41

609 13 0
                                    

الجزء الواحد والأربعون


هبطت الطائرة بسلام.. ففك حزامه والتفت للخلف يطمئن عليها.. كانت جالسة تلاعب طفلًا بالقرب منها
كان قد أوصاها بأن تجلس مع عائلة من نفس بلادهم ليتمكن من الاعتناء ببو سيف إلى الوصول

بو سيف بتعب: سامحني يا ولدي فرقتك عن أختك واشغلتكم بتعبي ومرضي والله متلوم فيك

محمد بابتسامة: افا عليك عمي شو هالكلام.. نحن أهل وهذا واجبنا.. ولو كان حد من عيالك بيخدم أبويه بنفس الطريقة وزيادة

بو سيف: الله يجعل والديك الجنة

محمد: آمين يارب العالمين.. اجمعين.. عاد أنت لا تتعب عمرك بالكلام.. الحين بوصلك المستشفى وان شاءالله أمورك طيبة

بو سيف: لا والله...

قاطعه محمد: لا تحلف ولا عندك خبر الغالي.. أنا بوصل أهلي البيت وبسير وياك المستشفى لين اتطمن عليك ويوصلون أهلك

بو سيف: ماتقصر والله يا محمد.. ماتقصر


***


دخلت شما المنزل ببهجة واضحة، وبصوت جهوري سلمت: السلاااااااام عليكم

قامت أمها تجر ركبها جرًّا: هلا هلا والله بآخر العنقود.. الحمدلله على السلامة عيوني المركبة.. الحمدلله شفناج بخير وسلامة

شما ضحكت وحضنتها: الله يسلمج حبيبتي.. ليش وين سايرة انا أمي الا العمرة.. فرة حصاه من بيتنا

بو خالد يسلم عليها: فديت قلبج يا بنتي.. والله ان البيت بدونج ما له طعم

شما: فديتكم الله لا يحرمني منكم يارب

بو خالد يتلفت: اخوج وين

شما: نزلني وسار يودي ريال المستشفى.. اظني قال بو سيف اسمه

بو خالد: بو سيف؟ سلامات جي شو ياه

شما: مادري والله كان ويانا في الحرم وشفناه تعبان كم مرة وتعب مرة ثانية في المطار.. عاد محمد طرشني انا عند عايلة يلست وياهم في الطيارة وهو تم مجابل بو سيف

بو خالد أومئ باعجاب: كفو والله يا محمد ريال

أم خالد: ويدي وانتي خلاج بروحج!

شما قهقهت: امي كيف خلاني بروحي وانا وراه بكرسيين او ثلاث.. وعدالي مواطنين حريم وعيالهم

أم خالد: لا لا هالكلام انا مايعيبني.. قلتله لا يوديج مابيروم يهتم فيج بس هو مايسمعني

شما حضنتها مرة ثانية: فديت روحج خلاص اهم شي انا جدامج مافيني الا العافية.. الا صدق امي خالد وين؟ ماشفت سيارته المفروض اليوم اجازة

أم خالد: الله يحفظه خالد سار لندن يقول طلعت له شغلة مفاجأة

شما كتمت ضحكتها: شغلة فلندن!

أم خالد: هي والله.. الله يستر عليه ويرزقه الزوجة الصالحة والذرية الصالحة يارب

شما: آآآميييين


***


شما سارعت إلى غرفتها بشقاوة واتصلت بعلياء.. فتلقت منها رسالة

علياء: في الدوام

شما: في الدوام هاه "غمزة"

علياء: شو عندج؟

شما: العلوم عندج.. يقولون اخوي طلعت له شغلة ضرورية في بريطانيا شكله ساير عند الملكة اليزابيث

علياء ضحكت: ههههههههه سخيفة

شما: انشغلت عنج هاليومين بس لازم تعطيني الابديتس شكلها علوووم

علياء: يبالنا مكالمة.. عقب يوم برد البيت ان شاءالله


***


خولة تسكر شنطها.. صرخت: عبدالله تعااال ساعدني

ياها عقب دقايق: بلاج تصارخين

شافها يالسة على الشنطة: تعال ساعدني اسكر هالشنطة

عبدالله ضحك على شكلها: هبلة انتي ليش يالسة جي؟

خولة: عموه قالتلي اذا ماتسكرت الشنطة يلسي عليها وسحبي الزرار

عبدالله دزها: صدق مب صاحية.. قومي

يلس يحاول يخض الشنطة ويضغط عليها بايده يوزع الوزن وعقب سكرها بسهولة

خولة: شكلك كل شهر مسافر بالدسة كيف سكرتها بهالسهولة؟

عبدالله: ما يباله سفر كل شهر "اشر على رأسه" يباله هذا.. وبعدين انتي شو هذا هالكثر شارية اغراض بيقولون ماصدقت حصلت فلوس

خولة ضحكت عليه: هذا زهاب عروس.. شو عرفك انته

عبدالله: ماعندج ثياب تشترين هالكثر؟

خولة: عندي بس لازم.. عموه قالتلي

عبدالله: محد قاص عليج انتي الا عموه


***


كان محمد يجلس منشغلًا بهاتفه بينما كان بو سيف نائمًا.. عندما ناداه

بو سيف: ولدي محمد

نهض محمد: آمرني

بو سيف: السموحة منك تعبتك وايد.. وعيالي هاللي مايستحون مادريبهم وين يعربدون وانا موصنهم يستعيلون

محمد: بتزعلني منك عمي.. نحن أهل مثل ما قلتلك خلهم ياخذون راحتهم مب مشكلة

بو سيف بغموض: إذا تعدنا أهل صدق.. أنا عندي طلب

محمد فز: تم!

بو سيف: أنا اللي فهمته منك إن عندك قضية طلاق في المحكمة

محمد: هي نعم.. وقلتلك الحمدلله عقب العمرة أحس قلبي انغسل من الموضوع وقررت اتنازل واسكر هالقضية

بو سيف: وهالشي كبرك في عيوني زيادة.. محمد أنا عندي بنت.. مهرة الصغيرة توها مطلقة في الملجة.. أبغيك تاخذها لو ماعندك مانع

محمد وحاول يسيطر على صوته: يشرفني نسبكم عمي

كان يود لو يصرخ.. لا.. لم يكن قد حسب حساب هذا الأمر.. كان مستعدًّا لإعادة بناء أسرته مع فطامي.. لا يا عم.. ليس هذا الطلب.. ارجوك

بو سيف لاحظ ارتباكه: سامحني إذا ثقلت عليك بطلبي.. بس والله إنك ريال كفو.. ومابأمن بنتي على حد غيرك.. لكن استخير الله.. والله يكتب اللي فيه الخير

محمد: بس عمي في شي...

بو سيف: تفضل يا ولدي

محمد: الرزق من الله الحمدلله.. وما أقول هالكلام انتقد النعمة اللي عطاني اياها الله.. لكن بصراحة عمي فرق بين المستوى اللي بنتكم متعودة عليه.. يعني على الراتب والديون.. ما اعتقد إني بقدر أعيشها بنفس العيشة اللي انته معيشنها اياها.. أخاف انها ما ترتاح

بو سيف: نحن نشتري الريال يا محمد

محمد: على عيني وراسي.. لكن لازم تسألون البنت بعد تشوفون رايها يمكن ماتتحمل العيشة وياي

بو سيف: ولا يهمك شي ولدي.. انته استخير وإذا بغيت تتجدم حياك وإذا شفت إن مالك خاطر تراك مرخوص

قاطعتهم طرقات على الباب، ودخل بعدها سيف

سيف: السلام عليكم

محمد وبوسيف: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

سيف قبل رأس والده: الحمدلله على السلامة يالغالي "اتجه إلى محمد وسلم عليه" السموحة منك محمد وقفتك ويانا والله ماتننسي.. عطلناك وعبلنا عليك

محمد: افا عليك يا سيف.. الوالد بحسبة ابوي ربي يحفظه وماسويت الا الواجب

سيف: تسلم ما تقصر

بو سيف: عيل ولدي محمد برايك مرخوص جان بتسير عند أهلك ترتاح والله أدري تعبناك ويانا

محمد تعب وهو يعيد نفس الكلمة: تعبكم راحة وواجبنا يالعم.. عيل انا استأذن

وخرج محمد وعين بو سيف تراقبه

بو سيف بجدية: سيف.. أنا طلبت من محمد يخطب مهرة

سيف ماعيبه الكلام: مهرة بعدها صغيرة ومب اول وحدة تتطلق ليش استعيلت ابويه

بو سيف: بتعلمني في بنتي؟ وأنا برخص بنتي اخر العنقود؟ الا والله اني شفت في محمد اللي ما شفته في حد منكم

سيف كان وده يضحك على الاهانة المباشرة لشخصه الكريم.. لكنه سكت احترامًا لأبوه

بو سيف: يوم اختنقت وحسيت إني بودع.. ما فكرت بحد الا مهرة.. ابغي اتطمن عليها وايوزها واحد اكون مأمن بنتي عليه

سيف: جي ماعندها اخوان يا ابويه بعد نحن موجودين بعد الله

بو سيف: ابغيلها ريل يشلها.. باجر بتعرسون انتوا وبتنشغلون بأهلكم

سيف: بس ابوي.. الطريقة صعبة بصراحة ومب حلوة بحقها

بو سيف: لو اني اشك انه ريال مب كفو مستحيل اسويها.. وبعدين لا هي عيب ولا هي حرام.. سووها قبلي وبيسوونها بعدي.. المهم انا رمست الريال وقلتله يستخير ويفكر بالموضوع.. إن الله أحياني ويا يخطب تراني بزوجه بنتي ولو بدرهم.. وإن الله خذا أمانته اوصيك ما ترده مهما كان.. وإذا اختك عارضته تقنعها تاخذه.. ولا تكلفون على الريال ابد


***


وضع نظارته الشمسية وخرج بروح ثقيلة.. وهم جديد.. ينضم إلى هموم محمد
لقد كان مستعدًّا للعودة إليها.. لقد كان يخطط للطريقة التي سيبلغها بالخبر.. لقد قرر حتى طريقة الاحتفال البسيط الذي سيشملهما هما الاثنان
ولكن بو سيف نسف كل شيء

هو رجل عربي.. لديه أخوات.. ويعلم كم يعز على الرجل طلب طلبٍ كهذا.. كم رأى من الرجال من يظنه كفؤًا ويتمنى لو يحظى به كنسيب، ولكن تأبى الأنفة العربية
فأن يقدم الرجل ابنته لرجل آخر، مهما بلغ قربه.. فهو أمر عزيز.. فكيف برجل غريب نسبيًا مثل محمد؟

لقد استخار الله في ارجاع فطامي، وبالفعل كان عازمًا الفعل.. برغم حيرته وبرغم تقلباتها الكثيرة.. الا أنه سلم الأمر كله لله ويبدو بأن هذا هو جواب الاستخارة.. فطامي ليست في مستقبله.. ويبدو بأنها نهاية القصة


***


ركض إلى داخل القرية أحد الأطفال وهو يصرخ: لقد وصل الغرباء سيعبّدون الطريق

أمسكت به أحد النسوة: مالذي تقول؟ أحقا وصلوا؟

الطفل بتهويل: نعم ولديهم معدات ضخمة.. اضخم حتى من ناقة عمي حذيفة

تركته ورحلت إلى الخارج تود رؤية ما يقول، بينما استمر هو بالصراخ والنداء.. بفرح
لقد قيل لهم بأن الحياة لديهم ستتغير
سيذوقون اطعمة بها حلاوة أكثر من حلاوة الدوم.. ويستحمون بمياه أبرد من الغضيض.. ولن يضطروا لشرب شاي الكاهن شيحان والتعرض للسعاته إذا مرضوا.. ولن تعلمه أمه مرة أخرى.. ولن يعملوا في طحن الحبوب والحراثة أبدًا.. صرخ.. إنه النعيم يا صغار.. علينا الاحتفال!

وبالفعل تجمع أهل القرية على الحفارات التي كانت تحفر على بعد كيلومترات بسيطة من القرية.. كانوا ينظرون إليها وهم يسدون آذانهم بأيديهم.. فلم يسبق لهم في حياتهم التعرض لضجيج كهذا


***


كانت الزيارات تتوالى على غرفة بو سيف.. من رجال ونساء.. بالتتابع.. حتى حان دور بيت أخيه بو بخيتة.. سلّموا عليه وتحمدوا له بالسلامة.. ولم يرغبوا بالاطالة عليه ليفتحوا المجال لغيرهم

تأخرت شهد متعمدة.. فضّلت أن تحادث عمها مباشرة.. بدل أن تطلب من أبيها الوساطة

شهد: عمي.. أنا عندي طلب

بو سيف ابتسم: الغاويات اللي مثلج يأمرن

شهد نزلت راسها: والله مستحية منك.. لا تعتبرها جرأة مني.. لكن ماحصلت حل ثاني.. قلت مالي غير عمي بو سيف

بو سيف: آمري يا بنتي وعليج الأمان مرة لا تحاتين شي

شهد: تدري طبعًا إن سيف خطب بخيتة اختي الله يبارك لهم

بو سيف جنه فهم: وأنتي ماخطبج بو عبيد

شهد هزت رأسها بالنفي: وبصراحة عمي بديت احس ان ولد العم ماله خاطر بالعرس.. أنا محللتنه ومب ماخذة بخاطري مول.. هذا نصيب.. لكن إذا ماله خاطر أحسن يرخصني لغيره

بو سيف: معاج حق يا بنتي.. بو عبيد ولدي انا بتفاهم وياه وباخذ منه العلم.. ولو إن ما ودنا والله تطلعين عن بيتنا وأشوف ولدي أبدى بكل هالزين.. لكن معاج حق.. وربي يكتب اللي فيه خير

شهد حبت راسه: مشكور عمي


***


كان يمشي برفقتها بعد المغرب وهي عائدة من العمل.. بروتين غربي بحت.. كانا صامتين تمامًا.. ليس هنالك من شيء يقال.. ولعل الحواجز ما بينهما أكبر من أن يقولا شيئًا

قال خالد يكسر الصمت: مديرج دوم دفش وياج؟

علياء: هيه

خالد: وأنتي ليش ماتقوليله شي؟ ما له حق يعاملج بهالأسلوب

علياء بنغزة: حتى مديري الجديم كان جي.. تعودت

خالد بدفاع: لكن أنا ماكنت اعاملج مثل السكرتيرة ييبي قهوة وطولي على المكيف واطلبيلي ريوق!

علياء صمتت

توقف والتفت إليها: شو تبين نتعشى؟

علياء: عادي أي شي

فتح هاتفه يتصفح الخريطة: عاد أنتي من بد كل هالمدن ماخترتي الا هذي اللي مافيها شي

علياء: شسوي لقمة العيش

خالد قال بملاطفة: ترا وظيفتج موجودة إذا تبين تردين

علياء: بس انتوا ما توظفون حوامل في قسم المهمات

خالد: هيه صح نسيت!

سكت خالد.. وعاد بعد مدة من الصمت: فكرتي بالموضوع؟

علياء: أي موضوع

خالد: انج تردين لي

علياء: فكرت

خالد: و؟

علياء: برد.. عشانهم

خالد زفر براحة: الحمدلله.. عين العقل.. شوفي عليا.. أنا بصراحة أحس بيننا أميال.. وعواقب كبيرة.. بس أنا صدق ودي نعيش طبيعي.. عشان عيالنا.. أنا مادري شو تحسين صوبي تكرهيني أو شو.. بس عشانهم.. شوي شوي نحاول وبنقدر ان شاءالله

كانت تريد إغلاق أذنها.. هو مستمر بتذكيرها بأنه لا يريدها الا لأجلهم.. ولو عاد الأمر إليه محال أن ينظر حتى في وجهها

خالد: دام قررتي تعطينا أنا وعيالي هالفرصة.. لازم تعرفين إن عرس أخوي حميد عقب كم يوم.. ولازم أرد البلاد.. وأنا بصراحة مابغي أخليج هني بروحج

علياء رفعت نظرها إليه باستفهام

خالد يبرر: سبحان الله تعبتي أو شي.. محد عندج

علياء: عندي جولييت

خالد: هاي العيوز يالله تشل عمرها "كلمها بصراحة" علياء مالج حاية بهالبلاد شو تبيبها؟ مثلتي على عمرج فترة طويلة انج موظفة وتشقين للقمة العيش لكن وبعدين؟ تعرفين انج مب بحاجة شي من هذا.. تعالي يا علياء.. ارجعي لي.. خلينا نرد بلادنا نحن وعيالنا

علياء سلطت نظرها للأمام.. بالفعل ليس لديها حاجة بهذه البلد خصوصًا وأنا حوَت أكثر ايامها ذلًّا ووحدة


***

عادت إلى المنزل لتحادث شما كما فعلت

شما: ياويلي خالد طلع مب هين قص تذكرته وطار

علياء: هي والله تشوفين؟

شما: عشان تحسين شوي بأخوي مسكين متلوع وشفقان

عليا: يباني ارد وياه

شما: مب انتي دوم تقولين انج مب مرتاحة فهالبلاد؟

عليا بحيرة: هيه بس مادري.. كيف ارد بكرشتي فجأة والله ما فيني على القيل والقال

شما: يالله عاد كرشتي وكرشتي تراه بطنج صغير مايبين

علياء: محتارة والله شما.. صح اني دوم اقول اني للحين احبه بس مب قادرة اكلمه مب قادرة اشوفه.. واللي يعور قلبي اكثر اني احسه يحاول عشان يكسر هالحواجز.. لكن صدق مب قادرة


***


جلس حرب في صدر الساحة.. وحوله كبار القبيلة.. يشهدون توزيع مؤونة الشتاء كما فعل السابقون

كان أحنف بن آهار يمسك بورقة كبيرة.. كتب فيها اسماء العوائل وحاجاتهم من زاد الشتاء.. وينادي بالاسماء فيتسلم كل ممثل عائلة حسب حاجته المدونة في الورقة
منها اللحم المجفف، والحبوب، والأعشاب

كانت المستلمة هذه المرة امرأة.. فقالت محدثة حرب: يا شيخ

التفت إليها حرب، بينما حاول الرجال إسكاتها.. فكيف تجرؤ امرأةٌ على مخاطبة الشيخ؟

حرب: دعوها

المرأة: بارك الله في جهودكم يا شيخ.. ولكن لقد قيل لنا بأن حياتنا ستتغير.. وتنقلب رأسًا على عقب.. وسنذوق النعيم بعد كل هذا الشقاء.. ان ابني يموت وكل يوم آخذه إلى مبنى المشفى.. ولا يستطيع أحد مساعدتي بل ويطلبون مني الصبر إلى أن ينتهي البنيان.. أفي بدنه كل الصبر الذي يطلبون؟

حرب: ما بال ابنك؟

المرأة: يتقيء وتنتفخ معدته وتظهر عليه حبوب حمراء.. يختنق.. ولا استطيع اسعافه بشيء.. يقولون احرقيه لعل به لعنة.. ولكن أليس الإسلام ناسفًا وناهيًا عمّا سبقه من ظلمات؟

حرب: خيرًا فعلتي.. لا تحرقيه ولا تلعنيه.. كرم الله الإنسان عن هذه الافعال.. وددت لو أن المشافي تبنى بأسرع وقت ممكن ولكن للأسف ليس الأمر بيدي وعلينا الانتظار.. ولكن أمهليني بعضًا من الوقت لأبحث عن وسيلة أخرى للمساعدة


***


مرت ايام قليلة

وعاد بو سيف بسلام إلى منزله ولله الحمد

سيف: الحمدلله على السلامة يالغالي.. والله يا إن سلامتك تنذبح لك قعدان

بو سيف: لا قعدان ولا غيره.. تسد خطوبتك عقب كم يوم اذبح كثر ماتبا.. العزايم والمصاريف الزايدة مالها داعي

بو عبيد: بو سيف طفران من اولها.. شكلها اليلسة في المستشفى أبرك عن اليلسة في بيتنا

بو سيف: أنت بالذات عندي وياك موضوع تعال

سيف بمزحة: نطلع يعني

بو سيف: استريح نحن اللي بننش

سيف قام: لا والله ما تنش.. أمي الغالية تعالي نسير الصالة الثانية نخليهم على راحتهم

أم سيف قامت وهي تهمس له: ابوك شو عنده ويا بو عبيد؟ هالولد مسكين ابوك مول مب مخلنه على راحته

سيف ضحك: وانا شو دراني امي الله يهديج

أم سيف بنبرة ذات معنى: تعرفون كل شي انتوا بس ياحبكم للخش

...


أما بو عبيد فكان جالسًا عند أبيه: آمرني ابوي

بو سيف: بنت عمك.. ليش ما خطبتها ويا اخوك؟

بو عبيد: مب مستعد

بو سيف: رمسة هذي؟ شو بعد مب مستعد.. اللي يسمعك يقول ياهل بو 18 سنة.. مب شيبة الشعر الابيض تارس لحيتك

بو عبيد: ابوي مابغي اعرس الحين

بو سيف: البنت ابوي مابتترياك.. بسنا حجزناها ووقفنا نصيبها كل هالسنين.. يا تخطبها الحين يا نرخصها لغيرك

بو عبيد: مرخوصة والله يوفقها


***


كانت خارجةً إلى أحد الأسواق برفقة أخواتها وهي مستمرّة بأحلامها.. حين وصلتها الرسالة الكارثة

كانت من محمد.. كتب لها "السلام عليكم.. فاطمة.. أنا تنازلت عن القضية.. وطلقتج.. والله ييسر دربج.. وسامحيني"

توقفت للحظة وهي تعيد قراءة الرسالة بدون أن ترمش.. شعرت بحرارة قوية في جسمها.. أحق ما ترى؟

حمدة استغربت: بلاج

فطامي رفعت التلفون في ويهها وهمست: طلقني

حمدة انصدمت: محمد؟

نزلت دموع فطامي وهي تقول: بس ليش.. فجأة.. آخر مرة تكلمنا حسيت انه يبا يردني

شعرت بصخرة ضخمة تسقط بجوفها.. الأمر ليس بهيّن.. ليس بهيّن أبدًا.. كل أحلامها تكسرت فجأة.. برسالة
سقطت الصخرة، ولكن مع الصخرة يد من حديد تثبّتها
هكذا شعرت.. صحيح كانت متفائلة.. وترغب به من قلبها.. ولكنها كانت مع الله.. ومن يكن مع الله.. لا خوف عليه ولا هو يحزن

عنود عضت شفتها السفلية بألم: عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم

فطامي مسحت دموعها: عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم.. وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم... وجعلت تكررها.. بينها وبين نفسها وكأنها تسلّي نفسها بها

حمدة تمسكها: تبين نرد البيت

فطامي: لا عادي.. نكمل طلعتنا شو المشكلة

حمدة: متأكدة؟

فطامي: هيه.. بس شوي أبا الحمام


***


كانت علياء تجهز حقيبة السفر وحولها خالد وجولييت

خالد: علياء مب تعب عليج كل شوي توخّين؟ "تدنقين"

علياء كتمت تأففاتها.. فهذا التنبيه الألف: لا عادي

جولييت ما فهمت ولكنها تحسست ضيق عليا من وجود خالد: خالد ما رأيك لو تشرب الشاي معي

خالد: سأود شرب الشاي ولكن هل يمكنك مساعدة علياء؟ فيبدو بأنها متضايقة من وجودي

جولييت: من دواعي سروري.. سأحضر لك الشاي وأعود

سخنت الماي.. واخرجت أكياسًا قامت بتعئبتها بمزيج من الشاي والاعشاب بنفسها.. ووضعتها في الكوب مع مجموعة من المخبوزات الفرنسية المتواجدة دائمًا في مطبخها

جولييت: هذا شاي منزلي أعددته بنفسي.. اتمنى أن تستمتع به.. مع خبز المادلين

خالد: شكرًا لك

جولييت ابتسمت: bon appetite

وعادت إلى علياء لتساعدها

جولييت: ما كل هذا الضجر يا عزيزتي

علياء: وجوده مستفز بالنسبة لي.. لا استطيع فعل شيء بوجوده.. كثير التعليمات.. وكثير التنبيهات.. اشعر به يخنقني

جولييت كشرت: ياه يا علياء.. أهكذا ترينه؟ يبدو رجلًا طيبًا

علياء دمعت: حتى أنت ستحكمين علي بعد أول لقاء به.. الجميع يفعل ذلك

جولييت: بالعكس.. ولكنني انصحك بالصبر قليلًا.. فهذا الرجل المسكين لم يعلم بكونه سيصبح أبًا لاثنين إلا منذ ايام.. لا بد وأنه في غمرة حماسه.. ولا يريد أن يصابوا بأي أذىً.. وقد يكون ضايقكِ قليلًا لكن عليك شرح الأمر له بدل النفور منه

علياء: تتحدثين وكأننا زوجين طبيعيين يا جولييت.. ولكنك تعلمين بالحقيقة كلها

جولييت: إن كنتِ فعلًا قد أعطيته الفرصة.. فعليكِ أن تكوني عادلة بها.. وتعطيه كامل الحق لإصلاح الأمر.. بل وعليك مساعدته أيضًا.. فالأمر يعنيكما أنتما وابنائكم.. لا يعنيه وحده
إن لم تحاولي أن تصبري فمحال أن تقيمي منزلًا.. المنازل لا تقوم إلا على الصبر يا علياء.. هنالك أمور بسيطة نضخمها في دواخلنا بدل أن نبدي انزعاجنا للطرف الآخر.. لأكون صادقة.. قد يستوعب مشاعرك ويغير تصرفاته وقد لا يغيرها أبدًا.. ولكن لا تضخمي الأمر تعلمي التجاهل واختاري معاركك مع شريك حياتك جيدًا.. هذه نصيحتي لك بعد أن بلغت هذا العمر


نهاية الجزء الواحد والأربعون

سلالة من لهبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن