(2)

56 5 0
                                    

أقام اخوتي معنا طول فتره الحداد ، ما اسخفه من مسمي !، هل يمكننا أن نحدد للحزن فتره ؟!
انما هي فتره المؤازره التي يجب أن تجتمع فيها العائله ثم يذهب كل منهم الي حياته التقليديه ، زوج وأولاده ومدارس وعمل واحتياجات ، الحياه ملهاه كبيره اكبر من الحزن دوما ، والموت سنه الحياه ، ونحن جميعا نعتاد الأمر بالتدريج ، مره قليل من الوقت ورأيت جميع من حولي يمارس حياته الطبيعيه وكأن شئ لم يكن ! اما انا فقد استسلمت لحزني العميق رغما عني . ورغم علمي أنه لابد منتهي في نهايه الامر .
أيقنت أنه في الغالب لا احد يهتم بمشاعرك .. بهمومك أو طموحك ، بما جنيته أو فقدته .. بغناك أو فقرك .. بصحتك أو مرضك ، لاكنهم سوف يهتمون لكل ذالك ولكل تلك التفاصيل التي لم تعنيهم يوما ويجتمعون فقط عند مماتك .
لذلك تعلمت الا انتظر شئ من أحد واعول روحي بنفسي فقط ، ظل عقلي يحدثني ويردد علي هذه الكلمات كثيرا ، لم اتحدث مع أحد أياما طويله ، أغلقت هاتفي وانقطعت عن الذهاب الي الكليه ، اعتذرت عن كل حفلات الفرقه الموسيقيه ، لقيمات قليله كانت تكفي لبقائي بين الأحياء ، حتي أن امي ارسلت الي أفراد العائله تستشيرهم في امري .
لم اتوقع ان يهتم أحد من الكليه لقله الاصدقاء بها ، لاكني فجأة في نهار يوم حزين وجدتهم علي بابي .. وكان علي رأسهم « يونس ».
كان يونس معيدا بنفس الكليه ، يشتهر بين الطلبه بحسن خلقه ، تتهافت طالبات الكلية عليه طلباً لوده ، لاكنه كان جادا في عمله وفي سلوكه ، متزناً وهادئ الطباع ، يعلم الجميع أن أهله من الأثرياء ذوي النفوذ ، يسكن في أحدي الفيلات باحدي التجمعات السكنيه الجديده .
كان يونس بهي الطلعه مليح القسمات ويأخذ العين ، وسيما يذكرني وجهه بملوك مصر القديمه ، قسماته تبرز رجوله وله جسد رياضي رشيق وطويل ، اسمر وشعره اسود قصير ، يهتم بمظهره كثيراً ، يكون دوماً في اناقه واضحه ، كان له صوت رخيم ، ما أن يتحدث حتي يلفت انتباهك علي الفور ، تدربت معه مرات قليله من قبل وتبادلنا احاديث عامه ولم اري منه إلا كل احترام ، كانت سمعته الطيبه حقيقيه تمام كشمس الصيف.
كانت « حنين » أيضا من بين الزائرين ذالك اليوم ، ربما هي من أخبرتهم برحيل ابي لأنها تقطن في المبني المجاور لي وفي نفس صفي الدراسي بالكليه ، لكنني لم افكر يوما في صداقتها علي نحو جاد، لا اعلم لماذا ؟ ربما كان مظهرها السبب ، قصة شعرها التي تشبه الرجال ، وملابسها الجريئه غير التقليديه ، تضع الكثير من المستحضرات التجميلية علي جسدها لتبدو بشرتها بلون برونزي ، تضعه باحترافية فيبدو غير مصطنع ، وتملأ الأوشام غير المفهومة معظم جسدها ربما شعرت أنها لا تهتم بالموسيقي أكثر من مظهرها ، فلم افتح لها بابي يوماً.. فقد كنت انا الفتاه صاحبه الطلبه البريئه كما يقولون ، كانت تراني حنين في الكليه ، فتسألني عن سر بياض بشرتي النقية وحمرة وجهي الطبيعية ، هل أصبغ شعري باللون البني ؟ هل اضع عدسه بنيه اللون ؟ كانت تهتم بتلك الاشياء كثيراً ، فتسألني ، هل عالجت حاجباي ورموشي ليصبحا كثيفين ؟ هل اضع مرطبات بشره مستورده ؟ لم تكن تعرف أنني لا أحب اي شئ صناعي علي الاطلاق ، فبرغم أنني لم اتخلف عن موضه الازياء لكني لم اتعمد ابدا لفت الأنظار ،حتي أنني لا ارتدي الكعب العالي الا في المناسبات فقد كان طول قامتي لا يحتاجه .
بالطبع احب أن ابدو جميله لكني احب قبل ذلك أن أكون بسيطه ولا أقبل أن أكون مصطنعه ، لا أحب أن أصبح محور حديث أو نظر المحيطين بي ، فالمجتمع يعتبرني مختلفه بالفعل لمجرد وجودي في فرقه موسيقيه ، وتأخر موعد رجوعي للمنزل عن التقليدي كان يكفيني ، لا أريد المزيد من لفت الإنتباه ، اريد أن أكون وشأني .
قامت امي بتحية الزائرين وادخلتهم اختي الي غرفه الصالون ، قمت لارتدي ملابس مناسبه ثم خرجت أستقبلهم .. عرفت من صمتهم وأعينهم الحزينه أن الحزن قد بدلني علي نحو كبير .. سلمت عليهم في وهن وقلت :

النوم الاسودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن