(29)

4 2 0
                                    

اليوم أنهض من نوم لم تذقه جفوني، طوال الليلة الماضية أهاتف يونس تارة، وأرد على حديث مجموعتنا تارة أخرى، كانت حنين تطلع كريم على كل الأحداث، وكان هو مهتما بدرجة كبيرة لمعرفتها، إلى أن أغلقت الهاتف وضبطت المنبه تنفيذا لتعليمات يونس، فقد اقترب حفل التخرج ويونس قلق علي كعادته، كيف أجعله يتوقف عن القلق ؟ كان وقت الفجر الذي أعشقه، توضأت فهدأ جسدي وأحسست براحة، وعندما انتهيت من الصلاة فتحت المصحف بشكل عشوائي فقرأت آيات الذكر الحكيم تروي جزءا من قصة سيدنا موسى عليه السلام مع سيدنا الخضر، كم بدا الخير شرا لسيدنا موسى عندما صاحبه ! وكان في أصله خير كبير عند الله يختبئ لأصحابه، كم مرة قرأت فيها هذه الآيات؟ ألا أقرأ القرآن متدبرة ؟ أم أنني أمرره على لساني دون فهم حقيقي وتواصل ؟ كم كنت جاهلة في حكمي على الدكتور صالح! وتذكرت رسالة فتاة الحلم وهي تقول «ليس كل ما نراه حقا، قد يرتدي الباطل ثوب الحق، ابحثي عن الحقيقة! الموت يُظهر الحقيقة !»
لقد كانت علامة من الله .. ما أجهلنا بحقائق الأمور.
وبواطنها، وما أكثر صدمات الحياة التي يجب أن نصمد أمامها، تذكرت عم سيد وما لاقاه من ألم لم يعلمه عنه أحد، وتذكرت الموت مرة أخرى وتساءلت في نفسي.. «ما العبرة التي يقدمها لنا الموت على طبق رائق شفاف؟ علينا أن نتذكر الموت في أحلى
أوقات حياتنا و أصفاها .. الموت مرحلة أخرى من الحياة».
نبهتني أمي من شرودي بصوتها العذب وهي تقول:

- عرفت أنك استيقظت فأحضرت قهوتك يا فريدتي..

انتفضت في مرح وقمت أقبلها وأحتضنها بعمق، كان قبلتي على جبينها حمدا لله على وجودها في حياتي، إلى أن ضحكت وقالت:

- ما كل هذه القبلات؟ ادخري بعضها بعد أن تعلمي أنني قد نظفت لك الرداء الأزرق الحفل التخرج، ليكون جاهزا إذا لم تبتاعي رداء جديد كما تمنيت.

تذكرت حفل التخرج وقلت:

- لقد نسيت الأمر تماما .. لا حرمني الله منك يا أمي.

قالت وهي ترتب الغرفة بتلقائية شديدة كعادة كل الأمهات :

- أعلم جيدا هذا .. أنت ابنتي التي أحفظها عن ظهر قلب..

ثم التفتت إلى بنظرة لائمة وقالت..

- كما أعلم انشغالك في الفترة الفائنة بأمور لم تحك لي عنها .

ضحكت وقلت:

- سوف أحك كل شيء يا حبيبتي في وقته، الآن دعيني لأستعد فأنا على موعد مع حنين.

- لن تذهب حنين لشراء رداء جديد فقد اشترت لها أمها فانا وسوف يذهبان اليوم عند الخياط لتجهيزه.. لقد ها تفتني صاحبتك يا حلوة.

قلت في تعجب..

- ولماذا لم تهاتفني أنا ؟

قالت أمي في عدم اكتراث وهي لا تزال ترتب الغرفة وتخرج منها وتدخل ..

النوم الاسودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن