الفصل السابع والعشرين(بطل)

9 3 2
                                    

شعرت مادي بنوع من الحنين بينما كانت تتجول في العاصمة، لكنها أدركت أن هذه ليست مشاعرها بل مشاعر أمها، هاجمتها بعض الذكريات الخاصة بأمها، بينما كانت تتجول مع الحاكم في العاصمة على أحصنتهم، لم يركبوا عربة قط فكان الأثنان لا يحبان وضع حاجز بينهم وبين شعبهم، يبادلوهم التحيات ويسمعون لشكواهم بكل لطف ورحب.

نزل إكليو السلالم بهدوء وكأنه يألف هذه الغرفة، كانت مظلمة ورطبه ولها رائحة كالعفن، لم يكن هناك مصدر للنور مظلمة كالقبر تماما وربما كانت قبرا، قبرا أخفت جثة من عالم أخر أكثر ظلمة من الحياة نفسها.

وصلت مادي الى معبد العاصمة، عرفت انهاستجد كتاب النبوءات هناك، أشتهر كاهن معبد أرما انه يتنبأ بالمستقبل، لكن لا أحد يعرف قرب ذلك المستقبل من بعده، فتحت باب المعبد، وكما توقعت لقد كان مشابه لتصميم معبد قرية ارجان لكن أكثر بهرجة ولمعانا، بدأت بالبحث عن مذكرات الكاهن في كل غرفة في المعبد.

بقي إكليو ساكنا بعد أن نزل السلالم كلها حتى تعتاد عينيه على الظلام، بدأ يستشعر ما حوله، تعلقت رفوف على جدران الغرفة تحتوي على كتب ومخطوطات، توسطت الغرفة طاولة من خشب بني صغيرة تتسع لكتاب واحد فقط بدون كرسي، توجه الى الطاولة ليرى مغلف رسالة متروك فوق الطاولة مكتوب على الغلاف "إليك".

دخلت مادي جميع غرف المعبد، ابتدأت بالمكتبة فهذا مكان الكتب الطبيعي، بحثت عن ممر او مخبأ سري لكنها لم تجده، توجهت الى الغرفة المجاورة ووجدتها غرفة مليئة بالأقمشة، مما أثار هذا تعجبها بحثت بين الاقمشة ولكن لا أثر، شعرت بالتعب لذلك جلست قليلا، بدأت تفكر بعقلانية لكل كاهن غرفة خاصة ربما خبأ الكتاب هناك، أخذت رشفة من الماء ثم مسحت فمها بكم ملابسها معلنة عن حماسها لمتابعة البحث، ميزت غرفة الكاهن بسرعة بسبب تشابه التصميم، فتحت الباب لتجدها غرفة فارغة من كل شيء، تتوسط الغرفة طاولة ارضية متوسطة الحجم ولكن ما فاجأها هو وجود كتاب ذهبي اللون على الطاولة.

فتح إكليو الرسالة فضها وقرأها وما ذُكر فيها:

‘عزيزي،

أعلم أنك تملك الكثير من الأسئلة ومحتار بأمرك، لكني أثق أنك ستجد السبيل لأنك البطل، والبطل لا يهزمه حزنه او غضبه.

اخليت الطريق لك وسأستمر الى أن نلتقي مجددا، أريدك أن تعلم أني مشتاقة لك مثلك، وأني كنت معك في كل خطوة من حياتك، وأني أسفة لأني لا أستطيع أن أكون بجوارك، سأبقى أحبك للأبد.

                                 من أمك'.

توجهت مادي الى الكتاب، لقد كان مصنوع من ذهب 'تستمر هذه المدينة بإدهاشي' قالت مادي وهي تتحسس الكتاب، فتحت صفحاته المصنوعة من الحرير الخاص وبدأت تتأمل الكتاب، كان فارغا إلا من صفحة واحدة احتوت على 'هلاك البشرية سيكون على يد فتى سُمي باسم الأبطال'.

أغلق إكليو الرسالة ووضعها مكانها على الطاولة، غادر الغرفة متوجهاً الى غرفة المؤن بشكل عفوي وكأنه عاش في هذا القصر منذ الطفولة تنقى من الطعام ما يدوم طويلا ووضعه في حقيبته، وغادر القصر متجهاً الى النافورة الضخمة ذات تمثال الجنية عديمة الملامح.

أغلقت مادي الكتاب وغادرت الغرفة، تابعت طريقها الى باب المعبد حتى اصبحت في الخارج، تنهدت بعمق ثم توجهت الى مطعم قريب من المعبد، وأخذت بعض الطعام المجفف والمعلب وبعض الملح والفلفل وبهارات استحسنت رائحتها، رتبتهم في حقيبتها بحرص حتى تستطيع أخذ أكبر قدر من الطعام، أغلقت حقيبتها ووضعتها على ظهرها، شعرت بالحزن أنها لم تستطع أخذ بعض القدور والسكاكين معها، بقيت تتأمل المطبخ وتتذكر الأيام الماضية مع عائلتها الصغيرة حينها لم تدّرك أبداً أن هذه الأيام قادمة.

بقي إكليو يتنظر مادي وهو يلعب بالماء داخل النافورة بيده، ويشكل موجات دائرية داخل الماء الساكن، وصلت مادي وقالت بينما كانت تسير 'هل انتظرت طويلا' قال إكليو وتركيزه على الماء 'ليس طويلا' قالت مادي 'هل وجدت ما كنت تبحث عنه؟' قال إكليو بنفس الجمود 'أجل' ابتسمت مادي وقالت 'جيد وأنا أيضا، دعنا نمضي الى وجهتنا التالية مملكة بحر عشير' قال إكليو 'أجل' نهض من مجلسه وتوجه بشكل آلي الى الشمال جهة مملكة عشير دون النظر حتى للخريطة، بقيت مادي تراقب إكليو من الخلف بتوجس، هذا الطفل هو السبب في كل هذا، وإذا استمر الأمر البشرية كلها ستفنى، هل علي التخلص منه لأجل البشرية؟ أم علي التخلص من البشرية لأجله…

البحر السابع حيث تعيش القصص. اكتشف الآن