الجزء العشرون
دخل بسرعة هائلة، وبطريقة استعراضية لم تشهدها القرية من قبل.. حرك ناظريه بحثًا عنه ولم تخنه عينه.. توجه بسرعة إلى المحرقة
رآه برأس متدلٍّ على صدره، منهار، لم يصلبه شيء سوى الجذع الذي قد ربطوه عليه
اخرج خنجره الصغير وقطع الحبال غير آبه بأي أحد.. سحبه من وسط النيران ووضعه على ظهر ناقته
كانت عيناه دامعة، قهرًا وحزنًا على حال صديقه
وجه نظرات حارقة لجميع من حوله.. أشد حرارةً من النار التي أضرموها
زجرهم بصوت مرتعش من الغضب: ويحكم بني جلمود ويحكم ويح لاوذ.. تُحرِّقون شيخكم
تحرّقون حرب! الذي دافع عنكم.. وأتى بالدواء لمرضاكم.. وآوى فقيركم.. وأكرم سائلكم
ويحكم!!! دفنتم المروءة والرجولة بعدكم
ويحكم بني جلمود ويحكم
حربُ معي.. وأنا ظهره.. ومن يرى في نفسه مقدارَ شعرة من قوة فليلحق بي.. وأقسم بمن أحل القسم.. بأنه لن يرى طيفًا من الرحمة.. لأقتلنه وأجعل من جسده طعامًا للجرابيع
أقسم يا بني جلمود.. من يجرؤ على أذيته سيذوق ناري وعذابي.. ولأحضّرن لمحرقة أكبر من هذه ولأحرقن الجميع بها ولا أبالي
ورحل.. بحنجرة خشنة بفعل القهر وبأقصى سرعته.. كما دخل
رحل أمام أعين جميع أهل القرية، رجالًا ولا نساء.. ولم ينبس أحد بنبت شفة
كان الجميع يعي الفارق العددي ما بينهم وبينه.. وإن اتحدوا سيستطيعون هزيمته بسهولة
ولكنهم لم يجدوا ندًا لهذه الشجاعة.. ليس بينهم من يجرؤ على البدء بقتاله
أول من يتجه إليه سيكون كبش فداءٍ للبقية
وهم.. أجبن من أن يذوقوا العذاب العفريسي بأشد حالاته غضبًا وسوداوية
لم تكن المشكلة في القوة.. بل كانت المشكلة في الشجاعة
فمن، بعد هذا التحدي الصريح لجميع أهل القرية.. بكبارها ونبلائها.. يجرؤ على كسر تلك العين أو النبرة؟
..
رحل به مسرعًا.. وبعيدًا عن الجميع.. يعلم بأنهم لن يلحقوا به.. لا أحد يجرؤ على مناطحته في حالاته العادية.. فما بالكم به وهو يحمل غضبًا أسودًا بداخله؟
أخذه إلى الغضيض، نزل من الدابة وحمله على كتفه.. أنزله على الرمل وبدأ بنثر الماء عليه
كان الماء يصدر صوتًا عاليًا بفعل التبخر.. كانت القطرات تتراقص على جسمه من شدة سخونته
كانت العملية مؤلمة بالنسبة لعفريس.. لم يعي ما يفعل
سحبه إلى أن أدخله البركة لعل نار جسده تهدأ
وضع جسم حرب في الماء، ورأسه في حجره يسقيه من الماء ويمسح وجهه وهو يرتل عليه ما يحفظ من القرآن
كان عفريس يشعر بالموت في كل لحظة.. كانت دموعه تتهاطل بلا توقف.. وكانت أنفاسه في تصاعد خوفًا من فقدان حرب وهو بهذا الحال.. مريضًا.. وحيدًا.. ومنبوذًا
لم يتخيل بأنه سيرى حرب بهذه الحالة أبدًا.. لطالما كان عمودًا صلبًا حتى في مرضه
كان يحاول إسعافه ولكنه يجهل تمامًا ما يحدث.. فلم يسبق له أن أنقذ أحدًا من الحرق.. أو رأى أحدًا ينجو حتى منه!
لم يتبادر إلى ذهنه أحدٌ سواها.. كان يائسًا من موافقتها على مساعدتهم بعد أن سمع بالحادثة الأخيرة.. ولكنها أفضل فرصة لديه
انتظر إلى أن يبرد جسم حرب.. ثم أعاده إلى ظهر الناقة.. لم يبالي بضخامة جسمه.. حسّن جلسته وجلس هو خلفه ليسنده.. وأسرع به إلى خارج القرية
متجهًا إليها.. فليس لديه أحد ينقذه سوى الله.. ومن ثم هي
***
كان يتمشى كعادة ليليةٍ اتخذها منذ جاء إلى المخيم.. بسيجارة لا تفارق يمينه
الجو يتحسّن ليلًا.. والنسيم ينطلق بأريحية تامة
وجوده في المخيم أعطاه فرصة للابتعاد عن ضوضاء الحياة.. والتقاط الأنفاس
لم يكن يظن بأنه يحتاج إلى الابتعاد عن مجلسه الذي لا يخلو من الرجال
منهم المحتاج ومنهم من يريد المنفعة ومنهم من يريد التسلية فقط
فهو معروف بين الرجال بأن حدوده واسعة، وخطوطه الحمراء بعيدة جدًا
والجميع يتعرى من الرسميات والحذر في مجلسه
سمع صوت جري عالٍ بالقرب منه.. يبدو وكأنه صوت دابة بأربعة أرجل
كان الغبار يقترب ولكن الاضاءة أخف من أن تسمح له برؤية ما يحدث
مع اقترابه، رأى رجلًا على ناقة.. وكأنه خارجٌ من مسلسل بدوي قديم
استعجب من وضعه، وما شد انتباهه بأن الرجل يبدو متوجهًا إليه، ويبدو كمن يسند شيئًا أمامه
استجمع شجاعته هذه المرة وفتح إضاءته اليدوية بوجه الرجل المقترب.. والذي توقف بفعلها وهدأ من سرعته
اقترب الرجل منه أكثر وكأنه سيدهسه، بطريقة أفزعته، ولكنه حاول السيطرة على نفسه
بو عبيد بصوت جهوري: من أنت؟؟
عفريس بقلق: ابحث عن شما.. احتاج إلى مساعدتها.. صديقي يجابه الموت.. وهي الوحيدة التي تستطيع تطبيبه
بو عبيد زفر: هذي ما بتفكنا من مشاكلها!
عفريس: مالذي تقوله؟ أين هي؟؟ "بعد ثواني قال" لا وقت لدي لإضاعته سيموت حرب
لف مبتعدًا عن بو عبيد، متجهًا إلى المخيم.. يدور حوله ويختار زاوية يحفظها تمامًا
فهنا التقى بشما.. وهنا منزلها كما يتذكر.. رمى بضعة صخور وأغصان.. وعدة أغراض ليشد انتباهها من داخل المنزل.. ولكنها لم تخرج.. اشتد رميه حتى وصل إليه بو عبيد وهو يلهث
بو عبيد: وتعرف مكانها!!! ما به حرب!!
عفريس: نادها الآن نحتاج إليها وإلا سيموت.. وسأخبرك بكل شيء لاحقًا
بو عبيد: هل تظن بأن لدي الصلاحية لأذهب إليها الآن؟؟؟ سيقتلني أخوها
عفريس بنبرة رجاء جديدة: وددت لو دخلت انا وناديتها ولكنني لا أريد أن اتسبب لكم بالمتاعب.. أرجوك حاول
وبالفعل التف بو عبيد متجهًا إلى داخل المخيّم بحذر شديد.. فآخر ما يحتاجه هو أن يراه أحد، ويشي به إلى خالد.. فإن المعركة إن اندلعت بينهما لن تنتهي على خير
ذهب من خلف مقطورات السكن، متجهًا إلى الأخيرة، والتي تخص علياء وشما.. طرق على نافذتها الصغيرة بخفة.. حتى فتح له طرفها المغطى بستارة قماشية
علياء: who is this?
بو عبيد: أنا
عرفته من صوته وانقهرت من ثقته: منو أنت!
بو عبيد بابتسامة محد يشوفها: عمج بو عبيد
عليا بصدمة: أنته ماتستحي على ويهك؟؟؟؟ تباني ارفع فيك تقرير؟؟؟
بو عبيد تجاهلها: وين شما؟ ربيع حرب برع يقول ان حرب متعور وبيموت ويباها تساعده
عليا بغيظ: نفاد.. قوللهم موتوا أحسن
بو عبيد: وين شما؟ محد طلبج انتي
عليا: مب شغلك وتوكل
بو عبيد بنرفزة من اسلوبها: إن ما زقرتيها بييكم عند الباب وبسويلكم فضيحة ماتبون غيرها
عليا خافت: خير تهددني
بو عبيد: على راحتج
بعد دقايق سمع صوت شما
شما: نعم أخ بو عبيد شو بغيت؟
بو عبيد: حرب بيموت.. ربيعه يايبنه جريب المخيم يقول ما في حد يقدر يساعده غيرج
شما بصدمة: بيموت! كيف!!! شو فيه!
بو عبيد: مادري.. تعالي شوفيه
شما: وين!
بو عبيد: مادري يقول انتي تعرفين المكان
شما بقلق: خلاص بييب أغراضي وبي
..
لم تمر خمس دقائق، إلا وبدت لهم شما.. وخلفها علياء بالطبع، فلن تتركها للوحوش الضالة كما تظنهم
اقتربت شما بقلب يكاد يسقط من صدرها، رأته مستلقيًا على قطعة قماشية، وحوله عدة السفر
حدثت عفريس: مالذي حدث؟
عفريس بقهر: أحرقوه بالنار
شما بصدمة اقتربت أكثر: لماذا!!!
عفريس: ألبَس نفسه تهمة الخيانة مقابل إطلاق سراحكن
شما صرخت: شوووووو
عفريس بتألم على حاله: لله الحمد والمنة استطعت الوصول إليه قبل أن تتمكن منه النار وتقضي عليه
كانت تفتح علبة الإسعافات الأولية وهي تستمع إلى عفريس، وتنظر إليه.. بألم.. وحب.. وشعور لم تذقه من قبل
فعلى الرغم من استعدادها للفراق.. إلا أنها لم تستعد لتوديعه من الحياة
شما بدموع: مافيهم قلب
عفريس: أختاه.. إن اختار بني جلمود العذاب فإنهم لا يعرفون الرحمة
شما: اعتقد أغمى عليه من الألم.. عندي مسكنات بس ماعرف إذا بتكفيه لين يستوي بخير
بو عبيد بتدخل: العيادة مافيها؟
شما: أكيد فيها بس مابيعطوني إذا ما كان فيني شي
بو عبيد: أنا بيعطوني
شما: مستحيل! بيعطونك حبة حبتين مش أكثر
بو عبيد: لو أبا العيادة كلها بشلها ولا حد بيقدر ينطق
عليا تهمس لها: اسكتي عنه تراه إذا بدا فلسفته ما بيسكت
بو عبيد بمكر: لا توسوسين لها جنج شيطان.. سولفي وياي أنا دامنها مشغولة
عليا: لا شكرًا
شما بتجاهل تام للاثنين، كانت تعطي عفريس التعليمات وهو ينفذ.. لم تحبذ فكرة لمس حرب، بالذات أمام بو عبيد الخبيث
شما: انتبه لا تنسى أي جزء من جسمه بدون ان تدهنه بالمرهم.. وبعدما تخلص لفه بهذا.. اسمه شاش.. ماعتقد بيكفي جسمه كامل لكن بييب لك قماش من عندي نظيف بنقطعه وبنستخدمه بدال الشاش.. تمام؟
عفريس هز رأسه
قام بو عبيد: شو تحتايين من العيادة؟
شما طالعت عليا وعقب طالعته: اممم احتاي مرهم حروق.. حقه عشان يستخدمه اللي عندي بيخلص.. ييبلي كثر ماتقدر.. وابغي مسكنات بندول بروفين اي شي تحصله.. هذيل اهم شيئين
عليا: ومقص بعد اذا حصلت هف لنا "تكلم شما" كيف بتقصين!
بو عبيد: طول لي بعمرج بو عبيد ما يهف.. بو عبيد يأمر وهم اييبون، لا وهم يضحكون بعد
شما زفرت بملل ولفت عنه
شما: عليا بليز ترومين اتييبين فراشي الابيض؟ بتحصلينه مربع توني حاطتنه في الشنطة.. طلعي اثنين وييبيهم لو سمحتي
عليا: اوكي "وسارت"
عفريس: هل سيشفى هكذا؟ متى سينهض؟
شما: لقد أعطيناه مسكنًا.. يفترض أن يكون قد بدأ مفعوله.. قد يكون نائمًا الآن
عفريس: وكيف نتأكد؟
شما بتردد بعدما سار بو عبيد حطت ايدها على قلبه: امم قلبه ينبض، وصدره يتحرك.. يعني بأنه حي
عفريس: الحمدلله
عفريس: جربي افتحي عينيه قد ينهض
اقتربت من عينيه لتضغط عليها بالقلم.. رجعت بجسمها للوراء عندما فتحها بابتسامة واهنة: هل هذا النعيم؟
شما بتوتر: قمت!
حرب ابتسم يقلدها: قمت
عفريس: حمدًا لله على نجاتك يا أخي
حرب بحب أخوي صادق: كنت أعلم بأنك ستأتي
عفريس: الحمدلله الذي أعانني
شما بصدمة: كيف قمت؟ المفروض انك ماتقوم الحين
حرب باستهزاء: أنا جلمودي ولست من بني جلدتك
عفريس براحة: الحمدلله لو لا لطفه لالتهمتك النار
حرب بهيام تام: لو كنتُ أعلم بأن النار ستذيقني قرب النجلاء، لدعوت أن تكون كل أيامي نيران
عفريس يهمس له: مابينك وبين الموت سوى شعرة، وأنت تتغزل بالدومة المعتلة!
حرب: ناديتها بالمعتلة، حتى أعلّت قلبي
عفريس هز رأسه بيأس منه: يبدو بأنه تأثير المسكن
رفع من صوته قليلًا، وبشاعرية مستغربة منه:
"سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعداءِ كالنَّسْر فوقَ القِمَّةِ الشَّمَّاءِ
وأقولُ للقَدَرِ الَّذي لا ينثني عَنْ حَرْبِ آمالي بكلِّ بَلاءِ"
عفريس بضحكة: ما لك استأصلت نصف الأبيات
حرب ببساطة: ليس لي بها حاجة!
شعرت بتجمّدٍ بمفاصلها، ما أن سمعت قصيدة تحوي اسمها واسمه، ورغم عن المحتوى.. فإن رسالته كانت واضحة.. يغازلها بلا تكلف
كانت تمثّل الانشغال لكيلا تلتقي عينها بأزواج العيون التي تراقبها
عيون حرب المغرمة، وعيون علياء الجامدة، والتي استمعت لكل ما قاله
وعفريس الذي كان مهتمًّا بطريقة قصّها للشاش بقطعٍ طولية
حرب بغموض: كم بقي على رحيلكم؟
عليا ردت هذه المرة: سنرحل يوم الجمعة
حرب مسلّطًا نظره على شما: بعد ثلاثة أيام
كانت مطأطأةً رأسها وهي تهزه بإيجاب
حرب: سأنفذ وعدي قبل أن ترحلوا
شما رفعت رأسها: أي وعد؟
حرب اقترب: بماذا وعدتك آخر مرة؟
شما بهمس: أن تنتقم لي؟
حرب هز رأسه بإيجاب: ولكن عليكِ أن تثقي بأنني أديت وعدي، وأريد منك أن تعديني بألا تخرجي من المخيم أبدًا.. إلا معي
عليا: شما ما خلصتي؟
شما بذات الصوت المنخفض: خلصت
عليا: يلا نسير.. بو عبيد بييب الاغراض عندهم.. واتوقع عفريس تعلم كيف يستخدمهم
عفريس: صحيح
عليا نفضت التراب عن لبسها: يلا عيل
سحبت شما وهي تمشي باتجاه المخيم
شما بحزن: عليا خلاص.. عورتيني
عليا بنرفزة: أشوفج مصختيها.. مب انتي اللي تعلميني الحلال والحرام شو استوابج الحين!!!!
شما غرغرت عيونها: أعرف.. أعرف والله أعرف.. الله يغفر لي الله يغفر لي
عليا: هاللي كنت احذرج منه وانتي الله يهديج ماتسمعين
شما بصوت مرتجف: طول عمري كنت حريصة على نفسي، وقلبي
عليا بألم: ليت اقدر اساعدج ليتني.. ماكنت ابغيج تجربين هالدرب.. ولا تذوقين عذابه
شما ماقدرت تكمل مشي.. انهارت على ركبها تصيح
عليا نزلت لمستواها تحضنها: خلاص شما حياتي.. قطعتي قلبي
شما: حسيت اني بموت يوم شفته.. شفتي ويهه كيف استوا؟
عقب كل هالقوة، ذبلاان جنه ميت.. وجسمه محروق كامل.. مادري كيف قدرت اكمل.. وفوق هذا يغازلني ويتكلم عادي.. "ابتسمت وسط دموعها" أحسه وايد يحبني
عليا: مبين انه يحبج.. بس شو الفايدة؟ انتوا الاثنين تعذبون عماركم
شما وكأنها تقنع نفسها: صح هالحب ماله مستقبل، ما بييب لنا غير الألم "سكتت شوي"
عليا أنا ليش جي سويت بعمري؟ كنت مرتاحة ليش جي سويت.. كيف بعيش من دونه؟ كيش بعيش بدون لا اسمع صوته.. أحس اني بموت يوم اتخيل وافكر
عليا حضنتنها وقالت بحنان: ما بتموتين.. بيكون وايد صعب.. وبتتمنين الموت كل يوم.. بس بتتعودين.. وأنتي بعدج صغيرة.. وحبج توه صغيروني.. ان شاءالله بتتجاوزين ماعليه.. شوي بتتعبين بس بتتجاوزين صدقيني
شما: مستحيل.. ماقدر اتخيل.. يوم اتخيل فراقنا بطني يعورني وجبدي تلوع.. أحاول اتخيل أي تخيل ممكن يجمعنا في المستقبل.. كيف ممكن نجتمع عليا؟ كييف
عليا: لا ترهقين عمرج بهالأفكار.. وكلي أمرج لله.. ولا تنسين.. أنتي محظوظة يا شما لأنج تعرفين درب ربج.. أنا كنت في وضع أسوأ عنج ولا اعرف درب الله.. ربج يحبج ومابيخليج صدقيني.. انتي انسانة وايد زينة.. مستحيل رب العالمين يخليج تتعذبين
شما: بس انا عصيته وجنيت على نفسي
عليا: تتذكرين شو قلتيلي قبل؟ لا تقنطوا من رحمة الله
صح أنتي جنيتي علي نفسج وأنتي مشيتي في هالدرب.. لكن رديله وهو ما بيردج.. وما عطاج هالمشاعر إلا وهو يعرف إنج تقدرين عليها.. وتقدرين على هالاختبار.. بس قوي إيمانج.. صبر جميل والله المستعان يا حبيبتي
شما تقوم وتمسح دموعها: الله المستعان
***
قبل ساعة تقريبًا
كان يحمل شما على كتفه ويدور بها وهي تضحك وتصرخ
شما: حررررب خلاااااصصص اودعك ما اعيدها
حرب: تكذبين
شما: هههههههههههه حرب خلاااااااص
كان يضحك وهو ينزلها ويقبلها
حرب: أعشق كذبك
فجأة سمع أصواتًا كثيرة، قريبة منه.. محادثاتٍ كثيرةً يتخللها شجار وغضب.. لم يكن أحدٌ آبهًا به.. لم يستطع تبيان ما إن كانت حلمًا أو واقعًا.. عندما بدأ بالتركيز كان يسمع صوت عفريس، ومعشوقة قلبه الوحيدة.. آآه إذًا كان حلمًا؟ وماذا عن هذا.. أهو حلم أيضًا؟
أغمض عينيه باستمتاع بالحلم.. وهو يسمع اقتراح عفريس بتلذذ.. شعر بلمستها الحانية والخجولة، والتي تكاد لا تمس صدره.. لم يستطع التحمل.. وبالفعل فتح عينيه.. فكان أجمل مشهد
عينين واسعة، ورموش طويلة قريبة من وجهه.. ملامح لم تفارق خياله طيلة الأيام الماضية، ولم يهوّن عليه الوحدة والألم، ويمنعه من الموت قهرًا، سواها
شعر برغبة عارمة لتقبيلها ووصمها باسمه.. يريد أن يأخذها بين يديه ويزرعها داخل صدره.. لئلا يحرمه منها شيء.. لا دين، لا رحيل، ولا عادات أو تقاليد
شعر بحلاوة في فمه، عندما سمع صوتها الذي خرج غصبًا: قمت؟
ابتسم، ولم يقاوم رغبته بتقليدها: قمت
سمعَ صوتًا آخر، كان آخر صوتٍ سمعه قبل أن يسقط مغشيًّا عليه وسط النار
عفريس: حمدًا لله على نجاتك يا أخي
حرب بحب أخوي صادق: كنت أعلم بأنك ستأتي
عفريس: الحمدلله الذي أعانني، لو لا لطفه لالتهمتك النار
كان يحاول التركيز مع عفريس، ولكن وجودها سرقه حتى من نفسه.. لم يعلم بأنه معجب بعينيها إلى هذا الحد.. حتى رآها قرب عينه
قال بهيام تام: لو كنتُ أعلم بأن النار ستذيقني رؤية النجلاء على مقربة، لدعوت أن تكون كل أيامي نيران
عفريس يهمس له: مابينك وبين الموت سوى شعرة، وأنت تتغزل بالدومة المعتلة!
حرب بحب صارخ: ناديتها بالمعتلة، حتى أعلّت قلبي
عفريس: يبدو بأنه تأثير المسكن
لا يعلم كيف انتبه للتو على أحد القصائد المشهورة، والتي تجمع اسمه واسمها.. اقتطع نصف الأبيات التي تحول ما بين اسمه واسمها.. وكأنه، بفعلته.. يقتطع جميع الحواجز التي تحول ما بينهما حقًا
قال بصوت جهوري، وبلغة فصيحة لا تشوبها شائبة:
"سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعداءِ"
ركز نظره على عينها
"كالنَّسْر فوقَ القِمَّةِ الشَّمَّاءِ
وأقولُ للقَدَرِ الَّذي لا ينثني
عَنْ حَرْبِ آمالي بكلِّ بَلاءِ"
قطعت جوه الشاعري ضحكة أطلقها عفريس، فأغاظته
عفريس بضحكة: ما لك استأصلت نصف الأبيات
حرب ببساطة: ليست لي بها حاجة!
كان ينظر إليها وهي ترتب العدة داخل الحقيبة الحمراء.. بيد مرتبكة.. ابتسم وهو يعلم بأنه السبب الرئيسي لارتباكها.. انتبه على كدمة بيدها فتذكرهم.. وتذكر وعده
حرب بغموض: كم بقي على رحيلكم؟
عليا ردت هذه المرة: سنرحل يوم الجمعة
حرب لم يرد جوابًا إلا منها.. أعاد نظره إلى شما: بعد ثلاثة أيام؟
كانت مطأطأةً رأسها وهي تهزه بإيجاب
حرب رأى دمعة في عينيها، كسرت قلبه، أصابته بمقتل
وبكل قهره قال: سأنفذ وعدي قبل أن ترحلوا
شما رفعت رأسها: أي وعد؟
حرب: بماذا وعدتك آخر مرة؟
شما بهمس: أن تنتقم لي؟
حرب هز رأسه بإيجاب: ولكن عليكِ أن تعديني بأنك لا تخرجي من المخيم أبدًا.. إلا معي
عليا: شما ما خلصتي؟
عليا: يلا نسير.. بو عبيد بييب الاغراض عندهم.. واتوقع عفريس تعلم كيف يستخدمهم
عفريس: صحيح
عليا نفضت التراب عن لبسها: يلا عيل
رآها تسحبها رغمًا عنها.. ولم يعقّب
الافضل لها أن تبتعد.. فهو أبعد ما يكون مسيطرًا على نفسه خصوصًا بعد الحلم
وآخر شيء يرغب به حاليًا.. هو إغضابها
حرب بنبرة نارية: سأحرقهم
عفريس: كما تشاء.. ولكن تعافى أولًا
حرب: وعدتها.. بأن أحرقهم قبل أن ترحل
عفريس: لقد قالت بأن إصابتك شديدة وتحتاج إلى أسابيع لتشفى تمامًا
حرب: هذا لا يهمني.. سأقتلهم جميعًا وأحرقهم.. وإن كان آخر فعلٍ لي
عفريس يحاول يقنعه: ألم تقل بأن ثوبان لا ند له؟ ولا شيء يمكن أن يوقع به
حرب: صحيح.. ولكنه من أضرم ناره بيده.. عندما بنى صيتًا ونفوذًا لبني المذنّب.. اعتراف أبيض المذنب ووقوفه ضده بعد أن كان من المقرّبين.. تعتبر أقوى شهادة
عفريس: لم يبدو لي كمن سيعادي ثوبان
حرب: لن يفعل.. ولكنني سأجبره
عفريس: دناءة أن تجبر أحدًا على الشهادة
حرب بعدم اهتمام: لا يهمني أي شيء.. سوى إرضاؤها
عفريس بيأس: ولكنها أبعد من نجوم الليل
حرب: لا يهمني شيء.. أريد ارضاءها وحسب
عفريس بواقعية: كل الدنيا تحول ما بينكما.. دينكما.. عاداتكما.. كل شيء ضدكما
حرب بجنون: إذًا سأسلم
نهاية العشرون
الجزء كان حصري ومقتصر على شخصياتنا الرئيسية
احتاج منكم آراء وتوقعات
حرب/ شما/ علياء/ حرب.. وشخصيتنا المميزة.. بو عبيد!
أنت تقرأ
سلالة من لهب
Science Fictionلم تعلم شما أن مغامرتها هذه المرة ستوقعها بيد سلالة من لهب سلالة عربية أصيلة من نسل عمليق بن لاوذ.. آخر ما تبقى من العرب البائدة ستخطف قلب شيخهم وتعود.. لتكمل سلسلة الأحداث في بلادها شخصيات متعددة وقصص كثيرة ما بين كوميديا ساخرة، حب جامح، وحرب لا ت...