكبرياء لا احتاج بها لقريب او غريب يدفعني لرهن حياتي من اجله ، لذا احتفظ بهذا الطلب لنفسك ولا تحلم بأن اوافق عليه بحياتي"
تلبدت ملامحه بدون اي تعبير وهو يحرك رأسه قليلا قائلا بحدة
"ليس الأمر يحل بهذه السرعة يا سيدرا ، فنحن نحتاج للمساومة والنقاش بهذا الطلب ، وهذا سيحدث عندما تعطين هذا الأمر حيز بتفكيرك الجاد ودراسته من كل جوانبه"
ردت (سيدرا) من فورها بصوت قاطع
"وانا ارفض ، ارفض بشدة ، ارفض حتى التفكير بالأمر لدقيقة ، ألا يكفي هذا لتتوقف عن الإلحاح والتفكير بهذا الأمر ؟"
كان ينظر لها ببرود جليدي وهي تلتفت بعيدا عنه لتكمل طريقها ، قبل ان يوقفها مجددا بنبرة اكثر قسوة اظهرت جانبه الساخر
"ترفضين الارتباط من مدير شركة نظيف ، ولكنكِ توافقين على الارتباط من مجرد مجرم خارج عن القانون وقاتل ! ألا ترين الظلم بهذه المقارنة الغير منصفة ؟ بينما يمكنكِ اختيار رجل حقيقي يحميكِ من المجرمين تختارين نصف رجل سيقتلك يوما بسلاحه !"
تجمدت ملامحها بطبقة جليد تخفي من خلفها براكين بجحرها على وشك صهرها والفتك بها ، وما هي ألا لحظات فاصلة حتى استدارت بعنفوان وهي تقف امامه بلمح البصر وبدون ادنى تفكير كانت تسدد صفعتها على وجهه بكل تمرد تجاوز قدرتها على كبحه ، لتأخذ بعدها عدة انفاس قاسية جرحت حنجرتها وهي تلوح بأصبعها بوجهه قائلة بكل نفور محمل بالكراهية الجديدة
"إياك وان تتكلم عنه بسوء مجددا ، فهو إذا لم تكن تعرف افضل منك بصفات لا تحصى ولديه رجولة تفوق رجولتك التي تزعم بها ، وتذكر بأن الرجولة ليس بالمال والجاه والنسب بل بالشرف والنخوة والاخلاص ، وهذه المقارنة بالفعل لن تكون عادلة ابدا بينكما لأنك متواجد بها وستظلم الطرف الآخر معك ، وشيء آخر انا استقيل من العمل بشركتك"
بعد ان انهت سيل كلامها المندفع بتمرد تجاوزت به اصول اللباقة المعترفة لديها ، لتستدير بعدها بثواني وهي تكمل طريقها باندفاع الطلق لخارج المكتب ولخارج الشركة بأكملها بعد ان عاثت الدمار بداخلها .
افاقت من افكارها وهي تحك جبينها بإنهاك قبل ان تتخلل اصابعها بشعرها وهي تشد خصلاته للخلف بقسوة ، اخفضت يديها بخمول وهي تنهض عن الكرسي لتحيد بنظراتها ناحية النائمة فوق السرير بسبات مرتاح احتاج للأدوية لتدخل بهذا السبات القسري ، وكم تحتاج بالفعل لتذوق مثل هذه الراحة بنوم هانئ طويل يستمر لدهور لكي لا تستيقظ مجددا على هموم جديدة ومسؤوليات اثقلت كاهلها ، ولكن هذا ابعد ما يكون عن حياتها عندما تكون عائلة كاملة تعتمد على موردها وقوتها التي بدأت تخور لتستمد منها الثبات والعزيمة ولكي لا يضيعوا من بعدها .
زفرت انفاسها بجهد وهي تعانق الصحيفة بين ذراعيها ونظراتها على وجه والدتها المتعب بعجز المرض ، لتهمس بعدها بابتسامة حزينة بعزم تلاشى مع الأيام
"اعدكِ بأن اجد عمل آخر ، ولن اتوقف حتى استطيع تأمين حياة سعيدة ومريحة لكم"
ذبلت ابتسامتها ببهوت وهي تنحني بجوارها لتعدل من وضع الغطاء فوق كتفيها قبل ان تقبل جبينها برفق ، استقامت بعدها وهي تتراجع بخطواتها ببطء قبل ان تستدير بلحظة لتغادر من الغرفة بصمت ، وهو آخر شيء كانت قد فعلته لليوم بعد ان انتهى بمأساة خسرت معها وظيفتها واستنزف طاقتها بالحياة والتي اكثر ما تجيده هو هدمها وكسرها .
____________________________
تنفست بقوة وهي تتابع دخولها للمنزل بخطوات سريعة ونظراتها تراقب الوضع من حولها بحذر وكأنها ارتكبت جريمة وتحاول اخفاءها ، بدون ان تعلم حتى ما هو نوع تلك الجريمة ؟
توقفت فجأة بتسمر ما ان جذب انتباهها التي كانت تلوح لها من بعيد وهي تقترب منها بسرعة ، وما ان اصبحت تقف امامها تماما حتى اخفضت كفها وهي تقول بابتسامة انيقة
"مساء الخير يا عزيزتي ، لو تعلمين كم جعلتني اقلق عليكِ بالدقائق الماضية وانا انتظر بعودتك على ناري"
اومأت برأسها بارتباك وهي تمسح جبينها بتعرق شاحب ، لتقطع افكارها مجددا وهي تربت على كتفها قائلة بتفكير قلق
"ماذا بكِ يا روميساء ؟ لما يبدو لونك مخطوف هكذا ! هل حدثت امور خطيرة معكِ لا تريدين البوح بها ؟"
حركت رأسها بالنفي وهي تلوح بكفها امام وجهها لتجلب بعض الهواء له قائلة بجدية
"لا كل شيء بخير ، فقط اشعر ببعض التعرق والسخونة بسبب كل ما تعرضت له لليوم ، هذا كل شيء"
عقدت حاجبيها بجمود وهي تخفض يدها عن كتفها لتمسك بذراعها قائلة بابتسامة جادة
"إذاً اخبريني ماذا حدث معكِ ؟ فأنا بعد انقطاع الاتصال لم استطع معرفة اي شيء عنكِ ! هل كل اموركِ بخير ؟ اريد ان اعرف كل شيء حدث معكِ بالتفصيل الممل بدون ان تخفي عني حدث"
ارتسمت ابتسامة هادئة على محياها وهي تنزع ذراعها عن يدها قائلة بثبات
"لم تحدث امور مهمة لأخبركِ عنها ، فقط وقع الهاتف مني وانكسر بوقت المكالمة لذلك انقطع الاتصال ، وغير هذا لم يحدث شيء خطير لتقلقي بشأنه ، واعتذر حقا على اثارة قلقك وذعرك بهذا الوقت المتأخر من الليل"
اخفضت (سلوى) يديها بهدوء وهي تقول بتصلب جاف
"وكيف استطعتِ العودة للمنزل ؟ فأنا اذكر بأنكِ قد اخبرتني بالمكالمة بأن سيارتك قد فرغ هواء عجلها ! إذاً كيف تمكنتِ من العودة بدونها !"
زمت شفتيها بامتقاع وهي تهمس من بينهما بتبرير عملي
"لقد وجدت سيارة اجرة بالنهاية واستطعت العودة بها ، ولكن شكرا لكِ على اهتمامك البالغ وتفكيركِ بي كل هذا الوقت ، وعلى كل حال لقد مرت على خير"
ارتفع حاجبيها بشك لبرهة وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها بجمود ، لتقول بعدها بابتسامة جانبية بتزييف
"لا شكر على واجب ، لقد اسعدتني عودتك ، اسعدتني كثيرا ، ولكن لما كل هذا التأخير بالعودة ؟"
دست خصلات شاردة لخلف اذنها وهي تقول بهدوء ظاهري
"ظروف خاصة بالعمل"
اومأت برأسها بهدوء وهي تقترب منها خطوتين قبل ان تقول لها بابتسامة مجاملة
"انتبهي على نفسكِ اكثر يا عزيزتي ، فلا اعتقد بأن احمد سيقبل بمثل هذه التجاوزات والتي لن يتهاون بها ، صحيح !"
نظرت لها بتوجس وهي تهمس بوجوم
"هل هو بالمنزل ؟"
حركت رأسها جانبا وهي تقول ببساطة
"لا لم يعد للمنزل بعد"
تنهدت براحة وهي تهمس بخفوت مشتد
"هذا افضل"
نظرت لها (سلوى) للحظات قبل ان ترفع كفها وهي تربت على كتفها بخفة قائلة بمواساة
"لا تهتمي لهذا الآن ، واخبريني عن حال سيارتك ، هل اتصلت بقسم الصيانة ليصلحوها ويحضروها لكِ ؟"
تبرمت شفتيها وهي تقول بعبوس جاف
"لا لم افعل ، فقد اخبرتكِ مسبقا بأني لا املك رقم هاتفهم ، لذا تركت السيارة مكانها حتى اجد لها حلاً بصباح الغد"
امسكت بكتفيها بسرعة وهي تقول بابتسامة واثقة
"لا داعي لتتعبي نفسكِ بهذه الأمور يا روميساء ، يستطيع سائقي الخاص الاهتمام بهذا الأمر واخذ سيارتك لقسم الصيانة والتصليح واحضارها لكِ لباب منزلك بساعة ، فهذه الأمور من اختصاصهم هّم ومن عملهم هي اطاعة اوامرنا بدون ان نتعب انفسنا بشيء"
تغضن جبينها بارتباك وهي تقول بعبوس غير واثق
"ولكن هل انتِ متأكدة ؟ لا اريد ان اتعب احد معي بمهامي الخاصة ، فأنا لم اعتد ان اوكل احد شيء يخصني بدون ان اهتم به بنفسي"
شددت على كتفيها بلحظة وهي تقول بابتسامة مالت بغرور
"ما هذا الكلام السخيف يا بلهاء ؟ انتِ الآن روميساء الفكهاني زوجة احمد الفكهاني والتي تستطيع تحويل العالم الصغير لخدم يعملون تحت امرتها ، فقط بكلمة واحدة منها يصبح الجميع رهن إشارتها ، لذا لا تحاولي تقمص شخصية ضعيفة ليس لها قيمة ولا كلمة بل عليكِ تقمص شخصية جديدة قوية تظهر اصلها وجذورها المنتشرة بالعالم والتي على الجميع احترامها واعطائها شأنها ومكانها ، هل فهمتِ يا ضرتي العزيزة ؟"
ارتفع حاجبيها بشحوب لوهلة وهي تتراجع بعيدا عنها لتهمس بعدها بلا مبالاة
"لا اعتقد بأن هذا النمط من الحياة يليق بي ، فأنا ابقى روميساء الفاروق ولن يتغير شيء من هذا حتى لو حاولت فعل ذلك ، فهو شيء يخص بطبيعة نشأتي وما اعتدت عليه لسنوات ، وانا فخورة جدا بما انا عليه وانتمي له فهذا هو اصلي وحقيقتي ، ولن يستطيع الانسان الهروب من حقيقة جذوره مهما حاول"
التوت شفتيها ببرود وهي تفرد يدها امامها قائلة بعدم اهتمام
"كما تشائين يا روميساء الفاروق ، والآن هل استطيع اخذ مفتاح سيارتك لأسلمه للسائق والذي سيهتم بأمر سيارتك ؟ ام قد تكونين قد غيرتي رأيكِ !"
اخفضت يدها وهي تدسها بجيب سترتها الربيعية قائلة بارتياب
"هل انتِ واثقة بأنه يستطيع فعلها ؟ انا خائفة من ان يفسد الأمر او ان نحمله اكثر من طاقته !......"
قاطعتها (سلوى) بملامح جامدة بحزم
"ماذا كنا نقول من دقيقة يا روميساء ؟ انتِ الآن ابنة عائلة الفكهاني والتي عليها ترك مهامها ووظائفها لصاحب العمل ! وألا لن تكون لكِ هيبة او سلطة بين رجال وخدم العائلة ابدا"
زفرت انفاسها باستسلام وهي ترفع المفتاح امامها لتضعه بعدها براحة كفها بحرص ، قبل ان تهمس بهدوء جاد
"انا اعتمد عليكِ بهذه المهمة"
ضمت المفتاح بداخل قبضتها وهي تقول بابتسامة رقيقة بتصنع
"لا تقلقي يا عزيزتي فقد اصبحت سيارتكِ بين ايدي امينة ، فقط اخبريني بعنوان المكان الذي تركتي به سيارتك !"
اومأت برأسها بهدوء وهي تقول بجمود عملي
"لقد تركتها عند تقاطع طريق فرعي بالجبل الشمالي"
انحرفت ابتسامتها بهدوء وهي تقول بتأكيد
"حسنا فهمت ، اعتبري امر سيارتك محلول عندي"
ابتسمت (روميساء) بهدوء وهي تقول بتعب واضح
"إذاً عن اذنكِ الآن ، فأنا اشعر بالتعب واحتاج لأخذ حمام ضروري بأقصى سرعة ، وشكرا بالفعل على مساعدتك"
اومأت برأسها ببرود وهي تتابع التي غادرت من امامها بهدوء ، لتتوقف بعدها للحظة قبل ان تلتفت نحوها قائلة بتردد محرج
"فقط لدي طلب واحد ، هل يمكنكِ ابقاء هذا الأمر سر بيننا ؟ ارجو ألا يعرف احد بهذا الأمر"
اتسعت ابتسامتها بمكر واضح وهي تقول من فورها بمودة
"لا تقلقي يا ضرتي الغالية ، سركِ في بير ، واعدكِ ان احافظ على سركِ بحياتي ، لذا اطمئني وارتاحي من هذه الناحية"
ابتسمت بارتياح وهي تتابع طريقها بعيدا عنها بخطوات مجهدة ، بينما التي تركتها من خلفها كانت تتلاعب بالمفتاح بين اصابعها بشرود وهي تقول بابتسامة باردة
"انا متأكدة بأن تلك الفتاة تخفي سر وراءها ، وهذا ما عليّ اكتشافه"
______________________________
كانت ذراعيها مطوقتين حول خصره بتشبث وهي تستند بجبينها على ظهره الصلب والذي يشكل حماية لها من تيارات الهواء القادمة ناحيتهما ، بدون ان تترك خصلات شعرها المتحررة والتي لم تنفذ من قوتها وهي ترفرف من حولهما مثل اجنحة الحرية ، وهي تشعر بها بدأت بالتدفق بعنف بأوردة قلبها الموصلة بأنحاء جسدها بقوة دفع الدراجة النارية تكاد تخطف انفاسها وكيانها بمشاعر وردية وبسعادة منقطعة النظير لا يقدرها سوى فاقدها .
تمسكت بيديها بقوة جمدت مفاصلها ما ان زادت السرعة القصوى حتى اصبحت بسرعة الطيارة النافذة ، لتفتح بعدها جفنيها قليلا ما ان اخترق صوته حلقات الضجيج من حولها قائلا بقوة المحرك النفاذ
"هل انتِ بخير ؟"
اعتلت ابتسامة هائمة ملامحها الباردة وهي تقول بامتعاض مزيف
"كم مرة كررت هذا السؤال عليّ ؟ هل تنتظر ان اسقط امام عينيك واكسر رأسي ليتحقق كلامك !"
اهتز كتفيه بضحك منشرح وهو ينتقل لها عبر ذبذبات جسده تلقائيا ، ليقول بعدها بمكر وهو يميل بجسدها بتناغم مع مسار طريق الدراجة
"هل هذه هي غايتك يا مجرمتي الصغيرة ؟ التخلص مني بأسرع الطرق وبدون ان يكتشف امرك ، وهو بإيقاع نفسكِ عن الدراجة وتحميلي كامل المسؤولية والملامة ، لينتهي مصيري بالسجن وزوجتي بمشفى الامراض العقلية ، فقد طبقتِ ذلك المثل القائل ضربني وبكى سبقني واشتكى"
ضربت جبينها على ظهره وهي تشدد من ضم يديها لتهمس بعدها باستياء
"هذا سيحدث بمخيلتك فقط ، فأنا من المستحيل ان اجازف بالتضحية بك او التخلص من وجودك بحياتي ، وألا لن استطيع الوثوق بأحد آخر للركوب من خلفه وهو يقود بي ، فهذا الأمر يتعلق بالثقة والتي نادرا ما يستطيع احد الحصول عليها"
ادار وجهه جانبا بعيدا عن تيارات الهواء لتلامس خصلات شعرها الحريرية جزء من ملامحه ، ليقول بعدها بابتسامة جانبية بانفعال
"اعجبني سماع هذا الكلام والذي نادرا ما يخرج من فمك ! انه يبدو مثل اعتراف بالحب ، ولكن بشكل اكثر غموضاً وبروداً يليق بألماستي الجليدية"
عضت على طرف شفتيها وهي تخفي وجهها بظهر قميصه هامسة ببرود تخلل بها بعض الحياء
"قُل ما تشاء ، فلا احد لديه السلطة على كلامي ومشاعري ! لذا استطيع قول ما احب بالوقت الذي احب"
اعاد وجهه للأمام وهو يستقبل تيارات الهواء القوية بروح عازمة منفتحة علها تخفف الحرارة الجديدة التي اكتسحت كيانه ونفسه ، ليقول بعدها بابتسامة شقت ملامحه بإثارة
"انا اعطيكِ كل الصلاحيات بالكلام يا عزيزتي ، ولكن تذكري بأن بكل كلمة تنطقينها ستدفعين ثمنها بالطريقة التي تعجبني فقط عندما نصل ، لذا تمهلي دقائق فقط حتى نصل ونصفي حساباتنا القديمة والجديدة معا"
اخرجت وجهها بعيدا عن ظهره وهي تقول بعبوس مرح
"ليس هناك اي حسابات اصفيها معك يا مغرور ، ولا تجعل الحماس يأخذك بعيدا فقط لأني قبلت بالخروج معك"
اتسعت ابتسامته وهو يقول بمغزى
"سنرى ذلك"
شبكت يديها بقوة وهي تريح جانب وجهها على ظهره ، ليقول بعد عدة لحظات قصيرة بهدوء اجش مستعر
"هل انتِ بخير ؟"
اومأت برأسها بهزة طفيفة وهي تهمس بخفوت
"اجل"
رفع رأسه عاليا وهو يقول بارتفاع اكبر يجاري صوت محرك الدراجة الصاخب
"لقد سألت هل انتِ بخير ؟"
اخرجت وجهها من خلف ظهره وهي تقول بصوت اعلى عبر تيارات الهواء القادمة
"لقد اخبرتك ألف مرة بأني بخير"
تنفس بارتياح للحظات وهو يستمتع بهواء الليل البارد مثل امسية بمنتصف الليل ويد تقود بثبات وباليد الاخرى تمسح على كفيها المتشابكتين ، ليقول بلحظة بصوت اخفت عن السابق
"وهذا ما ارجوه منكِ"
وصلت الدراجة امام العنوان المطلوب وهو يوقفها بالقرب من فندق فخم شاهق الطول يكاد ينطح السحاب ، لتفيق بعدها على صوته وهو يطفئ المحرك قائلا بهدوء جاد
"لقد وصلنا"
فكت تشابك يديها المتصلبتين وهي تسحب ذراعيها بعيدا بتردد لتفسح له المجال للتحرك ، قبل ان ينزل عن الدراجة بهدوء ليشير من فوره لرجل من حرس الفندق ليجري نحوه بسرعة ، نزلت بعدها عن الدراجة بمساندة ذراعيه المطوقتين من حولها وهي تنزل ساقيها بحذر .
وما ان وقفت اخيرا على الارض بصعوبة بعد موجة الحماس العالية حتى وجدت يديه بلحظة تفكان حزام الخوذة قبل ان يخلعها بأكملها عن رأسها ، ليتحرر عندها شعرها المحجوز بداخلها بجنون وهو يطلق سراحه اخيرا بعد حبس طويل ، لترتفع يديه بلحظة وهو يرتب شعرها الفوضوي المتكهرب من الشحنات الطردية بعناية والذي انساب بين اصابعه القوية ، وهو يرغمه على الانصياع بحركة رقيقة حتى تناسق شكله بالنهاية واستقامت خصلاته من حول وجهها بوداعة هرة سوداء كثيفة الشعر .
التفت باتجاه الرجل الذي وصل امامهما ليسلم له مفتاح الدراجة ، ليتمسك بعدها بكفها تلقائياً وهو يحجزها بداخل قبضة حديدية احكمت حركة اصابعها بعد ان كان قد احكم على خصلات شعرها ، تحركا بعدها باتجاه مدخل الفندق وهي تتبعه بطاعة تامة متجنبة النظر لما يدور من حولها من بهرجة وضوضاء مرت عليها فقط بليلة زفافها .
بغضون ثواني كانا يقفان امام مكتب الاستقبال وهو ينهي معاملات استلام مفتاح الجناح ، لتشد بعدها على كم قميصه وهي تهمس بوجوم
"شادي ! ما لذي نفعله هنا ؟ ألن نعود للمنزل !"
التفت نحوها بهدوء وهو يشير بأصبعه امام شفتيه قائلا بأمر
"اصمتِ ولا كلمة حتى نصل"
اشاحت بوجهها جانبا بعبوس ممتعض بامتثال طفلة قليلة الصبر ، ليقول بعدها صاحب مكتب الاستقبال بعملية
"تفضل هذا هو مفتاح غرفتك يا سيد شادي"
اخذ المفتاح منه وهو يحيد بنظراته للساكنة بجانبه ليشدد بعدها على كفها بحركة جعلتها تلتفت نحوه ، وما ان تلاقت النظرات بينهما حتى اتسعت ابتسامته بهدوء وهو يرفع المفتاح امام نظرها قائلا بأمر
"هيا تحركي امامي بسرعة"
نفخت الهواء من بين شفتيها بغيظ وهي تتابع السير امامه هذه المرة وهو خلفها بدون ان يسمح لها بتخطي المسافة التي تحددها قبضة يده ، ليصل كليهما بداخل المصعد الكهربائي وهو يصعد بهما للطابق الذي يوجد به جناحهما ، وما ان فُتحت الابواب بثواني وهي تستعد للخروج حتى وجدت اثنين من الازواج القادمين نحوهما والذين يظهر عليهما الثراء الفاحش ، لتنتفض بعدها لا شعورياً ما ان شدد بقبضة يده على كفها وهو يبادر بالتحرك اولاً خارج المصعد ، وبلحظات كانا يبتعدان عن الزوجين الذين استقلوا المصعد بعد ان خرجوا منه .
فتح باب الجناح بالمفتاح بحوزته قبل ان يدخل امامها بصمت ، بينما التي كانت تتبعه انشغلت بالنظر من حولها بتأمل صامت ، لتتوقف بنظراتها على الواقف امامها وهو يفرد ذراعيه لها قائلا بابتسامة جانبية بترحاب
"مرحبا بكِ بثاني مفاجأة لكِ على القائمة ، لقد حجزت بهذا الفندق لليلتين بعيدا عن منزل العائلة ، لذا استمتعي بهما بقدر استطاعتك واستغلي فرصة الانعزال عن العالم بهاذين اليومين"
عقدت حاجبيها بجمود وهي تقول بتفكير مرتبك
"لديك منزل ريفي وسيع ، وايضا شقة صغيرة ، لما اخترت قضاء الليلتين بفندق رغم امتلاكك منزلين ؟"
دس يديه بجيبي بنطاله وهو يقول بابتسامة باردة
"إذا كنتِ تعرفين عن المنزلين فكيف ستصبح مفاجأة ! لقد اخبرتكِ من قبل ووعدتك بأن اقدم لكِ مفاجآت لا تحصى ولا تعد ولا مثيل لها...وايضا خارجة عن المألوف ، وانا ما ازال عند وعدي"
زحفت الابتسامة على تقاطيع ملامحها الرخامية وهي تتقدم نحوه بخطوتين ، لتقف بعدها امامه وهي تتمايل بجسدها قائلة بخفوت متلهف
"وماذا تريد ان نفعل الآن ؟"
ارتفع حاجبيه بخفة وهو يدنو بالقرب منها ليقبل وجنتها الباردة قائلا بصوت اجش ساحر
"لن نفعل شيء يا صغيرتي العجولة ، عليكِ بالانتظار للغد ، فأنا الآن متعب واحتاج لحمام طويل جدا واستراحة لليوم فقد اجهدت قواي بسبيل ارضاء حضرتك"
غامت ملامحها بهدوء صقيعي وهي تراه يبتعد من امامها ليتجه لغرفة من بين الغرف الكثيرة ، وما ان اصبح بداخل الغرفة حتى استدار نحوها بلحظة وهو يلتقط نظراتها الهادرة بهدوء العواصف بحديث مطول ، ليبتسم بعدها بشبه ابتسامة وهو يقول بصوت خفيض بكسل
"إذا بقيتِ تسلطين عليّ هذا النوع من النظرات فلن اتوانى عن سحبكِ معي بعالم امواج عواطفنا ستحطم مجاديف قاربنا ، وسأنسى تماما امر البرنامج الذي نسير عليه وسنلغي كل شيء يخص نشاطات هاذين اليومين ، ولن امانع لو شاركتني باستحمامي ايضا وساعدتني بإزالة هذا التعب عن مفاصلي"
احمرت وجنتيها بلمحة خاطفة وهي تدير وجهها بعيدا عنه ببطء شديد بدون ان تنطق بكلمة واحدة بعد ان ألجم لسانها تماما ، ليصل لها آخر كلامه وهو يقول بصوت متسلي ماكر
"حقا عدوة العاطفة"
نظرت بسرعة لباب الغرفة والذي انغلق من خلفه بهدوء ، لتتنفس بعدها بتعب منهك وهي تغلق باب الجناح المفتوح خلفها ، لتصل بعدها عند الاريكة والتي ارتمت فوقها وهي تمسح بكفها على جبينها العريض مبعدة الخصلات الكهربائية عنه ، قبل ان تخفض جفنيها حاجبة امواج البحر والتي فاضت عن حدها بمشاعر جديدة تجلت واضحة على سطح روحها التي فردت اجنحتها وحلقت بعيدا بموسم الهجران .
_______________________________
فتحت باب الغرفة وهي تلوج للداخل بخطوات تثاقلت بتعب هد حيلتها ، وما ان وصلت عند طرف السرير حتى جلست عليه بخمول وهي تريح معها روحها المرهقة نفسيا ومعنويا ، ولا تعلم حقا ماذا ينتظرها بالأيام القادمة من احداث ومفاجآت ستدمر النظام والسلام بحياتها والذي لم يكد يصطلح اخيرا ! فهل هذا هو مصيرها تلقي صدمات كل ما يربط بصلة بذلك الماضي والتأقلم مع اشباحه ؟
تنفست بهدوء وهي تخلع الحقيبة عن كتفها لتلقي بها بجانبها ، قبل ان تعود لسحبها من جديد لتخرج منها هاتفها والذي لم تفتحه منذ وقوعه بالطريق ، لتلمح بعدها الكسر الذي يحتل منتصف الشاشة وهي تتلمس عليه بأصبعها بحسرة وحزن وكأنها جرحت شيء ثمين بحياتها وليس مجرد هاتف مضى عليه سنوات بالخدمة .
عقدت حاجبيها بجمود وهي تحاول فتح الهاتف المغلق بصعوبة بعد الضربة الاخيرة التي تعرض لها ، وبعد عدة لحظات كان الهاتف يفتح ابوابه والشاشة تضيء امامها من جديد مع الكسر المزين بمنتصف الشاشة كعلامة على واقعية الحادث ، ولا تعتقد بأنها ستنسى ما حدث معها بسهولة مع الآثار التي تركها بداخلها وبمن حولها وبالهاتف المسكين الذي اكل النصيب الأكبر .
تغضن جبينها بريبة ما ان وجدت الرسالة العالقة عند طرف الشاشة ، لتفتحها بعدها بلحظة اظهرت محتوى الرسالة بوضوح
(مساء الخير يا روميساء ، انا الآن خارج المنزل برفقة شادي فقد حجزنا بفندق لليلتين ، ولم اعلم بالأمر ألا عند وصولنا للفندق ، لذا لا تقلقي عليّ وتشعري بالحزن بغيابي ، وهذا موجز الأخبار لليوم ، المرسل شقيقتك الصغرى)
ارتفعت ابتسامة حانية على محياها تغضنت معها زوايا حدقتيها الخضراوين ، لترفع بعدها اصابعها امام الشاشة وهي تكتب الرد على رسالتها بمثلها مملوءة بدفئها الامومي
(لا بأس يا صغيرتي ، استمتعي بوقتكِ بقدر ما تستطيعين ، ولكن بحدود وبدون اسراف وتهور بركوب المخاطر ، والأهم اعتني بزوجكِ جيدا)
زمت شفتيها بشوق وهي تنظر للرسالة التي اصبحت مرئية لتليها علامة الكتابة قبل ان تصل رسالتها الجديدة بثواني
(اعتذر يا شقيقتي ولكن لن استطيع ان اعدك بذلك فهذا ينافي طبيعتي ، وايضا عليكِ بالقول اعتني بنفسكِ جيدا وليس بزوجك ، ولو كنت لا اعرفكِ جيدا لظننتكِ تهتمين لأمر زوج شقيقتك اكثر من شقيقتك !)
خرجت تنهيدة اشبه بضحكة صغيرة وهي تكتب لها رسالة اخرى بمرح
(بالطبع ليس صحيحاً ، فأنا اعرف شقيقتي جيدا فهي لا يخاف عليها بل يُخاف منها ، لذا انا اشفق على زوجك مما سيحدث له من مصائب بسبب كبريائك وعنفوان روحك ، وكل ما اتمناه ان تكون هذه الرحلة مدر خير عليكما وتنهي الخلافات بينكما)
انتظرت دقيقتين قبل ان يصلها الرد البارد الشبيه بصاحبته
(شكرا على رفع معنوياتي ، ولا تقلقي على زوجي فهو سيكون بين ايدي امينة مع زوجته ، والآن تصبحين على خير)
عبست طرف شفتيها وهي تكتب بسرعة رسالة مترددة
(هل انتِ بخير يا ماسة ؟ اقصد بعد ما حدث معكِ بالأمس وانعزلتِ بغرفتك بدون ان توضحي لي مشكلتك !)
عقدت حاجبيها بصبر وهي تنتظر الرسالة التي لم تتأخر كثيرا عليها وهي تصل بثواني
(اجل انا بخير يا روميساء ، لا تتعبي نفسكِ بالتفكير بأمري ، فهي مجرد حالات مزاجية تنتابني بين الحين والآخر)
تنهدت بوجوم وهي تشعر بشيء مسنن يجثم على روحها بعدم راحة ، لتكتب بعدها رسالة اخرى بحزن عميق
(هل انتِ حقا بخير ؟)
احنت حاجبيها ببهوت ما ان اتاها الرد الجاف بثواني
(لما الجميع يصرون على سؤالي نفس السؤال ؟ لقد اخبرتكِ بأني بخير ، وهذا يعني بأني بخير ، أليس لديكِ شيء تفعلينه الآن سوى التكلم معي !)
ابتسمت بهدوء وهي ترد عليها برسالة حازمة
(هل انا التي بدأت بهذه المحادثة يا وقحة ؟ واساسا لدي الآن اعمال عليّ القيام بها وانتِ قد اخرتني عليها ، لذا تصبحين على خير)
لترد بعدها بلحظات برسالة اخيرة
(عمتِ مساءً)
اخفضت الهاتف من امامها وهي تشرد بعيدا لوهلة لتهمس بعدها بخفوت حزين
"لو فقط تفصحين بمكنوناتك يا ماسة"
غطت وجهها بكفيها وهي تستغفر ربها بصوت مكتوم وبقلب محمل بالكثير حد الألم ، لتخفض كفيها ببطء وهي ترهف السمع لأصوات الاقدام بالخارج والتي سمرتها لبرهة ، ليُفتح بعدها الباب من قبل صاحب تلك الاصوات وهو يستقبلها بابتسامة رزينة بهدوء اضافت سحرا على ملامحه الهادئة بوقار ، وما هي ألا لحظات صمت حتى تحرك وهو يقطع الامتار بينهما بخطوات واسعة قوية ، ليصبح بعدها بجوارها قبل ان يدنو بالقرب منها وهو يقبل رأسها بهدوء قائلا بخفوت اجش
"مساء الخير يا عزيزتي"
رفعت حدقتيها الخضراوين بشحوب قبل ان تفتعل ابتسامة صغيرة ظهرت من العدم وهي تهمس بود
"مساء الورد يا احمد"
استقام بعيدا عنها وهو يقول بجدية بدون ان يفقد ابتسامته
"لماذا لم تنزلي لتناول العشاء مع العائلة ؟"
ضمت شفتيها بهدوء وهي تقول بلطافة
"لقد كنت انتظر عودتك من العمل"
تغضنت زاوية ابتسامته وهو يعود لينحني قربها ليقول لها بهدوء ماكر
"كذبة ظريفة منكِ يا معلمة روميساء ، عليكِ ان تجدي غيرها تصلح معي"
حركت كتفيها باستخفاف وهي تهمس بابتسامة مرحة
"صدق او لا تصدق ، هذه مشكلتك يا عزيزي"
التوت ابتسامته باستمتاع شغوف وهو يقترب من جانب وجهها ليلامس بشفتيه صدغها وهو يقول بانفعال خشن
"هل انتِ متأكدة من اجابتك ؟"
دفعت رأسه بعيدا عنها وهي تضحك بخفوت مرح لم تستطع كتمه اكثر ، ليستقيم بعيدا عنها وهو يقول بحزم جاد غيرت ملامحه
"حسنا يكفي عبثاً ولهواً ، لقد حان الوقت لننزل لتناول العشاء مع العائلة ، وانتِ ايضا مدعوة للعشاء لأنكِ فرد من هذه العائلة"
عضت على طرف ابتسامتها وهي تحشر الهاتف بين ساقيها قائلة بهدوء عملي
"اجل انت على حق ، ولكني احتاج اولاً لإنجاز بعض الأمور وبعدها سأنضم لكم ، انت اسبقني بالنزول لهم وانا سأوافيك بعدها بدقائق"
ارتفع حاجبيه بغموض وهو يقول بهدوء جاد
"ماذا تريدين ان تفعلي ؟ ألا تستطيعين تأجيل كل الأعمال لوقت آخر بعد الانتهاء من العشاء !"
لوحت بكفها الحرة بارتباك وهي تقول بابتسامة هادئة
"لا لا استطيع الانضمام لكم قبل الانتهاء من اعمالي العاجلة ، لذا هلا اعطيتني فقط عشر دقائق ؟ أليس مسموح لي ان احصل على خصوصيتي بالعشر دقائق !"
لانت ملامحه المشدودة بابتسامة تحمل اللطف والمودة معا وهو يقول بعطف
"لا بأس يا زوجتي المشغولة ، خذي وقتكِ وبعدها ألحقيني ، لا تتأخري"
اومأت برأسها بتأكيد وهي تشاهد الذي استدار ليتجه مباشرة لباب الغرفة ، قبل ان يقف بلحظة ليلتفت نحوها وهو يقول بتفكير جامد
"هل تعرفين اين شادي مختفي ؟ فأنا لم اراه منذ عودتي من العمل !"
اخفضت رأسها بهدوء وهي تقول بابتسامة شاردة
"لقد ذهب هو وزوجته لقضاء ليلتين بالفندق ، ولا اعلم سبب هذا الأمر المفاجئ بدون موعد او مناسبة"
ادار عينيه بعيدا وهو يقول بشبه ابتسامة ساخرة
"حقا امرهما غريب مرة يكونان مثل قاطعين الطرق ومرة مثل عصافير الحب ! ولكن يبقى حالهما افضل من حالنا بكثير ، فبينما هما يستمتعان بالحصول على العطل بين الفترة والاخرى نحن لا نستطيع حتى الاجتماع مع بعضنا سوى بساعات الليل والنهار وبحكم ظروف عملنا"
هزت رأسها بهدوء وهي تحدق بالهاتف المحشور بين ساقيها هامسة ببرود
"اعتقد ذلك"
نظر لها للحظات قبل ان يقول بابتسام هادئ
"لا تتأخري يا روميساء ، سأكون بانتظارك"
اخفضت جفنيها فوق حدقتيها ما ان سمعت صوت باب الغرفة يغلق من خلفه ، لتتنهد بعدها بتعب وهي تمسد على جبينها بيدها الحرة هامسة بارتياح
"من الجيد بأنه لم يلحظ عودتي الآن من العمل ، وهذا يعني بأن سلوى لم تفشي السر"
تحاملت على نفسها وهي تنهض عن السرير بلحظة قبل ان تلقي بالهاتف بداخل الدرج ، لتتجه بعدها للحمام المرفق وهي تحمل ملابسها استعدادا لاستحمام قد يغير من مزاجها للأفضل وينظف الافكار الاخيرة التي اصبحت تأخذ حيز بعقلها وكلها تدور بحلقة الماضي .
_______________________________
تنهدت براحة وهي تشاهد سلاسل الضوء المسورة بالمكان مصدرها شروق الشمس القريب منها وهو يطل على المنطقة المفتوحة بأجمل إطلالة ، بينما كانت هي تتمتع بلمسات شعاع النهار والذي يعطي نشاط للروح الغارقة بنكبات الحياة وللقلب الذي اتعبه سباق الطعنات بصباح ممزوج بالتفاؤل بيوم جديد مليء بشغف الحماس والطموحات العالية ، واما النسمات الربيعية كانت تتلاعب بخصلاتها المموجة لتضرب مع موجاتها بحرية مطلقة بدون حدود كسرتها واعطتها سلامها ، وكل هذا وهي جالسة بمكانها بمطعم عائلي بسيط مفتوح من الزوايا بسقف وارضية خشبية تحتوي على طاولات دائرية بكراسي صغيرة ومريحة بذات الوقت ، يعطي اجواء حميمية ويوصل الجالس هناك للعالم الخارجي وهو داخلها بدون ان يتزحزح ليتعايش بين العالمين بمكان واحد .
ادارت مقلتيها الزرقاوين باتجاه القادم من بعيد وهو يحمل صينية خشبية تكتظ فوقها اطباق الفطور المختلفة ، ليصل بعدها امام طاولتهما وهو يبدأ بتوزيع الاطباق بمنتصف الدائرة باصطفاف حتى ملئت الطاولة الصغيرة ، وما ان انتهى حتى جلس على الكرسي المقابل لها وهو يفرد ذراعه فوق الطاولة قائلا بابتسامة جانبية بهدوء
"تفضلي يا سيدتي ، اتمنى ان يعجبك فطورنا المتواضع بهذه الاجواء الصباحية على منظر شروق الشمس وعلى اصوات العصافير"
ارتفعت ابتسامتها بعذوبة وهي تخفض نظرها للطاولة المكتظة بأطباق الفطور المختلفة ، لتقول بعدها بلحظة بخفوت جاد
"ما هذه الاطباق كلها ؟ هل كل هذا ضمن قائمة الفطور ؟ ألا ترى نفسك تبالغ !"
حرك رأسه ببساطة وهو يقول بابتسامة اكثر قوة مختلطة مع هدير نسائم الربيع
"اجل يا عزيزتي ، هذه الاطباق امامكِ كلها على شرفك لكي تشعري بالشبع التام وتحصلي على كامل غذائك ، فهي تحتوي على كل الفيتامينات والمعادن الضرورية لبناء جسدك بشكل سليم وللحفاظ على نشاطه وحيويته ، فأنا لم اغفل عن إهمالك لطعامك بالفترة الاخيرة وتغيبك عن جلسات الطعام العائلية ، لذا كل ما افعله هو الاهتمام بصحة زوجتي والتأكد من تغذيتها ومن اجل ان تكون لها قوة اكبر بتحمل المفاجآت التي تنتظرها بأيام عطلتنا"
زمت شفتيها بهدوء وهي تدير رأسها جانبا حتى تكومت الخصلات على جانب وجهها هامسة بفتور
"ولماذا اخترت هذا المطعم بالتحديد ؟ لماذا لم تتركنا نتناول فطورنا بالفندق الذي بتنا به ليلتنا ؟"
ارجع ظهره للخلف وهو يتمعن بخصلات شعرها المجنونة التي تصر على اخفاء ملامحها عنه بتمرد ، ليستنشق بعدها هواء الصباح العليل المترافق مع عطر شعرها المنعش بنكهة خاصة وهو يتبعها بالقول بخفوت عميق
"لن يكون تناول الطعام بالفندق المغلق بهذه الدرجة من الاثارة والمتعة مثلما تكون بمكان مفتوح على إطلالة مميزة وبالبساطة التي تليق بنا ، فأنا دائما اُفضل بكل شيء زيارة الاماكن الاقل ازدحاما والاكثر هدوءً والتي تختفي بها كل الضوضاء والصخب الذي يجلبه العالم العلوي عند طبقات المجتمع المخملي ، وخاصة بأنه العالم الذي يطلق سراح زوجتي ويخرجها على سجيتها الطبيعية ، وهذا اكثر ما يهمني بالأمر"
اعادت نظراتها عليه بلحظة وهي ترفع حاجب واحد بخفة هامسة بتعجب ساخر
"حقا امرك غريب ومحير يا زوجي المتقلب !"
رفع رأسه بضحكة صغيرة لوهلة قبل ان يقول باستنكار عابس
"من بين كل الاجابات المحتملة ! هل هذا ما استطعتِ الرد عليه ؟ من المفترض ان تشكريني على تفكيري بكِ لا ان تسخري من شخصيتي يا باردة المشاعر ! حتى لو رفعتك على اعلى قمة بالجبل ستبقين ذات مشاعر جليدية !"
حركت كتفيها باستفزاز وهي تهمس بخفوت متلاعب
"اعتذر على تخييب توقعاتك ولكن هذه هي طبيعة شخصيتي ولن تتغير مهما حاولت معها"
تقدم بجلوسه فجأة وهو يقول بابتسامة جادة بافتراس
"بل ستتغيرين وهذا وعد شرف مني"
مالت ابتسامتها بتحفز وهي تقول بتحدي عصف بمقلتيها البحريتين
"اهنئك على ثقتك هذه يا زوجي العزيز ، حافظ عليها جيدا فقد تحتاجها بالفترة القادمة"
انحرفت نظراته تلقائيا على قميصها الوردي الربيعي بأكمام منتفخة مثل الورود الجورية وبياقة مثلثة واسعة ، وهو ينتهي بطبقات من الكشكش المتدرج عند الحواف يتطاير مع النسمات اللطيفة وكأنه يحاول تخللها بأي طريقة ، ليقول بعد تلك المعاينة السريعة بهدوء جاف
"ألم تجدي ملابس افضل تخرجين بها بهذا الطقس ؟"
اخفضت نظراتها قليلا وهي تتمعن بقميصها الربيعي قبل ان تقول ببرود غير مبالي
"لقد رأيتها الاكثر تناسبا لهذا الموسم ، ولكن لم اكن اعلم بأن تكون الاجواء بهذه الدرجة من البرودة"
تنفس بتململ وهو يرجع ظهره باستقامة ليقول بعدها بحزم جاد
"حسنا يا ساحرتي الصغيرة ، نتكلم عن كل هذا فيما بعد ، الآن حان الوقت لشن الهجوم على كل اصناف الطعام لشحن طاقاتنا ، فلن نمضي اليوم بطوله جالسين هنا"
طرفت بعينيها وهي تشاهد اصناف الطعام المختلفة وكأنها تحاول استيعاب هضم كل هذه الكمية من الطعام ، لتعود بعدها للنظر له وهي تقول بابتسامة ودودة يشوبها التوتر
"هلا اخبرتني ما تحتوي عليه هذه الاصناف ؟ فهي تبدو جديدة عليّ !"
نظر لها بابتسامة حانية وهو يشير بيده على الاطباق كل طبق على حدى بالتوالي قائلا بهدوء
"طبق فول مع الرمان ، وطبق حمص مع شرائح اللحم والفستق ، وطبق بيض مع النقانق ، وطبق سلطة الافوكادو ، وطبق بيض مع البطاطا المقلية ، وطبق اقراص التوست المحمص صنف بالجبنة وصنف باللحم ، وطبق مخللات مشكلة ، والباقي اعادة عما سبق"
ارتفع حاجبيها ببطء مندهش وهي تهمس باهتمام
"شكرا على التوضيح يا استاذ ، لقد ادهشتني"
عبست زاوية من ابتسامته وهو يمسك بالشوكة قائلا بجفاء
"تناولي طعامكِ بصمت"
نظرت للشوكة والسكين امامها وهي تهمس بوجوم
"هل من الضروري استخدام موائد الطعام حتى بالفطور ؟"
تغضن جبينه بهدوء وهو يمضغ لقمة نقانق مع البيض المقلي بهدوء ، ليترك بعدها شوكته جانبا مع السكين وهو يقول لها بابتسامة جانبية بقوة
"لا ليس من الضروري فعل ذلك ، فقد تصرفي على سجيتك ودعكِ من هذه القواعد البالية وتناولي طعامك بالطريقة التي تعجبك ، فهذا ليس الفندق او المنزل يا عزيزتي ، وعليكِ ان تعلمي بأنه مع شادي ليس هناك قواعد او قوانين تحد بيننا فقط حرية وسلام مع سير الامواج التي احددها انا"
اتسعت ابتسامتها بلهفة خفية وهي تلقي بالشوكة والسكين بعيدا من امامها ، قبل ان تتقدم بجلوسها باستعداد وهي تقول بابتسامة واثقة
"ولكنك نسيت بأنني من احدد السماح بمرور هذه الموجة ام لا"
امسك بقرص التوست المحمص وهو يقضم منه قائلا بهدوء
"سنرى ذلك يا ألماستي"
ادارت مقلتيها بعيدا عنه وهي تمسك بقرص توست محمص لتقضم منه بهدوء شديد بدون ان تأبه بنظراته التي تشرف عليها بتركيز ، لتشعر بعدها بمعدتها الخاوية تنهشها بجوع قاهر بعد ان جربت مذاق الطعام الطازج مع منظر الشروق البهي وروائح الحياة الطبيعية تفوح بالمكان وهي تزكم انفها وحواسها بانتعاش روحي ، لتلتهم قرص آخر بثواني يتبعه الثالث وهي تستعد لأخذ الرابع قائلة بين كل لقمة واخرى بجوع مفرط
"هذه الاقراص شهية حقا ، شكرا لك على الوجبة فأنا اتضور من الجوع ، انا....."
توقفت عن الهضم وهي ترفع نظرات حائرة نحو الساكن بمكانه نظراته ما تزال تشرف عليها بتركيز صامت بعث الوجل بروحها ، لتخفض بعدها القرص عن فمها وهي تقول بعبوس قلق
"لماذا انت صامت هكذا ؟ ألم تقل الآن ان نتناول فطورنا بسرعة ! لماذا توقفت عن الاكل ؟"
اسند ذراعيه فوق سطح الطاولة وهو يريح ذقنه فوق قبضته قائلا بتمهل متأمل
"حسنا لقد اكتشفت بأن مشاهدتك وانتِ تتناولين من الطعام بنهم وانتعاش له متعة افضل بكثير من تناوله بنفسي ، فأنا استطيع استشفاف مذاق الطعام ومدى شهيته من تعابير وجهك وحركات يديكِ وإيماءات رأسك ، وكم يعجبني الاستمتاع بهذه التفاصيل الدقيقة والتي تشبعني بنهم"
انفرجت شفتيها بأنفاس مشدوهة وهي تكمل قضم القرص بيدها قائلة بلا مبالاة
"غريب الاطوار"
اختطف القرص منها بلحظة وهو يكمل تناوله بدلا عنها قائلا بتسلية
"يا سلام على المذاق الشهي ، حقا انتِ محقة انه شهي جدا !"
عبست ملامحها وهي تمسح فمها بظاهر كفها هامسة بامتعاض متبرم
"هناك الكثير منها بالطبق ، لما عليك دائما تناول الطعام الخاص بي ؟"
اكمل تناولها بنهم وهو يقول باستمتاع فائق
"لقد اخبرتكِ هذه متعتي الخاصة التي لا تستطيعين افسادها"
ضمت شفتيها بقنوط وهي تقطع قسمة خبز قائلة بجمود
"يا إلهي صبرني !"
ارتخت ابتسامته بحنية وهو يشاهد التي بدأت بالأكل من كل اطباق الطعام المختلفة وهي تقطع من الخبز مرة تلو الاخرى ، ليتسمر بعدها بلحظة ما ان قطع تأملاته التي قدمت له رغيف خبز وهي تقول بابتسامة لطيفة ببراءة
"هل تستطيع مشاركتي بالطعام ؟ فقد سمعت مرة بأنه عندما اتشارك الطعام مع احدهم يصبح تناول الطعام اجمل ومبارك اكثر"
تغضنت زاوية ابتسامته بإثارة وهي تكرر مشهد حدث معهم منذ زمن لا يتذكر تفاصيله جيدا ولكنه يتذكر عباراته ، ليمسك بعدها برغيف الخبز وهو يقول بصوت خفيض اجش
"بالطبع سأفعل"
تألقت ابتسامتها بسعادة وهما يكملان تناول الفطور البسيط ببهجة طغت على الاجواء بينهما وأزالت هالة التوتر عنهما لتغرس دفء الربيع بخواء قلوبهما وتنشر عطرها من حولهما بالسلام والوئام كما كانا يسعيان بعطلتهما .
______________________________
حركت رأسها برفض صارم وهي تشيح بوجهها قائلة بحزم اكبر
"لقد قلت ما عندي يا صفاء ، ولن اعيدها اكثر ، خروج من المنزل ممنوع ، يكفي مررنا فعلتك الاخيرة ولم نخبر جواد عن خروجكِ لكي لا نثير غضبه وسخطه علينا"
تمسكت بيديها بقوة وهي تقول برجاء حزين
"ارجوكِ يا امي ، اسمحي لي بالذهاب للدكان المجاور على بعد شارعين ، واعدكِ ان اعود بسرعة كالمرة الماضية ، هل تذكرين لقد وفيت بوعدي لكِ ولم اتأخر عليكِ ؟ لذا ارجوكِ ان توافقي هذه المرة ايضا"
عبست ملامحها بعدم اقتناع وهي تقول بأسى خافت
"افهمي عليّ يا صفاء ، ليس بكل مرة تسلم الجرة ، لا استطيع المجازفة بهذا الأمر مرة اخرى ، وقلبي غير مرتاح لكل هذه الاعباء ، لا تحمليني اكثر من طاقتي"
زمت شفتيها بعناد وهي تهمس بتوسل طفولي
"لا لن يحدث هذا يا امي ، اقسم لكِ بذلك ، ارجوكِ اسمحي لي بالذهاب"
نفضت يديها بعيدا عنها وهي تقول بغضب مكتوم
"كفى يا صفاء ، اخبرتكِ ألا تلحي عليّ كثيرا ، لا تجعليني اغضب عليكِ يا ابنتي"
سحبت يديها بهدوء وهي تخفض رأسها بانكسار هامسة بصوت جريح
"لما لا تسمحين لي بالخروج ؟ انا لست طفلة حتى تعاملوني هكذا ! هذا الأمر يخنقني كثيرا ، رجاءً"
حركت رأسها نحوها وهي تنظر لها بحزن لتقول بعدها بعطف امومي
"هل خروجكِ ضروري لهذه الدرجة ؟ ألا تستطيعين طلب احتياجاتك من جواد بدل ان تعرضيني لكل هذا الخوف والقلق ! لما تحبين جلب التعب والهم لي يا ابنتي ؟"
نظرت لها بسرعة بدموع حبيسة وهي تهمس بابتسامة حزينة
"الله يبعد عنكِ كل مكروه يا امي ، ولكني بالفترة الاخيرة اصبحت اشعر بالاختناق من كل شيء يا امي ، وكنت ارغب بشراء بعض التسالي والسكاكر من الدكانة فلم استطع شرائها بالمرة السابقة بسبب عدم توفر المال معي ، لذا ارجوكِ ان تتركيني اذهب واعدكِ ان اعود بسرعة"
تنهدت بيأس وهي تمسح بكفها على رأسها هامسة برفق حاني
"حسنا يا صفاء ، قولي دعاء الخروج واذهبي للدكان واشتري كل ما تشتهي به نفسك ، ولكن الأمر لن يأخذ اكثر من عشر دقائق مثل المرة الماضية ، مفهوم ؟"
اومأت برأسها بقوة وهي تقول بسعادة غامرة
"اعدكِ بذلك مثل المرة الماضية ، هل تحتاجين ان احضر لكِ شيء معي ؟"
حركت رأسها بإرهاق وهي تقول بابتسامة هادئة
"فقط اريد سلامتك ، عودي لي سالمة ولا اريد شيء آخر"
اومأت برأسها مجددا وهي تهمس بطاعة
"حاضر"
سارت على الطريق ذاتها والتي تؤدي لمكان الدكانة القريبة على بعد شارعين ، وهي تتراقص بخطواتها بسعادة الفراشة التي اطلق اسرها والتي تشعر بها فقط عندما تخرج من جدران المنزل الكئيب ، حتى زوجها ذاك لم تعد تراه كثيرا كما بالسابق بسبب انشغاله بالعمل على قضية مهمة كما تقول والدته متناسيا قضيتهما المعلقة والاكثر اهمية ، ولكن بما انه يصر على تجاهل هذا الأمر فهي ايضا ستفعل بالمثل وتتجاهله حتى يحين موعده .
