(36)

8 2 0
                                    


استسلمت لنوم عميق لم أعهده منذ أشهر، لم أتخيل أن تراودني كل هذه الكوابيس موسيقى «النوم الأسود» لا تترك أذني أبدا ! صوت النار المشتعلة في الخشب لا يفارق أذني! روح شمس الغاضبة وهي تجري يمينا ويسارا والتي رأيتها لآخر مرة هناك صوت قابيل ونظراته الماكرة آخر لحظات وهو يُغلق باب الغرفة شعوري بالذهول حينها وقد أدركت مقصده مع كل هذا أتعجب لماذا شعرت وكأنني المسئولة عن موته ؟! بالرغم أنه أراد موتي حرقا ! وجدوه متفحما تماما وملقى على الأرض في وضع غريب عند حافة الدرج، تتشبث بقية من عظام يده المحترقة بسور الدرج ملتفة حوله ورأسه تنظر لأعلى.. فاغرا عظام ذقنه المتبقية من أثر الإحتراق أيضًا.
قال رجال المباحث إن هيئة جسده بدت كأن أحدًا كان يجذبه من ساقيه إلى الداخل ولا يريده أن يهبط الدرج ! فظل الشد والجذب لفترة حتى تمكنت النار منه ولم يستطع أن يفلت يده! كما وجدت جوار جئتة قلادة فضية لم تتضرر من النيران معلقا بها كلمة «موت».
بالرغم من نجاحي بدرجة امتياز ونجاح حنين بدرجة جيد جدا لم أكن سعيدة، لم أكن أفكر إلا في يوم ولدت للمرة الثانية ...
يوم الحريق. لكنني بعد خلوتي مع الله، شعرت بطمأنينة وارتاحت نفسي لكل ما قد أستقبله في حياتي، أتمنى أن أكون صادقة فيها شعرت، وبعد أن رجعت بعقلي وروحي إلى الحياة من موت إرادي مؤقت قابلت يونس وأدركت أنني قد فوت الكثير من الأحداث الكلية قد أعيد ترميمها بشكل كبير لتستقبل العام الدراسي القادم، وعملت حنين مدرسة موسيقى في إحدى المدارس الخاصة، وقد تجاوزت محنة كريم تماما، كما أصبح يونس ودكتور صالح أصدقاء مقربين، فكان يونس كلما اعتذرت عن مقابلته ذهب لصالح يؤنس وحدته بعدما استقال وترك التدريس، كما أنهما قد اجتمعا على زيارة سليم بصفة دورية حتى استجاب الأخير للشفاء أخيرا، بل إنه ربما يعود للعمل بالكلية من جديد، وتحدث المعجزة. كنت أقاوم شرودي في كل ما حدث بين الحين والآخر، أريد
استعادة حياتي من جديد، لا أريد أن أفكر كيف تستمر الحياة أو تنتهي فقط أريد أن أحيا اللحظة الحالية وأسعد بكل ما تحمله لي، أفقت على صوت يونس وهو يقول أثناء تلبية دعوة عشاء بمنزل الدكتور صالح الذي بدا متأنقا وكأنه على موعد هام...

- أتعلمين من كتب« ليس كل ما نراه حقا، قد يرتدى الباطل ثوب الحق، ابحثي عن الحقيقة»! على هامش النوتة الموسيقة« النوم الأسود»؟

التفت وسألته في لهفة فقال وما زال متعجبا ...

- شمس.. لقد ميز سليم خطها وقال إنها كانت تتدرب عليها كثيرًا ولا تفارقها لأنها مشروع تخرجها، وكانت تكتب كثيرا من خواطرها على الهامش

ربطت كل الأحداث ببعضها وتعجبت ولم أتوقف عن التسبيح الله العليم، نظر يونس الدكتور صالح وأردف...

- هل تنتوي الخروج يا دكتور ؟ لا أريد أن أفسد خطة يومك..

أجاب الدكتور:

- اليوم أردت أن أتأنق وحسب، أيجب أن نتأنق من أجل الخروج فقط ؟ أردت تجربة هذا الشعور الليلة.. لا أعلم لماذا، لكنني ممتن لأرى فريدة تعود إلى الحياة مرة أخرى، أردت أن أراك اليوم يا يونس لأعلمك بأمر هام، اليوم كتبت كل ما أملك
حتى هذه الشقة لسليم، لا أحد يعلم حتى الآن حتى هو ...

نظرنا إليه في ذهول وقاطعه يونس...

- أطال الله في عمرك يا دكتور .. بالطبع أنت حر فيما تفعله ... لكن..

قاطعه الدكتور صالح ممازحًا وجادا في نفس الوقت...

- وماذا أفعل بعد مماتي بكل هذا يا يونس؟ أنا لست فرعونا .. إن لي الكثير من الأقارب بالدم فقط، لا تربطني بهم أية صلة، أنتم أقاربي الآن، لكن سليم المسكين لا يمتلك شيئًا على الإطلاق وهو ليس كبير السن أيضًا، عندما يخرج من المشفى غدا إن شاء الله سوف أعطيه غرفة نوم ليعيش معي إلى أن يحين موعدي مع الله، لقد رتبت كل شيء.

ثم مد يده بظرف صغير ليونس وقال...

- هذه نسخة من وصيتي والأصل مع المحامي.. أنت بمثابة ابن لي.. لا تفتحها قبل أن أغادر.

يبدو أنني لن أستطيع الهرب منه .. لأنني تذكرت عبرة الموت من جديد وتساءلت ..

«ما العبرة التي يقدمها لنا الموت على طبق رائق شفاف ؟ أن تبني نفقًا مُنيرًا في حياتك الأولى يساعدك في الرجوع إلى الله آمنا مطمئنا».

                             ***

النوم الاسودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن