الجزء الرابع والأربعون
من الصباح الباكر.. كان منزل بو خالد ممتلئًا.. بالنساء والرجال من القبيلة والمعارف
الجميع تعاون ليكون استقبال الشيوخ استقبالًا يليق بهم.. فزيارة أحد ابناء القبيلة هو شرف للجميع
ذُبحت الذبائح.. فُرِش الزل.. غُسّلت الفواكه.. وتم كل شيء بتبخير المنزل بأعتق أنواع العود
كل شيء مجهّزًا على أكمل وجه
كان بو خالد في توتر لا يعلم به سوى الله.. كان يطلع كل شوي للشارع ويرجع
قال أحد ابناء أخوته: عمي الله يحفظك سير ايلس ارتاح نحن موجودين هني
بو خالد: يا ولدي وين ارتاح.. سير الله يرضى عليك اول الشارع طالع في حد والا لا
فجأة سمع ضجة: وصلوا وصلوا
اختبص بو خالد وبدأ بإعادة ترتيب هندامه بيد متوترة
نودي الكبار وسارع الجميع للوقوف أمام المنزل.. لاستقبال موكب الشيوخ الذي استقر أمام منزل بو خالد
ما أن ترجّلوا من سياراتهم حتى توافد عليهم الجميع.. الكبير والصغير.. وتبادلوا الأخبار، وكلمات التقدير والامتنان التي تعبّر عن صدق وقرب العلاقة ما بين الحكومة والشعب
سمع البعض "طراطيش حكي" كما يقال، عن القبيلة الجديدة والقرية النائية في المجالس وبرامج التواصل الاجتماعي.. أغلب الناس كذبت، والبعض صدق، وكثير منهم لم يعر الموضوع أي اهتمام
ولكن وجود هذا الرجل الغريب، بوسط اهم رجال البلاد.. يؤكد كل شيء
استغرب الجميع وجوده.. ولكن لم يتجرأ أحدٌ على السؤال.. فمن جاء برفقة الضيف، فهو ضيف بنفس المنزلة، ومكرّم عن الاسئلة
كانوا يتبادلون الأحاديث والأحوال.. كلن يدلي بدلوه عن معرفته بالآخر.. أو أحدٍ من قبيلته.. كان حوارًا بسيطًا بلا تكلف.. الجميع مستأنس بالآخر.. ويمر ابناء القبيلة بدلة القهوة على الضيوف بعادةٍ عربية أصيلة
قال الشيخ: الله يحيي هاللحى الطيبة.. عاد نحن يايين اليوم نخطب من عندكم "اشرب على حرب" لهالريال الطيب.. حرب هذا اعتبروه ولدي وعلى كفالتي
قال كبير قبيلة بو خالد: والله يا ان ييتكم شرف لنا.. وخطوبتكم من عندنا ناموس لقبيلتنا.. وبنتنا هي بنتكم ودامكم تعنيتولها فهي لولدكم.. واللي ايي من صوبكم ماعليه قاصر ولا عذروب
الشيخ: تسلم والله يا بو محمد.. من طيب أصلك.. وأنته يا بو خالد شو رايك؟ أنت بو البنت وشورك بعد يهمنا وشور البنت
بو خالد بلا تردد قال: كلامي من كلام كبيرنا.. عطيناكم بنتنا ولو بغيتوها اليوم بعباتها تملج وتسير
أُعجب الشيخ برده: ونعم والله يا بو خالد.. لكن نمشي على السلك والاصول.. نقص المهر اليوم ويملجون، والعرس متى ما يتفقون هم
صمت الجميع اتفاقًا أو خضوع
كان بو خالد في قمة التوتر العصبي.. كل شيء جدامه يمر بأسرع ما يمكن.. لسانه ينطق بطريقة ارتجالية قبل لا يفكر حتى.. سمع كلمة الشيخ الأخيرة وهو يفكر بردة فعل بنته الصغيرة.. لكن مستحيل يعيد التفكير بالموضوع.. مستحيل يفكر ولو لجزء من الثانية.. رد طلب الشيخ بعد كل افضاله عليهم.. أمر مستحيل.. من سابع المستحيلات
بو سيف: والله ونعم يا حرب.. بس ما تعرفنا على الريال
الشيخ وضع يده خلف ظهر حرب: هذا ولدي حرب من قبيلة بني جلمود وهو شيخهم.. عايشين في الربع الخالي.. يشتغل في الذهب وعاد الباقي عندكم الريال اسألوه وبيجاوبكم
بو خالد هز رأسه بايجاب: والنعم
الشيخ: عيل نملج الحين
بو خالد قام بسرعة: محمد قم دورلنا ملّيج
ابتسم الشيخ: ما يحتاي "اشر على أحد الحضور" المحكمة بكبرها عندنا هني.. يالله خلصولنا الموضوع
***
كانت تؤدي الواجب كما تعلمت من والدتها وشقيقاتها منذ صغرها.. كانت تخدم النساء وتُشرك علياء في الأمر.. حين أتت أم سالم بقربها هي وعلياء
أم سالم بفرحة كبيرة: شما.. اليوم يايين يخطبونج.. سيري عند الباب محمد يترياج والمليج بيكلمج
نظرت شما إليها بعدم فهم: يخطبوني انا
أم سالم ضحكت: منو قدج.. غلبتينا.. يايين شيوخ يخطبونج
كانت شما تنظر إليها بعين تائهة.. هي مب مستوعبة اللي تقوله أم سالم.. أو يمكن عقلها قرر أنه يوقف عن العمل اليوم.. وما يستوعب
أنا انخطب؟ واملج؟ وفجأة؟
حوّلت نظرها إلى علياء، والتي كانت تشاركها الحيرة والتوهان
أم سالم: شميم حبيبتي سيري بلاج بلمتي
بالفعل مشت، ترافقها أم سالم إلى الباب.. حيث كان محمد بنفس النظرات التي لا تُفسّر
كلمها الملّيج، أو عاقد القران.. سألها بضعة اسئلة.. وكانت تجيب بتلقائية.. كأنها تجيب على اسئلة عادية.. أمسكت بالقلم ووقعت.. وعادت من حيث أتت
علت الزغاريط وسط استغراب النساء.. فأعلنت أم سالم الخبر: باركوا لأختي شما.. الشيوخ طلعوا يايين يخطبونها وتوهم ملجوا
تهللّ وجه الجميع وبدأت شما تستقبل التهاني والقبلات.. وسط نظرات فخر من والدتها
أما هي كانت مغيّبة.. ولا تبالغ إن قالت تشعر وكأنها حُقنت بمخدر.. يجعلها ترى وهي لا ترى.. وتسمع وهي لا تسمع.. كان كل شيء حولها بلا صوت أو معنى
انتهت العزيمة، والتي تحوّلت بقدرة قادر إلى حفلة.. وغادر الجميع
صعدت شما إلى غرفتها هروبًا من الواقع.. حين ابتدأ الزلزال في الأسفل
أم سالم بصدمة: يعني اللي خذاها مب شيخ؟
بو خالد استلقى على الكنب وقد فتح ازراره العلوية: شيخ في قبيلته
أم خالد: ومنو هذيل جلمود ومادري شو؟ عمرنا ماسمعنا عنهم من وين طلعوا!
بو خالد: أم خالد.. اجلي الموضوع ليوم ثاني ترا منهد حيلي
أم خالد لفت على محمد: انت كنت موجود.. شو اللي استوا كيف فجأة ملجتوا بنتي وانا ماعندي خبر
أم راشد تآزرها: خلاص أمي فديتج اهدي شوي.. ولين باجر خير
أم خالد: تتحرين بتغمض لي عين وأنا مادري شو مصير بنتي
محمد: هذا أمر الله أمي.. ربي سيّره ويسره غصبًا عنا كلنا.. أكيد فيه الخير لشما
أم خالد: بتيبون أجلي.. بتذبحوني ناقصة عمر
محمد: مايوز تقولين جي أمي محد يموت ناقص عمر.. الله يطول بعمرج يارب
أم خالد بغضب: وانت من سرت اعتمرت سويت لي فيها الامام كل ما قلنا شي قلت مايوز
محمد ضحك يحاول تلطيف الجو: افااا يا ام خالد وشو كنت طايح من عينج قبل؟
أم خالد تقترب من بو خالد تهزه بدموع: كيف زوجت بنتك لواحد مانعرف عنه شي؟ الله يعلم عنه زين شين خمار زمار ماندري.. عنبوه حتى ما سألت عنه.. الشيخ ما غصبك على الموافقة بهالسرعة ليش تعطيه بنتنا قبل لا تسأل عنه ليش؟
بو خالد يضع يده على عينه: لا حول ولا قوة الا بالله.. بو محمد "شيخ قبيلتهم" وافق وعطاهم اياها.. تبيني ارد كلامه؟
أم خالد تصارخ: والحين قبيلتك اهم عن بنتي؟
بو خالد: خلاص يا حرمة فكينا من هالسالفة
أم لطيفة يت صوبها: امي بسم الله عليج اهدي شوي.. ماعليه كل موضوع وله حل تعالي يلسي ارتاحي
أم خالد: وين ارتاح؟ ويين؟ ولدي الاول ساير بالي عمره وفاضحنا والثاني هذوه مطلق ويالس والحين الصغيرة منفدينها عند ناس ماندري وين راسهم ووين ريولهم.. وين الراحة وين
كانت تصرخ بهم وتعاتبهم باكية.. انتوا اللي نفدتوا بنتي.. انتوا ضيعتوها.. بنتي في ذمتك يا بو خالد في ذمتك.. وكررتها.. حتى سقطت مغشيًّا عليها
***
بو عبيد كان يقود السيارة برفقة حرب الذي يود لو يطير من مكانه
بو عبيد يضحك: مبرووووك مبروك وأخيرًا يالعاشق.. يالله الحمدلله صبرت ونلت
حرب: الحمدلله كما ينبغي لجلال وجهه الكريم وعظيم سلطانه
بو عبيد: عيل بترد القرية اليوم
حرب: العودة ضرورية للأسف سيأتينا مندوب الاستفتاء غدًا وستوزع الاراضي والاملاك
بو عبيد هز راسه بايجاب
حرب: ولكنني سأعود قريبًا بإذن الله.. هل ساستطيع رؤيتها
بو عبيد: المفروض انك تزورها بس في وضعك والله مادري.. بعد ماخذنها غصبًا عن أهلها هههههههههههه لو شفت ويه ابوها وانت تقوله ابا رقمها كان الود وده يذبحك
حرب: تمنيت أن تكون علاقتي بهم افضل ولكن هكذا شاء الله
***
استأذنت لتنام.. ولكنها كانت جالسة بصمت على سريرها.. لم تتحرك.. ولم ترمش
كانت تحاول استيعاب ما حدث.. احقًّا؟ بهذه السرعة تهدّم كل شيء؟
صحيح بأنها قد قررت نسيانه.. وقد همّت بالأمر.. وبدأت تطرد ذكراه إن زارتها
ولكن هل انتهى كل شيء بشكل رسمي؟
هل أصبح محرّمًا عليها التفكير به؟ لأنها على ذمة رجل آخر
لحظة واحدة.. هل حقًّا.. هي على ذمة رجل؟ هي امرأة متزوجة؟
رفعت رأسها تحاول استيعاب الأمر
هي بالفعل امرأة متزوجة.. ولكن ممن؟ أهو من الأسرة الحاكمة؟ تحاول عصر عقلها لتتذكر الاسم الذي كان بمحاذاة اسمها.. ولكنها لم تصل إلى شيء.. الذكرى مختفية تمامًا.. لا تستطيع تذكر من هو زوجها.. ولم يبلغها أحد حتى باسمه!
***
عليا بتردد: خالد بقولك شي
خالد: آمري
عليا: كيف جي تزوجون شما؟ والله حرام اولا هي صغيرة وثاني شي.. مادري احس كل اللي استوا غلط
خالد تنهد: شو تبينا نسوي؟ نردهم
عليا: أكيد فيه حل!
خالد: ياريت.. مافي حل يحفظ كرامتنا وكرامتهم الا هذا.. وحتى لو ماكانوا شيوخنا ربي يحفظهم.. الريال اللي يخطب ويشل وياه قبايل كبيرة وناس عيب ينرد.. وايد صعب ينرد وغالبًا اذا ردوه تستوي مشاكل كبيرة
عليا: والله انكم معقدين الحياة بهالسوالف القبلية
خالد: كاسرة خاطري شما.. يوم يوها ناس قراب منا ويشبهوننا رفضتهم.. والحين هذا.. مادري كيف بتعيش وياه.. الله ييسر أمرها يارب
عليا: ليش منو هو؟
خالد بحيرة: والله من فترة سمعت نيلسون يخبرني عن قبيلة طالعة في الربع الخالي.. الاجانب محتشرين على الموضوع بس استغربت نحن ما طلع عندنا الموضوع وايد.. يقول حتى ان مكانهم جريب من مخيمنا الأخير اتخيلي؟
عليا مثلت الصدمة: معقولة؟
خالد: هي والله.. عاد انا انشغلت بموضوعنا وما قدرت اسال اكثر.. بس ولدهم هو اللي ملج على شما اليوم.. شيخهم حرب
عليا شهقت: هاه؟
خالد: بلاج
عليا: شيخهم!
خالد: هيه.. لو تشوفينه عاد طول شما ثلاث مرات.. والله كاسرة خاطري.. بس نصيب سبحان الله.. عسى ان تكرهوا شيئًا وهو خير لكم
علياء: صح
خالد يتثاوب: بسج من السوالف انا ابا ارقد اسميني هلكت اليوم.. بتسيرين عند أهلج باجر؟
عليا: هيه لازم اكلم أمي وأبوي
خالد: متى تبين نرد بريطانيا؟
عليا: خلنا نيلس يومين زيادة ونرد.. مديري ازعجني كل يوم مسج تحذير وتهديدات "جنها تذكرت" بس شو عن عرس شما؟ ماقالوا شي عنه؟
خالد: مادري والله ماتكلموا عنه.. يمكن عقب كم شهر.. خير ان شاءالله
***
طرقت الباب وذهبت إليه وهي تشعر بالحزن الشديد عليه
مهرة: بو عبيد؟
بو عبيد: هاه
مهرة: شحالك
بو عبيد رفع ناظريه باستغراب: شو ياج تخبلتي؟
مهرة تحضنه: لا تمثل علي انك بخير.. عادي كله نصيب الله يعوضك باللي أحسن منها
بو عبيد بصدمة: انتي شو تقولين؟ معقولة انخطبت بهالسرعة؟
مهرة عقدت حواجبها: جي انت ماكنت في بيت بو خالد اليوم؟
بو عبيد زاد استغرابه: هيه
مهرة: اليوم ملجت شما.. جي ماتدري
بو عبيد: وانا شو يخصني؟
مهرة: انته قلتلي انك تباها من زمان.. توقعت انكم تحبون بعض!
بو عبيد طالعها وعقب نقع من الضحك: ههههههههههههههههههه انا كنت شاك ان البنات غبيات بس اليوم تاكدت.. انتي من وين يبتي هالقصة لا وياية تحضنني بعد تراضيني.. سيري سيري رقدي الله يهديج
مهرة: انته قلت!
بو عبيد: يالغبية.. قلت هالكلام عشان اسحب منج الرمسة.. المشكلة مليون مرة مسوي فيج نفس الحركة ولا تتعلمين
مهرة بغضب: ليكون قصيت علي بموضوع شهد بعد
بو عبيد حط ايديه ورا راسه: اكيد
مهرة فرت عليه دبة قريبة: كريه وزفت.. زين يوم انها رفضتك
بو عبيد: تهبي ترفضني.. انا اللي معلقنها سنيييين
مهرة: وفي النهاية قالت ماتباك ويييييوو
***
سلمت عن يمينها وشمالها.. رفعت سجادتها
هي مؤمنة.. تعلم بأن كل أمرٍ يحدث هو خير.. وبالتأكيد ما حدث لها اليوم به خير لا تعلمه.. سألت الله أن ييسر أمرها ويكتب لها الخير حيث كان ثم يرضيها به
رن هاتفها فاستغربت.. نظرت إلى الرقم فزاد استغرابها
شما: الو
حرب تنهد: والآن ارتويت بعد شهور من الجفاف
شما بصوت مرتجف: حرب
حرب: أيا عينه وقلبه.. أيا نبض الفؤاد وروحه.. أيا دومته المعتلة.. والتي لم يعل قلبه سواها
شما همست: حرب.. كيف.. مايجوز تكلمني
حرب: بل أنا احق الناس بكِ
شما: حرب.. بس أنا تزوجت.. اليوم
حرب:..........
شما دمعت: آسفة.. لازم اسكر
ابتسم حرب.. ثم ضحك وزاد بالضحك.. وكأنه لم يضحك أبدًا.. كأنه استوعب الذي يحدث
حرب بابتسامة سألها: من هو زوجك؟
شما: مادري.. لكن خلاص مايجوز
حرب: اعتل قلبي واعتل عقلك.. يا نجلائي.. أنا زوجك
شما: نعم؟
حرب: ألم تري عقد الزواج؟
شما بصوت متقطع: شفته.. لكن.. مادري.. ماركزت على الاسم
حرب: أتظنين بأنني سأترك لأحد غيري؟ والله ولا على جثتي.. ولا على جثتي.. أنتِ حرامٌ على غيري يا شما.. حلالي أنا وحرام على سواي
نهاية الجزء الرابع والأربعون
أنت تقرأ
سلالة من لهب
Science Fictionلم تعلم شما أن مغامرتها هذه المرة ستوقعها بيد سلالة من لهب سلالة عربية أصيلة من نسل عمليق بن لاوذ.. آخر ما تبقى من العرب البائدة ستخطف قلب شيخهم وتعود.. لتكمل سلسلة الأحداث في بلادها شخصيات متعددة وقصص كثيرة ما بين كوميديا ساخرة، حب جامح، وحرب لا ت...