الفصل التاسع عشر (ثمن المعرفة)

7 3 0
                                    

لكل شيء في هذه الحياة ثمن، فمثلما تأخذ عليك ان تعطي ففي سبيل العلم نحن نخسر الوقت والقوة نخسر الراحة لكن ما هو ثمن المعرفة، معرفة أمور غُيبت عن الناس…

وصل إكليو ومادي الى منزل العجوز في الصباح تردد الاثنان في الدخول فالعجوز كانت مخيفة بالنسبة لهما لكن الباب فُتح لوحده. دلف الأثنان الى الداخل وكما في الامس مجلس العجوز لم يتغير بقيا واقفين الى ان طلبت منهم الجلوس. كسر صوت العجوز الصمت القاتل قائلة 'إذا هل فكرتم بثمن المعرفة؟' قال إكليو 'حياتنا!' قال مادي 'اطلبي ما تشائين أيتها العجوز' قالت العجوز 'في الامس كنت كالفرخ الخائف والأن تتصرف كدجاجة' أطلقت ضحكة كصوت صرير الباب ثم تابعت 'الثمن يعتمد عليكما فقد تخسران عقليكما او ربما حياتكما' قال مادي 'إذا متى ستخبريننا؟' قالت العجوز 'الان' بدأت تتمتم بلغة لم يفهمها الأثنان وكأنها تغني وتلاعب النار بيديها ثم قالت 'انظروا للنار ولا تزيحوا اعينكم عنها' فعل الاثنان ما طلبته منهم كم مضى من الوقت ساعة ثانية؟ لا أحد يعلم لكن انفصل الاثنان الى عالم أخر وكأنهم عادوا الى الماضي او ربما الى داخل عقلهم الى أشياء قد نسياها منذ زمن بعيد…

صوت طفل يبكي يخالطه صوت غناء امرأة يهدأ الطفل ليستمع الى كلمات الاغنية...

بعيدا بعيدا في ارض البحار

ينهض طفل باسم الابطال

يركض سريعا بصوت الجبال

ليفتح لنا جميع الابواب

يشعر الطفل أن شخصا يحمله الى حجره لم تكن المرأة بل كان رجل قال 'ستصبح رجلا عظيما يا بني يمكنني ان اعرف ذلك من قوة بكائك' قالت المرأة 'لا تسخر من ابني' ضحك الرجل وقال مداعبا الطفل 'هذا الطفل لم يجعلنا ننام لعدة أيام أليس هذا دليل على قوته فمن استطاع التغلب على النمر؟' انها كلامه بضحكات محارب عالية قالت المرأة بعد ان اخذت الطفل الى حجرها 'هذا لأنه أبن أبيه' اخر شيء أستطاع رؤيته هو وجه أمه الدافئ قبل ان تنتقل الذكرى الى جسدها المّدد على السرير وسعالها العالي وهو عند رأسها ينظر لها وهي توصي زوجها 'أهرب من هنا ولا تعود أبدا لا تخبر أبننا بشيء اروجك دعه يعيش حياة مسالمة' يجيبها زوجها بصوته الباكي 'أعدك بذلك' تنتقل الذكرى وهو محمول على كتف والده يهيمون في البراري لا يعرف وجهته…

نار مشتعلة والظلام دامس مستلقي على حجر والده قائلا 'سأبذل كل جهدي حتى تعيش حياة اخرى مختلفة عن مصيرك لن ادعك تعيش مثل ما يرغبون' اغمض الفتى عينيه ليفتحها مجددا ليرى نفسه محاط من قبل أشخاص يرتدون السواد ويحملون السلاح وأبوه يواجه هؤلاء الاشخاص يختبأ الطفل خلف والده ويسمع أحدهم يقول 'أعطنا الطفل ونعطيك الأمان' يرفض الاب قائلا 'تأخذ روحي ثم تأخذ الطفل' بعد معركة دامية يستطيع الأب الجريح هزيمتهم…

رجل مستلقي على الأرض بجروح عميقة وطفل يبكي على صدره يخرج رجلا من العدم ويبدأ بعلاج جروح الرجل وقبل أن يغادر يخبره 'أذهب الى الجبال المحرمة والتجأ بقريتهم فهم سيحمونك ولا تحاول محاربة القدر فإن المكتوب سيحصل مهما بذلت من جهد' انها الرجل كلامه وذهب سيرا ناحية الظلام الى أن أختفى بينما كان الاب يخفي عينيه الباكيتين بذراعه…

يسير الطفل بجانب والده وأمامهم منظر الجبال المحرمة تقترب أكثر وأكثر، وصل الأثنان الى القرية وعند بابها استقبلتهم امرأة عجوز ترتدي السواد قائلة 'أخبروني بقدومكم فأهلا وسهلا بكم'…

الطفل يلعب مع الفراشات بينما الاب يقوم ببناء منزل فوق الشجرة…

يراقب الطفل النجوم مع والده يخبره بأسمائهم وكيف يستدل بهم وقصص عن النجوم ويخبره أن أمه أصبحت نجما أيضا وأنها تراقبه من السماء…

يركض الطفل خلف والده تبدوا كحياة مسالمة يشعر الاثنان بسعادة غامرة…

يظهر رجلا بجانب والده أنه نفس الشخص الذي عالج والده يخبره والده انه صديق له وسيأتي للزيارة بين الحين والاخر…

يجلس الفتى بجانب الرجل ويقص له عن قصص النجوم يستمع الرجل بحرص وكأنه يستمع لها للمرة الاولى في كل مرة يقصها الفتى له…

في يوم ما بينما كان يلعب مع الفراشات والغزلان ناداه والده قائلا 'سأذهب في رحلة لبعض الوقت هناك شيء علي فعله لذا ستبقى مع المعلم وهو سيعتني بك' قال الفتى 'هل ستتأخر' أجاب الاب 'أعدك أني لن أفعل' بعدما غادر كان الطفل يراقبه حزينا الى ان بدأ بالبكاء فقال له المعلم 'لا داعي للبكاء يا فتى فوالدك سيعود كما وعدك' ثم قال الفتى باكيا 'لهذا أنا أبكي فوالدي دائما ما يخلف وعوده' وقد كان محقا فهو لم يعد منذ وقتها…

'عليك ان تصبح قوي ينتظرك مستقبل قاسي وحاظر مؤلم ومصير العالم كله يقع على كاهلك' هذا اخر شيء استطاع الفتى تذكره…

فتح عينيه بثقل رائحة الحطب المحترق وصمت قاتل رفع نفسه بثقل وحينها رأى صديقه مادي جالسا ينظر للنار بعيون حزينة فقال له 'هل تذكرت ما تريد تذكره' فأجابه 'أنا لم انسى شيء فقط كنت أحتاج الى صفعة لأتذكر وحصلت عليها' ثم تابع كلامه 'ماذا عنك؟' أجاب إكليو 'لم اتذكر كل شيء، ما زلت أشعر بالضياع وكأن جزء مني قد سُلب' قالت العجوز مقاطعة نقاشهم 'لا بأس ستجده لازلت صغيرا على تحمله عقلك يدرك ذلك أكثر منك' لم يجب إكليو وبقي يراقب النار بصمت…

البحر السابع حيث تعيش القصص. اكتشف الآن