(37)

6 2 0
                                    


جاءنا صوت الشيخ« محمد محمود الطبلاوي» من كاسيت السيارة يخاطب قلوبنا الحزينة، وانطلق يونس بسيارته يجلس بجانبه سليم وأنا وحنين في المقعد الخلفي إلى مسجد« السيدة نفيسة»، حيث أوصى الدكتور صالح بصلاة الجنازة هناك لمحبته الشديدة للمكان، ذكريات البارحة تأكل عقلي، هل حقا نموت هكذا بكل بساطة ؟ الرجل تأنق واستعد وودعنا بل وكتب وصيته وكل ما يملك قبلها بيوم واحد لم يتمالك سليم نفسه فأخذ يبكي ويقول...

ـ لقد سلم روحه الله بعد انتهائه من صلاة الجمعة مباشرة في المسجد، لقد أثلجت صدري حسن خاتمته.. الشيء الوحيد الذي يعتصرني ألما أنني لم أودعه، كنت أتمنى لقاءه وشكره على كل ما فعله من أجلي لسنوات كثيرة .. الحمد لله على جميع قدره.

وصلنا ورأيت عم سيد وكثير من الطلبة وطاقم التدريس وتذكرت كل ما مررت به من مراسم جنازة ودفن وعبرة يوم وفاة أبي، لماذا نسميه يوم الوفاة ولا نسميه يوم اللقاء؟ يوم لقاء الله، هذا يهون الأمر كثيرًا، وتفكرت قليلا .. أليست ملاقاة الله بالشيء الطيب؟ أليس هو الرحمن الرحيم؟ لماذا لم نقل بسم  الله القدير المتعال ؟ أو بسم الله المنتقم الجبار؟ لماذا كانت البسملة بالرحمن الرحيم؟ لأنه رحمن رحيم بعباده في حياتهم ولقائهم .. فالأجدر بنا ألا نخاف الموت لأنه لقاء مع الرحمن الرحيم. لكن
قبلا يجب أن نتجهز بما يليق بلقاء خالقنا. بعد مرور عدة أيام ذهبنا لمقابلة سليم بناء على دعوته باكرا، للمرة الثانية أزور نفس المنزل لكن بغير وجود صاحبه الأصلي، في كل خطوة أتذكر الدكتور صالح رحمه الله، يكفيني أنه في مكان أفضل من دنيانا هذه، فتح لنا الباب سليم وقد بدا متأنقا كأنه على ميعادا خفق قلبي وسألته...

- هل أنت على ميعاد ؟

أردف ...

- نعم لكن بعد ساعات.. تفضلا ...

دخلنا وجلسنا في نفس غرفة المعيشة، لم يتغير شيء، حفظ سليم كل شيء في مكانه وحافظ على نظافته وترتيبه، كنا في حالة شغف لمعرفة السر وراء الدعوة، أشعل سليم السبرتاية وقد سيطر الصمت علينا ننتظره أن يبدأ، انتهى من صنع القهوة
وجلس وبدأ في حديث لم نقطعه...

- أعلم أنكما تريدان معرفة سر هذا اللقاء الباكر، وأنا على استعداد الآن، لم أكن كذلك طيلة السنوات الفائتة، لكنني أشعر أن روحي يجب أن تتحرر من ثقل وزرها، أنتما أصحاب فضل علي بعد فضل الله تعالى في شفائي، فقد أنهكت يونس كثيرًا والدكتور صالح رحمه الله.

نظرنا إلى بعضا وفهمنا أنها مقدمة لشيء هام وأكمل:

- عندما أحببت شمس علمت أن الأمر مستحيل، فهي من عائلة ثرية وأنا من عائلة فقيرة، لن يتركها أهلها أبدا، لكنها حاريت بكل ما أوتيت من قوة لكي نبقى معا، كانت قوية وكنت ضعيفًا، إلى أن تمت خطبتنا تحت ضغط كبير، حتى إنها ساعدتني بالمال لكي أبتاع خاتم الخطوبة، كان الأمر مؤلما بالنسبة لي كرجل، لكنني تجاوزته وعقدت العزم على فعل أي شيء لأتزوجها، حينها لاحظت إعجاب قابيل بها لكنها لم تخبرني قط، كان نرجسياً حاقدًا إلى أقصى درجة ، ثم تبدلت معاملته معي من التجاهل والاحتقار إلى الاهتمام، اعتقدت أنه تغير بالفعل وبدأ علاجه من نرجسيته، بدأ يتحدث عن تكاليف الزواج وكيفية الحصول على المال، كان قابيل يختار من الآلات الباهظة الثمن أجودها فيعيبها، تعلمون أن الأوتار لا بد أن تكون مضبوطة وسليمة لتنضبط النغمات انضباط النغمات مهم للغاية في تعليم الموسيقى، وإلا تعلم الطلبة النغمات الخاطئة، لذلك كان يعيب الأوتار ويصنع بعض الأعطاب في تلك الآلات تحديدا ثم يحيلها
إلى مخزن الهالك، ثم يبيعها بعد فترة بمساعدة عم سيد.

النوم الاسودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن