يحمل الليل معه السكينة والهدوء، إلا لتلك القلوب الحائرة، يحمل لهم ستارا لتختبئ دموعهم في ظلامه، وتعتاد عيونهم على ظلامه، فالقلوب المكسورة لا ترى النور أبدا.
شعشع نور الشمس في وقت مبكر، نهضت المدينة واشتعلت نشاطا، تبدأ الأعمال في وقت مبكر فهم مثل العصافير تزقزق مع أول إشراقة، ويطيرون خارج أعشاشهم بحثا عن رزقهم.
خرج دان مع مادي ليغير من مزاجها، وليريها جمال المدينة، لقد كان مدهوشا بها، فالأرض اكتست بلون أوراق الأشجار، والزهور زينت الأطرقة، لقد كان منظرا غير مألوف بالنسبة له، تنهدت مادي طوال الطريق، فكلما رأت جمال الطبيعة تذكرت إكليو، فهو عاش بين أحضان الطبيعة، صادق الزهور والاشجار، ولعب مع الطيور والغزلان، والان هو وحيد يائس، ليته يعود ذلك الطفل السعيد، المتفائل رغم كل المصاعب، اعتادت مادي أن تكون الغاضبة والحزينة، وأن يخفف عنها إكليو، لكن هذه المرة مختلفة، لقد أقسمت بحمايته ولكنها الان ضائعة لا تعرف ماذا تفعل.
جلس الاثنان في أحد الحدائق، قال دان وهو ينظر في الارجاء 'أعرف في ماذا تفكرين، أنا ايضا لا يمكنني تصديق كلامه، منذ أن ظهر وأنا أشك به، ولكنكم لا تصدقوني' حرك جسمه كاملا ناحيتها ثم قال بحماس 'لا تصدقي كلامه، هو بكل تأكيد يحاول خِداعنا، فكيف لرجل سكن مملكة بحر النار أن يكون صديق حاكم هذه المملكة، لنقل أن قصته حقيقية وهو عاش مئات السنين، ماذا عن ذلك الحاكم؟ كم عمره؟' أراد الاستمرار في الحديث لكن مادي قاطعته قائلة 'أنت لا تعرف شيء، لذلك أرجوك لا تخبرني ماذا أصدق' نهضت من مكانها عائدة نحو القصر، لحقها دان بكل سرعة حتى يسير بجانبها ثم قال 'معك حق، لا يحق لي ذلك أنا أسف، كل ما أريده هو أن أراكِ مبتسمة مجددا' توقفت عن السير نظرت له بحزن وشك ثم قالت 'شكرا لك، أقدر محاولتك، لماذا تشك به ليڤ؟' قال دان بتوتر واضح 'أليس واضح؟ إنه شخص مريب، أنتِ و إكليو تثقان بالجميع، لهذا علي أن أبقى معكم' سار مبتعدا عنها بعد أن أنهى كلامه بقيت تراقب ظهره المبتعد وهي تفكر بمن عليها أن تثق الان؟.
عادت الى القصر وتوجهت مباشرتا الى غرفة إكليو، دقت الباب ولم تسمع جواب فهمت محاولة أن تدخل لكن الخادم منعها قائلا 'أعذريني أنستي ولكن من غير المسموح أن تدخل أنسة غرفة الرجال' فقالت بتوتر 'إكليو لا يجيب وأنا أريد الاطمئنان عليه' فقال الخادم 'سأفعل ذلك لأجلكِ' ابتسمت له شاكرة فدخل الغرفة لعدة دقائق ثم خرج منها قائلا 'السيد إكليو ليس بغرفته يا أنستي' قالت بقلق 'وأين هو إذا' قال الخادم 'لا علم لي، ولكن إذ أحببتِ سأبحث عنه بنفسي وأجلب الخبر لكِ' قالت بسرحان 'حسنا، سأنتظرك في غرفتي' أنحنى الخادم لها وغادر المكان بقيت تنظر الى باب غرفته ثم ذهبت الى غرفتها منتظرة الخبر عن مكانه.
كان إكليو يجلس على أحد أغصان الشجرة، خرج له عن طريق نافذة القصر، يتأمل المكان رغبة في الهروب من أفكاره، حينها سمع صوت ليڤ يحادث دان فأنصت قليلا لكلامهم، قال ليڤ 'ما هي علاقتك مع مادي؟' قال دان غاضبا 'وما علاقتك أنت؟' فقال ليڤ 'لا شيء فقط الامر مريب، راقبت علاقتكم طوال الطريق، يبدوا لي أن مادي متعلقة بإكليو أكثر منك، وأنت لا تمانع ذلك' فقال دان مدافعا عن نفسه 'لأنه صغير، هي تعامله مثل طفلها الصغير' قال ليڤ مبتسما بخبث 'تكذب على من؟' أنزعج دان وقال غاضبا 'أخرج ما في خلدك أيها الخلد' فقال ليڤ بهدوء 'من فينا الخلد الذي يختبأ في الظلام؟' ثم تابع كلامه قائلا بصوت حاد 'ما هي غايتك من مرافقتهم؟ ما الذي تريده من البحر السابع؟' فرد له دان وقال 'وما هي غايتك أنت؟' أجابه ليڤ 'لا تتغابى معي' شعر إكليو أن الحرب ستقوم بين الاثنان فقرر التدخل، إلا أن صوتا قاطعهم، صوتا حزينا مكسور، يتقطع له الفؤاد قائلا 'هل تعرفان أين إكليو؟' فقال دان بصوت مليء بالحنان 'ما زلتِ تبحثين عنه، ما رأيكِ أن تتركيه لوحده قليلا؟' شعر ليڤ أنه فعل ذلك عن عمد كان يريد الكلام ولكنها قالت 'أعتدنا على الحزن معا، لا أطيق أن أتركه يعاني لوحده' أنهت كلامها ببكائها المعهود الذي لم ينقطع منذ الأمس، ضمها الى صدره محاولا تهدئتها، ثم أمسك كتفها ليعيدها الى غرفتها. بعد أن عم الصمت المكان فتح ليڤ النافذة ثم قال مخاطبا إكليو 'الى متى ستبقى هاربا هكذا' فأجاب بحزن 'لا يمكنني توريطها معي أكثر' فقال له ليڤ 'ولا يمكنك إلا أن تورطها معك'.
الانكسار ليس مجرد شعور، هو ألم لا مُسكن له، يبدأ من خلف ظهرك فيقوسه لك، ويجعلك تبدوا كعجوز عاش هولات السنين، ويأخذ من جمال وجهك، لتستقر تقوسات الحزن فيه، حتى يصل الى صحتك فيأخذ منها ما يستطيع، ويبقيك جسدا بلا روح.أستقر الجميع في مكتب الملك مجددا ليسألوا ويجيب عليهم.
قال إكليو 'إذا ما هي الخطة'
كان واضحا من وجهه الحزن وكأنه عاش عشرين سنة، كبر بين ليلة وضحاها، حتى شاب منه الشعر.
فأجاب الحاكم 'ستتابعون جمع البحار وبعدها نحارب سايلين وجوان، ستستطيعون هزيمتهما بقوتكما أنتما الاثنان' أشار الى إكليو وليڤ، لم تعجب الخطة مادي فهي رأت شيء لم يره غيرها فقالت بغضب 'وهل تضمن سلامته؟' فقال الحاكم 'أنا أراهن بحياة صديقي ايضا' ضحكت بسخرية وقالت 'صديقك؟ لا أظنه يشاركك المشاعر' انزعج الحاكم ثم قال 'أعلم الى ما ترمين إليه، قد تكون علاقتنا مختلفة عن علاقتكم، ولكن هذا لا يعني أني لا أهتم لحياته، لا تظني لوهلة أنكِ الشخص الوحيد الذي يملك مشاعر هنا' وضح الغضب من كلام الملك رغم هدوئه في الكلام، لم تتغير ملامحه او نظراته، رغم ذلك لقد كان غاضبا. غضب مادي لم يهدأ من كلام الملك بل زادها حنقا فقالت مواجهة الملك 'نحن حتى الأن لا نعرف شيء عنك، أسمك، والثمن الذي دفعته للبحر للحصول على هذه المملكة' لم يحرك الملك ساكننا بل بقي مركزا عليها حينما قال 'أسمي هو الملك، جلالته، السيد، او أي شيء يدل على الاحترام، ففور أن يولد الملك لا يعطى أسم، وهذا أحد قوانين مملكتنا' قاطعته قائلة 'وما الذي يحدد أحقيتك في الملك؟' فقال 'لا شيء سوى القدر، ولعنة البحر' صمت قليلا وكأنه يراجع ما عليه قوله بحذر ثم قال 'ربما علي أن أحكي لكم قصة أخرى حتى أضع باقي النقاط على الحروف'…
أنت تقرأ
البحر السابع
Adventureعندما تكون العظمة هدفك، والشجاعة سلاحك، والفضول دافعك، فأنك ستنطلق الى اعمق البحار للبحث عن الكنز المفقود.... "المكان مظلم وجاف ويشعرك بالاختناق انه اعمق مكان قد تصل إليه داخلك، انه المكان حيث تفقد فيه روحك، واملك، وقوتك، لذا قاتل حتى لا تصل الى هذا...