أقام اخوتي معنا طول فتره الحداد ، ما اسخفه من مسمي !، هل يمكننا أن نحدد للحزن فتره ؟!
انما هي فتره المؤازره التي يجب أن تجتمع فيها العائله ثم يذهب كل منهم الي حياته التقليديه ، زوج وأولاده ومدارس وعمل واحتياجات ، الحياه ملهاه كبيره اكبر من الحزن دوما ، والموت سنه الحياه ، ونحن جميعا نعتاد الأمر بالتدريج ، مره قليل من الوقت ورأيت جميع من حولي يمارس حياته الطبيعيه وكأن شئ لم يكن ! اما انا فقد استسلمت لحزني العميق رغما عني . ورغم علمي أنه لابد منتهي في نهايه الامر .
أيقنت أنه في الغالب لا احد يهتم بمشاعرك .. بهمومك أو طموحك ، بما جنيته أو فقدته .. بغناك أو فقرك .. بصحتك أو مرضك ، لاكنهم سوف يهتمون لكل ذالك ولكل تلك التفاصيل التي لم تعنيهم يوما ويجتمعون فقط عند مماتك .
لذلك تعلمت الا انتظر شئ من أحد واعول روحي بنفسي فقط ، ظل عقلي يحدثني ويردد علي هذه الكلمات كثيرا ، لم اتحدث مع أحد أياما طويله ، أغلقت هاتفي وانقطعت عن الذهاب الي الكليه ، اعتذرت عن كل حفلات الفرقه الموسيقيه ، لقيمات قليله كانت تكفي لبقائي بين الأحياء ، حتي أن امي ارسلت الي أفراد العائله تستشيرهم في امري .
لم اتوقع ان يهتم أحد من الكليه لقله الاصدقاء بها ، لاكني فجأة في نهار يوم حزين وجدتهم علي بابي .. وكان علي رأسهم « يونس ».
كان يونس معيدا بنفس الكليه ، يشتهر بين الطلبه بحسن خلقه ، تتهافت طالبات الكلية عليه طلباً لوده ، لاكنه كان جادا في عمله وفي سلوكه ، متزناً وهادئ الطباع ، يعلم الجميع أن أهله من الأثرياء ذوي النفوذ ، يسكن في أحدي الفيلات باحدي التجمعات السكنيه الجديده .
كان يونس بهي الطلعه مليح القسمات ويأخذ العين ، وسيما يذكرني وجهه بملوك مصر القديمه ، قسماته تبرز رجوله وله جسد رياضي رشيق وطويل ، اسمر وشعره اسود قصير ، يهتم بمظهره كثيراً ، يكون دوماً في اناقه واضحه ، كان له صوت رخيم ، ما أن يتحدث حتي يلفت انتباهك علي الفور ، تدربت معه مرات قليله من قبل وتبادلنا احاديث عامه ولم اري منه إلا كل احترام ، كانت سمعته الطيبه حقيقيه تمام كشمس الصيف.
كانت « حنين » أيضا من بين الزائرين ذالك اليوم ، ربما هي من أخبرتهم برحيل ابي لأنها تقطن في المبني المجاور لي وفي نفس صفي الدراسي بالكليه ، لكنني لم افكر يوما في صداقتها علي نحو جاد، لا اعلم لماذا ؟ ربما كان مظهرها السبب ، قصة شعرها التي تشبه الرجال ، وملابسها الجريئه غير التقليديه ، تضع الكثير من المستحضرات التجميلية علي جسدها لتبدو بشرتها بلون برونزي ، تضعه باحترافية فيبدو غير مصطنع ، وتملأ الأوشام غير المفهومة معظم جسدها ربما شعرت أنها لا تهتم بالموسيقي أكثر من مظهرها ، فلم افتح لها بابي يوماً.. فقد كنت انا الفتاه صاحبه الطلبه البريئه كما يقولون ، كانت تراني حنين في الكليه ، فتسألني عن سر بياض بشرتي النقية وحمرة وجهي الطبيعية ، هل أصبغ شعري باللون البني ؟ هل اضع عدسه بنيه اللون ؟ كانت تهتم بتلك الاشياء كثيراً ، فتسألني ، هل عالجت حاجباي ورموشي ليصبحا كثيفين ؟ هل اضع مرطبات بشره مستورده ؟ لم تكن تعرف أنني لا أحب اي شئ صناعي علي الاطلاق ، فبرغم أنني لم اتخلف عن موضه الازياء لكني لم اتعمد ابدا لفت الأنظار ،حتي أنني لا ارتدي الكعب العالي الا في المناسبات فقد كان طول قامتي لا يحتاجه .
بالطبع احب أن ابدو جميله لكني احب قبل ذلك أن أكون بسيطه ولا أقبل أن أكون مصطنعه ، لا أحب أن أصبح محور حديث أو نظر المحيطين بي ، فالمجتمع يعتبرني مختلفه بالفعل لمجرد وجودي في فرقه موسيقيه ، وتأخر موعد رجوعي للمنزل عن التقليدي كان يكفيني ، لا أريد المزيد من لفت الإنتباه ، اريد أن أكون وشأني .
قامت امي بتحية الزائرين وادخلتهم اختي الي غرفه الصالون ، قمت لارتدي ملابس مناسبه ثم خرجت أستقبلهم .. عرفت من صمتهم وأعينهم الحزينه أن الحزن قد بدلني علي نحو كبير .. سلمت عليهم في وهن وقلت :
أنت تقرأ
النوم الاسود
Horror{ ليلة ظهور شبح غرفة الموسيقى } تصعد فريدة إلي الدور الثالث بمبنى كلية التربية الموسيقية، وتحديدًا أمام باب غرفة الموسيقى المهجورة، حيث تبدأ في تذكر كل شيء، لكن ما تتذكره أو تراه أو تحلم به لا يخصها. إنما هو مجرد مفتاح لكشف كل ما حدث وكل ما قد يحدث...