كنت علي يقين من قدومه في يوم من الايام ، تخيلت تفاصيله ،رتبت له كل شئ وتدربت علي مواجهته ،ملأت عقلي بكثير من عبارات الايمان والمنطق ،تأملت الكثير من المواعظ في قصص القرآن وفي السيره ، كل هذا للصبر وابقي صامده حامده حين موعده ،ذالك الموعد الذي ولا يخلفه ابدا ،لكني الان عندما وقفت أمامه وجها لوجه ،خارت قواي ، لم اتحمل المواجهه كما ظننت ، فجأة نسيت كل الاستعدادات التي قمت بها علي مر السنوات الماضيه .
إنه الموت ، تلك الكلمه التي نخشاها ونطلق عليها
" شر "، المعني الذي لا ندركه ، الوجه الاخر للحياه أو الحياه الأخري التي سوف نحياها ولن نسردها ابدا ، لكنه يقينا الحقيقه الوحيده في هذه الحياه .
عجبا أن تكون الحقيقه الوحيده في الحياه هي نهايتها ، ليتنا لا ننسي ابدا ان الوداع أمر محسوم ، مكتوب علينا ، فنحن لمن نحبهم تماماً كما نحزن علي فراقهم .
وقفت أمام جسد ابي المسجي امامي ، انظر اليه، تتخيله يستفيق في أي لحظه من غفوته .. ينظر إلي في حنان ويسأل " هل اذن الفجر بعد يا فريده ؟" لكنه لم يفعل ،انما يرقد في سلام لم أعده من قبل ، طالما كان نومه منقطعا من كثره تفكيره في مسؤولياته تجاهنا ، أراه رقد في سلام وهدوء دون أن يحمل هما بعد الان .
غسلوة ولا حول له ولا قوه ، هذا الذي كان يوماً بطلاً رياضياً يهتف الناس بإسمه ، الان جرده الموت من كل شئ حتي إسمه ! عندما فارقتنا روحه سمعتهم يقولون " احضرو الميت هنا .. انقلوا المرحوم هناك ..احضروا الكفن للميت " ام يعد أحد يردد اسمه مره اخري !
حقيقه قاسيه جدا ، لكن عزائي الوحيد أنني سوف اذكر اسمه كل ليله ، بل كل ساعه ، سوف يذكرك قلبي كل دقيقه يا ابي إذا لم يسعفني لساني وعقلي .
كنت افكر في هذا اليوم يا ابي بعد كل مره احتضنك فيها ، لكني لم اتوقع ان تتركني فجأة هكذا رغم علمي التام أن الموت لا يأتي إلا فجأة ودون استئذان.
تمنين لو انك تبقي قليلا لتري احفادك كما فعلت مع اخواتي الثلاثه ، أو علي الاقل لتراني انهي دراستي الجامعيه ، لإعوضك عن رسوبي في اخر سنه دراسيه ، تمنيت لو اخبرك أنني لن اخذلك ثانيه وقد شجعتني علي دراسه الشئ الوحيد الذي أحببته في الدنيا { الموسيقي } ادرسها واعمل عازفه في فرقه موسيقيه شهيره تاخذ من وقتي الكثير ، هل احد السلوان فيها الان ؟ هل تعزف لي الكمنجة لحن بطعم الموت ؟ هل تنقذني من تعاسة اتيه ووحده طويله ؟ لا ادري ، إنما اعلم أن روحك سوف تتابعني وتطمئن علي دوماً ، استرح يا ابي ولتنعم بهدوء لم تذقه من قبل .
أحسست بخدر يسري في عقلي وقلبي قبل جسدي ، كنت ارانب افعل كما يطلب مني رغما عني ،تبكي امي وتنهار اخواتي ولا افعل مثلهم ، اري المشهد كأني اشاهد فيلما مكرراً ، أو لعله كابوساً معتاد أتمني فقط أن استيقظ منه ؟ فأري ابي جالساً بيننا في المنزل ، أو آتيا من المسجد ، أو حتي في المشفي كما كان ، ولكن لا .. لا اريد أن أراه يتألم مره اخري كماكان ، فلينعم بالسلام الذي أنار وجهه واراح روحه ، وتلك الابتسامه الراضية التي باتت تزينه .. سلاما عليك يا حبيبي الي أن نلتقي .
جاء المشهد الذي ل يفارق ذاكرتي ما حييت ،تعلقت عيناي علي التابوت المغلق علي جسد ابي ، يحمله أناس لا اميزهم أو ربما اعرفهم ونسيت فكان لساني ينطق بالتوحيد من تلقاء نفسه ، الان لا ادري ماذا اقول أو افعل ! اشعر أن قلبي يطير هناك معه .
وسط المقابر رأيت قبره من هناك مفتوحا من بعيد .. بيته الجديد ، ها قد جائت اللحظه الحاسمه ، وهذا ال "ترابي " كما يطلقون عليه ينتظر ابي ليواريه عن الدنيا ! ازداد صوت النحيب عندما انزلوه هناك ، أنها اللحظه الاخيره بلا شك ، بعدها .. توقف الوقت ووقفت مع الجميع ندعو له بالرحمه قدر استطاعتنا .
تأملت الميلاد والحياه وكل ما نواجهه عمدا أو غصبا ما نفرح به لوقت قصير ونظنه دائما ، ليذهب كل ما مررنا به من تجارب هباءً ؟ اتكون حياتنا كلها لا شئ ؟ وتسائلت حينها :
(( ما العبره الذي يقدمها لنا الموت علي طبق رائق شفاف؟ وكانت الاجابه واضحه كنور شمس الصباح ، الا نأمن الدنيا .. فالعمر مهما طال بنا لابد في النهايه من دخول القبر )) .
* * *
أنت تقرأ
النوم الاسود
Horror{ ليلة ظهور شبح غرفة الموسيقى } تصعد فريدة إلي الدور الثالث بمبنى كلية التربية الموسيقية، وتحديدًا أمام باب غرفة الموسيقى المهجورة، حيث تبدأ في تذكر كل شيء، لكن ما تتذكره أو تراه أو تحلم به لا يخصها. إنما هو مجرد مفتاح لكشف كل ما حدث وكل ما قد يحدث...