الحياة لا تتوقف رغم قسوة الأحداث واختلاف الظروف. استمرت ساعات التدريب على ألحاني وأغاني مختلفة، إذ أراد يونس أن أتعلم تنظيم النفس أثناء العزف، كان يتعامل معي أثناء التدريب بشكل محترف يجعلني أنسى كل ما بيننا، فكان في كل مرة يجلب لحنا قديما صعبا لم أتدرب عليه من قبل، ثم تناثرت الأقاويل عن حدوث بعض المواقف المريبة مع بعض الزملاء، بالطبع كنا مؤهلين في كل مرة لحدوث أي شيء لكنه لم يحدث! كما أن الأحلام توقفت معي كأنني كنت أهذي من الأساس! وفي ليلة مقمرة كنت أتدرب على الغناء دون عزف الأغنية يمامة حلوة لحن قديم وكان مشروع تخرج حنين، غلبيت فأغمض يونس عينيه لتتذوق أذنه صوتي، فهو فنان بالفطرة انتهيت فصفق لي يونس وكانت المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك ثم أشار لي قائلا: - _ الآن يا فريدة نعود إلى النوتة الموسيقية الخاصة بحفل تخرجك لنعود إلى «النوم الأسود».
فرحت لكنني شعرت بالقلق أيضًا منها فواصل حديثه...
- أريدك أن تستشعري المعنى قبل أي شيء، أن تتوحدي مع البيانو كأنه حليفك الذي سوف يظهر حقيقة الكلمات هل تفهمين ما أطمح إليه؟ أريد لإحساسك أن ينمو ليشعر به حتي النبات في الأرض والجماد حولنا وأنت تعزفين: أدخلت كلماته علي الكثير من الحماس والبهجة وأنستني الخوف فقلت..
_ أنتظرها منك منذ أيام.. أخيرًا ترضى عن أدائي ... أحضرت النوتة القديمة التي اكتملت من حقيبتي ووضعتها على حامل النوتات، نظرت إلى احتراق أطرافها في حيرة ثم اغلقت عيناي لثوان وأخذت نفسا عميقا، فتحت عيني على النافذة فوق البيانو فوجدت اليمامة واقفة، ها قد أنت مرة ثانية،
اتسمت وبدأت بالعزف كأني أعزف لها هي..
وعندما وصلت للجزء المعتاد في النوتة فتح باب غرفة العزف مرة واحدة بشدة، وطارت اليمامة كأنها ذعرت أو هكذا خيل إلي، توقفت عن العزف ونظرت إلى الباب ورائي .. لم يكن أحد هناك ! نظرت إلى يونس فوجدته في شدة الهدوء كأنه كان يتوقع ما يحدث وكأنه جهز نفسه لذلك ! نظر إلي وقال في حزم:
- إياك أن تخافي ...
كنت مرتعبة لكنني أومأت له بنعم، اقترب يونس من الباب في حذر وبطء، وعندما عزم على الخروج من الغرفة ليرى من بالخارج .. انغلق الباب من تلقاء نفسه بنفس القوة التي فتح بها ! حاول يونس فتحه فلم يستطع كأنه قد أغلق من الخارج بمفتاح !حينها قمت من مكاني في ذهول واقتربت من يونس، فنظر إلى ثم إلى جدران الغرفة وقال:
- تماسكى يا فريدة لن يهزمنا ما لا نراه أبدًا، لا تخافي هذا ما استطعت ما يريده بالضبط، تذكري الله في نفسك. اخذت أردد آية« الكرسي» في نفسي وأكبر . حاولت أن أرددها بصوت عالي لكن صوتي تحشرج ولم يعل أبدا ! أدركت أنني إما أن أتغلب على خوفي الآن أو يغلبني هو إلى الأبد لكنني لم أستطع أن أبتعد عن يونس ولو قليلا، وفجأة تحرك الكرسي الذي كنت أجلس عليه منذ لحظات للأمام قليلا ثم عرفت أصابع البيانو من تلقاء نفسها نفس النوتة الموسيقية! نعم رأينا أصابع البيانو وهي تعزف «النوم الأسود» بكل دقة وتمكن بداية من المقطع اللعين الذي تبدأ عنده كل الأحداث المريبة !
حينها أمسك يونس بيدي وجعلني أقف خلفه بالقرب
من الباب، بقينا ننظر إلى أصابع البيانو وهي تتحرك في ذهول، صفحات النوتة الموسيقية تقلب تبعا للعزف !دقائق قليلة تمر كالأيام، انتهى اللحن وسكنت أصابع البيانو، حينها فعل يونس شيئًا أخافني،
فجأة، صفق لمن لا يراه وبدأ يتحدث إلى الخواء قائلا:
- العزف أكثر من رائع، يجب أن أعترف أنني لم أسمع مثله من قبل، لكن الفنان لا يتصرف هكذا ويخيف زملاءه، ألا تتفق معي ؟
نظرت إلى يونس وللحظات خفت منه، فقال وهو ينظر في جميع الاتجاهات
- الآن يجب أن نخرج من الغرفة .... يجب أيضًا أن نأخذ النوتة الموسيقية إذا سمحت.
أمسك يونس يدي كي لا أفارقه، وراح يقترب من النوتة الموسيقية في حذر شديد ويردد سوف أخذها؛ لأننا نحتاجها في العرف أنا لا أضايقك... أنا فقط أحتاجها .
بالفعل أخذ النوتة الموسيقية، وياللعجب فتح الباب من
تلقاء نفسه سامحاً لنا بالخروج كأنه قد أجاب طلب يونس، ضغط على يدي برفق في إشارة لتسرع بالخروج من الغرفة، فحملت حقيبتي سريعا، عندما خرجنا كان الطابق الثالث خاويا إلا منا، هبطنا الدرج في سرعة وخرجنا من المبنى كله، عندما ركبنا
سيارته انفجرت في البكاء رغم محاولات يونس في تهدئتي.***
أنت تقرأ
النوم الاسود
Horror{ ليلة ظهور شبح غرفة الموسيقى } تصعد فريدة إلي الدور الثالث بمبنى كلية التربية الموسيقية، وتحديدًا أمام باب غرفة الموسيقى المهجورة، حيث تبدأ في تذكر كل شيء، لكن ما تتذكره أو تراه أو تحلم به لا يخصها. إنما هو مجرد مفتاح لكشف كل ما حدث وكل ما قد يحدث...