توقفت خطواتها بتجمد ما ان شعرت بصوت مريب يتعقبها من الخلف ، لتلتفت للخلف بسرعة بنصف استدارة قبل ان تكتشف خلو المكان تماما ، تنفست الصعداء وهي تدعو بقلبها ان تكون مجرد هلوسات من عقلها صنعها خيالها المرهق .
تابعت سيرها المستقيم بهدوء وهي تعود للتفكير بما عليها شرائه من الدكان ، فهذه المرة قد احضرت مالاً وفيرا سيكفيها لشراء محتويات الدكانة بأكملها ، ولن تنسى عامود السكاكر والذي ستشتري منه كمية مضاعفة يكفيها لأسابيع او اعوام تشبع هوسها به .
شددت على حزام حقيبتها وهي تحيد بحدقتيها جانبا ما ان شعرت بصوت الخطوات والتي عادت لتعقبها من جديد ، ولكن هذه المرة كان يرافقها الظل الطويل والذي ظهر قريب منها وهو يتبعها بنفس سرعة خطواتها يكاد يلاصقها بظله ، لتأخذ بعدها عدة انفاس قوية وهي تتباطأ تدريجيا وباللحظة التالية كانت تستدير بسرعة خاطفة بدون ادنى تفكير ، وما ان وقعت عيناها على هوية المطارد حتى تسمرت بمكانها باستكانة وكل شيء من حولها يتوقف برهبة .
اتسعت حدقتيها العسليتين بنداء الاستغاثة وهي تشاهد نفس الرجل الذي طاردها بالمرة الماضية متجسد امامها من جديد ، وهذا لا يعني سوى شيء واحد لا مجال للشك به ! لتعزم امرها بغضون ثواني وهي تتمسك بحقيبتها لا شعوريا قبل ان تنطلق هاربة من امامه بأقصى سرعة ممكنة وكأن بعوضة قد لسعتها او طاقة دبت بعروق جسدها ليأمر عقلها قدميها بالهروب .
بعد ان قطعت مسافة امتار بالجري توقفت بعدها بلهاث وهي تختبئ خلف حاويات القمامة ، لتستند بجسدها على الجدار وهي تشعر بخفقات صدرها تكاد تخترق قفصها الصدري بذعر شل حركتها وارهق قدميها ، لتهمس بعدها بخفوت مستنجد بخوف
"يارب خيب ظني !"
ابتلعت انفاسها المتسارعة وهي تخطو بضع سنتمترات لتحاول استكشاف الوضع من حولها ، وما هي ألا ثواني فاصلة حتى شعرت بالهواء يكتم عليها بقوة ومنديل يغطي حواسها حتى تخدرت مفاصلها بالكامل وفقدت الاحساس بالواقع وهي تتساقط تدريجيا ، لتلتقطها بعدها ذراعين قويتين شعرت بهما تحملانها بقسوة لواقع آخر غير معلوم ، وهي تسمع آخر كلمات اخترقت اذنيها بغياب الحاضر والمستقبل عنها
"لقد اصبحت الرهينة جاهزة"
______________________________
كانت تتمادى بحركاتها هذه المرة كاسرة حاجز الخوف والخجل الذي كان يحيط بها دفنت معها مخاوفها وكل هواجسها الفطرية...وهي تتمايل على طول الطريق المفتوحة فوق الدراجة النارية المنطلقة بهما بحرية فاقت حدود المخيلة....ولأول مرة تستطيع الشعور بهذه السعادة الحقيقية التي تسمى بأنك (حي من جديد) وهي تنعش الروح وتزيد نبضات القلب حد الانفجار بأصوات مفرقعات العيد...بينما الجبهات الهوائية ترافق رحلتهما المجنونة لتضيف سحرا خاصا يُذهب العقل ويقود النفس لجنون العظمة وكأنه يملك العالم بأسره .
كانت تلوح بذراعيها بالهواء مثل جناحين مستقلين وهي تميل بكل مرة على جانب لتجاري حركات الدراجة النفاذة وكأنها تحلق بعالمها الخاص....وكلما شعرت بانعدام توزان تعود لتتعلق بكتفيه بتشبث وكأنها خائفة من التحليق بعيدا...وما ان تستعيد نشاطها تعود للوقوف بعزيمة اكبر لاغتنام الفرصة وهي تستقبل جبهات الهواء القوية ببرودة عذبة اطلقت حرية جماحها وعبرت بأوردة قلبها حتى رهنت نفسها للحياة امامها...وهو يتخلل بقميصها الربيعي الذي يرفرف من حولها والذي يشارك عنفوان روحها وكل شيء بداخلها يحلق معها بتناغم مصيري .
تمسكت بسرعة بكتفيه ما ان خفف السرعة قليلا وهو يخترق غمامة عالمها قائلا بارتفاع حازم
"يكفي هذا يا ماسة ، لقد تماديتِ بهذا الجنون ، إذا بقيتِ هكذا لن اتحمل اضرار ما سيحدث لكِ"
ضحكت بالقرب من اذنه باستمتاع بالغ وهي تصرخ بحماس منفعل
"يكفي يا ماسة ! يكفي يا ماسة ! كم مرة اعدت هذه الجملة عليّ ؟ ألم تمل منها يا عزيزي ؟ اخبرتك بأنني محمية ولا شيء اخاف منه ، بل عليك انت ان تخاف مني"
عبست ملامحه وهو يمسك بيدها بسرعة ما ان كانت ستسحبها ليقول بقوة ليعلو على صوت المحرك
"ماسة انا لا امزح معكِ ، اجلسي بتعقل وكفى لعباً ، هذه التصرفات ستقضي عليكِ قبل ان تقضي علينا ، لذا اجلسي بكل ادب وتمسكي بي"
عضت على طرف شفتيها وهي تحاوط عنقه بذراعها لتلامس بشفتيها اذنه هامسة بها بمكر متلاعب
"هل خفت يا شادي ؟ ألم تقل سابقا بأنك لن تدع لي حرية السقوط وبأنني سأكون بأمان معك ! ماذا حدث معك الآن ؟ هل شعرت بعدم قدرتك على إيفاء وعدك مع هذه الجانحة ؟"
ادار وجهه قليلا حتى اصبح بالقرب منها وهو يشدد على كفها ليقول بعدها بابتسامة متصلبة
"هذا ليس وقت ظرافتك يا ماسة ، انا اتكلم معكِ بهدوء لا تجعليني استخدم اسلوب آخر معكِ ! يكفي بأنني سمحت لكِ بركوب الدراجة بدون الملابس التي خصصتها لكِ ، وغير هذا ما تزالين تجادلين معي بعناد ! ماذا تحملين فوق رأسك الصلب الذي لا يفكر بأي منطق ؟"
ردت عليه من فورها بهمس مرح
"احمل عقل برأسي ! وألا ماذا سأكون احمل ؟"
حاد بنظراته بضيق وهو يهمس من بين اسنانه بحدة
"ماسة !"
سحبت يديها بعيدا عنه وهي تفرد ذراعيها صارخة بسعادة اطلقت جماحها
"لا تقلق عليّ يا شادي الفكهاني ، فأنا الآن بأفضل حال من الممكن ان اكون عليها يوماً ، ولن يصيبني مكروه سوى ما كتب ان يحدث لي ، لذا اطمئن وارتاح تماما"
شدد على مقبضي التحكم وهو يصرخ بصرامة
"ماسة نحن لا نلهو هنا ، هذا ما تفعليه مجازفة بحياتك ، اقول لكِ مجازفة !"
ردت عليه بصراخ اكبر اخترق الامواج العاتية من حولها
"انا احب المجازفة ، وهذه افضل مجازفة اخوضها بحياتي"
قطب جبينه بتجهم وهو يحاول الحفاظ على توازنه بقدر المستطاع لكي لا تطير من بين يديه وهو يصرخ بها بنفاذ صبر
"كفى يا ماسة ، لا تلعبي بأعصابي اكثر من هذا ، اخبرتكِ كفى....."
قطعت كلامه بصراخ متذمر وهي تلوح بقبضتيها بالهواء
"اوووف ، كم مرة عليك ان تعيد تلك الجملة المزعجة ، لقد بدأت اضجر منها ، ألا تستطيع ان تقول اهدئي يا ماسة ! او اجلسي يا ماسة ! اصمتي ! تعقلي ! اي شيء آخر....."
قاطعها بصرخة واحدة وهو يوقف الدراجة بآن واحد ما ان ظهر مطب امامه
"تبا لكِ"
ارتمت على كتفيه وهي تتشبث بقماش القميص باستماته قبل ان يتوقف المحرك تماما بذات اللحظة ، وما ان اخذ عدة انفاس حتى مسح على ذراعيها المطوقين وهو يقول بقلق اجش
"ماسة هل انتِ بخير ؟"
اومأت برأسها بهدوء وهي ترفع وجهها ببطء لتهمس بعدها بابتسام طفيف
"انا بخير ، وماذا يمكن ان يحدث لي وانت معي ؟"
تنهد بتعب وهو يمسد على جبينه لوهلة قبل ان يقول بجمود قاطع تقمصه بلحظة
"اسمعي يا ماسة ، إذا لم تتعقلي وتجلسي بأدب كما طلبت منكِ ، فلن نكمل الطريق بالدراجة النارية بل سنوقف سيارة اجرة ونكمل طريقنا بعدها ، لذا ما هو قراركِ ؟"
زمت شفتيها بعبوس وهي تهمس بخفوت منصاع
"حسنا فهمت ، لن اتحرك من مكاني وسأكون مطيعة"
اومأ برأسه وهو يمسك بمقبضي التحكم قائلا بهدوء
"جيد ، اتمنى ان تكوني صادقة"
عضت على طرف ابتسامتها وهي تلف ذراعيها حول خصره باستعداد ما ان شغل المحرك من جديد ، ليقود بعدها باتزان وهو يكمل الطريق امامهما بهدوء بدون ان يفقدا روح المغامرة والتي تجسدت بهما واطلقت حريتهما .
توقف امام كشك مشروبات صغير يحوي بعض الكراسي الصغيرة والطاولات بجواره ، وبلحظات كانا يطلبان كوبين من الشاي الساخن بالنعناع من صاحب الكشك ، ليجلسا بعدها عند طاولة صغيرة لا تتسع سوى لوضع كوبين عليها .
رفع (شادي) كوب الشاي الخاص به وهو يشرب منه بدفء ناسب الاجواء المائلة للبرودة ، ليوجه بعدها نظراته للجالسة امامه تحتضن الكوب بين يديها بدون ان تبادر بحركة ، ليبتسم بعدها بتصلب وهو يقول بهدوء جاد
"ماذا بكِ يا ماسة ؟ ألستِ من محبين الشاي ايضا ؟"
رفعت نظراتها ببهوت وهي تهمس بابتسامة صغيرة برفق
"لا انا احبه ، فهو يريح الاعصاب ودواء جيد للقلب"
التوت ابتسامته بهدوء وهو يكمل شرب كوب الشاي قائلا بارتياح
"واخيرا استطعتِ محبة شيء ، لقد توفقت بالاختيار لأول مرة"
اومأت برأسها وهي تشرب من كوب الشاي بصمت وكأنها فرصة للراحة من كل ذلك الصخب الذي كان يحوم من حولهما ، ليقاطع صمت الاجواء صاحب الصوت المبتسم بشرود
"كيف تشعرين الآن ؟ هل انتِ سعيدة ؟"
اخفضت كوب الشاي بهدوء وهي تهمس بابتسامة جانبية
"اكثر مما تتصور ، سعيدة للغاية ، وكأنني لم اعرف السعادة يوما"
زفر انفاسه لوهلة قبل ان يتابع كلامه وهو يشرد بكوب الشاي بيده
"هل انتِ راضية ؟"
نظرت له مطولا وهي تدور الكوب بين يديها قبل ان تتمتم ببرود
"تقريبا !"
نظر لها بسرعة وهو يقول بعبوس جاف
"ماذا تعني هذه الاجابة ؟"
حركت كتفيها باستخفاف وهي تهمس بخفوت
"من يعلم !"
اشاح بوجهه بجمود وهو يكمل شرب الشاي بدون ان يظهر تعبير محدد ، ليجذب نظرهما صوت الذي اقتحم خلوتهما وهي تقول بابتسامة بشوشة
"ما رأيك بشراء زهرة جميلة لسيدتك ؟ فهذا سيجعل سيدتك اكثر سعادة وبهجة"
ارتفع حاجبيه بدهشة وهو ينظر لفتاة لا تتجاوز العشر سنوات تحمل باقة ازهار كبيرة بيديها وتبيع لكل الناس المارة ، ليقول بعدها بابتسامة جانبية بتسلية
"إذا الموضوع متعلق بسعادتها فهي سعيدة بالفعل ، ولكن الحصول على رضائها هي المهمة الاصعب علينا والشبه مستحيلة ، ولا اعتقد بأن شراء زهرة سيفي بالغرض"
اتسعت ابتسامة الفتاة وهي تقول بلهفة من حصل على زبون محرز
"لا تقل هذا الكلام يا سيدي ، فليس هناك شيء مستحيل يصعب عليك ، وصدقني كل فتاة تحب ان يقدم لها فارس احلامها زهرة تدل على الحب المكنون بداخله وترضيها وتذيب قسوة قلبها"
اتسعت ابتسامته بانبهار وهو ينقل نظراته للجالسة امامه غير مبالية بما يحدث من حولها ، ليقول لها بابتسامة ماكرة بهدوء
"هل سمعتي كلامها يا ألماستي ؟ ما رأيكِ باقتراحها ؟ هل اشتري لكِ زهرة كما قالت ؟"
تجمدت ملامحها ببهوت ما ان اصبحت محط انظارهما لتشيح بوجهها بسرعة وهي تهمس ببرود جليدي
"تعرف رأيي جيدا بهذا الأمر ، لذا لا داعي لسؤالي فأنا لا اكترث لكل هذه الشكليات السخيفة"
حرك رأسه بأسف وهو يعود للنظر للفتاة المسكينة التي انكسر املها ليقول لها بعبوس مزيف
"اعتذر يا صغيرتي الحالمة ، ولكن زوجتي تختلف عن كل الفتيات اللواتي ذكرتيهن ، فهي فتاة عنصرية تنتمي لطائفة منفصلة عن الجميع ، لذا لن تستطيع فهمها او مساعدتها مهما حاولت ذلك ، واتمنى ان تجدي زبائن غيرنا يستطيعون مساعدتك"
تبرمت شفتيها بحزن يائس وهي تنوي الرحيل ، ليوقفها بسرعة وهو يدس كفه بجيب بنطاله
"انتظري يا فتاة الازهار"
توقفت بالفعل وهي تنظر ليده الممتدة والتي كانت تحمل بعض الاوراق المالية ، ليتبعها بالقول بابتسامة متسعة بمودة
"هيا خذي مني ولا تخجلي ، هذا ثمن نصيحتك التي قدمتها لنا وثمن العناء الذي تبذلينه بمحاولة اقناع الناس بشراء ازهارك ، واريد منكِ ان تستمري بهذه المهنة وبنشر المحبة والسعادة بين البشر التي تحتاج لأزهارك معهم"
اومأت برأسها بسعادة طفولية وهي تأخذ المال منه بتردد ، لتدسها بعدها بجيب ثوبها وهي تخرج شيء آخر قبل ان تقدمه له قائلة بخجل
"هذا عربون صغير مني ، اتمنى ان تتقبله مني"
نظر بحيرة للسوار بيدها والذي كان يتكون من لآلئ بحرية متصلة بحبل سميك وتتعلق بنهايتها بصدفة صغيرة ، ليلتقط بعدها السوار من يدها وهو يقول بصوت لطيف
"هل هو من صنعك ؟"
اومأت برأسها بقوة وهي تقول بابتسامة عريضة
"اجل انا من صنعه بنفسي ، اتمنى ان يعجب سيدتك"
رفع نظره نحوها وهي تبادله النظر هذه المرة بصمت ، ليرفع بعدها كفه فوق الطاولة وهو يقول لها بابتسامة ساحرة
"هلا اعطيتني يدكِ يا ألماستي ؟ فأنا اريد رؤيتها عليكِ"
ابتلعت ريقها برعشة خاطفة وهي ترفع كفها ببطء قبل ان تستقر فوق كفه بهدوء ، ليلبسها بعدها السوار حول معصمها بيده الاخرى برفق ، وما ان انتهى حتى رفع كفها وهو ينظر لبريق اللآلئ البحرية حول ساعدها الابيض وكأنه قد نحت من حلي الحورية ليناسب حوريته .
افاق على صوت الفتاة الصغيرة وهي تصفق بسعادة قائلة ببهجة
"انه جميل جدا ويناسبها تماما ، انا سعيدة لأنه قد اعجبكما"
رفع نظره للفتاة بدون ان يتخلى عن كفها وهو يقول بامتنان
"شكرا لكِ يا فتاة الازهار ، لقد قدمتي لنا هدية رائعة لا تقارن بالمال الذي اعطيتك إياه"
لوحت بكفها بمرح وهي تهمس بسعادة كبيرة
"بل شكرا لكما على مساعدتي ، وسعيدة جدا بالتعرف عليكما ، انتما اجمل ثنائي رأيته بحياتي ، فرصة سعيدة"
نطقت (ماسة) لأول مرة وهي تحرر ابتسامة لطيفة غزت محياها هامسة بود
"شكرا لكِ"
اومأت الفتاة الصغيرة برأسها بامتنان وهي تغادر بسرعة بعيدا عنهما بحثا عن زبائن آخرين ، لتفيق بعدها على الصوت الخفيض بنبرة شغوفة
"هل اعجبتكِ الهدية يا حوريتي ؟"
اخفضت رأسها بحياء وهي تهمس بخفوت مشتد
"اجل"
رفع كفها المحجوز بداخل قبضته وهو يقبل ظاهرها بعمق قائلا بخفوت اكثر انفعالا
"هل انتِ راضية الآن يا حوريتي ؟"
دست خصلاتها العابرة لخلف اذنها وهي تهمس بابتسامة خفية
"اجل"
حرر انفاسه الاسيرة وهو يمسح بإبهامه على نعومة بشرتها بمداعبة قائلا بصوت اجش مستريح
"وهذا هو ما كنا نسعى إليه"
_______________________________
كانت جالسة بالكرسي الخلفي وهي تكتف ذراعيها بجمود ونظراتها تراقب الوضع من حولها بتركيز مشدود بدون ان تتزحزح من مكانها ، ليقطع عليها تركيزها صوت السائق بالكرسي الامامي وهو يقول بمهنية
"سيدتي ، هل سنبقى ننتظر هنا طويلا ؟ فقد يلاحظنا احدهم ونحن ننتظر عند قارعة الطريق !"
حركت رأسها للأمام وهي تقول بابتسامة قاسية
"هلا اعرتني سكوتك ؟ فقط ركز على عملك ولا تصدر كلاماً ، انا هنا التي تصدر الكلام ، مفهوم !"
اومأ برأسه بأدب وهو يقول بطاعة
"مفهوم يا سيدتي ، فقط كنت اقول هذا الكلام من اجل ألا نجلب الشك او الشبهة بوقوفنا هنا !"
زفرت انفاسها بغضب وهي تهمس بضيق
"لا تقل شيئاً ، وافعل ما اقول لك فقط ، فأنت تعمل تحت امرتي"
تأففت بملل وهي تعيد نظراتها للنافذة هامسة بحنق عابس
"لو انني فقط استطعت تعلم القيادة لما احتجت لوجودك معي ، ولكن قدري بالحياة ان اكون بلا فائدة ولا اجيد فعل شيء سوى إصدار الأوامر"
اخذت لحظات وهي تحدق بالسيارة الواقفة عند الطرف الآخر من الطريق باستكانة ، بدون ان تعلم بماذا تنتظر تحديدا ؟ ولماذا جاءت بنفسها لمكان السيارة والتي من المفترض إيصالها للتصليح كما وعدتها ؟
تنفست بهدوء وهي تمسك بمقبض الباب بجوارها قائلة بحزم
"انا سأخرج لدقائق ، إياك والتحرك من مكانك قبل عودتي"
خرجت من السيارة وهي تضع النظارة الشمسية فوق عينيها السوداوين تحميهما من اشعة الشمس وهي تنفض خصلات متشابكة من ذيل حصانها للخلف ، لتمشي بعدها ناحية السيارة المركونة بخطوات متقاطعة برشاقة حتى اصبحت بالقرب منها ، لتلف بعدها حول السيارة بخطوات حذرة بتأني وهي تبحث بعينيها عن إطار العجل المثقوب ، وبلحظات كانت تقف عند العجل الامامي والذي تبين بأنه العجل المثقوب وسبب تعطل مسير السيارة ، وهي تحاول الانحناء على جذعها بقدر المستطاع واحدى كفيها مستندة على باب السيارة والكف الاخرى فوق ركبتها .
انتصبت (سلوى) واقفة بجزع ما ان قصف صوت من خلفها بنبرة حازمة
"ماذا تفعلين يا آنسة ؟"
تنفست بارتعاش وهي تعدل من وضع النظارة فوق عينيها والتي انحرفت قليلا ، لتستدير بعدها بحذر شديد وهي تتقصى عن هوية الرجل المخترق لمجالها ، وما ان تبادلت النظرات بينهما لثانية حتى انتفضت داخليا وهي تقابل رجل ضخم البنية بملامح جامدة رزينة يقارب من عمر (احمد) ولكن مع ذلك لا تشابه بينهما ، واما (يوسف) فقد كان يراقبها بعدم اهتمام حقيقي وهو يرى امامه امرأة انيقة بملابس تظهر مواكبتها للموضة ومن اي نوع تنتمي من البشر ، بدون ان يستطيع ان ينكر جمالها الباهر وهالة الرقي التي تدور من حولها والتي تتشبه بممثلات هوليود .
قطعت النظرات صاحبة الصوت الراقي وهي تقول بابتسامة يشوبها القلق
"هل كنت تكلمني للتو ؟"
هدئت ملامحه لوهلة وهو يشير بعينيه للسيارة قائلا بجمود
"ماذا كنتِ تفعلين عند السيارة ؟"
التفتت للخلف قليلا وهي تشير بيدها للسيارة قائلة بتساؤل لطيف
"هل تتكلم عن هذه السيارة ؟ ومن انت يا سيد حتى تسألني ! هل انت صاحب السيارة ؟"
تغضن جبينه بتصلب وهو ينقل نظراته للسيارة قبل ان يقول بجفاء
"يمكنكِ ان تقولي نعم ، انا صاحب السيارة"
ارتفع حاجبيها باندهاش وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها قائلة باستهانة
"إذاً انت صاحب السيارة ! إذا كان كلامك صحيحاً اريني مفتاح السيارة"
نظر لها بصدمة وهو يقول باستنكار جامد
"ولماذا سأفعل ذلك ؟"
ابتسمت بتصنع وهي تقول بثقة بالغة
"من اجل ان استطيع تصديقك ، ولو كنت كاذب يمكنك القول فقط مما انت خائف ! فأنا اعرف بأن الصادق لا يكذب والواثق لا يبرر والمحب لا يمل"
غامت ملامحه وهو يشيح بوجهه جانبا ليقول بعدها ببرود جليدي
"لست صاحب السيارة ولكني اعرف صاحبها وهي الآن امانة عندي ، هل فهمتي الآن ؟"
التوت شفتيها بشبه ابتسامة وهي تهمس بخفوت متهادي
"وماذا ان اخبرتك بأني صاحب هذه السيارة ؟"
اعاد نظراته لها بتجمد وهو يقول باستهزاء واضح
"هل اصبحتِ تكذبين الآن ؟ ماذا عن كلامكِ السابق ! هل تحاولين السخرية مني ؟"
ضمت شفتيها بوجوم وهي تدس كفها بسترتها القصيرة بضيق لتخرج منها مفتاح السيارة ، قبل ان تلوح به امام عينيه قائلة بابتسامة شامتة
"والآن هل ما يزال لديك شك بكلامي ؟"
تلبدت ملامحه بغمامة كاسرة وهو يتبادل النظر معها بعمق للحظات حتى ارتجفت اوصالها ، ليقول بعدها بهدوء جامد به نبرة تسلطية
"من تكونين بالضبط ؟ وهل تعرفين روميساء الفاروق ؟"
ابتسمت بصعوبة وهي تستعيد زمام امرها لتخفض كفها بالمفتاح قائلة بشموخ
"انا اكون سلوى رأفت زوجة احمد الفكهاني الأولى وضرة روميساء الفاروق ، وقد ارسلتني لهذا الموقع من اجل ان اهتم بنقل سيارتها للتصليح ، هل تصدقني الآن ام اعطيك اثبات هوية ؟"
تنحنح بتصلب لوهلة قبل ان يقول بابتسامة جامدة بندم
"لم اكن اعرف بذلك ، اعذريني على وقاحتي معك"
حركت رأسها باهتمام وهي تراقب إحراج هذا الرجل المثير والذي يظهر عليه الأدب والنخوة اكثر من الرجال الآخرين والذين اختلطت معهم من قبل ، فهو يذكرها بطبيعة تصرفات بنات (مايرين) والتي سيكون ينتمي لنفس طبقتهم الاجتماعية ومكان نشأتهم ، ولكنه مع ذلك يبدو افضل حالا منهما من ناحية الحياة المادية والشخصية بدرجات ولا يعاني من اي نقص ظاهر .
قالت بعدها بلحظات بابتسامة جانبية برقة
"لا بأس بذلك ، انا اعذرك ، ولكنك لم تعرفني للآن على هويتك ، ما علاقتك بروميساء يا ترى ؟"
ردّ عليها من فوره بابتسامة عملية
"انا اكون والد التلميذ الذي تهتم روميساء بتدريسه بالمنزل ، وقد تركت هذه السيارة بالأمس امانة عندي ، لهذا طرحت عليكِ كل هذه الاسئلة"
عقدت حاجبيها بتفكير وهي تهمس بابتسامة ملتوية
"شكرا لك على حفاظك على الامانة ، ولكن هل تعلم المواصلات التي استقلتها بعودتها بالأمس فقد تأخرت كثيرا بالعودة ؟"
تصلبت ملامحه بلمحة خاطفة وهو يقول باقتضاب
"اسأليها بنفسك فقد تجيبك على تساؤلك"
حركت مقلتيها بعيدا بملل وهي تشدد على المفتاح بيدها لتقول بعدها بجدية
"حسنا يا سيد....."
اكمل عبارتها بهدوء شديد
"يوسف"
اومأت برأسها ببرود وهي تقول بإيجاز
"حسنا يا سيد يوسف ، تشرفت بالتعرف عليك ، هل استطيع الآن اخذ سيارة ضرتي والرحيل بسلام ؟"
اومأ برأسه بهدوء وهو يقول ببساطة
"اجل يمكنكِ الذهاب ، اوصلي لها سلامي معك"
رفعت حاجب واحد بجمود وهي تهمس بابتسامة مستهزئة
"هل تريدني ان اوصل لها شيء آخر ؟"
رفع حاجبيه بتذكر وهو يدس كفه بداخل سترته قائلا بجدية
"اجل هناك شيء آخر"
اتسعت حدقتيها السوداوين وهي تشاهد القلادة الطويلة التي خرجت من داخل سترته ، لترفع بعدها نظرها بارتباك نحو القائل بجمود جاد
"هذه القلادة نستها روميساء بمنزلي ، هل يمكنكِ ان توصليها لها فلن استطيع رؤيتها مجددا ؟"
رفعت نظارتها الشمسية لفوق رأسها تحجز الخصلات المتشابكة بإحكام لتتضح الرؤية امامها ، لتبتسم بعدها بارتجاف وهي ترفع كفها بتردد هامسة بخفوت
"اجل اكيد ، سأوصلها لها واخبرها بسلامك ، فنحن نعيش بنفس المنزل ونرى بعضنا كل يوم"
وضع القلادة براحة كفها بهدوء وهو يقول بابتسامة قوية
"شكرا لكِ يا آنسة سلوى ، انا واثق بأنها ستطير من السعادة عندما تعرف برجوع قلادتها فيبدو بأنها مهمة جدا بالنسبة لها"
اومأت برأسها باهتزاز وهي تخفض قبضتها التي تحوز على القلادة حتى ارتمت على جانبها ، لتهمس بعدها بخفوت باهت
"لا تقلق سيصل سلامك ، عن إذنك الآن"
استدارت بسرعة وهي تشق خطاها باتجاه سيارتها التي ما تزال تنتظرها عند طرف الطريق ، وما ان دخلت من باب السيارة الخلفي حتى جلست بقوة وهي تخلع النظارة من فوق رأسها لتلقي بها بعيدا ، ليقطع عليها خيط الشرود الصوت المنخفض بتهذيب
"ماذا حدث يا سيدتي ؟ هل نتحرك ؟"
ابتلعت ريقها بجمود وهي تنظر له بإيباء قائلة بنبرة تجردت من الحياة
"اتصل بقسم الصيانة واخبرهم بموقعنا ليحضروا احدهم ليصلحوا سيارة روميساء ، وبعد الانتهاء من اصلاحها عليك ان تقودها لتوصلها امام باب المنزل ، هل كلامي مفهوم ؟"
اومأ السائق برأسه وهو يقول بخضوع
"حاضر يا سيدتي ، اعتبري الأمر منجز"
حركت رأسها بعدم اهتمام وهي تخفض نظرها للقلادة التي تقبع بقبضتها ، قبل ان تلامس بأصابعها على الرسم بقرص القلادة وهي تهمس بابتسامة مائلة بسخرية
"حتى انه لم يبذل مجهود بالتكلم برسمية عن المعلمة روميساء بل قطعها ورفع الكلفة ! وهذا هو الذنب الذي لا يغتفر"
اكملت تأملها بقرص القلادة وهي تشدد من القبض عليها حتى شعرت بنيران تنشب بخلدها وتلظى بخلجاتها لتبرق بمقلتيها بدموع حبيسة قهرت روحها ونحرتها .

نهاية الفصل........

بحر من دموع حيث تعيش القصص. اكتشف الآن