لن يشعر انسان بآخر في أوقات الشده الشديده علي النفس ، قد يتعاطف معه أو يقدم ما يقدر عليه من واجبات ، ولكن بالتأكيد لن يرتدي حذائه مهما كان قريبا منه ، والشرط الأساسي وان لم يعلن أن هناك رصيد في العلاقه يسمح بذلك ، أما علاقتي بحنين الان شئ لم ارة من قبل ، أن أجد من يحنو علي دون وجود رصيد مسبق ، دون مقابل ،ان تتعاطف معي أو أن تشعر بي دون خوض نفس تجربه الالم من قبل !
لم استسغ ذلك في بادئ الأمر إلي أن بدأت معرفتنا تتطور الي صداقه تتوطد أكثر فأكثر كل يوم ،فصرت انا وحنين اقرب الي بعض من اي وقت مضي ،اخبر بعضنا البعض بتلك الاسرار الخاصه كما تفعل البنات الأمور العاطفيه البائسه التي تجعل كل منا تتأكد أنها ليست الوحيده في دنيا الحظ الخائن .
هذه الفتاه التي حكمت عليها لا إراديا في عقلي الباطني ، أنها بشكل قطعي لا تصلح للصداقه في يوم من الايام ، كانت الافضل من بين اصدقائي القدامي من الفرقه الموسيقيه التي عزفت بها لسنوات معهم ، كانت أكثر اخلاصا ومؤازره في وقت محنتي .. فبعضهم قامو بواجب العزاء عبر الهاتف ، والبعض الآخر لم يسأل عني ولو مره واحده ،اعلم جيدا أنهم لا يفضلون الانغماس في هذه المناسبات ، لأنها تجلب الكثير من الطاقه السلبيه علي حد قولهم وقولي معهم في الماضي !
الان انا في مناسبه تجلب الكثير من الطاقه السلبيه .. فأجد بجانبي .. صديقه جديده ، كانت ابعد ما تكون عن خاطري ، علي الرغم من أنها الابنه الوحيده لأبوين مسنين يحتاجان الكثير من الرعايه اليوميه ، إلا أنها لم تقصر معي في يوم من الايام منذ رحيل ابي .
جلست معها في كافتريا علي النيل مباشره كانت قريبه من منازلنا ، نظرنا طويلا الي الماء الساكن في هدوء ، كان هذا المشهد هو ما احتاجه كل يوم ، أن أنظر الي هدوء النهر كأنني الحادث نفسي ، لكن حنين كانت تصر علي مرافقتي حتي لو جلست صامته ، هذه المره نظرت إلي وسألتني وكأنها تسال نفسها هي الأخري .._ قولي لي يا فريده الان .. ماذا تتمنين من الدنيا ؟
تركت النهر ونظرت إليها واكتشفت أنني لم اسال نفسي هذا السؤال من قبل ..وقلت شارده :
_ حقا لا اعلم
قالت هي ..
_ لا بد أن تسالي لتعلمي .. انا اسال نفسي هذا السؤال بشكل دوري .
في فضول سالتها ..
_ وهل علمت ؟
تنهدت وعادت تنظر إلي النهر وقالت ..
_ في كل مره تتغير الاجابه ، الي الان ما اتمناه من الدنيا مرتبط بشكل مباشر بظروفي وباهوائي التي تتغير ، واهوائي كلما تغير علي أحد من الاصدقاء أو الاحبه أو تطلعت الي الحياه بشكل مختلف كلما فقدت أحدهم أو كسبته ، احيانا أعتقد أن ما أريده من الحياه هي الماده ، احيانا اريد صداقه لا تنضب ابدا ، أو خلود الأهل ، بلا مرض ولا فراق ولا موت !
ثم ضحكت بسخريه ونظرت الي وقالت ..
_ احلام .. انت لم تفكري ، ماذا تريدين من الحياه من قبل وانا افكر كثيرا .. والنتيجه واحده ، لا نعرف ماذا نريد ، أتعلمين شيئا .. أتمني أن نعرف في الوقت المناسب قبل أن يفوت الأوان .
لم اعلق ونظرت إليها ولم أكن أتوقع أن هذه الفتاه التي تبدو متهوره من الخارج تحمل كل هذا في داخلها ، قالت كأنها تذكرت شيئا ..
_ هاتفني يونس اليوم ليطمئن عليك ، الا تتحدثان؟ هل صدر منه شئ ازعجك ؟
لاح علي وجهي الارتباك ولم اعرف لماذا ثم قلت وانا أنظر إلي النهر :
_ لا شئ .. اريد أن ابقي وحدي فقط .
نظرت إلي وقد فهمت ما يدور بداخلي وقالت ..
_ فريده .. انت خائفه ، الخوف يعم السلبيه ، الخوف للجبناء ، الخوف يحجب متع الحياه ، بل سيوقف الحياه نفسها ، عودي الي طبيعتك التي اثق أن اسمك أخذ نصيبا منها ، كوني انت .. كوني فريده .
***
أنت تقرأ
النوم الاسود
Horror{ ليلة ظهور شبح غرفة الموسيقى } تصعد فريدة إلي الدور الثالث بمبنى كلية التربية الموسيقية، وتحديدًا أمام باب غرفة الموسيقى المهجورة، حيث تبدأ في تذكر كل شيء، لكن ما تتذكره أو تراه أو تحلم به لا يخصها. إنما هو مجرد مفتاح لكشف كل ما حدث وكل ما قد يحدث...