4

948 30 5
                                    

الجزء الرابع



كانت مغمضةً عينيها، وتكرر التعوّذ من الشيطان الرجيم بفعل الكابوس المريع الذي شهدته

فتحت عينيها ببطء، وهي تشعر بتشابك خفيف بين رموشها
حركت عينيها فرأت الأرض البعيدة عنها، بمسافة تقارب المترين والنص، وقد تزيد

أعادت إغماض عينها بألم.. هي لا تحلم.. وكل ما مرت به واقع.. للأسف

هي الآن محمولة من قبل عدد من الرجال الضخام.. لا تعلم من هم أو مالذي يريدونه منها

كانت أشكالهم شديدة الغرابة.. لم ترَ منظرًا مشابهًا لهم الا في أفلام الفانتازيا، والكرتون

شعر أشعث مربوط بطريقة غريبة، وأجسام عارية بنسبة 80 بالمئة

كانوا يمشون بها بلا توقف، ولا تعب، ولا كأنهم يحملون كائنًا حي يتعدى الخمسين كيلوغرام

قطعت هواجيسها سقطة قاسية.. شعرت وكأن عظامها تتراطم ببعضها البعض.. حتى شعرت بالألم يصل إلى رأسها.. من شدته

لم ترد أن تفتح عينيها.. ولكنها أرغمت على ذلك

فكانت الصدمة

ما تراه يتفوق على الواقع بمراحل.. محال أن يكون هذا حقيقة

هذه أرضٌ خيالية بالتأكيد.. قد يكون حلمها الأول عن المروحية حقيقي.. وقد تكون بمنتصف غيبوبة، أو حلم متعدد المراحل.. نعم تتذكر بأنها قد قرأت مقالًا عن أمر مشابه

وضعت بعقلها مليون فكرة وفكرة.. الا أن يكون ما تراه حقيقة

كانت مرميّة أمام بركة بيضاوية الشكل، بلونٍ فيروزي ساحر.. شديد النقاوة.. لدرجة أنها تستطيع رؤية كل ما تحت المياه

كان المكان محاطًا بأشجار تشبه أشجار النخيل، ولكنها ليست نخيل بالطبع.. فهي ابنة النخيل والرطب.. وتعرفهما جيدًا

كانت الأشجار منتشرة بشكل كثيف ومتناسق، بطريقة هندسية رائعة وكأنه فيلم من أفلام الأميرات

قطع سرحانها رجل قصير مقارنةً بأقرانه، ببطن منفوخة ومشعّرة بشكل مقزز.. شعره طويل يميل للون الكستنائي

تقرب منها وقطع الشبكة التي تحوي جسدها بسكين حادة

صرخت بحدة عندما لمس يدها: ايييييييييه هددددني!!!!

حاولت دفعه بكل قوتها.. لكنه رجل.. وبحجم ضخم ووزن تجزم بأنه يتعدى ال100 كيلوغرام

كان باردًا ولا كأنه يسمع صراخها.. وكأنه قد وضعها على وضعية الكتم.. أو لديه قطن في أذنه يحجب صوتها عنه

كان يتحرك بملل.. دفعها على النخلة بإهمال آلمها

اخرج حبلًا بنيًّا وربطها بإحكام متجاهلًا صرخاتها وشتائمها التي لم تعتد على قولها في حياتها!

ربطها وألتفت إلى أكله واستند إلى نخلةٍ مجاورة
التقط ورقة تشبه ورق الرمان عليها أكل غريب بدأ يأكله بشراهة تناسب مظهره الفوضوي
تقززت وهي ترى عصارة الطعام تنزل على شاربه، فيمسحها بيده ويلحسها فورًا

***

محمد بركن داخل البيت ويوم شاف الريال اللي ياي صوبه استحى ينزل باقة الورد اللي تكلف بها واختارها بعناية

نزل من السيارة: السلام عليكم

مايد: وعليكم السلام حي الله بو راشد.. شحالكم وشحال الاهل؟

محمد يخاشمه "تحية تقليدية يلصق أنفه بأنف الرجل الآخر": الحمدلله رب العالمين بخير ونعمة شحالكم انتوا وشحال شيبانكم؟

مايد: بخير ربي يعافيك شو العلوم؟

محمد: طيبة طاب حالك

مايد يمشي: اقرب الميلس.. بنزقرلك حرمتك

محمد: تسلم يا بو سعيد

بعد دقايق وصلت فطامي
استقبلها كعادته بابتسامة واسعة وعيون تلتهم زينها وكشختها

محمد: حي الله الغواااالي يالله حي الشيوخ

فطامي مستحية: الله يحييك "تقربت تمد ايدها" شحالك؟

محمد سلم عليها وباس راسها: الحمدلله بخير "همس" دام قلبي بخير

فطامي قربته ومدت ايدها اليسار صوب الدلة بمهارة ضعيفة

سبقها محمد: استريحي يالأميرة.. أنا بقهويج

فطامي بحيا: لااااا يا ويلي اذا امي عرفت

محمد: خلي عنج.. أنتي شيختنا ندلعج بس
"صبلها فنيان ومده" وهذا فنيان الغالية.. عساني ما اهز فنيان حبج قولي آمين

فطامي تضحك: حموووود بتفضحنا اسكت

ضحك ورد يتأملها بمخورها الفيروزي: ليش يا لباس المخور غيبتك طالت على أحبابك؟

فطامي: أي غيبة؟ توني ارمسك والحين جدامك بعد شو تبا أكثر؟

محمد: مايسد احسج بعيدة.. تقربي أكثر.. اباج عدالي طول العمر.. اصبح وامسي على بسمتج الحلوة

فطامي: جريب بإذن الله.. تصبر مب باقي شي

محمد: تعبنا من الصبر يا الزينة

فطامي بدلال: اللي يبا الورد يتحمل الشوج

محمد: اويييييليي "يرمس جمهور خيالي" تسمعون؟ تسمعون امثالها الحلوة.. ياربي صدق ان الحلو مايقول الا حلو.. وما يسوي الا حلو

فطامي: ههههههه هذا وانته ماذقت الحلو اللي سويته!

محمد بسرعة سحب ايدها ولحس سبابتها: أحلى عن هذا؟

فطامي بتقزز: يععععع محممممد

محمد يضحك: ههههههههههه لذيذة ياخي ما يستوي آكلج؟؟

فطامي: يالوصخ .. والله عيب عليك اتخيل حد يشوفنا

محمد: شو معذبني انا الا قوانين بيتكم.. يبتلج شي بس تلومت انزله جدام اخوج

فطامي بحماس: اووونه شو يبتلي؟

محمد: يبتلج شي يشبهج.. بس انج أحلى منه بشوي

فطامي تمد بوزها: بس شوي؟

محمد يمسك قلبه: والله ماتحمل دلعج.. شوي شوي علي ارحميني!

***

قبل 3 أيام

ابتسم عندما رآه داخلًا القرية بابتسامة، نادرًا ماتبدو على وجهه.. بسبب وحدته الدائمة في القرية

اختفت ابتسامته ما أن انتبه على شيء غريب على بدن الطفل.. بقع بألوان غريبة.. بعضها قد رآه في الثمار.. والبعض الآخر لم يره أبدًا

ركض إليه وبصوت منخفض قال: قبيصة.. ما هذه البقع على جسدك؟

قبيصة ببساطة واستغراب: ألوان

الرجل بحواجب معقودة: من أين لك بها؟

قبيصة بصدق اعتاد عليه: من صديقة التقيت بها خارج القرية

ارتفع صوته وبملامح مخطوفة: ماذا!!!!!

قبيصة بتوتر أنزل عينيه

الرجل بغضب: هل جننت؟؟؟؟؟ ألم احذرك مرارًا وتكرارًا من الخروج من القرية!!!!

اقترب منه رجل كان بجانبه منذ البداية

وبصوت منخفض قال: حرب.. ما بك تصرخ أمام الجميع.. ستُحدث فضيحة هنا.. لنذهب إلى المنزل ونفهم مالذي جرى

أخذ نفسًا طويلًا ومشى يسبقهم إلى بيته

ما أن وصل بيته المصنوع من جريد النخل، جلس على الأرض

حرب: أخبرني بكل شيء حدث من اليوم الذي عتّبت حدود القرية

قبيصة بخوف: لم افعل شيئًا خاطئًا

حرب يحاول تمالك نفسه: أنا من يحدد هذا.. والآن "ضربه بعصاة قريبة منه" تحدث!

قبيصة: لقد اعتدت اللهو لوحدي كعادتي منذ سنين.. ولكن فضولي دفعني للخروج من القرية.. ولكنني لم أحدث أي شيء.. كنت ألهو مع الثعالب والجرابيع.. ولكن

حرب بنظرة حادة: ما بك؟ اكمل مالذي حدث

قبيصة: التقيت يومًا بامرأتين.. بمظهرين غريبين.. صرختا عندما رأينني وهربتا فورًا.. ولكن أحدهن عادت لنفس المكان في اليوم التالي.. وكانت تخط على لوح أبيض.. وكنت اشاركها ذلك "وبحماس قال وكأنه يعيش نفس السعادة" واليوم أتت بمعصار ملوّن وسمحت لي باستخدامه وتلطيخ اللوح كيفما اشاء!

حرب يحس دمه يفور وحرارته مرتفعة من الغضب: كيف تسمح لنفسك بأن تقضي وقتك مع الغرباء؟؟؟؟
هل نسيت كل القصص التي أخبرتك عنها؟ اخبرني هل فقدت عقلك؟؟؟؟ "سحبه من شعره" إلى النخلة هياا

نهض وربطه على النخلة وضربه بعصاته الغليظة ضربات متكررة وهو يأنبه..
كان قبيصة يتألم بصمت مثل ما تعلم.. الرجل لا يصيح من الألم.. خصوصًا وإن كان ابن الشيخ!

الرجل الثاني يحاول يوقّف حرب عن الضرب: حسبك.. علينا أن نتبين مدى خطورة الوضع

حرب جلس بقهر: أشعر بنار مستعرة بداخلي.. لا تكف عن الاشتعال.. كيف تفعل بنا هذا يا قبيصة كيف!!!
لقد دفعت الكثير من وقتي لأعلمك بمدى حساسية وضعنا "نظر إلى الرجل الثاني" لقد ضاع جهودنا يا عفريس

عفريس بغضب على حرب: ما بك تنوح كالنساء..أنسيت من نحن؟؟ سفكنا الدماء وروينا الأرض! صحيح بأننا غير موجودون على الخارطة.. ولكن الأرض مرويّة بدمائنا.. ولا يستطيع كبح غضبنا أكبر الكبار واشدهم غلظة.. واتحدى أن يخطو أحدهم خطوة داخل قريتنا.. اقسم لك لن يخرج حيًّا.. وسأغذي الهجارس من لحمه

حرب زفر بقلق: علينا إبلاغ الشيخ بذلك

قبيصة بدا يرجف من الخوف.. كان يحس بأن الأمر لهو ولعب.. ولكن مادام الموضوع سيصل إلى الشيخ فبالتأكيد إنه أمر جلل!
ولا يدور بباله أمر سوى الحرق.. سيحرقونه بالتأكيد!

عفريس: لن نأتي بذكر قبيصة

حرب هز راسه تأييد.. أما قبيصة تنهد براحة.. أحس بأن روحه رجعت إليه!

حرب يكلم قبيصة: لا تخرج من هنا إلى أن آتي بنفسي واخذك إلى منزل الشيخ

قبيصة ينزل على ركبته: حاضر

***

اتجه لمجلس الشيخ الذي قلما يخلو من الزوار وزعماء القبيلة.. صرخ هو وعفريس صرخات رجولية عالية.. تحية واستئذان بالدخول

فتح لهم الباب خدّام اثنين من خدام الشيخ

الخادم عون: مرحبًا بكم أيها الشيخان.. حياكما الله وبياكما

هزوا رؤوسهم له ودخلوا وسط المجلس.. والذي كان شبه ممتلئ برجال يشبهونهم بالمظهر.. ويختلفون بالأعمار

كلهم كانوا ببشرة سمراء محمرة.. وشعورهم طويلة كستنائية.. عيونهم بنية واسعة ورموشهم غليظة
كانوا عارين الصدر وتغطي أجسامهم قطعة قماشية يلفونها على خواصرهم

الفرق الوحيد ما بينهم وبين عدد بسيط من الرياييل.. إن ابناء عشيرة الشيوخ كانوا يرسمون خطوطًا سوداء على صدورهم
ومنهم حرب وعفريس

ما أن رؤوهم مقبلين.. حتى نهض أغلبهم ووسعوا لهم مكانًا بصدر المجلس.. والذي غالبًا ما يكون مخصصًا للأعلى مكانة ثم الاقل وهكذا.. واقلهم منزلة يكون مكانه قرب الباب

حرب وعفريس حيّوهم بتحية رجال القبيلة المعتادة.. وضعوا أيديهم اليمنى على صدورهم: سفكنا الدماءَ

الرجال ردوا بنفس الحركة: سقيتُم الأرض

حرب بجمود رفع نظره للشيخ وعقب نقله للرجال: اظن بأن هنالك خطر قادم

الشيخ كليب: ماذا هناك؟

حرب بجمود: اظن بأن المستعمرين البيض قد عادوا

الشيخ كليب كان شبه منسدح، وأول ما سمع الخبر يلس بصدمة:هل أنت متأكد من ذلك؟

حرب: تمامَ التأكد

فجأة ضج المجلس بالغضب.. بدؤوا يسبون ويشتمون ويتوعدون في الغزاة البيض.. حتى أن البعض نسي رجولته وبدأ يلطم وينوح خوفًا ورعبًا

كل الموجودين بلا استثناء قد فقدوا عزيزًا في الحرب ضد البيض.. سواء كان أب/ جد/ صديق.. جار.. الخ

كلهم يعيشون الرعب كلما اضطروا إلى عبور حدود القرية

كل المشاعر السيئة تجتمع ضد الغزاة البيض.. الكره والحقد والغيرة، لأنهم مجبرون على العيش في الظل.. محصورين داخل قرية صغيرة غير موجودة على أي خريطة في العالم! حماية لهم ولخيراتهم

بدأ حرب بسرد ما سمعه من قبيصة.. على أنه قد رأى الغريبة بنفسه، في جولة تفقدية مع عفريس خارج حدود القرية

ثار الجميع.. واستنفروا.. وبدؤوا بالتخطيط لمكيدة لخطف الجاسوسة اللعينة.. كما سموها

رسموا الخطة بالتفصيل.. الخطة التي تخللتها الكثير من الشجارات، والعنف.. بسبب طبيعتهم الهمجية.. ولتهافتهم لنيل شرف قتل الجاسوسة، والتمثيل بجثتها

والقرار الأخير كالعادة يكون للشيخ كليب

والذي بدوره قد وكّل حرب مهمة إدارة الحديث والتخطيط للمكيدة

لكونه ابنه بالتبني.. وأنه أول من نال شرف اكتشاف الجاسوسة!

***

اثناء الاستراحة

خالد بأمر: ايفانتيكا.. هل يمكنني الحصول على عشر دقائق من وقتك؟

ايفا بابتسامة هادئة: نعم بالطبع

خالد يلس على كرسيه وأشر لها: تفضلي.. سأحدثك بموضوع مهم

ايفا: تفضل

خالد: بخصوص الشجار الذي حدث أمام مقطورتك.. أود سؤالك وارجو إجابةً صريحة منكِ.. هل يوجد أي رابط ما بينك وبين اطراف الخصام؟ اقصد زوجك سونيل وزميلك في العمل جاك؟

ايفا بارتباك: اممم لا.. لا اظن ذلك

خالد يخوفها: ولكنني سمعت عكس ذلك

ايفا تحاول تخفي ربكتها: لا اعلم بالذي سمعته.. ولكن من قبلي، فأنا ارفض أي ربط ما بيني وبين الحادثة.. ولا شأن لي بما يحدث بين سونيل وجاك

خالد: إذًا تحملين جاك كامل مسؤولية ما حدث مع سونيل؟

ايفا: اخبرتك بأنني لا اعلم مالذي حدث.. وليس من شأني تحميل أحد مسؤولية أي شيء!

خالد يمثل التعب: لقد آرقني الموضوع.. إذًا يبدو بأنني ساكتفي من التحقيق واحمل جاك المسؤولية تامة وارفع تقريرًا للإدارة والشرطة.. وليتحمل نتيجة أفعاله

ايفا بارتباك: الشرطة؟؟؟

خالد: نعم.. بالطبع! ما حدث يصنف كاعتداء على سونيل.. وقد اضره جسديًا.. سونيل قد ابلغ العيادة بالمعتدي وبدورهم رفعوا تقريرًا للادارة.. وقد تلقيت اتصالًا مخصوصًا لتحديد الفاعل وتحديد العقوبات

ايفا: وما هي العقوبات؟

خالد برسمية: من قبلي؟ ستكون غالبًا الطرد.. واعتقد بأن الشرطة ستسجنه وتغرّمه مبلغًا لا يستهان به

ايفا بصدمة وخوف: ولكنه صديقك!!! كيف يمكنك فعل هذا به!

خالد يمثل الهم: لا استطيع مساعدته فلقد ورط نفسه بنفسه "بخبث" لقد جئت إليكِ لاحصل على أي معلومةٍ قد تساعده.. ولكن يبدو بأنه غارق لا محالة!
لا بأس شكرًا لتعاونك.. هل هنالك شيء آخر تودين قوله؟

ايفا تشوف خالد بخوف

خالد: أعدك بأنني لن اقحمكِ في الأمر إن لم ترغبي بذلك

ايفا: سونيل هو من بدأ الشجار!

خالد: حقًا؟ ولكن الجميع رأى جاك وهو يوسعه ضربًا

ايفا: نعم ولكن سونيل هو من بدأ بالضرب والاستفزاز.. وما كان لجاك إلا أن يرد الضربات التي تلقاها منه

خالد يستفزها عشان تتكلم: الدفاع يكون بقدر الاعتداء.. ولكن يبدو بأنه تمادى لدرجة أنه أصبح المعتدي

ايفا بغضب: ولكنه كان يحاول الدفاع عني!

خالد: من ماذا؟

ايفا: سونيل.. لقد اعتدى علي بالضرب "رفعت أكمامها تراويه" لقد شوه جسدي!!!

خالد: هذه تهمة مختلفة.. يمكنك رفع تقريرٍ ضده.. وسيلقى نفس مصير جاك

ايفا: إذًا سيطرد الاثنان.. ولن يستفيد أحد!

خالد: نعم.. إلا إن تنازل صاحب الحق

ايفا: ماذا تقصد؟

خالد: اقصد بأن سونيل لن يُفصل إن تنازلتي عن حقك.. وبالمثل جاك.. إن تنازل سونيل عن حقه فلن يفصل!

ايفا: هل يمكنني ابتزاز سونيل ليتنازل عن حقه مقابل أن اتنازل عن حقي؟

خالد بابتسامة صفراء: لا استطيع تشجيعك على الابتزاز كوني رئيسك في العمل! ولكن بكل الحالات.. يجب عليك رفع التقرير في العيادة قبل أن تمحى الكدمات

ايفا شكرته ونشت متجهه للعيادة وهي في بالها قرار مصيري

سكتت عن حقها وايد عشان خاطر أمها وأبوها ومصلحة العوائل والزواج الشكلي اللي زوجوها اياه.. لكنها مب مستعدة تضر شخص رائع مثل جاك وتدمر حياته عشان خاطر معتوه مثل سونيل

***

في القرية

بللت شفايفها يوم حسّت إنها ناشفة
غمضت عيونها من الملوحة اللي حست بها.. العرق.. كان ينساب على ويهها بسلاسة تامة

كانت تحس إن الزمن توقف.. الأحداث جدامها ماتغيرت من ساعات.. نفس الشخص يالس جريب منها.. وهي مربوطة على النخلة

مافي أي شخص يا صوبهم
ماغير الطيور اللي تطير وتحل على البركة بمنظر رائع تحاول تركز فيه عشان تنسى نفسيتها المدمّرة

كانت أكثر الوقت تعزي نفسها إن الفرج قادم.. وأكيد أخوها بيحس بغيابها وبيطرش لها فرقة بحث.. وإذا وصل الخبر للبلاد إن في مواطنة مخطوفة عادي يحرقون القرية عن بكرة أبيها عشان خاطرها

فكّرت بأمها وشو ممكن يستويبها إذا عرفت إنها مخطوفة عند ناس ما تخاف الله!
والله عادي تموت من الحزن والقهر

غمضت عيونها تحاول تبعد عنها الأفكار السلبية.. وتركز على إن الفرج قادم.. ولو انعدمت الأسباب، الله موجود.. ويقدر يخلق لها الأسباب من العدم

سمعت صوت خطوات واثقة وثابتة جريبة منها.. فتحت عيونها على ويه بملامح قاسية وجامدة.. تحس إنه ما ابتسم في حياته

شافها بنظرة سريعة وبدل نظره للريال الثاني المتين

نادى بصوت غليظ: سفكنا الدماء

سائب "الريال المتين" قام بصعوبة: سقيتم الأرض "وابتعد عنهم بثقل"

ماقدرت تيوّد ضحكتها الساخرة.. قهقهت بسخرية شو السالفة يتناوبون على حراستها؟؟؟
على أساس إنها بتقدر تشرد من هالمكان يعني؟ وهم رابطينها بهالطريقة العنيفة؟ وبعدين حتى لو شردت كيف بتقدر توصل المخيم وهي ماتعرف الدرب!

ماتدري ليش فجأة انتبهت على إن الشمس بدت تنزل.. وتتوقع إنه وقت صلاة العصر دخل.. يلست تفكر تصلي أو تتريا إنها ترد المخيم تصلي؟ بس يا ترى بتقدر ترد المخيم أصلًا!

ماتعرف كيف بتصلي وهي بنجاستها.. وواقفة بهالطريقة.. وشيلتها مرتخية.. ماتدري شو الحكم وفي حياتها ما قرت عن حالة مشابهة لحالتها عشان تقدر تفكر

قررت إنها تصلي واقفة، قاست وضعها على وضع المريض اللي يصلي وهو منسدح.. ودعت الله القبول والمغفرة

***

وصله مرسول من أبيه بالتبني "الشيخ كليب" يأمره بأن يذهب لحراسة الجاسوسة بنفسه، لأنه لا يثق بأحد غيره

تقبل الأمر برحابة صدر وسار لبركة النخل

جهر بتحية أهل القرية، وجلس بلا أدنى اهتمام بالجاسوسة.. كان يفكر بماهية الخطوة القادمة؟ ويحاول أن يفكر بعقلية العدو.. ماذا يمكن أن يكون الهدف من استهداف قبيصة؟ وكيف من الممكن الاستفادة من هذه الجاسوسة؟

كان يسمع من كبار القبيلة بأن الغزاة البيض قد تعوّدوا على إدخال النساء كجاسوسات

هو تصرف غير مقبول بالنسبة له، وقد يغضب أي شخص بدم عربي مثل دمه

كانوا يصفون له الغزاة بأنهم بيض مثل حليب النوق، عيونهم زرقاء مثل لون السماء، وشعرهم ذهبي مثل لون الرمال

لكن هذه الفتاة لا تشبه تلك الصفات أبدًا.. رفع رأسه بفضول.. بشرة فاتحة مقارنة ببني جلدته، لكنها ليست كحليب النياق.. عيون واسعة وبنية كعيون الظباء.. رموش طويلة وحادة، وشفاه معتدلة الحجم تشابه بني جلدته أكثر من الغزاة البيض.. لكنه يعتقد بأنها متنكرة بهيئة تخالف هيئتها الحقيقية.. فهم "الغزاة البيض" معروفون بالمكر وخبيرون بهذه الأمور

رآها مغمضة عينيها بسلام، وتحرك شفتيها بخفة.. شعر بقبضة في صدره.. تبدو كمن يحضر لعنة أو سحر أسود

لم يذكر بأن أسلافه قد نسبوا السحر للغزاة البيض قط.. فالسحر واللعن لا يمتهنه أحد سوى ابناء قبيلته!

اقترب منها ودزها "دفعها" على النخلة بدفاشة: توقفي!

فتحت عيونها برعب وصرخت!

حط ايدينه الضخمة على رقبتها وضغط: توقفي والا قتلتك

شافها سكتت تفكر وقالت: لماذا تقتلني؟ لم افعل شيئًا!

ابتسم ابتسامة جانبية وهو يتذكر "المكر وادّعاء البراءة.. اهم سماتهم"

حرب: لا تتحركي.. ولا تغمضي عينيكِ.. ولا تحركي شفتيكِ.. لا أريد أن أرى منكِ حتى رمشة عين.. هل هذا واضح؟

قالت بانصياع: واضح

حرب: سعيد لأن التقتي بغازية بيضاء.. لكم أود التمثيل بجثتك "وعقد حواجبه باستغراب" ولكن نطقك للعربية سليم عكس ما يشاع "بسخرية" ولكن حرف الضاد يحتاج إلى بعض التدريب

حس بنبرة غضب في صوتها: مالذي يشاع عني؟؟؟؟ بالطبع ساتحدث العربية بشكل سليم فأنا عربية!

حرب بتركيز على عينيها الواسعة: عربية بلغة مثيرة للسخرية
"اشر على حلجه" عندما تنطقين حرف الضاد افرشي لسانك واوصلي طرف لسانك بطرف حلقك ليخرج بنفخة من أحد اطراف خدّيكِ ولكن احذري من ادغامها إلى طاء

شما تشوفه بنظرات عدم فهم: شو؟

حرب: هكذا ينطق العرب حرف الضاد

شما كانت تنظر إليه بغرابة.. من صدقه يعطيها دروس لغوية في وضع مثل هذا!

وكأنه قرأ أفكارها واخرج خنجرًا صغيرًا مربوط على خصره: كفاك ترهات.. لا أريد منكِ أية حركة.. والا سأسلخ جلدك بخنجري هذا

في كل مرة كان يستمع إلى بكاء امرأة، كان يهرب، لا يريد مشاهدة المنظر القبيح بالنسبة له
ولكنه مرغمٌ على ذلك هذه المرة.. مرغم على الاستماع إلى نحيبها وكأنها لبوة جريحة

حرك رأسه يحاول نفض الأفكار التي تراوده، ويركز على أمرٍ واحد.. الدموع سلاح النساء.. وهذا معروف بين معشر الرجال

أغمض عينيه بتركيز ليرهف سمعه، سمع وقع خطوات من مسافة بعيدة.. فهو المعروف بقوة حدسه وحواسه

علم من خلف الخطوات، من دون أن يراهم.. علم بأن الساعة قد حانت

انتظر إلى أن وصل أصحاب الخطوات.. كانوا يقتربون من السجينة.. يفكون وثاقها من النخلة.. ويربطون يديها بحبل جديد، موصول بأحد النياق

شعر بحرقة في فؤاده من طريقتهم الخسيسة بلمس بدنها، بالرغم من كل شيء فهو يستحقر من يستغل عمله لأجل شهواته، خصوصًا في مهمة خطيرة وحساسة كهذه

كتم مشاعره في صدره لأجل المصلحة العامة، كما تعود أن يفعل دائمًا منذ الصغر

رآها تُسحب أمامه كالشاة، ودموعها تهطل مثل غيمةٍ رمادية
منظرها يبكي الصخر.. فتاة بهذا الحجم الصغير، وسط عالم ضخم ومروّع تبكي كالأم الثكلى

سؤال واحد كان يراوده: "هل كنت محقًّا بالاتهام؟"

***

داعبت أنفها رائحة جميلة، تناقض واقعها المرير.. وآلام جسمها الفضيعة.. تستطيع تمييز الرائحة.. يا للعجب! هي رائحة اللافندر!

الرائحة التي تعشقها، وتجذبها دائمًا

رفعت عينيها فرأت منظرًا ساحرًا.. ككل مناظر القرية

رأت نخلة ضخمة لم تذكر أنها رأت مثلها في البلاد!

سمعت أصوات الرجال تعلو: سفكنا الدماء

كل الموجودين ردوا: سقيتم الأرض

رأت الرجال يشعلون النار أمام النخلة.. وبحماسٍ شديد بدؤوا ينشدون أهزوجة بكلمات شركية

شعرت بخلايا عقلها كلها تستنفر.. ولم يخطر ببالها الا جملة وحدة

"يعبدون النخلة!!!"

سلالة من لهبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن