الفصل السابع والثلاثون (لعنة بحر النار)

5 2 0
                                    

'ربما لن تصدقوا هذه القصة، ولكنها حدثت حقاً' هذا ما بدأ الحاكم كلامه به، ثم تابع قائلا 'في فترة الحروب، قبل مئة عام، سكن هذه المنطقة خلق من الجان، يقال أنهم خلقوا من النار، وهناك من يقول أن أجسادهم تقبلت النار، لا يهم أيهم أصح فهم عاشوا هنا بسلام، الحروب أبادت الكثير من الارواح، وعانا الكثير بسببها، قلة من البشر الذين لا ينتمون الى أحد لجأ الى هذه الارض، وطلبوا العون من الجان قائلين لهم سنصبح عبيدا عندكم، ولكن أرجوكم لا نريد العودة، صدق الجان كلامهم، ولكنهم يعرفون البشر جيدا، فوضعوا الضمان بأن يحترق كل من يحاول الانقلاب عليهم، وهذا ما حدث بعد عشر سنين من العبودية، حاول أحدهم الانقلاب وجمع بعض من العبيد معه، ولكنهم اشتعلوا أمام الجميع وباتوا رمادا في لحظات، خاف البشر كثيرا وظن الجان أنهم بسطوا هيمنتهم على البشر، ولكنهم أشعلوا نارا أخرى بداخلهم، لم تكن نار الانتقام بل نار الخوف، الانسان عندما يخاف يصبح كالمجنون، راغبا بالأمان، وقد يفعل أي شيء ليناله، وقد يتعاقد مع الشيطان ليناله، وهذا ما فعلوه عندما خرج ذلك الرجل أمامهم، وقال لهم خلاصكم عندي، كل ما عليكم فعله هو أسر أبنة الملك داخل هذه القلادة، وأخرج أمامهم قلادة كشعلة النار بشكلها، وكحجر البركان بسوادها، وتابع كلامه قائلا أن على أحد ما أن يضحي بنفسه وبنسله، فأسرها سيعطينا القوة والجبروت ولن يستطيع أحد هزيمتنا، ولكن الملك ونسله كلهم سيولدون ببنية ضعيفة، ولن تسمح لهم بفعل شيء، وافق أحدهم بسبب خوفه على بنو نسله، وليته لم يفعل، أخذ القلادة وضمها في جيبه، علمه الرجل كيف يفعّلها، التعويذة التي ستضمن مستقبل البشرية، كان الرجل يعمل خادما في قصر الملك، والاقتراب من الاميرة لم يكن صعبا أبدا، كانت الأميرة المشتعلة تراقب السماء، حينما أقترب منها بهدوء، لكنها شعرت به وقالت له هل تظن أننا سنستطيع رؤية النجوم هنا يوما، لم يستطع الرجل سلب روح الاميرة أبداً، فقد كانت لطيفة القلب ورقيقة المشاعر، لم يرغب بتدمير روحا نقية بسبب انانية البشر، فتراجع عن مهمته وكان يماطل القوم، حتى شعرت إحدى الخدم بذلك، وقد كانت زوجته، وبينما كان نائما سرقت القلادة الأصلية وبدلتها بأخرى مزيفة، حتى لا يشعر زوجها، لم تكن تعرف التعويذة ولكن بفضل حيلتها جعلت زوجها الأحمق يخبرها، كان يوما حارا بطبيعة الحال، كانت الاميرة تستحم في بركة من الحميم، وكانت الخادمة تراقبها بهدوء، أخر يوم لها دعها تستمتع قليلا، هذا ما فكرت به الخادمة قبل أن تسجن الأميرة للأبد، بعد أن سجنتها تصلبت جلود البشر وتضخمت، وفقد الجان قوتهم النارية، فهرب من هرب ومات من مات، هتف البشر بسعادة منتصرين أنها الحرية، ولكن سرعان ما قامت الحروب الاهلية فكل منهم يرغب بحكم الارض، منهم من أيد أن يكون الخادم الحاكم، فهم كانوا يظنون أنه هو من أسر الاميرة، ومنهم من كان يرى نفسه أهلا للحكم منه، أما الخادم فقد كان يبحث عن زوجته، لأنه أدرك أنها الفاعلة، وصل الى البركة الخاصة بالأميرة، ولكنه لم يجد زوجته، كانت القلادة على الارض عرف أنها دفعت الثمن فبكى وناح على زوجته، ثم سمع صوت الأميرة من داخل القلادة، يقول هذا المكان به الكثير من النجوم، عرف الرجل بشكل فطري كيف يتحكم بالقلادة وقوتها فبدأ اولا بتوحيد الصفوف، وأنشاء هذه المملكة، تزوج الملك بعد فترة من بني جنسه، وأنجب خمس أطفال بينهم طفل واحد مريض، فقال لهم الحاكم ان الوريث الشرعي للمملكة هو الطفل المريض، ومذ ذلك الوقت وهو العرف المتبع، الذي لا يعرف أحد سببه سوى الحاكم' أعلن بصمته نهاية القصة ولكنه تابع كلامه بعد وقت لم يطل 'هذه القوة كانت لعنة لبني جنسنا، وللجان أيضا، ليتهم عقدوا الصلح مع بعضهم، ليت هذا العذاب لم يكن.............على الحاكم أن يكون ضعيف البنية، حتى لا تسرق البحر منه الحياة، فيحكم طويلا، ولا يخشا أحدهم الحكم، وبالمقابل هو يختار أحداً من بني جنسه ليفتدي به، نعم نحن، لا أنا، كلا كلنا، قتلنا أبناء جلدتنا، لأجل ماذا؟' توقف عن الكلام وبدأ بالبكاء كطفل سُرقت منه حلواه، ثم تابع كلامه بصوته الباكي يقاطع كلماته زفيره المختلط بحسرته 'لم نرد سوى الحياة، لكننا واجهنا الموت، قتلنا ألاف من الجن لكي نأخذ مكانهم، ولكي نعيش سلبنا أرواحنا، ماذا فعلنا، هذا ثمن القوة، ثمن الحياة، بدونها ما كنا لنصمد في هذه الارض القاسية، بدونها ما كنا لنكون، ولماذا نكون و ما الهدف من كياننا، مأسورين في هذه الارض القاسية، أخبرني أيها الفتى هل رأيت سكان المملكة؟ كيف كانوا؟ سعداء أم تعساء؟ هل سمعت ضحكات الاطفال؟ أم عويل النساء؟ أرجوك حررنا من هذا العذاب' عاد للبكاء مجددا بصوته العالي، ونياحه الذي لا يتوقف، نظر الثلاثة الى بعض بصمت حائرين في أمرهم، فهم لم يروا بشرا سوى الحراس وسكان هذا القصر، شعروا بالشفقة عليه ولم يعرفوا ماذا يقولوا إلا شخص واحد قال بجمود 'فقد الملك عقله منذ أن أستلم العرش' نظرت مادي بوجه شاحب وخائف الى ليڤ قائلة 'ما الذي فعله؟' صدم دان عندما أدرك الامر نظر الى إكليو الذي لم يغير من جلسته مركزا نظره على الحاكم قال إكليو 'أعطنا البحر' نهضت مادي من مجلسها وقالت بغضب 'ما الذي فعلته؟' قال الحاكم بصوت هادئ 'ما الذي فعلته؟' ثم تابع البكاء مما جعل مادي تزداد غضبا، فتوجهت الى السرير مسرعة لم يستطع دان إيقافها، ولم يحاول الاخران ذلك، لأنه كان عليها أن ترى ذلك الجسم النحيل، صدمت مادي مما رأت، لقد كان الحاكم ضعيف الجسد حتى بانت أضلاعه وقفصه الصدري، وكأنه هيكل عظمي مغطى بجلد بشري، بقايا شعره الاسود على رأسه توضح أنه كان ينتفه بين الحين والاخر، عينيه الشاحبتين كبقعة دم من كثر بكائه، وكان بياض بؤبؤ عينيه كالقمر المضيء في سماء مملكتهم المحمرة، شعرت بالخوف فتراجعت ببطء حتى وقعت ارضاً، تقدم إكليو ناحية الملك ومد يده له قائلا 'أعطني البحر' ولكن الملك تمسك بإكليو قائلا له 'أرجوك، أنا أرجوك، حررنا مما نحن فيه أرجوك' عانق إكليو الملك ثم همس في إذنه شيئا فهدء الملك وعدل من جلسته، ثم أخرج قطعة حجر من أسفل وسادته، بشكل شعلة النار وسواد حجر البركان، أعطاه الى إكليو ثم قال له 'أنا أسف' فور أن أستلم إكليو الحجر من يد الملك أستلقى على فراشه، واغمض عينيه حتى خف أنينه، مات الملك بعد عذاب طويل مع نفسه، بعد أن أنهى حياة جميع سكان مملكته، واحدا تلو الاخر، اراحهم من هذا العذاب الابدي، فاللعنة الثانية من البحر لم يكبر أحد من السكان الأصليين ولم يمت أحد منهم منذ مئة سنة وهم كانوا أسرى ولم يتحرروا حتى وقتنا هذا...

البحر السابع حيث تعيش القصص. اكتشف الآن