(31)

8 2 0
                                    


في طريقنا إلى البيت طلبت من يونس أن نجلس قليلا في الكافيتريا القريبة من بيتنا، فوافق شرط ألا تزيد عن ساعة على الأكثر فوافقت، كنت أرى أن الوقت ما زال مبكرا لاستعدادات الغد، أحضر النادل لنا القهوة، كان يونس في عالم آخر، يفكر كثيرا في كل ما قاله الدكتور صالح، أنا أيضا كنت كذلك، وإن تظاهرت بعكسه لأغير كل هذه الأجواء القلقة حولنا، أريد أن أفرح أمسك يونس بهاتفه وطلب رقمها ما انتظر قليلا ثم قال:

- عم سيد.. الآن جاء الوقت لتثبت لنا حسن نواياك

نظرت إليه في فضول وأنا أرتشف قهوتي فأكمل...

- أريدك أن تقول لقابيل أنك سمعتني اتحدث عبر الهاتف وأقول أنني قد علمت بأمره... ولا تفاصيل أخرى، هذا كل ما في الأمر.

سكت لبرهة ثم قال:

- حسنا سوف انتظرك.

نظرت إليه في قلق وأردفت في ضيق :

- لماذا يا يونس ؟ دعنا في مأمن من كل هذا على الأقل لفترة .. أريد أن أفرح.. هل هذا كثير علي ؟

التفت إلى يونس وكاد يجيبني؛ لكنه نظر بعيدًا وقال:

- أليست هذه حنين ؟

التفت إليها، كانت نتجه إلى إحدى المقاعد شاردة فناديت عليها ..

- حنين ..

انتبهت إلينا، فأشارت لي واتجهت نحونا، عندما اقتربت رأيت على وجهها كآبة لم أعهدها.. اقتربت وحيتنا ثم جلست واجمة على غير عادتها ! نظرت إليها وقلت:

- ألم يفترض أن تكوني عند الخياط طوال اليوم؟

قالت دون اكتراث ...

- أمي لا تزال هناك، استأذنتها وكأنني سوف أبتاع شيئًا وأعود مجددًا.

نظر إليها يونس في توجس وقال...

- هل أطلب لك القهوة ؟ أم شيئًا آخر ؟

كانت نظرات حنين غريبة وزائغه، أردفت:

- قهوة ستفي بالغرض.. رأسي سينفجر .

اقتربت منها وقلت:

- ماذا بك يا حنين ؟

نظر إلى يونس وقد ضاقت عيناه بلؤم ثم سألها ....

- هل يتعلق الأمر بكريم؟

أجهشت حنين بالبكاء حينها وقمت من مكاني أهدئ من روعها، إلى أن هدأت قليلا ثم قالت:

- للأسف هو كذلك.

نظر يونس إليها في شفقة وقال:

- هل تشاجرتما ؟

- نظرت إلى حنين وقالت...

- حسبته رجلا يا فريدة .. قال إنه سوف يجيء إلى مصر لمدة يومين فقط لحضور حفل تخرجي والاحتفال به، هيأ لي خيالي أنه سوف يطلب يدي من أبي، خاصة وأنه قد... حسبته يريد أن يستقر و.... لكنه لم يكن كذلك !!

أصابني القلق عليها وقلت...

- ماذا حدث؟ أنا لا أفهم شيئًا !

تغيرت نظرة يونس وجلسته وقال في سخرية ..

- قال إنك تعجبينه ويريد العيش معك ؟ ذكر فكرة الارتباط بين الأصدقاء؛ لكنه لم يذكر الزواج صراحة .. أليس كذلك؟

نظرت إليه حنين مندهشة وقالت:

-بالضبط يا يونس.. كيف عرفت؟!

رد عليها :

- لقد حذرني الدكتور صالح بالفعل.. وأوضح أن سمعته لیست طيبة في هذا الشأن، لكنني لا أحكم على الأشخاص إلا بأفعالهم، لا أعلم ماذا حدث لعقول الناس ! تكررت رؤيتي لمثل هذه الحالة مؤخرًا في مجتمعنا للأسف الشديد .

أردفت حنين وما زالت تبكي:

- تخيل أنه يدعوني إلى العيش معه دون زواج، يسميها حياة حرة دون قيود تُضعف حبنا !! كانت صدمتي فيه كبيرة! لم أصدق.. ناقشته بحسن نية لأفهم وجهة نظره فحلل الكثير من المحرمات وقلب تفسير الآيات، حتى احترام الآباء والقيم والأخلاق وكل هذه الأشياء لها عنده ردود غير مقنعة حتى لفتاة مراهقة، أهذا هو الشخص الذي كدت أحبه وأتمناه زوجاً؟

ثم نظرت إلي منكسرة وقالت باكية ...

- أهذا ما أستحقه حقا يا فريدة؟ لماذا رآني في هذه المنطقة ال العفية ؟

احتضنتها ونظرت مباشرة إلى عينيها وأنا أقول:

- لقد أنار الله بصيرتك، أعيدي تقييم نفسك من جديد.... ولا تقبلي بأقل مما تستحقين.

نظر إلي يونس في ثقة وقال...

- سبحان الله .. لم أرتح إليه منذ البداية ولم يكذب قلبي قط كذلك بدا واضحا أن حديث الدكتور صالح عنه صحيح.

أردفت حنين ..

- ماذا قال عنه ؟

رددت أنا عليها:

- سوف أحكي لك لاحقا يا حنين كل ما حدث.. المهم أن تهدئي الآن، تذكري أن الغد من أهم أيام عمرك وهو لا يستحق منك البكاء، الحمد لله أن قناعه قد سقط مبكرا.

رن هاتف يونس حينها فالتقطه في لهفة وأجابه وابتعد قليلا بينما أواسي حنين ثم أغلق هاتفه وقال دون أن نسأل:
- عم سيد يقول أن نأخذ حذرنا من قابيل.

                              ***

النوم الاسودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن