الجزء السابع والثلاثون
.
.
الماضي
دخل إلى شاحنة الاطفاء وهو يحمل السترة بيده
عبيد قام ببهجة: اوووووه بو عبيد "ضرب له تحية عسكرية" مرحبا سيدي
وقلده بقية الفريق
خليفة "بو عبيد" سلم عليه: الله يحييك بو خليفة
عبيد بمزح: بعدني صغير على الزواج لاحق تسميني بو خليفة
خليفة: وأنا لو عرست تتحراني بسمي ولدي عبيد؟
عبيد بثقة: نعم انك بتسميه!
خليفة: لو ما تم الا اسمك ماسميت.. الا جان يبته شيبة.. عيل هذا اسم عبيد؟ تقول واحد طالع من العزبة
عبيد ضحك: افا بس افا!
ووطى صوته: بس غريبة تنزلت لنا وييت تطفي ويانا
خليفة بتذمر: طواري درجة اولى يابونا كلنا
عبيد بشماتة: زييين اكرفوا ويانا في الميدان
خليفة: عاده شو الحريجة؟ ليكون هالمرة بعد بدون سبب
عبيد: هاللي وصلنا.. للحين مايعرفون السبب لكن النار تنتشر بسرعة والمنطقة حساسة يخافون تنتشر للمباني الثانية.. ولهالسبب زاقرين الكل
خليفة: تتوقع انها بفعل فاعل
عبيد: بيني وبينك.. ااتوقع.. الحساد وايد.. ودوم يستهدفون المناطق هذي قبل المناسبات الكبيرة.. يبون يعرقلونا لكن الله ويانا وحافظنا ولا نهاب حد منهم
خليفة بفخر: كفو
وصلوا إلى وجهة الحريق.. وكان برجًا أساسيًا في المدينة
كان الفريق منقسمًا إلى عدة فرق مصغرة.. البعض يخلي المبنى، والآخر يطفئ الحريق، وهكذا
كان خليفة يرافق عبيد في الطوابق العليا.. حيث كانت مهمتهم الاخلاء
أُخلي المبنى تقريبًا وتبقى عدد بسيط من الفريق
عبيد: النار سدت علينا كل المخارج.. لازم ننقز من الدريشة
خليفة برعب: مب صاحي انته كيف ننقز من هني "ألقى نظرة" نحن في الطابق 30!!
عبيد: بيحطولنا شي تحت لا تحاتي مابييك شي رضات بسيطة بس.. بس لازم نفصخ الجاكيت.. الجامة صغيرة وما تسد
وبالفعل تصرف عبيد وكسر النافذة باداة ثقيلة وجدها في الغرفة.. وبدأ بحث الشباب على الخروج: يللا شباب تشهدوا وانقزوا ولحد يطالع تحت
خليفة: الحين تشجعهم انته اونك يوم تطلب منهم يتشهدون؟
عبيد: هذي واجبة
عبيد كان يتابعهم واحدًا تلو الآخر.. إلى أن تبقى اثنان: يالله خليفة دورك.. ما تم الا نحن
خليفة: انا اكبر عنك لازم تنزل قبلي
عبيد: مب على كيفك
خليفة بمزح: يا ريال خلني اتطمن عليك اخاف تتراقل هني ومحد حولك
عبيد كان هادئًا ولم يبادله المزح: سامحني بس قلتلك.. انته قبل
لم يعي خليفة نفسه الا وهو في الهواء.. دفعه عبيد ذو الجسم الضئيل بكامل قوته.. كان خليفة في الهواء عندما سمع دويَّ انفجارٍ عال دفع جسمه إلى اليمين قليلًا
سقط على القطعة المطاطية في الارض.. ولحق به عبيد.. ولكن كقطعة لحم مسلوخة، بلا روح
كان بجلد مسلوخ تمامًا.. باستثناء الجزء السفلي المغطى برداء الدفاع المدني
كان خليفة ينظر إليه بعدم تصديق.. ثوان بينهما.. ثوان.. كيف نزل هو بسلام.. ونزل عبيد بهذا المنظر
كان يحدثه: عبيد.. بسم الله شو ياك يا ريال ليكون هاي مزحة من مزحاتك؟
أحد الرجال: سيدي قل لا اله الا الله
خليفة نظر إلى الرجل بعيون مفجوعة: كان وياي.. نقز عقبي بثواني.. كيف.. انا بخير وهو محروق؟
الرجل: لا حول ولا قوة الا بالله.. أمر الله.. وهذا مقدر ومكتوب.. وما يموت الانسان قبل يومه
خليفة رفع ايده ببطء يحاول يلمسه: جسمه حار.. يلبق
الرجل غطاه: انا لله وإنا إليه راجعون.. الريال توفى محروق لازم جسمه بيكون حار.. "مسك خليفة" وحّد الله وقوم الاسعاف بتشله
كان خليفة غير مصدق.. كان الرجال يسيّرونه إلى سيارات الإسعاف.. للاطمئنان عليه.. ولكنه كان كثيرًا ما يتلفت إلى الخلف.. ينظر إلى عبيد.. وهو يغطى ويوضع على سرير الإسعاف.. ويدخل إلى سيارة الإسعاف.. لم يحاولوا حتى إسعافه.. فكان محروقًا بالكامل.. ولا نفس فيه ولا روح
نعاه وبكى عليه بكاء شديدًا.. كان عبيد كالأخ بالنسبة له
كان عبيد روحًا صالحة وطيبة.. كل حياته كانت مسخرة لخدمة الناس ولا يهم ما يتكبده لذلك.. ولذلك كان يهوى الميدان.. يحب انقاذ الناس.. وقمة النشوة عنده أن يعود بعد عملية ناجحة بدون أي خسائر بشرية.. هكذا كان عبيد.. وهكذا خسره خليفة.. ونذر منذ ذلك اليوم إن رزق ابنًا في يوم.. ألّا يسميه سوى "عبيد" وألّا ينادى الا "بو عبيد"
...
الحاضر
بو عبيد: سيف أنت ترياني هني وأنا بدخل اييب حرب.. انته بعدك ريال غريب مافينا على سين وجيم
سيف: اللي تشوفه
ما لبث أن نزل بو عبيد وابتعد عن المروحية الا وقد تم القبض عليه من قوات المراقبة
رئيسهم: حذيفة اذهب إلى القوات الحدودية وأبلغهم بأننا قد أمسكنا بأحد الغزاة
بو عبيد: اي غزاة؟ أنا بو عبيد ياي عند حرب.. صديقه وعندنا شغل
الرئيس لم يهتم لأي كلمة قالها.. بل كان حازمًا وينتظر الأوامر
إلى أن عاد الرسول وطلب نقل بو عبيد إلى القوات الداخلية ومن ثم إلى رئيسهم الحربي
أُخِذ بو عبيد إلى الرئيس أحمد/عفريس.. فكانت الصدمة بادية على ملامحه
أحمد: بو عبيد!
بو عبيد بغضب: وانتوا أي حد اييكم بتخطفونه
أحمد: اتركونا لوحدنا يا رجال
بو عبيد معصب: وبعدين وياكم.. الواحد يبا يسوي فيكم خير تقومون تهددونه بالقتل وتعذبونه.. والله العظيم تكرهون الواحد بمعاشرتكم
أحمد: لا بأس يا بو عبيد.. اعتذر منك.. لقد تلقى الرجال الأوامر.. وهي في حالة تأهب قصوى ووجودك قد سبب لهم بعض الربكة
بو عبيد: ربكة!! ليش هم مب شايفيني عندكم كم مرة
أحمد تنهد: صحيح.. نعتذر منك عما بدرمن رجالنا.. ولكن مالذي أتى بك؟ إن الوضع خطير في القرية
بو عبيد: من الصبح اتصل بشيخكم ولا يرد.. لازم ايي وياي نخلص الشغل
أحمد باستغراب: أي شغل؟
بو عبيد: هو وين؟ لازم اكلمه ونتحرك بأسرع ما يمكن
***
نزلت إلى الصالة لإعادة صينية الطعام.. فوجدت محمد بمنظر لا يوحي بالخير.. وضعتها على الطاولة واقتربت منه
كان متجردًا من كل ملابسه.. باستثناء منشفة يلف بها خصره.. وحتى المنشفة نفسها لم تكن بوضع صحيح
خجلت من المنظر وأبعدت ناظريها.. لعله نام بالخطأ
شما: محمد.. محمد.. قوم
كان شعره مبلل.. يبدو بأنه قد استحم للتو
شما باستغراب: محمد بسم الله عليك شو ياك "حطت ايدها على جبهته ورقبته" كانت حرارته طبيعية.. نادته مرة والثانية وكررتها واصرت إلى أن استيقظ
فتح محمد عينيه الحمراء وكأنها مصبوغة بالدم: شما
شما: محمد.. شو تسوي هني؟ سير حجرتك
محمد غائب عن الواقع: هاه؟ حجرتي؟ وين حجرتي
شما خافت عليه: محمد.. حجرتك فوق.. شو فيك فقدت الذاكرة
محمد ضحك فجأة: ههههههههههه لالا ما فقدت الذاكرة.. بس شارب خمر.. لين نقعت
شعرت شما بتقلصات في معدتها.. وحرارة شديدة في جسمها.. همست: خمر؟
محمد بسكرة: وووععع طعمه يلوع بالجبد مادري كيف تحملته
شما خافت: محمد قوم.. تعال بساعدك.. بس لف فوطتك عدل
محمد شاف نفسه: اي فوطة.. اوووووه هذي.. شدراني كيف يلفونها بعد
شما ماعرفت شو تسوي.. هي بوضع محرج جدًا.. بأطراف اصابعها شدت عليها وسندته: قوم
قام محمد: حاضر سيدي
أخذته إلى غرفته.. ومع صعوبة السلالم.. كانت شما في وضع لا تحسد عليه أبدًا.. كانت تبكي.. بصمت شديد.. ولا تستطيع حتى مسح دموعها.. لم تحلم حتى برؤية محمد بهذا الوضع.. مالذي فعله بنفسه.. يارب.. ساعده يارب.. ساعده.. يارب مابغي اخسر أخوي.. دخيلك يا ربي
دخلت إلى الغرفة.. والتي كانت بحالة مأساوية.. ورائحتها لا تطاق
مدت نظرها فرأت قيء في الأرض.. ويبدو بأنه كان يركض إلى الحمام فلوّث كل الطريق ما بينهما
ساعدته بالاستلقاء على السرير.. وغطته.. وأغمضت عينيها بألم.. عليها تنظيف كل هذه الفوضى قبل أن يلاحظها أحد
سارعت إلي المطبخ لتأتي بخرقٍ عديدة وسطل ماء.. وبدأت تنظف متجاهلةً تقززها والرائحة النفاثة ودموعها التي تهطل على القيء والماء
ختمت عملها بأن عطرت الغرفة بمعطر الجو واغلقت النور
خرجت من الغرفة وجلست على كرسي في الممر.. لن تبارح مكانها.. محمد ليس بوضع طبيعي.. وبالتأكيد سيمر عليه أبيهم ليوقظه للصلاة.. ولن تسمح لأحد بأن يراه بهذه الحال
ستخبرهم بأي عذر.. أنه مريض.. وكان يهلوس.. أو أي عذرٍ كان.. ولكن محالٌ أن تتركه ليكتشفوا سوء عمله
***
ذهب بو عبيد مع أحمد إلى حرب.. الذي كان يخيّم مع أحد الفرق الحربية.. فلم يستمع إلى كلام أحد بأن على القيادة البقاء في المنزل.. أبى وقال بحزم "أيقاتل رجالي وأجلس كالنساء في المنازل؟"
أحمد: السلام عليكم
حرب: وعليكم السلام ورحمة الله "باستغراب" بو عبيد
أحمد: لا تكلمه فإنه لا ينطق بالكلمة الا ويتبعها بالشتيمة
حرب ابتسم: ما باله؟
أحمد: لقد قبضت عليه القوات الحدودية ظنًّا منهم أنه خطر من الغزاة
حرب بتفهم: نعتذر منك يا بو عبيد.. اتمنى ألا تكون قد تعرضت للأذى
بو عبيد بغضب شديد: خلني ساكت احسن.. انا ياينك بخصوص الموضوع وهذي آخر مرة تشوفوني في هالمكان
أحمد: لاحول ولا قوة الا بالله.. صل على النبي يا بو عبيد
حرب: أوجدت مستجدًا؟
بو عبيد: الموضوع انتهى الحمدلله.. لازم اتي وياي وتقابل الحكومة وتخلص الاجراءات
حرب: الحمدلله
أحمد: وماذا عن الحرب؟
حرب: سنُبقي القوات.. ريثما يتم الأمر بشكل رسمي ويتم ضمّنا إلى الحدود وبذلك لن يتجرأ أحد على مس قريتنا
بو عبيد: لازم نسير الحين
حرب: الآن!
بو عبيد: نعم.. منظرك ملفت للنظر بما فيه الكفاية.. لازم نطلع في الليل عشان محد يشوفك
حرب: ولكن كيف اترك شعبي وهم مستعدون للحرب
بو عبيد: تصرف.. انا ريال ما برد هالمكان مرة ثانية.. تعال وياي الحين وبرايهم دبر حل لهم
حرب تجاهل سوء أدبه: وكيف سنرحل الآن؟
بو عبيد: بالهليكبتر.. يتريانا اخوي
***
أخرجت صينية المعكرونة بالبشاميل الصغيرة.. وجهزت الصحون وأدوات الطعام واخذتها إلى الصالة حيث كان ينتظرها عبدالله
عبدالله بابتسامة: يا سلااام مسوية بشاميل
خولة: هيييه اليوم عتقتني عموه الحمدلله وحصلت وقت اتفنن
عبدالله يمسك بطنه: عاد ميت يوووع
خولة بدت تغرف له: بالعافية عليك حبيبي
عبدالله بتذمر: جان ما حطيتي جبن بعد شو هالبخل
خولة تزجره: عبدالله احمد ربك على النعمة شو هالكلام؟؟؟ من كم شهر ما كنا نشوف غير البيض واللوبيا
عبدالله: الحمدلله.. بس صدق زيدي شوي ترانا الا اثنين
خولة: مرة ثانية بزيد حضرة الشيخ.. عندك اوامر ثانية
عبدالله بتلذذ: لا يكفي اليوم
خولة ضربته بخفة: بجيح
***
عقد اجتماعًا سريعًا وسرّيًا مع كبار القبيلة يبلغهم بضرورة رحيله
ثمال: ولكن إن رحلت الآن سيظنون بأنك تخلفت وتخليت عنهم!
حرب: أعلم بذلك ولكنني مضطر.. لن نستطيع ردع الغزاة بسيوفنا البديئة.. العالم الخارجي أكبر من ذلك بكثير.. لديهم قنابل بحجم الدوم تمحي قريتنا عن بكرة أبيها.. علينا أن نخرج من قوقعتنا.. علينا أن نحفظ أهلنا بالسلاح الحديث.. بالحدود والمعاهدات السلمية.. وكل ما حدثتكم عنه سابقًا
القعقاع ابتسم: بارك الله فيك يا بني.. لم اظن يومًا بأن في عمري سعة لرؤية كل هذا
حرب: أطال الله بعمرك.. ورزقك التلذذ بزينة الدنيا والآخرة
الجميع: آمين
...
مشى حرب خارج القرية وكان أحمد يتبعه: إن فتح باب الهجرة فأنا أول المهاجرين.. أخبرهم بأنني اود بناء مركز لتحفيظ القرآن الكريم
حرب: أبلغ بك البغض ألّا تصبر علينا قليلًا يابن عم؟
أحمد: قد صبرت بما فيه الكفاية.. والآن اعتقني يا شيخ
حرب ضحك: إذًا اللقاء عند عودتي بإذن الله
كان يمشي مع بو عبيد سارحًا في عالم آخر.. ما بين مسؤولياته وما بين تفكيره بالمستقبل
عقد حواجبه من الصوت العال الذي كان يسمعه.. ألا وهو صوت المروحية.. مشوا إلى أن وصلوا إلى المكان المعهود
لطالما سمع عن المروحية ولكنه يراها لأول مرة.. كان شكلها غريب..وكأنها بعوضة ضخمة بمروحة علوية بدأت بالدوران ما أن اقتربوا
وبدأت الرمال تدور حولهما بينما كان حرب وبو عبيد ثابتان شامخان وكأنهما جبلين وسط عاصفة
فُتح الباب إلى الأسفل.. وحرب واقفٌ بجمود
سبقه بو عبيد وطلب منه الصعود وتولى مهمة التعريف ما بين الاثنين
كان سيف هادئًا، احترافيًا.. بينما كان حرب صامتًا متجهمًا كعادته مع أغلب الناس
بو عبيد يلطف الجو: عاد ما ندري الهليكبتر بيشلنا والا بنطيح من السما.. شالين ويانا عملاق
ضحك سيف: لا تحاتي ما بتطيح الا اذا يلست تتعبث بالفصوص هذي
ركب حرب بمساعدة الشقيقين وجلس على كرسيه بصمت مطلق
ارتفعت إلى السماء فبدأ يشهد مناظر جديدةٍ عليه.. مختلفة كليًّا عمّا رآه طوال عمره
بدأت تتضح له معالم القرية من الأعلى.. كان مبهور، مذهول.. ولكن بصمت.. كانت مظلمة بالغالب.. ما عدا الأماكن المنيرة بالنار المعلقة
على عكس المدينة التي ما أن طاروا فوقها حتى بدت الأنوار تشع من بعيد
كان حرب بلا أي تعبير على الوجه.. وكأنه معتاد على كل هذه الضوضاء
كان بو عبيد، يحاول زجه في بعض المواضيع، ولكنه أبى وفضل الصمت وقليل الكلام
وصلوا إلى مكان معزول، حيث أخذوا سيارتهم ونزل معهم حرب
بو عبيد: حرب لازم تبدل هني.. قبل لا ندخل داخل المدينة
حرب: ولم؟
بو عبيد: لازم عشان ما تلفت الانظار.. كفاية الطول ماشاءالله مترين
حرب مد يده: اعطني إياه إذًا
ولبس حرب الثوب العربي لأول مرة
بو عبيد: مرررررة مواطن والله.. لو اشوفك ما بقول انك مب برع.. بس يبالك حلاقة وترتيب شوي وأمورك تمام
سيف: عاد حاجز انته كل شي صح؟ اتصل بالريال تأكد هني شي ارسال اعتقد.. نباه يكون باجر من وقت في الفندق ما فينا على التأخير
بو عبيد: يالله برمسه الحين
ركبوا السيارة ذات الدفع الرباعي وبعد سويعات بسيطة، وصلوا إلى فندق استأجره بو عبيد وسجل الحجز باسمه هو للحفاظ على خصوصية حرب، وأدخله من الباب الخلفي
سيف: تفضل يا حرب
حرب يحط ايده على أذنه: ولم كل هذا الازعاج؟ الا يستطيع أحدكم أن يصمتهم قليلًا
بو عبيد باستغراب: وين الازعاج
حرب بانزعاج لا يستطيع تحمله: ضوضاء في كل مكان.. كل شيء مزعج هنا.. لم كل هذه الانوار والزينة المبالغ بها.. ولم كل هذا الذهب!! وصوت الهواء العالي
بو عبيد: اي ذهب؟ هذا صبغ بعدنا لو في قصر السلطان مابيحطولنا يدار من ذهب
سيف يحاول يهدئ من روعه: يا بختكم عاد انتوا قريتكم هدوء وسكينة.. نحن هذي حياتنا.. تحملنا شوي
حرب حط يده على عيونه: لم أشهد في حياتي صداعًا كالذي يفتك برأسي الآن
بو عبيد: بنشوف لك بنادول لحظة "رفع السماعة يكلم الاستقبال ويطلب الدواء"
سيف: انزين يا حرب.. سامحنا ادري بك تعبان بس لازم نتكلم عن خطة باجر
حرب: لا بأس تفضل
سيف: باجر بيينا ريال مهم.. بنتكلم وياه عن الأساسيات وبيعطينا التعليمات والأوامر.. وهو اللي بيكون حلقة الوصل بيننا وبين الحكومة
حرب هز رأسه بايجاب: حسنًا
تحدثوا بأمور العمل، وما سيقال أمام الضيف الذي سيزروهم بالغد.. وهو شخص مهم ومقرّب من الأسرة الحاكمة
استأذن سيف.. وطلب من بو عبيد عدم ترك ضيفهم لوحده.. خوفًا من تهوره أو ايذاء نفسه بغير قصد
بو عبيد: بطلب لنا عشا.. شي في خاطرك؟
حرب: لا اشتهي شيئًا
بو عبيد: بس لازم تاكل.. مادري عاد شو اطلب لك انته مب متعود على أكلنا اخاف اييب لك شي ويعورك بطنك
حرب: بعضًا من الثريد سيفي بالغرض
بو عبيد باستغراب: فريد؟؟
حرب: نعم
بو عبيد: من وين اييبلك الحين؟ المشكلة الوقت متأخر والا جان خليتهم يسوولك في البيت.. تدري شو بنشوف اذا في مطاعم شعبية فاتحة وبندورلك.. ولا يهمك
كان حرب يتمشى في المكان بتحفظ.. يفحص الاجهزة
حرب: أهذه كهرباء أم بطاريات
بو عبيد: كهربا كلها "بشك" ومنو قالك عن الكهربا والبطاريات
حرب لم يرد، وأكمل عملية الاستكشاف إلى أن وصل إلى دورة المياه
حرب: وما هذا؟
بو عبيد: حمام.. مثل اللي عندكم بس هذا متطور أكثر
سبقه ودخل وهو يشرح له الوضع وكيف يستخدم كل اداة موجود
بو عبيد: طبعًا باجر بيينا حلاق يرتب لك الشعر واللحية.. على راحتك طبعا تبا تقصه أو لا.. العرف عندنا تقصر شعرك وايد بس في ناس تخليه طويل شوي ف على راحتك "رن هاتفه" يالله شكله وصل الأكل
كان بو عبيد مرهقًا.. ولكنه يتحامل على نفسه.. وأطال صبره.. بشخصية لم يدري هو حتى أنه يمتلكها.. وسببه الأساسي أنه سمع وصايا وتكليفات وثقة كبيرة موجهة لشخصه وأخيه.. أولته اياها القيادة العليا.. ولن يخيب ظنهم به أبدًا
أما حرب.. حوّل نظره إلى بو عبيد.. الذي ما أن انهى طعامه حتى استحم ونام بعمق.. على عكسه
لم يستطع النوم أبدًا.. كل شيء حوله غريب.. كل شيء مثير للانتباه أكثر مما يجب.. يشعر وكأنه قطعة وضعت في احجية خاطئة
الهواء الذي يخرج من الفتحات العلوية للغرفة.. الأرض اللامعة والباردة جدًا.. السرير المريح الذي لم يتخيل بوجوده ولا في أحلامه
والدهشة العظيمة في تلك الغرفة البيضاء من كل اتجاه.. والتي تحوي أنابيبًا غريبة الشكل والمياه تنهمر منها بأشكال عديدة ومذهلة.. كانت كل تلك الدهشات تتصارع داخل عقله، ولم تدعه ينم
***
نزلت وهي تتثائب.. فقد كان الأمس يومًا مرهِقًا
بو سيف: مهروه.. انتي صدق مسوية عزيمة أمس لأنج تطلقتي؟
شرقت مهرة بريقها: هاه؟
بو سيف: وهوا.. شو هالكلام اللي سمعته؟
مهرة: لاا ابويه سويها بمناسبة نجاحي في المادة
بو سيف: عمج متصل بي يقول انج بروحج رامسة.. قولي بعد عمي جذاب
مهرة: محشوم عمي بس يمكن سامع رمسة غلط
أم سيف: مصاختج انتي مادري متى بتخلص كل يوم طالعة لنا بسالفة يديدة..
بو سيف: لا منج ولا من اخوج هذا مسود الويه مادريبه وين بايت الرغيد
أم سيف: قاللي عنده شغل وطالع ويا سيف من أمس
بو سيف: بس سيف رد وهو ما رد
أم سيف: الله يهديك بو سيف أكيد عندهم شغل عاد لا تزيدها عليهم مساكين
***
نهض من فراشه على صداع قاتل.. يفتّك برأسه.. استغرب من نفسه فكان نائمًا بمنشفة الاستحمام فقط
حوّل نظره إلى الغرفة.. كانت مرتبة أكثر عن المعتاد.. نظر إلى الساعة بالقرب منه.. كان الوقت قريبًا من الظهر.. حاول تذكر ما إذا كان قد أدى صلاته أم لا؟ فلم يتذكر شيئًا
نهض إلى المغسلة ليتوضأ ويصلي تحسّبًا.. وما أن غسل وجهه بدأت الذكريات بالتدافع إلى رأسه.. فاضل.. والخمر.. والنساء.. والأردى من كل هذا.. شما.. هل كانت شما حقيقة أم ذكرى؟
لا يعلم بعد.. كان يود ترك وضوئه للذهاب إليها.. ولكنه استعاذ من الشيطان وصلى وعقله للأسف مشغول بما حدث بالأمس!
ما أن سلّم حتى هرع إلى خارج الغرفة.. لن يقول شيئًا ولكن ردة فعلها بالطبع ستبين له حقيقة الأمر
كانت شما نائمة وهي جالسة.. على اقرب كرسي إلى غرفته
اقترب منها بندم شديد.. وخجل لا يوصف.. كان ينظر إليها والذكريات المتقطعة تمر في ذهنه ويشعر بها في حلقه تخنقه.. هل حقًّا شهدته بمنظر كذاك؟
شما بصوت مليء بالنوم: محمد.. قمت
محمد بارتباك: آ آ هي.. ليش مب راقدة في حجرتج؟
شما قامت: ماشي بسير الحين
محمد: شما
شما: نعم
محمد تراجع: خلاص ماشي
ومالذي سيقوله؟ وكيف سيستطيع رفع عينه إلى عينها بعد كل ما حدث
شما: سرك محفوظ.. لا تحاتي
محمد نزل عينه.. وهو صاغر.. يشعر بنفسه بحجم نملة أو أصغر
شما: بس قوللي.. ليش؟
محمد: لحظة غضب
شما: وتشوفه نفع
محمد نزل راسه مرة ثانية
شما: مايستوي نتكلم هني.. بس لازم نتكلم في الموضوع يا محمد.. انته اخوي وأحبك ولا ارضى عليك بالذل.. انته بروحك.. مادري اذا تتذكر اللي استوا البارحة أو لا.. لكن انت اعز من هالمنظر
نهاية الجزء السابع والثلاثون

أنت تقرأ
سلالة من لهب
Science Fictionلم تعلم شما أن مغامرتها هذه المرة ستوقعها بيد سلالة من لهب سلالة عربية أصيلة من نسل عمليق بن لاوذ.. آخر ما تبقى من العرب البائدة ستخطف قلب شيخهم وتعود.. لتكمل سلسلة الأحداث في بلادها شخصيات متعددة وقصص كثيرة ما بين كوميديا ساخرة، حب جامح، وحرب لا ت...