(4)

53 4 0
                                    

كانت عودتي الي الكليه والي الموسيقي أشبه بالعوده الي الحياه ، أشبه بالنجاه من غرفه ((العنايه المركزه )) تستمر الحياه رغم كل شئ ، وهكذا استمرت معي مره اخري ، أردت أن املأ حياتي بالإنجازات تماما كما أراد ابي وشجعني عليها ، مازلت اسمع صوته وهو يقول (( ستصبح ما تصدقه عن نفسك يوما ما )) لذلك تحولت إلي النقيض ، فطوال السنوات الفائتة لم أكون صداقات بالكليه ، لم احضر بالكليه كثيراً ، لم احضر محاضرات أو اتدرب علي العزف الدوري في غرفه الموسيقي الي قليلاً ، اكتفيت بصداقات الفرقه وتدريباتها ، وبالكاد اجتزت اختبارات الكليه السنويه رغم حبي الشديد للموسيقي ، الان تبدل كل هذا. لكنني لا اعلم لماذا اري الكليه الان كأنني اري تفاصيلها للمره الأولي ! مبني عتيق من ثلاثه طوابق ضخم المساحه ، يطوق كل طابق بلكون طويل ممتد بطول الدور يربط جميع الغرف ، فإذا فتحت باب بلكون لاي غرفه من غرف وصلك ببقيه الغرف .
كان علي يسار كل بلكون درج ثابت حديدي للطوارئ يصل كل طابق بالطابق الذي يليه عبر كل بلكون ، أما الفناء كان واسعا تملؤه أشجار وورود رائعه ، وبعض البرجولات الخشبيه المميزه بنيه اللون .
نظرت إلي الفناء وتسائلتُ ، لماذا لم اعره اهتماما من قبل ؟ أراه مبهجا لمن يدخل المكان لاول مره ، دائما يمتلئ بالطلبة بين عازف وراسم وناحت ، فالكليه تشعر بمن يدخلها كأنه معيدا للفن في التو واللحظة ، كأنها تحتضن من يجلس فيها ، لم ادخل المسرح القريب من البرجولات جهه اليمين الذي تنبعث منه اصوات الموسيقي التي اعشقها ، فقط اضطررت أن اعزف فيه حفلات قليله ، لكني أعرف الكافتيريا علي جهه اليسار عن ظهر قلب لأنني كلما احتجت قهوه ذهبت لاحضارها من هناك ، بجانبها مباشره مبني رعايه الطلبة الذي لا اذكر اني دخلته لا قليلا .
كما أنني لم اهتم بالتماثيل المنحوته المتسمره في مدخل المبني ،التي أطلق الطلبه عليها أسماء ونكات في النهار ولكني كنت أراهم يخشونها ليلا ، كما أنني لم ادقق يوما في اللوحات الزيتيه المعلقه ، خاصه وجه المراه ذات العيون المكحليه السوداء الواسعه والرموش الكثيفه .. اللوحات زيتيه هائله الحجم تتوسط كل اللوحات المعروضه ..بديعه الرسم لكنني لسبب ما كنت أجدها مخيفه ، إذا ما حدقت قليلا بعينيها ! يقسم الطلبه أن عينيها ترمش وتتحرك في الليل !
كان الطابقان الاول والثاني مخصصان لمحاضرات والسكان النحت والرسم ، وكنت أمر عليهما مرور الكرام لعدم اضطراري لحضور اي منهما ، ولأنني رأيت في جلسات الطلبه الكثير من الأحاديث الفارغه التي لا تناسبني المشاركه فيها ، حيث كان يتخلل معظمها إطلاق الشائعات حول الآخرين من الزملاء ، لم يكن يعنيني في المبني الا الطابق الثالث حيث توجد غرف عزف الموسيقي التي ادرسها .
حيث امكث ساعات طويله بين حضور المحاضرات صباحا ، وحضور محاضرات العزف ليلا مع ((يونس)) في الغرف المتخصصه لذلك بالطابق الثالث ، ولم اشعر بمرور الوقت فهي في الغالب تكون مده ساعه واحده ، مخصصه بين الدكتور والدارس فقط ، وكنت قد احببتها كثيرا ، ربما لان يونس كان عازفا ماهرا بالفطره ، جعلني اكتشف مناطق جديده في الكمنجه التي اشتريتها منذ فتره واعزف عليها بشكل دوري منذ سنوات ، أما البيانو فكان من الآلات الباهظ الثمن ، ولأنني لا استطيع اقتناءه بالمنزل ، كنت اتدرب عليه بشكل مكثف مع يونس ، وذات مره الححت عليه في طلبه قائله :

النوم الاسودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن